عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني البلقيني أبي حفص سراج الدين

تاريخ الولادة724 هـ
تاريخ الوفاة805 هـ
العمر81 سنة
مكان الولادةبلقينة - مصر
مكان الوفاةالقاهرة - مصر
أماكن الإقامة
  • بلاد الشام - بلاد الشام
  • حلب - سوريا
  • بيت المقدس - فلسطين
  • القاهرة - مصر

نبذة

عمر بن رسلان بن نصير بن صلح بن شهاب أبي حفص الكناني، البلقيني، ثم القاهري، الشافعي، وهو من خيرة العلماء العاملين، ومن القراء، والفقهاء، والمحدثين، واللغويين، والأصوليين، والمجتهدين. ولد في ليلة الجمعة ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، ببلقينة، من الغربية إحدى مدن مصر، وحفظ بها القرآن

الترجمة

عمر بن رسلان- ت 805
هو: عمر بن رسلان بن نصير بن صلح بن شهاب أبي حفص الكناني، البلقيني، ثم القاهري، الشافعي، وهو من خيرة العلماء العاملين، ومن القراء، والفقهاء، والمحدثين، واللغويين، والأصوليين، والمجتهدين.
ولد في ليلة الجمعة ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، ببلقينة، من الغربية إحدى مدن مصر، وحفظ بها القرآن، وصلى به وهو ابن سبع سنين، وحفظ الشاطبية، والمحرّر، والكافية الشافية في النحو، والمختصر الأصلي، وأقدمه أبيه القاهرة وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فعرض محافيظه على جماعة من العلماء مثل: «التقيّ السبكي، والجلال القزويني» وبهرهم بذكائه وكثرة محفوظاته وسرعة فهمه، ثم رجع به والده إلى بلدته.
ثم عاد به والده إلى القاهرة في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وقد ناهز الاحتلام فاستوطن القاهرة، وحضر الدروس على خيرة العلماء: ومن شيوخه في الفقه: «التقيّ السبكي».
وفي العربية، والصرف، والأدب، الأستاذ «أبي حيان»، ولازم «البهاء ابن عقيل»، وانتفع به كثيرا، وتزوج ابنته.
وسمع الحديث على مشاهير علماء الحديث وفي مقدمتهم: «ابن القمّاح، وابن غالي» وغيرهما.
وأجاز له الحافظان: «المزّي، والذهبي» وابن نباتة، وآخرون وحج مع والده سنة أربعين وسبعمائة، ثم بمفرده بعدها، وزار بيت المقدس.
وأذن له الأئمة بالافتاء، والتدريس، وعظمه أجلاء شيوخه، مثل «أبي حيان، والأصبهاني».
وناب في الحكم عن صهره: «ابن عقيل» واستقرّ بعده في التدريس بجامع «عمرو بن العاص» بالقاهرة.
وكان يدرس التفسير بجامع «ابن طولون». وولي إفتاء دار العدل رفيقا للبهاء السبكي، ثم قضاء الشام في سنة تسع وستين، عوضا عن «التاج السبكي» فباشره دون السنة.
ودخل «حلب» في سنة ثلاث وتسعين صحبة «الظاهر برقوق» واشتغل بها، وعيّن لقضاء مصر غير مرة، وشاع ذكره في الممالك قديما وحديثا، وعظمه الأكابر فمن دونهم.
احتلّ «عمرو بن رسلان» بعلمه مكانة سامية بين الجميع مما جعل العلماء يثنون عليه، ومما كتبه عنه «أبي حيان» قوله: «صار عمر بن رسلان إماما ينتفع به في الفنّ العربي مع ما منحه الله من علمه بالشريعة المحمدية بحيث نال في الفقه وأصوله الرتبة العليا، وتأهل للتدريس، والقضاء، والفتيا».
وقال «البرهان الحلبي»: «رأيته رجلا فريد دهره، لم تر عيناي أحفظ منه للفقه، وأحاديث الأحكام، وقد حضرت دروسه مرارا وهو يقرئ في مختصر مسلم للقرطبي، ويقرئه عليه شخص مالكي، ويحضر عنده فقهاء المذاهب الأربعة، فيتكلم على الحديث الواحد من بكرة إلى قريب الظهر، وربما أذّن الظهر ولم يفرغ من الحديث» .
ويعقب العلامة الشوكاني على هذا الخبر بقوله: «وهذا تبحر عظيم، وتوسع باهر فإن استغراق هذا الوقت الطويل في الكلام على حديث واحد يتحصل منه كراريس، وقد كان وقع الاتفاق على أنه أحفظ أهل عصره، وأوسعهم معارف، وأكثرهم علوما، ومع هذا فكان يتعانى نظم الشعر فيأتي بما يستحي منه، بل قد لا يقيم وزنه، والكمال لله وحده» .
وقال «الشمس محمد بن عبد الرحمن العثماني» قاضي صفد في طبقاته:
«عمر بن رسلان، شيخ الوقت، وإمامه، وحجته، انتهت إليه مشيخة الفقه في وقته، وعلمه كالبحر الزاخر، ولسانه أفحم الأوائل والأواخر».
وقال «الإمام الشوكاني»: أثنى عليه أكابر شيوخه، قال «ابن حجّي» كان احفظ الناس لمذهب الشافعي، واشتهر بذلك وشيوخه موجودون، قدم علينا دمشق قاضيا وهو كهل فبهر الناس بحفظه، وحسن عبارته، وجودة معرفته، وخضع له الشيوخ في ذلك الوقت، واعترفوا بفضله، ثم بعد ذلك رجع إلى القاهرة، وتصدر للفتيا، فكان معول الناس عليه في ذلك، وكثرت طلبته فنفعوا، وأفتوا، ودرّسوا، وصاروا شيوخ بلادهم، وهو حيّ، وله نظم وسط، وتصانيف كثيرة لم تتمّ. يبتدئ كتابا، فيصنف منه قطعة ثم يتركه، وقلمه لا يشبه لسانه»
وقال «شمس الدين السخاوي»: وقال شيخنا في مشيخة البرهان: إنه استمرّ مقبلا على الاشتغال متفرغا للتدريس والفتوى إلى أن عمّر وتفرّد، ولم يبق من يزاحمه، وكان كل من اجتمع به يخضع له لكثرة استحضاره، حتى يكاد يقطع بأنه يحفظ الفقه سردا من أول الأبياب إلى آخرها، لا يخفى عليه منه كبير أمر، وكان مع ذلك لا يحبّ أن يدرّس إلا بعد المطالعة. ثم يستطرد قائلا: واشتهر اسمه في الآفاق، وبعد صيته، إلى أن صار يضرب به المثل في العلم، ولا تركن النفس إلا إلى فتواه، وكان موفقا في الفتوى، يجلس لها من بعد صلاة العصر إلى الغروب، ويكتب عليها من رأس القلم غالبا، ولا يأنف إذا أشكل عليه شيء من مراجعة الكتب، ولا من تأخير الفتوى عنده إلى أن يحقق أمرها، وكان فيه من قوّة الحافظة وشدّة الذكاء ما لم يشاهد فيه مثله، وكان وقورا حليما، مهيبا سريع البادرة، سريع الرجوع، ذا همة عالية في مساعدة أصحابه، وأتباعه، وقد أفتى ودرس وهو شاب، وناظر الأكابر، وظهرت فضائله، وبهرت فوائده، وطار في الآفاق صيته، وانتهت إليه الرئاسة في الفقه، والمشاركة في غيره حتى كان لا يجتمع به أحد من العلماء إلا ويعترف بفضله، ووفور علمه، وحدّة ذهنه، وكان معظما عند الأكابر، عظيم السمعة عند العوام، إذا ذكر خضعت له الرقاب، حتى كان «الاسنوي» مع جلالة قدره يتوقّى الإفتاء مهابة له، وكانت آلة الاجتهاد فيه كاملة، وكان عظيم المروءة، جميل المودّة، كثير الاحتمال، مهيبا مع كثرة المباسطة لأصحابه، والشفقة عليهم، والتنويه بذكرهم.
وقال «الصلاح الأقفهسي»: كان «عمر بن رسلان» أحفظ الناس لمذهب الشافعي، لا سيما لنصوصه، مع معرفة تامة بالتفسير، والحديث والأصول، والعربية، مع الذهن السليم، والذكاء الذي على كبر السنّ لا يتغيّر، يفزع إليه في حلّ المشكلات فيحلّها، ويقصد لكشف المعضلات فيكشفها ولا يملّها، ولولا أن نوع الإنسان مجبول على النسيان لكان معدوما فيه، فلم يكن في عصره في الحفظ وقلة النسيان من يماثله بل ولا يدانيه، ولي قضاء دمشق،
وهي إذ ذاك غاصة بالفضلاء، فأقروا له بالتقدم في العلوم، ولم ينازعه واحد منهم في منطوق ولا مفهوم.
وقال «التقي الفاسي»: كان «عمر بن رسلان» واسع المعرفة بالفقه والحديث، وغيرهما، موصوفا بالاجتهاد.
وممن ترجمه «ابن خطيب الناصرية، وابن قاضي شهبة، والمقريزي».
وحكى العلاء البخاري، فيما سمعه منه «العز السنباطي» قال: قدم علينا من أخذ عن «البلقيني» فسألناه عنه فقال: هو في الفقه وكذا في الحديث بحر، وفي التفسير أيضا على طريقة «البغوي» وسألناه عنه في العقليات فقال: يقرئ تفسير «البيضاوي» للمبتدئ، والمتوسط، ولا يخرج عن عهدته للمنتهي .
وحكى «البساطي» عن شيخه «قنبر» أنه قال: ما جلست بمصر للإقراء حتى درت على حلق مشايخها كلهم، حتى «الخولاني» فلم أر فيهم مثل «البلقيني» في الحفظ.
وقال «شمس الدين السخاوي»: وفي كلام «الوليّ العراقي» في أواخر شرحه لجمع الجوامع ما يشير لأن «عمر بن رسلان» مجتهد، أو كونه هو والتقيّ السبكي طبقة واحدة، وكان في صفاء الخاطر، وسلامة الصدر بمكان بحيث يحكى عنه ما يفوق الوصف، وقيامه في إزالة المنكر شهير، وردعه لمن يخوض فيما لا يليق مستفيض، وكان يقول: ما أحد يقرئ الفرائض إلا وهو تلميذي، أو تلميذ تلميذي وقد أخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة، بل وأخذت عنه طبقة ثالثة.
ولم يزل «عمر بن رسلان» متفردا في جميع العلوم حفظا، وسردا لها حتى
توفاه الله تعالى قبل عصر يوم الجمعة حادي عشر ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة بالقاهرة، وصلى عليه ولده «الجلال» صبيحة الغد بجامع الحاكم، ودفن بمدرسته التي أنشأها بالقرب من منزله في حارة «بهاء الدين» عند ولده «البدر محمد» ورثاه جماعة، وأبدع مرثية فيه وهي تزيد على مائة بيت للشيخ «السخاوي» وأولها:
يا عين جودي لفقد البحر بالمطر ... واذري الدموع ولا تبقي ولا تذري
رحم الله «عمر بن رسلان» رحمة واسعة، وجزاه الله أفضل الجزاء.

معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ


 

عمر بن رسْلَان بن نصير بن صلح بن شهَاب بن عبد الْخَالِق بن عبد الْحق السراج أَبُو حَفْص الْكِنَانِي البُلْقِينِيّ ثمَّ القاهري الشَّافِعِي ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشر شعْبَان سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة ببلقينة من الغربية وَأول من قطنها من آبَائِهِ صلح وَحفظ بهَا الْقُرْآن وَصلى بِهِ وَهُوَ ابْن سبع والشاطبية وَالْمُحَرر والكافية وَالشَّافِعِيَّة فِي النَّحْو لِابْنِ مَالك والمختصر الْأَصْلِيّ، وأقدمه أَبوهُ الْقَاهِرَة وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَعرض محافيظه على جمَاعَة كالتقي السُّبْكِيّ والجلال الْقزْوِينِي وبهرهم بذكائه وَكَثْرَة محفوظه وَسُرْعَة فهمه ثمَّ رَجَعَ بِهِ ثمَّ عَاد مَعَه سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَقد ناهز الِاحْتِلَام فاستوطن الْقَاهِرَة وَحضر الدُّرُوس، وَمن شُيُوخه فِي الْفِقْه التقي السُّبْكِيّ وَلَكِن جلّ انتفاعه فِيهِ إِنَّمَا هُوَ بالشمسين ابْن عَدْلَانِ وَابْن القماح والنجم ابْن الأسواني والزين الْكِنَانِي والعز بن جمَاعَة وَفِي الْأُصُول الشَّمْس الْأَصْبَهَانِيّ صَاحب التَّفْسِير وَعنهُ أَخذ كثيرا من العقليات وَفِي الْعَرَبيَّة وَالصرْف وَالْأَدب الْأُسْتَاذ أَبُو حَيَّان ولازم الْبَهَاء بن عقيل وانتفع بِهِ كثيرا وَتزَوج ابْنَته وَسمع الحَدِيث على ابْن القماح وَابْن غالي والشهاب بن كشتغدي وَأبي الْفرج بن عبد الْهَادِي وَالْحسن بن السديد وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم التفليسي وَعبد الرَّحِيم بن شَاهد الْجَيْش وَالْحسن بن السديد وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم التفليسي وَعبد الرَّحِيم بن شَاهد الْجَيْش والميدومي وَأبي إِسْحَق إِبْرَاهِيم القطبي وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر الْحلَبِي خَاتِمَة أَصْحَاب الْكَمَال الضَّرِير وَآخَرين كالجمال أبي إِسْحَق التزمنتي وَأبي الْحرم القلانسي، وَأَجَازَ لَهُ الحافظان الْمزي والذهبي والشهاب أَحْمد بن عَليّ بن الْجَزرِي وَابْن نباتة وَخلق، وَخرج لَهُ شَيخنَا أَرْبَعِينَ حَدِيثا شطرها عَن شُيُوخ السماع وباقيها بِالْإِجَازَةِ وَكَذَا خرج لَهُ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ جُزْءا من حَدِيثه. وَحج مَعَ وَالِده سنة أَرْبَعِينَ ثمَّ بمفرده بعْدهَا وزار بَيت الْمُقَدّس وَاجْتمعَ بالعلائي وعظمه وَسكن الكاملية مُدَّة وَكَانَ يَحْكِي أَنه أول مَا دَخلهَا طلب من ناظرها بَيْتا فَامْتنعَ وَاتفقَ مَجِيء شَاعِر بقصيدة امتدحه بهَا وأنشده إِيَّاهَا بِحَضْرَتِهِ فَقَالَ لَهُ: قد حَفظتهَا فَقَالَ لَهُ النَّاظر: إِن كَانَ كَذَلِك أَعطيتك بَيْتا قَالَ: فأوردتها لَهُ سردا فَأَعْطَانِي بَيْتا، وَأذن لَهُ الْأَئِمَّة بالإفتاء والتدريس وعظمه أجلاء شُيُوخه كَأبي حَيَّان والأصبهاني جدا وناب فِي الحكم عَن صهره ابْن عقيل، وَبَلغنِي أَنه جلس بالجورة بعده وَاسْتقر فِي تدريس الخشابية بِجَامِع عَمْرو، وَكَذَا درس بالبديرية والحجازية والخروبية البدرية والملكية وَالتَّفْسِير بِجَامِع طولون وبالبرقوقية. وَولي إِفْتَاء دَار الْعدْل رَفِيقًا للبهاء السُّبْكِيّ ثمَّ قَضَاء الشَّام فِي سنة تسع وَسِتِّينَ عوضا عَن التَّاج السُّبْكِيّ فباشره دون السّنة وَجَرت لَهُ مَعَه أُمُور مَشْهُورَة وتعصبوا عَلَيْهِ مَعَ قَول الْعِمَاد بن كثير لَهُ حِينَئِذٍ أذكرتنا سمت ابْن تَيْمِية وَنَحْوه قَول ابْن شيخ الْجَبَل مَا رَأَيْت بعد ابْن تَيْمِية أحفظ مِنْك. وَدخل حلب فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين صُحْبَة الظَّاهِر برقوق وَمرَّة أُخْرَى بعْدهَا واشتغل بهَا وَعين لفضاء مصر غير مرّة وَلكنه لم يتم مَعَ ارتقائه لأعظم مِنْهُ حَتَّى صَار يجلس فَوق كبار الْقُضَاة بل ولي ابْنه فِي حَيَاته وشاع ذكره فِي الممالك قَدِيما وحديثا وعظمه الأكابر فَمن دونهم، وَمِمَّا كتبه لَهُ أَبُو حَيَّان أَنه صَار إِمَامًا ينْتَفع بِهِ فِي الْفَنّ الْعَرَبِيّ مَعَ مَا منحه الله من علمه بالشريعة المحمدية بِحَيْثُ نَالَ من الْفِقْه وأصوله الرُّتْبَة الْعليا وتأهل للتدريس وَالْقَضَاء والفتيا وَقَالَ صهره ابْن عقيل: هُوَ أَحَق النَّاس بالفتيا فِي زَمَانه وَقَالَ الشَّمْس مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن العثماني قَاضِي صفد فِي طبقاته: هُوَ شيخ الْوَقْت وإمامه وحجته انْتَهَت إِلَيْهِ مشيخة الْفِقْه فِي وقته وَعلمه كالبحر الزاخر وَلسَانه أفحم الْأَوَائِل والأواخر. وَقَالَ ابْن الحجي: كَانَ أحفظ النَّاس لمَذْهَب الشَّافِعِي واشتهر بذلك وطبقة شُيُوخه موجودون قدم علينا دمشق قَاضِيا وَهُوَ كهل فبهر بحفظه وَحسن عِبَارَته وجودة مَعْرفَته وخضع لَهُ الشُّيُوخ فِي ذَلِك الْوَقْت واعترفوا بفضله ثمَّ رَجَعَ وتصدى للفتيا فَكَانَ معول النَّاس عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَكَثُرت طلبته فنفعوا وأفتوا ودرسوا وصاروا شُيُوخ بِلَادهمْ وَهُوَ حَيّ قَالَ: وَله اختيارات فِي بَعْضهَا نظر كثير وَله نظم وسط وتصانيف كَثِيرَة لم تتمّ يَبْتَدِئ كتابا فيصنف مِنْهُ قِطْعَة ثمَّ يتْركهُ وقلمه لَا يشبه لِسَانه، وَقَالَ الْأَذْرَعِيّ: لم أر أحفظ لنصوص الشَّافِعِي مِنْهُ بل قَالَ الْبُرْهَان الْحلَبِي: رَأَيْته رجلا فريد دهره لم تَرَ عَيْنَايَ أحفظ للفقه وَأَحَادِيث الْأَحْكَام مِنْهُ وَقد حضرت دروسه مرَارًا وَهُوَ يقرئ فِي مُخْتَصر مُسلم للقرطبي يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ شخص مالكي ويحضر عِنْده فُقَهَاء الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فيتكلم على الحَدِيث الْوَاحِد من بكرَة إِلَى قريب الظّهْر وَرُبمَا أذن الظّهْر وَهُوَ لم يفرغ من الحَدِيث قَالَ: وَلم أر أحدا من الْعلمَاء الَّذين أدركتهم بِجَمِيعِ الْبِلَاد وَاجْتمعت بهم إِلَّا وهم يعترفون بفضله وَكَثْرَة استحضاره وَأَنه طبقَة وَحده فَوق جَمِيع الْمَوْجُودين حَتَّى أَن بعض النَّاس يقدمهُ على بعض الْمُتَقَدِّمين، وَنَحْوه قَول شَيخنَا فِي مشيخة الْبُرْهَان أَنه اسْتمرّ مُقبلا على الِاشْتِغَال متفرغا للتدريس وَالْفَتْوَى إِلَى أَن عمر وَتفرد وَلم يبْق من يزاحمه وَكَانَ كل من اجْتمع بِهِ يخضع لَهُ لِكَثْرَة استحضاره حَتَّى يكَاد يقطع بِأَنَّهُ يحفظ الْفِقْه سردا من أول الْأَبْوَاب إِلَى آخرهَا لَا يخفى عَلَيْهِ مِنْهُ كَبِير أَمر وَكَانَ مَعَ ذَلِك لَا يحب أَن يدرس إِلَّا بعد المطالعة، وَقَالَ فِي مُعْجَمه: وَذكر لي وَلَده الْجلَال أَنه كَانَ يلقى الْحَاوِي دروسا فِي أَيَّام يسيرَة من أغربها أَنه أَلْقَاهُ فِي ثَمَانِيَة أَيَّام، وَذكر لي الْبُرْهَان أَن الشَّيْخ قَالَ لَهُ أَنه كَانَ يحفظ من الْمُحَرر صفحة من وَقت ابْتِدَاء فلَان الْأَعْمَى صَلَاة الْعَصْر إِلَى انتهائه قَالَ: وَلم يكن يطول فِي صلَاته وَأَنه كَانَ يسْرد مُنَاسبَة أَبْوَاب الْفِقْه فِي نَحْو كراسة ويطرز ذَلِك بفوائد وشواهد بِحَيْثُ يقْضِي سامعه بِأَنَّهُ يستحضر فروع الْمَذْهَب كلهَا، ثمَّ قَالَ شَيخنَا: وَذكر الْكَمَال الدَّمِيرِيّ أَن بعض الْأَوْلِيَاء قَالَ لَهُ أَنه رأى قَائِلا يَقُول أَن الله يبْعَث على رَأس كل مائَة سنة لهَذِهِ الْأمة من يجدد لَهَا دينهَا بدئت بعمر وختمت بعمر، قَالَ شَيخنَا: واشتهر اسْمه فِي الْآفَاق وَبعد صيته إِلَى أَن صَار يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْعلم وَلَا تركن النَّفس إِلَّا إِلَى فتواه وَكَانَ موفقا فِي الْفَتْوَى يجلس لَهَا من بعد صَلَاة الْعَصْر إِلَى الْغُرُوب وَيكْتب عَلَيْهَا من رَأس الْقَلَم غَالِبا وَلَا يأنف إِذا أشكل عَلَيْهِ شَيْء من مُرَاجعَة الْكتب وَلَا من تَأْخِير الْفَتْوَى عِنْده إِلَى أَن يُحَقّق أمرهَا وَكَانَ ينقم عَلَيْهِ تَفْسِير رَأْيه فِي الْفَتْوَى وَمَا كَانَ ذَلِك إِلَّا لسعة دائرته فِي الْعلم وَكَانَ فِيهِ من الْقُوَّة الحافظة وَشدَّة الذكاء مَا لم يُشَاهد فِيهِ مثله، وَفِي شرح ذَلِك طول قَالَ: وَكَانَ وقورا حَلِيمًا مهيبا سريع البادرة سريع الرُّجُوع ذَا همة عالية فِي مساعدة أَصْحَابه وَأَتْبَاعه قَالَ: وَكَانَ مَعَ توسعه فِي الْعُلُوم يتعانى النّظم فَيَأْتِي مِنْهُ بِمَا يستحي من نسبته إِلَيْهِ وَرُبمَا لم يقم وَزنه، وَصَارَ يتعانى عمل المواعيد وَيقْرَأ عَلَيْهِ وَيتَكَلَّم فِي التَّفْسِير بِكَلَام فائق وينشد من شعره الْحسن المعني الركيك اللَّفْظ العاري عَن البديع مَا كَانَ الأول أَن يصان الْمجْلس عَنهُ زَاد فِي إنبائه وَيحصل لَهُ فِيهَا خشوع وخضوع، وَقَالَ فِيهِ أَنه أفتى ودرس وَهُوَ شَاب وناظر الأكابر وَظَهَرت فضائله وبهرت فَوَائده وطار فِي الْآفَاق صيته من قبل الطَّاعُون وانتهت إِلَيْهِ الرياسة فِي الْفِقْه والمشاركة فِي غَيره حَتَّى كَانَ لَا يجْتَمع بِهِ أحد من الْعلمَاء إِلَّا ويعترف بفضله ووفور علمه وحدة ذهنه، وَكَانَ مُعظما عِنْد الأكابر عَظِيم السمعة عِنْد الْعَوام إِذا ذكر خضعت لَهُ الرّقاب حَتَّى كَانَ الأسنوي يتوقى الْإِفْتَاء مهابة لَهُ لِكَثْرَة مَا كَانَ ينقب عَلَيْهِ فِي ذَلِك قَالَ: وَكَانَت آلَة الِاجْتِهَاد فِي الشَّيْخ كَامِلَة إِلَّا أَن غَيره فِي معرفَة الحَدِيث أشهر وَفِي تَحْرِير الْأَدِلَّة أمهر وَكَانَ عَظِيم الْمُرُوءَة جميل الْمَوَدَّة كثير الِاحْتِمَال مهيبا مَعَ كَثْرَة المباسطة لأَصْحَابه والشفقة عَلَيْهِم والتنويه بذكرهم، قَالَ: وَلم يكمل من مصنفاته إِلَّا الْقَلِيل لِأَنَّهُ كَانَ يشرع فِي الشَّيْء فلسعة علمه يطول عَلَيْهِ الْأَمر حَتَّى أَنه كتب من شرح البُخَارِيّ على نَحْو عشْرين حَدِيثا مجلدين وعَلى الرَّوْضَة عدَّة مجلدات تعقبات وعلق الْبَدْر الزَّرْكَشِيّ من خطه فِي حَوَاشِي نُسْخَة من الرَّوْضَة خَاصّا مجلدا ضخما ثمَّ جمعهَا الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ بعد مُدَّة فِي مجلدين وَقد أفرد لَهُ وَلَده الْجلَال تَرْجَمَة سرد فِيهَا من تصانيفه واختياراته جملَة، قلت وَكَذَا فعل وَلَده شَيخنَا الْعلم البُلْقِينِيّ وقرأتها عَلَيْهِ وَلذَا اختصرت تَرْجَمته خُصُوصا وَقد سرد شَيخنَا من تصانيفه فِي مُعْجَمه عدَّة مِمَّا كمل مِنْهَا محَاسِن الْإِصْلَاح. وَقَالَ الصّلاح الأقفهسي فِي مُعْجم ابْن ظهيرة: كَانَ أحفظ النَّاس لمَذْهَب الشَّافِعِي لَا سِيمَا لنصوصه مَعَ معرفَة تَامَّة بالتفسير والْحَدِيث والأصلين والعربية مَعَ الذِّهْن السَّلِيم والذكاء الَّذِي على كبر السن لَا يريم يفزع إِلَيْهِ فِي حل المشكلات فيحلها ويقصد لكشف المعضلات فيكشفها وَلَا يملها وَلَوْلَا أَن نوع الْإِنْسَان مجبول على النسْيَان لَكَانَ مَعْدُوما فِيهِ فَلم يكن فِي عصره فِي الْحِفْظ وَقلة النسْيَان من يماثله بل وَلَا يدانيه، ولي قَضَاء دمشق وَهِي إِذْ ذَاك غاصة بالفضلاء فأقروا لَهُ بالتقدم فِي الْعُلُوم وَلم ينازعه وَاحِد مِنْهُم فِي مَنْطُوق وَلَا مَفْهُوم. وَقَالَ التقي الفاسي فِي ذيل التَّقْيِيد: كَانَ وَاسع الْمعرفَة بالفقه والْحَدِيث وَغَيرهمَا مَوْصُوفا بِالِاجْتِهَادِ لم يخلف بعده مثله، وَمِمَّنْ تَرْجمهُ ابْن خطيب الناصرية وَابْن قَاضِي شُهْبَة والمقريزي وَحكى الْعَلَاء البُخَارِيّ فِيمَا سَمعه مِنْهُ الْعِزّ السنباطي قَالَ: قدم علينا من أَخذ عَن البُلْقِينِيّ فَسَأَلْنَاهُ عَنهُ فَقَالَ: هُوَ فِي الْفِقْه وَكَذَا فِي الحَدِيث بَحر وَفِي التَّفْسِير أَيْضا على طَريقَة الْبَغَوِيّ وسألناه عَنهُ فِي العقليات فَقَالَ: يقرئ الْبَيْضَاوِيّ للمبتدئ والمتوسط وَلَا يخرج عَن عهدته للمنتهى، وَنَحْوه مَا حَكَاهُ الْبِسَاطِيّ عَن شَيْخه قنبر أَنه قَالَ: مَا جَلَست بِمصْر للإقراء حَتَّى درت على حلق مشايخها كلهم حَتَّى الْخَولَانِيّ يَعْنِي الَّذِي كَانَ نَظِير التلواني فَلم أر فيهم مثل البُلْقِينِيّ فِي الْحِفْظ قَالَ: لكنه لم يكن عِنْده تَحْقِيق، وَهَذَا مَحْمُول على أَنه كَانَ يستروح وَإِلَّا فَهُوَ إِذا توجه للتحقيق كَانَ من أجل الْمُحَقِّقين وَقد بَلغنِي أَن الْعِزّ بن جمَاعَة الْمُتَأَخر التمس مِنْهُ قِرَاءَة الْحَاوِي نظرا وتحقيقا ملاحظا اسْتِعْمَال الْآلَات فَأَقْرَأهُ فِيهِ دروسا ثمَّ طلع لَهُ الشَّيْخ بعْدهَا وعَلى يَدَيْهِ حرارة فَأرَاهُ إِيَّاهَا قَائِلا لَهُ: انْظُر يَا ابْني يَا مُحَمَّد فقد أتعبتني أَو كَمَا قَالَ، وَمِمَّا بَلغنِي من وفور همته قِيَامه هُوَ والأبناسي فِي زَوَال مَا حل بِابْن الملقن من المحنة وَكَذَا فِي كفهما الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ عَن ابْن الملقن كَمَا سأشير لذَلِك فِي تَرْجَمته، وَكَذَا مِمَّا بلغنَا قَول الْبَدْر البشتكي أَن الشَّيْطَان وجد طرقه عَن البُلْقِينِيّ مسدودة فَحسن لَهُ نظم الشّعْر بل كَانَ الْبَدْر سَببا لتحويل تَسْمِيَة مُصَنفه بالفوائد المنتهضة على الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة إِلَى الْفَوَائِد الْمَحْضَة حَيْثُ صَار يَقُول على الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة بِفَتْح الْوَاو حَتَّى تتمّ الموازنة مَعَ عدم لُزُوم ذَلِك فِي الشّعْر فضلا عَن غَيره، وَفِي كَلَام الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ فِي أَوَاخِر شَرحه لجوامع مَا يُشِير لِأَنَّهُ مُجْتَهد أَو كَونه هُوَ والتقي السُّبْكِيّ طبقَة وَاحِدَة، وَكَانَ فِي صفاء الخاطر وسلامة الصَّدْر بمَكَان بِحَيْثُ يحْكى عَنهُ مَا يفوق الْوَصْف واعتقاده فِي الصَّالِحين وَرَاء الْعقل وتنفيره عَن ابْن عَرَبِيّ ومطالعة كتبه أشهر من أَن أصفه وقيامه فِي إِزَالَة الْمُنكر من إبِْطَال المكوس والخانات وَنَحْوهَا شهير وردعه لمن يَخُوض فِيمَا لَا يَلِيق مستفيض بِحَيْثُ أَنه أرسل خلف من بلغه عَنهُ أَنه يُفَسر الْقُرْآن بالتقطيع فزبره بِحَيْثُ خَافَ وَمَا وَسعه إِلَّا الْإِنْكَار وَبَالغ فِي زجر بعض الحلقية لما بلغه عَنهُ أَنه يحاكي الْفُقَهَاء فِي عمائمهم وَكَلَامهم مِمَّا لَو بسطته كُله لطال وَكَانَ يَقُول: مَا أحد يقرئ الْفَرَائِض إِلَّا وَهُوَ تلميذي أَو تلميذ تلميذي لكَون الشَّيْخ مُحَمَّد الكلائي صَاحب الْمَجْمُوع سَأَلَ مَسْأَلَة، وَقد أَخذ عَنهُ النَّاس طبقَة بعد طبقَة بل وَأخذت عَنهُ طبقَة ثَالِثَة فَمن الأولى الْبَدْر الزَّرْكَشِيّ وَابْن الْعِمَاد والعز بن جمَاعَة ثمَّ الْبرمَاوِيّ وَالْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ والبرهان الْحلَبِي وَالْجمال بن ظهيرة والزين الفاسكوري والمحب بن نصر الله والسراج قاري الْهِدَايَة ثمَّ شَيخنَا وَابْن عمار والأقفهسي والتقي الفاسي، ولقينا خلقا مِمَّن تفقه بِهِ خاتمتهم الشَّمْس الشنشي وثنا عَلَيْهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ وَلست أتوقف فِي ولَايَته، وَهُوَ فِي عُقُود المقريزي، مَاتَ قبيل عصر يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَصلى عَلَيْهِ وَلَده الْجلَال صَبِيحَة الْغَد بِجَامِع الْحَاكِم وَدفن بمدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا بِالْقربِ من منزله فِي حارة بهاء الدّين عِنْد وَلَده الْبَدْر مُحَمَّد ورثاه جمَاعَة وأبدع مرثية فِيهِ لشَيْخِنَا أَولهَا:
(يَا عين جودي لفقد الْبَحْر بالمطر ... واذري الدُّمُوع وَلَا تبقي وَلَا تذري) وَهِي تزيد على مائَة بَيت مَشْهُورَة وَكثر أَسف النَّاس عَلَيْهِ، قَالَ شَيخنَا: وبلغتني وَفَاته وَأَنا مَعَ الحجيج رَحمَه الله وإيانا.

ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي.

 

عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني، العسقلاني الأصل، ثم البلقيني المصري الشافعيّ، أبو حفص، سراج الدين:
مجتهد حافظ للحديث، من العلماء بالدين. ولد في بلقِينة (من غربية مصر) وتعلم بالقاهرة. وولي قضاء الشام سنة 769 هـ وتوفي بالقاهرة.
من كتبه " التدريب - خ " في فقه الشافعية، لم يتمه، و " تصحيح المنهاج - خ " ست مجلدات، فقه، و " الملمات برد المهمات - خ " فقه، و " محاسن الاصطلاح " في الحديث، و " حواش على الروضة " مجلدان، و " الأجوبة المرضية عن المسائل المكية " و " مناسبات تراجم أبواب البخاري - خ " و " الفتاوى - خ " في الأزهر .

-الاعلام للزركلي-

 

عمر بن رسْلَان بن بَصِير بن صَالح بن شهَاب بن عبد الْخَالِق ابْن عبد الْحق السراج البلقيني
ثمَّ القاهري الشافعي ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة ببلقينة فحفظ بهَا الْقرَان وَهُوَ ابْن سبع والشاطبية وَالْمُحَرر والكافية والشافية والمختصر الأصلي ثمَّ أقدمه أَبوهُ الْقَاهِرَة وَهُوَ ابْن اثنتي عشرَة سنة فَعرض محافيظه على جمَاعَة كالتقي السبكي والجلال القزويني وفَاق بذكائه وَكَثْرَة محفوظاته وَسُرْعَة فهمه ثمَّ رَجَعَ بِهِ أَبوهُ ثمَّ عَاد مَعَه وَقد ناهز الِاحْتِلَام فاستوطن الْقَاهِرَة وَقَرَأَ على أَعْيَان الْعلمَاء فِي الْفُنُون كالشيخين الْمُتَقَدِّمين والعز بن جمَاعَة وَابْن عَدْلَانِ وَسمع من خلق وَأَجَازَ لَهُ الأكابر وَمِمَّا يحْكى من حفظه أَنه أول مَا دخل الكاملية طلب من ناظرها بَيْتا فَامْتنعَ وَاتفقَ مجئ شَاعِر النَّاصِر بقصيدة وأنشده اياها بِحَضْرَة صَاحب التَّرْجَمَة فَقَالَ للنَّاظِر قد حَفظتهَا فَقَالَ لَهُ النَّاظر ان كَانَ كَذَلِك أَعطيتك بَيْتا فأملاها لَهُ من حفظه جَمِيعهَا فاعطاه الْبَيْت وَمَا زَالَ يطْلب الْعلم على عُلَمَاء الْقَاهِرَة حَتَّى برع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الاقران وَتفرد بِكَثِير من المعارف وَقَالَ لَهُ ابْن كثير أذكرتنا ابْن تَيْمِية وَكَذَلِكَ قَالَ لَهُ ابْن شيخ الْجَبَل مَا رَأَيْت بعد ابْن تَيْمِية أحفظ مِنْك وَدخل حلب فِي سنة 793 صُحْبَة الظَّاهِر برقوق وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة وَعين لقَضَاء مصر غير مرة وَلم يتم مَعَ كَونه فِي ذَلِك يترفع عَنهُ وَيجْلس فَوق كبار الْقُضَاة بل ولى ابْنه فِي حَيَاته وشاع ذكره فِي الممالك وعظمته الأكابر فَمن دونهم وَأثْنى عَلَيْهِ أكَابِر شُيُوخه قَالَ ابْن حجي كَانَ أحفظ النَّاس لمَذْهَب الشافعي واشتهر بذلك وشيوخه موجودون قدم علينا دمشق قَاضِيا وَهُوَ كهل فبهر النَّاس بحفظه وَحسن عِبَارَته وجودة مَعْرفَته وخضع لَهُ الشُّيُوخ فِي ذَلِك الْوَقْت واعترفوا بفضله ثمَّ بعد ذَلِك تصدر للفتيا والتدريس فكثرت طلبته وصاروا شُيُوخًا فِي حَيَاته وَله تصانيف كَثِيرَة لم تتم لِأَنَّهُ يَبْتَدِئ كتاباً فيصنّف مِنْهُ قِطْعَة ثمَّ يتْركهُ قَالَ الْبُرْهَان الحلبي رَأَيْته رجلاً فريد دهره لم تَرَ عيناي أحفظ مِنْهُ للفقه وَأَحَادِيث الأحكام وَقد حضرت دروسه مرَارًا وَهُوَ يقرئ فِي مُخْتَصر مُسلم للقرطبي يقرأه عَلَيْهِ شخص مالكي ويحضر عِنْده فُقَهَاء الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فيتكلم على الحَدِيث الْوَاجِد من بكرَة إلى قريب الظّهْر وَرُبمَا أذن الظّهْر وَلم يفرغ من الحَدِيث انْتهى وَهَذَا تبحر عَظِيم وَتوسع باهر فان استغراق هَذَا الْوَقْت الطَّوِيل فِي الْكَلَام على حَدِيث وَاحِد يتَحَصَّل مِنْهُ كراريس وَقد كَانَ وَقع الِاتِّفَاق على أَنه أحفظ أهل عصره وأوسعهم معارفاً وَأَكْثَرهم علوماً وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يتعانى نظم الشّعْر فيأتى يما يستحي مِنْهُ بل قد لَا يُقيم وَزنه والكمال لله قَالَ ابْن حجر وَكَانَت آلات الِاجْتِهَاد فِيهِ كَامِلَة قَالَ وَلم يكمل من مصنفاته إلا الْقَلِيل لأنه كَانَ يشرع فِي الشئ فلسعة علمه يطول عَلَيْهِ الأمر حَتَّى أنه كتب من شرح البخاري على نَحْو عشْرين حَدِيثا مجلدين وعَلى الرَّوْضَة عدَّة مجلدات تعقبات وعَلى الْبَدْر للزركشي مجلداً ضخماً قَالَ الْبَدْر البشبكي أنّ الشَّيْطَان وجد طرقه عَن البلقيني مسدودة فَحسن لَهُ نظم الشّعْر وَله مصنفات كَثِيرَة قد سردها وَلَده الْجلَال فِي تَرْجَمته وَلم يزل متفرداً فِي جَمِيع الأنواع العلمية حفظاً وسرداً لَهَا كَمَا هي حَتَّى توفاه الله تَعَالَى فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشْرين الْقعدَة سنة 805 خمس وثمان مائَة

البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني

 

 

البُلْقِينِيّ
هُوَ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ الْفَقِيه ذُو الْفُنُون الْمُجْتَهد سراج الدّين أَبُو حَفْص عمر بن رسْلَان بن نصير بن صَالح بن شهَاب بن عبد الْخَالِق بن مُحَمَّد بن مُسَافر الْكِنَانِي الشَّافِعِي
ولد فِي ثَانِي شعْبَان سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَسمع من ابْن القمحاح وَابْن عبد الْهَادِي وَابْن شَاهد الْجَيْش وَآخَرين وَأَجَازَ لَهُ الْمزي والذهبي وَخلق لَا يُحصونَ
وَأخذ الْفِقْه عَن ابْن عَدْلَانِ والتقي السُّبْكِيّ والنحو عَن أبي حَيَّان وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْمَذْهَب والإفتاء وَولي قَضَاء الشَّام سنة تسع وَسِتِّينَ عوضا عَن تَاج الدّين السُّبْكِيّ فباشره دون السّنة وَولي تدريس الخشابية وَالتَّفْسِير بِجَامِع ابْن طولون والظاهرية وَغير ذَلِك
وَألف فِي علم الحَدِيث محَاسِن الْإِصْلَاح وتضمين ابْن الصّلاح وَله شرح على البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَأَشْيَاء أخر مَاتَ فِي عَاشر ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانمِائَة

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقينى سراج الدين
أبو حفص.
أخذ عن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدة المعروف بابن القماح وغيره أجاز لابن مرزوق سنة 792 من نظمه مجيبا لابن عرفة عن السؤال الذى بعث به لمصر فى مسألة الرجراحى، وقد تندم سؤاله نظما في ترجمته، فأجابه البلقينى بقوله:
ما كان من شيم الأبرار أن يسموا … بالفسق شيخا على الخيرات قد جبلا 
لا لا ولكن إذا ما أبصروا خللا … كسوه من حسن تأويلاتهم حللا 
أليس قد قال في المنهاج صاحبه … يسوغ ذاك لمن قد يحتشى زللا 
وقد رويت عن ابن القاسم العتقى … فيما اقتصرت كلاما أوضح السّبلا 
ما إن تردّ شهاد [ا] ت لتاركها … إن كان بالعلم والنقوى قد احتفلا
كذا الفقيه أبو عمران سوغه … لمن تحمّل خوفا واقتنى عملا
نعم وقد كان في الأعلين منزلة … من جانب الجمع والجمعات واعتزلا
كمالك غير مبد فيه معذرة … إلى الوفاة ولم يثلم وما عدلا 
هذا أوان الذى أبداه متضح … أخذ الأئمة أجرا منه نقلا
وهبك رأيا يرى جوازه نظرا … فما اجتهادك أولى بالصّواب ولا؟ !
توفى سنة 785 .
الصواب أن وفاته سنة خمس وثمانمائة؛ ولد ببلقينة من أعمال مركز المحلة بمصر سنة 724 وحفظ القرآن وهو بن سبع وأذن له في الفتيا وهو ابن خمس عشرة، وأثنى عليه العلماء وهو شاب، وانفرد بأخرة برياسة العلم، وولى إفتاء دار العدل وقضاء دمشق سنة 769 ثم عاد إلى القاهرة إلى أن توفى بها. له «تصحيح المنهاج» ست مجلدات في الفقه، والتدريب فى فقه الشافعية لم يتمه وغير ذلك. راجع ترجمته في شذرات الذهب 7/ 51 - 52 والضوء اللامع 6/ 85، وتاج العروس 9/ 143، وحسن المحاضرة 1/ 329 - 335، والنجوم الزاهرة 13/ 29 - 30، ووفيات ابن قنفذ ص 380 - -381، والبدر الطالع 1/ 506.
ذيل وفيات الأعيان المسمى «درّة الحجال في أسماء الرّجال» المؤلف: أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى (960 - 1025 هـ‍)