عبد الرحمن بن عمر بن رسلان الكناني العسقلاني البلقيني أبي الفضل جلال الدين

تاريخ الولادة763 هـ
تاريخ الوفاة824 هـ
العمر61 سنة
مكان الولادةالقاهرة - مصر
مكان الوفاةالقاهرة - مصر
أماكن الإقامة
  • دمشق - سوريا
  • عسقلان - فلسطين
  • القاهرة - مصر
  • بلقينة - مصر
  • مصر - مصر

نبذة

عبد الرحمن بن عمر بن رسلان الكناني، العسقلاني الأصل، ثم البلقيني المصري، أبو الفضل جلال الدين: من علماء الحديث بمصر. انتهت إليه رياسة الفتوى بعد وفاة أبيه. وولي القضاء بالديار المصرية مرارا، إلى أن مات وهو متول.

الترجمة

عبد الرحمن بن عمر بن رسلان الكناني، العسقلاني الأصل، ثم البلقيني المصري، أبو الفضل جلال الدين:
من علماء الحديث بمصر. انتهت إليه رياسة الفتوى بعد وفاة أبيه. وولي القضاء بالديار المصرية مرارا، إلى أن مات وهو متول. له كتب في (التفسير) و (الفقه) و (مجالس الوعظ) وتعليق على البخاري سماه (الإفهام لما في صحيح البخاري من الإبهام - خ) و (مناسبات أبواب تراجم البخاري - خ) ورسالة في (بيان الكبائر والصغائر - خ) و (نهر الحياة - خ)
و (حواش على الروضة) في فروع الشافعية، أفردها أخوه في مجلدين. ومات في القاهرة .

-الاعلام للزركلي-

 

عبد الرَّحْمَن بن عمر بن رسْلَان بن نصير بن صَالح / وَمن هُنَا اخْتلف فِيهِ الْجلَال أَبُو الْفضل وَأَبُو الْيمن بن السراج أبي حَفْص البُلْقِينِيّ الأَصْل القاهري الشَّافِعِي سبط الْبَهَاء بن عقيل، ولد فِي خَامِس عشري رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وقرأت بِخَط بَعضهم أَنه سَمعه يَقُول انه فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَالْأول عِنْدِي أصح فَهُوَ الَّذِي أثْبته أَخُوهُ وَشَيخنَا وَآخَرُونَ بقاعة الْعَفِيف من بَاب سر الصالحية بِالْقَاهِرَةِ، وَنَشَأ فِي كنف أَبِيه فحفظ الْقُرْآن وَصلى بِهِ على الْعَادة والعمدة وَمَا كتبه أَبوهُ لأَجله من التدريب ومختصر ابْن الْحَاجِب الْأَصْلِيّ وألفية ابْن مَالك وَغَيرهَا، وتفقه بِأَبِيهِ وَكَانَ مِمَّا بَحثه مَعَه الْحَاوِي وَلم يَأْخُذ عَن غَيره لِأَن وَالِده لم يكن لَهُ عناية بتسميعه نعم سمع اتِّفَاقًا بنزول الْيَسِير من السّنَن الْكُبْرَى للبيهقي على الشَّيْخ عَليّ بن أَيُّوب وَسمع من أَبِيه غَالب الْكتب السِّتَّة وَغَيرهَا لَكِن على غير شَرط السماع لما كَانَ يَقع فِي دروسه من كَثْرَة الْبَحْث المفرط الْمُؤَدِّي إِلَى اللَّغط المخل بِصِحَّة السماع، هَكَذَا قرأته بِخَط شَيخنَا وبخط الْحَافِظ ابْن مُوسَى المراكشي مَا نَصه: وَمن مشايخه بِالسَّمَاعِ وَالِده والحافظ الْبَهَاء عبد الله ابْن مُحَمَّد بن خَلِيل والزين أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر الأيوبي الْأَصْبَهَانِيّ سمع مِنْهُ الْكثير من سنَن الْبَيْهَقِيّ أنابه الْعِزّ مُحَمَّد بن اسماعيل بن عمر الْحَمَوِيّ أَنا الْفَخر بِسَنَدِهِ انْتهى. وَكَذَا رَأَيْت فِي طبقَة سَمَاعه للقطعة من سنَن الْبَيْهَقِيّ أثبت فِي السامعين أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن حسن بن عايد القيرواني الْأنْصَارِيّ الْمَالِكِي ثمَّ قَالَ وتلميذه وَسمي صَاحب التَّرْجَمَة وَلما دخل دمشق سنة تسع وَسِتِّينَ وَهُوَ صَغِير مَعَ أَبِيه حِين ولي قضاءها استجاز لَهُ الشهَاب بن حجي من شُيُوخ ذَلِك الْوَقْت نَحْو مائَة نفس فأزيد كَابْن أميلة وَالصَّلَاح بن أبي عمر والبدر بن الهبل والشهاب بن النَّجْم والنجم بن السوقي والزين بن النقبي والشهاب أَحْمد بن عبد الْكَرِيم البعلي وَالشَّمْس مُحَمَّد بن حمد بن عبد الْمُنعم الْحَرَّانِي وَمن الْحفاظ الْعِمَاد بن كثير وَأَبُو بكر ابْن الْمُحب والزين الْعِرَاقِيّ وَمن الْعلمَاء التَّاج السُّبْكِيّ وَكَذَا عِنْده إجَازَة جده لأمه، وَكَانَ مفرط الذكاء قوي الحافظة بل قَالَ شَيخنَا إِنَّه كَانَ من عجائب الدُّنْيَا فِي سرعَة الْفَهم وجودة الحافظة فمهر فِي مُدَّة يسيرَة، وَأول مَا ولي توقيع الدست فِي ديوَان الانشاء عوضا عَن أَخِيه الْبَدْر حِين استقراره فِي قَضَاء الْعَسْكَر بنزول وَالِده لَهُ عَنهُ حِين اسْتَقر فِي تدريس الشَّافِعِي وَذَلِكَ كُله فِي شعْبَان سنة تسع وَسبعين وَكَذَا نزل لَهُ عَن افتاء دَار الْعدْل وَقبل ذَلِك عَن توقيع الدرج ثمَّ اسْتَقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر وَالنَّظَر فِي وقفي السيفي وطقجي بعد موت أَخِيه الْبَدْر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَتزَوج بِزَوْجَتِهِ ألف ابْنة الشهابي أَحْمد الفارقاني سبطه الشهابي أصلم صَاحب الْجَامِع بسوق الْغنم لَكِن بعيد الثَّمَانمِائَة عقب زوج تزَوجهَا بَينهمَا وَهُوَ خَلِيل وَالِد عمر بن أصلم فألف أمه وَكَذَا ملك قاعة أَخِيه الْبَدْر الَّتِي أَنْشَأَهَا تجاه مدرسة أَبِيهِمَا وَمَات قبل اكمالها وَسكن فِيهَا، وسافر مَعَ وَالِده سنة ثَلَاث وَتِسْعين فِي الركاب السلطاني إِلَى حلب فَرجع فِي ضخامة زَائِدَة وصحبته ثلثمِائة مماليك مردان فصاروا يركبون فِي خدمته للدروس وَغَيرهَا ودعا بقاضي الْقُضَاة لكَونه قَاضِي الْعَسْكَر وَمن خاطبه بغَيْرهَا مقته كل هَذَا ووالده يُنَوّه بِهِ فِي الْمجَالِس ويستحسن جَمِيع مَا يرد مِنْهُ ويحرض الطّلبَة على الِاشْتِغَال عَلَيْهِ وَرويت عَنهُ من ذَلِك الْكثير بل لَهُ بِحَضْرَتِهِ مَعَ الْقُضَاة وَغَيرهم وقائع بل كَانَ أَبوهُ أذن لَهُ بالافتاء والتدريس قَدِيما فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَقَالَ فِي اجازته الَّتِي كتبهَا لَهُ بِخَطِّهِ أَنه رأى مِنْهُ البراعة فِي فنون مُتعَدِّدَة من الْفِقْه وأصوله والفرائض وَغَيرهَا مِمَّا يظْهر من مباحثه على الطَّرِيقَة الجدلية والمسالك المرضية والأساليب الْفِقْهِيَّة والمعاني الحديثية، وَأَنه اختبره بمسائل مشكلة وأبحاث معضلة فأجاد وَرَأَيْت من قَالَ إِنَّه حضر عِنْد جده لأمه الْبَهَاء بن عقيل وَأَنه حضر هُوَ وَأَخُوهُ الْبَدْر عِنْد الْجمال الاسنائي باشارة أَبِيهِمَا وَأَن أَبَاهُ أجلسه بِدِمَشْق فَوق الشّرف الشريشي وَصَارَ يُنَوّه بِهِ ويحض على سَماع كَلَامه فَالله أعلم وَلما تحقق موت الصَّدْر الْمَنَاوِيّ ووثوب القَاضِي نَاصِر الدّين الصَّالِحِي على المنصب شقّ عَلَيْهِ وسعى إِلَى أَن ولي بالبذل فِي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَثَمَانمِائَة بعناية أَمِير آخور سودون طاز وتغيظ الدوادار الْكَبِير جكم لكَونه فعل بِغَيْر علمه وَامْتنع من الرّكُوب مَعَه إِلَى الصالحية على الْعَادة فَلم يحْتَمل القَاضِي ذَلِك وبادر لتلافيه فَركب هُوَ ووالده إِلَيْهِ فِي منزله فواجهه بالانكار عَلَيْهِ فِي بذل المَال على الْقَضَاء فَعرفهُ الشَّيْخ بِجَوَاز ذَلِك لمن تعين عَلَيْهِ، وَاسْتمرّ قَاضِيا إِلَى جُمَادَى الأولى سنة احدى وَعشْرين سوى مَا تخَلّل فِي أَثْنَائِهَا لغيره غير مرّة وَهُوَ قَلِيل ثمَّ أُعِيد فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين إِلَى أَن مَاتَ، قَالَ شَيخنَا وَكَانَ قد ابتلى بحب الْقَضَاء فَلَمَّا صرف عَنهُ بالهروي تألم لذَلِك كثيرا وَاشْتَدَّ جزعه وَعظم مصابه فَلَمَّا قرئَ البُخَارِيّ بالقلعة ساعده الناصري بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ حَتَّى أذن لَهُ السُّلْطَان الْمُؤَيد فِي الْحُضُور مَعَ الْهَرَوِيّ فَجَلَسَ عَن يَمِين الْهَرَوِيّ بَينه وَبَين الْمَالِكِي وَصَارَ يُبْدِي الْفَوَائِد الْفِقْهِيَّة والحديثية ويجاريه الْعَلَاء بن المغلي الْحَنْبَلِيّ وَلَا يَبْدُو من الْهَرَوِيّ مَا يعد فَائِدَة مَعَ كَلَامهمَا ثمَّ صَار ابْن المغلي يدرس قدر مَا يقْرَأ فِي الْمجْلس من البُخَارِيّ ويسرده من حفظه فَحِينَئِذٍ رتب الْجلَال أَخَاهُ فِي أسئلة يبديها مشكلة ويحفظه أَصْلهَا وجوابها ويستشكلها ويخص الْهَرَوِيّ بالسؤال عَنْهَا فيضج الْهَرَوِيّ من ذَلِك وَالْمرَاد من هَذَا كُله اظهار قصوره وَالسُّلْطَان يُشَاهد جَمِيع ذَلِك ويسمعه لكَونه جَالِسا بَينهم ثمَّ لما غلب عَلَيْهِ وجع رجله صَار يجلس فِي الشباك المطل على محلهم، واستفيض أَنه بَاشر الْقَضَاء بِحرْمَة وافراة وعفة زَائِدَة إِلَى الْغَايَة وانه امْتنع من قبُول الْهَدِيَّة من الصّديق وَغَيره حَتَّى مِمَّن لَهُ عَادَة بالأهداء إِلَيْهِ قبل الْقَضَاء مَعَ لين جَانب وتواضع وبذل لِلْمَالِ والجاه وَنَحْو ذَلِك مِمَّا تجدّد لَهُ من شدَّة مَا قاساه من السَّعْي عَلَيْهِ وَلكنه فِيمَا قَالَ شَيخنَا كَانَ كثير الانحراف قَلِيل الِاجْتِمَاع سريع الْغَضَب مَعَ النَّدَم وَالرُّجُوع بِسُرْعَة قَالَ وَقد صحبته قدر عشْرين سنة فَمَا أضبط انه وَقعت عِنْده محاكمة فأتمها بل يسمع أَولهَا وَيفهم شَيْئا فيبنى عَلَيْهِ فَإِذا رُوجِعَ فِيهِ بِخِلَاف مَا فهمه أَكثر النزق والصياح وَأرْسل المحاكمة لأحد نوابه، قَالَ وَمَا رَأَيْت أحدا مِمَّن لَقيته أحرص على تَحْصِيل الْفَائِدَة مِنْهُ بِحَيْثُ انه كَانَ إِذا طرق سَمعه شَيْء لم يكن يعرفهُ لَا يقر وَلَا يهدأ وَلَا ينَام حَتَّى يقف عَلَيْهِ ويحفظه، وَهُوَ مَعَ هَذَا مكب على الِاشْتِغَال محب فِي الْعلم حق الْمحبَّة وَكَانَ يذكر أَنه لم يكن لَهُ تقدم اشْتِغَال فِي الْعَرَبيَّة، وانه حج فِي حَيَاة أَبِيه يَعْنِي فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فَشرب مَاء زَمْزَم لفهمها فَلَمَّا رَجَعَ أدمن النّظر فِيهَا فمهر فِيهَا فِي مُدَّة يسيرَة لَا سِيمَا مُنْذُ مَاتَ وَالِده ودرس فِي التَّفْسِير بالبرقوقية وجامع ابْن طولون وَعمل المواعيد بمدرسته فِي كل يَوْم جُمُعَة وابتدأ ذَلِك من الْموضع الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ أَبوهُ وَقطع عِنْد قَوْله من عمل صَالحا فلنفسه وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا وَمَا رَبك بظلام للعبيد فانه كَانَ مَعَ الْقِرَاءَة عَلَيْهِ فِي الميعاد فِي تَفْسِير الْبَغَوِيّ يكْتب على جَمِيع ذَلِك دروسا مفيدة ويبحث فِي فنون التَّفْسِير فِي كَلَام أبي حَيَّان والزمخشري ويبدي فِي كل فن مِنْهُ مَا يدهش الْحَاضِرين وَكَذَا درس بالزاوية الْمَعْرُوفَة بالخشابية فِي جَامع عَمْرو وبالخروبية وبالبشتيلية ثلاثتها فِي الْفِقْه بعد وَفَاة أَبِيه وبالبديرية وبالملكية فِي الْفِقْه أَيْضا وبجامع طولون فِي التَّفْسِير برغبة أَبِيه لَهُ عَن الثَّلَاثَة وبالمدرسة الالجيهية والحجازية وجامع ابْن طولون ثلاثتها فِي الْفِقْه وبالأشرفية فِي الحَدِيث مَعَ خطابة الحجازية والميعاد بهَا كل ذَلِك بعد موت أَخِيه وبالجمالية الممتجدة فِي التَّفْسِير بتقرير واقفها وَعمل فِي كل مِنْهَا والزاوية الخشابية وَكَذَا فِي الباسطية الشامية والمؤيدية كِلَاهُمَا تَبَرعا اجلاسا حافلا بل ولي تدريس الشامية البرانية بِدِمَشْق مَعَ التصدير بجامعها الْأمَوِي وَلما صَار يحضر لسَمَاع البُخَارِيّ فِي القلعة كَانَ يدمن مطالعة شَرحه للسراج بن الملقن وَيُحب الِاطِّلَاع على معرفَة أَسمَاء من ابهم فِي الْجَامِع الصَّحِيح من الروَاة وَمَا جرى ذكره فِي الصَّحِيح فَحصل من ذَلِك شَيْئا كثيرا بادمان المطالعة والمراجعة خُصُوصا أَوْقَات اجتماعي بِهِ ومذاكراتي لَهُ فَجمع كتاب الافهام لما فِي البُخَارِيّ من الابهام وَذكر فِيهِ فصلا يخْتَص بِمَا استفاده من مطالعته زَائِدا على مَا حصله من الْكتب المصنفة فِي المبهمات والشروح فَكَانَ شَيْئا كثيرا وَكَانَ يتأسف على مَا فَاتَهُ من الِاشْتِغَال فِي الحَدِيث ويرغب فِي الازدياد مِنْهُ حَتَّى أَنه كتب بِخَطِّهِ فصلا يتَعَلَّق بالمعلق من مُقَدّمَة فتح الْبَارِي وقابله معي بقرَاءَته لأعجابه بِهِ، وَنَحْوه قَوْله فِي مُعْجَمه وَكَانَ يحب فنون الحَدِيث محبَّة مفرطة ويأسف على مَا ضيع مِنْهَا وَيُحب أَن يشْتَغل فِيهَا قَالَ وَقد لازمته كثيرا وَكتب عني كثيرا من مُقَدّمَة شرح البُخَارِيّ وَغير ذَلِك من الْفَوَائِد الحديثية وطارحني بأسئلة من المنظوم والمنثور وطارحته بأَشْيَاء كَثِيرَة قد أوردتها فِي النَّوَادِر المسموعة ولي فِيهِ مدح وَكتب لي بالاجازة فِي استدعاء أَوْلَادِي، قَالَ وغالب مَا كَانَ يخترعه ويبحث فِيهِ كَانَ يَقْرَؤُهُ بِلَفْظِهِ وأسمعه مِنْهُ قَالَ وَقد اشْتهر اسْمه وطار ذكره خُصُوصا بعد وَفَاة وَالِده وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْفَتْوَى وَسيرَته مَشْهُورَة فَلَا نطيل بهَا وَالله يعْفُو عَنهُ وَهُوَ مِمَّن أذن لشَيْخِنَا رَحمَه الله بالافتاء والتدريس قَدِيما قبل كِتَابَة وَالِده ثمَّ كتب أَبوهُ تَحت خطه، وَقَالَ شَيخنَا فِي مَوضِع آخر مِمَّا نقلته من خطه: وَكَانَ يحرر دروسه الْفِقْهِيَّة والتفسيرية ويسردها فِي مجْلِس التدريس حفظا ثمَّ يقْرَأ عَلَيْهِ مَا كتبه فيتكلم عَلَيْهِ فيجيد وَله ضوابط فِي الْفِقْه منظومة وَجل اشْتِغَاله بِكَلَام وَالِده وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ يزِيد عَلَيْهِ فِيمَا يتَعَلَّق بالتخريج فِي الْوَاقِعَات لِكَثْرَة مَا يرد عَلَيْهِ من محاكم ومستفتي وَمِمَّا ضَبطه بالنظم الْأَمَاكِن الَّتِي تسمع فِيهَا الشَّهَادَة بالاستفاضة فَقَالَ:
(ان السماع يُفِيد ذكر شَهَادَة ... فِي عَدو نظمت لضبط مُحَرر)

(نسب ووقف وَالنِّكَاح وميت ... وعتاقة الْمولى وَلَاء مُحَرر)

(وَولَايَة القَاضِي وعزل سَابِع ... ورضاع تَحْرِيم وَشرب الْأَنْهُر)

(وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل للمعدوم فِي ... زمن الشَّهِيد وَقل بِهِ فِي الْأَشْهر)

(وتضرر الزَّوْجَات وَالصَّدقَات وَال ... ايصا كَذَا فِي الْأَظْهر)

(وَالْكفْر والاسلام والرشد الَّذِي ... هُوَ عرة للبالغ المتصور)

(وولادة وَالْحمل ان شاعا كَذَا ... حريَّة الْمَجْهُول لَيْسَ بمنكر)

(وقسامة قيل المُرَاد شهادها ... للقرب من واعي كَلَام الْمخبر)

(وَالْملك فِيهِ خلافهم متقرر ... نسب الْجَوَاز إِلَى كَلَام الْأَكْثَر)

(ومرجح الْجُمْهُور أَن لَا بُد من ... حور الفه فَقل بِهِ وَلَا تستظهر)

(وَالْغَصْب فِي أَحْكَام مَا فِيهِ دِرْهَم ... وَالدّين فِي وَجه كريه المنظر)
قَالَ وَكتب الْحَافِظ ولي الدّين ابْن شَيخنَا الْحَافِظ أبي الْفضل انه سمع شَيخنَا الامام سراج الدّين يَقُول سَمِعت وَلَدي أَبَا الْفضل جلال الدّين ينشد لما جِئْنَا نعزي الْملك الظَّاهِر برقوق بولده مُحَمَّد:
(أَنْت المظفر حَقًا وللمعالي ترقى ... وَأجر من مَاتَ تلقى تعيش أَنْت وَتبقى)

قَالَ الْوَالِي فَقلت لَهُ نروي هَذَا عَنْكُم عَن ولدكم فَيكون من رِوَايَة الْآبَاء عَن الْأَبْنَاء فَقَالَ نعم انْتهى. ونظم البكان أَيْضا وَالَّذين يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ عِنْدِي وقرض سيرة الْمُؤَيد لِأَبْنِ ناهض، وَقد تَرْجمهُ غير وَاحِد فَقَالَ التقي المقريزي فِي السلوك لَهُ انه لم يخلف بعده مثله فِي كَثْرَة علمه بالفقه وأصوله وَبِالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِير والعربية مَعَ الْعِفَّة والنزاهة عَمَّا ترمي بِهِ قُضَاة السوء وجمال الصُّورَة وفصاحة الْعبارَة وَبِالْجُمْلَةِ فَلَقَد كَانَ مِمَّن يتجمل بِهِ الْوَقْت، وَفِي الْعُقُود الفريدة: كَانَ ذكيا قوي الحافظة وَقد اشْتهر اسْمه وطار ذكره بعد موت أَبِيه وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْفَتْوَى وَلم يخلف بعده مثله فِي الاستحضار وَسُرْعَة الْكِتَابَة الْكَثِيرَة على الفتاوي والعفة فِي قَضَائِهِ وَقَالَ الْعَلَاء بن خطيب الناصرية: نَشأ فِي الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَأخذ عَن وَالِده ودأب وَحصل حَتَّى صَار فَقِيها عَالما ودرس بِجَامِع حلب لما قدم صُحْبَة السُّلْطَان، وَقَالَ التقي بن قَاضِي شُهْبَة: الامام الْعَلامَة شيخ الاسلام قَاضِي الْقُضَاة صرف همته إِلَى الْعلم فمهر فِي مُدَّة يسيرَة وَتقدم واشتهر بِالْفَضْلِ وَقُوَّة الْحِفْظ وَدخل مَعَ أَبِيه دمشق فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين والمشايخ اذ ذَاك كَثِيرُونَ فَظهر فَضله وَعلا صيته وَكَانَ أَبوهُ يعظمه ويصغي إِلَى أبحاثه ويصوب مَا يَقُول وَاسْتمرّ على الِاشْتِغَال وَالِاجْتِهَاد والافتاء والتدريس وشغل الطّلبَة إِلَى أَن ولي الْقَضَاء وَقد جلس فِي بعض المرات الَّتِي قدم فِيهَا دمشق مَعَ النَّاصِر بالجامع الْأمَوِي وَقُرِئَ عَلَيْهِ البُخَارِيّ فَكَانَ يتَكَلَّم على مَوَاضِع مِنْهُ قَالَ وَكَانَ فصيحا بليغا ذكيا سريع الادراك لكنه قد نقص عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قبل ولَايَته الْقَضَاء حَتَّى انه قَالَ لي مرّة نسيت من الْعلم بِسَبَب الْقَضَاء والأسفار الْعَارِضَة بِسَبَب مَا لَو حفظه شخص لصار عَالما كَبِيرا، ثمَّ نقل عَن شَيخنَا أَنه قَالَ كَانَ لَهُ بِالْقَاهِرَةِ صيت لذكائه وعظمة وَالِده فِي النُّفُوس وانه كَانَ من عجائب الدُّنْيَا فِي سرعَة الْفَهم وجودة الْحِفْظ وَمن محَاسِن الْقَاهِرَة. قلت وَسمعت من شَيخنَا أَنه كَانَ أحسن تصورا من أَبِيه وَكَذَا بَلغنِي عَن الْعَلَاء القلقشندي، وَقَالَ الشَّمْس بن نَاصِر الدّين فِي ذيله على الْحفاظ: الامام الأوحد قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام حَدثنَا عَن أَبِيه وَعَن غَيره من الْأَئِمَّة كَانَ عين أَعْيَان الْأمة خلف وَالِده فِي الِاجْتِهَاد وَالْحِفْظ وعلوم الاسناد رَأَيْته يناظر أَبَاهُ فِي دروسه وينافسه فِيمَا يلقيه من نفيسه مَعَ لُزُومه حُرْمَة الْآبَاء وَحفظ مَرَاتِب الْعلمَاء وَله على صَحِيح البُخَارِيّ تعليقات نفيسات وَمِنْهَا بَيَان مَا وَقع فِيهِ من المبهمات وَله نظم ونثر وعدة مصنفات وباشارته ألفت كتاب الاعلام بِمَا وَقع فِي مشتبه الذَّهَبِيّ من الأوهام، وَقَالَ الْعَيْنِيّ أَنه كَانَت عِنْده عفة ظَاهِرَة وَلَكِن لم يسلم مِمَّن حوله قَالَ ابْن خطيب الناصرية أَيْضا وَدخل الْبِلَاد الشامية مرَارًا مِنْهَا صُحْبَة المظفر أَحْمد بن الْمُؤَيد وأتابك العساكر ططر سنة أَربع وَعشْرين وَمَا جَاوز حِينَئِذٍ دمشق بل أَقَامَ بهَا حَتَّى رَجَعَ الْعَسْكَر وَقد تسلطن الظَّاهِر ططر فصحبه وَحصل لَهُ مرض فِي الطَّرِيق بِحَيْثُ مَا قدر على خطْبَة الْعِيد بالسلطان وَلم يدْخل الْقَاهِرَة الا متوعكا فِي محفة وَكَانَ دُخُولهمْ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث شَوَّال مِنْهَا وَاسْتمرّ ضَعِيفا إِلَى لَيْلَة الْخَمِيس حادي عشره فَمَاتَ وَصلى عَلَيْهِ من الْغَد بِجَامِع الْحَاكِم وَدخل بِجَانِب أَبِيه يَعْنِي وأخيه فِي فسقية بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا بحارة بهاء الدّين يَعْنِي جوَار منزله وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة زَاد غَيره إِلَى الْغَايَة وَحمل نعشه على رُءُوس الْأَصَابِع وَيُقَال انه مَاتَ مسموما وَإنَّهُ لم يمت حَتَّى غارت عَيناهُ فِي جَوْفه وَإنَّهُ صرع فِي يَوْم وَاحِد زِيَادَة على عشْرين مرّة، وَأفَاد شَيخنَا أَنه كَانَ قد اعتراه وَهُوَ بِالشَّام قولنج فلازمه فِي الْعود وَحصل لَهُ صرع كتموه وَلما دخل الْقَاهِرَة عجز عَن الرّكُوب فِي الموكب فَأَقَامَ أَيَّامًا عِنْد أَهله ثمَّ عاوده الصرع فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع شَوَّال ثمَّ عاوده إِلَى أَن مَاتَ وَقت أَذَان الْعَصْر من يَوْم الْأَرْبَعَاء عَاشر شَوَّال وَصلى عَلَيْهِ ضحى يَوْم الْخَمِيس وَتقدم فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ الشَّمْس بن الديري قدمه أَوْلَاده وَلم تكن جنَازَته حافلة وَيُقَال أَنه سم وَكَانَ انْتهى فِي ميعاده أَيَّام الْجمع تبعا لِأَبِيهِ إِلَى قَوْله كَمَا تقدم من عمل صَالحا فلنفسه وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا وَمَا رَبك بظلام للعبيد قَالَ غَيره وَكَانَ من محَاسِن الدَّهْر وَلما مَاتَ ووضعوه على المغتسل سمعُوا شخصا يَقُول:
(يَا دهر بِعْ رتب الْعلَا من بعده ... بيع الهوان ربحت أم لم تربح)

(قدم وَأخر من أردْت من الورى ... مَاتَ الَّذِي قد كنت مِنْهُ تَسْتَحي)
وَقد أفرد أَخُوهُ شَيخنَا القَاضِي علم الدّين تَرْجَمته بالتأليف رَحمَه الله وإيانا، وَكَانَ اماما ذكيا نحويا أصوليا مُفَسرًا مفننا حَافِظًا فصيحا بليغا جَهورِي الصَّوْت عَارِفًا بالفقه ودقائقه مستحضرا لفروع مذْهبه مُسْتَقِيم الذِّهْن جيد التَّصَوُّر مليح الشكالة أَبيض مشربا بحمرة إِلَى الطول أقرب صَغِير اللِّحْيَة مستديرها منور الشيبة جميلا وسيما دينا عفيفا مهابا جَلِيلًا مُعظما عِنْد الْمُلُوك حُلْو المحاضرة رَقِيق الْقلب سريع الدمعة زَائِد الِاعْتِقَاد فِي الصَّالِحين وَنَحْوهم كثير الخضوع لَهُم وَله فِي التعفف والتحري حكايات وَلما دخل حلب اجْتمع بِهِ الْبُرْهَان الْحلَبِي وَسَأَلَهُ عَن حَاله فَقَالَ معترفا بِالنعْمَةِ حَسْبَمَا قيل وظيفتي أجل المناصب وزوجتي غَايَة وَكَذَا سكني وَفِي ملكي ألف مُجَلد نقاوة وتصانيفه كَثِيرَة فَمِنْهَا سوى مَا أُشير إِلَيْهِ فِيمَا تقدم تَفْسِير لم يكمل ونكت على الْمِنْهَاج لم تكمل أَيْضا وَأُخْرَى على الْحَاوِي الصَّغِير وَمَعْرِفَة الْكَبَائِر والصغائر والخصائص النَّبَوِيَّة وعلوم الْقُرْآن وترجمة أَبِيه وَكتاب فِي الْوَعْظ ونظم ابْن الْحَاجِب الْأَصْلِيّ وَكَانَ الْتزم لكل من حفظه بِخَمْسِمِائَة وخطب جمعيات وأجوبة عَن أسئلة يمنية وَعَن أسئلة مغربية وحواشي على الرَّوْضَة أفردها أَخُوهُ فِي مجلدين وَخرج لَهُ شَيخنَا عَن شُيُوخه بالاجازة فهرستا للكتب الْمَشْهُورَة فِي كراسة اجابة لسؤاله فِي ذَلِك فَكَانَ يحدث مِنْهَا عَنْهُم وافتتحه الْمخْرج بسيدنا ومولانا الامام الْعَلامَة تَاج الْفُقَهَاء عُمْدَة الْعلمَاء أوحد الاعلام مفخر أهل الْعَصْر منجع الْأمة قدرَة الْأَئِمَّة وَكَذَا خرج لَهُ مفيدنا الْحَافِظ أَبُو النَّعيم رضوَان أَرْبَعِينَ عشاريات وَغير ذَلِك، وَحدث بالكثير سمع مِنْهُ الْأَئِمَّة الْحفاظ كَابْن مُوسَى وَابْن نَاصِر الدّين وروى عَنهُ فِي متبايناته الحَدِيث التَّاسِع عشر فِيمَا قَرَأَهُ عَلَيْهِ بروايته عَن أَبِيه وَرُوِيَ لنا عَنهُ خلق وَمِنْهُم أَخُوهُ العلمي والبرهان بن خضر والموفق الأبي وَالْوَالِد وَحكي لي مِمَّا يدْخل فِي تَرْجَمته أَشْيَاء وَكَانَ الْجد من خَصَائِصه كاختصاصه بِأَبِيهِ قبله.

ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي.