عبد الملك بن قريب بن علي الأصمعي أبي سعيد

تاريخ الولادة122 هـ
تاريخ الوفاة215 هـ
العمر93 سنة
مكان الولادةالبصرة - العراق
مكان الوفاةالبصرة - العراق
أماكن الإقامة
  • البصرة - العراق
  • بغداد - العراق

نبذة

أبو سعيد الأصمعي وقال الأخفش: ما رأينا أحداً أعلم بالشعر من الأصمعي وخلف، فقلت: أيهما كان أ'لم؟ فقال: الأصمعي؛ لأنه كان نحوياً. وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: كان أبو زيد صاحب لغة وغريب ونحو، وكان أكثر من الأصمعي في النحو، وكان أبو عبيدة أ'لم من أبي زيد والأصمعي بالأنساب والأيام والأخبار، وكان للأصمعي يد غراء في اللغة لا يعرف فيها مثله، وفي كثرة الرواية، وكان دون أبي زيد في النحو

الترجمة

أبو سعيد الأصمعي
وقال الأخفش: ما رأينا أحداً أعلم بالشعر من الأصمعي وخلف، فقلت: أيهما كان أ'لم؟ فقال: الأصمعي؛ لأنه كان نحوياً.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: كان أبو زيد صاحب لغة وغريب ونحو، وكان أكثر من الأصمعي في النحو، وكان أبو عبيدة أ'لم من أبي زيد والأصمعي بالأنساب والأيام والأخبار، وكان للأصمعي يد غراء في اللغة لا يعرف فيها مثله، وفي كثرة الرواية، وكان دون أبي زيد في النحو.
وحكى محمد بن هبيرة، قال: قال الأصمعي للكسائي وهما عند الرشيد: ما معنى قول الشاعر:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً ... ودعا فلم أرَ مصله مقتولا
قال الكسائي: كان محرماً بالحج، قال: الأصمعي فقوله:
قتلوا كسرى بليل محرماً ... فتولى لم يمتع بكفن
فهل كان محرماً بالحج؟ فقال هارون للكسائي: يا علي؛ إذا جاء الشعر فإياك والأصمعي.
قال الأصمعي: قوله: محرما"، أي في حرمة الإسلام؛ ومن ثم قيل: مسلم محرم؛ أي لم يحل من نفسه شيئاً يوجب القتل. وقوله: "محرماً" في كسرى، يعني حرمة العهد الذي كان له في عنق أصحابه.
قال المصنف: ويحتمل أن يكون قوله: "محرماً" في حق عثمان، أي دخل في الأشهر الحرم؛ يقال: أحرم الرجل، إذ دخل في الأشهر الحرم، وقد كان قتل في ثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. وذو الحجة من الأشهر الحرم.
قال أبو عبد الله بن الأعرابي: شهدت الأصمعي وقد أنشد نحواً من مائتي بيت، ما فيها بيت عرفناه.
وكان الأصمعي صدوقاً في الحديث، أخذ عن عبد الله بن عون وشعبة بن الحجاج وحماد بن سلمة والخليل بن أحمد؛ ويحكى أنه أراد أن يقرأ عليه العروض وشرع في تعلمه فتعذر ذلك عليه، فيئس الخليل منه، فسأله عن معصوب الوافر، فقال له: يا أبا سعيد، كيف تقطع قول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزه إلاّ ما تستطيع
فعلم الأصمعي أن الخليل قد تأذى ببعده عن علم العروض، فلم يعاوده فيه. والعصب: إسكان الخامس [المتحرك] فتسكن اللام من "مفاعلتن" فتبقى "مفاعلتن"، أي بسكون اللام [منه] ، فتنقل إلى "مفاعيلن" وتقطيعه هكذا:
إذا لم تستطع شيئن فدعهو ... وجاوزه إلى ما تستطيع
مفاعيلن مفاعيلن فعولفن ... مفاعيلن مفاعيلن فعولن
وأخذ عنه ابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله، وأبو عبيد القاسم بن سلاّم، وأبو حاتم السجستاني، وأبو الفضل الرياشي، وأحمد بن محمد اليزيدي ونصر بن علي الجهضمي وغيرهم.
وكان من أهل البصرة. وقدم بغداد أيام الرشيد.
قال محمد بن عبد الرحمن مولى الأنصاري: حدثنا الأصمعي، قال: بعث إلي الأمين وهو ولي عهد، فصرت إليه فقال: إن الفضل بن الربيع يحدث عن أمير المؤمنين أنه يأمر بحملك إليه على ثلاث دواب البريد - وكان حينئذ بالرقة - فجهزت وحملت إليه، فلما وصلت إلى أمير المؤمنين، وأنزلني منزلاً أقمت فيه يومين أو ثلاثة، ثم استحضرني فقال: جئني وقت المغرب حتى أدخلك على أمير المؤمنين، فجئته على الرشيد وهو جالس منفرد، فسلمت فاستدناني، وأمرني بالجلوس فجلست، فقال لي: يا عبد الملك، وجهت إليك بسبب جاريتين أهديتا إلي، قد أخذنا طرفاً من الأدب، أحببت أن تبور ما عندهما، وتشير فيهما بما هو الصواب عندك، ثم قال: ليمض إلى عاتكة فيقال لها: أحضري الجاريتين، فحضرت جاريتان ما رأيت مثلهما قط، فقلت لإحداهما: ما اسمك يا فلانة فقالت: فلانة، قلت: ما عندك من العلم؟ قالت: ما أمر الله تعالى به في كتابه؛ ثم ما ننظر فيه من الأشعار والآداب والأخبار، فسألتها عن حروف من القرآن، فأجابتني كأنها تقرأ الجواب من كتاب، وسألتها عن النحو والعروض والأخبار فما قصدت، فقلت: بارك الله تعالى فيك، فما قصرت في جوابي في كل فن أخذت فيه، فإن كنت تقرضين من الشعر فأنشدينا شيئاً، فاندفعت في هذا الشعر:
يا غياث البلاد في كل محل ... ما يريد العباد إلاّ رضاكا
لا ومن شرف الإمام وأعلى ... ما أطاع الإله عبد عصاكا
[ومرت في الشعر إلى آخره] ، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما رأيت امرأة في مسك رجل مثلها؛ وسألت الأخرى فوجدتها دونها؛ إلاّ أنها إن ووظب عليها لحقتها، فقال: يا عباسي، فقال الفضل: لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: لترد إلى عاتكة ويقال لها: تصنع هذه التي وصفها بالكمال لتحمل إلي الليلة. ثم قال لي: يا عبد الملك، أنا ضجر، قد جلست أحب أن أسمع حديثاً أتفرج به، فحدثني بشيء، فقلت: لأي الحديث تقصد يا أمير المؤمنين؟ فقال: مما شاهدت وسمعت من أعاجيب الناس وطرائف أخبارهم، فقلت: يا أمير المؤمنين، كان صاحب لنا في بدو بني فلان؛ كنت أغشاه وأتحدث إليه، وقد أتت عليه ست وتسعون سنة، أصح الناس ذهنا، وأجودهم أكلاً، وأقواهم بدناً، فغبرت عنه زماناً ثم قصدته، فوجدته ناحل البدن، كاسف البال، متغير الحال، فقلت له: ما شأنك؟ أأصابتك مصيبة؟ قال: لا، قلت: فمرض عراك؟ قال: لا، قلت: فما سبب هذا الذي أراه بك؟ فقال: قصدت بعض القرابة في حي بني فلان، فألفيت عندهم جارية قد لاثت رأسها، وطلت بالورس ما بين قرنها إلى قدمها، وعليها قميص وقناع مصبوغان، وفي عنقها طبل تدق عليه، وتنشد هذا الشعر:
محاسنها سهام للمنايا ... مريشة بأنواع الخطوب
برى ريب الزمان لهن سهما ... يصيب بنصله مهج القلوب
فأجبتها:
قفي شفتي في موضع الطبل ترتعي ... كما قد أبحت الطبل في جيدك الحسن
هبيبني عوداً أجوفا تحت شنة ... تمتع فيما بين نحرك والذقن
فلما سمعت الشعر مني نزعت الطبل، ورمته في وجهي، وبادرت إلى الخباء، فلم أزل إلى أن حميت الشمس على مفرق رأسي، لا تخرج ولا ترجع إلي جوابا، فقلت: إنا لله! أنا والله معها كما قال الشاعر:
فوالله يا سلمى لطالت إقامتي ... على غير شيء يا سليمى أراقبه
ثم انصرفت سخين العين قرح القلب؛ فهذا الذي ترى بي من التغير من عشقي لها. قال: فضحك الرشيد حتى استلقى، وقال: ويحك يا عبد الملك! ابن ست وتسعين يعشق! قلت: قد كان كذلك، يا أمير المؤمنين، فقال: يا عباسي، فقال [الفضل] : لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أعط عبد الملك مائة ألف درهم، ورده إلى مدينة السلام، فانصرفت، فإذا خادم يحمل شيئاً، ومعه جارية تحمل شيئاً، فقال: أنا رسول الجارية التي وصفتها، وهذه جاريتها، وهي تقرأ عليك السلام، وتقول لك: أمير المؤمنين أمر لي بمال وثياب؛ وهذا نصيبك منها، فإذا المال ألف دينار؛ وهي تقول: لن تخليك من المواصلة بالبر، فلم تزل تتعهدني بالبر الواسع؛ حتى كانت فتنة محمد، فانقطعت أخبارها عني، وأمر لي الفضل ابن الربيع من ماله بعشرة آلاف درهم.
وحكى أبو العباس المبرد، قال: دخل الأصمعي على الرشيد بعد غيبة كانت منه، فقال له: يا أصمعي، كيف أنت بعدنا؟ فقال: ما لاقتني بعدك أرض، فتبسم الرشيد، فلما خرج الناس قال: يا أصمعي؛ ما معنى قولك: "ما لاقتني أرض"؟ فقال: ما استقرت بي أرض؛ فقال: هذا حسن؛ ولكن لا ينبغي أن تكلمني بيد يدي الناس إلا بما أفهمه، فإذا خلوت فعلمني، فإنه يقبح بالسلطان ألا يكون عالماً؛ لأنه لا يخلو إما أن أسكت أو أجيب، فإذا سكت فيعلم الناس أني لا أعلم إذ لم أجب، وإذا أجبت بغير الجواب، فيعلم من جوابي أني لم أفهم ما قلت. قال الأصمعي: فعلمني أكثر مما علمته.
وحكى المبرد أيضاً، قال: مازح الرشيد أم جعفر، فقال لها: كيف أصبحت يا أم نهر؟ فاغتمت لذلك ولم تفهم معناه، فأنفذت إلى الأصمعي تسأله عن ذلك، فقال: الجعفر: النهر الصغير، وإنما ذهب إلى هذا؛ فطابت نفسها.
ويحكى عن الأصمعي أنه قال: كلمت أبا يوسف القاضي بحضرة الرشيد في الفرق بين "عقلت القتيل", و"عقلت عنه", فلم يفهمه حتى فهمته؛ عقلت القتيل؛ إذا أديت ديته, وعقلت عنه؛ إذا لزمته دية فأديتها عنه.
وذكر أبو العباس المبرد أن رجلا كان يألف حلقة الأصمعي, فإذا صار إلى ضيعته أهدى إلى الأصمعي مما يحمل منها؛ فترك حلقة الأصمعي, وألف حلقة أبى زيد, وكان أبو زيد لا يقبل شيئا, قال: فمر الرجل يوما بالأصمعي فأنشده الأصمعي للفرزدق:
ولج بك الهجران حتى كأنما ... ترى الموت في البيت الذي كنت تألف
وقال أبو العيناء: قال الأصمعي: دخلت أنا وأبو عبيدة على الفضل بن الربيع, فقال: يا أصمعي, كم كتابك في الخيل؟ فقلت: جلد, قال: فسأل أبا عبيدة, فقال: خمسون جلدا, قال: فأمر بإحضار الكتابين وإحضار فرس. وقال لأبو عبيدة: اقرأ كتابك حرفا حرفا, وضع يدك على موضع موضع من الفرس,
فقال أبو عبيدة: لست ببيطار؛ وإنما هذا شيء أخذته وسمعته من العرب, فقال لي: يا أصمعي قم, فضع يدك على موضع موضع [من الفرس] , فوثبت, فأخذت بأذني الفرس, ووضعت يدي على ناصيته, فجعلت أقول: هذا اسمه كذا؛ حتى بلغت حافره. فأمر لي بفرس؛ فكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة, ركبت الفرس وأتيته.
وقال ابن بكير النحوي: لما قدم الحسن بن سهل العراق, أحب أن يجمع بين جماعة من أهل الأدب, فأحضر أبا عبيدة والأصمعي ونضر بن علي الجهضمي, وحضرت معهم, فابتدأ الحسن فنظر في رقاع كانت بين يديه للناس في حاجاتهم فوقع عليها, وكانت خمسين رقعة, ثم أمر فدفعت إلى الخازن, ثم أفضنا في ذكر الحفاظ, فذكرنا جماعة, فالتفت أبو عبيدة وقال: ما الغرض أيها الأمير في ذكر من مضى! هاهنا من يقول: إنه ما قرأ كتابا قط فاحتاج إلى أن يعود فيه, ولا دخل قلبه شيء وخرج عنه. فالتفت الأصمعي, فقال: إنما يريدني بهذا القول, والأمر في ذلك على ما حكى؛ وأنا أقرب إليه؛ قد نظر الأمير في خمسين رقعة, وأنا أعيد ما فيها وما وقع به على رقعة رقعة؛ فأحضرت الرقاع, فقال الأصمعي: سأل صاحب الرقعة الأولى كذا واسمه كذا؛ ووقع له بكذا, والرقعة الثانية والثالثة, حتى مر في نيف وأربعين رقعة, فالتفت إليه نصر بن علي الجهضمي, وقال: أيها الرجل, أبق على نفسك من العين؛ فكف الأصمعي.
وقال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رحمه الله تعالى يقول: ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي.
وروى الرياشي, قال: سمعت عمرو بن مرزوق, يقول: رأيت الأصمعي وسيبويه يتناظران, وهذا يغلبه في لسانه في الظاهر - يعني الأصمعي.
وروى عباس بن الفرج, قال: ركب الأصمعي حمارا ذميما, فقيل له: بعد براذين الخلفاء تركب هذا! فقال متمثلا:
ولما أبت إلا طراقا بوردها ... وتكديرها الشرب الذي كان صافيا
شربنا برنق من هواها مكدر ... وليس يعاف الرنق من كان صافيا
وهذا وأملك ديني, أحب إلي من ذلك مع فقدهما.
قال نصر بن علي: كان الأصمعي يتقي أن يفسر حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يتقي أن يفسر القرآن.
وقال أيضا: حضرت الأصمعي, وقد سأله سائل عن معنى قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جاءكم أهل اليمن وهم أبخع أنفسا"، ما معنى أبخع؟ قال: يعني أقتل، ثم أقبل متندماً على نفسه كاللائم لها، فقلت له: لا عليك، فقد حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى:] فلعلك باخع نفسك [، أي قاتل نفسك، فكأنه سريَ عنه.
وقال إبراهيم الحربي: كان أهل البصرة أهل العربية، منهم أصحاب الأهواء، إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة: أبو عمر بن العلاء، والخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، والأصمعي.
وقال محمد بن إبراهيم: سمعت الإمام أحمد بن محمد بن حنبل يثني على الأصمعي بالثنة. قال: وسمعت علي بن المديني يثني عليه، وقال: وسمعت الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يثنيان عليه في السنة.
وروي عن [ابن] أبي خيثمة قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: الأصمعي ثقة.
وحكى الشافعي أنه قال: ما رأيت بذلك المعسكر أصدق من الأصمعي.
وحكى أنه سئل أبو داود عن الأصمعي، فقال: صدوق.
وقال أبو العيناء: توفي الأصمعي بالبصرة وأنا حاضر؛ سنة ثلاث عشرة ومائتين. ويقال: سنة سبع عشرة ومائتين في خلافة المأمون.
وقال محمد بن أبي العتاهية: لما بلغ أبي موت الأصمعي جزع عليه ورثاه فقال:
أسفت لفقد الأصمعي لقد مضى ... حميداً له في كل صالحة سهم
تقضت بشاشات المجالس بعده ... وودعنا إذ ودع الأنس والعلم
وقد كان نجم العلم فينا حياته ... فلما انقضت أيامه أفل النجم
نزهة الألباء في طبقات الأدباء - لكمال الدين الأنباري.

 

 

الأصمعي الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ حُجَّةُ الأَدَبِ لِسَانُ العَرَبِ أبي سَعِيْدٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ قُرَيْبِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَصْمَعَ بنِ مُظَهِّرِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ أَعْيَا بنِ سَعْدِ بنِ عَبْدِ بنِ غَنْمِ بنِ قُتَيْبَةَ بنِ مَعْنِ بنِ مَالِكِ بنِ أَعْصُرَ بنِ سَعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلاَنَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ الأَصْمَعِيُّ، البَصْرِيُّ اللُّغَوِيُّ الأَخْبَارِيُّ، أَحَدُ الأعلاَمِ، يُقَالُ: اسم أبيه: عاصم ولقبه: قريب.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ وَعُمَرَ بنِ أَبِي زَائِدَةَ وَشُعْبَةَ وَنَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ وَتَلاَ عَلَيْهِ، وَبَكَّارِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَسَلَمَةَ بنِ بِلاَلٍ وَشَبِيْبِ بنِ شَيْبَةَ وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ لَكِنَّهُ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ لِلْمُسْنَدَاتِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أبي عُبَيْدٍ وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ عَاصِمٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى المِنْقَرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ وَأبي الفَضْلِ الرِّيَاشِيُّ، وَأبي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ أَخِيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْمَعِيُّ وَأبي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ أبي عَصِيْدَةَ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى وَالكُدَيْمِيُّ، وَأبي العَيْنَاءِ وَأبي مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: سَمِعَ مِنِّي مَالِكُ بنُ أَنَسٍ.
وَقَدِ أَثْنَى أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى الأَصْمَعِيِّ فِي السُّنَّةِ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: لَوْ تَفَرَّغْتَ لَجِئْتُكَ.
قَالَ إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى الأَصْمَعِيِّ أَعُودُهُ فَإِذَا قمطر. فَقُلْتُ: هَذَا عِلْمُكَ كُلُّهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا من حق لكثير.
وقال ثعلب: قيل للأصعمي: كَيْفَ حَفِظْتَ، وَنَسُوا؟ قَالَ: دَرَسْتُ وَتَرَكُوا.
قَالَ عمر بن شبة: سمعت الأصعمي يَقُوْلُ: أَحْفَظُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفِ أُرْجُوزَةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الأَعْرَابِيِّ: شَهِدْتُ الأَصْمَعِيَّ، وَقَدْ أَنْشَدَ نَحْواً مِنْ مَائَتَي بَيْتٍ مَا فِيْهَا بَيْتٌ عَرَفْنَاهُ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ مَا عَبَّرَ أَحَدٌ عَنِ العَرَبِ بِأَحْسَنَ مِنْ عِبَارَةِ الأَصْمَعِيِّ.
وَعَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ الأَصْمَعِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ فِي فَنِّهِ.
وَقَالَ أبي داود: صدوق.
قَالَ أبي دَاوُدَ السِّنْجِيُّ: سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي جملة قوله عليه السلام: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
وَقَالَ نَصْرٌ الجَهْضَمِيُّ: كَانَ الأَصْمَعِيُّ يَتَّقِي أَنْ يُفَسِّرَ الحَدِيْثَ كَمَا يَتَّقِي أَنْ يُفَسِّرَ القُرْآنَ.
قَالَ المُبَرِّدُ: كَانَ الأَصْمَعِيُّ بَحْراً فِي اللُّغَةِ لاَ نَعْرِفُ مِثْلَهُ فِيْهَا، وَكَانَ أبي زَيْدٍ أَنْحَى مِنْهُ.
قِيْلَ لأَبِي نُوَاسٍ: قَدْ أُشْخِصَ الأَصْمَعِيُّ، وَأبي عُبَيْدَةَ عَلَى الرَّشِيْد فَقَالَ: أَمَّا أبي عُبَيْدَةَ فَإِنْ مَكَّنُوهُ مِنْ سِفْرِهِ قَرَأَ عَلَيْهِم عِلْمَ أَخْبَارِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِيْنَ، وَأَمَّا الأَصْمَعِيُّ فَبُلْبُلٌ يُطْرِبُهُم بِنَغَمَاتِهِ.
قَالَ أبي العَيْنَاءِ: قَالَ الأَصْمَعِيُّ: دَخَلْتُ أَنَا وَأبي عُبَيْدَةَ عَلَى الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ فَقَالَ: يَا أَصْمَعِيُّ! كَمْ كِتَابُكَ في الخيل؟ قلت: جلد. فَسَأَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: خَمْسُوْنَ جِلْداً فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ الكِتَابَيْنِ، وَأَحْضَرَ فَرَساً فَقَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ: اقرَأْ كِتَابَكَ حَرْفاً حَرْفاً وضَعْ يَدَكَ عَلَى مَوْضِعٍ مَوْضِعٍ. قَالَ: لَسْتُ بِبِيْطَارٍ إِنَّمَا هَذَا شَيْءٌ أَخَذْتُهُ مِنَ العَرَبِ فَقَالَ لِي: قُمْ فَضَعْ يَدَكَ فَقُمْتُ فَحَسَرْتُ عَنْ ذِرَاعِي وَسَاقِي ثُمَّ وَثَبْتُ فَأَخَذْتُ بِأُذُنِ الفَرَسِ ثُمَّ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى نَاصِيَتِهِ، فَجَعَلْتُ أَقْبِضُ مِنْهُ بِشَيْءٍ شَيْءٍ وَأَقُوْلُ: هَذَا اسْمُهُ كَذَا وَأُنْشِدُ فِيْهِ حَتَّى بَلَغْتُ حَافِرَهُ فَأَمَرَ لِي بِالفَرَسِ فَكُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَغِيْظَ أَبَا عبيدة ركبت الفرس وأتيته.
وَعَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ: أَنَّ الأَصْمَعِيَّ كَانَ بَخِيْلاً وَيَجْمَعُ أَحَادِيْثَ البُخَلاَءِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ: كُنَّا مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ بقُرْبِ دَارِ الأَصْمَعِيِّ فَسَمِعْنَا مِنْهَا ضَجَّةً، فَبَادَرَ النَّاسُ لِيَعْرِفُوا ذَلِكَ فَقَالَ أبي عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا يَفْعَلُوْنَ هَذَا عِنْدَ الخُبْزِ كَذَا يَفْعَلُوْنَ إِذَا فَقَدُوا رَغِيفاً.
وَعَنِ الأصمعي، قال: نلت ما نلت بالملح.
قلت: كتبت شَيْئاً لاَ يُحْصَى عَنِ العَرَبِ وَكَانَ ذَا حِفْظٍ، وَذكَاءٍ وَلُطْفِ عِبارَةٍ فَسَادَ.
وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ النَّحْوِيِّ قَالَ: قَدِمَ الحَسَنُ بنُ سَهْلٍ فَجَمَعَ أَهْلَ الأَدَبِ، وَحَضَرْتُ وَوَقَّعَ الحَسَنُ عَلَى خَمْسِيْنَ رُقْعَةٍ، وَجَرَى ذِكْرُ الحُفَّاظِ فَذَكَرْنَا الزُّهْرِيَّ، وَقَتَادَةَ فَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: فَأَنَا أُعِيدُ مَا وَقَّعَ بِهِ الأَمِيْرُ عَلَى التَّوَالِي فَأُحْضِرَتِ الرِّقَاعُ فَقَالَ: صَاحِبُ الرُّقْعَةِ الأُوْلَى كَذَا، وَكَذَا وَاسْمُهُ كَذَا وَكَذَا، وَوقَّعَ لَهُ بِكَذَا وَكَذَا، وَالرُّقْعَةُ الثَّانِيَةُ كَذَا وَالثَّالِثَةُ حَتَّى مَرَّ عَلَى نَيِّفٍ، وَأَرْبَعِيْنَ رُقْعَةً فَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: أَيُّهَا المَرْءُ أَبْقِ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ العَينِ.
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهَا مِنْ، وَجْهٍ آخَرَ وَقَالَ: حَسْبُكَ لاَ تُقْتَلْ بِالعَيْنِ، وَقَالَ: يَا غُلاَمُ! احمِلْ مَعَهُ خَمْسِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ: رَأَيْتُ الأَصْمَعِيَّ وَسِيْبَوَيْه يَتَنَاظرَانِ فَقَالَ يُوْنُسَ: الحَقُّ مَعَ سِيْبَوَيْه وَهَذَا يَغْلِبُهُ بِلِسَانِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ الأَصْمَعِيِّ: أَنَّ الرَّشِيْدَ أَجَازَهُ مرة بمائة ألف.
وَتَصَانِيْفُ الأَصْمَعِيِّ وَنَوَادِرُهُ كَثِيْرَةٌ وَأَكْثَرُ تَوَالِيفِهِ مُخْتَصَرَاتٍ وَقَدْ فُقِدَ أَكْثَرُهَا.
قَالَ خَلِيْفَةُ وَأبي العَيْنَاءِ: مَاتَ الأَصْمَعِيُّ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمَائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَالبُخَارِيُّ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ.
وَيُقَالُ: عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً رَحِمَهُ اللهُ.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي

 

 

عبد الْملك الْأَصْمَعِي ابْن قريب بن عبد الْملك بن أصمع
وَيُقَال: إِن جده كَانَ فِيمَن بَعثه الْحجَّاج يتتبع الْمَصَاحِف الْمُخَالفَة للمصحف الَّذِي فِي أَيدي النَّاس يمحوها.
وَقَالَ الشَّاعِر:
..............كَأَنَّهَا ... كتابٌ مَحاهُ الْباهِليُّ بنُ أَصْمَعَا
وَهُوَ من باهلة، وَهِي قَبيلَة تعتمد بالهجاء.
قَالَ عِيسَى بن إِسْمَاعِيل: رَأَيْت رجلا يقْرَأ على الْأَصْمَعِي، فيغلط فَلَا يُغير عَلَيْهِ، فَقلت لَهُ: مَالك لَا تُغيِّر عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَو علمت أَنه يفلح لغيرت عَلَيْهِ.
قَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلَني شُعْبَة عَن " الثِّرَاب الوَذِمَة "، فَقلت: غلط، إِنَّمَا هِيَ " الوِذَام التَّرِبَة "، والوَذَم يكون شَيْء فِي بطن الشَّاة يسْقط إِلَى الأَرْض، فيتترب، فَيُقَال: وَذَمٌ تَرِبٌ، فينفُضُه القَصَّاب.
ويروى من شعره:
أيُّها المَغْرُورُ هلْ لَكْ ... عِبْرَةٌ فِي آلِ بَرْمَكْ
عِبْرَةٌ لم تَرَها أنْ ... تَ وَلَا قَبْلُ أبٌ لَكْ
ويروى أَنه سَأَلَ الْكسَائي بِحَضْرَة الرشيد، فِي قَول الشَّاعِر:
قُتِل ابنُ عفَّانَ الخَلِيفةُ مُحْرِماً ... فَدَعَا فَلم أرَ مِثْله مخْذولا
فَقَالَ: كَانَ محرما بِالْحَجِّ.
فَقَالَ الْأَصْمَعِي: فَقَوْل الآخر:
قَتَلُوا كِسْرى بِليْلٍ مُحْرِماً ... فَتولَّى لم يُمتَّعْ بِكفنْ
أَكَانَ محرما بِالْحَجِّ؟! فَقَالَ الرشيد: يَا عليّ، إِذا جَاءَ الشّعْر فإياك والأصمعي.
وَكَانَ الرشيد يُسَمِّيه شَيْطَان الشّعْر.
عَاشَ إِحْدَى وَتِسْعين سنة.
وتُوفي فِي شهر رَمَضَان، سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ.
وَقد رُوِيَ: سنة سبع عشرَة.
وَقَالَ اليزيدي فِيهِ:
وَمَا أَنْت هَل أنتَ إلاَّ امْرُؤٌ ... إِذا صَحَّ أصْلُكَ مِن بَاهِلَهْ
ولِلْباهِلِيِّ علَى خُبْزِهِ ... كِتابٌ لآكِلِهِ الآكِلَهْ
وَفِي باهلة يَقُول الآخر:
فَمَا إنْ دَعَا اللهَ عَبْدٌ لَهُ ... فَخَاب ولَوْ كَانَ مِن بَاهِلَهْ
ويروى لأبي الْعَتَاهِيَة، يرثيه:
لَهَفِي لِفَقْدِ الأَصْمَعِيِّ لَقَدْ ثَوَى ... حَمِيداً لَهُ فِي كُلِّ صَالِحَةٍ قسْمُ
وَقد كَانَ نَجْماً فِي الْمَجَالِسِ بيْننا ... فلمَّا هَوَى مِن بيْنِنا أفل النَّجْمُ
تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم-لأبو المحاسن المفضل التنوخي المعري.

 


عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، أبي سعيد، الباهلي، المعروف بالأصمعي، محدث، فقيه، أديب، أصولي، لغوي، نحوي، من أهل البصرة، ولد سنة: (122هـ)، قدم بغداد في أيام هارون الرشيد، وكان الرشيد يسميه: شيطان الشعر، سمع: عبد الله بن عون، وشعبة بن الحجاج، والحمادين، وتصانيفه كثيرة، منها: الإبل ، وخلق الإنسان، توفي رحمه الله سنة: (216هـ).  ينظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي: 2/273، الأعلام للزِرِكلي: 4/162.

 

 

عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد الأصمعي:
راوية العرب، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان. نسبته إلى جده أصمع. ومولده ووفاته في البصرة. كان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها ويتلقى أخبارها، ويتحف بها الخلفاء، فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة. أخباره كثيرة جدا. وكان الرشيد يسميه " شيطان الشعر ". قال الأخفش: ما رأينا أحدا أعلم بالشعر من الأصمعي. وقال أبو الطيب اللغوي: كان أتقن القوم للغة، وأعلمهم بالشعر، وأحضرهم حفظا. وكان الأصمعي يقول: أحفظ عشرة آلاف أرحوزة.
وتصانيفه كثيرة، منها " الإبل - ط " و " الأضداد - ط " مشكوك في أنه من تأليفه و " خلق الإنسان - ط " و " المترادف - خ " و " الفرق - ط " أي الفرق بين أسماء الأعضاء من الإنسان والحيوان، و " الخليل - ط " و " الشاء - ط " و " الدارات - ط " و " شرح ديوان ذي الرمة - خ " في 45 ورقة، في خزانة الرباط (1002 د) و " الوحوش وصفاتها - خ " في مكتبة الدراسات العليا ببغداد (992 / 2) و " النبات والشجر - ط " وللمستشرق الألماني وليم أهلورد Vilhelm Ahlwardt كتاب سماه " الأصمعيات - ط " جمع فيه بعض القصائد التي تفرد الأصمعي بروايتها. وأعاد أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون طبعها، ومحققة مشرحة، وسمياها " اختيار الأصمعي " ولعبد الجبار الجومرد، كتاب " الأصمعي حياته وآثاره - ط " ولعبد الله بن أحمد الربعي كتاب " المنتقى من أخبار الأصمعي - ط " غير تام .
-الاعلام للزركلي-

 

 

الأصمعي
قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: كان الأصمعي أسد الشعر والغريب والمعاني وكان أبو عبيدة كذلك وبفضل على الأصمعي بعلم النسب وكان الأصمعي أعلم منه بالنحو وهو عبد الملك بن قريب ويكنى أبا سعيد واسم قريب عاصم ويكنى بأبي بكر بن عبد الملك بن أصمع بن مطهر بن رياح بن عمرو بن عبد الله الباهلي وقد هجاه أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي بهذا النسب في قصيدة أولها:
ألا هبلت كل من ينتمي ... غلى أصمعٍ أمه الهابله
فكيف بمن كان ذا دعوةٍ ... وكفة نسبته شائله
وفيها:
أبِنْ لي دعى بني أصمعٍ ... أقفرٌ رباعك أم آهله
ومن أنت هل أنت إلا امروءٌ ... إذا صح أصلك من باهله
وحدثنا أبو علي الكوكبي قال حدثني محمد بن سويد قال أخبرني محمد بن هبيرة قال: قال الأصمعي للكسائي وهما عند الرشيد ما معنى قول الراعي:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً ... ودعا فلم أر مثله مخذولا
قال الكسائي: كان محرماً بالحج. قال الأصمعي فقوله:
قتلوا كسرى بليلٍ محرما ... فتولى لم يمتع بكفن
هل كان محرماً بالحج، فقال هارون للكسائي: يا علي إذا جاء الشعر فإياك والأصمعي. قوله محرماً كان في حرمة الإسلام.
قال محمد بن سويد قال ابن السكيت قال الأصمعي: ومن ثم قيل مسلم محرمٌ أي لم يحل من نفسه شيئاً يوجب القتل وقوله محرماً في كسرى يعني حرمة العهد الذي كان له في أعناق أصحابه.
وحدثنا محمد بن سهل الكاتب قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبيد قال سمعت ابن الأعرابي قال: شهدت الأصمعي وقد أنشد نحواً من مائتي بيت ما فيا بيت عرفناه.
وكان الأصمعي صدوقاً في الحديث. عنده عن ابن عون وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وغيرهم. وعنده القرآن عن أبي عمرو ونافع وغيرهما ويتوقى تفسير شيء من القرآن والحديث على طريق اللغة.
حدثنا أبو علي الصفار قال حدثنا أبو عمرو الصفار قال حدثنا نصر بن علي قال: حضرت الأصمعي وقد سأله سائل عن معنى قول النبي ﷺ: (جاءكم أهل اليمن وهم أبخع أنفساً) قال: يعني أقتل أنفساً ثم أقبل متندماً على نفسه كاللائم لها فقال: ومن أخذني بهذا وما علمي به. فقلت له: لا عليك فقد حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيع عن مجاهد في قوله: لعلك باخعٌ نفسك، أي قاتل نفسك فكأنه سرى عنه.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد أخبرني أبو قلابة الجرمي قال صرت إلى الأصمعي ومعي كتاب المجاز لأبي عبيدة فقال لي: هاته. فأعطيته وانصرفت فنظر فيه حتى انتهى إلى آخره. ثم رجعت إليه فقال لي: قال أبو عبيدة في أول كتابه: آلم ذلك الكتاب لا ريب فه. أي لا شك فيه فما يدريه أن الريب الشك. قال فقلت له: أنت فسرت لنا في شعر الهذليين.
فقالوا تركنا القوم قد حصروا به
فلا ريب أن قد كان ثم لحيم، قال: فأمسك ولم يقل شيئاً ورد الكتاب.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: كان الأصمعي كثيراً ما يذاكر أصحابه بمعاني الشعر، قال: فمر به رجلان كانا يتناظران في المعاني فلما رأياه قال أحدهما لصاحبه متمثلاً ببيت:
وما ينجي من الغمرات إلا ... براكاء القتال أو الفرار
وقال ابن أخي الأصمعي: كان عمي إذا ورد عليه شيء ينكره قال: جحفل به. ومعناه أرم به. يقال جحفلت به إذا صرعته.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: كان الأصمعي إذا أنشد هذه الأبيات يومئ كأنه يقوم على أرع. والأبيات له:
يا أمة الله ألم تسمعي ... ما قال عبد الملك الأصمعي
واحدة أثقلتني حملها ... فكيف لو قمت على أربع
وذكر أبو العباس قال: دخل الأصمعي يوماً على الرشيد بعد غيبة كانت منه فقال ل: يا أصمعي كيف كنت بعدي؟ فقال: ما لاقتني بعدك أرضٌ، فتبسم الرشيد فلما خرج الناس قال له: ما معنى قولك ما لاقتني أرض. قال: ما استقرت بي أرض كما يقال فلان لا يليق شيئاً أي لا يستقر معه شيء. فقال له: هذا حسن ولكن لا ينبغي أن تلكمني بين يدي الناس إلا بما أفهمه فإذا خلوت فعلمني فإنه يقبح بالسلطان أن لا يكون عالماً إما أن أسكت فيعلم الناس أني لا أفهم إذا لم أجب وإما أن أجيب بغير الجواب فيعلم من حولي أني لم أفهم ما قلت. قال الأصمعي: فعلمني أكثر مما علمته.
قال أبو العباس نمى إلي أن الرشيد مازح أم جعفر فقال لها: كيف أصبحت يا أم نهر؟ فاغتمت لذلك ولم تدر ما معناه فوجهت إلى الأصمعي تسأله عن ذلك فقال لها: الجعفر النهر الصغير وإنما ذهب إلى هذا. فطابت نفسها.
قال أبو العباس كان رجل يألف حلقة الأصمعي فإذا صار إلى منعته أهدى مما يحمل منها. فترك حلقة الأصمعي فألف حلقة أبي زيد وكان أبو زيد لا يقبل شيئاً، فمر الرجل يوماً بالأصمعي فأنشده الأصمعي للفرزدق.
ولح بك الهجران حتى كأنما ... ترى الموت في البيت الذي كنت تألف
وكان يقول اليسير من الشعر فمن ذلك ما يروى عنه أنه قال: كنت أجالس أمير المؤمنين وأسامره فوجه إلي ليلة في ساعة يرتاب فيها البريء فتناولت أهبة الدخول عليه فمنعت من ذلك وأعجلت فدخلني من ذلك رعب شديد وخوف وجعلت أتذكر ذنباً فلا أجده وجعلت نفسي تظن الظنون. فلما دخلت عليه سلمت ومثلت بين يديه قائماً وهو مطرق فرفع رأسه إلي فأمرني بالجلوس فجلست فقال: يا عبد الملك قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال:
لو أن جعفر خاف أسباب الردى ... لنجا بمهجته طمر ملجم
ولكان من حذر المنون بحيث ... لا يرجو اللحاق به العقاب القشعم
لكنه لما تقارب يومه ... لم يدفع الحدثان عنه منجم
قال وكان بين يديه طست مغطى بمنديل فأمر بكشفه فكشف فإذا رأس جعفر بن يحيى ثم قال: الحق بأهلك يا ابن قريب. فنهضت ولم أحر جواباً للرعب. فلما أفرخَ روعي فكرت في ذلك فوجدته أحب يعلمني مكره ونكره ودهاءه ليتحدث به عنه. قال الأصمعي فخرجت وأنا أقول:
أيها المغرور هل لك ... عبرةٌ في آل برمك
غرهم عن قدر الله حساب الهشتمرك
وهي أبيات كثيرة آخرها؟ عبرةً لم ترد أنت ولا قبل أبٌ لك وأكثر سماعه من الأعراب وأهل البادية.
حدثنا أبو بكر بن السراج قال حدثنا أبو العباس المبرد قال قال الأصمعي: رآني أعرابي وأنا أكتب كل ما يقول فقال: ما تدع شيئاً إلا نمصته. أي نتفته. وقال له بعض الأعراب وقد رآه يكتب: كل شيء ما أنت إلا الحفظة تكتب لفظ اللفظة. وقال له آخر: أنت حتف الكلمة الشرود.
قال أبو العيناء: توفي الأصمعي بالبصرة وأنا حاضر في سنة ثلاث عشرة ومائتين وصلى عليه الفضل بن إسحاق. وسمعت عبد الرحمن ابن أخيه في جنازته يقول: إنا لله وإنا إليه من الراجعين. فقلت: ما عليه لو استرجع كما علمه الله.
ويقال مات الأصمعي في سنة سبع عشرة ومائتين أو سنة ست عشرة والله أعلم وأحكم.
أخبار النحويين البصريين - الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي.