القاسم بن سلام الخراساني الأنصاري أبي عبيد

تاريخ الولادة157 هـ
تاريخ الوفاة224 هـ
العمر67 سنة
مكان الولادةهراة - أفغانستان
مكان الوفاةمكة المكرمة - الحجاز
أماكن الإقامة
  • هراة - أفغانستان
  • خراسان - إيران
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • البصرة - العراق
  • بغداد - العراق
  • سر من رأى - العراق
  • مرو - تركمانستان
  • طرسوس - تركيا
  • طرطوس - سوريا
  • مصر - مصر

نبذة

القاسم بن سلام أبي عبيد الخراساني الأنصاري مولاهم البغدادي، الإمام الكبير، الحافظ، العلامة، أحد الأعلام المجتهدين، وصاحب التصانيف في القراءات، والحديث، والفقه، واللغة، والشعر. ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة السادسة من حفاظ القرآن. وذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.

الترجمة

أبي عبيد القاسم بن سلّام
هو: القاسم بن سلام أبي عبيد الخراساني الأنصاري مولاهم البغدادي، الإمام الكبير، الحافظ، العلامة، أحد الأعلام المجتهدين، وصاحب التصانيف في القراءات، والحديث، والفقه، واللغة، والشعر.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة السادسة من حفاظ القرآن.
وذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.
ولد «أبي عبيد» سنة سبع وخمسين ومائة، وكان والده مملوكا روميّا لرجل من «هراة».
وقد أخذ «أبي عبيد» القراءة عن مشاهير علماء عصره منهم: «علي بن حمزة الكسائي» الإمام السابع من أئمة القراءات، وشجاع بن أبي نصر، وسليمان بن حماد، وإسماعيل بن جعفر، وحجاج بن محمد، ويحيى بن آدم، وهشام بن عمّار» وآخرون.
كما أخذ اللغة من مشاهير علماء اللغة مثل «أبي عبيدة، وأبي زيد الأنصاري» وغيرهما.
كما أخذ الحديث عن خيرة العلماء منهم: «إسماعيل بن جعفر، وشريك بن عبد الله، وإسماعيل بن عياش، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، ويحيى القطان، وإسحاق الأزرق» وخلق كثير.
وكان «أبي عبيد» علما بارزا من علماء القراءات، وقد أخذ القراءة عنه الكثيرون منهم: «أحمد بن إبراهيم ورّاق خلف، وأحمد بن يوسف التغلبي، وعلي ابن عبد العزيز البغوي»، وآخرون .
كما حدث عن «أبي عبيد» الكثيرون، منهم: «نصر بن داود، وأبي بكر الصاغاني، وأحمد بن يوسف التغلبي»، وغيرهم كثير.
وقد صنف «أبي عبيد» في شتى العلوم، مثل القراءات، واللغة، والحديث، والفقه والشعر، وغير ذلك.
يقول «ابن درستويه»: ولأبي عبيد كتب لم يروها قد رأيتها في ميراث بعض الطاهرية تباع كثيرة في أصناف الفقه كله، وبلغنا أنه إذا كان إذا ألّف كتابا أهداه إلى «ابن طاهر» فيحمل إليه مالا خطيرا، والغريب المصنف من أجلّ كتبه في اللغة، قال: ومنها كتابه في الأمثال أحسن تأليفه، وغريب الحديث ذكره بأسانيده، فرغب فيه أهل الحديث، وكذلك كتابه «معاني القرآن» وله كتب في الفقه فإنه عمد إلى مذهب «مالك، والشافعي» فتقلد أكثر ذلك، وأتى بشواهده، وحسّنه باللغة، والنحو، وله في القراءات كتاب جيّد، ليس لأحد من الكوفيين قبله مثله، وكتابه في «الأموال» من أحسن ما صنف في الفقه، وأجوده .
وقال «أحمد بن يوسف»: لما عمل «أبي عبيد» كتاب «غريب الحديث» عرضه على «عبد الله بن طاهر» فاستحسنه وقال: إن عقلا بعث صاحبه على عمل مثل هذا الكتاب لحقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش، فأجرى له عشرة آلاف درهم في الشهر.
يقول «أبي عبيد» رحمه الله: مكثت في تصنيف كتاب «غريب الحديث» أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في الكتاب، فأبيت ساهرا فرحا مني بتلك الفائدة، وأحدكم يجيئني فيقيم عندي أربعة أشهر أو خمسة فيقول: قد أقمت الكثير
ولقد كان «أبي عبيد» من الذين يحترمون أنفسهم، ويكرمونها لتكريم الله لها، وهناك أكثر من شاهد على ذلك: قال «عبد الله بن محمد بن سيّار»: سمعت «ابن عرعرة» من «أبي عبيد» وطمع أن يأتيه في منزله، فلم يفعل «أبي عبيد» حتى كان هو يأتيه.
ولقد كان «أبي عبيد» مع علمه ينطق بالحكمة، فمن ذلك: قول «علي بن عبد العزيز»: سمعت «أبا عبيد» يقول: «المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله» .
ونظرا لمكانة «أبي عبيد» العلمية والسلوكية، والدينية فقد استحق ثناء العلماء عليه: قال «الداني»: «أبي عبيد» إمام أهل دهره في جميع العلوم صاحب سنة، ثقة مأمون.
وقال «عبد الله بن طاهر»: «علماء الإسلام أربعة: عبد الله بن عبّاس في زمانه، والشعبي في زمانه، والقاسم بن معن في زمانه، والقاسم بن سلّام في زمانه» .
وقال «إبراهيم الحربي»: ما مثلت أبا عبيد إلا بجبل نفخ فيه الروح.
وعن «محمد بن أبي بشر» قال: أتيت «أحمد بن حنبل» في مسألة فقال لي: ائت «أبا عبيد» فإن له بيانا لا نسمعه من غيره، قال: فأتيته فشفاني جوابه اهـ.
وقال «عباس الدوري»: سمعت «أحمد بن حنبل» يقول: «أبي عبيد ممن يزداد عندنا كل يوم خيرا» .
وقال «الحسن بن سفيان»: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: «أبي عبيد» أوسعنا علما، وأكثرنا أدبا، وأجمعنا جمعا، إنا نحتاج إليه، ولا يحتاج إلينا. وقال «أبي داود»: «أبي عبيد» ثقة مأمون
توفي «أبي عبيد» سنة أربع وعشرين ومائتين بعد حياة حافلة في تعليم القرآن، واللغة، وحديث النبي عليه الصلاة والسلام. رحم الله «أبا عبيد» رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء
معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ

 

 

أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام الْبَغْدَادِيّ

القَاضِي أحد الْأَعْلَام
روى عَن هشيم وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَابْن عُيَيْنَة ووكيع وَخلق
وَعنهُ عَبَّاس الدوري وَخلق
وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد وَابْن معِين وَأحمد وَغير وَاحِد
وَقَالَ ابْن رَاهَوَيْه أَبُو عبيد أوسعنا علما وأكثرنا أدباً وأكثرنا جمعا أَنا نحتاج إِلَى عُبَيْدَة وَأَبُو عُبَيْدَة لَا يحْتَاج إِلَيْنَا
ولي قَضَاء طرطوس وَفسّر غَرِيب الحَدِيث وصنف كتبا وَمَات بِمَكَّة سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

أبي عبيد: القاسم بن سلام بن عبد الله، ولد بهراة سنة (157هـ) وتوفي في مكة سنة (224هـ أو243هـ)،الإمام الحافظ، المجتهد ذو الفنون ،البغدادي، الهروي،إمام عابد،حجة ثقة، واسع الاطلاع في الفقه وغيره من العلوم،له مصنفات كثيرة منها الأموال. (ينظر طبقات الحنابلة لأبي يعلى1/259؛ وفيات الاعيان4/60؛ سير أعلام النبلاء10/490) .

 

 

الْقَاسِم بن سَلام أبي عبيد كَانَ أبيهُ عبدا روميا لرجل من أهل هراة سمع إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وشريكا وَإِسْمَاعِيل بن عَبَّاس وهشيم بن بشر وَغَيرهم وَكَانَ يقْصد إمامنا أَحْمد بن حَنْبَل فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ بَيته قَامَ واحتضنى وأجلسني فِي صدر مَجْلِسه فَقلت يَا أَبَا عبد الله أَلَيْسَ يُقَال صَاحب الْبَيْت أَو الْمجْلس أَحَق بصدر بَيته أَو مَجْلِسه قَالَ نعم يقْعد وَيقْعد عَلَيْهِ من يُرِيد قَالَ قلت فِي نَفسِي خُذ إِلَيْك يَا أَبَا عبيد قلت يَا أَبَا عبد الله لَو كنت آتِيك على قدر مَا تسْتَحقّ لأتيتك كل يَوْم قَالَ لَا تقل ذَلِك فَإِن لي إخْوَانًا مَا ألقاهم فِي كل سنة إِلَّا مرّة أَنا أوثق فِي مَوَدَّتهمْ مِمَّن القى كل يَوْم قَالَ قلت هَذِه أُخْرَى يَا أَبَا عبيد فَلَمَّا أردْت الْقيام قَامَ معي قلت لَا تفعل يَا أَبَا عبد الله قَالَ قَالَ الشّعبِيّ من تَمام زِيَارَة الزائر يمشي مَعَه إِلَى بَاب الدَّار وَيُؤْخَذ بركابه قلت يَا أَبَا عبد الله من عَن الشّعبِيّ قَالَ ابْن أبي زَائِدَة عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ قلت يَا أَبَا عبيد هَذِه ثَالِثَة وَقَالَ الْأَثْرَم كنت عِنْد أبي عبيد وهم يذكرُونَ الْمسَائِل فجرت مَسْأَلَة فأجبت فِيهَا قَالَ فَقَالَ رجل مِنْهُم من قَالَ هَذَا قلت رجل لَا أعلم بالمشرق وَالْمغْرب أكبر مِنْهُ أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ أبي عبيد صدق جمع صنوفا من الْعلم وَكتب فِيهَا وَيُقَال لما عمل غَرِيب الحَدِيث عرضه على عبد الله بن طَاهِر فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ إِن عقلا بعث صَاحبه على عمل مثل الْكتاب لحقيق أَن لَا يحوج إِلَى طلب المعاش فَأجرى لَهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم فِي كل شهر وَيُقَال أَنه بَقِي فِي تصنيف هَذَا الْكتاب أَرْبَعِينَ سنة وَأول من سَمعه مِنْهُ يحيى بن معِين وقرأه أَيْضا مُصَنفه على عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَغَيره وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل أبي عبيد مِمَّن يزْدَاد عندنَا كل يَوْم خَبرا وَاخْتلف فِي وَفَاته فَقَالَ البُخَارِيّ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة ثَلَاث وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين فِي خلَافَة المعتصم

المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.

 

 

القاسم بن سلام

روى الناس من كتبه المصنفة نيفاً وعشرين كتاباً في القرآن والفقه. وبلغنا أنه كان إذا ألف كتاباً أهداه إلى عبد الله بن طاهر؛ فيحمل إليه مالاً خطيراً استحساناً لذلك. وكتبه مستحسنة مطلوبة في كل بلد، والرواة عنه مشهورون.
وكان أبو عبيد ديناً ورعاً جواداً. قال أبو علي النحوي: حدثنا الفسطاطي، قال: كان أبو عبيد مع ابن طاهر، فوجه إليه أبو دلف يستهديه أبا عبيد مدة شهرين، فأنفذ أبا عبيد إليه، فأقام عنده شهرين فلما أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها، وقال: أنا في جنبة رجل ما يحوجني إلى صلة غيره، ولا أخذ ما فيه علي نقص، فلما عاد إلى ابن طاهر وصله بثلاثين ألف دينار بدل ما وصله أبو دلف؛ فقال: أيها الأمير، إني قد قبلتها، ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرك وكفايتك عنها، وقد رأيت أن أشتري بها سلاحاً وخيلاً، وأوجه بها إلى الثغر، فيكون الثواب متوفراً على الأمير. ففعل.
وقال أحمد بن يوسف: لما عمل أبو عبيد كتاب "غريب الحديث" عرضه على عبد بن طاهر؛ فاستحسنه، وقال: إن عقلاً بعث صاحبه على عمل مثل هذا الكتاب لحقيق ألا يخرج عنا إلى طلب المعاش، فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: عرضت كتاب الحديث على أبي فاستحسنه، وقال: جزاه الله تعالى خيراً.
وقال أبو علي: أول من سمع هذا الكتاب من أبي عبيدة يحيى بن معين.
قال أبو بكر بن الأنباري: كان أبو عبيد يقسم ليله أثلاثاً، فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويضع الكتب ثلثه.
قال أبو حاتم: قال أبو عبيد: مثل الألفاظ الشريفة، والمعاني الظريفة، مثل القلائد اللائحة، في الترائي الواضحة.
وقال هلال بن العلاء الرقي: من الله تعالى على هذه الأمة بأربعة من زمانهم؛ بالشافعي بفقهه بحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبالإمام أحمد بن محمد بن حنبل في المحنة، ولولا ذلك لكفر الناس، وبيحيى بن معين لنفى الكذب عن حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبأبي عبيد القاسم بن سلام لتفسير الغريب من حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ.
وقال إبراهيم بن أبي طالب: سألت أبا قدامة عن الشافعي وابن حنبل وإسحاق وأبي عبيد، فقال: أما أفهمهم فالشافعي، إلا أنه قليل الحديث، وأما أورعهم فابن حنبل، وأما أحفظهم فإسحاق، وأما أعلمهم بلغات العرب فأبو عبيد.
قال إسحاق بن راهويه الحنظلي: أبو عبيد أوسعنا علماً، وأكثرنا أدباً، وأجمعنا جمعاً، إنا نحتاج إلى أبي عبيد، وأبو عبيد لا يحتاج إلينا.
قال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: الحق يحبه الله تعالى؛ أبو عبيد القاسم بن سلام أفقه مني وأعلم مني.
وقال أحمد بن نصر المقرئ: [قال إسحاق بن إبراهيم] : إن الله تعالى لا يستحيي من الحق؛ أبو عبيد أعلم مني، ومن الإمام الشافعي، ومن الإمام أحمد بن حنبل.
وقال أبو عمر الزاهد: سمعت ثعلباً يقول: لو كان أبو عبيد في بني إسرائيل، لكان عجباً.
وقال أحمد بن كامل القاضي: كان أبو عبيد القاسم بن سلام فاضلاً في دينه وفي علمه، ربانيا متفننا في أصناف علوم الإسلام؛ من القرآن والحديث والفقه والغريب والأخبار، حسن الرواية، صحيح النقل، لا نعلم أحداً من الناس طعن عليه في شيء من أمره ودينه.
قال عبد الله بن طاهر: كان للناس أربعة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والقاسم بن معن في زمانه، وأبو عبيد القاسم بن سلام في زمانه.
قال أبو سعيد الضرير: كنت عند عبد الله بن طاهر، فورد عليه نعي أبي عبيد، فقال: يا أبا سعيد، مات أبو عبيد، ثم أنشد يقول:

يا طالب العلم قد أودى ابن سلام ... وكان فارس علم غير محجام
مت الذي كان فيكم ربع أربعة ... لم يلف مثلهم إستار أحكام
خير البرية عبد الله أولهم ... وعامر، ولنعم الثبت يا عام
هما اللذان أنافا فوق غيرهما ... والقاسمان ابن معن وابن سلام
قال إبراهيم الحربي: أدركت ثلاثة لن يرى مثلهم أبداً، وتعجز النساء أن يلدن مثلهم، رأيت أبا القاسم بن سلام؛ ما مثلته إلا بجبل نفخ فيه روح، ورأيت بشر بن الحارث فما شبهته ولا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلاً، ورأيت الإمام أحمد بن حنبل، كأن الله تعالى جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف، يقول ما شاء، ويمسك ما شاء.
وسئل يحيى بن معين عن الكتابة عن أبي عبيد والسماع عنه، فقال: مثلي يسأل عن أبي عبيد! أبو عبيد يسأل عن الناس! لقد كنت عند الأصمعي، إذ أقبل أبو عبيد، فقال: أترون هذا المقبل؟ فقالوا: نعم، قال: لن يضيع الناس ما حيي هذا المقبل.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: أبو عبيد القاسم بن سلام ممن يزداد كل يوم عندنا خيراً.
وقال أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش: توفي أبو عبيد بمكة حرسها الله تعالى سنة ثنتين -أو ثلاث- وعشرين ومائتين، في خلافة المعتصم.
وقال الحسن بن علي: خرج أبو عبيد إلى مكة سنة تسع عشرة ومائتين؛ ومات بها سنة ثلاث وعشرين ومائتين؛ وقيل: سنة أربع وعشرين ومائتين. في خلافة المعتصم بالله تعالى، وبلغ من العمر سبعاً وستين سنة.
نزهة الألباء في طبقات الأدباء - لكمال الدين الأنباري.

 

 

الْقَاسِم بن سَلام بتَشْديد اللَّام الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عبيد
الأديب الْفَقِيه الْمُحدث صَاحب التصانيف الْكَثِيرَة فى الْقرَاءَات وَالْفِقْه واللغة وَالشعر
قَرَأَ الْقُرْآن على الكسائى وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وشجاع بن أَبى نصر

وَسمع الحَدِيث من إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وهشيم بن بشير وَشريك بن عبد الله وَهُوَ أكبر شُيُوخه وَعبد الله بن الْمُبَارك وأبى بكر بن عَيَّاش وَجَرِير بن عبد الحميد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وخلائق آخِرهم موتا هِشَام ابْن عمار
روى عَنهُ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدارمى ووكيع وَأَبُو بكر بن أَبى الدُّنْيَا وعباس الدورى والْحَارث بن أَبى أُسَامَة وعَلى بن عبد الْعَزِيز البغوى وَأحمد بن يحيى البلاذرى الْكَاتِب وَآخَرُونَ
وتفقه على الشافعى رضى الله عَنهُ وتناظر مَعَه فى الْقُرْء هَل هُوَ حيض أَو طهر إِلَى أَن رَجَعَ كل مِنْهُمَا إِلَى مَا قَالَه الآخر كَمَا سنشرح ذَلِك
ولد بهراة وَكَانَ أَبوهُ فِيمَا يذكر عبدا لبَعض أَهلهَا وتنقلت بِهِ الْبِلَاد وَولى قَضَاء طرسوس ثمَّ حج بِالآخِرَة فتوفى بِمَكَّة سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه الْحق يحب لله أَبُو عبيد أفقه منى وَأعلم منى أَبُو عبيد أوسعنا علما وأكثرنا أدبا إِنَّا نحتاج إِلَى أَبى عبيد وَأَبُو عبيد لَا يحْتَاج إِلَيْنَا
قَالَ الْحَاكِم هُوَ الإِمَام المقبول عِنْد الْكل
وَقَالَ أَبُو بكر الأنبارى وَكَانَ أَبُو عبيد قد جزأ اللَّيْل ثَلَاثَة أَجزَاء ثلثا ينَام وَثلثا يصلى وَثلثا يطالع الْكتب
وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد كَانَ أَبُو عبيد مؤدبا صَاحب نَحْو وعربية وَطلب الحَدِيث وَالْفِقْه وَولى قَضَاء طرسوس أَيَّام ثَابت بن نصر بن مَالك وَلم يزل مَعَه وَمَعَ وَلَده وَقدم بَغْدَاد ففسر بهَا غَرِيب الحَدِيث وصنف كتبا وَحدث وَحج فتوفى بِمَكَّة سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ عَبَّاس الدوري سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول أَبُو عبيد مِمَّن يزْدَاد عندنَا كل يَوْم خيرا

وَقَالَ أَبُو قدامَة سَمِعت أَحْمد يَقُول أَبُو عبيد أستاذ
وَقَالَ حمدَان بن سهل سَأَلت يحيى بن معِين عَن أَبى عبيد فَقَالَ مثلى يسْأَل عَن أَبى عبيد أَبُو عبيد يسْأَل عَن النَّاس
وَقَالَ أَبُو دَاوُد ثِقَة مَأْمُون
قَالَ الدارقطنى ثِقَة إِمَام جبل
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغنى بن سعيد فى كتاب الطَّهَارَة لأبى عبيد حديثان مَا حدث بهما غَيره وَلَا حدث بهما عَنهُ غير مُحَمَّد بن يحيى المروزى
أَحدهمَا حَدِيث شُعْبَة عَن عَمْرو بن أَبى وهب
وَالْآخر حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن سعيد المقبرى حدث بِهِ عَن يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله وَحدث بِهِ النَّاس عَن يحيى عَن ابْن عجلَان
وَقَالَ ثَعْلَب لَو كَانَ أَبُو عبيد فى بنى إِسْرَائِيل لَكَانَ عجبا
وَقَالَ القاضى أَبُو الْعَلَاء الواسطى أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر التميمى حَدثنَا أَبُو على النحوى حَدثنَا الفسطاطى قَالَ كَانَ أَبُو عبيد مَعَ عبد الله بن طَاهِر فَبعث إِلَيْهِ أَبُو دلف يستهديه أَبَا عبيد مُدَّة شَهْرَيْن فأنفذه إِلَيْهِ فَأَقَامَ شَهْرَيْن فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف وَصله بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فَلم يقبلهَا وَقَالَ أَنا فى جنَّة رجل لم يحوجنى إِلَى صلَة غَيره فَلَمَّا عَاد إِلَى ابْن طَاهِر وَصله بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير قد قبلتها وَلَكِن قد أغنيتنى بمعروفك وبرك وَقد رَأَيْت أَن أشترى بهَا سِلَاحا وخيلا وأوجه بهَا إِلَى الثغر ليَكُون الثَّوَاب متوفرا على الْأَمِير فَفعل
قيل وَكَانَ أَبُو عبيد إِذا صنف كتابا أهداه إِلَى عبد الله بن طَاهِر فَيحمل إِلَيْهِ مَالا خطيرا اسْتِحْسَانًا لذَلِك

وَقَالَ عبد الله بن طَاهِر الْأَئِمَّة للنَّاس أَرْبَعَة ابْن عَبَّاس فى زَمَانه والشعبى فى زَمَانه وَالقَاسِم بن معن فى زَمَانه وَأَبُو عبيد فى زَمَانه
وَقَالَ عَبْدَانِ بن مُحَمَّد المروزى حَدثنَا أَبُو سعيد الضَّرِير قَالَ كنت عِنْد عبد الله بن طَاهِر فورد عَلَيْهِ نعى أَبى عبيد فَأَنْشَأَ يَقُول
(يَا طَالب الْعلم قد مَاتَ ابْن سَلام ... وَكَانَ فَارس علم غير محجام)
(مَاتَ الذى كَانَ فِينَا ربع أَرْبَعَة ... لم يلق مثلهم إستار أَحْكَام)
(خير الْبَريَّة عبد الله أَوَّلهمْ ... وعامر ولنعم التلو يَا عَام)
(هما اللَّذَان أنافا فَوق غَيرهمَا ... والقاسمان ابْن معن وَابْن سَلام)
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
حكى الأزهرى فى التَّهْذِيب عَن أَبى عبيد الْقَاسِم بن سَلام فى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يَمُوت لمُسلم ثَلَاثَة من الْوَلَد فَتَمَسهُ النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقسم) أَن المُرَاد بِهَذَا الْقسم قَوْله تَعَالَى {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} فَإِذا مر بهَا متجاوزا لَهَا فقد أبر الله قسمه
ثمَّ اعْتَرَضَهُ الأزهرى بِأَنَّهُ لَا قسم فى قَوْله {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} فَكيف يكون لَهُ تَحِلَّة قَالَ وَلَكِن معنى قَوْله إِلَّا تَحِلَّة الْقسم إِلَّا التعزيز الذى لَا ينداه مِنْهُ مَكْرُوه وَأَصله من قَول الْعَرَب ضَربته تحليلا وضربته تعزيرا أى لم أبالغ فى ضربه وَأَصله من تَحْلِيل الْيَمين وَهُوَ أَن يحلف الرجل ثمَّ يسْتَثْنى اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا بِالْيَمِينِ يُقَال آلى فلَان ألية لم يتَحَلَّل أى لم يسْتَثْن ثمَّ جعل ذَلِك مثلا لكل شىء قل وقته

وَمِنْه قَول الشَّاعِر
(نَجَائِب وقعهن الأَرْض تَحْلِيل ... )
أى قَلِيل هَين يسير
وَيُقَال للرجل إِذا أمعن فى وَعِيد أَو أفرط فى قَول حلا أَبَا فلَان أى تحلل فى يَمِينك جعله فى وعيده كحالف فَأمره بِالِاسْتِثْنَاءِ
قلت وَهُوَ اعْتِرَاض عَجِيب فَإِن الْقسم مُقَدّر فى قَوْله {وَإِن مِنْكُم} لِأَن الْقسم عِنْد النُّحَاة يتلَقَّى بالنفى وَالْإِثْبَات وَالتَّقْدِير وَالله إِن مِنْكُم إِلَّا واردها أَو أقسم إِن مِنْكُم إِلَّا واردها
يدل عَلَيْهِ شَيْئَانِ
أَحدهمَا قَوْله تَعَالَى بعد ذَلِك {كَانَ على رَبك حتما مقضيا} قَالَ الْحسن وَقَتَادَة قسما وَاجِبا وروى عَن ابْن مَسْعُود
والثانى هَذَا الحَدِيث فقد فهم الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقسم مِنْهُ وَقَول الأزهرى وَأَصله من قَوْلهم ضَربته تحليلا إِلَى قَوْله جعله فى وعيده كحالف مِمَّا يدل على مَا ذَكرْنَاهُ فَإِنَّهُ لَو لم يقدر أَنه حَالف مَا صَحَّ شىء مِمَّا ذكرنَا
ذهب أَبُو عبيد إِلَى أَن من طلقت فى طهر وجامعها فِيهِ زَوجهَا لَا تنقضى عدتهَا إِلَّا بالطعن فى الْحَيْضَة الرَّابِعَة وَجعله الجيلى فى شرح التَّنْبِيه مَذْهَبنَا وَهُوَ خلاف نَص الْمُخْتَصر وتصريح الْأَصْحَاب

قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلَعَلَّ الجيلى اعْتقد أَبَا عبيد من أَصْحَابنَا فاقتصر على حِكَايَة مذْهبه
قلت هَذَا كَلَام عَجِيب أَبُو عبيد لَا ريب فى أَنه من أَصْحَابنَا وَلَكِن ذَلِك لَا يسوغ حِكَايَة قَوْله مذهبا لنا مَعَ تَصْرِيح الْمَذْهَب بِخِلَافِهِ
قَالَ أَبُو عبيد فى قَول الشَّاعِر
(فَإِن أدع اللواتى من أنَاس ... أضاعوهن لَا أدع الذينا)
الذى هُنَا لَا صلَة لَهَا وَالْمعْنَى إِن أدع ذكر النِّسَاء لَا أدع ذكر الرِّجَال
قلت هَذَا الْبَيْت للكميت وَهُوَ شَاهد ذكر الْمَوْصُول بِغَيْر صلَة لقَرِينَة
قَالَ أَبُو عبيد فى معنى قَول الشماخ
(وَمَاء قد وَردت لوصل أروى ... عَلَيْهِ الطير كالورق اللجين)
(ذعرت بِهِ القطا ونفيت عَنهُ ... مقَام الذِّئْب كَالرّجلِ اللعين)
إِن فيهمَا تَقْدِيمًا وتأخيرا وَالتَّقْدِير فى الأول وَمَاء كالورق اللجين عَلَيْهِ الطير واللجين الذى قد ضرب حَتَّى تلجن وَالتَّقْدِير فى الثانى مقَام الذِّئْب اللعين كَالرّجلِ انْتهى
ذكره فى كِتَابه فى معانى الشّعْر
قلت فَجعل ورقه كالورق صفة لماء فَيكون قد فصل بَين الْمَوْصُوف وَالصّفة بمتعلق رب المحذوفة وَهُوَ قَوْله وَردت وَعَلِيهِ الطير جملَة وهى صفة ثَانِيَة مؤخرة عَن الصّفة الْوَاقِعَة ظرفا وَهَكَذَا أصل الْكَلَام
وَيجوز أَن يكون المَاء مَوْصُوفا بِثَلَاث صِفَات هَاتين الصفتين وَقَوله قد وَردت وَيكون مُتَعَلق رب إِنَّمَا هُوَ قَوْله ذعرت بِهِ القطا وَلَا يَأْبَى هَذَا الْوَجْه قَول أَبى عبيد وَيكون إِنَّمَا قدر قَوْله كالورق مقدما ليعلمك أَنه من صلَة مَاء لِأَن مَا قبله غير صفة
وَقَوله حَتَّى تلجن أى حَتَّى تلزج وَمِنْه قَوْلهم لجنت الخطمى وَنَحْوه إِذا ضَربته ليثخن وتلجن رَأسه إِذا لم ينق وسخه

واللجين الْخبط عَن ابْن السّكيت وَهُوَ مَا سقط من الْوَرق عِنْد الْخبط وَأنْشد عَلَيْهِ الْبَيْت
والذعر الْفَزع يُقَال ذعرته أذعره ذعرا أفزعته والذعر بِالضَّمِّ الِاسْم وَقَوله مقَام مَحْمُول على أَنه صلَة أى ونفيت عَنهُ الذِّئْب وَهُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ فى قَوْله سُبْحَانَهُ {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان}
وَقَوله اللعين لَا يتَعَيَّن أَن يكون صفة للذئب كَمَا ذكر بل يجوز أَن يكون صفة للرجل أى كَالرّجلِ المبعد الطريد وَرُبمَا يكون ذَلِك أحسن فَإِن التَّشْبِيه لَيْسَ بِالرجلِ من حَيْثُ هُوَ بل بِالرجلِ الْمَوْصُوف باللعين قَالَه الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن هِشَام فى بعض مجاميعه
ذكر أَن الشافعى وَأَبا عبيد رضى الله عَنْهُمَا تناظرا فى الْقُرْء
فَكَانَ الشافعى يَقُول إِنَّه الْحيض وَأَبُو عبيد يَقُول إِنَّه الطُّهْر فَلم يزل كل مِنْهُمَا يُقرر قَوْله حَتَّى تفَرقا وَقد انتحل كل وَاحِد مِنْهُمَا مَذْهَب صَاحبه وتأثر بِمَا أوردهُ من الْحجَج والشواهد
قلت وَإِن صحت هَذِه الْحِكَايَة فَفِيهَا دلَالَة على عَظمَة أَبى عبيد فَلم يبلغنَا عَن أحد أَنه نَاظر الشافعى ثمَّ رَجَعَ الشافعى إِلَى مذْهبه
وَقد حكى الرافعى فى شَرحه هَذِه الْحِكَايَة وَقَالَ إِنَّهَا تقتضى أَن يكون للشافعى قَول قديم أَو حَدِيث يُوَافق مَذْهَب أَبى حنيفَة
قلت وَلَيْسَ ذَلِك بِلَازِم فقد يناظر الْمَرْء على مَا لَا يرَاهُ إِشَارَة للفائدة وإبرازا لَهَا وتعليما للجدل فَلَعَلَّهُ لما رأى أَبَا عبيد يعْتَقد أَنه الْحيض انتصب عَنهُ مستدلا عَلَيْهِ لينقطع مَعَه فَيعلم أَبُو عبيد ضعف مذْهبه فِيهِ وَلِهَذَا يتَبَيَّن أَن الشافعى لم يرجع إِلَى أَبى عبيد فى الْحَقِيقَة لِأَن المناظرة لم تكن إِلَّا لما ذَكرْنَاهُ

وَقَوله حَدِيث كَذَا هُوَ بِالْحَاء والثاء لَا جَدِيد بِالْجِيم وَالدَّال لِأَن أَبَا عبيد من أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيّين فمناظرته إِن صحت كائنة بِبَغْدَاد فَيكون ذَلِك قولا قَدِيما للشافعى أَو حَدِيثا حدث لَهُ بعد أَن كَانَ يخْتَار أَنه الطُّهْر فَيكون الشافعى قَائِلا بِأَنَّهُ الطُّهْر ثمَّ بِأَنَّهُ الْحيض ثمَّ عَائِدًا إِلَى القَوْل بِأَنَّهُ الطُّهْر وَعَلِيهِ مَاتَ وَرُبمَا صحف بَعضهم حَدِيثا بجديد وَلَيْسَ بجيد
ثمَّ قَالَ الرافعى لَو أعلم قَول الغزالى الْأَقْرَاء الْأَطْهَار بِالْوَاو وللمناظرة المحكية لم يكن بَعيدا وَاعْتَرضهُ الزنجانى شَارِح الْوَجِيز بِأَنَّهُ إِن قَالَ هَذَا عَن نقل فَلَا كَلَام وَإِلَّا فالحكاية لَا تدل عَلَيْهِ لِأَن الْإِنْسَان قد يناظر غَيره فِيمَا لَا يَعْتَقِدهُ
قلت وَعَجِبت لَهُ من ذَلِك فَإِن الرافعى لم يعلم بِالْقَافِ حَتَّى يُقَال لَهُ هَذَا وَإِنَّمَا أعلم بِالْوَاو وَإِشَارَة إِلَى مقَالَة أَبى عبيد وعدها وَجها فى الْمَذْهَب لكَونه على الْجُمْلَة من أَصْحَابنَا فَلَا يبعد أَن تعد مقالاته وُجُوهًا وَقد لَا تعد لِأَنَّهُ يتحدث فى هَذِه الْمَسْأَلَة على قَضِيَّة اللُّغَة لَا على قَوَاعِد إِمَام الْمَذْهَب وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَه وَلذَلِك نَاظر صَاحب الْمَذْهَب نَفسه وَلَو كَانَ مخرجا على قَاعِدَته لما ناظره

طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي

 

 

أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ كَبِيرٌ يُقَارَنُ بِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْعِلْمِ غَيْرَ أَنَّهُ يَخْتَارُ فِي الْفِقْهِ وَيَمِيلُ إِلَى الْكُوفِيِّينَ فِي أَكْثَرِهِ وَكَانَ سَاكِنَ بَغْدَادَ مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ

الإرشاد في معرفة علماء الحديث - أبو يعلى الخليلي، خليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني.

 

 

أبي عبيد القاسم هو القاسم بن سلّام بن مسكين بن زيد الهروي البغدادي من أبناء خراسان، كان مولى للأزد، وكان أبيه عبداً رومياً لرجلٍ من هراة، كان يعمل حمّالاً، وُلد أبي عبيد القاسم بن سلّام في هراة، سنة مئةٍ وأربعٍ وخمسين للهجرة النبوية، وتوفي سنة مئتين وأربعٍ وعشرين للهجرة، اشتُهر بعلمه الجمّ في الفقه والحديث والأدب، عمل في القضاء في مدينة طرسوس ثماني عشرة سنةً، وانتقل إلى مصر سنة مئتين وثلاث عشرة للهجرة، ثمّ إلى بغداد. علم أبي عبيد القاسم تلقّى أبي عبيد القاسم العلم عن عددٍ من الشيوخ والعلماء، منهم: إسماعيل بن جعفر، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عياش، وابن المبارك، وسعيد الجمحي، وعبيد الله الأشجعي، وعبد الله بن إدريس، وعبّاد بن عبّاد، وعبّاد بن العوّام، ومروان بن معاوية، ويحيى القطان، ويزيد بن هارون، وتلّقى القرآن عن أبي الحسن الكساني، وشجاع بن أبي نصر البلخي، وإسماعيل بن جعفر، وتعلّم اللغة من أبي عبيدة، وأبي زيد وغيرهما من العلماء، وله عدداً من التصانيف والكتب والمؤلفات، منها: كتاب الأموال، وكتاب الغريب، وكتاب فضائل القرآن، وكتاب الطهور، وكتاب الناسخ والمنسوخ، وفي مقابل تلقّيه للعلم كان شيخاً ومعلّماً لعددٍ من العلماء الذين حدّثوا عنه، منهم: أبي بكر الصاغاني، ونصر بن داود، والحسن بن مكرم، وأحمد بن يوسف التغلبي، وأبي بكر بن أبي الدنيا، وعلي بن عبد العزيز البغوي، والحارث بن أبي أسامة، ومحمد بن يحيى المروزي، وعباس الدوري، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وغيرهم.
منزلة أبي عبيد القاسم ووفاته كان أبي عبيد القاسم قدوةً في العلم والخُلق، وصاحب منزلةً عظيمةً ومكانةً جليلةً، وممّا يدل على ذلك أنّ عبد الله بن طاهر جعله عالم عصره، وقال عنه أحمد بن يحيى: "لو كان أبي عبيد في بني إسرائيل، لكان عجباً"، وكانت وفاته في مكة المكرمة بعد رحلةٍ عظيمةٍ في طلب العلم.

=https://mawdoo3.com/=

 

 

(157 - 224 هـ = 774 - 838 م) القاسم بن سلاَّم الهروي الأزدي الخزاعي، بالولاء، الخراساني البغدادي، أبو عُبيد: من كبار العلماء بالحديث والأدب والفقه. من أهل هراة. ولد وتعلم بها. وكان مؤدبا. ورحل إلى بغداد فولي القضاء بطرسوس ثماني عشرة سنة. ورحل إلى مصر سنة 213 وإلى بغداد، فسمع الناس من كتبه. وحج، فتوفي بمكة. وكان منقطعا للأمير عبد الله بن طاهر، كلما ألف كتابا أهداه إليه، وأجرى له عشرة آلاف درهم.
من كتبه " الغريب المصنف - ط " مجلدان، في غريب الحديث، ألفه في نحو أربعين سنة، وهو أول من صنف في هذا الفن، و " الطهور - خ " في الحديث، و " الأجناس من كلام العرب - خ " و " أدب القاضي " و " فضائل القرآن - خ " و " الأمثال - ط " و " المذكر والمؤنث " و " المقصور والممدود " في القراآت، و " الأموال - ط " و " الأحداث " و " النسب " و " الايمان ومعالمه وسننه واستكماله ودرجاته - خ " في الظاهرية، بدمشق، سماه لي عبيد،
قال عبد الله بن طاهر: علماء الإسلام أربعة: عبد الله بن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والقاسم بن معن في زمانه، والقاسم بن سلّام في زمانه. وقال الجاحظ: " لم يكتب الناس أصح من كتبه، ولا أكثر فائدة ". وقال أبو الطيب اللغوي: أبو عبيد مصنف حسن التأليف إلا أنه قليل الرواية، أما كتابه " الغريب المصنف " فانه اعتمد فيه على كتاب معمر بن المثنى، وكذلك كتابه في " غريب القرآن " منتزع من كتاب معمر .

-الاعلام للزركلي-

 

 

أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي: مات سنة أربع وعشرين ومائتين بمكة وهو ابن سبع وستين سنة. قال إبراهيم الحربي: كان أبو عبيد كأنه جبل نفخ فيه الروح يحسن كل شيء. وولي القضاء بطرسوس ثماني عشرة سنة ومات بمكة.

- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

 

 

أبي عبيد
الإِمَامُ، الحَافِظُ المُجْتَهِدُ، ذُو الفُنُوْنِ أبي عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمِ بنِ عَبْدِ اللهِ.
كَانَ أبيهُ سَلاَّمٌ مَمْلُوْكاً رُوْمِياً لِرَجُلٍ هَرَوِيٍّ. يُرْوَى: أَنَّهُ خَرَجَ يَوْماً، وَوَلَدُهُ أبي عُبَيْدٍ مَعَ ابْنِ أُسْتَاذِهِ فِي المَكْتَبِ فَقَالَ لِلْمُعَلِّمِ: عَلِّمِي القَاسِمَ فَإِنَّهَا كَيِّسَةٌ.
مَوْلِدُ أَبِي عُبَيْدٍ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ جَعْفَرٍ، وَشَرِيْكَ بنَ عَبْدِ اللهِ وَهُشَيْماً وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ وَعَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَسَعِيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيَّ، وَعُبَيْدَ اللهِ الأَشْجَعِيَّ وَغُنْدَراً وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَوَكِيْعاً وَعَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ وَعَبَّادَ بنَ عَبَّادٍ، وَمَرْوَانَ بنَ مُعَاوِيَةَ وَعَبَّادَ بنَ العَوَّامِ، وَجَرِيْرَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ وَأَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرَ، وَيَحْيَى القَطَّانَ وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ وَابْنَ مَهْدِيٍّ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً إِلَى أَنْ يَنْزِلَ إِلَى رَفِيْقِهِ: هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ وَنَحْوِهِ.
وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: أَبِي الحَسَنِ الكِسَائِيِّ وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ وَشُجَاعِ بنِ أَبِي نَصْرٍ البَلْخِيِّ. وَسَمِعَ الحُرُوْفَ مِنْ طَائِفَةٍ.
وَأَخَذَ اللُّغَةَ عَنْ: أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَبِي زَيْدٍ وَجَمَاعَةٍ.
وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ المُونِقَةَ الَّتِي سَارَتْ بِهَا الرُّكبَانُ، وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي القِرَاءاتِ لَمْ أَرَهُ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ لَهُ: كِتَابُ الأَمْوَالِ فِي مُجَلَّدٍ كَبِيْرٍ سَمِعْنَاهُ بِالاتِّصَالِ، وَكِتَابُ الغَرِيْبِ مَرْوِيٌّ أَيْضاً وَكِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ، وَقَعَ لَنَا وَكِتَابُ الطّهُوْرِ وَكِتَابُ النَّاسِخِ وَالمَنْسُوْخِ، وَكِتَابُ المَوَاعِظِ وكتاب الغريب المصنف في علم اللِّسَانِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَهُ بِضْعَةٌ وَعِشْرُوْنَ كِتَاباً.
حَدَّثَ عَنْهُ: نَصْرُ بنُ دَاوُدَ وَأبي بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ التَّغْلِبِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُكْرَمٍ، وَأبي بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى المَرْوَزِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى البَلاَذُرِيُّ وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ أبي عُبَيْدٍ مُؤَدِّباً صَاحِبَ نَحْوٍ، وَعَرَبِيَّةٍ وَطَلَبٍ لِلْحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ وَلِيَ قَضَاءَ طَرَسُوْسَ أَيَّامَ الأَمِيْرِ ثَابِتِ بنِ نَصْرٍ الخُزَاعِيِّ، وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ وَمَعَ وَلَدِهِ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ فَفَسَّرَ بِهَا غَرِيْبَ الحَدِيْثِ، وَصَنَّفَ كُتُباً وَحَدَّثَ، وَحَجَّ فَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَقَالَ أبي سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ فِي تَارِيْخِهِ: قَدِمَ أبي عُبَيْدٍ مِصْرَ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ سَنَةَ ثَلاَثَ عشرة، ومائتين وكتب بها.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: وُلِدَ بِهَرَاةَ، وَكَانَ أبيهُ عَبْداً لِبَعْضِ أَهْلِهَا. وَكَانَ يَتَوَلَّى الأَزْدَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ دُرُسْتَوَيْه النَّحْوِيُّ: وَمِنْ عُلَمَاءِ بَغْدَادَ المُحَدِّثِيْنَ النَّحْوِيِّينَ عَلَى مَذْهَبِ الكُوْفِيِّيْنَ، وَرُوَاةِ اللُّغَةِ وَالغَرِيْبِ عَنِ البَصْرِيِّيْنَ وَالعُلَمَاءِ بِالقِرَاءاتِ، وَمَنْ جَمَعَ صُنُوَفاً مِنَ العِلْمِ وَصَنَّفَ الكُتُبَ فِي كُلِّ فَنٍّ: أبي عُبَيْدٍ، وَكَانَ مُؤَدِّباً لأَهْلِ هَرْثَمَةَ وَصَارَ فِي نَاحِيَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، وَكَانَ ذَا فَضْلٍ وَدِيْنٍ وَسَتْرٍ وَمَذْهَبٍ حَسَنٍ.
رَوَى عَنْ: أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالأَصْمَعِيِّ وَاليَزِيْدِيِّ وَغَيْرِهِم مِنَ البَصْرِيِّيْنَ، وَرَوَى عَنِ: ابْنِ الأَعْرَابِيِّ، وَأَبِي زِيَادٍ الكِلاَبِيِّ وَالأُمَوِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَالأَحْمَرِ.
نَقَلَ الخَطِيْبُ فِي تَارِيْخِهِ وَغَيْرُهُ: أَنَّ طَاهِرَ بنَ الحُسَيْنِ حِيْنَ سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ نَزَلَ بِمَرْوَ فَطَلَبَ رَجُلاً يُحَدِّثُهُ لَيْلَةً فَقِيْلَ: مَا ههنا إلَّا رَجُلٌ مُؤَدِّبٌ فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ أَبَا عُبَيْدٍ فَوَجَدَهُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَيَّامِ النَّاسِ، وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالفِقْهِ فَقَالَ لَهُ: مِنَ المَظَالِمِ تَرْكُكَ أَنْتَ بِهَذِهِ البَلْدَةِ فَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَقَالَ لَهُ: أَنَا مُتَوَجِّهٌ إِلَى حَرْبٍ، وَلَيْسَ أُحِبُّ اسْتِصْحَابَكَ شَفَقاً عَلَيْكَ فَأَنْفِقْ هَذِهِ إِلَى أَنْ أَعُوْدَ إِلَيْكَ فَأَلَّفَ أبي عُبَيْدٍ غَرِيْبَ المُصَنَّفِ، وَعَادَ طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ مِنْ ثَغْرِ خُرَاسَانَ فَحَمَلَ مَعَهُ أَبَا عُبَيْدٍ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى وَكَانَ أبي عُبَيْدٍ ثِقَةً دَيِّناً وَرِعاً كَبِيْرَ الشَّأْنِ.
قَالَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْه: وَلأَبِي عُبَيْدٍ كُتُبٌ لَمْ يِرْوِهَا قَدْ رَأَيْتُهَا فِي مِيْرَاثِ بَعْضِ الطَّاهِرِيَّةِ تُبَاعُ كَثِيْرَةً فِي أَصْنَافِ الفِقْهِ كُلِّهِ وَبَلَغَنَا: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَلَّفَ كِتَاباً أَهدَاهُ إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ فَيَحْمِلُ إِلَيْهِ مَالاً خَطِيْراً، وذكر فصلًا إلى أن قال: والغريب المُصَنَّفُ مِنْ أَجَلِّ كُتُبِهِ فِي اللُّغَةِ احْتَذَى فِيْهِ كِتَابَ النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ المُسَمَّى بِكِتَابِ الصِّفَاتِ بَدَأَ فِيْهِ بِخَلْقِ الإِنْسَانِ، ثُمَّ بِخَلْقِ الفَرَسِ ثُمَّ بِالإِبِلِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ كِتَابِ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَجْوَدُ.
قَالَ: وَمِنْهَا كِتَابُهُ فِي الأَمْثَالِ أَحْسَنَ تَأْلِيْفَهُ، وَكِتَابُ غَرِيْبِ الحَدِيْثِ ذَكَرَهُ بِأَسَانِيْدِهِ فَرَغِبَ فِيْهِ أَهْلُ الحَدِيْثِ، وَكَذَلِكَ كِتَابُهُ فِي مَعَانِي القُرْآنِ حَدَّثَ بِنِصْفِهِ وَمَاتَ.
وَلَهُ كُتُبٌ فِي الفِقْهِ فَإِنَّهُ عَمَدَ إِلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَتَقَلَّدَ أَكْثَرَ ذَلِكَ، وَأَتَى بِشَوَاهِدِهِ وَجَمَعَهُ مِنْ رِوَايَاتِهِ وَحَسَّنَهَا بِاللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَلَهُ فِي القِرَاءاتِ كِتَابٌ جَيِّدٌ لَيْسَ لأَحَدٍ مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ قَبْلَهُ مِثْلُهُ، وَكِتَابُهُ فِي الأَمْوَالِ مِنْ أحسن ما صنف في الفقه وأجوده.
أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ أَخْبَرَنَا أبي العَلاَء القَاضِي أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرْنَا أبي عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ حَدَّثَنَا الفُسْطَاطِيُّ قَالَ: كَانَ أبي عُبَيْدٍ مَعَ ابْنِ طَاهِرٍ فَوَجَّهَ إِلَيْهِ أبي دُلَفٍ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا وَقَالَ: أَنَا فِي جَنَبَةِ رَجُلٍ مَا يَحُوجُنِي إِلَى صِلَةِ غَيْرِهِ، وَلاَ آخُذُ مَا عَلَيَّ فِيْهِ نَقْصٌ فَلَمَّا عَادَ ابْنُ طَاهِرٍ، وَصَلَهُ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! قَدْ قَبِلْتُهَا، وَلَكِنْ قَدْ أَغْنَيْتَنِي بِمَعْرِوْفِكَ، وَبِرِّكَ عَنْهَا وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَشْتَرِيَ بِهَا سِلاَحاً، وَخَيْلاً وَأُوَجِّهَ بِهَا إِلَى الثَّغْرِ لِيَكُوْنَ الثَّوَابُ مُتَوَفِّراً عَلَى الأَمِيْرِ فَفَعَلَ.

قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّكَّرِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ إِمَّا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، أَوْ حُدِّثْتُ بِهِ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا عَمِلَ أبي عُبَيْدٍ كِتَابَ غَرِيْبِ الحَدِيْثِ عُرِضَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ: إِنَّ عَقْلاً بَعَثَ صَاحِبَهُ عَلَى عَمَلِ مِثْلِ هَذَا الكِتَابِ لَحَقِيْقٌ أَنْ لاَ يُحْوَجَ إِلَى طَلَبِ المَعَاشِ. فَأَجْرَى لَهُ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فِي الشَّهْرِ.
كذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: عَشْرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
وَرُوِيَ غَيْرُهُ بِمَعْنَاهُ عَنِ الحَارِثِ بنِ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: حُمِلَ غَرِيْبُ أَبِي عُبَيْدٍ إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ عَاقِلٌ، وَكَتَبَ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بِأَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ. فَلَمَّا مَاتَ ابْنُ طَاهِرٍ أَجْرَى عَلَيْهِ إِسْحَاقُ مِنْ مَالِهِ ذَلِكَ، فَلَمَّا مَاتَ أبي عُبَيْدٍ بِمَكَّةَ أَجْرَاهَا عَلَى وَلَدِهِ.
وذكر وَفَاةِ ابْنِ طَاهِرٍ هُنَا وَهْمٌ؛ لأنَّهُ عَاشَ مُدَّةً بَعْدَ أَبِي عُبَيْدٍ.
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي تَصْنِيْفِ هَذَا الكِتَابِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَرُبَّمَا كُنْتُ أَسْتَفِيْدُ الفَائِدَةَ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ فَأَضَعُهَا فِي الكِتَابِ فَأَبِيْتُ سَاهِراً فَرِحاً مِنِّي بِتِلْكَ الفَائِدَةِ، وَأَحَدُكُم يَجِيئُنِي فَيُقِيمُ عِنْدِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَيَقُوْلُ: قَدْ أَقَمْتُ الكَثِيْرَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَمِعَ الغَرِيْبَ مِنْ أَبِي عُبَيْدٍ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
الطَّبَرَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: عَرَضْتُ كِتَابَ غَرِيْبِ الحَدِيْثِ لأَبِي عُبَيْدٍ عَلَى أَبِي فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ: جَزَاهُ اللهُ خَيْراً.
ووى ابْنُ الأَنْبَارِيِّ عَنْ مُوْسَى بنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: كَتَبَ أَبِي غَرِيْبَ الحَدِيْثِ الَّذِي أَلَّفَهُ أبي عُبَيْدٍ أَوَّلاً.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَرْعَرَةَ يَقُوْلُ: كَانَ طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِبَغْدَادَ فَطَمِعَ فِي أَنْ يَسْمَعَ مِنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَطَمِعَ أَنْ يَأْتِيَهُ في مَنْزِلِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ أبي عُبَيْدٍ حَتَّى كَانَ هُوَ يَأْتِيْهِ فَقَدِمَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ وَعَبَّاسٌ العبنري، فَأَرَادَا أَنْ يَسْمَعَا غَرِيْبَ الحَدِيْثِ، فَكَانَ يَحْمِلُ كُلَّ يَوْمٍ كِتَابَهُ وَيَأْتِيْهِمَا فِي مَنْزِلِهِمَا، فَيُحَدِّثُهُمَا فيه.

قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: خَرَجَ أَبِي إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ يَعُوْدُهُ، وَأَنَا مَعَهُ فَدَخَلَ إِلَيْهِ، وَعِنْدَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ فَدَخَلَ أبي عُبَيْدٍ فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: اقْرَأْ عَلَيْنَا كِتَابَكَ الَّذِي عَمِلْتَهُ لِلْمَأْمُوْنِ غَرِيْبَ الحَدِيْثِ فَقَالَ: هَاتُوْهُ فَجَاؤُوا بِالكِتَابِ فَأَخَذَهُ أبي عُبَيْدٍ فَجَعَلَ يَبْدَأُ يَقْرَأُ الأَسَانِيْدَ، وَيَدَعُ تَفْسِيْرَ الغَرِيْبِ فَقَالَ أَبِي: دَعْنَا مِنَ الإِسْنَادِ نَحْنُ أَحْذَقُ بِهَا مِنْكَ فَقَالَ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ لأَبِي: دَعْهُ يَقْرَأُ عَلَى الوَجْهِ فَإِنَّ ابْنَكَ مَعَكَ، وَنَحْنُ نَحْتَاجُ أَنْ نَسْمَعهُ عَلَى الوَجْهِ. فَقَالَ أبي عُبَيْدٍ: مَا قَرَأْتُهُ إلَّا عَلَى المَأْمُوْنِ فَإِنْ أَحْبَبْتُم أَنْ تَقْرَؤُوهُ فَاقْرَؤُوهُ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: إِنْ قَرَأْتَهُ عَلَيْنَا، وَإِلاَّ لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيْهِ.
وَلَمْ يَعْرِفْ أبي عُبَيْدٍ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ فَقَالَ لِيَحْيَى: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ.
فَالتَزَمَهُ، وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا فَمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ المَجْلِسَ جَازَ أَنْ يَقُوْلَ: حَدَّثَنَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلاَ يَقُوْلُ.
رَوَاهَا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ الهُجَيْمِيُّ عَنْ جَعْفَرٍ.
قَالَ أبي بَكْرٍ بنُ الأَنْبَارِيِّ: كَانَ أبي عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقْسِمُ اللَّيْلَ أَثَلاَثاً فَيُصَلِّي ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ ثلثه ويصنف الكتب ثلثه.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي مُقَاتِلٍ البَلْخِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ لأَسْمَعَ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ فَقَدِمْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ فَقَالَ: مَهْمَا سُبِقْتَ بِهِ فَلاَ تُسْبَقَنَّ بِتَقْوَى اللهِ وَقَالَ أبي حَامِدٍ الصَّاغَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ القَاسِمَ بنَ سَلاَّمٍ يَقُوْلُ: فَعَلْتُ بِالبَصْرَةِ فِعْلَتَيْنِ أَرْجُو بِهِمَا الجَنَّةَ: أَتَيْتُ يَحْيَى القَطَّانَ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أبي بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقُلْتُ: مَعِيَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ يَشْهَدَانِ أَنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: أَنْتَ حَدَّثْتَنَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ عَنِ النَزَّالِ بنِ سَبْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ فَقَالَ: أَمَّرْنَا خَيْرَ مَنْ بَقِيَ، وَلَمْ نَأْلُ قَالَ: وَمَنِ الآخَرُ؟ قُلْتُ: الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ المِسْوَرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ يَقُوْلُ: شَاوَرْتُ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِيْنَ، وَأُمَرَاءَ الأَجْنَادِ وَأَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أَرَ أَحَداً يَعْدِلُ بِعُثْمَانَ قَالَ: فَتَرَكَ يَحْيَى قَوْلَهُ وَقَالَ: أبي بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ.
قَالَ: وَأَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ الخُرَيْبِيَّ فَإِذَا بَيْتُهُ بَيْتُ خَمَّارٍ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: مَا اخْتَلَفَ فِيْهِ أَوَّلُنَا وَلاَ آخِرُنَا قُلْتُ: اخْتَلَفَ فِيْهِ أَوَّلُكُم وَآخِرُكُم قَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيْدَةَ قَالَ: اخْتُلِفَ عَلَيَّ فِي الأَشْرِبَةِ فَمَا لِيَ شَرَابٌ مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً إلَّا عَسَلٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ مَاءٌ قَالَ: وَمَنْ آخِرُنَا؟ قُلْتُ: عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ قَالَ: فَأَخْرَجَ كُلَّ مَا فِي مَنْزِلِهِ فأهراقه.

أبي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعَنِي ابْنُ إِدْرِيْسَ أَتَلَهَّفُ عَلَى بَعْضِ الشُّيُوْخِ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عُبَيْدٍ مَهْمَا فَاتَكَ مِنَ العِلْمِ، فَلاَ يَفُوْتَنَّكَ من العمل.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ الكَارِزِيَّ سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: المُتَّبِعُ السُّنَّةَ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ هُوَ اليَوْمَ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ ضَرْبِ السَّيْفِ فِي سَبِيْلِ اللهِ.
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: مَثَلُ الأَلْفَاظِ الشَّرِيْفَةِ، وَالمَعَانِي الظَّرِيْفَةِ مَثَلُ القَلاَئِدِ اللاَّئِحَةِ فِي التَّرَائِبِ الوَاضِحَةِ.
قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَتَبَيَّنُ فِي عَقْلِ الرَّجُلِ أَنْ يَدَعَ الشَّمْسَ، وَيَمْشِيَ فِي الظِّلِّ.
وَبإِسْنَادِي إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ البَادَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الزَّبِيْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِ الطَّيَالِسِيُّ سَمِعْتُ الهِلاَلَ بنَ العَلاَءِ الرَّقِّيَّ يَقُوْلُ: مَنَّ اللهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ بِأَرْبَعَةٍ فِي زَمَانِهِم: بِالشَّافِعِيِّ تَفَقَّهَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِأَحْمَدَ ثَبَتَ فِي المِحْنَةِ لَوْلاَ ذَلِكَ كَفَرَ النَّاسُ، وَبِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ نَفَى الكَذِبَ عَنِ الحَدِيْثِ، وَبأَبِي عُبَيْدٍ فَسَّرَ الغَرِيْبَ مِنَ الحَدِيْثِ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لاَقْتَحَمَ النَّاسُ فِي الخَطَأِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَبَا قُدَامَةَ عن الشافعي، وأحمد إسحاق وَأَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ: أَمَّا أَفْقَهُهُم فَالشَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، وَأَمَّا أَوْرَعُهُم: فَأَحْمَدُ وَأَمَّا أَحْفَظُهُم: فَإِسْحَاقُ، وَأَمَّا أَعْلَمُهُم بِلُغَاتِ العَرَبِ فَأبي عُبَيْدٍ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْظَلِيَّ يَقُوْلُ: أبي عُبَيْدٍ: أَوْسَعُنَا عِلْماً وَأَكْثَرُنَا أَدَباً وَأَجْمَعُنَا جَمْعاً إِنَّا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَيْنَا سَمِعَهَا الحَاكِمُ مِنْ أَبِي الوَلِيْدِ الفَقِيْهِ: سَمِعْتُ الحَسَنَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: الحَقُّ يُحِبُّهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أبي عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ أَفْقَهُ مِنِّي وَأَعْلَمُ مِنِّي.
الخَطِيْبُ فِي تَارِيْخِهِ: حَدَّثَنِي مَسْعُوْدُ بنُ نَاصِرٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بُشْرَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الآبُرِيُّ سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ نصر المقرىء يَقُوْلُ: قَالَ إِسْحَاقُ: إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ: أبي عُبَيْدٍ أَعْلَمُ مِنِّي وَمِن ابْن حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيِّ.
قَالَ أبي العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: لَوْ كَانَ أبي عُبَيْدٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ لكان عجبًا.

وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: كَانَ أبي عُبَيْدٍ فَاضِلاً فِي دِيْنِهِ وَفِي عِلْمِهِ رَبَّانِيّاً، مُفَنَّناً فِي أَصنَافِ عُلُوْمِ الإِسْلاَمِ مِنَ القُرْآنِ وَالفِقْهِ وَالعَرَبِيَّةِ وَالأَخْبَارِ حَسَنَ الرِّوَايَةِ صَحِيْحَ النَّقلِ لاَ أَعْلَمُ أَحَداً طَعَنَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمرِهِ وَدِينِهِ.
وَبَلَغَنَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ أَمِيْرِ خُرَاسَانَ قَالَ: النَّاسُ أَرْبَعَةٌ: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ وَالشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَالقَاسِمُ بنُ مَعْنٍ فِي زَمَانِهِ وَأبي عُبَيْدٍ فِي زَمَانِهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسَّاجُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ ثَلاَثَةً تَعْجِزُ النِّسَاءُ أَنْ يَلِدْنَ مِثْلَهُم: رَأَيْتُ أَبَا عُبَيْدٍ مَا مَثَّلْتُهُ إلَّا بِجَبَلٍ نُفِخَ فِيْهِ رُوحٌ، وَرَأَيْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ مَا شَبَّهْتُهُ إلَّا بِرَجُلٍ عُجِنَ مِن قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ عَقْلاً، وَرَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فَرَأَيْتُ كأَنَّ اللهَ قَدْ جَمَعَ لَهُ عِلمَ الأَوَّلِينَ فَمِنْ كُلِّ صِنْفٍ يَقُوْلُ مَا شَاءَ، وَيُمْسِكُ مَا شَاءَ.
قَالَ مُكْرَمُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ أبي عُبَيْدٍ كَأَنَّهُ جَبَلٌ نُفِخَ فِيْهِ الرُّوحُ يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الحَدِيْثَ صِنَاعَةَ أَحْمَدَ وَيَحْيَى.
وَكَانَ أبي عُبَيْدٍ يُؤَدِّبُ غُلاَماً فِي شَارِعِ بِشْرٍ، ثُمَّ اتَّصَلَ بِثَابِتِ بنِ نَصْرٍ الخُزَاعِيِّ يُؤَدِّبُ وَلَدَهُ ثُمَّ وَلِيَ ثَابِتٌ طَرَسُوْسَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَوَلَّى أَبَا عُبَيْدٍ قَضَاءَ طَرَسُوْسَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً فَاشْتَغَلَ عَنْ كتابة الحديث.
كَتَبَ فِي حَدَاثَتِهِ عَنْ هُشَيْمٍ، وَغَيْرِهِ فَلَمَّا صَنَّفَ احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَكْتُبَ عَنْ يَحْيَى بنِ صَالِحٍ وَهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ.
وَأَضْعَفُ كُتُبِهِ كِتَابُ الأَمْوَالِ يَجِيْءُ إِلَى بَابٍ فِيْهِ ثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً، وَخَمْسُوْنَ أَصْلاً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَجِيْءُ بِحَدِيْثٍ حَدِيْثَيْنِ يَجْمَعُهُمَا مِنْ حَدِيْثِ الشَّامِ، وَيَتَكَلَّمُ فِي أَلفَاظِهِمَا، وَلَيْسَ لَهُ كِتَابٌ كَـ"غَرِيْبِ المُصَنَّفِ".
وَانْصَرَفَ يَوْماً مِنَ الصلاة، فمر بدارإسحاق المَوْصِلِيِّ فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عُبَيْدٍ صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ يَقُوْلُ: إِنَّ فِي كِتَابِكَ غَرِيْبِ المُصَنَّفِ أَلْفَ حَرْفٍ خَطَأً فَقَالَ: كِتَابٌ فِيْهِ أَكْثَرُ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ يَقَعُ فِيْهِ أَلفٌ لَيْسَ بِكَثِيْرٍ!، وَلَعَلَّ إِسْحَاقَ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ وَعِنْدَنَا رِوَايَةٌ فَلَمْ يَعْلَمْ فَخَطَّأَنَا وَالرِّوَايَتَانِ صَوَابٌ، وَلَعَلَّهُ أَخْطَأَ فِي حُرُوْفٍ وَأَخْطَأْنَا فِي حُرُوْفٍ فَيَبْقَى الخَطَأُ يَسِيْراً.
وَكِتَابُ غَرِيْبِ الحَدِيْثِ فِيْهِ أَقَلُّ مِنْ مائَتَيْ حَرْفٍ: سَمِعْتُ، وَالبَاقِي قَالَ: الأَصْمَعِيُّ، وَقَالَ أبي عَمْرٍو، وَفِيْهِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً لاَ أَصْلَ لَهَا أُتِيَ فِيْهَا أبي عُبَيْدٍ مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ المُثَنَّى.

قَالَ الخَطِيْبُ فِيْمَا أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْهُ حَدَّثَنِي العَلاَءُ بنُ أبي المغيرة أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَنِيِّ الحَافِظُ، قَالَ: فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ لأَبِي عُبَيْدٍ حَدِيْثَانِ مَا حَدَّثَ بِهِمَا غَيْرُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَلاَ عَنْهُ سِوَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى المَرْوَزِيِّ: أَحَدُهُمَا: حَدِيْثُ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي وَهْبٍ.
وَالآخَرُ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ عَنِ المَقْبُرِيِّ حَدَّثَ بِهِ القَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَرَوَاهُ النَّاسُ عَنِ القَطَّانِ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ.
مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا أبي عُبَيْدٍ أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ عَنْ مُوْسَى بنِ ثَرْوَانَ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ كُرَيْزٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَوَضَّأَ يُخَلِّلُ لِحْيَتِهِ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ المُسْتَمْلِي: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَرْخَانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَقِيْلٍ: سَمِعْتُ حَمْدَانَ بنَ سَهْلٍ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنِ الكَتْبَةِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ وَتَبَسَّمَ: مِثْلِي يُسْأَلُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ؟! أبي عُبَيْدٍ يُسْأَلُ عَنِ النَّاسِ لَقَدْ كُنْتُ عِنْدَ الأَصْمَعِيِّ يَوْماً إِذْ أَقْبَلَ أبي عُبَيْدٍ فَشَقَّ إِلَيْهِ بَصَرَهُ حَتَّى اقْتَرَبَ منه، فقال: أترون هذا المقبل? قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: لَنْ تَضِيعَ الدُّنْيَا أَوِ النَّاسُ مَا حَيِيَ هَذَا.
رَوَى عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ قَالَ: أبي عُبَيْدٍ ثِقَةٌ.
وَقَالَ عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أبي عُبَيْدٍ مِمَّنْ يَزْدَادُ عِنْدَنَا كُلَّ يَوْمٍ خَيْراً.
وَقَالَ أبي دَاوُدَ: أبي عُبَيْدٍ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ أبي قُدَامَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: أبي عُبَيْدٍ أُسْتَاذٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ إِمَامٌ جَبَلٌ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: كَانَ ابْنُ قُتَيْبَةَ يَتَعَاطَى التَّقَدُّمَ فِي عُلُوْمٍ كَثِيْرَةٍ، وَلَمْ يَرضَهُ أَهْلُ عِلْمٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الإِمَامُ المَقْبُوْلُ عِنْد الكُلِّ أبي عُبَيْدٍ.
قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: عاشرت الناس، وكلمت أهل الكلام فمارَأَيْتُ قَوْماً أَوْسَخَ وَسَخاً وَلاَ أَضْعَفَ حُجَّةً مِنْ، وَلاَ أَحْمَقَ مِنْهُم وَلَقَدْ وَلِيتُ قَضَاءَ الثَّغْرِ فَنَفَيتُ ثَلاَثَةً جَهْمِيَّيْنَ وَجَهْمِيّاً.
وَقِيْلَ: كَانَ أبي عُبَيْدٍ أَحْمَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ بِالخِضَابِ، وَكَانَ مهيبًا وقورًا.
قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: عَدَدتُ حُرُوْفَ غَرِيْبِ المُصَنَّفِ، فَوَجَدتُهُ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفاً وَتِسْعَ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ حَرْفاً.
قُلْتُ: يُرِيْد بِالحَرْفِ اللَّفْظَةَ اللُّغَوِيَّةَ.
أَخْبَرَنَا أبي مُحَمَّدٍ بنُ عُلْوَانَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُغِيْثِ بنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُشَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ الدُّوْرِيُّ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ القَاسِمَ بنَ سَلاَّمٍ، وَذَكَرَ البَابَ الَّذِي يُرْوَى فِيْهِ الرُّؤْيَةُ وَالكُرْسِيُّ مَوْضِعَ القَدَمَيْنِ، وَضَحِكُ رَبِّنَا وَأَيْنَ كَانَ رَبُّنَا فَقَالَ: هَذِهِ أَحَادِيْثُ صِحَاحٌ حَمَلَهَا أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، وَالفُقَهَاءُ بَعْضُهُم عَنْ بَعْضٍ، وَهِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ لاَ نَشُكُّ فِيْهَا وَلَكِن إِذَا قِيْلَ: كَيْفَ يَضْحَكُ؟ وَكَيْفَ وَضَعَ قَدَمَهُ؟ قُلْنَا: لاَ نُفَسِّرُ هَذَا، وَلاَ سمعنا أحدًا يفسره.
قُلْتُ: قَدْ فَسَّرَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ المُهِمَّ مِنَ الأَلْفَاظِ وَغَيْرَ المُهِمِّ وَمَا أَبْقَوْا مُمْكِناً، وَآيَاتُ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثُهَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِتَأْوِيْلِهَا أَصْلاً، وَهِيَ أَهَمُّ الدِّيْنِ فَلَو كَانَ تَأْوِيْلُهَا سَائِغاً، أَوْ حَتْماً لَبَادَرُوا إِلَيْهِ فَعُلِمَ قَطْعاً أَنَّ قِرَاءتَهَا وَإِمرَارَهَا عَلَى مَا جَاءتْ هُوَ الحَقُّ لاَ تَفْسِيْرَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ فَنُؤْمِنُ بِذَلِكَ، وَنَسْكُتُ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ مُعْتَقِدِيْنَ أَنَّهَا صِفَاتٌ للهِ تَعَالَى استأثر الله بعلم حقائقها، وأنهما لاَ تُشْبِهُ صِفَاتِ المَخْلُوْقِينَ كَمَا أَنَّ ذَاتَهُ المُقَدَّسَةَ لاَ تُمَاثِلُ ذَوَاتِ المَخْلُوْقِينَ، فَالكِتَابُ وَالسُّنَّةُ نَطَقَ بِهَا وَالرَّسُوْلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلَّغَ وَمَا تَعَرَّضَ لِتَأْوِيْلٍ مَعَ كَوْنِ البَارِي قَالَ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم} [النَّحْلُ: 44] ، فَعَلَيْنَا الإِيْمَانُ وَالتَّسْلِيْمُ لِلنُّصُوْصِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ.
قَالَ عَبْدَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ: أَخْبَرَنَا أبي سَعِيْدٍ الضَّرِيْرُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ فورد عليه نهي أَبِي عُبَيْدٍ فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
يَا طَالِبَ العِلْمِ قَدْ مَاتَ ابْنُ سَلاَّمِ ... وَكَانَ فَارِسَ عِلْمٍ غَيْرَ مِحْجَامِ
مَاتَ الَّذِي كَانَ فِيْنَا رُبْعَ أَرْبَعَةٍ ... لَمْ يَلْقَ مِثْلَهُمْ أُسْتَاذُ أَحْكَامِ
خَيْرُ البَرِيَّةِ عَبْدُ اللهِ أَوَّلُهُمْ ... وَعَامِرٌ وَلَنِعْمَ التِّلْوُ يَا عَامِ
هُمَا اللَّذَانِ أَنَافَا فَوْقَ غَيْرِهِمَا ... والقاسمان بن مَعْنٍ وَابْنُ سَلاَّمِ
ذَكَرَ أَبَا عُبَيْدٍ: أبي عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي طَبَقَاتِ القُرَّاءِ فَقَالَ: أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً، وَسَمَاعاً عَنِ الكِسَائِيِّ، وَعَنْ شُجَاعٍ وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَعَنْ حَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي مُسْهِرٍ إِلَى أَنْ قَالَ: وَهُوَ إمام أهل دهره في جَمِيْعِ العُلُوْمِ ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ رَوَى عَنْهُ القِرَاءاتِ: وَرَّاقُهُ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَنَصْرُ بنُ دَاوُدَ وَثَابِتُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ.
قَالَ البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ بِمَكَّةَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ بَلَغَ سَبْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً رَحِمَهُ اللهُ.
وَلَمْ يَتَّفِقْ وُقُوْعُ رِوَايَةٍ لأَبِي عُبَيْدٍ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ لَكِنْ نَقَلَ عَنْهُ أبي دَاوُدَ شَيْئاً فِي تَفْسِيْرِ أَسْنَانِ الإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ، وَحَكَى أَيْضاً عَنْهُ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ أَفْعَالِ العِبَادِ.
أَخْبَرَنَا أبي بَكْرٍ مَحْفُوْظُ بنُ مَعْتُوْقٍ البَزَّارُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ "ح". وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الغَرَّافِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ بَاقَا قَالاَ: أَخْبَرَنَا أبي زُرْعَةَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ المُقَوِّمِيُّ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا الزُّبَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْرَوَيْه القَزْوِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ،

أَخْبَرَنَا أبي عُبَيْدٍ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرٌ عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَجَدَ فِي الحَجِّ سَجْدَتَيْنِ، وَقَالَ: إن هذه السورة فُضِّلَتْ عَلَى السُّوَرِ بِسَجْدَتَيْنِ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أبي عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بنِ صُبَيْحٍ عَنْ شُتَيْرِ بنِ شَكَلٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ شَغَلُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ العَصْرِ فَصَلاَّهَا بَيْنَ صَلاَتَيِ العِشَاءِ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "شَغَلُوْنَا عَنِ الصَّلاَةِ الوُسْطَى مَلأَ اللهُ قُبُوْرَهُم وَبُيُوْتَهُم نَاراً".
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أبي عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَزِيْدُ عَنْ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ عَبِيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا أبي سَعِيْدٍ سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّيْنِيُّ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ "ح".
وَأَخْبَرَنَا أبي جَعْفَرٍ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الفَقِيْهُ سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ الكَاتِبَةُ أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أبي الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعِ مائَةٍ أَخْبَرَنَا حَامِدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ حَدَّثَنَا أبي عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، أَخْبَرَنَا أبي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ إِنَّا هَذَا الحَيَّ مِنْ رَبِيْعَةَ، وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا، وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلاَ نَخْلُصُ إِلَيْكَ إلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَعْمَلْ بِهِ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءنَا. فَقَالَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُم عَنْ أَرْبَعٍ الإِيْمَانُ بِاللهِ ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُم، شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهَ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُم وَأَنْهَاكُم عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالحَنْتَمِ، وَالنَّقِيْرِ والمقير". متفق عليه
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايماز الذهبي

 

 

أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام الْخُزَاعِيّ أَخذ عَن شُيُوخ أهل اللُّغَة.

وَله كتب كَثِيرَة، فِي فنون شَتَّى، فِي اللُّغَة؛ " غَرِيب المُصَنَّف "، و " كتاب قراءات "، وَكتاب " تَفْسِير غَرِيب الحَدِيث " و " كتاب فِي النَّاسِخ والمنسوخ "، و"كتاب فِي مَعَاني الشّعْر " غَيره مَا ذكرته.
قَالَ عَبَّاس الخيَّاط: كنت مجتازا مَعَه، فعبرنا بِبَاب دَار إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي، فَقَالَ: مَا أَكثر علمه بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه وَالشعر.

فَقلت: إِنَّه يذكرك بضدِّ هَذَا.
قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قلت: ذكر أَنَّك صحَّفت فِي " المُصَنّف " نيفاً وَعشْرين حرفا.
فَقَالَ: مَا هَذَا بِكَثِير، فِي الْكتاب عشرُون ألف حرف مسموعة يغلط فِيهَا بِهَذَا الْيَسِير.
وَكَانَ يكْتب لَهُ عَليّ بن عبد الْعَزِيز.

وَولي الْقَضَاء بطرسوس.
وتُوفي أَبُو عبيد سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم-لأبو المحاسن المفضل التنوخي المعري

 

 

أبوعبيد القاسمُ بنُ سَلَّام - بتشديد اللام -.
كان أبوه عبدًا روميًا لرجل من أهل هراة، واشتغل أبو عبيد بالحديث والأدب والفقه، وكان ذا دِينٍ وسيرة جميلة، ومذهبٍ حسن وفضلٍ بارع، حسنَ الرواية، صحيحَ النقل.
قال القاضي أحمد بن كامل: لا أعلم أحدًا من الناس طعن عليه في شيء من أمر دينه. ولي القضاء بمدينة طرطوس ثماني عشرة سنة، روى عن: أبي زيد الأنصاري، والأصمعي، وابن الأعرابي، والكسائي، والفراء، وجماعة كثيرة، وروى عنه الناسُ من كتبه المصنفة بضعةً وعشرين كتابًا في القرآن الكريم، والحديث وغريبه والفقه.
ويقال: إنه أول من صنف في "غريب الحديث (1) "، ولما وضع كتابَ الغريب، عرضه على عبد اللَّه بن طاهر، فاستحسنه. وقال محمد بن وهب: سمعت أبا عبيد يقول: مكثتُ في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في موضعها من الكتاب، فأبيتُ ساهرًا فرحًا مني بتلك الفائدة، وأحدُكم يجيئني فيقيم عندي أربعة أو خمسة أشهر، فيقول: قد أقمت كثيرًا!
قال الهلال بن علاء الرَّقِّي: مَن اللَّه تعالى على هذه الأمة بأربعة في زمانهم:
1 - بالشافعي، تفقه في حديث رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - 2 - وبأحمد بن حنبل، ثبت في المحنة، ولولا ذاك لكفر الناس، 3 - ويحيى بن معين، نفى الكذب عن حديث رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، 4 - وبأبي عبيد القاسم بن سلام، فسر "غريب الحديث"، ولولا ذاك، لاقتحم الناس الخطأ. وقال إسحاق بن راهويه: أبو عبيد أوسعُنا علمًا، وأكثرنا أدبًا، وأجمعُنا جمعًا، إنا نحتاج إليه، وهو لا يحتاج إلينا.
وكان يخضب بالحناء، أحمرَ الرأس واللحية، وكان له وقار وهيبة.
قدم بغداد، فسمع الناس منه كتبَه، ثم حجَّ وتوفي بمكة، وقيل: بالمدينة بعد الفراغ من الحج سنة 223، وقال البخاري: سنة 224.
وقال الخطيب في "تاريخ بغداد": بلغني أنه عاش سبعًا وستين سنة.

التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.