النعمان بن ثابت بن زوطا أبي حنيفة الكوفي

الإمام أبي حنيفة النعمان

تاريخ الولادة80 هـ
تاريخ الوفاة150 هـ
العمر70 سنة
مكان الولادةالكوفة - العراق
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • الكوفة - العراق
  • بغداد - العراق

نبذة

أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا بن ماه، مولى لتيم الله ابن ثعلبة: ولد سنة ثمانين ومات ببغداد سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة.

الترجمة

أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا بن ماه، مولى لتيم الله ابن ثعلبة: ولد سنة ثمانين ومات ببغداد سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة.
قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته. وروى حرملة عن الشافعي قال: من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك، ومن أراد الجدل فعليه بأبي حنيفة، ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان. وروى حرملة أيضاً قال: سمعت الشافعي يقول: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال علي أبي حنيفة.
وأخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان راوية إبراهيم وقد كان في أيامه أربعة من الصحابة: أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى الأنصاري وأبو الطفيل عامر ين واثلة وسهل بن سعد الساعدي وجماعة من التابعين كالشعبي والنخعي وعلي بن الحسين وغيرهم، وقد مضى تاريخ وفاتهم، ولم يأخذ أبو حنيفة عن أحد منهم، وقد أخذ عنه خلق كثير نذكرهم في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى.

- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي: التابعي رضي الله عنه الإمام قدوة العلماء الأعلام وشيخ مشايخ الإسلام العالم الجليل القدر الشهير الذكر المتفق على جلالته وفضله وعلمه انتشر مذهبه بالكوفة والشام والعراق وما وراء النهرين والروم وغيرها وأتباعه كثيرون جداً. ترجمته واسعة أفردت بالتأليف.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية

 

النعمان بن ثابت بن زُوطَى بن ماه ، أبي حنيفة الفقيه الكوفي ، ولد سنة : (80ه) ، وكان عاملا زاهدا عابدا ورعا تقيا كثير الخشوع دائم التضرع إلى الله تعالى ، وأخذ عن : عطاء بن أبى رباح ، وأبي إسحاق السبيعي ، وحماد بن أبى سليمان ، وغيرهم ، وأخذ عنه : عبد الله بن المبارك ، وأبي يوسف القاضي ، ومحمد بن الحسن الشيباني ، وغيرهم ، قال ابن المبارك : أبي حنيفة أفقه الناس ، وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ، ومن كتبه : ( المسند ) في الحديث ، و ( المخارج ) في الفقه ، وتوفي سنة : (150ه) . ينظر : وفيات الأعيان لابن خلكان، 5/405-406 ، والجواهر المضية للقرشي ، 1/26-30.
أبي حنيفة النعمان، ولد بالكوفة (80 هـ) وتوفي ببغداد (150 هـ)، وقد انتشر مذهبه بالكوفة والعراق، والشام، ومصر، والجزيرة العربية، وشمال إفريقيا، وغيرها من البلدان الَّتِي كان منفردا فيها، إلا أنه سرعان ما نافسته المذاهب الأخرى حينما بزغت، فتقلص في بعضها، واضمحل في بعضها الآخر، ورغم ذلك فلا زال معمولا به في العراق مطلقا، وفي الفتيا والقضاء -فقط- في جل البلدان الَّتِي كانت خاضعة للدولة العثمانية، كمصر، وسوريا، ولبنان ... كما لازال مذهب الأغلبية- في الأمور الدينية- لدى مسلمي تركيا، وباكستان، وأفغانستان، والهند، وروسيا، وغيرها من البلدان الَّتِي لا زال له فيها اتباع- عدا المغرب، رغم أنه من أولى المذاهب الَّتِي دخلت إليه......من الكتاب: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك (مع دراسة لحياة المؤلف وآثاره وعصره)- المؤلف: أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسى.- المحقق: أحمد بو طاهر الخطابي.

 

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الْحَمْدُ لِلَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَفْضَلِ الرِّجَالِ.
أَمَّا بَعْدُ فَهَذَا كِتَابٌ فِي أَخْبَارِ فَقِيهِ الْعَصْرِ وَعَالِمِ الْوَقْتِ، أَبِي حَنِيفَةَ، ذِي الرُّتْبَةِ الشَّرِيفَةِ، وَالنَّفْسِ الْعَفِيفَةِ، وَالدَّرَجَةِ الْمُنِيفَةِ: النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ زُوطَى مُفْتِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، وُلِدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَأَنْفَذَ مَا أَوْضَحَهُ مِنَ الدِّينِ الْحَنِيفِيِّ وَأَمْضَاهُ، فِي سَنَةِ ثَمَّانِينَ فِي خِلافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالْكُوفَةِ، وَذَلِكَ فِي حَيَاةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَانَ مِنَ التَّابِعِينَ لَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِإِحْسَانٍ، فَإِنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِذْ قَدِمَهَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ جَابِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: «رَأَيْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» ، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ السَّدُوسِيُّ: أَبُو حَنِيفَةَ مَوْلَى لِبَنِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ
وَقَالَ أَبُو خَازِمٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْقَاضِي: سَأَلْتُ ابْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ: لِمَنْ وَلاؤُكُمْ؟ فَقَالَ: «سَبْيُ ثَابِتٍ أَبُو أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَابِلٍ، فَاشْتَرَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَأَعْتَقَتْهُ».
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ حَسَنَ الْوَجْهِ وَاللِّحْيَةِ حَسَنَ الثِّيَابِ».
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ زِيَادٍ: «رَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ بِالْكُوفَةِ وَعَلَيْهِ طَوِيلَةٌ سَوْدَاءُ».
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْكُوفِيُّ بِمِصْرَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: " رَأَيْتُ شَيْخًا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يُفْتِي النَّاسَ وَعَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو حَنِيفَةَ ".
قَالَ قَاضِي مِصْرَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ السَّعْدِيُّ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مُجَلَّدٌ وَاحِدٌ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَهْلٍ التِّرْمِذِيُّ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ غَسَّانَ الْقَاضِي، ثَنَا أَبِي، أَنَا جَدِّي أَبُو غَسَّانَ أَيُّوبُ بْنُ يُوسُفَ، سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: " كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ جَمِيلَ الْوَجْهِ، سَرِيَّ الثَّوْبِ عَطِرًا، وَلَقَدْ أَتَيْتُهُ فِي حَاجَةٍ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ وَعَلَيَّ كِسَاءٌ قُومِسِيٌّ، فَأَمَرَ بِإِسْرَاجِ بَغْلَهُ، وَقَالَ: أَعْطِنِي كِسَاءَكَ لأَرْكَبَ فِي حَاجَتِكَ وَهَذَا كِسَائِي إِلَى أَنْ أَرْجِعَ، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا رَجِعَ، قَالَ: يَا نَضْرُ أَخْجَلْتَنِي بِكِسَائِكَ، قُلْتُ: وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْهُ؟ قَالَ: هُوَ غَلِيظٌ، قَالَ النَّضْرُ: وَكُنْتُ اشْتَرَيْتُهُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَأَنَا بِهِ مُعْجَبٌ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ قُومِسِيٌّ قَوَّمْتُهُ بِثَلاثِينَ دِينَارًا ".


مِنْ أَخْلاقِهِ وَوَرَعِهِ
رَوَى الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الرَّشِيدِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: صِفْ لِي أَخْلاقَ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: " كَانَ وَاللَّهِ شَدِيدَ الذَّبِّ عَنْ حَرَامِ اللَّهِ، مُجَانِبًا لأَهْلِ الدُّنْيَا، وَطَوِيلَ الصَّمْتِ دَائِمَ الْفِكْرِ، لَمْ يَكُنْ مِهْذَارًا وَلا ثِرْثَارًا، إِنْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْمٌ أَجَابَ فِيهَا، مَا عَلِمْتُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلا صَائِنًا لِنَفْسِهِ وَدِينِهِ، مُشْتَغِلا بِنَفْسِهِ عَنِ النَّاسِ لا يَذْكُرُ أَحَدًا إِلا بِخَيْرٍ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: هَذِهِ أَخْلاقُ الصَّالِحِينَ ".
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ غَسَّانَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ: ذَكَرَ قَوْمٌ أَبَا حَنِيفَةَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَتَنَقَّصَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ سُفْيَانُ: «مَهْ! كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْثَرَ النَّاسِ صَلاةً، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً، وَأَحْسَنَهُمْ مُرُوءَةً».
وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْكٍ، قَالَ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ طَوِيلَ الصَّمْتِ دَائِمَ الْفِكْرِ، كَبِيرَ الْعَقْلِ، قَلِيلَ الْمُحَادَثَةِ لِلنَّاسِ».
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، سَمِعْتُ وَكِيعًا، يَقُولُ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حُيَيٍّ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ شَدِيدَ الْخَوْفِ لِلَّهِ، هَائِبًا لِلْحَرَامِ أَنْ يَسْتَحِلَّ».
وَعَنْ بِشْرِ بْنِ يَحْيَى، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَوْقَرَ فِي مَجْلِسِهِ، وَلا أَحْسَنَ سَمْتًا وَحِلْمًا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَقَدْ كُنَّا عِنْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، فَوَقَعَتْ حَيَّةٌ مِنَ السَّقْفِ فِي حِجْرِهِ، فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ نَفَضَ حِجْرَهُ، فَأَلْقَاهَا وَمَا مِنَّا أَحَدٌ إِلا هَرَبَ».
وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: «لَمَّا حَذِقَ أَبِي حَمَّادٌ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، أَعْطَى أَبُو حَنِيفَةَ الْمُعَلِّمَ خَمْسِ مِائَةِ دَرْهَمٍ» ، وَقَدْ وَرَدَ فِي كَرَمِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَفْضَالِهِ أَخْبَارٌ عَدِيدَةٌ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: «جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ حَلَفَ بِاللَّهِ صَادِقًا فِي عَرَضِ حَدِيثِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، فَكَانَ إِذَا حَلَفَ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، وَكَانَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى عِيَالِهِ نَفَقَةً تَصَدَّقَ بِمِثْلِهَا».
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ: «لَقِيَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنَ النَّاسِ عَتَبًا لِقِلَّةِ مُخَالَطَتِهِ النَّاسَ، فَكَانُوا يَرَوْنَهُ مِنْ زَهْوٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ غَرِيزَةٌ فِيهِ».
وَقَالَ جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنِ الرَّبِيعِ، يَقُولُ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرِعًا تَقِيًّا، مُفَضَّلا عَلَى إِخْوَانِهِ».
وَقَالَ لُوَيْنٌ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ، يَقُولُ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ قَلِيلَ الْكَلامِ إِلا بِمَا يُسْأَلُ عَنْهُ، قَلِيلَ الضَّحِكِ كَثِيرَ الْفِكْرِ، دَائِمَ الْقُطُوبِ كَأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِمُصِيبَةٍ».
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ، سَمِعْتُ الْخُرَيْبِيَّ، يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنِّي وَضَعْتُ كِتَابًا عَلَى خَطِّكَ إِلَى فُلانٍ، فَوَهَبَ لِي أَرْبَعَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «إِنْ كُنْتُمْ تَنْتَفِعُونَ بِهَذَا فَافْعَلُوا» .
رَوَاهَا الطَّحَاوِيُّ، عَنْ أَبِي خَازِمٍ الْقَاضِي عَنْهُ.

 

شُيُوخُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ تَفَقَّهَ بِحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ صَاحِبِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَبِغَيْرِهِ، وَقَالَ: اخْتَلَفْتُ إِلَى حَمَّادٍ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ، قَالَ: صَحِبْتُهُ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ أَحْفَظُ قَوْلَهُ وَأَسْمَعُ مَسَائِلَهُ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ بِمَكَّةَ، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءٍ، وَسَمِعَ مِنْ عَطَيَّةَ الْكُوفِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ، وَعَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَقَتَادَةَ بْنِ دَعَامَةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَمَنْصُورٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ التَّابِعِينَ.
 

تَفَقَّهَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكِبَارِ مِنْهُمْ: زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَأَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي، وَابْنُهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَنُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمَعْرُوفُ بِنُوحٍ الْجَامِعِ، وَأَبُو مُطِيعٍ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُئُيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَسَدُ بْنُ عَمْرٍو الْقَاضِي، وَرَوَى عَنْهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ عِدَّةٌ لا يُحْصَوْنَ فَمِنْ أَقْرَانِهِ: مُغِيرَةُ بْنُ مُقْسِمٍ، وَزَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالَكُ بْنُ مِغْوَلٍ، وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ: زَائِدَةُ، وَشُرَيْكٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٌ، وَالْمُحَارِبِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وِإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، وَالْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، وَسَعْدُ بْنُ الصَّلْتِ، وَمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، وَعَبْدُ الرَّازَّقِ بْنُ هَمَّامٍ، وَحَفْصُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، وَخَلائِقٌ.

 

عِبَادَةُ أَبِي حَنِيفَةَ قَدْ تَوَاتَرَ قِيَامُهُ اللَّيْلَ وَتَهَجُّدُهُ وَتَعَبُّدُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنِي بَكْرٌ، سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ النَّبِيلُ، يَقُولُ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُسَمَّى الْوَتَدُ لِكَثْرَةِ صَلاتِهِ».
وَقَالَ حُرَيْثُ بْنُ أَبِي الْوَرْقَاءِ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ إِسْحَاقَ السَّمَرْقَنْدِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ، يَقُولُ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي رَكْعَةٍ».
هَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيبَةٌ، وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: " كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ إِذْ سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ لآخَرَ: هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ لا يَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَاللَّهِ لا يَتَحَدَّثُ عَنِّي مَا لا أَفْعَلُ! فَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلاةً وَدُعَاءً وَتَضَرُّعًا ".
وَرَوَى حِبَّانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ حَكَّامِ بْنِ سَلْمٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: «كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ بِطُهْرٍ وَاحِدٍ».
وَرَوَى يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «صَحِبْتُ أَبَا حَنِيفَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى الْغَدَاةَ إِلا بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ السَّحَرِ».
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ: ثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ حَاضِنَةِ وَلَدِ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ وَلَدِ أَبِي حَنِيفَةَ: «مَا تَوَسَّطَ أَبُو حَنِيفَةَ فِرَاشًا بِلَيْلٍ مُنْذُ عَرِفْتُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ نَوْمُهُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الصَّيْفِ وَبِاللَّيْلِ فِي مَسْجِدِهِ أَوَّلَ اللَّيْلِ فِي الشِّتَاءِ».
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئِ، قَالَ: «لَوْ رَأَيْتَ أَبَا حَنِيفَةَ يُصَلِّي، عَلِمْتَ أَنَّ الصَّلاةَ مِنْ هَمِّهِ».

وَقَالَ جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ الْجُعْفِيَّ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: أَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَهُ وَهُوَ " يُرَدِّدُ هَذِهِ الآيَةَ {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] وَهُوَ يَبْكِي، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ مُنَّ عَلَيْنَا وَقِنَا عَذَابَ السَّمُومِ يَا رَحِيمُ ".
وَعَنْ سَلْمِ بْنِ سَالِمٍ الْبَلْخِيِّ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَّةِ، قَالَ: «صَحِبْتُ أَبَا حَنِيفَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً وَضَعَ جَنْبَهُ».
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ الْقَاضِي فِي فَضَائِلِ أَبِي حَنِيفَةَ: ثَنَا الطَّحَاوِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: «رُبَّمَا قَرَأْتُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حِزْبَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ».
قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ الْبَزَّازُ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ مِسْعَرًا، يَقُولُ: " دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَرَأَيْتُ رَجُلا يُصَلِّي فَاسْتَحْلَيْتُ قِرَاءَتَهُ، فَوَقَفْتُ حَتَّى قَرَأَ سَبْعًا، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ، ثُمَّ بَلَغَ الثُّلُثَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ، ثُمَّ بَلَغَ النِّصْفَ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى حَالِهِ حَتَّى خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ ".
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ الْمَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ خَارِجَةَ بْنَ مُصْعَبٍ، يَقُولُ: " خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ أَرْبَعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ: عُثُمَّانُ بْنُ عَفَّانَ، وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ".

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: «رُبَّمَا خَتَمَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ سِتِّينَ مَرَّةً».
مُحَمَّدُ بْنُ سَمَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْنٍ، " أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَامَ لَيْلَةً يُرَدِّدُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46] ، وَيَبْكِي وَيَتَضَرَّعُ إِلَى الصَّبَاحِ ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُصَيْصِيُّ فِي سِيرَةِ أَبِي حَنِيفَةَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَلِيحِ بْنِ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ كُمَيْتٍ، سَمِعْتُ رَجُلا يَقُولُ لأَبِي حَنِيفَةَ: اتَّقِ اللَّهَ! فَانْتَفَضَ وَاصْفَرَّ وَأَطْرَقَ، وَقَالَ: «جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، مَا أَحْوَجَ النَّاسَ كُلَّ وَقْتٍ إِلَى مَنْ يَقُولُ لَهُمْ مِثْلَ هَذَا!».
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ كُمَيْتٍ: فَتَحَ غُلامٌ لأَبِي حَنِيفَةَ يَوْمًا رُزْمَةَ خَزٍّ، فَإِذَا الأَخْضَرُ وَالأَحْمَرُ وَالأَصْفَرُ، فَقَالَ الْغُلامُ: نَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، فَبَكَى أَبُو حَنِيفَةَ حَتَّى اخْتَلَجَ صِدْغَاهُ وَمِنْكَبَاهُ، وَأَمَرَ بِغَلْقِ الدُّكَّانِ، وَقَامَ مُغَطَّى الرَّأْسِ مُسْرِعًا، فَلَمَّا كَانَ مَنِ الْغَدِ جَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " يَا أَخِي، مَا أَجْرَأَنَا يَقُولُ أَحَدُنَا: نَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ! إِنَّمَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ مَنْ رَاضَ نَفْسَهُ - يَعْنِي لَهَا -، إِنَّمَا يُرِيدُ مِثْلُنَا أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْعَفْوَ ".
وَرَوَى الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ جِهَةِ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «صَلَّى أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا حُفِظَ عَلَيْهِ صَلاةَ الْفَجْرِ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَكَانَ عَامَّةَ اللَّيْلِ يَقْرَأُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ، وَكَانَ يُسْمَعُ بُكَاؤُهُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يَرْحَمَهُ جِيرَانُهُ، وَحُفِظَ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُوِفِّيَ فِيهِ سَبْعَةَ آلافِ مَرَّةٍ»
أَخْبَرَنِي بِهَذَا الْمُسْلِمُ بْنُ عَلانَ إِجَازَةً، أَنَا أَبُو الْيَمَنِ الْكِنْدِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكَاغِذِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيُّ بِبُخَارَى، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَلْخِيُّ، ثَنَا حَمَدُ بْنُ قُرَيْشٍ، سَمِعْتُ أَسَدَ بْنَ عَمْرٍو فَذَكَرَهُ، وَقَالَ مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ: «رَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ»
وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: «مَكَثَ أَبُو حَنِيفَةَ مُدَّةً يُصَلِّي الْخَمْسَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ»
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَمَّا غَسَلَ الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ أَبِي، قَالَ: «غَفَرَ اللَّهُ لَكَ لَمْ تَفْطِرْ مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً، وَلَمْ تَتَوَسَّدْ يَمِينُكَ بِاللَّيْلِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَقَدْ أَتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ، وَفَضَحْتَ الْقُرَّاءَ».
وَقَالَ حَامِدُ بْنُ آدَمَ الْمَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ جُرِّبَ بِالسِّيَاطِ وَالأَمْوَالِ».
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ: ثَنَا جَدِّي، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: " مَرَرْتُ مَعَ أَبِي بِالْكُنَّاسَةِ، فَبَكَى، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَرَبَ ابْنُ هُبَيْرَةَ جَدَّكَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ عَلَى أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ، فَلَمْ يَفْعَلْ ".

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، كُنَّا جُلُوسًا مَعَهُ فِي مَسْجِدِ الْخِيفِ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَفْتَاهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «أَخْطَأَ الْحَسَنُ» ، فَجَاءَ رَجُلٌ مُغَطَّى الْوَجْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ، تَقُولُ أَخْطَأَ الْحَسَنُ! فَهَمَّ النَّاسُ بِهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «أَقُولُ أَخْطَأَ الْحَسَنُ وَأَصَابَ ابْنُ مَسْعُودٍ».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَلِيحِ بْنِ وَكِيَعٍ: نَا يَزِيدُ بْنُ كُمَيْتٍ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ وَشَتَمَهُ رَجُلٌ وَاسْتَطَالَ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: يَا كَافِرُ يَا زِنْدِيقُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، هُوَ يَعْلَمُ مِنِّي خِلافَ مَا تَقُولُ».
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ».
الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ، قَالَ: أَخَذَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَبَا حَنِيفَةَ، فَأَرَادَهُ عَلَى وِلايَةِ الْقَضَاءِ، فَأَبَى فَحَبَسَهُ، فَقِيلَ لأَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّهُ حَلَفَ أَنْ لا يُخْرِجَكَ حَتَّى تَلِيَ لَهُ، وَإِنَّهُ يُرِيدُ بِنَاءً، فَتَوَلَّ لَهُ عَدَّ اللَّبِنِ، فَقَالَ: «لَوْ سَأَلَنِي أَنْ أَعُدَّ لَهُ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ لَمْ أَفْعَلْ».
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ شَدَّادٍ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرِّقِّيُّ، قَالَ: "ضَرَبَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ، فَأَبَى، فَقَالَ النَّاسُ: اسْتَتَابَهُ".
وَذُكِرَ أَبُو حَنِيفَةَ عِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ، فَقَالَ: مَاذَا يُقَالَ فِي رَجُلٍ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَالأَمْوَالَ، فَنَبَذَهَا، وَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ فَصَبَرَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ فِيمَا كَانَ غَيْرُهُ يَسْتَدْعِيهِ؟ !.

مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ ضُرِبَ لِيَلِيَ الْقَضَاءَ: «مَا أَصَابَنِي فِي ضَرْبِي شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ غَمِّ وَالِدَتِي، وَكَانَ بِهَا بَرًّا».
يَعْقُوَبُ بْنُ شَيْبَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ، نَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: " أَشْخَصَ الْمَنْصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ، فَأَرَادَهُ عَلَى أَنْ يُوَلِّيَهُ، فَأَبَى فَحَلَفَ عَلَيْهِ لَيَفْعَلَنَّ وَحَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ لا يَفْعَلَ، فَقَالَ الرَّبِيعُ الْحَاجِبُ: أَلا تَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَحْلِفُ؟ ! قَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى كَفَّارَةِ أَيْمَانِهِ أَقْدَرُ مِنِّي، فَأَبَى أَنْ يَلِيَ، فَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ، فَمَاتَ فِيهِ وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الْخَيْزُرَانِ ".
رَوَاهَا يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ بِشْرٍ، وَرَوَاهَا أَيْضًا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ الْكُوفِيُّ، عَنْ بِشْرٍ، فَزَادَ فِيهَا: فَسُجِنَ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى حُمَيْدٍ الطُّوسِيُّ شُرْطِيَّهُ، فَأَرَادَ أَنْ يُؤْذِيَهُ، فَقَالَ: يَا شَيْخُ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَدْفَعُ إِلَيَّ الرَّجُلَ، وَيَقُولُ لِي: اقْتُلْهُ، أَوِ اقْطَعْهُ، أَوِ اضْرِبْهُ، وَلا عِلْمَ لِي بِقِصَّتِهِ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هَلْ يَأْمُرُكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَمْرٍ قَدْ وَجَبَ، أَوْ بِأَمْرٍ لَمْ يَجِبْ؟ قَالَ: بَلْ بِمَا قَدْ وَجَبَ، قَالَ: فَإِذَا أَمَرَكَ بِقَتْلٍ وَاجِبٍ، أَوْ ضَرْبٍ مُتَعَيِّنٍ فَبَادِرْ إِلَيْهِ، فَإِنَّكَ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ.
يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُضْرَبُ عَلَى أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ فَيَأْبَى، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَبْكِي، وَقَالَ: أَبْكِي غَمًّا عَلَى وَالِدَتِي! وَعَنْ مُغِيثِ بْنِ بُدَيْلٍ، قَالَ: دَعَا أَبُو جَعْفَرٍ أَبَا حَنِيفَةَ إِلَى الْقَضَاءِ فَامْتَنَعَ، فَقَالَ: أَتَرْغَبُ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ؟ فَقَالَ: لا أَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، قَالَ لَهُ: كَذَبْتَ، قَالَ: قَدْ حَكَمَ عَلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنِّي لا أَصْلُحُ، لأَنَّهُ نَسَبَنِي إِلَى الْكَذِبِ، فَإِنْ كُنْتُ كَاذِبًا فَلا أَصْلُحُ، وَإِنْ كُنْتُ صَادِقًا فَقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنِّي لا أَصْلُحُ، فَحَبَسَهُ

إِسْمَاعُيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ.
سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ يُونُسَ، يَقُولُ: " رَأَيْتُ الْمَنْصُورَ يُنَازِلُ أَبَا حَنِيفَةَ فِي أَمْرِ الْقَضَاءِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَنَا بِمَأْمُونِ الرِّضَا، فَكَيْفَ أَكُونِ بِمَأْمُونِ الْغَضَبِ؟ فَلا أَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَقَالَ: كَذَبْتَ أَنْتَ تَصْلُحُ، قَالَ: وَكَيْفَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُوَلِّيَ مَنْ يَكْذِبُ ".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ: وَقِيلَ إِنَّهُ وَلِيَ الْقَضَاءَ يَوْمَيْنِ وَلَمْ يَأْتِهِ فِيهِمَا أَحَدٌ، وَقَضَى فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ اشْتَكَى سِتَّةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ الْفَقِيهُ بِسَنَدٍ لَهُ: لَمْ يَقْبَلْ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَهْدَ بِالْقَضَاءِ، فَضُرِبَ مِائَةَ سَوْطٍ وَحُبِسَ، وَمَاتَ فِي السِّجْنِ، كَذَا قَالَ، وَقِيلَ: حُمِلَتْ إِلَيْهِ عَشْرَةُ آلافٍ، فَوُضِعَتْ لَهُ فِي الدَّارِ، فَاغْتَمَّ وَلَمْ يَنْطِقْ وَمَكَثَتْ تِلْكَ الْبَدْرَةُ فِي مَكَانِهَا، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ، حَمَلَهَا وَلَدُهُ حَمَّادٌ إِلَى الَّذِي جَاءَ بِهَا وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ قُحْطُبَةَ، فَقَالَ: هَذِهِ وَدِيعَتُكَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ، وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَاكَ! لَقَدْ شَحَّ عَلَى دِينِهِ إِذْ شَحَّتْ بِهِ أَنْفُسُ أَقْوَامٍ.
وَيُرْوَى أَنَّ ابْنَ هُبَيْرَةَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَلَفَ أَنَّهُ لا يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَالَ: يُعَارِضُ يَمِينِي بِيَمِينِهِ؟ ! فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عِشْرِينَ سَوْطًا عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: اذْكُرْ مَقَامَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَذَّلُ مِنْ مَقَامِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَلا تَهْدِرْ دَمِي فَإِنِّي، أَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَأَوْمَأَ إِلَى الجَّلادِ أَمْسِكْ، فَأَصْبَحَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي السِّجْنِ وَقَدِ انْتَفَخَ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ مِنَ الضَّرْبِ، قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ".

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ حَمَّادٍ اللُّؤْلُئِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُئِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ، يَقُولُ: اجْتَمَعْنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ: دَاوُدُ الطَّائِيُّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ، وَعَافِيَةُ بْنُ يَزِيدَ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، وَزُفَرُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: " أَنْتَمْ مَسَارُّ قَلْبِي، وَجِلاءُ حُزْنِي، وَأَسْرَجْتُ لَكُمُ الْفِقْهَ وَأَلْجَمْتُهُ، وَقَدْ تَرَكْتُ النَّاسَ يَطَئُونَ أَعْقَابَكُمْ، وَيَلْتَمِسُونَ أَلْفَاظَكُمْ مَا مِنْكُمْ وَاحِدٌ إِلا وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، فَسَأَلْتُكُمْ بِاللَّهِ وَبِقَدْرِ مَا وَهَبَ اللَّهُ لَكُمْ مُنْ جَلالَةِ الْعِلْمِ مَا صُنْتُمُوهُ عَنْ ذَلِكَ الاسْتِئْجَارِ، وَإِنْ بُلِيَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِالْقَضَاءِ، فَعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ خَرِبَةً سَتَرَهَا اللَّهُ عَنِ الْعِبَادِ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ، وَلَمْ يَطِبْ لَهُ رِزْقُهُ، فَإِنْ دَفَعَتْهُ ضَرُورَةٌ إِلَى الدُّخُولِ فِيهِ، فَلا يَحْتَجِبَنَّ عَنِ النَّاسِ، وَلْيُصَلِّ الْخَمْسَ فِي مَسْجِدِهِ، وَيُنَادِي عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ: مَنْ لَهُ حَاجَةٌ؟ فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ نَادَى ثَلاثَةَ أَصْوَاتٍ: مَنْ لَهُ حَاجَةٌ؟ ثُمَّ دَخَلَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا لا يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ مَعَهُ أَسْقَطَ مِنْ رِزْقِهِ بِقَدْرِ مَرَضِهِ، وَأَيَّمَا إِمَامٍ غَلَّ فَيْئًا أَوْ جَارَ فِي حُكْمٍ، بَطُلَتْ إِمَامَتُهُ وَلَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ ".
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، «إِذَا ارْتَشَى الْقَاضِي فَهُوَ مَعْزُولٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ».

ذِكْرُ مَنْ وَصَفَهُ بِالْفِقْهِ:

عَنِ الأَعْمَشِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: «إِنَّمَا يُحْسِنُ هَذِهِ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الْخَزَّازُ، وَأَظُنُّهُ بُورِكَ لَهُ فِي عِلْمِهِ».
يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، سَمِعْتُ جَرِيرًا، يَقُولُ: «كَانَ الأَعْمَشُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الدَّقَائِقِ أَرْسَلَهُمْ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ قَالَ مُغِيرَةْ لَهُ أَلا تَأْتِي أَبَا حَنِيفَةَ».
يَحْيَى بْنُ أَكْثُمَّ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ لِي مُغِيرَةُ: «جَالِسْ أَبَا حَنِيفَةَ تَفَقَّهْ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَجَالَسَهُ».
شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: «كَانَ شُعْبَةُ حَسِنَ الرَّأْيِ فِي أَبِي حَنِيفَةَ كَثِيرَ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ».
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، سَمِعْتُ مِسْعَرًا، يَقُولُ: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ لَفَقِيهًا عَالِمًا».
حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، سَمِعْتُ زَائِدَةَ بْنَ قُدَامَةَ، يَقُولُ: «النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقِيهُ الْبَدَنِ لَمْ يَعُدْ مَا أَدْرَكَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ».
وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: «كَانَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ أَفْقَهَ أَهْلِ زَمَانِهِ».
أَبُو نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ صَالِحِ بْنِ حُيَيٍّ، يَقُولُ: «لَمَّا مَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ، ذَهَبَ مُفْتِي الْعِرَاقِ وَفَقِيهُهَا».
بِشْرُ الْحَافِي، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيَّ، يَقُولُ: «إِذَا أَرَدْتَ الآثَارَ، فَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَإِذَا أَرَدْتَ تِلْكَ الدَّقَائِقَ فأَبُو حَنِيفَةَ».
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَقِيلَ لَهُ: مَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ: «رَحِمَهُ اللَّهُ، لَقَدْ ذَهَبَ مَعَهُ عِلْمٌ كَثِيرٌ».

الْمُثَنَّى بْنُ رَجَاءٍ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ، يَقُولُ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ عَالِمَ الْعِرَاقِ».

قَالَ زَيْدُ بْنُ هَارُونَ: أَفْقَهُ مَنْ رَأَيْتُ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ حَكِيمٍ: " مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي زَمَانِهِ.
الْحَلْوَانِيُّ، قُلْتُ لأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ: أَبُو حَنِيفَةَ أَفْقَهُ أَوْ سُفْيَانَ؟ فَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ.

عَبْدُ الرَّازِقِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: إِنْ كَانَ الاحْتِيَاجُ إِلَى الرَّأْيِ فَهُوَ أَسَدُّهُمْ رَأْيًا.

وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: لَوْلا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَدْرَكَنِي بِأَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ لَكُنْتُ بِدْعِيًّا ".
يَحْيَى بْنُ آدَمَ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ، يَقُولُ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ فَهِمًا بِعِلْمِهِ مُتَثَبِّتًا فِيهِ، إِذَا صَحَّ عِنْدَهُ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ».
الْمُزَنِيُّ وَغَيْرُهُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: «النَّاسُ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ».
إِسْحَاقُ بْنُ بَهْلُولٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: «مَا مَقَلَتْ عَيْنِي مِثْلَ أَبِي حَنِيفَةَ».
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ الْخَلالُ، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ آيَةً».
أَحْمَدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: قِيلَ لِمَالِكٍ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا حَنِيفَةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، رَأَيْتُ رَجُلًا لَوْ كَلَّمَكَ فِي هَذِهِ السَّارِيَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا ذَهَبًا لَقَامَ بِحُجَّتِهِ».
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُغَلِّسٍ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: «إِنْ كَانَ الأَثَرُ قَدْ عُرِفَ وَاحْتِيجَ إِلَى الرَّأْيِ، فَرَأْيُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ أَحْسَنُهُمْ وَأَدَقُّهُمْ فِطْنَةً وَأَغْوَصُهُمْ عَلَى الْفِقْهِ وَهُوَ أَفْقَهُ الثَّلاثَةِ».
سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّازِقِ، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ بِرَأْيِهِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ».

وَقَالَ حِبَّانُ بْنُ مُوسَى: سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: " أَمَالِكٌ أَفْقَهُ أَمْ أَبُو حَنِيفَةَ؟ ، فَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ ".
بِشْرُ الْحَافِي، قَالَ: قَالَ الْخُرَيْبِيُّ: «مَا يَقَعُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ إِلا جَاهِلٌ أَوْ حَاسِدٌ».
أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، عَنْ مُحَمِّدِ بْنِ سَعْدٍ الْكَاتِبِ، عَنِ الْخُرَيْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ أَنْ يَدْعُوا اللَّهَ لأَبِي حَنِيفَةَ فِي صَلاتِهِمْ».
وَعَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ».
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدَ الْقَطَّانِ، يَقُولُ: «لا نَكْذِبُ اللَّهَ مَا سَمِعْنَا أَحْسَنَ مِنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَخَذْنَا بِأَكْثَرِ أَقْوَالِهِ».
يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ، يَقُولُ: «لَوْ وُزِنَ عِلْمُ أَبِي حَنِيفَةَ بِعِلْمِ أَهْلِ زَمَانِهِ لَرَجِحَ».
طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ النَّخَعِيُّ، سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ، يَقُولُ: «كَلامُ أَبِي حَنِيفَةَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ لا يَعِيبُهُ إِلا جَاهِلٌ».
الْحُمَيْدِيُّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: " شَيْئَانِ مَا ظَنَنْتُهُمَا أَنْ يَتَجَاوَزَا قَنْطَرَةَ الْكُوفَةِ: قِرَاءَةُ حَمْزَةَ، وَرَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ بَلَغَا الآفَاقَ ".
 

وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الرَّأْيِ:
نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ أَبَا عِصْمَةَ وَهُوَ نُوحٌ الْجَامِعُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: «مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ اخْتَرْنَا، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ».
جَمَاعَةٌ قَالُوا: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ أَبِي قُرَّةَ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ الضُّرَيْسِ، يَقُولُ: شَهِدْتُ الثَّوْرِيَّ وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا تَنْقِمُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ: قَالَ: وَمَالَهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «آخُذُ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَمَا لَمْ أَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَالآثَارِ الصِّحَاحِ عَنْهُ الَّتِي فَشَتْ فِي أَيْدِي الثِّقَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ، فَإِنْ لَمْ أَجِدْ، فَبِقَوْلِ أَصْحَابِهِ آخُذُ بِقَوْلِ مَنْ شِئْتُ، وَأَمَّا إِذَا انْتَهَى الأَمْرُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيَّ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، فَأَجْتَهِدُ كَمَا اجْتَهَدُوا»، فَسَكَتَ سُفْيَانُ طَوِيلا، ثُمَّ قَالَ كَلِمَاتٍ مَا بَقِيَ أَحَدٌ فِي الْمَجْلِسِ إِلا كَتَبَهَا: نَسْمَعُ الشَّدِيدَ مِنَ الْحَدِيثِ فَنَخَافُهُ، وَنَسْمَعُ اللَّيِّنَ فَنَرْجُوهُ وَلا نُحَاسِبُ الأَحْيَاءَ، وَلا نَقْضِي عَلَى الأَمْوَاتِ نُسَلِّمُ مَا سَمِعْنَا وَنَكِلُ مَا لَمْ نَعْلِمْهُ إِلَى عَالِمِهِ، وَنَتَّهِمُ رَأَيْنَا لِرَأْيِهِمْ
وَكِيعُ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: «الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ أَحْسَنُ مِنْ بَعْضِ الْقِيَاسِ».
مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ رَأْيٌ لا نُجْبِرُ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَلا نَقُولُ يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ قَبْولُهُ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَحْسَنَ مِنْهُ فَلْيَأْتِ بِهِ».
الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُئِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «عِلْمُنَا هَذَا رَأْيٌ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَمَنْ جَاءَنَا بِأَحْسَنَ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ مِنْهُ».
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: جَمِيعُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ: ضَعِيفَ الْحَدِيثِ أَوْلَى عِنْدَهِ مِنَ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرِّقِّيُّ: " كُنَّا عِنْدَ الأَعْمَشِ وَعِنْدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَسُئِلَ الأَعْمَشُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: أَفْتِهِ يَا نُعْمَانُ، فَأَفْتَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ:

مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لِحَدِيثٍ حَدَّثَنَاهُ أَنْتَ! ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ لَهُ الأَعْمَشُ: أَنْتَمُ الأَطِبَّاءُ وَنَحْنُ الصَّيَادِلَةُ ".
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَرَرْتُ بِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِذَا أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ قَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَقُلْتُ: أَلا تَنْهَاهُمْ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: «دَعْهُمْ فَإِنَّهُمْ لا يَتَفَقَّهُونَ إِلا بِهَذَا».
 

فَصْلٌ
قَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ، يَقُولُ: " كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجْهَرُ فِي أَمْرِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ جَهْرًا شَدِيدًا، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ حَتَّى نُؤْتَى فَتُوضَعَ فِي أَعْنَاقِنَا الْحِبَالُ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَغَدَوْتُ أُرِيدُ أَبَا حَنِيفَةَ، فَلَقِيتُهُ رَاكِبًا يُرِيدُ وَدَاعَ عِيسَى بْنِ مُوسَى قَدْ كَادَ وَجْهُهُ يَسْوَدُّ، فَقَدِمَ بَغْدَادَ فَأُدْخِلَ عَلَى الْمَنْصُورِ ".
مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي مَالِكٍ، سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: " يَقْدِمُ عَلَيْنَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ صِنْفَانِ يَعْنِي مِنْ خُرَاسَانَ: الْجَهْمِيَّةُ، وَالْمُشَبِّهَةُ ".
النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «جَهْمٌ وَمُقَاتِلٌ كَانَا فَاسِقَيْنِ، أَفْرَطَ هَذَا فِي التَّشْبِيهِ وَهَذَا فِي النَّفْيِ».
قَالَ أَبُو يُوسُفَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «لا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُحَدِّثَ مِنَ الْحَدِيثِ، إِلا مَا يَحْفَظُهُ مِنْ وَقْتِ مَا سَمِعَهُ».
شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّرِيفَيْنِيُّ، ثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: " رَأَيْتُ رُؤْيَا أَفْزَعَتْنِي، رَأَيْتُ كَأَنِّي أَنْبِشُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُ الْبَصْرَةَ، فَأَمَرْتُ رَجُلا يَسْأَلُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يَنْشُرُ أَخْبَارَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَفِي رِوَايَةٍ: هَذَا رَجُلٌ يَنْشُرُ عِلْمَ النُّبُوَّةِ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: " رَأَى أَبُو حَنِيفَةَ كَأَنَّهُ يَنْبِشُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَأْخُذُ عِظَامَهُ يَجْمَعُهَا، وَيُؤَلِّفُهَا، فَهَالَهُ ذَلِكَ، فَأَوْصَى صَدِيقًا لَهُ إِذَا قَدِمَ الْبَصْرَةَ أَنْ يَسْأَلَ ابْنَ سِيرَينَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يَجْمَعُ سُنَّةَ النَّبِيِّ وَيُحْيِيهَا "، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: " رَأَيْتُ كَأَنِّي نَبَشْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَزِعْتُ وَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ رِدَّةً عَنِ الإِسْلامِ، فَجَهَّزْتُ رَجُلًا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَقَصَّ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ الرُّؤْيَا، فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَا هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَرِثُ عِلْمَ نَبِيٍّ "
ابْنُ أَبِي رِزْمَةَ، عنَ عَبْدَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ أَبَا حَنِيفَةَ بِسُوءٍ سَاءَنِي ذَلِكَ، وَأَخَافُ عَلَيْهِمُ الْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ».
ثَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: " كُنْتُ أَسْمَعُ بِذِكْرِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَأَتَمَنَّى أَنْ أَرَاهُ، فَإِنِّي لَبِمَكَّةَ إِذْ رَأَيْتُ النَّاسَ مُتَقِصِّفِينَ عَلَى رَجُلٍ، فسَمِعْتُ رَجُلًا، يَقُولُ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ هُوَ، فَقَالَ: إِنِّي ذُو مَالٍ وَأَنَا مِنْ خُرَاسَانَ وَلِي ابْنٌ أُزَوِّجُهُ الْمَرْأَةَ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَالَ الْكَثِيرَ، فَيُطَلِّقُهَا فَيَذْهَبُ مَالِي، وَأَشْتَرِي لَهُ الْجَارِيَةَ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ فَيُعْتِقُهَا، فَيَذْهَبُ مَالِي فَهَلْ مِنْ حِيلَةٍ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «أَدْخِلْهُ سُوقَ الرَّقِيقِ، فَإِذَا وَقَعَتْ عَيْنُهُ عَلَى جَارِيَةٍ فَاشْتَرِهَا لِنَفْسِكَ، ثُمَّ زَوِّجْهَا إِيَّاهُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا رَجِعَتْ مَمْلُوكَةً لَكَ، وَإِنْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ» ، قَالَ اللَّيْثُ: فَوَاللَّهِ مَا أَعْجَبَنِي صَوَابُهُ كَمَا أَعْجَبَنِي سُرْعَةُ جَوَابِهِ، وَرَوَى نَحْوَهَا الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ إِلَى اللَّيْثِ.
مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ، يَقُولُ: «لَوْ وُزِنَ عَقْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِعَقْلِ نِصْفِ أَهْلِ الأَرْضِ، لَرَجِحَ بِهِمْ».
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَأَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَذْكُرَانِ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ: " شَكَكْتُ فِي طَلاقِ امْرَأَتِي، فَسَأَلْتُ شُرَيْكًا، فَقَالَ: طَلِّقْهَا وَأَشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا، ثُمَّ سَأَلْتُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيَّ، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَرَاجِعْهَا، فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا فَقَدْ رَاجَعْتَهَا، ثُمَّ سَأَلْتُ زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ، فَقَالَ لِي: هِيَ امْرَأَتُكَ حَتَّى تَتَيَقَّنَ طَلاقَهَا، فَأَتَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ لِي: أَمَّا سُفْيَانُ فَأَفْتَاكَ بِالْوَرَعِ، وَأَمَّا زُفَرُ فَأَفْتَاكَ بِعَيْنِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا شُرَيْكٌ فَهُوَ كَرَجُلٍ قُلْتَ لَهُ: لا أَدْرِي أَصَابَ ثَوْبِي بَوْلٌ أَمْ لا، فَقَالَ لَكَ: بُلْ عَلَى ثَوْبِكَ وَاغْسِلْهُ ".
مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ اللُّؤْلُئيُّ، يَقُولُ: أَتَيْتُ دَاوُدَ الطَّائِيَّ أَنَا وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَجَرَى ذِكْرُ شَيْءٍ، فَقَالَ دَاوُدُ لِحَمَّادٍ: يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ مَهْمَا تَكَّلَمَ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُ بِشَيْءٍ رَجَاءَ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ، فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ، إِلا بِمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ، فَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَاكَ، يَقُولُ: «أَعْلَمَنَا اللَّهُ أَنَّهُ كَلامَهُ، فَمَنْ أَخَذَ بِمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، فَهَلْ بَعْدَ التَّمَسُّكِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى إِلا السُّقُوطُ فِي الْهَلَكَةِ؟ !» ، فَقَالَ حَمَّادٌ لِدَاوُدَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَنِعْمَ مَا أَشَرْتَ بِهِ ".
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سُوقِ الْخَزَّازِينَ بِالْكُوفَةِ يَسْأَلُ عَنْ دُكَّانِ أَبِي حَنِيفَةَ الْفَقِيهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: «لَيْسَ هُوَ بِفَقِيهٍ هُوَ مُفْتٍ مُتَكَلِّفٍ»
مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ، سَمِعْتُ حِبَّانَ، يَقُولُ: " أَتَتِ امْرَأَةٌ أَبَا حَنِيفَةَ بِثَوْبٍ، فَقَالَ: بِكَمْ هُوَ؟ قَالَتْ: بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ لَهَا: هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَتْ: بِمَائَتَيْنِ، قَالَ: هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَتْ: بِثَلاثِ مِائَةٍ، قَالَ: هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَتْ: بِأَرْبَعِ مِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَرْبَعِ مِائَةٍ، وَقِيلَ: إِنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَالَ: بِعْنِي ثَوْبَيْنِ وَأَحْسِنْ بَيْعِي، قَالَ: أَيَّ لَوْنٍ تُرِيدُ؟ فَوَصَفَ لَهُ، فَقَالَ: أَتُنْظِرُنِي جُمْعَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَذَهَبَ، ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الثَّوْبَيْنِ وَدِينَارًا، وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ إِنِّي جَعَلْتُ لَكَ بِضَاعَةً، فَرُزِقْتَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَاحْمَدْهُ، فَقَالُوا لأَبِي حَنِيفَةَ، فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِهِ: وَأَحْسِنْ بَيْعِي؟ "، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَحْسِنْ بَيْعِي فَقَدِ ائْتَمَنَهُ "
عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ: ثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: " كَانَ سُفْيَانُ إِذَا قِيلَ لَهُ: أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ: عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ: أَرْجُو، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، يَقُولُ: «أَنَا مُؤْمِنٌ هَهُنَا وَعِنْدَ اللَّهِ».

قَالَ أَبُو بِشْرٍ الدُّولابِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَانَ، حَدَّثَنِي الضَّبِّيُّ مُؤَدِبُ الْمُعِزِّ، قَالَ: " كَانَ أَبُو أُسَيْدٍ يُجَالِسُ أَبَا حَنِيفَةَ، وَكَانَ شَيْخًا عَفِيفًا مُغَفَّلًا، فَقَالَ مَرَّةً فِي مَجْلِسِ أَبِي حَنِيفَةَ لِرَجُلٍ: ارْفَعْ رُكْبَتَكَ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبُولَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْزُقَ، فَقَالَ الرَّجُلُ لأَبِي حَنِيفَةَ: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ؟ قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أَلَيْسَ يُقَالُ إِذَا جَالَسْتَ الْعُلَمَاءَ، فَجَالِسْهُمْ بِقِلَّةِ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ؟ فَضَحِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْقَوْمُ مِنْهُ، وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ جَالِسًا فِي الشَّارِعِ إِذْ مَرُّوا بِبَكْرةٍ سَمِينَةٍ، فَقَالَ: لَيْتَهَا لِي! قَالُوا: مَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَخْتِنُهَا وَأَنْحَرُ ابْنِي! قَالَ وَتَهَيَّأَ يَوْمَ الأَحَدِ وَلَبِسَ ثِيَابَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَتَطَيَّبَ وَخَرَجَ، وَجَلَسَ إِلَى صَدِيقٍ لَهُ عَطَّارٍ فَتَحَدَّثَ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: أَلا تَقُومُ بِنَا إِلَى الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا أُسَيْدٍ، الْيَوْمُ الأَحَدُ النَّاسُ يَغْلِطُونَ بِيَوْمٍ وَأَنْتَ تَغْلِطُ بِالأُسْبُوعِ كُلِّهِ! قَالَ: مَا ظَنَنْتُ إِلا أَنَّهُ الْجُمُعَةُ، قَالَ: وَمَرِضَ فَعَادَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ، قَالَ: أَطْعَمُوكَ الْيَوْمَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، مَرَقَةَ رُبَّ جُمَّيْزٍ وَرُمَّانٍ! فَضَحِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي عَافِيَةٍ "
دَاوُدُ بْنُ رَشِيدٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى «قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا عَلَيْهِ أَفْلاقٌ مِنْ حِجَارَةٍ بِيضٍ».
الطَّحَاوِيُّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هِلالَ بْنَ يَحْيَى، يَقُولُ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ، يَقُولُ: «جَالَسْتُ أَبَا حَنِيفَةَ سَنَتَيْنِ وَنِصْفَ سَنَةٍ، فَمَا سَمِعْتُهُ لَحَنَ فِي شَيْءٍ إِلا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ، زَعَمَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ لَهُ فِيهِ مَخْرَجًا».
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ فَقِيهُ بُخَارَى، عَنْ أَبِي وَهْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُزَاحِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: «مَا لَزِمْتُ سُفْيَانَ حَتَّى جَعَلْتُ عِلْمَ أَبِي حَنِيفَةَ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِقَبْضِ يَدِهِ».
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ السَّعْدِيُّ قَاضِي مِصْرَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ التِّرْمِذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلامٍ الْبَلْخِيَّ، سَمِعْتُ نُصَيْرَ بْنَ يَحْيَى الْبَلْخِيَّ، يَقُولُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلَ: مَا الَّذِي تَنْقِمُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَ: الرَّأْيَ، قُلْتُ: فَهَذَا مَالِكٌ أَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِالرَّأْيِ؟ قَالَ: " بَلَى، وَلَكَنْ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ خُلِّدَ فِي الْكُتُبِ، قُلْتُ: فَقَدْ خُلِّدَ رَأْيُ مَالِكٍ فِي الْكُتُبِ، قَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ أَكْثَرُ رَأْيًا مِنْهُ، قُلْتُ: فَهَلا تَكَلَّمْتُمْ فِي هَذَا بِحِصَّتِهِ وَهَذَا بِحِصَّتِهِ؟ ! فَسَكَتَ "
 

فَصْلٌ فِي وَرَعِهِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ
قَالَ ابْنُ كَأْسٍ الْقَاضِي: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَكَمِ الْحِبْرِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: «كَانَ حَفْصُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَرِيكَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجَهِّزُ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَنْ فِي ثَوْبِ كَذَا عَيْبًا، فَإِذَا بِعْتَهُ فَبَيِّنْ، فَنَسِيَ حَفْصٌ وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ تِبْيَانٍ مِنْ رَجُلٍ غَرِيبٍ، وَعَلِمَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ ثَمَنِهِ».
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ حَسِنَ الدِّينِ، عَظِيمَ الأَمَانَةِ».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خَلَفٍ الْبَكَّائِيُّ: نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَغَيْرُهُ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ أَبَا حَنِيفَةَ تَطْلُبُ مِنْهُ ثَوْبَ خَزٍّ، فَأَخْرَجُوهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ، فَبِعْنِيهِ بِمَا تَقَوَّمَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: خُذِيهِ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَقَالَتْ: لا تَسْخَرْ بِي، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ! إِنِّي ابْتَعْتُ ثَوْبَيْنِ، فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ إِلا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ».
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " طَلَبُ الْعِلْمِ، قِيلَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: مَا اشْتَدَّ عَلَيْكَ "
وَعَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، قَالَ: " أَجَازَ الْمَنْصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ بِعَشْرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، وَدُعِيَ لِيَقْبِضَهَا فَشَاوَرَنِي، ثُمَّ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ إِنْ رَدَدْتُهَا عَلَيْهِ غَضِبَ، وَإِنْ قَبِلْتُهَا دَخَلَ عَلَيَّ فِي دِينِي مَا أَكْرَهُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا الْمَالَ عَظِيمٌ فِي عَيْنِهِ، أَفَإِذَا دُعِيتَ لِتَقْبِضَهَا، فَقُلْ: لَمْ يَكُنْ هَذَا أَمَلِي مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَفَعَلَ وَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى الْمَنْصُورِ فَحَبَسَهَا عَنْهُ ".
وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُئِيِّ، قَالَ: «وَاللَّهِ مَا قَبِلَ أَبُو حَنِيفَةَ لأَحَدٍ مِنْهُمْ جَائِزَةً، وَلا هَدِيَةً، يَعْنِي الأُمَرَاءَ».
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ، سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، يَقُولُ: «لَمْ أَرَ أَعْقَلَ، وَلا أَفْضَلَ، وَلا أَوْرَعَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ».
أَبُو قِلابَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، يَقُولُ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبِينُ عَقْلُهُ فِي مَنْطِقِهِ، وَفِعْلِهِ، وَمِشْيَتِهِ، وَمَدْخَلِهِ، وَمَخْرَجِهِ».
قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ: «مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ دِينًا، وَوَرَعًا».

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانُ يَنَالُ مِنْكَ، وَيَتَكَلَّمُ فِيكَ، فَقَالَ: «غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلِسُفْيَانَ، لَوْ أَنَّ سُفْيَانَ فُقِدَ فِي زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، لَدَخَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقْدُهُ».
مُحَمَّدُ بْنُ الصَّقْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «اسْتَحَلَّ مِنِّي ابْنُ أَبِي لَيْلَى مَالا أَسْتَحِلِّهُ أَنَا مِنْ بَهِيمَةٍ».
أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ، ثَنَا خَلادُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَالَ مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ: «طَلَبْتُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَدِيثَ، فَغَلَبَنَا وَأَخَذْنَا فِي الزُّهْدِ، فَبَرَعَ عَلَيْنَا وَطَلَبْنَا مَعَهُ الْفِقْهَ، فَجَاءَ مِنْهُ مَا تَرَوْنَ».
قَالَ ابْنُ كَأْسٍ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: " لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةٍ! فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! هُوَ مِنَ الْعِلْمِ، وَالْوَرَعِ، وَالزُّهْدِ، وَإِيثَارِ الدَّارِ الآخِرَةِ بِمَحَلٍّ لا يُدْرِكُهُ فِيهِ أَحْمَدُ، وَلَقَدْ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ عَلَى أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ لأَبِي جَعْفَرٍ فَلَمْ يَفْعَلْ ".

يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: «جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ الْخُرَاسَانِيُّ كَافِرٌ».
 

فَصْلٌ فِي الاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ:

اخْتَلَفُوا فِي حَدِيثِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَرَآهُ حُجَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ لَيَّنَهُ لِكَثْرَةِ غَلَطِهِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ إِلا.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: كَيْفَ كَانَ حَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ؟ قَالَ: " لَمْ يَكُنْ بِصَاحِبِ حَدِيثٍ،

قُلْتُ: لَمْ يَصْرِفِ الإِمَامُ هِمَّتَهُ لِضَبْطِ الأَلْفَاظِ وَالإِسْنَادِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هِمَّتُهُ الْقُرْآنُ وَالْفِقْهُ، وَكَذَلِكَ حَالُ كُلِّ مَنْ أَقْبَلَ عَلَى فَنٍّ، فَإِنَّهُ يُقَصِّرُ عَنْ غَيْرِهِ ، مِنْ ثَمَّ لَيَّنُوا حَدِيثَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ كَحَفْصٍ، وَقَالُونَ وَحَدِيثَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ كَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعُثْمَانَ الْبَتَّيِّ، وَحَدِيثَ جَمَاعَةٍ مِنَ الزُّهَّادِ كَفَرْقَدٍ السِّنْجِيِّ، وَشَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ، وَحَدِيثَ جَمَاعَةٍ مِنَ النُّحَاةِ، وَمَا ذَاكَ لِضَعْفٍ فِي عَدَالَةِ الرَّجُلِ، بَلْ لِقِلَّةِ إِتَّقَانِهِ لِلْحَدِيثِ، ثُمَّ هُوَ أَنْبَلُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ "، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةٌ وَغَيْرُهُ: أَبُو حَنِيفَةَ ثِقَةٌ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: «رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا كَانَ إِمَامًا، رَحِمَ اللَّهُ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ إِمَامًا».
 

فَصْلٌ فِي مَنْثُورِ أَخْبَارِهِ:
رَوَى الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَطِيَّةَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، نا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْعَثُ بِالْبَضَائِعِ إِلَى بَغْدَادَ، فَيَشْتَرِي بِهَا الأَمْتِعَةَ وَيَحْمِلُهَا إِلَى الْكُوفَةِ، وَيَجْمَعُ الأَرْبَاحَ عِنْدَهُ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ، فَيَشْتَرِي بِهَا حَوَائِجَ الأَشْيَاخِ الْمُحَدِّثِينَ، وَأَقْوَاتَهُمْ، وَكُسْوَتَهُمْ، وَجَمِيعَ حَوَائِجِهِمْ، ثُمَّ يُعْطِيهِمْ، وَيَقُولُ: «لا تَحْمَدُوا إِلا اللَّهَ، فَإِنِّي مَا أَعْطَيْتُكُمْ مِنْ مَالِي شَيْئًا، وَلَكِنْ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيَّ فِيكُمْ».

قَدْ جَاءَ غَيْرُ حِكَايَةٍ فِي جُودِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَذْلِهِ لِتَلامِذَتِهِ كَأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ.
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، ثَنَا نَمِرُ بْنُ حَدَّادٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: " دَعَا الْمَنْصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ الرَّبِيعُ الْحَاجِبُ وَكَانَ يُعَادِي أَبَا حَنِيفَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا يُخَالِفُ جَدَّكَ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ، يَقُولُ: إِذَا حَلَفَ ثُمَّ اسْتَثْنَى بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ الاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا لا يُجَوِّزُ الاسْتِثْنَاءَ إِلا مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ! فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الرَّبِيعَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ فِي رِقَابِ جُنْدِكَ بَيْعَةٌ! قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: يَحْلِفُونَ لَكَ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فَيَسْتَثْنُونَ فَتَبْطُلُ أَيْمَانُهُمْ، فَضَحِكَ الْمَنْصُورُ، وَقَالَ: يَا رَبِيعَ، لا تَعْرِضْ لأَبِي حَنِيفَةَ "
يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ آخِذًا بِرِكَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ، يَقُولُ: «وَاللَّهِ مَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا تَكَلَّمَ فِي الْفِقْهِ أَبْلَغَ، وَلا أَصْبَرَ، وَلا أَحْضَرَ جَوَابًا مِنْكَ، وَإِنَّكَ لَسَيِّدُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي وَقْتِكَ غَيْرَ مَا دَفْعٍ، وَمَا يَتَكَلَّمُونَ فِيكَ إِلا لِحَسَدٍ».
سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، فَرَأَيْتُهُ مُطْرِقًا مُفَكِّرًا، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ عِنْدِ شُرَيْكٍ، فَأَنْشَأَ، يَقُولُ: « إِنْ يَحْسِدُونِي فَإِنِّي غَيْرَ لائِمِهِمْ ... قَبْلِي مِنَ النَّاسِ أَهْلُ الْفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا
فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِمْ ... وَمَاتَ أَكْبَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ »

 

فَصْلٌ فِي وَفَاةِ أَبِي حَنِيفَةَ:

قِيلَ: إِنَّهُ بَقِيَ فِي نَفْسِ الْمَنْصُورِ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقِيَامِهِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى الْمَنْصُورِ، وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ لا يُصْطَلَى لَهُ بِنَارٍ، وَفِيهِ جَبَرُوتٌ وَشَهَامَةٌ، قَالَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ: «مَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالسِّجْنِ بِبَغْدَادَ، وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الْخَيْزُرَانِ».
أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَرْتِيُّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: «مَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ».

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: «مَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ سَبْعُونَ سَنَةً».

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: «مَاتَ بِبِغْدَادَ وَكُنْتُ يَوْمَئِذٍ بِالْكُوفَةِ».

وَقَالَ أَبُو حَسَّانَ الزِّيَادِيُّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: «مَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسِينَ».

وَجَاءَ عَنْ بَعْضِهِمْ: «مَاتَ فِي شَعْبَانَ، وَفِي رَجَبٍ أَصَحُّ، وَبَلَغَنَا أَنَّ الْمَنْصُورَ سَقَاهُ السُّمَّ، فَاسْوَدَّ وَمَاتَ شَهِيدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى».
 

وَمِنْ حَدِيثِهِ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُؤَيَّدِ الْهَمَدَانِيُّ بِمِصْرَ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْمُبَارَكُ بْنُ أَبِي الْجُودِ بِبَغْدَادَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ الزَّاهِدُ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيُّ، أَنَا أَبُو الطَّاهِرِ الْمُخْلِصُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ سَنَةَ ثَلاثَةٍ وَتِسْعِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، ثَنَا أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، أَنَا أَبُو يُوسُفَ، ثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّ بِالزِّنَا فَرَدَّهُ، ثُمَّ عَادَ فَأَقَرَّ بِالزِّنَا فَرَدَّهُ، ثُمَّ عَادَ فَأَقَرَّ بِالزِّنَا فَرَدَّهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ سَأَلَ عَنْهُ قَوْمَهُ: «هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْ عَقْلِهِ شَيْئًا؟» قَالُوا: لا، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فِي مَوْضِعٍ قَلِيلِ الْحِجَارَةِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، فَانْطَلَقَ يَسْعَى إِلَى مَوْضِعٍ كَثِيرِ الْحِجَارَةِ وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ، فَرَجَمُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ، ثُمَّ ذَكَرُوا شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَصْنَعُ، فَقَالَ: «فَلَوْلا خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ!» قَالَ: فَسَأَلَ قَوْمُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنُوهُ فِي دَفْنِهِ وَالصَّلاةِ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ قُبِلَ مِنْهُمْ».


أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو الْفِدَاءِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الْحَنْبَلِيُّونَ، قَالُوا: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ التَّغْلِبِيُّ، زَادَ أَبُو الْفِدَاءِ، فَقَالَ: وَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ، قَالا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْمَكَارِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِلالٍ، أَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ الْكَفْرُطَابِيُّ حُضُورًا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيُّ بِدِمَشْقَ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَيَّارٍ بِنُصَيْبِينِ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ».
 

وَمِنَ الْمَنَامَاتِ الْمُبَشِّرَةِ لأَبِي حَنِيفَةَ:

قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ غَسَّانَ الْقَاضِي: ثَنَا أَبِي، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: " دَخَلْتُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ يَوْمَ مَوْتِ أَخِيهِ، فَرَأَيْتُهُ يَسْتَطْعِمُ شَيْئًا مِنْ رَجُلٍ وَيَضْحَكُ، فَقُلْتُ: تَدْفِنُ أَخَاكَ عَلِيًّا غُدْوَةً وَتَضْحَكُ آخِرَ النَّهَارِ! قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَخِي مِنْ بَأْسٍ، قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] فَتَوَهَّمْتُهُ يَتْلُو الآيَةَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَخِي كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَعَادَ الآيَةَ، فَقُلْتُ: أَتَقْرَأُ أَمْ تَرَى شَيْئًا؟ قَالَ: أَفَلا تَرَى مَا أَرَى؟ قُلْتُ: لا، فَمَاذَا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى، وَرَفَعَ يَدَهُ، فَقَالَ: هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ إِلَيَّ وَيُبَشِّرُنِي بِالْجَنَّةِ، وَهَؤُلاءِ الْمَلائِكَةُ مَعَهُ كَذَلِكَ بِأَيْدِيهِمْ حُلَلُ السُّنْدُسِ وَالإِسْتَبْرَقِ، وَهَؤُلاءِ الْحُورُ الْعِينُ مُتَحَلِّيَاتٍ مُتَزَيِّنَاتٍ يَنْتَظِرْنَ مَتَى أَصِيرُ إِلَيْهِنَّ، فَتَكَلَّمَ بِهَذَا وَقَضَى رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَلِمَاذَا أَحْزَنُ عَلَيْهِ وَقَدْ صَارَ إِلَى نَعِيمٍ؟ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ صِرْتُ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، فَقَالَ لِي حِينَ رَآنِي: يَا أَبَا نُعَيْمٍ، عَلِمْتَ أَنِّي رَأَيْتُ أَخِي الْبَارِحَةَ فِي مَنَامِي كَأَنَّهُ صَارَ إِلَى وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ خُضْرٌ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَخِي، أَلَيْسَ قَدْ مِتَّ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الثِّيَابُ الَّتِي عَلَيْكَ؟ قَالَ: السُّنْدُسُ وَالإِسْتَبْرَقُ، وَلَكَ يَا أَخِي عِنْدِي مِثْلَهَا، قُلْتُ: مَاذَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي وَبَاهَى بِي وَبِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَلائِكَةَ، قُلْتُ: أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَأَيْنَ مَنْزِلُهُ؟ قَالَ: نَحْنُ فِي جِوَارٍ فِي أَعْلَى عِلِّيينَ، قَالَ الْقَاسِمُ: قَالَ أَبِي: فَكَانَ أَبُو نُعَيْمٍ إِذَا ذَكَرَ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْ ذُكِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ، يَقُولُ: بَجٍ بَجٍ فِي أَعْلَى عِلِّيينَ "

أَبُو بِشْرٍ الدُّولابِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَرْتِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: " رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: إِلامَ صِرْتَ؟ قَالَ: غُفِرَ لِي، قُلْتُ: بِمَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَمْ نَجْعَلْ هَذَا الْعِلْمَ فِيكَ إِلا وَنَحْنُ نَغْفِرُ لَكَ، قُلْتُ: فَمَا فَعَلَ أَبُو يُوسُفَ؟ قَالَ: فَوْقَنَا بِدَرَجَةٍ، قُلْتُ: فَأَبُو حَنِيفَةَ؟ قَالَ: فِي أَعْلَى عِلِّيينَ ".
مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْمُصَيْصِيُّ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ وَاقِدٍ، ثَنَا الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ الْحَسَنِ إِمَامُنَا، قَالَ: " رَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ يَا أَبَا حَنِيفَةَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، قُلْتُ لَهُ: بِالْعِلْمِ؟ قَالَ: مَا أَضَرَّ الْفَتْوَى عَلَى صَاحِبِهَا! قُلْتُ: بِمَ؟ قَالَ: بِقَوْلِ النَّاسِ فِيَّ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنِّي ".
مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ أَيْضًا، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اللَّيْثِيُّ، ثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، ثَنَا عَبَّادٌ التَّمَّارُ، قَالَ: " رَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: إِلامَ صِرْتَ؟ قَالَ: إِلَى سَعَةِ رَحْمَتِهِ، قُلْتُ: بِالْعِلْمِ؟ قَالَ: هَيْهَاتَ! لِلْعِلْمِ شُرُوطٌ وَآفَاتٌ قَلَّ مَنْ يَنْجُو، قُلْتُ: فَبِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: بَقَوْلِ النَّاسِ فِيَّ مَا لَمْ أَكُنْ عَلَيْهِ ". وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه- للذهبي

 

 

الإِمَام الْأَعْظَم أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت بن كاوس بن هُرْمُز بن مرزبان بن بهْرَام بن مهركز بن ماحين ابْن حسينك بن أذربود بن سروس بن نردمان بن بهْرَام ابْن مهركز بن أردرباد بن أرزحود بن بردفيروز بن سيدوس ابْن رفتار بن ايتكرز بن كودبو بن كردبو بن سرواد بن وادين بن سيدوس بن نزد بن تَحت بود بن شادان بن هرمزديار بن خاتسا بن دِينَار بن كيار بن ددين بن سيدوس بن كودود بن ساسان الْملك بن بابك الْملك بن حَاز الْملك بن مهراس الْملك بن ساسان الْملك بن بهمن بن اسفنديار الْملك بن كستاسب الْملك ابْن نهراس الْملك بن كتمش الْملك بن كي ياسين الْملك بن كيابود الْملك بن كيقباد الْملك بن داد الْملك بن ترجمان الْملك بن برمان سوه الْملك بن منوجهر الكيان الْملك وَهُوَ الْفَارِس الْيَهُود ابْن يَعْقُوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم ابْن آزر وَهُوَ تارخ بن نافور بن سروع بن زاغو بن فالخ بن عَابِر وَهُوَ هود النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بن شالخ بن أرقشحد بن سَام بن نوح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بن لمك بن متوشلخ بن أَخْنُوخ بن مارد بن مهليل بن قينان ابْن أنوش بن شِيث بن آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء أَجْمَعِينَ هَكَذَا رَأَيْت هَذَا النّسَب من أَوله إِلَى آخِره بِخَط الْحَافِظ أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الصريفيني رَحمَه الله تَعَالَى وَقد تقدم ضبط بعض هَذِه الْأَسْمَاء فى نسب سيدنَا رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَصَحبه وَسلم
 

فصل فى ذكر مولده ووفاته رَحمَه الله تَعَالَى

الصَّحِيح أَنه ولد سنة ثَمَانِينَ وَقيل إِحْدَى وَسِتِّينَ وَقيل ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَجْمعُوا على أَنه مَاتَ سنة خمسين وَمِائَة وَاخْتلفُوا فى أَي الشُّهُور مِنْهَا فَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة سَمِعت إِبْرَاهِيم بن هَاشم يَحْكِي عَن مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ قَالَ مَاتَ أَبُو حنيفَة وَهُوَ ابْن سبعين سنة وَقَالَ فى شعْبَان سنة خمسين وَمِائَة وَرُوِيَ عَن أبي حسان الْحسن بن عُثْمَان الزيَادي قَالَ وفى سنة خمسين وَمِائَة مَاتَ أَبُو حنيفَة رضى الله تَعَالَى عَنهُ النُّعْمَان بن ثَابت فى رَجَب وَهُوَ ابْن سبعين سنة وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة بن الصَّلْت لم أرهم يَخْتَلِفُونَ أَو قَالَ يَشكونَ أَن وَفَاة أبي حنيفَة كَانَت فى رَجَب بِبَغْدَاد وَقَالُوا فى شعْبَان سنة خمسين وَمِائَة وَرُوِيَ عَن بشر بن الْوَلِيد قَالَ سَمِعت أَبَا يُوسُف يَقُول مَاتَ أَبُو حنيفَة فى النّصْف من شَوَّال سنة خمسين وَمِائَة ادّعى بَعضهم أَنه سمع ثَمَانِيَة من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم وَقد جمعهم غير وَاحِد فى جُزْء وروينا هَذَا الْجُزْء عَن بعض شُيُوخنَا وَقد جمعت أَنا جزأ فى بَيَان اسْتِحَالَة ذَلِك من بَعضهم وَهَذَا طَرِيق الْإِنْصَاف
ذكرت فى هَذَا الْجُزْء من سَمعه من الصَّحَابَة وَمن رَآهُ والذى سَمعه مِنْهُم رضى الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ عبد الله بن أنيس وَعبد الله بن جُزْء الزبيدِيّ وَأنس بن مَالك وَجَابِر بن عبد الله وَمَعْقِل بن يسَار وواتلة بن الْأَسْقَع وعايشة بنت عجرد
وَذكرت عَن الْخَطِيب أَنه رَأْي أنس بن مَالك ورددت قَول من قَالَ أَنه مَا رَآهُ وبينت ذَلِك بَيَانا شافيا وَالْحَمْد لله وَسمع خلقا من التَّابِعين كعطاء بن أبي رَبَاح وَنَافِع مولى ابْن عمر وَغَيرهمَا وروى عَنهُ الجم الْغَفِير وَقد تقدم فى أول خطْبَة كتابي الْجَوَاهِر هَذَا أَنه روى عَنهُ نَحْو أَرْبَعَة آلَاف نفس.
 

فصل

قَالَ مسعر بن كدام فِيمَا روينَا عَنهُ بِالْأَسَانِيدِ من جعل أَبَا حنيفَة بَينه وَبَين الله إِمَامًا رَجَوْت أَن لَا يخَاف وَأَن لَا يكون فرط فى الِاحْتِيَاط لنَفسِهِ وروى الطَّحَاوِيّ بِسَنَدِهِ عَن عبد الله بن دَاوُد الْخُرَيْبِي وَسَأَلَهُ رجل فَقَالَ مَا عيب النَّاس فِيهِ على أبي حنيفَة فَقَالَ وَالله مَا أعلمهم عابوا عَلَيْهِ فى شَيْء إِلَّا أَنه قَالَ فَأصَاب وَقَالُوا إِذا خطأوا وَقَالَ يحيى بن آدم سَمِعت الْحسن بن صَالح يَقُول كَانَ النُّعْمَان بن ثَابت فِيمَا نعلم متثبتا فِيهِ إِذا صَحَّ عِنْده الْخَبَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعد إِلَى غَيره وَقَالَ أَبُو يُوسُف القَاضِي مَا رَأَيْت أعلم بتفسير الحَدِيث من أبي حنيفَة وَقَالَ يُونُس بن عبد الْأَعْلَى سَمِعت الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ يَقُول مَا طلب أحد الْفِقْه إِلَّا كَانَ عيالا على أبي حنيفَة وَقَالَ الإِمَام مَالك رضى الله عَنهُ وَقد سُئِلَ عَنهُ رَأَيْت رجلا لَو كلمك فى هَذِه السارية أَن يَجْعَلهَا ذَهَبا لقام بِحجَّة وَكَانَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل كثيرا مَا يذكرهُ ويترحم عَلَيْهِ ويبكي فى زمن محنته ويتسلى بِضَرْب أبي حنيفَة على الْقَضَاء وَقَالَ ابْن عبد الْبر فى كتاب الانتقاء فى فضايل الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة الْفُقَهَاء أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ رضى الله عَنْهُم سُئِلَ يحيى بن معِين وَعبد الله بن أَحْمد الدَّوْرَقِي يسمع من أبي حنيفَة فَقَالَ يحيى بن معِين هُوَ ثِقَة مَا سَمِعت أحدا ضعفه هَذَا شُعْبَة بن الْحجَّاج يكْتب إِلَيْهِ أَن يحدث بأَمْره وَشعْبَة شُعْبَة قَالَ وَكَذَا على ابْن الْمَدِينِيّ أثنى عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن عبد الْبر أَيْضا فِي كتاب بَيَان جَامع الْعلم وَقيل ليحيى ابْن معِين يَا أَبَا زَكَرِيَّا أَبُو حنيفَة كَانَ يصدق فى الحَدِيث قَالَ نعم صَدُوق قَالَ وَقَالَ سَوَاء كَانَ شُعْبَة حسن الرَّأْي فى أبي حنيفَة قلت وَشعْبَة أول من تكلم فى الرِّجَال وَقَالَ يزِيد بن هَارُون أدْركْت ألف رجل وكتبت عَن أَكْثَرهم مَا رَأَيْت فيهم أفقه وَلَا أورع وَلَا أعلم من خَمْسَة أَوَّلهمْ أَبُو حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف كَانَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يخْتم الْقُرْآن فى كل لَيْلَة فى رَكْعَة وفى رِوَايَة وَيكون ذَلِك فى وتره قَالَ ابْن عبد الْبر وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ أَبُو حنيفَة ثِقَة لَا بَأْس بِهِ قَالَ ابْن عبد الْبر الَّذين رووا عَن أبي حنيفَة ووثقوه وأثنوا عَلَيْهِ أَكثر من الَّذين تكلمُوا فِيهِ وَالَّذين تكلمُوا من أهل الحَدِيث أَكثر مَا عابوا عَلَيْهِ الإغراق فى الرَّأْي وَالْقِيَاس قَالَ وَكَانَ يُقَال يسْتَدلّ على نباهة الرجل من الماضين بتباين النَّاس فِيهِ قَالُوا أَلا ترى إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رضى الله عَنهُ أَنه هلك فِيهِ فئتان محب أفرط ومبغض أفرط وَقد جَاءَ فى الحَدِيث أَنه يهْلك فِيهِ رجلَانِ محب مطر ومبغض مكثر قَالَ هَذِه صفة أهل النباهة وَمن بلغ فى الْفضل وَالدّين الْغَايَة قَالَ ابْن عبد الْبر قَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي أَن أَبَا حنيفَة كَانَ إِمَامًا وَأَن مَالِكًا كَانَ إِمَامًا وَأَن الشَّافِعِي كَانَ إِمَامًا وَكَلَام الْأَئِمَّة بَعضهم فى بعض يجب أَن لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يعرج عَلَيْهِ فِيمَن صحت إِمَامَته وعظمت فى الْعلم غَايَته وَلَقَد أَكثر ابْن عبد الْبر فى تصانيفه وَلَا سِيمَا فى هَذَا الْكتاب النَّقْل عَن هَذِه الْأَئِمَّة بثنائهم على الإِمَام أبي حنيفَة وَكَذَا غَيره من الْأَئِمَّة المعتبرين من أهل الحَدِيث وَالْفِقْه وَقد بسطت ذَلِك فى كتابي الْكَبِير قَالَ ابْن عبد الْبر وَأَبُو حنيفَة أقعد النَّاس بحماد بن أبي سُلَيْمَان.
 

فصل

أعلم أَن الإِمَام أَبَا حنيفَة قد قبل قَوْله فى الْجرْح وَالتَّعْدِيل وتلقوه عَنهُ عُلَمَاء هَذَا الْفَنّ وَعمِلُوا بِهِ كتلقيهم عَن الإِمَام أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَابْن معِين وَابْن الْمَدِينِيّ وَغَيرهم من شُيُوخ الصَّنْعَة وَهَذَا يدلك على عَظمته وشأنه وسعة علمه وسيادته فَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فى كتاب الْعِلَل من الْجَامِع الْكَبِير حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان عَن جرير عَن يحيى الْحمانِي سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول مَا رَأَيْت أكذب من جَابر الْجعْفِيّ وَلَا أفضل من عَطاء بن أبي رَبَاح وروينا فى الْمدْخل لمعْرِفَة دَلَائِل النُّبُوَّة للبيهقى الْحَافِظ بِسَنَدِهِ عَن عبد الحميد الْحمانِي سَمِعت أَبَا سعد الصَّنْعَانِيّ وَقَامَ إِلَى أبي حنيفَة فَقَالَ يَا أَبَا حنيفَة مَا تَقول فى الْأَخْذ عَن الثَّوْريّ فَقَالَ اكْتُبْ عَنهُ فَإِنَّهُ ثِقَة مَا خلا أَحَادِيث أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث وَحَدِيث جَابر الجعثي وَقَالَ أَبُو حنيفَة طلق بن حبيب كَانَ يرى الْقدر وَقَالَ أَبُو حنيفَة زيد بن عَيَّاش ضَعِيف وَقَالَ سُوَيْد بن سعيد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ أول من أقعدني للْحَدِيث أَبُو حنيفَة قدمت الْكُوفَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة أَن هَذَا أعلم النَّاس بِحَدِيث عَمْرو بن دِينَار فَاجْتمعُوا عَليّ فحدثتهم وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة قلت لعَلي بن الْمَدِينِيّ كَلَام رَقَبَة بن مَسْقَلَة الذى يحدثه سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي حنيفَة قَالَ يَعْقُوب فَعرفهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَقَالَ لم أَجِدهُ عِنْدِي وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْجوزجَاني سَمِعت حَمَّاد بن زيد يَقُول مَا عرفنَا كنية عَمْرو بن دِينَار إِلَّا بِأبي حنيفَة كُنَّا فى الْمَسْجِد الْحَرَام وَأَبُو حنيفَة مَعَ عَمْرو بن دِينَار فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا حنيفَة كَلمه يحدثنا فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد حَدثهمْ وَلم يقل يَا عَمْرو قلت حَمَّاد بن زيد هَذَا أحد الْأَعْلَام روى لَهُ الْأَئِمَّة السِّتَّة قَالَ ابْن مهْدي مَا رَأَيْت بِالْبَصْرَةِ أفقه مِنْهُ وَلم أر أعلم بِالسنةِ مِنْهُ عَاشَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة وَتُوفِّي فى رَمَضَان سنة تسع وَسبعين وَمِائَة وَيَأْتِي فى بَابه من هَذَا الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لمن الله عَمْرو بن عبيد فَإِنَّهُ فتح للنَّاس بَابا إِلَى علم الْكَلَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة قَاتل الله جهم بن صَفْوَان وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان هَذَا أفرط فى النَّفْي وَهَذَا أفرط فى التَّشْبِيه قَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا سُلَيْمَان بن شُعَيْب حَدثنَا أبي قَالَ املأ علينا أَبُو يُوسُف قَالَ قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَنْبَغِي للرجل أَن يحدث من الحَدِيث إِلَّا بِمَا حفظه من يَوْم سَمعه إِلَى يَوْم يحدث بِهِ قلت سَمِعت شَيخنَا الْعَلامَة الْحجَّة زيد الدّين بن الْكِنَانِي فى درس الحَدِيث بالقبة المنصورية وَكَانَ أحد سلاطين الْعلمَاء ينصر هَذَا القَوْل وسمعته يَقُول فى هَذَا الْمجْلس لَا يحل لي أَن أروي إِلَّا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا النَّبِي لَا كذب أَنا ابْن عبد الْمطلب فَإِنِّي حفظته من حِين سمعته إِلَى الْآن قلت وَلَكِن أَكثر النَّاس على خلاف ذَلِك وَلِهَذَا قلت رِوَايَة أبي حنيفَة لهَذِهِ الْعلَّة لَا لعِلَّة أُخْرَى زعمها المتحملون عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو عَاصِم سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول الْقِرَاءَة جَائِزَة يَعْنِي عرض الْكتب قَالَ وَسمعت ابْن جريج يَقُول هى جَائِزَة يَعْنِي عرض الْكتب قَالَ وَسمعت مَالك بن أنس وسُفْيَان وَسَأَلت أَبَا حنيفَة عَن الرجل يقْرَأ عَلَيْهِ الحَدِيث يَقُول أخبرنَا أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ فَقَالُوا لَا بَأْس وَعَن أبي عَاصِم أَخْبرنِي ابْن جريج وَابْن أَبى ذيب وَأَبُو حنيفَة وَمَالك بن أنس وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري كلهم يَقُولُونَ لَا بَأْس إِذا قَرَأت على الْعَالم أَن تَقول أخبرنَا وَقَالَ أَبُو قطن فِيمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ قَالَ لي أَبُو حنيفَة اقْرَأ عَليّ وَقل حَدثنِي وَقَالَ لي مَالك اقْرَأ عَليّ وَقل حَدثنِي قَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا روح بن الْفرج أَنا ابْن بكير قَالَ لما فَرغْنَا من قرأة الْمُوَطَّأ على مَالك قَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله كَيفَ نقُول فى هَذَا فَقَالَ إِن شِئْت فَقل حَدثنَا وَإِن شِئْت فَقل أخبرنَا وَأرَاهُ قَالَ وَإِن شِئْت فَقل سَمِعت قَالَ الطَّحَاوِيّ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لم يَصح عِنْدِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبس السَّرَاوِيل فَأفْتى بِهِ.

الجواهر المضية في طبقات الحنفية - عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي محيي الدين الحنفي.

 

- أَبُو حنيفَة:
تُوفي أَبُو حنيفَة، رَحمَه الله، سنة خمسين وَمِائَة. ومولده سنة ثَمَانِينَ.

تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم-لأبو المحاسن المفضل التنوخي المعري.

 

 

أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت التَّيْمِيّ الْكُوفِي
فَقِيه أهل الْعرَاق وَإِمَام أَصْحَاب الرَّأْي وَقيل إِنَّه من أَبنَاء فَارس
رأى أنسا وروى عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَعَطَاء وَعَاصِم بن أبي النجُود وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة وَخلق
وَعنهُ ابْنه حَمَّاد ووكيع وَعبد الرَّزَّاق وَأَبُو يُوسُف القَاضِي وَمُحَمّد ابْن الْحسن وَزفر وخلائق
قَالَ الْعجلِيّ كَانَ خزازاً يَبِيع الْخَزّ
وَقَالَ ابْن معِين كَانَ ثِقَة لَا يحدث من الحَدِيث إِلَّا بِمَا يحفظه وَلَا يحدث بِمَا لَا يحفظه
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك مَا رَأَيْت فِي الْفِقْه مثله
وَقَالَ مكي بن إِبْرَاهِيم كَانَ أعلم أهل زَمَانه وَمَا رَأَيْت فِي الْكُوفِيّين أورع مِنْهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي النَّاس فِي الْفِقْه عِيَال على أبي حنيفَة
وَسُئِلَ يزِيد بن هَارُون أَيّمَا أفقه أَبُو حنيفَة أَو سُفْيَان فَقَالَ سُفْيَان أحفظ للْحَدِيث وَأَبُو حنيفَة أفقه
وأكره أَبُو حنيفَة على الْقَضَاء فَأبى أَن يكون قَاضِيا وَكَانَ يحيى اللَّيْل صَلَاة وَدُعَاء وتضرعا

ولد سنة ثَمَانِينَ وَمَات سنة خمسين وَمِائَة وَقيل سنة إِحْدَى وَخمسين وَقيل سنة ثَلَاث

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

الإِمَام الْأَعْظَم أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت بن كاوس بن هُرْمُز بن مرزبان بن بهْرَام بن مهركز بن ماحين ابْن حسينك بن أذربود بن سروس بن نردمان بن بهْرَام ابْن مهركز بن أردرباد بن أرزحود بن بردفيروز بن سيدوس ابْن رفتار بن ايتكرز بن كودبو بن كردبو بن سرواد بن وادين بن سيدوس بن نزد بن تَحت بود بن شادان بن هرمزديار بن خاتسا بن دِينَار بن كيار بن ددين بن سيدوس بن كودود بن ساسان الْملك بن بابك الْملك بن حَاز الْملك بن مهراس الْملك بن ساسان الْملك بن بهمن بن اسفنديار الْملك بن كستاسب الْملك ابْن نهراس الْملك بن كتمش الْملك بن كي ياسين الْملك بن كيابود الْملك بن كيقباد الْملك بن داد الْملك بن ترجمان الْملك بن برمان سوه الْملك بن منوجهر الكيان الْملك وَهُوَ الْفَارِس الْيَهُود ابْن يَعْقُوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم ابْن آزر وَهُوَ تارخ بن نافور بن سروع بن زاغو بن فالخ بن عَابِر وَهُوَ هود النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بن شالخ بن أرقشحد بن سَام بن نوح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بن لمك بن متوشلخ بن أَخْنُوخ بن مارد بن مهليل بن قينان ابْن أنوش بن شِيث بن آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء أَجْمَعِينَ هَكَذَا رَأَيْت هَذَا النّسَب من أَوله إِلَى آخِره بِخَط الْحَافِظ أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الصريفيني رَحمَه الله تَعَالَى وَقد تقدم ضبط بعض هَذِه الْأَسْمَاء فى نسب سيدنَا رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَصَحبه وَسلم
 

فصل فى ذكر مولده ووفاته رَحمَه الله تَعَالَى

الصَّحِيح أَنه ولد سنة ثَمَانِينَ وَقيل إِحْدَى وَسِتِّينَ وَقيل ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَجْمعُوا على أَنه مَاتَ سنة خمسين وَمِائَة وَاخْتلفُوا فى أَي الشُّهُور مِنْهَا فَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة سَمِعت إِبْرَاهِيم بن هَاشم يَحْكِي عَن مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ قَالَ مَاتَ أَبُو حنيفَة وَهُوَ ابْن سبعين سنة وَقَالَ فى شعْبَان سنة خمسين وَمِائَة وَرُوِيَ عَن أبي حسان الْحسن بن عُثْمَان الزيَادي قَالَ وفى سنة خمسين وَمِائَة مَاتَ أَبُو حنيفَة رضى الله تَعَالَى عَنهُ النُّعْمَان بن ثَابت فى رَجَب وَهُوَ ابْن سبعين سنة وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة بن الصَّلْت لم أرهم يَخْتَلِفُونَ أَو قَالَ يَشكونَ أَن وَفَاة أبي حنيفَة كَانَت فى رَجَب بِبَغْدَاد وَقَالُوا فى شعْبَان سنة خمسين وَمِائَة وَرُوِيَ عَن بشر بن الْوَلِيد قَالَ سَمِعت أَبَا يُوسُف يَقُول مَاتَ أَبُو حنيفَة فى النّصْف من شَوَّال سنة خمسين وَمِائَة ادّعى بَعضهم أَنه سمع ثَمَانِيَة من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم وَقد جمعهم غير وَاحِد فى جُزْء وروينا هَذَا الْجُزْء عَن بعض شُيُوخنَا وَقد جمعت أَنا جزأ فى بَيَان اسْتِحَالَة ذَلِك من بَعضهم وَهَذَا طَرِيق الْإِنْصَاف
ذكرت فى هَذَا الْجُزْء من سَمعه من الصَّحَابَة وَمن رَآهُ والذى سَمعه مِنْهُم رضى الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ عبد الله بن أنيس وَعبد الله بن جُزْء الزبيدِيّ وَأنس بن مَالك وَجَابِر بن عبد الله وَمَعْقِل بن يسَار وواتلة بن الْأَسْقَع وعايشة بنت عجرد
وَذكرت عَن الْخَطِيب أَنه رَأْي أنس بن مَالك ورددت قَول من قَالَ أَنه مَا رَآهُ وبينت ذَلِك بَيَانا شافيا وَالْحَمْد لله وَسمع خلقا من التَّابِعين كعطاء بن أبي رَبَاح وَنَافِع مولى ابْن عمر وَغَيرهمَا وروى عَنهُ الجم الْغَفِير وَقد تقدم فى أول خطْبَة كتابي الْجَوَاهِر هَذَا أَنه روى عَنهُ نَحْو أَرْبَعَة آلَاف نفس.
 

فصل

قَالَ مسعر بن كدام فِيمَا روينَا عَنهُ بِالْأَسَانِيدِ من جعل أَبَا حنيفَة بَينه وَبَين الله إِمَامًا رَجَوْت أَن لَا يخَاف وَأَن لَا يكون فرط فى الِاحْتِيَاط لنَفسِهِ وروى الطَّحَاوِيّ بِسَنَدِهِ عَن عبد الله بن دَاوُد الْخُرَيْبِي وَسَأَلَهُ رجل فَقَالَ مَا عيب النَّاس فِيهِ على أبي حنيفَة فَقَالَ وَالله مَا أعلمهم عابوا عَلَيْهِ فى شَيْء إِلَّا أَنه قَالَ فَأصَاب وَقَالُوا إِذا خطأوا وَقَالَ يحيى بن آدم سَمِعت الْحسن بن صَالح يَقُول كَانَ النُّعْمَان بن ثَابت فِيمَا نعلم متثبتا فِيهِ إِذا صَحَّ عِنْده الْخَبَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعد إِلَى غَيره وَقَالَ أَبُو يُوسُف القَاضِي مَا رَأَيْت أعلم بتفسير الحَدِيث من أبي حنيفَة وَقَالَ يُونُس بن عبد الْأَعْلَى سَمِعت الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ يَقُول مَا طلب أحد الْفِقْه إِلَّا كَانَ عيالا على أبي حنيفَة وَقَالَ الإِمَام مَالك رضى الله عَنهُ وَقد سُئِلَ عَنهُ رَأَيْت رجلا لَو كلمك فى هَذِه السارية أَن يَجْعَلهَا ذَهَبا لقام بِحجَّة وَكَانَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل كثيرا مَا يذكرهُ ويترحم عَلَيْهِ ويبكي فى زمن محنته ويتسلى بِضَرْب أبي حنيفَة على الْقَضَاء وَقَالَ ابْن عبد الْبر فى كتاب الانتقاء فى فضايل الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة الْفُقَهَاء أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ رضى الله عَنْهُم سُئِلَ يحيى بن معِين وَعبد الله بن أَحْمد الدَّوْرَقِي يسمع من أبي حنيفَة فَقَالَ يحيى بن معِين هُوَ ثِقَة مَا سَمِعت أحدا ضعفه هَذَا شُعْبَة بن الْحجَّاج يكْتب إِلَيْهِ أَن يحدث بأَمْره وَشعْبَة شُعْبَة قَالَ وَكَذَا على ابْن الْمَدِينِيّ أثنى عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن عبد الْبر أَيْضا فِي كتاب بَيَان جَامع الْعلم وَقيل ليحيى ابْن معِين يَا أَبَا زَكَرِيَّا أَبُو حنيفَة كَانَ يصدق فى الحَدِيث قَالَ نعم صَدُوق قَالَ وَقَالَ سَوَاء كَانَ شُعْبَة حسن الرَّأْي فى أبي حنيفَة قلت وَشعْبَة أول من تكلم فى الرِّجَال وَقَالَ يزِيد بن هَارُون أدْركْت ألف رجل وكتبت عَن أَكْثَرهم مَا رَأَيْت فيهم أفقه وَلَا أورع وَلَا أعلم من خَمْسَة أَوَّلهمْ أَبُو حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف كَانَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يخْتم الْقُرْآن فى كل لَيْلَة فى رَكْعَة وفى رِوَايَة وَيكون ذَلِك فى وتره قَالَ ابْن عبد الْبر وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ أَبُو حنيفَة ثِقَة لَا بَأْس بِهِ قَالَ ابْن عبد الْبر الَّذين رووا عَن أبي حنيفَة ووثقوه وأثنوا عَلَيْهِ أَكثر من الَّذين تكلمُوا فِيهِ وَالَّذين تكلمُوا من أهل الحَدِيث أَكثر مَا عابوا عَلَيْهِ الإغراق فى الرَّأْي وَالْقِيَاس قَالَ وَكَانَ يُقَال يسْتَدلّ على نباهة الرجل من الماضين بتباين النَّاس فِيهِ قَالُوا أَلا ترى إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رضى الله عَنهُ أَنه هلك فِيهِ فئتان محب أفرط ومبغض أفرط وَقد جَاءَ فى الحَدِيث أَنه يهْلك فِيهِ رجلَانِ محب مطر ومبغض مكثر قَالَ هَذِه صفة أهل النباهة وَمن بلغ فى الْفضل وَالدّين الْغَايَة قَالَ ابْن عبد الْبر قَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي أَن أَبَا حنيفَة كَانَ إِمَامًا وَأَن مَالِكًا كَانَ إِمَامًا وَأَن الشَّافِعِي كَانَ إِمَامًا وَكَلَام الْأَئِمَّة بَعضهم فى بعض يجب أَن لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يعرج عَلَيْهِ فِيمَن صحت إِمَامَته وعظمت فى الْعلم غَايَته وَلَقَد أَكثر ابْن عبد الْبر فى تصانيفه وَلَا سِيمَا فى هَذَا الْكتاب النَّقْل عَن هَذِه الْأَئِمَّة بثنائهم على الإِمَام أبي حنيفَة وَكَذَا غَيره من الْأَئِمَّة المعتبرين من أهل الحَدِيث وَالْفِقْه وَقد بسطت ذَلِك فى كتابي الْكَبِير قَالَ ابْن عبد الْبر وَأَبُو حنيفَة أقعد النَّاس بحماد بن أبي سُلَيْمَان.
 

فصل

أعلم أَن الإِمَام أَبَا حنيفَة قد قبل قَوْله فى الْجرْح وَالتَّعْدِيل وتلقوه عَنهُ عُلَمَاء هَذَا الْفَنّ وَعمِلُوا بِهِ كتلقيهم عَن الإِمَام أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَابْن معِين وَابْن الْمَدِينِيّ وَغَيرهم من شُيُوخ الصَّنْعَة وَهَذَا يدلك على عَظمته وشأنه وسعة علمه وسيادته فَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فى كتاب الْعِلَل من الْجَامِع الْكَبِير حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان عَن جرير عَن يحيى الْحمانِي سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول مَا رَأَيْت أكذب من جَابر الْجعْفِيّ وَلَا أفضل من عَطاء بن أبي رَبَاح وروينا فى الْمدْخل لمعْرِفَة دَلَائِل النُّبُوَّة للبيهقى الْحَافِظ بِسَنَدِهِ عَن عبد الحميد الْحمانِي سَمِعت أَبَا سعد الصَّنْعَانِيّ وَقَامَ إِلَى أبي حنيفَة فَقَالَ يَا أَبَا حنيفَة مَا تَقول فى الْأَخْذ عَن الثَّوْريّ فَقَالَ اكْتُبْ عَنهُ فَإِنَّهُ ثِقَة مَا خلا أَحَادِيث أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث وَحَدِيث جَابر الجعثي وَقَالَ أَبُو حنيفَة طلق بن حبيب كَانَ يرى الْقدر وَقَالَ أَبُو حنيفَة زيد بن عَيَّاش ضَعِيف وَقَالَ سُوَيْد بن سعيد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ أول من أقعدني للْحَدِيث أَبُو حنيفَة قدمت الْكُوفَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة أَن هَذَا أعلم النَّاس بِحَدِيث عَمْرو بن دِينَار فَاجْتمعُوا عَليّ فحدثتهم وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة قلت لعَلي بن الْمَدِينِيّ كَلَام رَقَبَة بن مَسْقَلَة الذى يحدثه سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي حنيفَة قَالَ يَعْقُوب فَعرفهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَقَالَ لم أَجِدهُ عِنْدِي وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْجوزجَاني سَمِعت حَمَّاد بن زيد يَقُول مَا عرفنَا كنية عَمْرو بن دِينَار إِلَّا بِأبي حنيفَة كُنَّا فى الْمَسْجِد الْحَرَام وَأَبُو حنيفَة مَعَ عَمْرو بن دِينَار فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا حنيفَة كَلمه يحدثنا فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد حَدثهمْ وَلم يقل يَا عَمْرو قلت حَمَّاد بن زيد هَذَا أحد الْأَعْلَام روى لَهُ الْأَئِمَّة السِّتَّة قَالَ ابْن مهْدي مَا رَأَيْت بِالْبَصْرَةِ أفقه مِنْهُ وَلم أر أعلم بِالسنةِ مِنْهُ عَاشَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة وَتُوفِّي فى رَمَضَان سنة تسع وَسبعين وَمِائَة وَيَأْتِي فى بَابه من هَذَا الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لمن الله عَمْرو بن عبيد فَإِنَّهُ فتح للنَّاس بَابا إِلَى علم الْكَلَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة قَاتل الله جهم بن صَفْوَان وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان هَذَا أفرط فى النَّفْي وَهَذَا أفرط فى التَّشْبِيه قَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا سُلَيْمَان بن شُعَيْب حَدثنَا أبي قَالَ املأ علينا أَبُو يُوسُف قَالَ قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَنْبَغِي للرجل أَن يحدث من الحَدِيث إِلَّا بِمَا حفظه من يَوْم سَمعه إِلَى يَوْم يحدث بِهِ قلت سَمِعت شَيخنَا الْعَلامَة الْحجَّة زيد الدّين بن الْكِنَانِي فى درس الحَدِيث بالقبة المنصورية وَكَانَ أحد سلاطين الْعلمَاء ينصر هَذَا القَوْل وسمعته يَقُول فى هَذَا الْمجْلس لَا يحل لي أَن أروي إِلَّا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا النَّبِي لَا كذب أَنا ابْن عبد الْمطلب فَإِنِّي حفظته من حِين سمعته إِلَى الْآن قلت وَلَكِن أَكثر النَّاس على خلاف ذَلِك وَلِهَذَا قلت رِوَايَة أبي حنيفَة لهَذِهِ الْعلَّة لَا لعِلَّة أُخْرَى زعمها المتحملون عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو عَاصِم سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول الْقِرَاءَة جَائِزَة يَعْنِي عرض الْكتب قَالَ وَسمعت ابْن جريج يَقُول هى جَائِزَة يَعْنِي عرض الْكتب قَالَ وَسمعت مَالك بن أنس وسُفْيَان وَسَأَلت أَبَا حنيفَة عَن الرجل يقْرَأ عَلَيْهِ الحَدِيث يَقُول أخبرنَا أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ فَقَالُوا لَا بَأْس وَعَن أبي عَاصِم أَخْبرنِي ابْن جريج وَابْن أَبى ذيب وَأَبُو حنيفَة وَمَالك بن أنس وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري كلهم يَقُولُونَ لَا بَأْس إِذا قَرَأت على الْعَالم أَن تَقول أخبرنَا وَقَالَ أَبُو قطن فِيمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ قَالَ لي أَبُو حنيفَة اقْرَأ عَليّ وَقل حَدثنِي وَقَالَ لي مَالك اقْرَأ عَليّ وَقل حَدثنِي قَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا روح بن الْفرج أَنا ابْن بكير قَالَ لما فَرغْنَا من قرأة الْمُوَطَّأ على مَالك قَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله كَيفَ نقُول فى هَذَا فَقَالَ إِن شِئْت فَقل حَدثنَا وَإِن شِئْت فَقل أخبرنَا وَأرَاهُ قَالَ وَإِن شِئْت فَقل سَمِعت قَالَ الطَّحَاوِيّ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لم يَصح عِنْدِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبس السَّرَاوِيل فَأفْتى بِهِ.

الجواهر المضية في طبقات الحنفية - عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي محيي الدين الحنفي.

 

أبي حنيفة: هو أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطة. ولد حوالى سنة ٨٠ ه بالكوفة. و كان جده زوطة قد أتى من فارس إلى الكوفة عبدا و أعتقه سيده، و كان من قبيلة تيم اللّه، أما والد ثابت فقد ولد حرا فى هذه القبيلة. و لقد وفق أبي حنيفة إلى سماع عدد كبير من كبار التابعين و التعلم على أيديهن بالكوفة، و من شيوخه: أبي عمرو الشعبى، و عطاء بن أبى رباح، و حماد بن بى‏سليمان. و من تلاميذه: أبي يوسف، و زفر بن الهذيل و محمد بن الحسن الشيبانى. و لقد سجن فى آخر حياته ببغداد. و توفى بها سنة ١٥٠ ه.

الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء -  علي بن عبد القادر الطبري

الإمام أبو حنيفة، النعمانُ بنُ ثابتٍ - رضي الله عنه - ابنِ زوطي بنِ ماه، مولى تيمِ الله بنِ ثعلبة، وهو من رهط حمزة الزيات.
كان خزازًا - يبيع الخز -، وجده زوطي من أهل كابل، وقيل: من أهل بابل، وقيل: من أهل الأنبار، وقيل: من أهل نَسا، وقيل: من أهل ترمذ، وهو الذي مسَّه الرق، فأُعتق، وولد ثابت على الإسلام.
وقال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة: أنا من أبناء فارس من الأحرار، والله! ما وقع علينا رَقٌّ قطُّ، ولد جدي سنة 80، وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو صغير، فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته، ونحن نرجو أن يكون الله تعالى قد استجاب ذلك لِعَلِيّ فينا.
قال الخطيب في "تاريخه" - والله أعلم -: أدرك أبو حنيفة أربعةً من الصحابة، وهم: 1 - أنس بن مالك بالبصرة، 2 - وعبد الله بن أبي أوفى بالكوفة، 3 - وسهل بن سعد الساعدي بالمدينة، 4 - وأبو الطفيل عامر بن واثلة بمكة. ولم يلق أحدًا منهم، ولا أخذ عنه. وأصحابه يقولون: لقي جماعة من الصحابة، وروى عنهم، ولم يثبت ذلك عند أهل النقل، وذكر الخطيب في "تاريخ بغداد": أنه رأى أنس بن مالك، وأخذ الفقه عن حماد بن سليمان، وسمع عطاء بن أبي رباح، وأبي إسحاق السَّبيعي، ومحارب بن دثار، والهيثم بن حبيب الصراف، ومحمد بن المنكدر، ونافعًا مولى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم -، وهشام بن عروة، وسِماكَ بن حرب، وروى عنه: عبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، والقاضي أبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وغيرهم.
وكان عالمًا عاملًا زاهدًا عابدًا ورعًا تقيًا؛ كثيرَ الخشوع، دائمَ التضرع إلى الله تعالى، وأراد أبو جعفر المنصور أن يوليه القضاء، فحلف ألا يفعل، فأمر به إلى الحبس. وكان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أميرَ العراقين أراده أن يلي القضاء بالكوفة أيام مروان بن محمد آخرِ ملوك بني أمية، فأبى عليه، فضربه مئة سوط وعشرة أسواط، كل يوم عشرة أسواط، وهو على الامتناع، فلما رأى ذلك، خلَّى سبيله.

وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك، بكى، وترحم على أبي حنيفة، وذلك بعد أن ضُرب أحمد على القول بخلق القرآن.
وكان أبو حنيفة حسنَ الوجه، حسنَ المجلس، شديدَ الكرم، حسنَ المواساة لإخوانه، وكان ربعةً من الرجال؛ وقيل: كان طوالًا تعلوه سمرة، أحسنَ الناس منطقًا وأحلاهم نغمة. وذكر الخطيب في "تاريخه": إن أبا حنيفة رأى في المنام: كأنه ينبش قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعث مَنْ سأل ابنَ سيرين، فقال: صاحب هذه الرؤيا يثور علمًا لم يسبقه إليه أحد قبله.
قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ فقال: نعم! رأيت رجلًا لو كلمته في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا، لقام بحجته. وقال الشافعي: من أراد أن يتبحَّر في الفقه، فهو عيال على أبي حنيفة، وكان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه.
وقال جعفر بن ربيع: أقمت على أبي حنيفة خمس سنين، فما رأيت أطولَ صمتًا منه، فإذا سئل عن الفقه، تفتح وسال كالوادي، وسمعت له دويًا وجهارةً في الكلام، وكان إمامًا في القياس. وقال علي بن عاصم: دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره، فقال للحجام: تتبع مواضع البياض، فقال الحجام: ولا تزد، فقال: ولم؟ قال: لا يكثر؛ قال: فتتبعْ مواضعَ السواد لعله يكثر، وحكيت لشريك هذه الحكاية، فضحك، وقال: لو ترك أبو حنيفة قياسه، لتركه مع الحجام.
وقال ابن المبارك: قلت لسفيان الثوري: يا عبد الله! ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة! ما سمعته يغتاب عدوًا له قط، فقال: هو أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهبها، ومناقبه وفضائله كثيرة، وقد ذكر الخطيب في "تاريخه" منها شيئًا كثيرًا، ثم أعقب ذلك بذكر ما كان الأليق تركه والإضراب عنه، فمثل هذا الإمام لا يشك في دينه، ولا في ورعه وبحفظه، ولم يكن يُعاب بشيء سوى قلة العربية.
ولد سنة 80، وتوفي سنة 150، وكانت وفاته ببغداد في السجن ليليَ القضاء فلم يفعل، هذا هو الصحيح. وقيل: إنه لم يمت في السجن، وقيل: توفي في اليوم الذي ولد فيه الإمام الشافعي، ودفن في مقبرة الخيزران، وقبره هناك مشهور يزار.
وزوطي - بالضم -: اسمٌ نبطي، وكابل: ناحية معروفة من بلاد الهند، ينسب إليها جماعة من العلماء وغيرهم. وبنى شرف الملك أبو سعد، محمدُ بن منصور الخوارزمي مستوفي مملكة السلطان ملك شاه السلجوقي، على قبر الإمام أبي حنيفة مشهدًا وقبة، وبنى عنده مدرسة كبيرة للحنفية، وكان بناء ذلك سنة 459.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

أبو حنيفة
(80 - 150 هـ = 699 - 767 م)
النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، الكوفي، أبو حنيفة:
إمام الحنفية، الفقيه المجتهد المحقق، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. قيل: أصله من أبناء فارس. ولد ونشأ بالكوفة. وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه، ثم انقطع للتدريس والإفتاء. وأراده عمر بن هبيرة (أمير العراقين) على القضاء، فامتنع ورعا. وأراده المنصور العباسي بعد ذلك على القضاء ببغداد، فأبى، فحلف عليه ليفعلن، فحلف أبو حنيفة أنه لا يفعل، فحبسه إلى أن مات (قال ابن خلكان: هذا هو الصحيح) .
وكان قويّ الحجة، من أحسن الناس منطقا، قال الإمام مالك، يصفه: رأيت رجلا لو كلمته في السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته! وكان كريما في أخلاقه، جوادا، حسن المنطق والصورة، جهوريّ الصوت، إذا حدّث انطلق في القول وكان لكلامه دويّ، وعن الإمام الشافعيّ: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة. له " مسند - ط " في الحديث، جمعه تلاميذه، و " المخارج - خ " في الفقه، صغير، رواه عنه تلميذه أبو يوسف. وتنسب إليه رسالة " الفقه الأكبر - ط " ولم تصح النسبة. توفي ببغداد وأخباره كثيرة.
ولابن عُقْدة، أحمد بن محمد، كتاب " أخبار أبي حنيفة " ومثله لابن همام، محمد بن عبد الله الشيبانيّ، وكذلك للمرزباني، محمد بن عمران. ول أبي القاسم بن عبد العليم بن أبي القاسم بن عثمان بن إقبال القربتي الحنفي، كتاب " قلائد عقود الدرر والعقيان في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان - خ " طالعته في خزانة السيد حسن حسني عبد الوهاب بتونس. وللموفق بن أحمد المكيّ " مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة - ط " ومثله " مناقب الإمام الأعظم - ط " لابن البزاز الكردري. وللشيخ محمد أبي زهرة " أبو حنيفة: حياته وعصره وآراؤه وفقهه - ط " ولسيّد عفيفي " حياة الإمام أبي حنيفة - ط " ولعبد الحليم الجندي " أبو حنيفة - ط " .

-الاعلام للزركلي-