أبو محمد اليزيدي
قال أبو حمدون الطيب بن إسماعيل: شهدت ابن أبي العتاهية، وقد كتب عن أبي محمد اليزيدي قريباً من ألف جلد، عن أبي عمرو بن العلاء خاصة، يكون ذلك نحو عشرة آلاف ورقة؛ لأن تقدير الجلد عشر ورقات.
وأخذ عن الخليل من اللغة أمراً عظيماً، وأخذ عنه العروض؛ إلا أن اعتماده كان على أبي عمرو بن العلاء؛ لسعة علم أبي عمرو باللغة.
وكان اليزيدي يعلم بحذاء دار أبي عمرو، وكان أبو عمرو يميل إليه ويدنيه لذكائه. وكان اليزيدي صحيح الرواية، ثقة صدوقاً.
وألف من الكتب كتاب "النوادر" في اللغة على مثال "نوادر الأصمعي" الذي عمله لجعفر بن يحيى، وألف كتاب "المقصور والممدود"، ومختصراً في النحو، وكتاب "النقط والشكل"؛ وغير ذلك.
وكان أيام الرشيد مع الكسائي ببغداد في مسجد واحد يقرئان الناس.
قال الأثرم: دخل اليزيدي يوماً على الخليل، وعنده جماعة، وهو جالس على وسادة، فأوسع له، فجلس معه اليزيدي على وسادته، فقال له اليزيدي: أحسبني قد ضيّقت عليك! فقال الخليل: ما ضاق مكان على اثنين متحابين؛ والدنيا لا تسع اثنين متباغضين.
ويحكى أنه تكلم اليزيدي مع الكسائي بين يدي الرشيد، فظهر كلامه على الكسائي، فرمى بقلنسوته فرحاً بالغلبة، فقال الرشيد: لأدب الكسائي مع انقطاعه أحب إلينا من غلبك مع سوء أدبك.
ويروى أن المأمون سأل اليزيدي عن شيء، فقال: لا وجعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين! فقال: لله درك! ما وضعت واوٌ موضعاً قط [في لفظ] أحسن منها في لفظ مثل هذا، ووصله بعطية سنية.
وكان اليزيدي أحد الشعراء، وله جامع شعر وأدب، وفيه قصيدته التي يمدح بها نحويي البصرة، ويهجو نحويي الكوفة؛ التي أولها:
يا طالب لعلم ألا فابكه ... بعد أبي عمرو وحماد
وقد قدمنا منها ذكر من مدحه من أهل البصرة، ثم ذكر فيها بعد ذلك عجز أهل الكوفة، فقال:
أفسده قوم وأزروا به ... ما بين أعبام وأوغاد
ذوى مراء وذوى لكنة ... لئام آباء وأجداد
لهم قياس أحدثوه لهم ... قياس سوء غير منقاد
فهم من النحو ... ولو عمروا
أعمار عاد
في أبي جاد
فقوله: "أفسده قوم" أراد به أهل الكوفة.
وله أيضاً في ذمهم:
كنا نقيس النحو فيما مضى ... على لسان العرب الأول
فجاء أقوام يقيسونه ... على لغى أشياخ قطربل
فكلهم يعمل في نقض ما ... به يصاب الحق لا يأتلي
إن الكسائي وأصحابه ... يرقون في النحو إلى أسفل
وله أيضاً قصيدة يرثي بها الكسائي ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وكانا قد خرجا مع الرشيد إلى خراسان، فماتا في الطريق، فمنها:
تصرمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة سيبيد
سيغنيك ما أغنى القرون التي خلت ... فكن مستعداً فالفناء عتيد
أسيت على قاضي القضاة محمد=فأذريت دمعي والفؤاد عميد
وقلت إذا ما الخطب أشكل: من لنا ... بإيضاحه يوماً وأنت فقيد
وأقلقني موت الكسائي بعده ... وكادت بي الأرض الفضاء تميد
وأذهلني عن كل عيش ولذة ... وأرق عيني والعيون هجود
هما عالمان أوديا وتخرما ... وما لهما في العالمين مزيد
فحزني إن تخطر على القلب خطرة ... بذكرهما حتى الممات جديد
وكان اليزيدي الغاية في قراءة أبي عمرو بن العلاء، وبروايته يقرأ أصحابه. والمعتزلة يزعمون أنه كان من أهل العدل معتزلياً، والله أعلم بصحة ذلك.
وتوفي أبو محمد اليزيدي في سنة اثنتين ومائتين في خلافة المأمون بن الرشيد.
اليزيدي
شَيْخُ القُرَّاءِ أبي مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ المُبَارَكِ بنِ المُغِيْرَةِ العَدَوِيُّ البَصْرِيُّ النَّحْوِيُّ، وَعُرِفَ بِالِيَزِيْدِيِّ لاتِّصَالِهِ بِالأَمِيْرِ يَزِيْدَ بنِ مَنْصُوْرٍ خَالِ المَهْدِيِّ يُؤَدِّبُ وَلَدَه.
جَوَّدَ القُرْآنَ عَلَى: أَبِي عَمْرٍو المَازِنِيِّ، وَحَدَّثَ عَنْهُ وَعَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ.
تَلاَ عَلَيْهِ خَلْقٌ مِنْهُم: أبي عُمَرَ الدُّوْرِيُّ، وَأبي شُعَيْبٍ السُّوْسِيُّ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَأبي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ.
وَرَوَى عَنْهُ: قِرَاءةَ أَبِي عَمْرٍو: بَنُوْهُ مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ اللهِ وَإِبْرَاهِيْمُ وَإِسْمَاعِيْلُ، وَإِسْحَاقُ وَحَفِيْدُهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأبي حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ وَعَامِرٌ أُوْقِيَّةُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ خَلاَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ، وَأبي أَيُّوْبَ الخياط وجعفر غلام سجادة ومحمد بنُ سَعْدَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الرُّوْمِيُّ.
وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي القِرَاءةِ لَمْ يَخْرُجْ فِيْهِ عَنِ السَّبْعِ.
وَقَدْ أَدَّبَ المَأْمُوْنَ وَعَظُمَ حَالُه، وَكَانَ ثِقَةً عَالِماً حُجَّةً فِي القِرَاءةِ لاَ يَدْرِي مَا الحَدِيْثُ لَكِنَّهُ أَخْبَارِيٌّ نَحْوِيٌّ عَلاَّمَةٌ بَصِيْرٌ بِلِسَانِ العَرَبِ أَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَعَنِ الخَلِيْلِ.
وَأَلَّفَ كِتَابَ النَّوَادِرِ وَكِتَابَ المَقْصُوْرِ وَالمَمْدُوْدِ، وَكِتَابَ الشَّكْلِ وَكِتَابَ نَوَادِرِ اللُّغَةِ وَكِتَابَ النَّحْوِ.
وَكَانَ نَظِيْراً لِلْكِسَائِيِّ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ فِي مَسْجِدٍ مَعَ الكِسَائِيِّ لِلإِفَادَةِ فَكَانَ يُؤَدِّبُ المَأْمُوْنَ، وَكَانَ الكِسَائِيُّ يُؤَدِّبُ الأَمِيْنَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَمْدُوْنَ قَالَ: شَهِدتُ ابْنَ أَبِي العَتَاهِيَةِ وَكَتَبَ عَنِ اليَزِيْدِيِّ نَحْوَ عَشْرَةِ آلاَفِ وَرَقَةٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ خَاصَّةً.
قُلْتُ: عَاشَ أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: بَلْ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِمَرْوَ فِي صحابة المأمون.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي
- يحيى بن الْمُبَارك اليزيدي
يُكنى أَبَا مُحَمَّد، وَشهر بالكنية فَاخْتلف فِي اسْمه، فَقَالَ قوم: يحيى، وَقَالَ آخَرُونَ: عبد الرَّحْمَن.
أَخذ علم النَّحْو عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء.
وَكَانَ يعلِّم الْمَأْمُون، وَالْكسَائِيّ يُؤَدب الْأمين.
وَكَانَ يَقُول الشّعْر، فَمن شعره يُخَاطب الْخَلِيفَة:
سَكْرْتُ فَأَبْدَتْ مِنِّيَ الكَأْسُ بعضَ مَاكَرِهْتَ وَمَا إنْ يَسْتَوِي السُّكْرُ والصَّحْوُ
وَلاَ سِيَّمَا إِذْ كُنْتُ عِنْدَ خَلِيفَةٍوَفِي مَجْلِسٍ مَا إِنْ يَجُوزُ بِهِ اللَّغْوُ
وَقَالَ فِي الْكسَائي:
إنَّ الْكِسَائِيَّ وأَشْيَاعَهُ ... يَرْقَوْنَ فِي النَّحْوِ إِلَى أَسْفَلِ
فَكُلُّهُمْ يَعْمَلُ فِي نَقْضِ مَا ... بِهِ يُصَابُ الحَقُّ لَا يَأْتَلِي
وَقَالَ بعد ذَلِك يرثيه، وَمُحَمّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ القَاضِي:
أَسِيتُ على قاضِي الْقُضَاةِ مُحَمَّدٍ ... فأذْريْتُ دَمْعِي والفُؤَادُ عمِيدُ
وَأَقْلَقَنِي مَوْتُ الْكِسَائِيّ بعدَهُ ... وَكَادَتْ بيَ الأرْضُ الفَضَاءُ تَمِيدُ
هُمَا عَالِمَانَا أوْدَيَا وَتُخُرِّما ... وَمَا لهُمَا فِي العَالَمِينِ نَدِيدُ
وَكَانَا توفيا مَعَ الرشيد بِالريِّ، فَقَالَ: دفنَّا الْعلم بِالريِّ.
وَمَات أَبُو مُحَمَّد اليزيدي، وَكَانَ لَهُ خَمْسَة أَوْلَاد، كلهم من أهل الْعلم شَاعِر:
مُحَمَّد أَبُو عبد الله، وَإِبْرَاهِيم، وَإِسْمَاعِيل، وَعبد الله، وَإِسْحَاق.
وحدَّث أَبُو عبد الله اليزيدي، قَالَ: خبَّرني عمي الْفضل بن مُحَمَّد، عَن أبي مُحَمَّد يحيى بن الْمُبَارك، قَالَ: كُنَّا بِبَلَد مَعَ الْمهْدي قبل أَن تصير إِلَيْهِ الْخلَافَة بأَرْبعَة أشهر، فِي شهر رَمَضَان، فذاكرنا لَيْلَة عِنْده النَّحْو والعربية، وَكنت مُتَّصِلا بخاله يزِيد بن مَنْصُور، وَالْكسَائِيّ مَعَ ولد حسن الْحَاجِب، فَبعث إليَّ وَإِلَى الْكسَائي، فصرت إِلَى الدَّار، فَإِذا الْكسَائي بِالْبَابِ قد سبقني، فَقَالَ لي: اعوذ بِاللَّه من شرك يَا أَبَا مُحَمَّد.
فَقلت: وَالله لَا تُؤْتى من قِبلي، أَو أُوتى من قبلك.
فَلَمَّا دَخَلنَا على الْمهْدي أقبل عليَّ، فَقَالَ كَيفَ: نسبوا إِلَيّ الْبَحْرين، فَقَالُوا: بحراني، وَإِلَى الحصنين، فَقَالُوا: حصني، أَلا قَالُوا: حصناني، كَمَا قَالُوا: بحراني.
فَقلت: أَيهَا الْأَمِير، لَو قَالُوا: بحري. لالتبس بِالنّسَبِ إِلَى الْبَحْر، فزادوا ألفا للْفرق، كَمَا قَالُوا فِي النّسَب إِلَى الرّوح: روحاني. وَلم يكن للحصنين شَيْء يلتبس بِهِ، فَقَالُوا: حصني. على الْقيَاس.
فَسمِعت الْكسَائي يَقُول لعمر بن بزيع: لَو سَأَلَني الْأَمِير لأجبته بِأَحْسَن من هَذِه الْعلَّة.
فَقلت: أصلح الله تَعَالَى الْأَمِير، إِن هَذَا يزْعم أَنَّك لَو سَأَلته لأجاب أحسن من جوابي.
قَالَ: فقد سَأَلته.
فَقَالَ: أصلح الله تَعَالَى الْأَمِير، كَرهُوا أَن يَقُولُوا: حِصْناني فيجمعوا بَين النونين، وَلم يكن فِي الْبَحْرين إِلَّا نون وَاحِدَة، فَقَالُوا: بحراني. لذَلِك.
فَقلت: فَكيف تنْسب إِلَى رجل من بني جنان، إِن لَزِمت قياسك فَقلت: جنِّي. فَجمعت بَينه وَبَين النّسَب إِلَى الجنِّ، وَإِن قلت: جِنَّانيّ رجعت عَن قياسك، وجمعت بَين ثَلَاث نونات.
وَقَالَ فِيهِ:
يَا طَالِبَ النَّحْوِ أَلاَ فَاْبكِهِ ... بعدَ أَبِي عمروٍ وَحَمَّادِ
أمَّا الْكِسَائِيُّ فَذَاكَ امْرُؤٌ ... فِي النَّحْوِ حَازٍ غَيْرُ مُرْتَادِ
وَهْوَ لِمَنْ يَأْتِيهِ جَهْلاً بِهِ ... مِثْلُ شَرَابِ النَّبِيذِ لِلصَّادِي
وابنِ أبِي إِسْحَاقَ فِي عِلْمِهِ ... والزَّيْنِ فِي المَشْهَدِ والنَّادِي
عِيسَى وأشْبَاهٍ بِعِيسَى وهَلْ ... يَأْتِي لَهُمْ دَهْرٌ بِأنْدَادِ
يَا ضَيْعَةَ النَّحْوِ بِهِ مُغْرِبٌ ... عَنْقَاءُ أوْدَتْ ذَاتُ إِصْعَادِ
أَفْسَدَهُ قَوْمٌ وأَزْرَوْا بِهِ ... مِنْ بَيْنِ أَغْتَامٍ وأوغادِ
ذَوِي مِرَاءٍ وَذَوِي لُكْنَةٍ ... لِئَامِ آباءٍ وأَجْدَادِ
فَهُمْ مِنَ النَّحْوِ وَلَوْ عُمِّرُوا ... أَعْمَارَ عادٍ فِي أَبِي جَادِ
وَحكى أَبُو عبد الله اليزيدي، عَن عَمه يحيى بن الْمُبَارك قَالَ: سَأَلت ابْن ميسور: مَا وزن ميسور من الْفِعْل؟ فَقَالَ: فيعول.
فَقلت: بئس مَا أثنيت على جدك إِن كَانَ سُمي بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ على هَذَا التَّقْدِير من المسر، وَهُوَ السّعَايَة الْكَذِب، وَإِنَّمَا هُوَ مفعول من الْيُسْر.
تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم-لأبو المحاسن المفضل
يحيى اليزيديّ- ت 202
هو: يحيى بن المبارك بن المغيرة أبي محمد العدوي البصري المعروف باليزيدي لصحبته يزيد بن منصور الحميري خال «المهدي» وكان يؤدب ولده.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة الخامسة من حفاظ القرآن.
كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.
وقد أخذ «اليزيدي» القراءة عرضا عن «أبي عمرو بن العلاء» الإمام الثالث من أئمة القراءات، وقد خلف «اليزيدي» «أبا عمرو» البصري في القراءة بالبصرة. كما أخذ «اليزيدي» القراءة أيضا عن «حمزة ابن حبيب الزيات» الإمام السابع من أئمة القراءات.
يقول «الذهبي»: وقد اتصل «اليزيدي» بالرشيد، وأدّب «المأمون» وكان ثقة، علامة، فصيحا، مفوّها، بارعا في اللغة والأدب، أخذ اللغة عن «الخليل ابن أحمد الفراهيدي» وغيره، حتى قيل: إنه أملى عشرة آلاف ورقة عن «أبي عمرو» خاصة.
وقد أنجب «اليزيدي» عدة أولاد كلهم علماء فضلاء، وهم: محمد، وعبد الله، وإبراهيم، وإسحاق، وإسماعيل، وكلهم تلقوا عنه العلم، والقرآن الكريم.
ويقول «ابن الجزري»: ولليزيدي اختيار في القراءة خالف فيه «أبا عمرو ابن العلاء» في حروف يسيرة، قرأت به من كتاب «المنهج، والمستنير» وغيرهما وهي عشرة أشياء.
يقول يحيى اليزيدي عن نفسه: كان أبي يعني «المبارك» صديقا «لأبي عمرو بن العلاء» فخرج أبي إلى مكة، فذهب «أبي عمرو» يشيّعه، وكنت مع «أبي» فأوصى «أبي» «أبا عمرو» بي، ثم مضى، فلم يرني «أبي عمرو» حتى قدم «أبي» فذهب «أبي عمرو» يستقبله، ووافقني عند «أبي» فقال: يا أبا عمرو كيف رضاك عن «يحيى»؟ فقال: ما رأيته منذ فارقتك إلى هذا الوقت، فحلف أبي أن لا أدخل البيت حتى أقرأ على «أبي عمرو» القرآن كله قائما، فلم أجلس حتى ختمت «القرآن» على «أبي عمرو».
وقد تلقى «القرآن» على «اليزيدي» عدد كثير منهم: «أبي عمر الدوري، وأبي شعيب السوسي» وقراءة «الدوري، والسوسي» لا زال المسلمون يتلقونها بالرضا والقبول حتى الآن، وقد تلقيتها وقرأت بها والحمد لله رب العالمين.
كما أخذ القراءة عن «اليزيدي»: أبي حمدون الطيب بن إسماعيل، وعامر ابن عمر الموصلي، ومحمد بن سعدان، وأحمد بن جبير، ومحمد بن شجاع، وأبي أيوب سليمان بن الحكم الخياط، وآخرون.
وقد ألف «اليزيدي» عدّة مصنفات منها: كتاب نوادر اللغة، وكتاب المقصور وكتاب الشّكل، وكتاب في النحو.
توفي «اليزيدي» سنة اثنتين ومائتين من الهجرة، بعد حياة حافلة بتعليم القرآن الكريم، ولغة العرب. رحم الله اليزيدي رحمة واسعة، وجزاه الله أفضل الجزاء.
معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ
اليَزِيدي
(138 - 202 هـ = 755 - 818 م)
يحيى بن المبارك بن المغيرة العَدَوى، أبو محمد، اليزيدي:
عالم بالعربية والأدب. من أهل البصرة. كان نازلا في بني عَدِيّ بن عبد مناة بن تميم، أو كان من مواليهم، فقيل له العدوي. وسكن بغداد، فصحب يزيد بن منصور الحميري (خال المهدي) يؤدب ولده، فنسب إليه. واتصل بالرشيد فعهد إليه بتأديب المأمون. وعاش إلى أيام خلافته. وتوفي بمرو.
من كتبه " النوادر " في اللغة، ألفه لجعفر بن يحيى، و " المقصور والممدود " و " مناقب بني العباس " و " مختصر في النحو " ألفه لبعض ولد المأمون. وله نظم جيد، في " ديوان ". وكان له خمسة بنين كلهم علماء أدباء شعراء رواة للأخبار، وكلهم ألف في اللغة والأدب، وهم: محمد، وإبراهيم، وإسماعيل، وعبد الله، وإسحاق .
-الاعلام للزركلي-
- ومن أخبار أبي محمد اليزيدي
هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي، وإنما سمي اليزيدي لصحبته يزيد بن منصور خال المهدي، وبذلك كبر وارتفع صيته، وكان من غلمان أبي عمرو بن العلاء. - ثم أدب المأمون وكان ابنه محمد لاصقاً بالمأمون من أهل أنسه، وكان يدخل إلى المأمون مع الفجر فيصلي به ويدرس عليه المأمون ثلاثين آية، وكان لايزال يعادله في أسفاره ويفضي إليه بأسراره. - وكان شاعرا فصيحاً نحوياً، روى عنه أبو عبيد القاسم بن سلام. وله " كتاب نوادر في اللغة " على مثال كتاب نوادر الأصمعي الذي عمله لجعفر بن يحيى البرمكي، وفي مقدار عدد ورقه، وله جامع شعر جيد. وأخذ عن الخليل بن أحمد العروض وغيره، وكتب عن أبي الوليد عبد الملك بن جريج، وتوفي ابن جريج سنة خمسين ومائة. - قال ابو هفان: أشعر العلماء النبل أربعة: الكميت والطرماح والكساني واليزيدي.
وله من الأولاد محمد وإبراهيم وإسماعيل وعبد الله ويعقوب وإسحاق، وترتيبهم في السن على هذا النسق: فيعقوب وإسحاق تزهدا وكانا عالمين بالحديث، والأربعة برعوا في اللغة العربية، ونادم المأمون من هذه الجماعة محمد وإبراهيم، وكان محمد المتقدم وهو الخارج مع المعتصم حين خرج إلى المبيضة بمصر، فمات محمد بها ومات الباقون ببغداد.
قال اليزيدي: اجتمعت مع الكسائي عند المهدي فقال: كيف نسبوا إلى البحرين؟ فقالوا: بحراني! ونسبوا إلى الحصنين؟ فقالوا: حصني! ولم يقولوا: حصناني؟ قلت: أصلح الله الأمير، إنهم لو نسبوا إلى البحرين فقالوا بحري لم يعرف إلى البحرين نسبوه أم إلى البحر، ولما جاؤا إلى الحصنين لم يكن موضع آخر يقال له الحصن ينسب إليه غير الحصنين فقالوا حصني. قال أبو محمد اليزيدي: فسمعت الكسائي يقول لعمر بن بزيع: لو سألني الأمير لأخبرته فيها بعلة هي أحسن من هذه. قال أبو محمد: قلت: اصلح الله الأمير! إن هذا يزعم أنك لو سألته لأجاب بأحسن مما أجبت به. قال: فقد سألته. فقال الكسائي: لما نسبوا إلى الحصنين كانت فيه نونان فقالوا: حصني اجتراء بإحدى النونين من الأخرى، ولم يكن في البحرين إلا نون واحدة فقالوا بحراني. فقلت: أصلح الله الأمير، كيف ينسب رجلاً من جنان يلزمه أن يقول جني لأن في جنان نونين؟ فإن قال كان ذلك، فقد سوى بينه وبين المنسوب إلى الجن! فقال المهدي: فتناظرا! قال: فتناظرنا.
قال: وسأل المأمون اليزيدي عن شيء، فقال: لا وجعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين! فقال: لله درك! ما وضعت واو قط موضعاً أحسن من وضعها في لفظك هذا! - وشكا اليزيدي إلى المأمون خلَّة أصابته وديناً ارتكبه، فقال: ماعندنا في هذه الأيام ما إن أعطيناكه بلغت به ماتريد.
فقال: عندك منادمون فيهم ما إن حركته نلت منهم ما أريد، فأطلق لي الحيلة فيهم! قال: قل مابدا لك! قال: إذا حضروا وحضرت الباب فمر فلانا الخادم أن يوصل إليك رقعتي، فإذا قرأتها فأرسل إليّ: دخولك في هذا الوقت متعذر، ولكن أختر لتفسك من أحببت ينادمك! فقال: أفعل! فلما علم أبو محمد بجلوس المأمون واجتماع ندمائه إليه أتى الباب فدفع الرقعة إلى الخادم الذي ذكره للمأمون، فأوصلها إليه، فقرأها فإذا فيها " من السريع ":
ياخير إخوان وأصحاب … هذا الطفيلي على الباب
خبر أنذَ القوم في دعوة … يرنو إليها كلُّ أواب
فصيروني بعض جلاسكم … أو أخرجوا لي بعض أصحابي
فقرأها المأمون على من حضره، فقالوا: ما ينبغي أن يدخل علينا الطفيلي. فأرسل إليه المأمون: دخولك في هذا الوقت متعذر، فأختر لنفسك من أحببت نخرجه إليك لتنادمه! فقال: ماأرى لنفسي اختياراً غير عبد الله بن طاهر. فقال له المأمون: قد وقع اختياره فصر إليه! فقال: ياأمير المؤمنين، فأكون شريك الطفيلي؟! قال: فما يمكت ردُّ أبي محمد عن أمرين فإن أحببت أن تخرج وإلا فافد نفسك! فقال: ياأمير المؤمنين، له عليَ عشرة آلاف درهم! قال: لاأحسب ذلك يقنعه منك ومن مجالستك. قال: فلم يزل يزيده عشرة والمأمون يقول له: لاأرضى له بذلك! حتى بلغ المائة، فقال له المأمون: فعجلها له! فكتب بها إلى وكيله ووجه معه رسولاً. فأرسل المأمون إلى أبي محمد: تقبض هذه في هذا الوقت أصلح لك من منادمته على مثل حاله وأنفع عاقبة.
وقيل: إنه استأذن على المأمون ينادمه، فأخطا في كلام تكلم به، فانقبض المأمون من ذلك، فعرفه ذلك بعض الناس، فأتاه وهو متكفن متحنط وأنشده " من الطويل ":
أنا المذنب الخطاء والعفو واسع … ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
فقبل عذره وعفا عنه.
اجتمع اليزيدي وسلم الخاسر عند عيسى بن عمر، فقال سلم لليزيدي: اهجني وليكن على روي قصيدة امرئ القيس " من المديد ":
ربَّ رام من بني ثعل … مخرج كفيه من ستره
فقال اليزيدي وكان حيياً عفيفاً: مالك ولهذا؟ قال سلم: كذلك أريد! فقال اليزيدي: ما أغنانا عن التعرض للنشر فلتسعك العافية! وأراد سلم أن يعرف عيسى أن لليزيدي مفحم عيي، فقال سلم: إنك لتحتجز بغاية الاحتجاز. فقال عيسى: سألتك يا أبا محمد إلا فعلت! فأخذ نعله وقلبها وكتب عليعا " من المديد ":
ربَّ مغموم بعافية … غمط النعماء من أشره
وامرئ طالت سلامته … فرماه الدهر من غيره
بسهام غير مشويةٍ … نقضت منه قوى مرره
وكذاك الدهر منقلب … بالفتى حالين من عصره
يخلط العسرى بميسرة … ويسار المرء في عسره
عق سلم أمه سفهاً … وأبا سلم على كبره
كلُّ يومٍ خلقه رجلٌ … رامح يسعى على أثره
يولج الغرمول سبته … كولوج الضب في حجره
فقال سلم: هكذا استدعاء الشر والشقاء، ما كان أغناني عن هذا! فقال عيسى: لاأبعد الله غيرك! ولاأتعس إلا جدك! قد كان الرجل يستعفيك ويحترز منك أشد الاحتراز، بقياً على دينه فأبيت إلا ماسمعت.
ومن شعر اليزيدي " من السريع ":
من يلم الدهر ألا … فالدهر غير معتبه
أو يتعجب لصرو … ف الدهر أو تقلبه
وكل ذي عجوبة … جار إلى تعجبه
مضى بذاك مثل … من ير يوماً ير به
قول حكيم قاله … في سالفات حقبه
ورأس أمر لامرئ … خير له من ذنبه
حتف امرئ لسانه … في جده أو لعبه
بين اللهى مقتله … ركب في مركبه
ورب ذي مزح أفيتت نفسه في سببه
ليس الفتى كلَّ الفتى … إلا الفتى في أدبه
وبعض أخلاق الفتى … خير له من نسبه
يحلم عنك في الرضا … كحلمه في غضبه
وذو النهى ليست تبا … عات الهوى من أدبه
لما يرى من أفنه … فيه ومن تشعبه
وآفة الرأي الهوى … والحزم في تجنبه
والأصل ينمي فرعه … والمرء عند حسبه
واظنن بكل كاذب … ما شئت بعد كذبه
والصدق من أفضل ما … يؤثر عن مكتسبه
من يقنع الدهر وإن … قلَّ اثاث نشبه
يعش رحيباً باله … في ضيقه أو رحبه
ومن يصاحب صاحباً … ينسب إلى مستصحبه
بزانيات رشده … أو شانيات رتبه
وربما عرَّ صحا … حاً جرب بجربه
يعرف من حال الفتى … في لبسه ومركبه
وفي شمأزيزته … منك وفي تعتبه
عليك او إصغائه … إليك أو تحببه
والحر قد تعرفه … بلينه وقربه
وعزمه وحزمه … ورأيه وحدبه
والمرء قد يدركه … يوماً جنود منصبه
بجهله يعرف و … سيماه في توثبه
وشرة النفس وفي … إلحاحه وطلبه
رفيق كل مطمع … بحرصه وتعبه
وقد تعدى طوره … عن كنهات رتبه
وقال " من الكامل ":
آخ الكريم فإن … صحبتك اللئام عليك وصمه
والمال أصلحه … فليس لمقتر في الناس حرمه
وإذا استشرت فلا تشا … ور غير من جربت حزمه
واحلم إذا جهل الجهو … ل إذا دعتك الجهل حلمه
ودع المراء لأهله … واحذر معرته وإثمه
وقال " من الكامل ":
استبق ودَّ أبي المقا … تل حين تدنو من طعامه
سيان كسر رغيفه … أو كسر شئ من عظامه
ويصوم كرها ضيفه … لم ينو أجرا في صيامه
وقال " من الكامل ":
باعد أخاك ببعده … وإذا دنا شيئاً فزده
كم من أخ لك ياابن بشار وأمك لم تلده
وقال يهجو علماء البصرة والكوفة " من السريع ":
وقل لمن يطلب علماً ألا … ناد بأعلى شرف ناد
ياضيعة النحو به مغرب … عنقاء أودت ذات إصعاد
أفسده قوم وأزروا به … من بين أغتام وأوغاد
ذوي مراء وذوي لكنة … لئام آباء وأجداد
لهم قياس احدثوه هم … قياس سوء غير منقاد
فهم من النحوواو عمرواأعمار عادٍفي أبي جاد
أما الكسائي فذاك امرؤ … في النحو حادٍ غير مزداد
وهو لمن يأتيه جهلاً به … مثل سراب البيد للصادي
كان أبو عبيدة معمر بن المثنى يتهم بالغلمان، فجاء أبو محمد وحمل غلاما على عاتقه وقال له: اكتب على السارية التي يجلس إليها أبو عبيدة " من البسيط ":
صلى الإله على لوط وأسرته … أبا عبيدة قل بالله 'مينا
وأنت عندي بلا شكٍ تبيتهم … منذ احتلمت وقد جاوزت سبعينا
فلما دخل أبو عبيدة المسجد وإذا السارية مكتوب في أعلاها البيتان، فحمل رجلاً على عنقه وقال: امحه! فقال: قد محوته وقد بقيت الطاء. فقال: امحها! فإنما البلاء في الطاء.
وقال أبو زيد الانصاري يهجو أبا محمد " من الخفيف ":
وجه يحيى يدعو إلى البصق فيه … غيلا أني أصون عنه بصاقي
وقال أبو محمد " من الوافر ":
متى ما تسمعي بقتيل عشق … أصيب فإنني ذاك القتيل
فأخذ المعنى ابنه أبو عبد الله فقال " من الوافر ":
بكيت ولم يهج حزني … رسومٌ لا ولا طلل
ولكن للنوى أبكي … وطول العهد ياأمل
أتيتك عائذا بك منك لما ضاقت الحيل
وصيرني هواك وبي … لحيني يضرب المثل
فإن سلمت بكم نفسي … فما لاقيته جلل
وإن قتل الهوى رجلاً … فإني ذلك الرجل
وقال أبو محمد " من السريع ":
قومٌ كرامٌ ماعدا أنهم … صولتهم منهم على جارهم
وتوفي أبو محمد رحمه الله اثنتين ومائتين وكذا ذو الرئاستين.
آخر الجزء الاول من نور القبس والحمد لله وحده
من كتاب نور القبس - أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود اليغموري (ت 673هـ)