تخطي إلى المحتوى

أبي عبد الرحمن

الفراهيدي

مشاركة

ملخص الشخصية

الترجمة

الخليل بن أحمد الفراهيدي
الإمام، صاحب العربية، ومنشىء علم العروض، أبي عبد الرحمن، الخليل بن أحمد الفراهيدي، البصري، أحد الأعلام.
حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ السَّختياني، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَالعَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ، وَغَالِبٍ القَطَّانِ.
أَخَذَ عَنْهُ سِيْبَوَيْه النَّحْوَ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيل، وَهَارُوْنُ بنُ مُوْسَى النَّحْوِيُّ، وَوَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ رَأْساً فِي لِسَانِ العَرَبِ، دَينًا، وَرِعاً، قَانِعاً، مُتَوَاضِعاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. يُقَالُ: إِنَّهُ دَعَا اللهَ أَنْ يَرْزُقَه عِلْماً لاَ يُسبَقُ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَهُ بِالعَرُوضِ، وَلَهُ كِتَابُ "العَيْنِ" فِي اللُّغَةِ.
وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَقِيْلَ: كَانَ مُتَقَشِّفاً، مُتَعَبِّداً. قَالَ النَّضْرُ: أَقَامَ الخَلِيْلُ فِي خُصٍّ لَهُ بِالبَصْرَةِ، لاَ يَقْدِرُ عَلَى فَلْسَيْنِ، وَتَلاَمِذتُهُ يَكسِبُوْنَ بِعِلْمِهِ الأَمْوَالَ، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يُنشِدُ:
وَإِذَا افتقرتَ إِلَى الذخائرِ لَمْ تَجِدْ
ذُخْراً يَكُوْنُ كَصَالِحِ الأعمالِ
وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- مُفْرطَ الذَّكَاءِ. وُلِدَ: سَنَةَ مائَةٍ. وَمَاتَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَانَ هُوَ وَيُوْنُسَ إِمَامَيْ أَهْلِ البَصْرَةِ فِي العربية، ومات ولم يتمم كتاب "العَيْنِ"، وَلاَ هَذَّبَهُ، وَلَكِنَّ العُلَمَاءَ يَغرِفُوْنَ مِنْ بَحْرِهِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيْمٍ الأَزْدِيُّ، قِيْلَ: كَانَ يَعْرِفُ عِلْمَ الإِيقَاعِ وَالنَّغَمِ، فَفَتَحَ لَهُ ذَلِكَ عِلْمَ العَرُوضِ. وَقِيْلَ: مَرَّ بالصَّفارين، فَأَخَذَهُ مِنْ وَقْعِ مِطْرَقَةٍ عَلَى طَسْتٍ.
وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي الزُّهَّادِ، كَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأُغْلِقُ عليَّ بَابِي، فَمَا يُجَاوِزُهُ هَمِّي.
وَقَالَ: أَكمَلُ مَا يَكُوْنُ الإِنْسَانُ عَقْلاً وَذِهْناً عِنْدَ الأَرْبَعِيْنَ.
وَعَنْهُ قَالَ: لاَ يَعرِفُ الرَّجُلُ خَطَأَ مُعَلِّمِهِ حَتَّى يُجَالِسَ غَيْرَه.
قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كَانَ الخَلِيْلُ إِذَا أَفَادَ إِنْسَاناً شَيْئاً، لَمْ يُرِهِ بِأَنَّهُ أَفَادَه، وَإِنِ اسْتفَادَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، أَرَاهُ بِأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْهُ.
قُلْتُ: صَارَ طَوَائِفُ فِي زماننا بالعكس.
سير أعلام النبلاء - لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي


الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن:
من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، أخذه من الموسيقى وكان عارفا بها. وهو أستاذ سيبويه النحويّ. ولد ومات في البصرة، وعاش فقيرا صابرا. كان شعث الرأس، شاحب اللون، قشف الهيئة، متمزق الثياب، متقطع القدمين، مغمورا في الناس لايعرف. قال النَّضْر بن شُمَيْل: ما رأى الرأوون مثل الخليل ولا رأى الخليل مثل نفسه. له كتاب (العين - خ) في اللغة و (معاني الحروف - خ) و (جملة آلات العرب - خ) و (تفسير حروف اللغة - خ) وكتاب (العروض) و (النقط والشكل) و (النغم) . وفكر في ابتكار طريقة في الحساب تسهله على العامة، فدخل المسجد وهو يعمل فكره، فصدمته سارية وهو غافل، فكانت سبب موته. والفراهيدي نسبة إلى بطن من الأزد، وكذلك اليحمديّ.
وفي طبقات النحويين - خ - للزبيدي: كان يونس يقول الفرهودي (بضم الفاء) نسبة إلى حيّ من الأزد، ولم يسمّ أحد بأحمد بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل والد الخليل. وقال اللغويّ، في مراتب النحويين: أبدع الخليل بدائع لم يُسبق إليها، فمن ذلك تأليفه كلام العرب على الحروف في الكتاب المسمى بكتاب (العين) فإنه هو الّذي رتب أبوابه، وتوفي قبل أن يحشوه. وقال ثعلب: إنما وقع الغلط في كتاب العين لأن الخليل رسمه ولم يحشه، وهو الّذي اخترع العروض وأحدث أنواعا من الشعر ليست من أوزان العرب وليوسف العش (قصة عبقري - ط) رسالة من سلسلة (اقرأ) في سيرته .

-الاعلام للزركلي-


صاحب العربية والعَروض أبو عبد الرحمن خليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الأَزْدي الفَرَاهِيْدِي البَصْري، المتوفى سنة خمس وسبعين ومائة وقيل سنة سبعين وقيل [سنة] ستين وله أربع وسبعون سنة.
وهو أول من استخرج العروض وكان من الزُّهَّاد والمنقطعين إلى العلم وهو أستاذ سيبويه وعامة الحكاية في كتابه عنه، روى عن أيوب وعاصم الأحول وغيرهما وأخذ عنه الأصمعي والنّضر بن شُميل وكان متواضعاً له معرفة بالإيقاع والنغم، فإن الإيقاع والعروض متقاربان في المأخذ وكان آية في الذّكاء، يحجّ سنة ويغزو سنة، مع فاقته وكان أبوه أول من سُمِّي أحمد بعد النَّبي -عليه السلام-. ومن تصنيف الخليل "كتاب العين" في اللغة واختلف فيه، فقال أبو الطّيب اللغوي: إنما هو الليث بن نضر، وقيل عمل الخليل منه قطعة من أوله إلى كتاب العين وكَمّله اللّيث وقيل بل أكمله. وله من التصانيف غير "العين" و"كتاب النغم" و"كتاب الجمل" و"كتاب العروض" و"كتاب الشَّوَاهد" و"كتاب النقط" و"كتاب الشكل". ذكره السيوطي.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.


من أخبار أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي

لم نجد في نسبه زيادة على أسم أبيه، ويقول البصريون: لايعرف أحدُ سميّ بأحمد بعد النبي ﷺ قبل أبيه، وهو من الأزد من حي يقال لهم الفراهيد. وسئل: من أي العرب أنت؟ فقال: فرهيدي. ثم سئل، فقال: فرهودي. قال أبو العباس: قوله " فراهيدي " أنتسب إلى فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، وكان من أنفسهم صحيح النسب معروف الأهل؛ وقوله " فرهودي " انتسب إلى واحد الفراهيد وهو فوهود، والفراهيد صغار الغنم. - وكان من أهل عمان من قرية من قراها. ثم أنتقل إلى البصرة. - وكان من أزهد الناس وأعلاهم نفساً؛ وكان يعيش من بستان له بالخريبة خلفه له أبوه. - وكان يحج سنة ويغزو سنة إلى أن مات.

وكان يقول: أشتهي أن أكون عند الله من أرفع الناس وعند الناس من أوسط الناس وعند نفسي من أسفل الناس. وكان يدعو بذلك. - ومر بقوم يتكلمون فيه فقال " من الطويل ":

سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه عليَّ الجرائم

وما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشروف ومثل مقاوم

فأما الذي فوقي فأعرف فضله وأتبع فيه الحق والحق لازم

وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا تفضلت إن الفضل بالعز حاكم

وأما الذي دوني فإن قال: صنت عن إجابته عرضي وإن لام لائم

وقال: قدمت من عمان ورأيي رأي الصفرية، فجلست إلى أيوب بن أبي تميمة السختياني، فسمعته يقول: إذا أردت أن تعلم علم أستاذك فجالس غيره! فظننت أنه يعنيني، فلزمته فنفعني الله به.

قال يونس: قلت للخليل: مابال أصحاب رسول الله ﷺ كأنهم بنو أم واحدة وعليّ بن أبي طالب عليه السلام كأنه ابن علة؟ فقال: من أين لك هذا السؤال؟ قلت: أريد أن تجيبني! فقال: على أن تكتم عليَّ مادمت حياً! قلت: أجل! فقال: تقدمهم إسلاماً وبذهم شرفاً وفاقهم علماً ورجحهم حلماً وكثرهم زهداً وأنجدهم شجاعة، فحسدوه، والناس إلى أمثالهم وأشكالهم أميل منهم إلى من فاقهم وكثرهم ورجحهم.

وقال ابن سلام: لم يكن في العرب أذكى من الخليل بعد الصحابة ولا في العجم أذكى من أبن المقفع ولا اجمع من حماد بن زيد. - وقد ضربت الشعراء الأمثال في أشعارهم بالخليل، قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي يهجو الأصمعي " من الوافر ":

أليس من العجائب أنّ قرداً أصيمع باهلياً يستطيل

ويزعم أنه قد كان يفتي أبا عمرو ويسأله الخليل

وقال خالد النجار يهجو التوزي " من الكامل ":

يا من يزيد تمقتاً وتباغضاً في كل لحظه

والله لو كنت الخليل لمار روينا عنك لفظة

وقيل لابن المقفع: كيف رأيت الخليل؟ قال: رأيت رجلاً عقله أكثر من علمه. وقيل للخليل: كيف رأيت ابن المقفع؟ قال: رأيت رجلاً علمه اكثر من عقله. قال المغيرة بن محمد: صدقاً، ادى عقل الخليل إلى أن مات ازهد الناس، وجهل أبن المقفع إلى ان قتل. وذلك أنه كتب كتاباً لعبد الله بن علي إلى المنصور، فقال فيه ما كان مستغنياً أن يقوله، كتب: ومتى غدر أمير المؤنين بعمه عبد الله بن علي فنساؤه طوالق ودوابه حبيس وعبيده أحرار والمسلمون منه في حل من بيعته. فأشتد ذلك على المنصور جداً وخاصة أمر البيعة، فكتب إلى سفيان بن معاوية المهلبي - وهو امير البصرة من قبله - أن اقتل ابن المقفع! فقتله.

وقال الخليل يمدح كتابي عيسى بن عمر في النحو " من الرمل "

بطل النحو الذي جمعتم غير ما احدث عيسى بن عمر

ذاك إكمال وهذا جامع وهما للناس شمس وقمر

وعن عيسى اخذ الخليل النحو، وأخذ عن الخليل جماعة لم يكن فيهم مثل سيبويه، وهو اعلم الناس بعد الخليل، فألف كتابه الذي سماه الناس قرآن النحو، وعقد أبوابه بلفظه ولفظ الخليل.

قال النضر بن شميل: كان اصحاب الشعر يمرون بالخليل فيتكلمون النحو، فقال الخليل: لا بد لهم من اصل. فوضع العروض، فخلا في بيت ووضع بين يديه طستاً، فجعل يقرعه بعود ويقول: فأعلن مستفعلن فعولن. قال: فسمعه أخوه فخرج الى المسجد فقال: إن اخي قد أصابه جنون! فأدخلهم على الخليل وهو يضرب الطست، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، مال؟ اصابك شئ؟ أتحب أن نعالجك؟ قال: وما اك؟ قالوا: أخوك يزعم انك قد خولطت. فأنشأ يقول:

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني او كنت أجهل ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتكا

دخل أعرابي مسجد البصرة فطاف على الخلق وسمع ما يقولون حتى صار إلى حلقة الخليل، فسمعهم يتذاكرون النحو والشعر حتى افضوا إلى دقيق النحو والعروض، فقام عنهم وقال:

ما زال أحدهم في النحو يعجبني حتى تعاطوا كلام الزنج والروم

حتى سمعت كلاماً لست اعرفه كأنه زجل الغربان والبوم

رفضت نحوهم والله يعصمني من التقحم في تلك الحراثيم

وكان الخليل منفطعاً إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيار صاحب خراسان، وكان من أكتب الناس وكان بارع الادب وكان كاتباً للبرامكة. فأراد الخليل ان يهدي له هدية، فعلم أن المال والاناث لا يقعان عنده موقعاً، فصنف له كتاب العين الي لم يوضع مثله. فوقع عنده موقعاً جسيماً، وحفظ نصفه. وكانت له بنت عم تحته عاقلة، فأبتاع جارية بارعة الجمال، فبلغها ذلك فنالتها عليه غيرة، فقالت: لاغظينه! وعمدت إلى الكتاب فأحرقته لعلمها بإعجابه به. فطلب الليث الكتاب. فطلب نسخة للكتاب، فأعوزته لأن الخليل كان قد خصه به. فأستدرك النصف من حفظة وجمع على النصف الباقي أدباء زمانه، فمثلوا على النصف الأول ولم يلحقوا، فالنصف الأخير الذي في أيدي الناس ليس من تصنيف الخليل.

وهو أول من جمع الحروف في بيت فقال " من البسيط ":

صف خلق خودٍ كمثل الشمس إذ بزغت يحظى الضجيع بها نجلاء معطار

وله ثلاثة أبيات على قافية واحدة وهي " من السريع ":

يا ويح قلبي من دواعي الهوى إذ رحل الجيران عند الغروب

أتبعتهم طرفي وقد أمعنوا ودمع عيني كفيض الغروب

بانوا وفيهم طفلةٌ حرةٌ تفتر عن مثل أقاحي الغروب

وقال " من المتقارب ":

كفاك لم تخلقا للندى ولم يكُ بخلهما بدعه

فكفٌ عن الخير مقبوضةٌ كما نقصت مائة سبعه

وكفٌّ ثلاثة آلافها وتسعٌ مئيها لها شرعه

وهذا مما أبدع فيه الخليل ولم يسبق إليه أنه وصف انقباض اليدين بحالين من الحساب مختلفتين في القدر متشاكلين في الصورة وهما ثلاثة وتسعون وتسعمائة وثلاثة آلاف. - وأنشد المبرد لغيره في معناه " من الوافر ":

وما تسعون تخفرها ثلاث يشدُّ بعقدها رجلٌ شديدُ

بكفٍ حزقةٍ جمعت لوجءٍ بأنكد من عطائك يا يزيد

وقال الخليل على وزن فَعْلُنْ فَعْلُنْ " من المتدارك ":

يعدو عمرو يستنهي من زيدٍ عند الفضل القاضي

فانهوا عمراً إني أخشى صول الليث العادي الماضي

ليس المرءُ الحامي أنفاً مثل المرءِ الصتْم الراضي

وقال على وزن فَعِلُنْ فَعِلُن " من المتدارك ":

سُئلوا فأبوا فلقد بخلوا ولبئس لعمرك ما فعلوا

أبكيت على طلل طرباً فشجاك وأحزنك الطلل

وقال: إن لم تعلم الناس ثوابا فعلمهم لتدرس بتعليمهم ما عندك! ولا تجزع ممن يقرع السؤال فإنه ينبهك على علم ما لم تعلم! وقال: العلوم أقفال والسؤالات مفاتيحها.

وقال: أخرج من منزلي فألقي رجلاً من أربعة رجال: رجلاً أعلم مني فهو يوم فائدتي، أو رجلاً مثلي فهو يوم مذاكرتي، أو رجلاً متعلماً فهو يوم ثوابي وأجري، أو رجلاً دوني في الحقيقة وهو يرى أنه فوقي وهو يحاول أن يتعلم مني وكأنه يعلمني، فذاك الذي لا أكلمه ولا أنظر إليه. - وقال " من البسيط ":

العلم يذكي عقولاً حين يصحبها وقد يزيدها طول التجاريب

وذو التأدب في الجهال مغترب يرى ويسمع ألوان الأعاجيب

وقال: الرجال أربعة: فرجلُ يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم، فاتبعوه! ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذاك ناس، فأذكروه! ورجلُ لايدري ويدري أنه لايدري فذاك جاهل، فعلموه! ورجلٌ لايدري ولايدري أنه لايدري فذاك مائق، فاحذروه! - وقال " من السريع ":

ما أتسعت أرض إذا كان من تبغض في شئ من الأرض

وله " من الطويل ":

ربَّ امري يجري ويدري بأنه إذا كان لايدري جهول بما يجري

وتجري ولاتدري بأنك من عمى لأنك لاتدري بأنك لاتدري

وقال أبو عثمان الناجم: أنشدنا الناشئ لنفسه في داود بن علي الإصبهاني " من الطويل ":

أقول كما قال الخليلُ بن أحمد وإن شتَّ ما بين النظامين في الشعر

عذلت على مالو علمت بقدره بسطت مكان العذل واللوم من عذري

جهلت ولم تعلم بأنك جاهل فمن لي بأن تدري بأنك لاتدري

وقال " من البسيط ":

اعمل بعلمي وإن قصرت في عملي ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري

وانظر لنفسك فيما أنت فاعله من الأمور وشمر فوق تشميري

وقال: تكلم أربعة أملاك بأربع كلمات كأنها رمية واحدة، قال كسرى: أنا على رد مالم أقل أقدر مني على رد ما قلت. وقال قيصر: لاأندم على مالم أقل وقد أندم على ما قلت. وقال ملك الصين: إذا تكلمت بالكلمة ملكتني وإذا لم أتكلم بها ملكتها. وقال ملك الهند: عجبت لمن يتكلم بالكلمة وإن رفعت عليه ضرته وإن لم ترفع عليه لم تنفعه. قال الخليل: فطلبت لها نظائر في أشعار العرب فوجدتها، قال الشاعر " من الخفيف ":

حبس ما لم أقل عليَّ يسيرٌ وعسيرٌ ردُّ الكلام المقول

وقال آخر " من الكامل ":

ما لم أقله فلا أشعه ندامةً ومتى أقل يكثر عليَّ تندمي

وقال آخر " من الطويل ":

كلامك مملوك إذا لم تفه به وتلقاه إن أطلقته لك مالكاً

وقال آخر " من الرجز ":

عجبت للقائل قولاً هذراً متى يشع يدن إليه ضررا

وليس بالنافع إما سترا

وقال يزيد بن المهلب للخليل: يا أبا عبد الرحمان، ما تقول في السماح؟ فقال: هو إلى الكرم ارتياح، وفي النعم امتناح، وليس فيه كبير جناح، يغفر الله عما فوقه، ويأخذ بما هو دونه، وما أحبُّ أن أغرَّ بقولي ورعاً، ولا أهزُّ طبعا.

وسئل عن قولهم " من المتقارب ":

إذا كنت في حاجة مرسلاً فأرسل حكيماً ولا توصه

فقال: الحكيم الذي لايحتاج إلى وصية: الدرهم. - وقال: أكمل ما يكون الرجل عقلاً وذهناً وهو ابن أربعين سنة، وهي السنُّ التي بعث الله رسوله فيها، ثم يتغير وينقص إذا صار ابن ثلاث وستين، وهي السنُّ التي قبض ﷺ فيها، وأصفى مايكون ذهنه في السحر. - وقال " من الوافر ":

إذا ضيقت أمراً زاد ضيقاً وإن هونت صعب الأمر هانا

فلا تجزع لأمر ضاق شيئاً فكم صعبٍ تشدد ثم لانا

وقال " من الوافر ":

وما بقيت من اللذات إلا محاورة الرجال ذوي العقول

وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل

وقال " من الوافر ":

وما شيءُ أحب إلى لئيم إذا سبَّ الكرام من الجواب

متاركة اللئيم بلاى جوابٍ أشدُ على اللئيم من السباب

وقال: الزاهد من لايطلب المفقود حتى يفقد الموجود. وقال: الجود بذل الموجود. وقال: الأيام ثلاثة: معهود ومشهود وموعود، فالمعهود أمس والمشهود اليوم والموعود غداً. وقال " من الرجز ":

حسبك مما تبتغيه القوت ما أكثر القوت لمن يموت

وقال " من السريع ":

غرَّ جهولاً أمله حتى يوافي أجله

ومن دنا من حتفه لم تغن عنه حيله

لايصحب الإنسان من دنياه إلا عمله

قال ابن المعتز: يستحسن من شعر الخليل في وصف الدنيا وذمها وترك الحرص عليها قوله " من الطويل ":

وما هي إلا ليلة ثم يومها وحولٌ إلى حولٍ وشهرٍ إلى شهر

مطايا يقربن الجديد من البلى ويدنين أشلاء الكرام من القبر

ويتركن أزواج الغيور لغيره ويبعدن جثمان الشحيح من الوفر

وقال " من الكامل ":

إذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخراً يكون كصالح الأعمال

وقال " من الكامل ":

عش مابدا لك، قصرك الموت لا مزحل عنه ولا فوت

بينا غنى بيت وبهجته زال الغنى وتقوض البيت

يا ليت شعري ما يراد بنا ولقلما تغني إذا ليت

وقال " من الكامل ":

المرءُ ذو صوت يعيش به في الناس ثم سينفذ الصوت

وقال " من الوافر ":

يعيش المرء في أمل يردده إلى الأبد

يؤمل ما يؤمل من صنوف المال والولد

ولا يدري لعلّ المو ت يأتي دون بعد غد

فلا يبقى لوالده ولا يبقي على ولد

وقال " من الوافر ":

أتبكي بعد شيب قد علاكا ولا ينهاك شيبك عن بكاكا

فهلا إذ بكيت على التصابي بكيت على الصبابة في صباكا

وقال: الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال. - وقال " من الطويل ":

تكثر من الإخوان ما اسطعت إنهم بطون إذا استنجدتهم وظهور

وما بكثير ألف خل لعاقل وإن عدوا واحداً لكثير

وقال: إذا أخبرك بعيبك صديق قبل أن يخبرك به عدوٌ فأحسن شكره واقبل نصحه، فإنك إن قبلته لم ينفعه وإن رددته لم تضر إلا نفسك! ومن أظهر لك عيوباً وكشف لك عن مكروه قناعاً فقس ما غاب عنك بما ظهر لك من فعله! وأنشد " من الكامل ":

ليس المسئ إذا تغيب سوءه عني بمنزلة المسء المعلن

من كان يظهر ما أحب فإنه عندي بمنزلة الأمين المحسن

والله أعلم بالقلوب وإنما لك ما بدا لك منهم بالألسن

وكان الخليل قد نظر في النجوم وبالغ وأشرف على مالا يحب، ثم لم يرضها، فأنشأ يقول " من الخفيف ":

أبلغا عنيّ المنجم أني كافرٌ بالذي قضته الكواكب

عالمٌ أنَّ ما يكون وماكا ن بحكم من المهيمن واجب

شاهد أنَّ من يفوض أو يجبر زارٍ على المقادير كاذب

قالت القدرية: لايكون قدرٌ من الله عملاً مني. والمعنى: لايكون معنيان في شيء واحد. فكلم الخليل رجلاً منهم فأخذ عوداً فكسره وقال للقدري: أيُّ شيءٍ كان مني في هذا العود؟ قال: الكسر. قال: فأي شيءٍ كان من العود في نفسه؟ قال: الانكسار. قال: قد اجتمع المعنيان في شيء واحد الكسر والانكسار.

قال الخليل: بعث إليَّ المهدي، فأتيته وهو جالسٌ في الماء على سريرٍ له إلى صدره، فسلمت عليه. فقال لي: إني اشتهيت الحديث الساعة، فحدثني! ثم قال: حدثني عن القمر! فلم أدر عن أيه أحدثه، ثم عرض لي أن قلت: قيل للقمر: كم أنت ابن ليله؟ قال: رضاع سخيله. قيل: لليلتين؟ قال: حديث أمتين بكذب ومين. قيل: ابن ثلاث؟ حديث فتيات مختلفات. قيل: ابن أربع؟ قال: عتمة أم الربع. قيل: ابن خمس؟ قال: سر وأمس. قيل: ابن ست؟ قال: سر وبت. قيل: ابن سبع؟ قال: عشية جمع. قيل: لثمان؟ قال: قمر إضحيان. قيل: لتسع؟ قال: مثقب الجزع. قيل: لعشر؟ قال: أبادر الفجر. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، قيل: لا يحفظ هذا الحديث إلا عاقل. قال: فخذه عليَّ! فأعاده كما حدثته. ثم دعا بثيابه فخرج، وأتينا بمائدة عليها خمسة قوالب كأنها الثلج، فأكل وقال: كل! فأكلت، فلم أر شيئاً قط أطيب منه. فقال لي: هذا المخ بالطبرزد، وأتي بشراب شديد الحمرة حسن اللون، فشرب ثم قال: اشرب! فظننت أنه الخمر فقلت: لاأشرب من هذا. قال: اشرب، لا ام لك! فشربت شيئاً لم أشرب مثله قط فوجدت برده في عيني. فقال: هذا عصارة الرمان، وتفاح لبنان، وعسل إصبهان، وماء المسرقان، وثلج ماسبذان، بزعفران. ثم خرجت من عنده بغير شيء.

ولما وليّ سليمان بن حيب المهلبي الأهواز زاره الخليل، فلم يحمد أمره، فرجع إلى البصرة وكتب إليه " من البسيط ":

أبلغ سليمان أني عنه في سعةٍ وفي غنىً غير أني لست ذا مال

سخى بنفسي أتي لاأرى أحدا يموت هزلاً ولايبقى على حال

وإن بين الغنى والفقر منزلة مخطومة بجديد ليس بالبالي

الرزق عن قدرٍ لاالضعف ينقصه ولا يزيدك فيه حول محتال

إن كان ضنَّ سليمان بنائله فالله أفضل مسؤول لسؤال

فكتب يعتذر إليه، فلما أتاه الرسول أدخله منزله فأخذ خبزاً يابساً فبله بماء ثم قال للرسول: أبلغ سليمان أنا لاحاجة لنا فيه مادمنا نجد هذا! - وقال وهب بن جرير: خرج أبي والخليل والفضل بن المؤتمن العتكي إلى سليمان بن الحبيب بن المهلب إلى الأهواز، فبدأ بعطاء الإثنين قبل الخليل، فكتب إليه الخليل بأبيات تمثل بها " من الكامل ":

ورد العفاة المعطشون فأصدروا رياً فطاب لهم لديك المكرع

ووردت حوضك ظامئاً متدفقاً فرددت دلوي شنها يتقعقع

وأراك تمطر جانباً عن جانب وفناء أرضي من سمائك بلقع

أبحسن منزلتي تؤخر حاجتي أم ليس عندك لي خير مطمع

ورحل عنه، فوّجه إليه بألف دينار، فردّها وقال: هيهات، أفلتت قائبة من قوبها! وقال: أبلغ سليمان الأبيات. - وأنشد أبو هفّان للخليل " من البسيط ":

وزلةٍ يكثر الشيطان إن ذكرت منها التعجب جاءت من سليمانا

لاتعجبن لخير زلَّ عن يده فالكواكب النحس يسقى الأرض أحيانا

وقيل: كان الخليل صديق سليمان بن حبيب، وكثر الزوار، فتشاغل عنهم، فسألوا الخليل يذكره بأمرهم، فكتب إليه " من الكامل ":

لاتقبلن الشعر ثم تعقه وتنام والشعراء غير نيام

واعلم بأنهم إذا لم ينصفوا حكموا لأنفسهم على الحكام

وجناية الجاني عليهم تنقضي وعتابهم يبقى على الأيام

لما دخل الخليل البصرة عزم على مناظرة أبي عمرو بن العلاء، فجلس في حلقته، ثم انصرف ولم ينطق. فقيل له: ماحملك على السكوت عن مناظرته؟ قال: نظرت فإذا هو رئيس منذ خمسين سنة، فخفت أن ينقطع فيفتضح في البلد، فلم أكلمه.

وقيل: أراد بعض آل المهلب أن يشتري أرضاً، فأشير عليه أن لايشتريها. وأشار عليه الخليل بشرائها، ففعل فرأى مايحب، فقال الخليل يصفها " من البسيط ":

ترفعت عن ندى الأعماق وانخفضت عن المعاطش واستغنت بسقياها

فاعتم بالطلح والزيتون أسفلها وماد بالنخل والرمان أعلاها

وصار يحسده من كان يعذله ولائم لام فيها قد تمناها

أبا معاوية اشكر فضل واهبها وكلما جثتها فاعمر مصلاها

وعن الخليل أنه قال: كلم ابن عباس عبد الله بن الزبير في محمد بن الحنفية وقال: ماتريد من رجل كفّ لسانه ويده عنك؟ اتق الله! فإنك قادم على ربك. فقال له ابن الزبير: تكلمني في رجل سخيف الرأي ضعيف العقل، ليس له بذم ولادين. فقال ابن عباس: رماه الله بداءٍ لاشفاء له إن كان شرا منك في الدين والدنيا! فغضب ابن الزبير وقال: أنت أيضاً تتكلم عندي؟! فقام ابن عباس، وندم ابن الزبير على ماقال، وخرج من عند ابن الزبير من وجهه إلى الطائف وقال: العجب من حنكيل يتعجب من كلامي عنده، وقد تكلمت غلاماً عند رسول الله ﷺ وعند أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، يرونني أحق من نطق، يستمع قولي وتقبل مشورتي، ليحك حنكيل جربه، ولاينقاص عليَّ انقياص الكثيب! أظن ابن الزبير أني مساعده على بني عبد المطلب؟! والله لأنملة من أنامل ابن الحنفية أحب إليَّ من أبن الزبير! والله غنه لأوفر منه عقلاً وأوفى منه عهداً وأكمل منه رأياً وأفضل ديناً وأصدق ورعاً! - فمات ابن عباس بالطائف، وصلى عليه ابن الحنفية، كبر عليه أربعاً وضرب عليه قسطاطاً وقال: دفنتم اليوم خير هذه الأمة. - قال ابن دريد: رجل بذم: إذا كان ذا قوة، وحنيكل تصغير حنكل: وهو الصغير المجتمع الخلق، وينقاص: يتهدم، وانقاصت سنه: إذا انكسرت، وأنشد " من الطويل ":

فراق كقيص السن فالصبر إنه لكل أناسٍ عبرةٌ وحبور

قال الخليل: مرَّ بنا الفرزدق ونحن صبيان نلعب، وقد انصرف من المهالبة وهو على بغل، وكان قبيح الوجه، فجعلنا ننظر إليه، فوقف وقال " من الكامل ":

نظروا إليك بأعين محمرة نظر التيوس إلى مدى القصاب

فقال له بعضنا: نظرنا إليك أنك مليح، كما ينظر إلى القرد وهو مليح، فصرف وجه بغلته وانصرف. - قال أبو العيناء: الخليل قال له هذه المقالة وهو صبي، ولكنه لم يحب أن تحكيه عن نفسه.

ويروى أن سيار بن هاني أبا إبراهيم بن سيار النظام جاء بابنه إبراهيم إلى الخليل، وقال: أحب أن يكون هذا الصبي بين يديك! فقال الخليل لإبراهيم كالعابث وفي دار الخليل نخلة: صف لي هذه النخلة! قال: بمدح أم بذم. قال: بذم! قال: هي صعبة المرتقى خبيثة المجتنى. قال: فصف زجاجتي هذه! - يعني كأساً في يده. فقال: أبمدح أم بذم؟ قال: بذم! قال: هي سريعة الانكسار بطيئة الانجبار. فقال الخليل لأبيه: أنا أحتاج أن أتعلم من أبنك هذا.

ومن شعر الخليل " من السريع ":

ما أسمج النسك بسأ ال وأقبح البخل بذي المال

وأقبح الثروة ما لم تكن عند أخي جودٍ وإفضال

والحرص من شر أداة الفتى لاخير في الحرص على حال

من بات محتاجاً إلى أهله هان على ابن العم والخال

ما وقع الواقع في ورطة أزرى به من رقة الحال

وقال " من البسيط ":

رزقت جوداً ولم أرزق مرؤته وما المروءةُ إلا كثرة المال

إذا أردت مساماة تقاعدني عما ينوه باسمي رقة الحال

وقال " من الوافر ":

وهذا المال يرزقه رجال مناديل إذا اختبروا فسول

ورزق الخلق مجلوب إليهم مقادير يقدرها الجليل

كما تسقى سباخ الأرض ريا وتصرف عن كرائمها السيول

فلا ذو المال يرزقه بعقل ولا بالمال تقتسم العقول

وقال في تفضيل شكر الشاكر على إنعام المنعم " من الطويل ":

وما بلغ الإنعام في النفع غايةً من الفضل إلا مبلغ الشكر أفضل

وما بلغت أيدي المنيلين بسطة من الطول إلا بسطة الشكر أطول

ولا رجحت بالمرء يوماً صنيعة على المرء إلا وهي بالشكر أثقل

وقال " من المجتث ":

إن لم يكن لك لحم كفاك خلُّ وزيت

أو لم يكن ذا وهذا فكسرة وبييتُ

تظل فيه وتأوى حتى يجيئك موتُ

هذا عفاف وأمن فلا يغرك ليت

وقال يصف قصر عيسى بن جعفر بالخريبة " من البسيط ":

زر وادي القصر نعم القصر والوادي لابدَّ من زورة من غير ميعاد

زره فليس له شبه يعادله من منزل حاضرٍ إن شئت أو باد

ترفى قراقيره والعيس واقفة والنون والضب والملاح والحادي

القراقير: ضرب من السفن، وترفى: أي توقف السفن بها، والمعنى أنه مجمع البر والبحر. وقال - وقيل: هي لأبي عيينة المهلبي " من المنسرح ":

يا جنة فاقت الجنان فما تبلغها قيمةٌ ولا ثمن

ألفتها فاتخذتها وطناً إن فؤادي لأهلها وطن

صاهر حيتانها الضباب بها فهذه كنة وذا ختن

من سفن كالنعام مقبلةٍ ومن نعامٍ كأنها سفن

سأل الأخفش الخليل: لم سميت الطويل طويلاً؟ قال: لأنه تمت أجزاؤه. قال: فالبسيط؟ قال: لأنه أنبسط عن مدى الطويل. قال: فالمديد؟ قال: لتمدد سباعيه حول خماسيه. قال: فالوافر؟ قال: لوفارة الأجزاء. وتدا بوتد. قال: فالكامل؟ قال: لأن فيه ثلاثين حركة لم يجتمع في غيره. قال: فالرجز؟ قال: لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة الرجزاء. قال: فالهزج؟ قال: لأنه يضطرب شبه هزج الصوت. قال: بعض. قال: لأنه يسرع على اللسان. قال: فالمنسرح؟ قال: لانسراحه وسهولته. قال: فالخفيف؟ قال: لأنه أخف السباعيات. قال: فالمقتضب؟ قال: لأنه اقتضب من الشعر لقلته. قال: فالمضارع؟ قال: لأنه ضارع المقتضب. قال: فالمجتث؟ قال: لأنه أجتث، أي قطع من طول دائرته. قال: فالمتقارب؟ قال: لتقارب أجزائه، وإنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضاً.

وتردد إلى مجلس الخليل بعضهم فلم يحظ منه بطائل لقصور فهمه، فقال له الخليل " من الوافر ":

إذا لم تستطع أمراً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

وقال: أنا أول من سمى الأوعية ظروفاً، وإنما قيل للإنسان ظريف لأنه جعل ظرفاً لأدب ونظافة. - قالت امرأة الخليل له: لاأراك تجلس عندي كثيرا. قال: ما أصنع عندك؟ أنت تجلين عن دقيقي وأنا أدق عن جليلك! ومات الخليل سنة ستين ومائة. - قال عليّ بن نصر: رأيت الخليل في النوم فقلت في نفسي: لاأرى أحداً من أسلافنا في النوم أعقل من الخليل. فقلت ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني! ثم قال لي: رأيت ماكنا فيه ما انتفعنا بشئ منه، وكله باطل، ولكن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ما رأينا انفع منهن!

من كتاب نور القبس - أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود اليغموري (ت 673هـ)

أبي عبد الرحمن (الفراهيدي)