محمد بن عبد الله بن سعيد التلمساني الغرناطي ابن الخطيب

لسان الدين ابن الخطيب

تاريخ الولادة713 هـ
تاريخ الوفاة776 هـ
العمر63 سنة
مكان الولادةغرناطة - الأندلس
مكان الوفاةفاس - المغرب
أماكن الإقامة
  • غرناطة - الأندلس
  • قرطبة - الأندلس
  • فاس - المغرب
  • مراكش - المغرب

نبذة

لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد التلمساني الغرناطي يعرف بابن الخطيب: البارع الأديب الألمعي الأريب الشهير الذكر الجليل القدر المتبحر في العلوم الحامل لواء المنثور والمنظوم صاحب الفنون المنوعة والتآليف العجيبة ذو الوزارتين. أخذ عن أعلام منهم أبو عبد الله العواد وأبو الحسن القيجاطي وأبو القاسم بن جزي وابن الفخار لازمه وانتفع به وابن الجياب وأبو عبد الله بن جابر وأخوه أبو جعفر وأحمد الجنان وأبو البركات ابن الحاج وابن مرزوق الجد وأبو محمد بن سلمون وأخوه القاضي أبو القاسم سلمون وابن ليون

الترجمة

لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد التلمساني الغرناطي يعرف بابن الخطيب: البارع الأديب الألمعي الأريب الشهير الذكر الجليل القدر المتبحر في العلوم الحامل لواء المنثور والمنظوم صاحب الفنون المنوعة والتآليف العجيبة ذو الوزارتين. أخذ عن أعلام منهم أبو عبد الله العواد وأبو الحسن القيجاطي وأبو القاسم بن جزي وابن الفخار لازمه وانتفع به وابن الجياب وأبو عبد الله بن جابر وأخوه أبو جعفر وأحمد الجنان وأبو البركات ابن الحاج وابن مرزوق الجد وأبو محمد بن سلمون وأخوه القاضي أبو القاسم سلمون وابن ليون وابن لب والوزير الرندي وأبو عمر بن أبي جعفر بن الزبير وأبو الحسن التلمساني وأبو القاسم بن البنا والقاضي أبو عبد الله المقري وأبو القاسم الشريف ومن لا يعد كثرة، وعنه جماعة منهم الوزير ابن زمرك وأبو بكر بن عاصم، ألّف تآليف بديعة في فنون من العلم نحو الستين: منها الإحاطة في أخبار غرناطة كتاب جليل، وريحانة الكتاب، وعائد الصلة وصل به صلة ابن الزبير، ونفاضة الجراب، وحمل الجمهور على السنن المشهور، وسد الذريعة في تفضيل الشريعة، وكتاب الأعلام بالتاريخ, والإكليل الزاهر في فضل نظم التاج من الجواهر، والتاج المحلى في مسألة القدح المعلى، والكتيبة الكامنة في أدباء المائة الثامنة، وروضة التعريف بالحسب الشريف في التصوف، وخطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف، وبستان الدول شجرات عشر: شجرة السلطان ثم الوزارة ثم العمل ثم الجهاد أسطولاً وخيولاً ثم المضطر إليهم في باب السلطنة من الأطباء والمنجمين والندماء والشعراء وغيرهم ثم الرعايا في أسفار موضوع غريب ما سمع بمثله وقيل أن يشغر عنه فن من الفنون، وتلخيص الذهب في اعتبار عيون كتب الأدب، وكتاب الاعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإِسلام وهو آخر مؤلفاته، والبيطرة في محاسن الخيل وغيرها، والأصول في حفظ الصحة في الفصول، وجزء في الطب، ورجز في الأغذية ورجز في السياسة، وكتاب الوزارة، وألفية في أصول الفقه، ورسالة في الطاعون وغير ذلك مما هو كثير في فنون شتى، له ترجمة واسعة ذكرها غير واحد منهم الشهاب المقري ذكرها في أزهار الرياض وفي نفح الطيب وأطال وكان تأليفه وضع لأجله. مولده سنة 713 هـ قتل بفاس في خبر طويل الذيل فاتح عام 776 هـ[1374 م] ودفن بمقبرة باب المحروق وفيها توفي أبو العباس أحمد بن يحيى التلمساني ويعرف بابن أبي حجلة.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف

مُحَمَّد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن على ابْن أَحْمد التلمساني القرطبي الأَصْل
كَانَ سلفه نزلُوا طليطلة ثمَّ لوسة ثمَّ غرناطة ولد فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من رَجَب سنة 713 ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة بلوسة وَكَانَ سلفه قَدِيما يعْرفُونَ ببني وَزِير ثمَّ صَارُوا يعْرفُونَ ببني خطيب نِسْبَة إِلَى سعيد جده الْأَعْلَى واشتهر صَاحب التَّرْجَمَة بِلِسَان الدَّين بن الْخَطِيب وَنَشَأ فَقَرَأَ الْقُرْآن والعربية على أَبى الْقَاسِم بن جزي وأبي عبد الله بن النجار وَسمع من أَبى عبد الله بن جَابر وَجَمَاعَة عدَّة وتأدب بِابْن الجناب وَأخذ الطِّبّ والمنطق والحساب عَن يحيى بن هُذَيْل الفيلسوف وبرز فِي الطِّبّ وتولع بالشعر فبرع فِيهِ وَترسل فأجاد وفَاق أقرانه واتصل بالسلطان أَبى الْحجَّاج يُوسُف ابْن أَبى الْوَلِيد بن نصر الْأَحْمَر فمدحه وتقرب مِنْهُ واستكتبه من تَحت يَد أَبى الْحسن بن الجناب إِلَى أَن مَاتَ أَبُو الْحسن فِي الطَّاعُون الْعَام فاستقل بِكِتَابَة السِّرّ وأضاف إِلَيْهِ رسوم الوزارة وَاسْتَعْملهُ فِي السفارة إِلَى الْمُلُوك واستنابه فِي جَمِيع مَا يملكهُ فَلَمَّا قتل ابْن الْحجَّاج سنة 755 وَقَامَ ابْنه مُحَمَّد اسْتمرّ ابْن الْخَطِيب على وزارته واستكتب مَعَه غَيره ثمَّ أرْسلهُ إِلَى عيان المرسي بفاس ليستنجده فمدحه فاهتز لَهُ وَبَالغ فِي اكرامه فَلَمَّا خلع مُحَمَّد وتغلب أَخُوهُ إِسْمَاعِيل على السلطنة قبض على صَاحب التَّرْجَمَة بعد أن كَانَ أَمنه واستأصل نعْمَته وَلم يكن بالأندلس مثلهَا من المستغلات وَالْعَقار والمنقولات وسجن وَاسْتمرّ مسجونا إِلَى أَن وَردت شَفَاعَة أَبى سَالم ابْن أبي عيان فِيهِ وَجعل خلاصه شرطا فِي مسالمة الدولة وَكَذَلِكَ خلاص السُّلْطَان مُحَمَّد بن أَبى الْحجَّاج من السجْن فخلصا وانتقلا إِلَى أَبى عيان فاستقرا فِي مَدِينَة فاس وَبَالغ فِي إكرامهما ثمَّ نقل صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى مَدِينَة مراكش فَأكْرمه عمالها ثمَّ شفع لَهُ أَبُو سَالم مرة ثَانِيَة فَردَّتْ عَلَيْهِ ضيَاعه بغرناطة إِلَى أَن عَاد السُّلْطَان مُحَمَّد إِلَى السلطنة فَقدم عَلَيْهِ صَاحب التَّرْجَمَة بأَهْله فَأكْرمه وقلده مَا وَرَاء بَابه فباشر ذَلِك مُقْتَصرا على الْكِفَايَة رَاضِيا بالدون من الثِّيَاب هاجرا للتأنق فِي جَمِيع أَحْوَاله صادعا بِالْحَقِّ وَعمر زَاوِيَة ومدرسة وصلحت أُمُور سُلْطَانه على يَده فَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن وَقع بَينه وَبَين عُثْمَان بن يحيى بن عمر شيخ الْقرَاءَات منافرة أدَّت إِلَى نفي عُثْمَان الْمَذْكُور فِي شهر رَمَضَان سنة 764 فَظن ابْن الْخَطِيب أَن الْوَقْت صفا لَهُ وَأَقْبل سُلْطَانه على اللَّهْو وَانْفَرَدَ هُوَ بتدبير المملكة فكثرت القالة فِيهِ من الحسدة واستشعر فِي آخر الْأَمر أَنهم سعوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان وخشى البادرة فَأخذ فِي التحيل فِي الْخَلَاص وراسل أبي سَالم صَاحب فاس فِي اللحاق بِهِ وَخرج مظْهرا أَنه يُرِيد تفقد الثغور الغربية فَلم يزل حَتَّى حَاذَى جبل الْفَتْح فَركب الْبَحْر إِلَى سبتة وَدخل مَدِينَة فاس سنة 773 فَتَلقاهُ أَبُو سَالم وَبَالغ فِي إكرامه وأجرى لَهُ الرَّوَاتِب فَاشْترى بهَا ضيَاعًا وبساتين فَبلغ ذَلِك أعداءه بالأندلس فسعوا بِهِ عِنْد السُّلْطَان مُحَمَّد حَتَّى أذن لَهُم فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِمَجْلِس الْحَاكِم بِكَلِمَات كَانَت تصدر مِنْهُ وينسب إليه واثبتوا ذَلِك وسألوه الحكم بِهِ فَحكم بزندقته وإراقة دَمه وَأَرْسلُوا صُورَة الْمَكْتُوب إِلَى فاس فَامْتنعَ أَبُو سَالم وَقَالَ هلا أقمتم ذَلِك عَلَيْهِ وَهُوَ عنْدكُمْ فأما مَا دَامَ عندي فَلَا يُوصل إِلَيْهِ فاستمر على حَالَته بفاس إِلَى أَن مَاتَ أَبُو سَالم فَلَمَّا تسلطن أَبُو الْعَبَّاس بعده أغراه بِهِ أعداؤه فَلم يزَالُوا بِهِ حَتَّى قبض عَلَيْهِ وسجن فَبلغ ذَلِك سُلْطَان غرناطة فأرسل وزيره أَبَا عبد الله إِلَى أَبى الْعَبَّاس بِسَبَبِهِ فَلم يزل بِهِ حَتَّى أذن لَهُم فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ عِنْد القاضي فباشر الدَّعْوَى أَبُو عبد الله فِي مجْلِس السُّلْطَان فَأَقَامَ الْبَيِّنَة بالكلمات الَّتِى أَثْبَتَت عَلَيْهِ فعزره القاضي بالْكلَام ثمَّ بالعقوبة ثمَّ بالسجن فطرق عَلَيْهِ السجْن بعد أَيَّام لَيْلًا فخنق وَأخرج من الْغَد فَدفن فَلَمَّا كَانَ من الْغَد وجد على شَفير قَبره محروقا فأعيد إِلَى حفرته وَقد احْتَرَقَ شعره واسودت بَشرته وَذَلِكَ فِي سنة 776 سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَتكلم عِنْد أن أَرَادوا قَتله الأبيات الَّتِى مِنْهَا
(فَقل للعدا ذهب ابْن الْخَطِيب ... وَفَاتَ فسبحان من لَا يفوت)
(فَمن كَانَ يشمت مِنْكُم بِهِ ... فَقل يشمت الْيَوْم من لَا يَمُوت)
وَذكر الشَّيْخ مُحَمَّد القصباني إن ابْن الْأَحْمَر وَجهه رَسُولا إِلَى ملك الإفرنج فَلَمَّا أراد الرُّجُوع أخرج لَهُ ملك الإفرنج كتابا من ابْن الْخَطِيب بِخَطِّهِ يشْتَمل على نظم ونثر فِي غَايَة الْحسن والبلاغة فأقرأه إِيَّاه فَلَمَّا فرغ من قِرَاءَته قَالَ لَهُ مثل هَذَا يقتل وَبكى حَتَّى بل لحيته وثيابه وَمن مصنفات صَاحب التَّرْجَمَة التَّاج فِي أدباء الماءة الثَّامِنَة والإكليل الزَّاهِر وَهَذَانِ الكتابان يشتملان على تراجم أدباء الْمغرب وَجَمِيع مَا فيهمَا من الْكَلَام مسجوع وَله طرفَة الْعَصْر فِي دولة بنى نصر ثَلَاث مجلدات وديوان شعره فِي مجلدين وَحمل الْجُمْهُور على السّنَن الْمَشْهُور واليوسفى فِي الطِّبّ مجلدان ونفاضة الجراب فِي علالة الاغتراب أَرْبَعَة أسفار ورقم الْحلَل فِي نظم الدول أرجوزة ونثر لَو جمع لزاد على عشرَة مجلدات وَمن نظمه
(مَا ضرني أن لم أجئ مُتَقَدما ... السَّبق يعرف آخر الْمِضْمَار)
(وَلَئِن غَدا ربع البلاغة بلقعا ... فلرب كنز فِي أساس جِدَار)

 

وَمن نظمه
(يامن بِأَكْنَافِ فؤادي رتع ... قد ضَاقَ بِي عَن حبك المتسع)
(مافيك لي جدوى وَلَا ارعواء ... منح مُطَاع وَهوى مُتبع)
وَلَعَلَّ صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ الذي ألف الْمقري فِي مناقبه الْكتاب الْمُسَمّى نفح الطيب فِي مَنَاقِب لِسَان الدَّين بن الْخَطِيب والمؤلف من الْمَوْجُودين بعد الْألف وَقد وصف من محاسنه مَا يشنف الأسماع
وَقَتله على الصفة الْمَذْكُورَة هُوَ من تِلْكَ المجازفات الَّتِي صَار يرتكبها قُضَاة الْمَالِكِيَّة ويريقون بهَا الدِّمَاء الْمُسلمين بِلَا قُرْآن وَلَا برهَان وَأما وجوده على شَفير الْقَبْر محرقا فَلَا ريب أَن ذَلِك من صنع أعدائه وَلَيْسَ بجرم وَلَا فِيهِ دَلِيل على صِحَة مَا امتحن بِهِ فَإِن الأَرْض قد قبلت فِرْعَوْن وهامان وَسَائِر أساطين الكفران

البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني

 

 

أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الخطيب (713 - 766) الوزير الكاتب الشاعر صاحب المصنفات الشهيرة.

أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.

 

 

محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب:
وزير مؤرخ أديب نبيل. كان أسلافه يعرفون ببني الوزير.
ولد ونشأ بغرناطة. واستوزره سلطانها أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل (سنة 733 هـ ثم ابنه (الغَنِيّ باللَّه) محمد، من بعده. وعظمت مكانته. وشعر بسعي حاسديه في الوشاية به، فكاتب السلطان عبد العزيز ابن علي المريني، برغبته في الرحلة إليه. وترك الأندلس خلسة إلى جبل طارق، ومنه إلى سبتة فتلمسان (سنة 773) وكان السلطان عبد العزيز بها، فبالغ في إكرامه، وأرسل سفيرا من لدنه إلى غرناطة بطلب أهله وولده، فجاؤوه مكرمين. واستقر بفاس القديمة.
واشترى ضياعا وحفظت عليه رسومه السلطانية. ومات عبد العزيز، وخلفه ابنه السعيد باللَّه، وخلع هذا، فتولى المغرب السلطان (المستنصر) أحمد بن إبراهيم، وقد ساعده (الغني باللَّه) صاحب غرناطة مشترطا عليه شروطا منها تسليمه (ابن الخطيب) فقبض عليه المستنصر.
وكتب بذلك إلى الغني باللَّه، فأرسل هذا وزيره (ابن زمرك) إلى فاس، فعقد بها مجلس الشورى، وأحضر ابن الخطيب، فوجهت إليه تهمة (الزندقة) و (سلوك مذهب الفلاسفة) وأفتى بعض الفقهاء بقتله، فأعيد إلى السجن. ودسّ له رئيس الشورى (واسمه سليمان بن داود) بعض الأوغاد (كما يقول المؤرخ السلاوي) من حاشيته، فدخلوا عليه السجن ليلا، وخنقوه. ثم دفن في مقبرة (باب المحروق) بفاس. وكان يلقب بذي الوزارتين: القلم والسيف، ويقال له (ذو العمرين) لاشتغاله بالتصنيف في ليله، وبتدبير المملكة في نهاره. ومؤلفاته تقع في نحو ستين كتابا،
منها (الإحاطة في تاريخ غرناطة - ط) جزآن منه، و (الإعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام - خ) في مجلدين، منه مصورة في الرباط (1318 د) عن أصل في القرويين، طبعت نبذة منه، و (الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية - ط) ويجزم سيبولد. C E Ceybold بأنه ليس من تأليفه، و (اللمحة البدرية في الدولة النصرية - ط) و (رقم الحلل في نظم الدول - ط) و (نفاضة الجراب - ط) في أخبار الأندلس، و (معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار - ط) و (الكتيبة الكامنة - خ) في أدباء المئة الثامنة في الأندلس، طبع منه بفاس 64 صفحة، و (روضة التعريف بالحب الشريف - ط) و (التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى - خ) و (خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف - خ) و (درة التنزيل - خ) والخلاف قائم في نسبته إليه. وقد رأيت مخطوطة في في الرباط (120 أوقاف) وعليها: أملاه محمد بن عبد الله الخطيب. وفيها أوراق بخط الزركشي. و (السّحر والشعر - خ) رأيت منه نسخة نفيسة في خزانة الرباط (د 121) و (عمل من طبّ لمن حب - خ) و (طرفة العصر في دولة بني نصر) و (ريحانة الكتاب - ط) مجموع رسائل، و (ديوان شعر - خ) و (الدكان بعد انتقال السكان - خ) يشتمل على رسائل كتبها في مدينة (سلا) . وعلى اسمه صنف المقري كتابه العظيم (نفح الطيب، من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب) ومما كتب في سيرته (ابن الخطيب من خلال كتبه - ط) جزآن، لمحمد ابن أبي بكر التطواني، و (الفلسفة والأخلاق عند ابن الخطيب - ط) لعبد العزيز بن عبد الله .

-الاعلام للزركلي-

 

 

مقدمة كتابه :
في غرة جمادى الآخرة من سنة 773 جاز لسان الدين بن الخطيب إلى سبتة، تاركاً أعباء الوزارة بالأندلس مفارقاً المال والولد والجاه، فاراً إلى ما يرجوه من حياة هادئة مطمئنة في ظل السلطان المريني أبي فارس عبد العزيز. وقد كانت هجرته تلك وليدة أزمة نفسية طالت به معاناتها إلى أن وضح له المنهج واستبانت الطريق. وقد كشف هو عن هذه الأزمة في عهد مبكر حين كتب إلى الشيخ أبي عبد الله ابن مرزوق رسالة يعذله فيها على جنوحه إلى خدمة الدولة ونزوعه إلى الدنيا ويصور فيها مكاره الحياة السياسية ومكايدها وقد علق ابن مرزوق عليها حين قراها بقوله: " والعجب كل العجب أن جميع ما خاطبني به - أبقاه الله تعالى - تحلى به اجمع وابتلي بما منه حذر فكأنه خاطب نفسه وانذرها بما وقع له فالله تعالى يحسن له الخاتمة والخلاص " . ولعل مما زاد في حدة تلك الأزمة النفسية انتشاب لسان الدين في التصوف قولا يحفزه إلى الرياضة العملية، والى التجرد عن الدنيا.
وقد صور دواعي هذه الأزمة في رسالته إلى الغني بالله سلطان الأندلس حين فارقه، وفي رسالة إلى ابن خاتمة حين عذله على اعتزام الهجرة، وفي كتابة أعمال الأعلام، وفي مقدمة الكتيبة الكامنة، فتحدث عن رغبته في الراحة والذهاب إلى مكة وإيثاره للآخرة على الدنيا فقال في رسالته لابن خاتمة: " أني إلى الله تعالى مهاجر، وللعرض الأدنى هاجر، ولأضعان السرى زاجر، لنجد - إن شاء الله تعالى - وحاجر " وفي رسالته للغني بالله يقول: " طرقته الأفكار وزعزعت صبره الرياح الخواطر وتذكر أشراف العمر على التمام وعواقب الاستغراق وسيرة الفضلاء عند شمول البياض فغلبته حال شديدة هزمت التعشق بالشمل الجميع والوطن المليح والجاه الكبير والسلطان القليل النظير وعمل بمقتضى قوله: موتوا قبل أن تموتوا ".
وكان الذي أيأسه من حياة السياسة تغير النفوس عليه لما بلغه من مكانة واستقلال في النظر وبسطة في النفوذ، فكثرت السعايات وتنكر له من كان هو سببا في تقريبهم ورفع جاههم، وسيطر الحسد على بعض النفوس، ولم يكن هو غافلا عما يجري من حوله، فهو يقول في وصف هذه الظاهرة: " وصرت انظر إلى الوجوه فالمح الشر في نظراتها، واعتبر الكلمات فأتبين الحسائف في لغاتها، والضغينة في كل يوم تستحكم والشر يتضاعف، ونعمة الولد تطلق لسان الحسود، وشبح الكلاب المطيفة تهيج حسائف النمور الجائعة والأسود، والأصحاب الذين تجمعهم المائدة كل يوم وليلة يفتنون في الإطراء والمديح وتحسين القبيح والمحاولات في الغي والتقرب بالسعي، انظر إليهم يتناقلون الإشارات بالعيون والمغامزة بالجفون والمخاطبة باللغوز، فإذا انصرفوا صرف الله قلوبهم فقلبوا الأمور ونقلوا العيوب وافسدوا القلوب وتعللوا بالأحلام وقواطع الأحكام ".
ولقد قضى ابن الخطيب في هذا الجو المكفهر فترة من الزمن وهو فريسة للخوف والحذر، نهبة للتلوم النفسي والتردد، وكلما خلا إلى نفسه جعل يخاطبها قائلا: " يا مشئومة! أما تشعرين لما نزل بك، حملت هذا الكل على ضعفك، وأوسعت هذا الشغب في فكرك.. وتعرضت لان تسخطي الطالب الممنوع بخيبته، وتسخطي المعطى بما يرى انك قد منعته الزيادة في عطيته، وتسخطي الأجنبي بالقبول على عدوه؟ وتسخطي الجاني بإنفاذ العقوبة في جنايته؟ وتسخطي الجيش باختباره وعرضه؟ وتسخطي الرعية باستقصاء الجباية " .. وجاءت اللحظة الحاسمة التي وجد فيها أن الفرار أمر محتوم، وهي لحظة عبر عنها لسان الدين " بالعجز " حين قال للغني بالله " ونختم لكم هذه الغزارة بالحلف الأكيد: أني ما تركت لكم وجه نصيحة في دين ولا في دنيا ألا وقد وفيتها لكم ولا فارقتكم ألا عن عجز "، وهذا التصريح يدل على الحقيقة النفسية الكامنة التي كانت تتعلل بالماضي والمستقبل، أما الماضي فقد لفه لسان الدين في ثوب من الترفع عن الكسب وجمع المال وجعله كله عملا مخلصا ممتدا في الزمان، استطاع فيه أن يؤمن للدولة أسبابها ويطمئن على صاحبه، بإرضاء الجند وعقد المعاهدات مع الاعداء، وتكثير الأصدقاء، وأما المستقبل فسوف يكون هجرة إلى الله تعالى وزيارة لمكة وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن كلمة العجز كانت تدل على أن لا خيار ثمة، وان الاضطرار هو القوة الداعية إلى التحول، وهون الرجل على نفسه مفارقة الأهل والوطن بأنه لا يفر لذنب اقترفه وإنما خلف " الوسائل المرعية والآثار الخالدة والسير الجميلة " وانه - أن فسح الله له في الآجل - يود العودة إلى وطنه.
ولم يفده الإلحاح على سلطانه بان يأذن له بالسفر فعمد إلى اصطناع جفاء يثير غضبه، والسلطان يعد ذلك إدلالا ويعتذر عما يفعله صاحبه. وعندئذ قرر لسان الدين أن يخفي أمر فراره، فاتصل بالسلطان المريني واخذ منه عهدا بالإقامة في كنفه، وبتمكينه من الحج والزيارة، واستأذن الغني بالله في تفقد الثغور " وسار إليها في لمة من فرسانه، وكان معه ابنه علي الذي كان خالصة للسلطان، وذهب لطيته فلما حاذى جبل الفتح، فرضة المجاز إلى العدوة مال إليه، وسرح أذنه بين يديه فخرج قائد الجبل لتلقيه، وقد كان السلطان عبد العزيز أوعز إليه بذلك وجهز له الأسطول من حينه، فأجاز إلى سبتة وتلقاه ولاتها بأنواع التكرمة وامتثال المراسم ". وقد عيره أعداؤه من بعد بفراره وبهذه الخدعة التي اختارها، فقال القاضي النباهي في رده عليه: " ثم وريتم بتفقد ثغر الجزيرة الخضراء، مكرا منكم، فلما بلغتم ارض الجبل انحرفتم عن الجادة وهربتم بأثقالكم الهروب الذي أنكره عليكم من بلغه حديثكم - أو يبلغه إلى آخر الدهر - في العدوتين من مؤمن وكافر وبر وفاجر ".
أما بقية التهم التي وجهها النباهي إلى ابن الخطيب فتتلخص في إخلاد هذا الثاني إلى الدنيا بالاستكثار من العقار والبناء، وانه إنما هرب من الأندلس لأنه يمد عينيه إلى التمتع بغيرها، مع أن الأندلس دار رباط لا يستحب للرجل المؤمن أن يتركها إلا إلى مكة أو طيبة أو بيت المقدس. وسرد النباهي بعض القضايا التي تدل على تدخل ابن الخطيب في نزاهة القضاء، واتهم لسان الدين بالعبث في " الابشار والأموال وهتك الأعراض وإفشاء الأسرار وكشف الأستار واستعمال المكر والحيل والغدر في غالب الأحوال للشريف والمشروف والخادم والمخدوم "، ولم ينس النباهي إن يوجه إلى ابن الخطيب تهمة الطعن في الشريعة والوقوع في جناب الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وانه نقلت عنه في ذلك أشياء منكرة، وانه متأثر في ذلك بأستاذه وشيخه المستخف ابن هذيل منك علم الجزئيات القائل بعدم قدرة الرب - جل اسمه - على جميع الممكنات.
وما كان القاضي النباهي إلا واحدا من أولئك الذين ارصدوا العداوة والشنآن لابن الخطيب، ولعله أثار عليه كثيرا من القلوب، بما يروجه من نقد لتصرفاته، وكذلك كان تلميذه ابن زمرك من اشد الناس طعنا عليه وكيدا له، ومثلهما في ذلك ربيبه احمد بن سليمان بن فركون، - في اغلب الظن - وغير هؤلاء ممن كان لسان الدين قد رشحهم للمناصب ومكنهم منها، وكان هذا كله في نظر لسان الدين تنكرا للجميل، وعضا ليد المحسن الكريم، ولذلك عبر عن موقفه من الحياة السياسية بالعجز واثر الفرار. فوصل الباب العزيزي - أي باب السلطان عبد العزيز - بتلمسان في 19 رجب سنة 773: " فتلقاني بما يليق بحسبه وشرف مذهبه: من اركاب الحجبة ورعي الوسيلة ودنو الجلسة واجراء النعمة ". وكتب إلى سلطان الأندلس في استقدام أولاد ابن الخطيب أهله، فأرسلهم إليه.
إلا إن السعاية ضده لم تفتر، وذلك - حسبما يعتقد لسان الدين - كي يأمن أعداؤه عودته إلى الأندلس، ومال السلطان إلى رأي الوشاة والأعداء فقام النباهي بإصدار فتوى توجب حرق كتب لسان الدين لأنها تنطوي على الزندقة فحرقت، وصودرت أملاكه، واستحثت السلطان المريني على تسليمه لإجراء العقوبة عليه بسبب الإلحاد فأبى، وقال لرسل ابن الأحمر: " هلا أنقذتم فيه حكم الشرع وهو عندكم، وانتم عالمون بما كان عليه ".
ويقول لسان الدين في التعليق على هذه الحال: " وكنت لغروري بالزمان، وثقتي منه بالأمان أظن أن لا سبيل للدهر علي، ولا تطرق له إلي، وان مفارقتي لمن بالأندلس إنما هي مفارقة أب لولد، وقلب لخلد، وان عقاري الموروث والمكتسب جار مجرى الوقف الذي لا يبدل، وصريح الشريعة الذي لا يتأول، وان فوائده تلحق بي حيث كنت من المعمور، فلا أكلف رزقا جهدا لغرور ".
توفي السلطان أبو فارس عبد العزيز أو " دك الجبل العاصم من الطوفان، والممسك للأرض عند الرجفان " في شهر ربيع الآخر سنة 774هـ؟. وانتقل ابن الخطيب من تلمسان إلى فاس مع الوزير أبي بكر ابن غازي الوصي على السلطان الابن - لم يحج كما انتوى حين هاجر من الأندلس، ولم يعتزل الدنيا والحياة السياسية، بل انه حين أقام بفاس استكثر من شراء الضياع وتأنق في بناء المساكن واغتراس الجنات واخذ يستغل الحال التي تمخضت عنها الأزمة النفسية والهجرة استغلال المؤلف الذي لا يزال مورط الخواطر في العداوة الفردية وفي التقلبات السياسية.
ففي حياة السلطان عبد العزيز آلف له كتابه " المباخر الطيبة في المفاخر الخطيبية " يذكر فيه نباهة سلفه وما لهم من المجد، وقصده الرد على أهل الأندلس المجاهرين له بالعداوة القادحين في فخر سلفه ألف للسلطان المذكور كتابا آخر اسماه: " خلع الرسن في التعريف بأحوال ابن الحسن " جمع فيه نوادر وحكايات عن النباهي، وقال في وصف الكتاب " انه لاشيء فوقه في الظرف والاستطراف يسلي الثكالي، ونستغفر الله تعالى ".
وفي جمادى الآخر من سنة 774 كان يكتب كتابه هذا الذي سماه: " الدرر الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة "، أي كان تأليفه له بعد نحو ثلاثة اشهر من وفاة السلطان عبد العزيز.

لما توفي السلطان أبو فارس عبد العزيز واصبح الآمر بيد ابن غازي الوزير صديق لسان الدين والوصي على ابن صغير من أبناء السلطان هو أبو زيان محمد السعيد، كثرت القالة في الوزير لأنه بايع صبيا وقال الطامحون والمعترضون في الأندلس والمغرب أن البيعة له لا تجوز فألف لسان الدين انتصارا لصديقه كتاب " أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام " (سماه المقري: أعلام الأعلام بمن بويع من ملوك الإسلام قبل الاحتلام) وفيه يقول رادا على أهل الأندلس: " فمتى نبس أهل الأندلس بإنكار بيعة صبي صغير، أو نيابة صاحب أو وزير فقد عموا وصموا، وخطروا بربع الأنصاف فاعرضوا وما الموا، وبما سنوه لغيرهم ذموا ".
كل هذا وابن الأحمر لا يفتر عن المطالبة بابن الخطيب وقد فسد ما بين البلاطين - بلاط غرناطة وبلاط فاس - بسبب تمسك الوزير ابن غازي بحماية صديقه وعدم إسلامه إلى أعدائه، واتصلت كتب ابن زمرك بابي العباس المستنصر ووزيره محمد بن عثمان تحثه على الثورة وخلع الصبي أو اسط عام 775، وانتصر أبو العباس في هذه الحركة في أوائل 776، فتحقق لبلاط غر ناطة ما يريده، إذ قبض السلطان الجديد على لسان الدين، أودع السجن، وأرسل الخبر بذلك إلى ابن الأحمر، فأرسل كاتبه ابن زمرك إلى فاس، وعقد لابن الخطيب مجلس وبخ فيه وعذب على مشهد من الملأ، ثم دس له أحد مبغضيه من قتله في السجن خنقا ثم طرح في اليوم التالي وقد جمعت حول جثته أعواد أضرمت عليه نار فاحترق شعره واسودت بشرته ثم أعيد إلى حفرته، بمقبرة باب المحروق بمدينة فاس.

 

الكتاب: الكتيبة الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة
المؤلف: لسان الدين بن الخطيب، محمد بن عبد الله (المتوفى: 776هـ)
المحقق: إحسان عباس - الطبعة: الأولى-دار الثقافة.

 

 

لسان الدين ابن الخطيب
محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السّلماني، قرطبيّ الأصل، ثم طليطليّ، ثم لوشيّ، ثم غرناطيّ. يكنى أبا عبد الله، ويلقّب بلسان الدين، وهو من الألقاب المشرقية. وزير، طبيب، أديب، مؤرخ، وفقيه مالكي أندلسي.
ولد بمدينة لوشة في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 713 هـ.
نشأ لسان الدين بغرناطة، وتأدّب على شيوخها، وهم كثر، فأخذ عنهم القرآن، والفقه، والتفسير، واللغة، والرواية، والطب، وصناعة التعديل.
التزم خدمة عدد من السلاطين كأبي الحجاج والسروي محمد الخامس المعروف بالغني بالله وتعرف على علماء المغرب وأصحاب مناصبها كابن خلدون وغيره وبدأ فيها يكتب بعض آثاره المنظومة والمنثورة.
كما وتقلّد بعض المناصب الحكومية ولذلك كان يتوخى تسلم زمام الأمور على الإطلاق، فأخذ يقوم بإبعاد رقبائه، الأمر الذي كلّفه حياته. حتى أنه لم يكن يحتمل وجود صديقه الشهير عبد الرحمن ابن خلدون في غرناطة، إذ كان يقلقه اهتمام الغني بالله به.
ثم شعر ابن الخطيب بأنّ أعداءه، أخذوا يكيدون له عند الغني بالله، وتخيّل أن الغني بالله أخذ يميل إلى قبول وشاياتهم، فاتّصل سرّاً بسلطان المغرب أبي فارس عبد العزيز بن أبي الحسن المريني، فوعده بأن يؤمّن له الحماية اللازمة والرعاية الكافية، وأخذ منه عهداً بالإقامة في كنفه. عندئذ استأذن الغنيّ بالله في تفقّد الثغور، وسار إليها في لمّة من فرسانه، ومعه ابنه عليّ، فمال إلى جبل طارق، فتلقّاه قائد الجبل، بناء على أمر سلطان المغرب المذكور أعلاه، فأجاز إلى سبتة في جمادى الآخرة من عام 773 هـ، ثم توجّه إلى تلمسان فوصلها في التاسع عشر من رجب من العام المذكور، واستقبله السلطان أحسن استقبال، وأحلّه من مجلسه محل الاصطفاء.
وفي الشهر نفسه من السنة نفسها أرسل سلطان المغرب سفيره إلى غرناطة، فأتى بأسرة ابن الخطيب مكرّمة.
عندئذ وجّه إليه القاضي النباهي تهمة الإلحاد والزندقة والطعن في الشريعة والوقوع في جناب الرسول الكريم، بعد أن نعى عليه تدخّله في شؤون القضاء أيام ولايته القضاء، فأصدر فتوى بإحراق كتبه، فأحرقت في ساحة غرناطة، وصودرت أملاكه، واستحثّ سلطان المغرب على تسليمه لإجراء العقوبة عليه، فرفض. ولمّا توفي سلطان المغرب في ربيع الآخر من عام 774 هـ فقد ابن الخطيب حاكماً مخلصاً يحميه من أعدائه. وأخيراً أودع في السجن، فطوقوا السجن ليلاً وقتلوه خنقاً. ثم أخرجوا جثته من القبر، وأشعلوا من حوله النار، فاحترق شعره واسودّت بشرته، ثم أعيد إلى القبر قبل أن يحترق، وذلك في ربيع الأول من العام 776 هـ.
أفاد ابن خطيب من أبرز أساتذة ذلك العصر ولكنه لم يرب الكثير من التلامذة إذ لم يكن له مجلس درس.
آثاره
وله تأليفات كثيرة تربو على الستّين مؤلّفاً، ما بين كتاب ورسالة، منها: آداب الوزارة، الإحاطة في أخبار غرناطة، أوصاف الناس في التاريخ والصلاة، جيش التوشيح، رقم الحلل في نظم الدول، روضة التعريف بالحب الشريف، ريحانة الكتاب وغيرها.

الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.

 

محمد بن عبد الله بن الخطيب السلمانى أبو عبد الله.
ذو الوزارتين، الأديب البارع، الكاتب، ذو التصانيف المنيفة. فمما ألّفه: «ريحانة الكتاب» و «تحفة المنتاب» و «بستان الدول » (قال فى الهداية: «موضوع غريب لم يؤلف مثله» وقال فى الشجرة: بستان الدول: شجرات عشر: شجرة السلطان، ثم الوزارة، ثم العمل، ثم الجهاد: أسطولا وخيولا، ثم المضطر إليهم فى باب السلطنة من الأطباء والمنجمين والندماء والشعراء وغيرهم، ثم الرعايا-فى أسفار. موضوع غريب، ما سمع بمثله، وقل أن يشذ عنه فن من الفنون)
و «تلخيص الذهب» و «جيش التوشيح» و «اللمحة البدرية، فى الدولة النصرية» و «رقم الحلل، فى نظم الدول» وكتاب «السحر والشعر» و «الإحاطة، فى أخبار غرناطة» و «التاج المحلى» وكتاب «الإكليل الزاهر، فيمن فضل عند نظم التاج من الجواهر» و «ظل الغمام، المقتضب من الضّيب؟ ؟ ؟ والجهام» و «عمل من طبّ، لمن حبّ» فى الطب، و «استنزال اللطف الموجود، فى أسرار الوجود» و «الوصول، لحفظ الصّحة فى الفصول» و «روضة التعريف، فى الحبّ الشريف» و «رحلة الشتاء والصّيف» وغير ذلك من التآليف الحسنة (أوردها ابن مخلوف فى شجرة النور والبغدادى فى هدية العارفين، وأشار ابن حجر فى الدرر إلى معظم ما أورده منها).
من نظمه:
أهلا بطيفك زائرا أو عائدا … تفديك نفسى غائبا أو شاهدا
يا من على طيف الخيال أحالنى … انظر لجفنى مثل جفنك راقدا
ما نمت لكنّ الخيال يلمّ بى … فيجلّه طرفى فيطرق ساجدا
وله:
مررت بالعشّاق قد كبروا … وكان بالقرب صبىّ كريم
قلت لهم ما بالهم قال لى … ألقى المحبّ كتاب كريم
وله:
دعتنى عيناك نحو الصّبا … ذعاء يردّد فى كلّ ساعه
فلولا-وحقّك عدو المشي‍ … ب لقلت لعينيك. «سمعا وطاعه»
وله:
قلت للحاسد الّذى … رفع الأنف واعتلى
أنت لم تأمن الهوى … لا تعيّر؛ فتبتلى
وله:
أباح الشّوق أسرارى بواد … له فى الحسن آثار بوادى 
فمن واد يطوف بكلّ روض … ومن روض يطوف بكلّ وادى
ومن بين الظباء مهاة رمل … سبت قلبى وقد ملكت فؤادى
لها لحظ ترقّده لأمر … وذاك الأمر يمنعنى رقادى
إذا سدلت ذوائبها عليها … رأيت البدر تحت دجى السّواد
تخال الصّبح مات له خليل … فمن حزن تسربل بالحداد
وله يمدح مدينة فاس:
بلد أعارته الحمامة طوقها … وكساه حسن جناحه الطاوس
وكأنما الأنهار فيه مدامة … وكأن ساحات الديار كئوس
ومما ينسب إليه عند موته رحمه الله:
بعدنا وإن جاورتنا البيوت … وفينا بوعد ونحن صموت 
وأنفاسنا سكنت دفعة … كجهر صلاة تلاها القنوت
وكنا عظاما فصرنا عظاما … وكنا نقوت فما نحن قوت
وكنا شموس سماء العلا … غربنا فناحت علينا السموت
وكم جدلت ذا الحسام الظبا … وذا البخت كم جدلته البخوت
وكم سيق للقبر فى خرقة … فتى ملئت من كساه التّخوت
وقل للعدا: ذهب ابن الخطيب … وفات ومن ذا الذى لا يفوت 
فمن كان يفرح منكم له … فقل: يفرح اليوم من لا يموت 
سيبلى الجديد إذا ما المدى … تتابع آحاده والسبوت

توفى مخنوقا بسجن فاس يسأل الله العافية سنة 776.
ولما مات رئى بعد موته فى المنام: فقيل له: «ما فعل الله بك»؟ قال: «غفر لى بسبب بيتين وهما فى الوسادة»؛ ففحص عنهما؛ فإذا بورقة فيها مكتوب:
أيا مصطفى من قبل نشأة آدم … والكون لم تفتح له الأغلاق
أيروم مخلوق ثناءك بعد ما … أثنى على أخلاقك الخلاق؟ !

ذيل وفيات الأعيان المسمى «درّة الحجال في أسماء الرّجال» المؤلف: أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى (960 - 1025 هـ‍)