عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري تقي الدين أبي عمرو

ابن الصلاح

تاريخ الولادة577 هـ
تاريخ الوفاة643 هـ
العمر66 سنة
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • خراسان - إيران
  • همدان - إيران
  • الموصل - العراق
  • مرو - تركمانستان
  • حران - تركيا
  • حلب - سوريا
  • دمشق - سوريا
  • بيت المقدس - فلسطين

نبذة

ابْن الصّلاح الإِمَام الْحَافِظ شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان ابْن الشَّيْخ صَلَاح الدّين عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن مُوسَى الْكرْدِي الشهرزوري الشَّافِعِي. صَاحب كتاب عُلُوم الحَدِيث وَشرح مُسلم وَغير ذَلِك.

الترجمة

ابْن الصّلاح الإِمَام الْحَافِظ شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان ابْن الشَّيْخ صَلَاح الدّين عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن مُوسَى الْكرْدِي الشهرزوري الشَّافِعِي
صَاحب كتاب عُلُوم الحَدِيث وَشرح مُسلم وَغير ذَلِك
وَسمع من ابْن سكينَة وَابْن طبرزد والمؤيد الطوسي وخلائق ودرس بالصلاحية بِبَيْت الْمُقَدّس ثمَّ قدم دمشق وَولي دارالحديث الأشرفية وَتخرج بِهِ النَّاس وَكَانَ من أَعْلَام الدّين أحد فضلاء عصره فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه مشاركا فِي عدَّة فنون متبحراً فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع يضْرب بِهِ الْمثل سلفياً زاهداً حسن الِاعْتِقَاد وافر الْجَلالَة مَاتَ فِي خَامِس عشري ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة
طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

ابن الصلاح
الإِمَامُ الحَافِظُ العَلاَّمَةُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ ابْنُ المُفْتِي صَلاَحِ الدِّيْنِ عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي، الشهزوري، المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ "عُلُوْمِ الحَدِيْثِ".
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى والده بشهزور، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالمَوْصِلِ مُدَّةً، وَسَمِعَ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ السَّمِينِ، وَنَصْرِ بن سَلاَمَةَ الهِيْتِيِّ، وَمَحْمُوْدِ بنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيِّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ بنِ البَرْنِيِّ، وَعَبْدِ المُحْسِنِ ابْنِ الطُّوْسِيِّ، وَعِدَّةٍ، بِالمَوْصِلِ. ومن: أبي أحمد ابن سُكَيْنَةَ، وَأَبِي حَفْصِ بنِ طَبَرْزَذَ وَطَبَقَتِهِمَا بِبَغْدَادَ، وَمِنْ: أَبِي الفَضْلِ بنِ المُعَزّمِ بِهَمَذَانَ. وَمِنْ: أبي الفتح منصور بن عَبْدِ المُنْعِمِ ابْنِ الفُرَاوِيِّ، وَالمُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الطُّوْسِيِّ، وَزَيْنَب بِنْتِ أَبِي القَاسِمِ الشَّعْرِيَّةِ، وَالقَاسِمِ بن أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الصَّرَّامِ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ نَاصِرٍ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي النَّجِيْبِ إِسْمَاعِيْلَ القَارِئ، وَطَائِفَةٍ بِنَيْسَابُوْرَ. وَمِنْ: أَبِي المُظَفَّرِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ بِمَرْوَ، وَمِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ ابنِ الأُسْتَاذِ وَغَيْرهِ بِحَلَبَ، وَمِنَ الإِمَامَيْنِ فَخْرِ الدِّيْنِ ابْنِ عَسَاكِرَ وَمُوفَّقِ الدِّيْنِ ابْنِ قُدَامَةَ وَعِدَّةٍ بِدِمَشْقَ، وَمِنَ: الحَافِظِ عَبْدِ القَادِرِ الرُّهَاوِيِّ بِحَرَّانَ.
نَعَمْ، وَبِدِمَشْقَ أَيْضاً مِنَ القَاضِي أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَرَسْتَانِيِّ، ثُمَّ دَرّسَ بِالمَدْرَسَةِ الصَّلاَحيَةِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ مُديدَةً، فَلَمَّا أَمَرَ المُعَظَّمُ بِهدمِ سُورِ المَدِيْنَةِ نَزحَ إِلَى دِمَشْقَ فَدَرَّسَ بِالروَاحيَةِ مُدَّةً عندما نشأها الوَاقفُ، فَلَمَّا أُنشِئْتِ الدَّارُ الأَشْرَفِيَةُ صَارَ شَيْخَهَا، ثُمَّ وَلِي تَدرِيسَ الشَّامِيّةِ الصُّغْرَى.
وَأَشْغَلَ، وَأَفتَى، وجمع وألف، وتخرج بِهِ الأَصْحَابُ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الإِمَامُ شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ نُوْحٍ المَقْدِسِيُّ، وَالإِمَامُ كَمَالُ الدِّيْنِ سَلاّرُ، وَالإِمَامُ كَمَالُ الدِّيْنِ إِسْحَاقُ، وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ بنُ رَزِيْن، وَتَفَقَّهوا بِهِ. وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً العَلاَّمَةُ تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَخُوْهُ الخَطِيْبُ شَرَفُ الدِّيْنِ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ المهتَارِ، وَفَخْرُ الدِّيْنِ عُمَرُ الكَرَجِيُّ، وَالقَاضِي شِهَابُ الدِّيْنِ ابْنُ الخُوَيِّيّ، وَالمُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى الجَزَائِرِيُّ، وَالمُفْتِي جَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الشَّرِيْشِيُّ، وَالمُفْتِي فَخْرُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْسُفَ البَعْلَبَكِّيّ، وَنَاصِرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَرَبْشَاه، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الذِّكْرِ، والشيخ أحمد بن عبد الرَّحْمَنِ الشَّهْرُزُوْرِيُّ النَّاسِخُ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ الشَّيْبَانِيُّ، وَالشِّهَابُ مُحَمَّدُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَالصَّدْرُ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ الأُرْمَوِيُّ، وَالشَّرَفُ مُحَمَّدُ ابْنُ خَطِيْبِ بَيْتِ الأَبَّارِ، وَنَاصِرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ المَجْدِ بنِ المهتَارِ، وَالقَاضِي أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الجِيْلِيُّ، وَالشِّهَابُ أَحْمَد ابْنُ العَفِيْفِ الحَنَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ خَلِّكَانَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَرَّرَ عَلَى جَمِيْعِ المُهَذَّبِ قَبْلَ أَنْ يَطرَّ شَارِبهُ، ثُمَّ أَنَّهُ صَارَ مُعيداً عِنْد العَلاَّمَةِ عِمَادِ الدِّيْنِ بنِ يُوْنُسَ. وَكَانَ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَحَدَ فُضلاَءِ عصرِهِ فِي التَّفْسِيْرِ وَالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، وَلَهُ مُشَاركَةٌ فِي عِدَّةِ فُنُوْنٍ، وَكَانَتْ فَتَاويهِ مُسدّدَةً، وَهُوَ أَحَدُ شُيُوْخِي الَّذِيْنَ انتفعْتُ بِهِم، أَقَمْتُ عِنْدَهُ لِلاشتغَالِ، وَلاَزمتُهُ سَنَةً، وَهِيَ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ إِشكَالاَتٌ عَلَى "الْوَسِيط".
وَذَكَرَهُ المُحَدِّثُ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ فِي "مُعْجَمِهِ" فَقَالَ: إِمَامٌ وَرِعٌ، وَافرُ العَقْلِ، حَسَنُ السَّمتِ، مُتبحِّرٌ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، بِالغَ فِي الطَّلَبِ حَتَّى صَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ، وَأَجهَدَ نَفْسَهُ فِي الطَّاعَةِ وَالعِبَادَةِ.
قُلْتُ: كَانَ ذَا جَلاَلَةٍ عَجِيْبَةٍ، وَوقَارٍ وَهَيْبَةٍ وَفَصَاحَةٍ وَعلمٍ نَافِعٍ، وَكَانَ مَتينَ الدّيَانَةِ، سَلفِيَّ الجُمْلَةِ، صَحِيْحَ النِّحْلَةِ، كَافّاً عَنِ الخوضِ فِي مَزلاَّتِ الأَقدَامِ، مُؤْمِناً بِاللهِ، وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللهِ مِنْ أَسمَائِهِ وَنُعوتهِ، حَسَنَ البِزَّةِ، وَافِرَ الحُرْمَةِ، مُعَظَّماً عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَقَدْ سَمِعَ الكَثِيْرَ بِمَرْوَ مِنْ مُحَمَّدِ ابن إِسْمَاعِيْلَ المُوْسَوِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ السنجي، ومحمد ابن عُمَرَ المَسْعُوْدِيِّ، وَكَانَ قُدُومُهُ دِمَشْقَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ بَعْدَ أَنْ فَرغَ مِنْ خُرَاسَانَ وَالعِرَاقِ وَالجَزِيْرَةِ، وَكَانَ مَعَ تَبحُّرِهِ فِي الفِقْهِ مُجَوِّداً لِمَا يَنقُلُه، قَوِيَّ المَادَّةِ مِنَ اللغة والعربية، متفننًا في الحديث، مُتَصَوِّناً، مُكِبّاً عَلَى العِلْمِ، عَدِيْمَ النَّظِيْرِ فِي زَمَانِهِ، وَلَهُ مَسْأَلَةٌ لَيْسَتْ مِنْ قَوَاعِدِهِ شَذَّ فِيْهَا، وَهِيَ صَلاَةُ الرَّغَائِبِ قَوَّاهَا وَنَصَرهَا مَعَ أن حديثها باطلًا بِلاَ تَرَدُّدٍ، وَلَكِنَّ لَهُ إِصَابَات وَفَضَائِل.
وَمِنْ فَتَاويه أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَشتغلُ بِالمنطقِ وَالفَلْسَفَةِ، فَأَجَابَ: الفَلْسَفَةُ أُسُّ السَّفَهِ وَالانحَلاَلِ، وَمَادَةُ الحيرَة وَالضَّلاَلِ، وَمثَارُ الزَّيْغ وَالزَّنْدَقَة، وَمَنْ تَفلسَفَ، عَمِيَتْ بَصِيْرتُهُ عَنْ مَحَاسِن الشرِيعَة المُؤيّدَة بِالبرَاهينِ، وَمَنْ تَلبَّس بِهَا، قَارَنَهُ الخِذلاَنُ وَالحِرمَانُ، وَاسْتحوذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَأَظلم قَلْبُه عَنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَاسْتعمَالُ الاصطلاَحَاتِ المنطقيَّةِ فِي مبَاحثِ الأَحكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ المنكرَاتِ المُسْتبشعَةِ، وَالرقَاعَاتِ المُسْتحدثَةِ، وَلَيْسَ بِالأَحكَامِ الشَّرْعِيَّةِ -وَللهِ الحَمْدُ- افْتِقَارٌ إِلَى المنطقِ أَصلاً، هُوَ قعَاقعُ قَدْ أَغنَى الله عَنْهَا كُلَّ صَحِيْحِ الذِّهْنِ، فَالوَاجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ -أَعزَّهُ اللهُ- أَنْ يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم، ويخرجها مِنَ المدَارسِ وَيُبعدَهُم.
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ تَقِيّ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي سَنَةِ الخُوَارِزْمِيَّة، فِي سَحَرِ يَوْمِ الأَرْبعَاء الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَحُملَ عَلَى الرُّؤُوسِ، وَازدحم الخلقُ عَلَى سَرِيْرِهِ، وَكَانَ عَلَى جِنَازَتِهِ هَيبَةٌ وَخُشوعٌ، فَصُلِيَّ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دمشق، وشيوعه إِلَى دَاخِلِ بَابِ الفَرَجِ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِدَاخِلهِ ثَانِي مرَّةٍ، وَرجعَ النَّاسُ لِمَكَانِ حِصَارِ دِمَشْقَ بِالخُوَارِزْمِيَّةِ وَبعَسْكَرِ الملكِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْب لعَمِّه الملكِ الصَّالِحِ عِمَادِ الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْل، فَخَرَجَ بِنَعشِهِ نَحْوُ العَشْرَةِ مُشمِّرِيْنَ، وَدَفنوهُ بِمقَابرِ الصُّوْفِيَّةِ! وَقَبْرُه ظَاهِرٌ يُزَارُ فِي طَرفِ المَقْبَرَةِ مِنْ غَربِيِّهَا عَلَى الطَّرِيْقِ، وَعَاشَ سِتّاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ "عُلُوْمَ الحَدِيْثِ" لَهُ الشَّيْخُ تاج الدين وأخوه، فخر الكَرَجِيّ، وَالزَّيْنُ الفَارِقِيُّ، وَالمَجْدُ ابْنُ المهتَارِ، وَالمَجْدُ ابْنُ الظهيرِ، وَظَهِيْرُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدٌ الزَّنْجَانِيُّ، وَابْنُ عربشَاه، وَالفَخْرُ البعلِيُّ، وَالشَّرِيْشِيُّ، وَالجَزَائِرِيُّ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ الخرقي، ومحمد بن أبي الذكر، وابن الخوبي، وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ الشَّهْرُزُوْرِيُّ، وَالصَّدْرُ الأُرْمَوِيُّ، وَالصَّدْرُ خَطِيْبُ بَعْلَبَكَّ، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ ابْن الصَّائِغِ، وَالكَمَالُ ابْنُ العَطَّارِ، وَأَبُو اليُمْنِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ المُعَدَّلُ، وَكُلُّهُم أَجَازُوا لِي سِوَى الأَوَّلِ.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

عثمان بن عبد الرحمن (صلاح الدين) ابن عثمان بن موسى بن أبي النصر النصري الشهرزوريّ الكردي الشرخاني، أبو عمرو، تقيّ الدين، المعروف بابن الصلاح:
أحد الفضلاء المقدمين في التفسير والحديث والفقه وأسم الرجال. ولد في شرخان (قرب شهرزور) وانتقل إلى الموصل ثم إلى خراسان، فبيت المقدس حيث ولي التدريس في الصلاحية. وانتقل إلى دمشق، فولاه الملك الأشرف تدريس دار الحديث، وتوفي فيها.
له كتاب " معرفة أنواع علم الحديث - ط " يعرف بمقدمة ابن الصلاح، و " الامالي - خ " و " الفتاوى - ط " جمعه بعأدب المفتي ض أصحابه، و " شرح الوسيط - خ " في فقه الشافعية، و " صلة الناسك في صفة المناسك - خ " و " فوائد الرحلة " أجزاء كثيرة مشتملة على فوائد في أنواع العلوم قيدها في رحلته إلى خراسان، و " أدب المفتي والمستفتي " و " طبقات الفقهاء الشافعية - خ " .
-الاعلام للزركلي-

 

 

عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن مُوسَى بن أبي نصر الْكرْدِي الشهرزوري
الشَّيْخ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين أحد أَئِمَّة الْمُسلمين علما ودينا أَبُو عَمْرو بن الصّلاح ولد سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة
وَسمع الحَدِيث بالموصل من أبي جَعْفَر عبيد الله بن أَحْمد الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن السمين وَهُوَ أقدم شيخ لَهُ
وَسمع بِبَغْدَاد من ابْن سكينَة وَابْن طبرزد وبنيسابور من مَنْصُور الفراوي والمؤيد الطوسي وَغَيرهمَا وبمرو من أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَمُحَمّد بن عمر المَسْعُودِيّ وَغَيرهمَا وبدمشق من القَاضِي عبد الصَّمد بن الحرستاني وَالشَّيْخ الْمُوفق ابْن قدامَة وَغَيرهمَا
روى عَنهُ الْفَخر عمر بن يحيى الكرجي وَالشَّيْخ تَاج الدّين الفركاح وَأحمد بن هبة الله بن عَسَاكِر وَخلق
وتفقه عَلَيْهِ خلائق وَكَانَ إِمَامًا كَبِيرا فَقِيها مُحدثا زاهدا ورعا مُفِيدا معلما
استوطن دمشق يُعِيد زمَان السالفين ورعا وَيزِيد بهجتها بروضة علم جنى كل طَالب جناها ورعا ويفيد أَهلهَا فَمَا مِنْهُم إِلَّا من اغترف من بحره واعترف بدره وَحفظ جَانب مثله ورعا
جال فِي بِلَاد خُرَاسَان واستفاد من مشايخها وعلق التَّعَالِيق المفيدة وَورد دمشق ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية بالقدس ثمَّ عَاد إِلَى الْبِلَاد ثمَّ ورد دمشق مُقيما مستوطنا وَولي تدريس الرواحية والشامية الجوانية ومشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية
قَالَ ابْن خلكان كَانَ أحد فضلاء عصره فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وَله مُشَاركَة فِي فنون عدَّة
وَذكر غَيره أَن ابْن الصّلاح قَالَ مَا فعلت صَغِيرَة فِي عمري قطّ وَهَذَا فضل من الله عَلَيْهِ عَظِيم
توفّي سحر يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشري ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وازدحم عَلَيْهِ الْخلق فَصلي عَلَيْهِ بالجامع وشيعوه إِلَى بَاب الْفرج فَصلي عَلَيْهِ بداخله ثَانِيًا وَرجع النَّاس لأجل حِصَار الْبَلَد بالخوارزمية وَخرج بِهِ دون الْعشْرَة مشمرين مخاطرين بِأَنْفسِهِم فدفنوه بِطرف مَقَابِر الصُّوفِيَّة وقبره على الطَّرِيق فِي طرفها الغربي ظَاهر يزار ويتبرك بِهِ قيل وَالدُّعَاء عِنْد قَبره مستجاب
وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ
أفتى ابْن الصّلاح فِي امْرَأَة حاضنة أَرَادَ الْأَب أَن ينْزع مِنْهَا الْوَلَد مُدعيًا أَنه يُسَافر سفر نقلة وَأنْكرت هِيَ أصل السّفر بِأَن القَوْل قَوْله فِي السّفر مَعَ يَمِينه
وَأفْتى رَحمَه الله فِي جَارِيَة اشترتها مغنية وحملتها على الْفساد أَنَّهَا تبَاع عَلَيْهَا واستند فِيهِ إِلَى نقل نَقله عَن القَاضِي الْحُسَيْن أَن السَّيِّد إِذا كلف عَبده من الْعَمَل مَا لَا يطيقه يُبَاع عَلَيْهِ وَالنَّقْل غَرِيب وَالْمَسْأَلَة مليحة وَكَلَامه مَحْمُول على مَا إِذا تعين بَيْعه طَرِيقا لخلاصه من الظُّلم وَإِلَّا فَلَا يتَعَيَّن البيع
وَقد نازعه الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح وَقَالَ قد صَحَّ فِي صَحِيح مُسلم وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبهُمْ فَإِن كلفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ وَلم يقل فبيعوهم وَفِي التَّتِمَّة فِي الْبَاب الْخَامِس فِي أَحْكَام المماليك لَو امْتنع من الْإِنْفَاق على مَمْلُوكه فالحاكم يجْبرهُ على الْإِنْفَاق وَفِي الرَّافِعِيّ قبيل كتاب الْخراج فِي كَلَامه على المخارجة وَإِن ضرب عَلَيْهِ خراجا أَكثر مِمَّا يَلِيق بِحَالهِ وألزمه أداءه مَنعه السُّلْطَان فَدلَّ أَنه يمْنَع وَلَا يُبَاع عَلَيْهِ وَهَذَا ملخص كَلَام الشَّيْخ برهَان الدّين
جزم الرَّافِعِيّ فِي بَاب النّذر فِي أَوَائِل النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَامه بِأَنَّهُ لَو نذر أَن يُصَلِّي قَاعِدا جَازَ أَن يقْعد كَمَا لَو صرح فِي نَذره بِرَكْعَة لَهُ الِاقْتِصَار عَلَيْهِ قَالَ وَإِن صلى قَائِما فقد أَتَى بالأفضل ثمَّ قَالَ بعد ثَلَاث وَرَقَات إِن الإِمَام حكى عَن الْأَصْحَاب أَنه لَو قَالَ عَليّ أَن أُصَلِّي رَكْعَة لم يلْزمه إِلَّا رَكْعَة وَاحِدَة وَأَنه لَو قَالَ عَليّ أَن أُصَلِّي كَذَا قَاعِدا يلْزمه الْقيام عِنْد الْقُدْرَة إِذا حملنَا الْمَنْذُور على وَاجِب الشَّرْع وَأَنَّهُمْ تكلفوا فرقا بَينهمَا قَالَ وَلَا فرق فَيجب تنزيلهما على الْخلاف انْتهى
وَقد رَأَيْته فِي النِّهَايَة كَمَا نَقله وَلابْن الصّلاح مَعَ تبحره فِي الْمَنْقُول حَظّ وافر من التَّحْقِيق وسلوك حسن فِي مضايق التدقيق وَقد أَخذ يحاول فرقا بَين الرَّكْعَة وَالْقعُود بِأَن الْقعُود صفة أفردها بِالذكر وقصدها بِالنذرِ وَلَا قربَة فِيهَا فلغت الصّفة وَبَقِي قَوْله أُصَلِّي فالتحق بِمَا لَو قَالَ أُصَلِّي مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَيلْزمهُ الْقيام على أحد الْقَوْلَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِك قَوْله رَكْعَة فَإِنَّهَا نفس الْمَنْذُور وَهِي قربَة وَصفَة إفرادها بِالذكر لَيست مَذْكُورَة وَلَا منذورة هَذَا كَلَامه
وَلست بموافق لَهُ فِيهِ كَمَا سأذكر غير أَنِّي قبل مشاقته أَقُول لَك أَن تزيد هَذَا الْفرق تحسينا بِأَن تَقول وَقَوله رَكْعَة مفعول أُصَلِّي وَهُوَ وَإِن كَانَ فضلَة لَكِن مَتى حذف لفظا قدر صناعَة بِخِلَاف رَكْعَة قَاعِدا فَإِنَّهُ حَال من الْفَاعِل لَو حذف لفظا لم يقدر فَكَانَ التَّلَفُّظ بِهِ دَلِيل الْقَصْد إِلَيْهِ بِخِلَاف رَكْعَة فَرُبمَا كَانَ التَّلَفُّظ بهَا ذكرا للْمَفْعُول لِأَنَّهُ لَو حذف لم يتَعَيَّن تَقْدِير رَكْعَة بل جَازَ تَقْدِير رَكْعَتَيْنِ لأَنا نتطلب بالصناعة مُطلق كَونه رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ وَنَحْوهمَا لَا خُصُوص واحدمنهما فَكَانَ قَوْله قَاعِدا مَعَ قَوْله أُصَلِّي فِي قُوَّة قضيتين وجملتين مستقلتين فلغا مِنْهُمَا مَا لَيْسَ بقربة بِخِلَاف قَوْله رَكْعَة فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي قُوَّة قَضِيَّة أُخْرَى بل هُوَ من تَمام الْقَضِيَّة الأولى لَو لم يلفظ بِهِ لقدره سامعه وانتقل ذهنه إِلَى الْمُطلق مِنْهُ إِن لم يتَعَيَّن لَهُ الْخَاص فَلم يزدْ قَوْله رَكْعَة على قَوْله أُصَلِّي من حَيْثُ الصِّنَاعَة بِخِلَاف قَاعِدا هَذَا مُنْتَهى مَا خطر لي فِي تحسينه
ثمَّ أَقُول مَا الْفرق بِمُسلم وَتَقْرِير ذَلِك عِنْد سامعه يَسْتَدْعِي مِنْهُ تمهلا عَليّ فِيمَا ألقيه
فَأَقُول مَا الرَّكْعَة بمطلوبة للشارع أبدا من حَيْثُ إِنَّهَا رَكْعَة بل من حَيْثُ إِنَّهَا توتر مَا تقدم فهناك يطْلب انفرادها وَهَذَا أَمر لَا يكون فِي الْوتر فَلَا تكون الرَّكْعَة من حَيْثُ انفرادها قربَة إِلَّا فِي الْوتر فَلَا يلْزم بِالنذرِ وَهِي وَالْقعُود سَوَاء كِلَاهُمَا مَطْلُوب الْعَدَم إِلَّا فِي الْوتر فيطلب وجودهَا ليوتر الْمُتَقَدّم وَذَلِكَ كركعتين خفيفتين يُصَلِّيهمَا بعْدهَا عَن قعُود وَقد روى ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل إنَّهُمَا سنة الْوتر كالركعتين بعد الْمغرب سنة الْمغرب وَجعلت رَكعَتَا الْوتر بعد جَائِزَة عَن قعُود إِشَارَة إِلَى أَنه غير وَاجِب وَقيل إِن ذَلِك مَنْسُوخ
فَإِن قلت لَو كَانَت رَكْعَة الْوتر لَا تطلب إِلَّا لكَونهَا توتر مَا تقدم لما صَحَّ الِاقْتِصَار عَلَيْهَا لَكِن الصَّحِيح صِحَة الِاقْتِصَار على رَكْعَة وَاحِدَة
قلت هُوَ مَعَ صِحَّته على تلوم فِيهِ خلاف الْأَفْضَل فَلَيْسَ بقربة من حَيْثُ إِنَّه رَكْعَة مُنْفَرِدَة
فَإِن قلت لَو تمّ لَك ذَلِك لما جَازَ النَّفْل فِي غير الْوتر بِرَكْعَة مُنْفَرِدَة لكنه يجوز على الصَّحِيح
قلت إِنَّمَا جَازَ لمُطلق كَونه صَلَاة لَا لخُصُوص كَونه رَكْعَة فَفِي الرَّكْعَة المنفردة عُمُوم وخصوص فعموم كَونهَا صَلَاة صيرها قربَة وخصوص كَونهَا رَكْعَة لَيْسَ من الْقرْبَة فِي شَيْء إِلَّا فِي الْوتر فالتزامها فِي غير الْوتر بِالنذرِ من حَيْثُ خصوصها لَا يَصح كالقعود سَوَاء وَهَذَا تَحْقِيق يَنْبَغِي أَن يكْتب بسواد اللَّيْل على بَيَاض النَّهَار وبماء الذَّهَب على نَار الأفكار
وَقد رد ابْن الرّفْعَة كَلَام ابْن الصّلاح بِمَا لَا أرتضيه فَقَالَ دَعْوَاهُ أَنه لَا قربَة فِي الْقعُود قد يمْنَع إِذا قُلْنَا بالأصح وَهُوَ جَوَاز التَّنَفُّل مُضْطَجعا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام
قلت وَفِيه نظر فجواز التَّنَفُّل مُضْطَجعا لَا يَقْتَضِي أَنا جعلنَا نفس الْقعُود قربَة بل غَايَة الْأَمر أَنا قُلْنَا إِنَّه خير من الِاضْطِجَاع وَالتَّحْقِيق أَن يُقَال عدم الِاضْطِجَاع خير مِنْهُ وَإِن صَحَّ ووراءه صُورَتَانِ الْقيام وَهُوَ مَطْلُوب للشارع بِخُصُوصِهِ وَالْقعُود وَلَيْسَ هُوَ مَطْلُوبا من حَيْثُ خصوصه بل من حَيْثُ عُمُومه وَهُوَ أَنه لَيْسَ باضطجاع فَخرج من هَذَا أَن خُصُوص الْقعُود لَيْسَ بمقصود قطّ وَإِن وَقع تسمح فِي الْعبارَة فَلَا يعبأ بِهِ
ثمَّ قَالَ ابْن الرّفْعَة وَإِن قُلْنَا لَا يجوز الِاضْطِجَاع مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام فقد يُقَال الْوَفَاء بِالنذرِ لَيْسَ على الْفَوْر وَقد يعجز عَن الْقيام فَيكون الْقعُود فِي حَقه فَضِيلَة فَيصير كَمَا لَو نذر الصَّلَاة قَاعِدا وَهُوَ عَاجز وَالصَّحِيح يعْتَمد الْإِمْكَان
قلت وَقد عرفت بِمَا حققت اندفاعه وَأَن الْقعُود لَا يكون فَضِيلَة أبدا ثمَّ يزْدَاد هَذَا ويقوى بِأَن الِاعْتِبَار فِي النّذر بِوَقْت الْإِلْزَام وَإِلَّا فَلَو تمّ مَا ذكره واكتفي بِاحْتِمَال الْعَجز مصححا فِي الْمُسْتَقْبل مصححا فِي الْحَال لصَحَّ نذر الْمُفلس وَالسَّفِيه عتق عبديهما وَإِن لم ينفذ إعتقاهما فِي الْحَال لاحْتِمَال رفع الْحجر مَعَ بَقَاء العَبْد وَقد وَافق هُوَ على أَنه لَا ينفذ
ثمَّ قَالَ ابْن الرّفْعَة ثمَّ قَول ابْن الصّلاح وَلَيْسَ كَذَلِك قَوْله رَكْعَة إِلَى آخِره قد يمْنَع وَيُقَال مَا قدمه النَّاذِر من قَوْله أُصَلِّي إِذْ نزلناه على وَاجِب الشَّرْع مَحْمُول على رَكْعَتَيْنِ وَقَوله بعده رَكْعَة مُنَاقض لَهُ وَحِينَئِذٍ فقد يُقَال بإلغاء قَوْله رَكْعَة أَو بإلغاء جَمِيع كَلَامه وَيلْزم مثل ذَلِك فِي نذر الصَّلَاة قَاعِدا
قلت وَفِيه نظر فَإِن الِاخْتِلَاف فِي الْحمل على وَاجِب الشَّرْع أَو جائزه إِنَّمَا هُوَ حَالَة الْإِطْلَاق لَا حَالَة التَّقْيِيد بجائزه وَهنا قد قيد بِرَكْعَة فَلَا يُمكن إلغاؤه وَهُوَ كالتقييد بِأَرْبَع وَقد قدمنَا أَن قَوْله رَكْعَة مفعول أُصَلِّي فَلَا بُد مِنْهُ تَقْديرا إِن لم يكن منطوقا فَكيف يحكم بإلغائه
أفتى ابْن الصّلاح فِي وَرَثَة اقتسموا التَّرِكَة ثمَّ ظهر دين وَوجد صَاحب الدّين عينا مِنْهَا فِي يَد بعض الْوَرَثَة بِأَن للْحَاكِم أَن يَبِيع تِلْكَ الْعين فِي وَفَاء الدّين وَلَا يتَعَيَّن أَن يَبِيع على كل وَاحِد من الْوَرَثَة مَا يَخُصُّهُ من الدّين وَهُوَ فرع حسن وَفقه مليح
وَمن الْوَاقِعَات بَين ابْن الصّلاح وَأهل عصره وَلَا نذْكر مَا اشْتهر بَينه وَبَين ابْن عبد السَّلَام فِي مَسْأَلَة صَلَاة الرغائب وَمَسْأَلَة الصَّلَاة بِحَسب السَّاعَات وَنَحْوهمَا وَإِنَّمَا نذْكر مَا يستحسن وَهُوَ عندنَا فِي مَحل النّظر
فرع تعم بِهِ الْبلوى امْرُؤ يَقُول اشْهَدُوا عَليّ بِكَذَا هَل يكون بِهِ مقرا أفتى ابْن الصّلاح بِأَنَّهُ لَا يكون مقرا كَذَا ذكر فِي بَاب الْإِقْرَار من فَتَاوِيهِ وَذكر أَن تَقْرِيره سبق مِنْهُ وَكَانَ ذَلِك بِاعْتِبَار مَا كَانَ يكْتب فِي فَتَاوِيهِ على غير تَرْتِيب وَهِي الْآن مرتبَة
وَالْمَسْأَلَة الَّتِي أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا سبقت فِي آخر الْفَتَاوَى ذكر فِيهَا ذَلِك وَأَنه مَذْهَبنَا وَأَن الْمُخَالف فِيهِ أَبُو حنيفَة وَأَن الْمَسْأَلَة مُصَرح بهَا فِي الْعدة للطبري وَفِي الإشراف للهروي وَذكر أَنه وقف على الْمَسْأَلَة بعض من يُفْتِي بِدِمَشْق من أَصْحَابنَا فَأرْسل إِلَيْهِ مستنكرا يذكر أَن هَذَا خلاف مَا فِي الْوَسِيط فَإِن فِيهِ لَو قَالَ أشهدك عَليّ بِمَا فِي هَذِه القبالة وَأَنا عَالم بِهِ فَالْأَصَحّ جَوَاز الشَّهَادَة على إِقْرَاره بذلك
قَالَ ابْن الصّلاح فَقلت إِن تِلْكَ مَسْأَلَة أُخْرَى مباينة لهَذِهِ فَفرق بَين قَوْله أشهدك عَليّ مُضَافا إِلَى نَفسه وَبَين قَوْله اشْهَدْ عَليّ غير مضيف إِلَى نَفسه شَيْئا ثمَّ يَنْبَغِي أَنه إِذا وجد ذَلِك مِمَّن عرفه اسْتِعْمَال ذَلِك فِي الْإِقْرَار يَجْعَل إِقْرَارا وَفِي الْبَيَان أَن اشْهَدْ لَيْسَ بِإِقْرَار لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِك غير الْإِذْن فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ وَلَا تعرض فِيهِ للإقرار هَذَا كَلَامه
ولسنا نوافقه عَلَيْهِ فَإِن حَاصله أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه يَقُول اشْهَدْ عَليّ بِكَذَا أَمر وَلَيْسَ بِإِقْرَار وَهَذَا مُحْتَمل لَكنا نقُول هُوَ مُتَضَمّن للإقرار تضمنا ظَاهرا شَائِعا
وَالثَّانِي أَنه يفرق بَين أشهدك عَليّ واشهد عَليّ وَهَذَا غير مُسلم لَهُ وَغَايَة مَا حاول فِي الْفرق مَا ذكر وَمَعْنَاهُ أَن أشهدك فعل مُسْند إِلَى الْفَاعِل وَمَعْنَاهُ أصيرك شَاهدا بِخِلَاف اشْهَدْ عَليّ وَالْأَمر كَمَا وصف غير أَنه لَا يجديه شَيْئا لِأَن الْأَمر بِأَن يشْهد عَلَيْهِ فَوق الْإِقْرَار وَعَلِيهِ أَلْفَاظ كَثِيرَة من الْكتاب وَالسّنة مثل {واشهد بِأَنا مُسلمُونَ} وأمثلته تكْثر وَمَا ذكره من النَّقْل عَن الإشراف وَالْعدة صَحِيح لكنه قَول من يَقُول اشْهَدْ عَليّ لَيْسَ بِإِقْرَار وَهُوَ أحد الْوَجْهَيْنِ ومأخذه جَهَالَة الْمَشْهُود بِهِ لَا صِيغَة اشْهَدْ أما تَسْلِيم أَن أشهدك إِقْرَار مَعَ منع أَن اشْهَدْ لَيْسَ بِإِقْرَار فَلَا ينتهض وَلَا قَالَه الْغَزالِيّ وَلَا غَيره وَمَا كَاف الْخطاب فِي قَول الْغَزالِيّ أشهدك يُفِيد قَصده الْفَصْل بَينه وَبَين اشْهَدْ كَمَا يظْهر لمن تَأمل الْمَسْأَلَة فِي كَلَام الْأَصْحَاب وَهِي مَذْكُورَة فِي بَاب الْقَضَاء على الْغَائِب فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي ومأخذ الْمَنْع فِيهَا الْجَهَالَة بالمشهود بِهِ لَا غير
وَمن تَأمل كَلَام الإشراف وَالْعدة وَالْإِمَام وَالْغَزالِيّ والرافعي وَمن بعدهمْ أَيقَن بذلك بل قد صرح الْغَزالِيّ نَفسه فِي فَتَاوِيهِ بِمَا هُوَ صَرِيح فِيهَا بقوله فَإِنَّهُ أفتى فِيمَن قَالَ اشْهَدُوا عَليّ أَنِّي وقفت جَمِيع أملاكي وَذكر مصرفها وَلَكِن لم يحددها بِأَن الْجَمِيع يصير وَقفا وَلَيْسَ هُنَا أشهدكم وَالظَّن بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة أَنَّهَا مفروغ مِنْهَا وَمن حاول أَن يَأْخُذ من كَلَام الْأَصْحَاب فرقا بَين اشْهَدْ وأشهدك فقد حاول الْمحَال نعم لَو عمم ابْن الصّلاح قَوْله أشهدك واشهد كلا مِنْهُمَا لَيْسَ بِإِقْرَار لم يكن مُبْعدًا وَكَانَ مُوَافقا لوجه وجيه فِي الْمَذْهَب وَأما مَا نَقله عَن صَاحب الْبَيَان أَن اشْهَدْ لَيْسَ فِيهِ غير الْإِذْن فَلم أجد هَذَا فِي الْبَيَان وَالَّذِي وجدته فِيهِ فِي بَاب الْإِقْرَار مَا نَصه فرع لَو كتب رجل لزيد عَليّ ألف دِرْهَم ثمَّ قَالَ للشُّهُود اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ لم يكن إِقْرَارا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكون إِقْرَارا دليلنا أَنه سَاكِت عَن الْإِقْرَار بالمكتوب فَلم يكن إِقْرَارا كَمَا لَو كتب عَلَيْهِ غَيره فَقَالَ اشْهَدُوا بِمَا كتب فِيهِ أَو كَمَا لَو كتب على الأَرْض فَإِن أَبَا حنيفَة وَافَقنَا على ذَلِك انْتهى
وَأَحْسبهُ أَخذه من عدَّة الطَّبَرِيّ فَإِنَّهُ فِيهَا كَذَلِك من غير زِيَادَة ذكره أَيْضا فِي بَاب الْإِقْرَار وَهُوَ أَيْضا فِي الإشراف لأبي سعد الْهَرَوِيّ كَمَا نقل ابْن الصّلاح وَلَيْسَ فِي وَاحِد من هَذِه الْكتب الْفَصْل بَين أشهدك واشهد وَلَا تحدثُوا عَن هَذِه الْمَسْأَلَة من حَيْثُ لفظ الشَّهَادَة أصلا إِنَّمَا كَلَامهم من حَيْثُ الْإِقْرَار بِالْمَجْهُولِ المضبوط وَمن ثمَّ أَقُول الْإِنْصَاف أَن مَسْأَلَة الْغَزالِيّ فِي الْفَتَاوَى أَيْضا لم يقْصد بهَا إِلَى صِيغَة اشْهَدُوا بل إِلَى أَن الشَّهَادَة تصح على جيمع الْأَمْلَاك وَإِن لم يحدد أما الْفرق بَين اشْهَدُوا وأشهدكم فَلم يتَكَلَّم فِيهِ أحد غير ابْن الصّلاح وَلَيْسَ بِمُسلم نعم يُؤْخَذ من كَلَام الْغَزالِيّ عدم الْفرق لِأَن اشْهَدُوا لَو لم يكن إِقْرَارا لقَالَ الْغَزالِيّ إِنَّه لَيْسَ بِإِقْرَار لِأَن جِهَة عدم التَّحْدِيد تكون من جِهَة الصِّيغَة فَلَمَّا لم يقل ذَلِك دلنا ذَلِك مِنْهُ على إِن عِنْده أَن كَون الصِّيغَة صِيغَة الْإِقْرَار أَمر مفروغ مِنْهُ وَهُوَ الْغَالِب على الظَّن حَقِيقَة فِيمَا عِنْدِي وَيشْهد لَهُ أَيْضا قَول أَصْحَابنَا فِي الاسترعاء إِذا قَالَ الشَّاهِد للْمقر أشهد عَلَيْك بذلك فَقَالَ الْمقر نعم كَانَ استرعاء صَحِيحا وَإِن قَالَ اشْهَدْ فَثَلَاثَة أوجه وَهُوَ أوكد من نعم لما فِيهِ من لفظ الْأَمر وَالثَّانِي لَا يكون استرعاء صَحِيحا وَالثَّالِث إِن قَالَ اشْهَدْ عَليّ كَانَ استرعاء صَحِيحا لنفى الِاحْتِمَال بقوله عَليّ وَإِن اقْتصر على اشْهَدْ لم يكن استرعاء صَحِيحا أما لَو قَالَ اشْهَدْ عَليّ بِكَذَا فاسترعاء صَحِيح قطعا قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر لانْتِفَاء وُجُوه الِاحْتِمَال عَنهُ
وَهَذِه الْمسَائِل فِي الْحَاوِي وَالْبَحْر وَمن تأملها علم أَن اشْهَدْ استرعاء صَحِيح وَإِقْرَار مُعْتَبر لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ الْخلَل من لَفظه بل من جَهَالَة مَا سلط عَلَيْهِ وَلذَلِك جزموا فِي اشْهَدْ عَليّ بذلك أَنه استرعاء صَحِيح وَبِه جزم الرَّافِعِيّ أَيْضا وَلَفظه أَو يَقُول اشْهَدْ عَليّ شهادتي بِكَذَا أَو يَقُول إِذا استشهدت على شهادتي فقد أَذِنت لَك فِي أَن تشهد انْتهى
وَمَا قَالَه ابْن الصّلاح يشبه مَا قَالَه ابْن أبي الدَّم فِي الشَّهَادَة على الْإِقْرَار وَقد قدمْنَاهُ فِي تَرْجَمته فِي هَذِه الطَّبَقَة
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

أبو عمرو، عثمان بن عبد الرحمن بنِ عثمانَ بنِ موسى بنِ أبي النصر، النصريُّ الكرديُّ الشهرزوريُّ، المعروف بابن الصلاح الشرخانيّ، الملقب: تقيُّ الدين، الفقيهُ الشافعيُّ.
كان أحدَ فضلاء عصره في التفسير، والحديث، والفقه، وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث، وفقه اللغة، وكانت له مشاركة في فنون عديدة، وكانت فتاواه مسدَّدة، قال ابن خلكان: وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم.
سافر إلى خراسان، فأقام بها زمانًا، وحصل علم الحديث هناك، ثم رجع إلى الشام، وتولى التدريس بالمدرسة الناصرية بالقدس، ولما بنى الملك الأشرف بن الملك العادل بن أيوب دارَ الحديث بدمشق، فوض تدريسه إليه، واشتغل الناس عليه بالحديث.
وكان من العلم والدين على قدم عظيم، وصنف في "علوم الحديث" كتابًا نافعًا، وكذلك في "مناسك الحج"، جمع فيه أشياء حسنة، يحتاج الناس إليها، وهو مبسوط، ولم يزل أمره جاريًا على السداد والصلاح والاجتهاد في الاشتغال والنفع إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح، وصُلِّي عليه بعد الظهر، وهو الخامس والعشرون من شهر ربيع الآخر سنة 643 بدمشق.
مولده سنة سبع وسبعين وخمس مئة بشرخان، وهي قرية من أعمال أربل قريبة من شهرزور، قال في آثار الأدهار: وله عدة مصنفات، منها كتاب في علوم الحديث.
قال الشيخ برهان الدين الأنباسي في "شذى الفياح من علوم ابن الصلاح": إن كتابه هذا أحسن تصنيف فيه، وقد اعتنى به العلماء في زمانه إلى هذا الزمان، منهم من اختصره ومنهم من اعترض عليه، وله كتاب "أدب المفتي والمستفتي"، وهو مختصر نافع، و"رحلة إلى الشرق" عظيمة النفع في سائر العلوم، وكتاب "مناسك الحج" جمع فيه أشياء سنة يحتاج الناس إليها، انتهى حاصله.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

 

توجد له ترجمة في كتاب : التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.