أبو زيد الأنصاري
يروى عن أبي عبيدة والأصمعي أنهما سئلا عن أبي زيد الأنصاري فقالا: قل ما شئت من عفاف وتقوى وإسلام.
وقال أبو عثمان المازني: كنا عند أبي زيد، فجاء الأصمعي وأكب على رأسه وجلس، وقال: هذا عالمنا ومعلمنا منذ عشرين سنة.
وقال الأصمعي: رأيت خلفاً الأحمر في حلقة أبي زيد.
ويحكى عن أبي زيد أنه قال: كنت ببغداد فأردت انحدر إلى البصرة، فقلت لابن أخي: اكتر لنا، فجعل ينادي، "يا معشر الملاحون"، فقلت [له] : ويلك! ما تقول؟ فقال: جعلت فداك! أنا مولع، بالرفع لا بالنصب.
وحكى أبو حاتم السجستاني قال: حدثني أبو زيد قال: قلت لأعرابي: ما المتكأكئ؟ قال: المتأزف، قلت: وما المتأزف؟ قال المحبنطئ، قلت: وما المحبنطئ؟ قال: أنت أحمق، ومضى وتركني؛ قال السيرافي: وذلك كله القصير.
وقال أبو العباس المبرد: كان أبو زيد عالماً بالنحو، ولم يكن مثل الخليل وسيبويه، وكان يونس من باب أبي زيد في العلم باللغات، وكان يونس أعلم من أبي زيد بالنحو، وكان أبو زيد أعلم من الأصمعي وأبي عبيدة بالنحو.
وحكى أبو زيد من شواهد النحو عن العرب ما ليس لغيره، وكان يروى عن علماء الكوفة ولا يعلم أحد من علماء البصريين بالنحو واللغة أخذ عن أهل الكوفة إلا أبا زيد، فإنه روى عن المفضل الضبي، قال أبو زيد في أول كتاب النوادر: أنشدني المفضل لضمرة بن ضمرة النهشلي:
بكرت تلومك بعد وهن في الندى ... بسل عليك ملامتي وعتابي
أأصرها وبني عمي ساغب ... فكفاك من إبة علي وعاب
هل تخمشن إبلي علي وجوهها ... أو تعصبن رؤوسها بسلاب
بكرت، أي قدمت في الوقت. بعد وهن، أي ساعة من الليل. وبسل، أي حرام. وأصرها، أي أشد أخلافها، ومنه المصراة. وساغب، أي جائع. وإبة، أي عيب. وسلاب أي عصابة سوداء تلبسها المرأة في المصيبة؛ وعامة كتاب النوادر لأبي زيد عن المفضل الضبي.
وقال أبو عثمان المازني: كان أبو زيد يقول لأصحابه إذا أخطئوا: أخطأتم وأسوأتم، من قولهم أسوأ: الرجل، مهموز، إذا أحدث.
وقال روح بن عبادة: كنت عند شعبة، فضجر من الحديث فرمى بطرفه، فرأى أبا زيد بن أوس في أخريات الناس فقال: يا أبا زيد:
واستعجمت دار مي ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار
إلى يا أبا زيد؛ فجعلا يتناشدان الأشعار، فقال بعض أصحاب الحديث لشعبة: يا أبا بسطام، نقطع إليك ظهور الإبل، لنسمع منك حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتدعنا، وتقبل على الأشعار! قال: فرأيت شعبة قد غضب غضباً شديداً، ثم قال: يا هؤلاء أنا أعلم بالأصلح لي! أنا والذي لا إله إلا هو في هذا أسلم مني في ذلك.
ويروى أن أعرابياً وقف على حلقة أبي زيد، فظن أبو زيد أنه قد جاء يسأل عن مسألة في النحو، فقال أبو زيد: سل يا أعرابي، فقال على البديهة: د
لست للنحو جئتكم ... لا ولا فيه أرغب
أنا ما لي ولامرئ ... أبد الدهر يضرب
خل زيد لشأنه ... أينما شاء يذهب
واستمع قول عاشق ... قد شجاه التطرب
همه الدهر طفلة ... فهو فيها يشبب
وقال أبو عثمان المازني: سمعت أبا زيد رحمه الله تعالى يقول: لقيت أبا حنيفة رحمه الله تعالى، فحدث بحديث فيه: "يدخل الجنة قوم حفاة عراة منتنين قد أحشتهم النار"، قال: "منتنون قد محشتهم النار"، فقال: ممن أنت؟ قلت: من أهل البصرة، فقال: كل أصحابك مثلك؟ فقلت: أنا أخسهم حظاً في العلم؟ فقال: طوبى لقوم تكون أخسهم.
وقال محمد بن يونس: توفي أبو زيد الأنصاري سنة أربع عشرة ومائتين.
وقال الرياشي وأبو حاتم: توفي أبو زيد سنة خمس عشرة ومائتين.
قال المصنف: وكان ذلك في خلافة المأمون.
وحكى أبو بكر الخطيب أن وفاته كانت بالبصرة.
نزهة الألباء في طبقات الأدباء - لكمال الدين الأنباري.
أَبُو زيد سعيد بن أَوْس الْأنْصَارِيّ
كَانَ يَقُول: إِذا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: اخبرني الثِّقَة، فإياي يَعْنِي.
وَله مَوْضُوعَات فِي اللُّغَة: " النَّوَادِر "، و " كتاب الْهمزَة " ذكر أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد اليزيدي، قَالَ لي أَبُو زيد: عملته فِي ثَلَاثِينَ سنة.
تُوفي سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ.
وَوجدت بِخَط أبي، مُحَمَّد بن مسعر، رَحمَه الله: عَاشَ أَبُو عُبَيْدَة رَحمَه الله، سبعا وَتِسْعين سنة، وَكَذَلِكَ أَبُو زيد، يُقال: إِن عمره أَربع وَتسْعُونَ سنة.
قَرَأت فِي " كتاب " خليق بِالصِّحَّةِ: تُوفي أَبُو زيد وَأَبُو عُبَيْدَة، رحمهمَا الله، سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ.
تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم-لأبو المحاسن المفضل التنوخي المعري.
سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري: أحد أئمة الأدب واللغة. من أهل البصرة. ووفاته بها. كان يرى رأي القدرية. وهو من ثقات اللغويين، توفي سنة 215ه . ينظر: الاعلام :3/92
أبي زيد الأنصاري الإِمَامُ العَلاَّمَةُ حُجَّةُ العَرَبِ أبي زَيْدٍ سَعِيْدُ بنُ أَوْسِ بنِ ثَابِتِ بنِ بَشِيْرِ "ابْنِ" صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ البَصْرِيُّ النَّحْوِيُّ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ وَابْنِ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَرُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ القَدَرِيِّ وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ وتلا عليه، وأبي عبيد القَاسِمُ وَأبي عُمَرَ صَالِحُ بنُ إِسْحَاقَ الجَرْمِيُّ، وَأبي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَأبي عُثْمَانَ المَازِنِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَأبي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَالعَبَّاسُ الرِّيَاشِيُّ، وَأبي العَيْنَاءِ وَالكُدَيْمِيُّ وَأبي مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ المُنْذِرِ القَزَّازُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يُجمِلُ القَوْلَ فِيْهِ، وَيَرفَعُ شَأْنَهُ وَيَقُوْلُ: هُوَ صَدُوْقٌ.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: ثِقَةٌ.
قُلْتُ: جَدُّهُ الأَعْلَى أبي زَيْدٍ هُوَ أَحَدُ مَنْ جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْمُهُ: ثَابِتُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسٍ الخَزْرَجِيُّ.
وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي زَيْدٍ فَجَاءَ الأَصْمَعِيُّ فَأَكَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَجَلَسَ، وَقَالَ: هَذَا عَالِمُنَا وَمُعَلِّمُنَا مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ خَلَفٌ الأَحْمَرُ فَأَكَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: هَذَا عَالِمُنَا وَمُعَلِّمُنَا مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
المَازِنِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زَيْدٍ يَقُوْلُ: وَقَفتُ عَلَى قَصَّابٍ فَقُلْتُ: بِكَمِ البَطْنَانِ? فَقَالَ: بِمِصْفَعَانِ يَا مَضْرطَانِ. فَغطَّيْتُ رَأْسِي وَفَرَرتُ. وَحَكَى السِّيْرَافِيُّ: أَنَّ أَبَا زَيْدٍ كان يقول: كل ما قاله سيبويه: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ فَأَنَا أَخْبَرتُهُ، وَقَدْ مَاتَ أبي زيد بعد سيبويه بنيف وثلاثين سنة.
قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ الأَصْمَعِيَّ كَانَ يَحْفَظُ ثُلُثَ اللُّغَةِ، وَكَانَ أبي زَيْدٍ يَحْفَظُ ثُلُثَيِ اللُّغَةِ، وَكَانَ الخَلِيْلُ يَحْفَظُ نِصْفَ اللُّغَةِ، وَكَانَ عَمْرُو بنُ كِرْكِرَةَ الأَعْرَابِيُّ يَحْفَظُ اللُّغَةَ كُلَّهَا.
قُلْتُ: عَمْرٌو هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُوْرٍ.
قَالَ المُبَرِّدُ: الأَصْمَعِيُّ، وَأبي عُبَيْدَةَ، وَأبي زَيْدٍ أَعْلَمُ الثَّلاَثَةِ بِالنَّحْوِ أبي زَيْدٍ، وَكَانَتْ لَهُ حَلقَةٌ بِالبَصْرَةِ.
وَعَنْ أَبِي زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لابْنِ أَخٍ لِي: اكْتَرِ لَنَا فَصَاحَ: مَعْشَرَ الملاَّحُوْنَ قُلْتُ: وَيْحَكَ! مَا تَقُوْلُ? قَالَ: أَنَا أُحِبُّ النَّصْبَ.
قَالَ أبي مُوْسَى الزَّمِنُ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أبي زَيْدٍ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أبي حَاتِمٍ: عَاشَ ثَلاَثاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي
سعيد بن أَوْس الْأنْصَارِيّ أَبُو زيد من أَصْحَاب الإِمَام قَالَ سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول فِيمَن أسقط أَربع سَجدَات لم يذكر ذَلِك إِلَّا فِي آخر صلَاته فَقَالَ ابو حنيفَة يتم صلَاته فاذا جلس ارْبَعْ سَجدَات ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم ثمَّ يسْجد سَجْدَتي السَّهْو بعد السَّلَام كَذَا ذكره ابْن أبي الْعَوام وَذكره الذَّهَبِيّ فى الْمِيزَان وَقَالَ ذكره ابْن حبَان ملينا لَهُ لِأَنَّهُ وهم فى سَنَد حَدِيث أسفروا بِالْفَجْرِ وَثَّقَهُ جرزة وَغَيره وَعلم عَلَيْهِ عَلامَة دت وَذكره فى الكاشف وَقَالَ ثِقَة عَلامَة ذُو تصانيف توفّي سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَذكره عبد الْغَنِيّ فى الْكَمَال فى الكنى فَقَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ روى عَنهُ أَبُو عبيد روى لَهُ أَبُو دَاوُد وَلم يذكر بِأَكْثَرَ من هَذَا
الجواهر المضية في طبقات الحنفية - عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي محيي الدين الحنفي.
سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري:
أحد أئمة الأدب واللغة. من أهل البصرة. ووفاته بها. كان يرى رأي القدرية. وهو من ثقات اللغويين، قال ابن الأنباري: كان سيبويه إذا قال (سمعت الثقة) عنى أبا زيد. من تصانيفه كتاب (النوادر - ط) في اللغة، و (الهمز - ط) و (المطر - ط) و (اللبأ واللبن - ط) و (المياه) و (خلق الإنسان) و (لغات القرآن) و (الشجر) و (الغرائز) و (الوحوش) و (بيوتات العرب) و (الفرق) و (غريب الأسماء) و (الهشاشة والبشاشة) .
-الاعلام للزركلي-
أبي زيد
قال أبو العباس محمد بن يزيد: أبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري صليبة من الخزرج. قال أبو العباس: كان أبو زيد عالماً بالنحو ولم يكن مثل الخليل وسيبويه وكان يونس من باب أبي زيد في العلم باللغات وكان يونس أعلم من أبي زيد بالنحو. وكان أبو زيد أعلم الثلاثة بالنحو أعنيه والأصمعي وأبا عبيدة وكان يقال أبو زيد النحوي وله كتاب في تخفيف الهمز على مذهب النحو وفي كتبه المصنفة في اللغة من شواهد النحو عن العرب ما ليس لغيره وكانت حلقته بالبصرة ينتابها الناس. وذكر أبو العباس قال حدثني أبو بكر القرشي شيخ من أهل البصرة مولى لقريش قال سمت قوماً يذكرون أبا زيد في حلقة الأصمعي فساعدهم على ذلك ثم قال الأصمعي: رأيت خلفاً الأحمر في حلقة أبي زيد.
وكان أبو زيد كثير السماع من العرب ثقة مقبول الرواية، وأخبرنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم قال قال لي أبو زيد الأنصاري سألني الحكم بن قنبر عن: تعاهدت ضيعتي أو تعهدت. فقلت: تعهدت لا يكون إلا ذلك. قال فقال لي: فاثبت لي على هذا إذا سألك يونس فقل نعم. وكان الحكم بن قنبر سأل يونس فقال تعاهدت. قال فلما جئت سأله فقال يونس فقال: تعاد. فقال أبو زيد فقلت: لا. وكان عنده ستة من الأعراب الفصحاء فقلت: سل هؤلاء فبدأ بالأقرب إليه فالأقرب فسألهم واحداً واحداً فكلهم قال: تعهدت. فقال: يا أبا زيد رب علم كنت سببه. أو شيئاً نحو هذا.
ويروى أن أعرابياً وقف على حلقة أبي زيد جادياً أي مستميحاً فظن أبو زيد أنه جاء ليسأل مسألة في النحو فقال له أبو زيد: سل يا أعرابي عما بدا لك فقال علي البديهة:
لست للنحو جئتكم ... لا ولا فيه أرغب
أنا ما لي ولامرئٍ ... أبد الدهر يضرب
خل زيداً لشأنه ... حيث ما شاء يذهب
واستمع قول عاشق ... قد شجاه التطرب
همه الدهر طفلةٌ ... فهو فيها يشبب
وحدثنا أبو بكر بن السراج قال حدثنا أبو العباس المبرد قال أخبرنا أبو عثمان المازني قال يقال: أسوأ الرجل مهموزاً إذا أحدث. قال وكان أبو زيد يقول لأصحابه أخطأتم وأسوأتم. وبإسناده، قال: وقال أبو زيد ستة يلزمونه ولا يفلحون الأشنانداني والكرماني وابن السحستاني والسرداني والخرساني والعرماني من عرمان من الأزد.
وقال أحمد بن يحيى كان أبو زيد يقول لأصحابه.
اقتربوا قرف القمع ... إني إذا موت كنع
لا أتوقى بالجزعما طار شيءٌ فارتفعإلا كما طار وقع
قال وأنشدني فيها ابن الأعرابي:
حسبي بعلمي إن نفع ... ما الذل إلا في الطمع
من راقب الله نزع ... عن قبح ما كان صنع
قال أحمد بن يحيى قرف القمع ما كان عليه من الوسخ، فيقول أبو زيد لأصحابه: اقتربوا يا أوساخ.
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال حدثني أبو زيد قال قلت لأعرابي: ما المتكأكئ قال: المتأزف. قلت: ما المتأزف؟ قال: المحبنطئ يا أحمق. وتركني ومضى وذلك كله القصير.
وذكر أبو العباس محمد بن يزيد قال حدثني أبو عثمان المازني والتوزي وغيرهما أن الكسائي كتب إلى أبي زيد جواب كتاب كان كتبه إليه: شكوت إلي مجانينكم فأشكو إليك مجانيننا لئن كان أقذاركم قد نموا لأقذر وأنتن بمن عندنا فلولا المعافاة كنا كهم ولولا البلاء لكانوا كنا.
وذكر محمد بن يزيد قال حدثني المازني عن أبي زيد قال: قدم الكسائي البصرة فأخذ عن أبي عمرو ويونس وعيسى بن عمر علماً كثيراً صحيحاً ثم خرج إلى بغداد فقدم إعراب الحطمة فأخذ عنهم شيئاً فاسداً فخلط هذا بذاك فأفسده ولا نعلم أحداً من علماء البصريين بالنحو واللغة أخذ عن أهل الكوفة شيئاً من علم العرب إلا أبا زيد فإنه روى عن المفضل الضبي. قال أبو زيد في أول كتاب النوادر أنشدني المفضل لضمرة بن ضمرة النهشلي جاهلي.
بكرت تلومك بعد وهن في الندى ... بسلٌ عليك ملامتي وعتابي
أأصرها وبني عمي ساغبٌ ... فكفاك من إبةٍ علي وعاب
هل تخمشن إبلي على وجوهها ... أم تعصبن رؤوسها بسلاب
معنى بكرت أي قدمت الوقت والوهن الساعة من الليل، والبسل الحرام، أأصرها يعني أشد أخلافها والساغب الجائع، والإبة العيب وما يستحي منه والعاب العيب والسلاب عصابة سوداء تلبسها المرأة في المصيبة، وعامة كتاب النوادر لأبي زيد عن المفضل.
أخبار النحويين البصريين - الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي.
أَبو زيد، سعيد بن أوس بن ثابت بن زيد، الأنصاري، اللغويُّ، البصريُّ.
كان من أئمة الأدب، وغلبت عليه اللغة والنوادر والغرائب، وكان يرى رأي القَدَر، وكان ثقة في روايته، وله في الأدب مصنفات مفيدة، وحكى بعضهم: أنه كان في حلقة شعبة بن الحجاج، فضجر من إملاء الحديث، فرمى بطرفه، فرأى أبا زيد الأنصاري في أخريات الناس، فقال: يا أبا زيد! شعر:
استَعْجَمتْ دارُ ميٍّ ما تُكَلِّمُنا ... والدارُ لو كَلَّمَتْنا ذاتُ أَخبارِ
إليّ يا أبا زيد! فجاءه، فجعلا يتحدثان ويتناشدان الأشعار، فقال له بعض أصحاب الحديث: يا أبا بسطام! نقطع إليك ظهورَ الإبل لنسمعَ منك حديثَ النبيِّ - ﷺ -، فتدعنا وتُقبل على الأشعار! قال: فغضب شعبةُ غضبًا شديدًا، ثم قال: يا هؤلاء! أنا أعلمُ بالأصلح لي، أنا والله الذي لا إله إلا هو! في هذا أسلمُ مني في ذاك.
وكانت وفاته بالبصرة في سنة 215، وقيل: سنة 214، وقيل: سنة 216، وعُمِّر عمرًا طويلًا حتى قارب المئة، وقيل: عاش ثلاثًا وتسعين سنة، وقيل: خمسًا وتسعين، وقيل: ستًا وتسعين - رحمه الله -.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.
ومن أخبار أبي زيد الأنصاري
وهو سعيد بن أوس بن ثالب " بن بشير بن ثابت بن زيد " بن قيس بن زيد بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج. وشهد ثابت أحداً والمشاهد بعدها، وهو أحد العشرة الذين بعث عمر رضي الله عنه مع أبي موسى الأشعري إلى البصرة وأحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلة الله عليه وسلم، وله عقب بالبصرة.
وكان أبو زيد أعلم من الأصمعي وأبي عبيدة بالنحو وكانا بعده يتقاربان.
وقال المبرد: أبو زيد صاحب لغة وغريب ونحو وكان أكبر من الأصمعي في النحو، وكان أبو عبيدة أعلم من أبي زيد والأصمعي بالأنساب والأيام والأخبار، وكان الأصمعي بحراً في اللغة لايعرف مثله فيها وفي كثرة الرواية.
قال عبَّاس الأزرق: كنت عند شعبة بن الحجاج ذات يوم وقد اجتمع أصحاب الحديث ليحدثهم، فنظر إلى أبي زيد النحوي في أخريات الناس فرفع رأسه ثمّ قال " من البسيط ":
استعجمت دار نعم لاتكلمنا … والدارُ لو كلمتنا ذات أخبار
أدن، يا أبا زيد، ادنه! فما زالا يتناشدان الشعر، فقال بعض أصحاب الحديث: ياأبا بسطام، نقطع إليك ظهور الإبل لحديث رسول الله ﷺ، فتتركنا وتقبل على إنشاد الشعر! فغضب شعبة وقال: ياهذا، أنا أعلم بأمري، أنا والله في هذا أسلم مني في ذاك! - قال أبو زيد: قال لي شعبة: سلني عما شئت من الشعر! قلت له: فما معنى قوله " من الطويل ":
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم … ولم تكثر القتلى بها حين سلَّت
فأطرق ثمّ قال: لاأدري. ومعناه: لم يشيموها أي لم يغمدوها إلا وقد كثرت القتلى بها.
حضر أعرابي عند أبي زيبد، فقال: أنتم أهل خشونة، ياأهل البادية، ونحن أهل لين وغزل. فقال الأعرابي: كيف تكونون أغزل منا ومنا من يقول " من البسيط ":
هيفاءُ مقبلةً عجزاء مدبرةً … لم تجف طولاً ولا أزرى بها قصر
غراء كالقمر المشهور طلعته … لابل يرى مثلها لما أستوى القمر
مالان قلبي لناه عن مودتها … وهل يلين لقول الواعظ الحجر
قال: فكتبنا. قال: وفينا من يقول أيضاً " من البسيط ":
هيفاءُ فيها إذا استقبلتها قصف … عجزاء خامصة الكشخين معطار
غراء لم يرها مما يحذرها … بساحة الدار لابعل ولاجار
قال أبو زيد: قلت لأعرابي: أقرأ! فقال: سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسَّوى، والذي منَّ على الحبلى، فأخرج منها نسمة تسعى، حتى إذا شبَّ واستوى، أدبر وتولى.
ذكر عند أبي زيد تفسير الأصمعي لقول الأعشى " من الكامل ":
وسيئة مما تعتق بابل … كدم الذبيح سلبتها جريالها
وإنه قال: معناه شربتها حمراء وبلتها بيضاء فسلبتها الجريال. فقال أبو زيد: لم يقل أبو سعيد شيئاً، قد نرى الزنجي يفعل ذلك يشربها حمراء ويبولها بيضاء، وإنما أراد: أخذت حمرتها في وجنتي فصار لونها في خدي، وهذا مانراه أبداً عند الامتحان.
كان ديسم العنزي لايزال يحفظ أشياء من هجو حماد عجرد وأبي هشام الباهلي في بشار بن برد فبلغه ذلك فقال " من الطويل ":
أديسم يا ابن الذئب من نجل زراع … أتروي هجائي سادراً غير مقصر
قال أبو حاتم: فأنشدت أبا زيد هذا البيت وقلت له: ماتقول؟ فقال: لمن الشعر؟ قلت لبشار. قال: قاتله الله، ما أعلمه بكلام العرب! ثمّ قال له: الديسم ولد الذئب من الكلبة، وزارع اسم الكلب ويقال للكلاب: أولاد زارع، والعسبار ولد الضبع من الذئب، والسمع ولد الذئب من الضبع، وزعمت العرب أن السمع لايموت حتف أنفه، وإنه لأسرع من الريح.
وقال أبو زيد: مرّ بي رؤبة فاستنشدته، فأنشدني أرجوزته:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
فاجتمع الناس عليه حتى سدوا الطريق، ومرت به عجوز فلم يمكنها أن تتخطى، فقال " من الرجز ":
تنح للعجوز عن طريقها … إذ اقبلت رائحة من سوقها
دعها فما النحوي من صديقها
قال أبو زيد: ما سمعت أحداً يقول: فلان من صديقي! قبل رؤبة. - وشهد رؤبة قوماً يلعبون بالنرد وهو لايدري ماهم فيه، ثمّ حضر الطعام فقال " من الرجز ":
ياأخوتي جاء الطعام فارفعوا … خيابة كعابها تقعقع
لم أدر ما ثلاثها والأربع
وقف أعرابيٌّ على أبي زيد، فظن أنه جاء يسأله عن مسألةٍ في النحو، فقال: سل عما بدا لك! فقال الأعرابي " من الخفيف ":
لست للنحو جئتكم … لا ولا فيه أرغب
أنا مالي ولأمري … أبد الدهر يضرب
خل زيداً لشأنه … حيثما شاء يذهب
واستمع قول عاشق … قد شجاه التطرب
همه الدهر طفلة … فهو فيها يشيب
قال أبو زيد: وقفت على قصاب فقلت: بكم البطنان؟ فقال: بمصفعان، يامضرطان! قال: فغطيت رأسي وفررت لئلا يسمع الناس فيضحكوا مني. - وأنشد أبو زيد " من المتقارب ":
إذ أنت لم تعف عن صاحب … أساء وعاقبته إن عثر
بقيت بلا صاحب فاحتمل … وكن ذا وفاءٍ وإن هو غدر
ولا تسأل الحرَّ عن عورة … وإن قام يوماً عليها ستر
قال أبو عبد الرحمان السُلمي: خطبنا الحسن بن علي رضي الله عنهما بعد وفاة عليّ رضي الله عنه، فقال: ياأيها الناس، والله قد فقدتم رجلاً ما سبقه أحد كان قبله، ولا يلحقه أحدٌ يكون بعده، كان رسول الله ﷺ يبعثه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ماترك صفراء ولا بيضاء إلا ثماني مائة درهم فضلت عن عطائه، أراد أن يشتري بها خادما. ثمّ بكى وبكى الناس، ثمّ قال: وقد أخبره رسول الله ﷺ أنه مقتول، " فإنا لله وإنا إليه راجعون "، لا معقب لحكمه ولاراد لقضائه! قال المازني: دخلت على أبي زيد في مرضه الذي مات فيه، فقال: أشتكي صدري. فقلت: أمرخه بشمع ودهن! فقال: ليس كذا، إنما هو أمرخه، فتعجبت منه في تلك الحال يعلمني. - ومات أبو زيد رحمه الله سنة خمس عشرة - وقيل: أربع عشرة - ومائتين، وله ثلاث - وقيل: اربع، وقيل: خمس - وتسعون سنة.
من كتاب نور القبس - أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود اليغموري (ت 673هـ)