علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان الأنصاري
ابن الجياب أبي الحسن
تاريخ الولادة | 673 هـ |
تاريخ الوفاة | 749 هـ |
العمر | 76 سنة |
مكان الولادة | غرناطة - الأندلس |
مكان الوفاة | غرناطة - الأندلس |
أماكن الإقامة |
|
- فضل بن محمد بن علي بن إبراهيم بن فضيلة المعافري أبي الحسن
- أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الأندلسي
- علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الخشني "أبي الحسن"
- محمد بن عمر الفهري السبتي أبي عبد الله "ابن رشيد"
- منصور بن أحمد بن عبد الحق الزواوي المشذالي "ناصر الدين"
- عبد الله بن محمد بن هارون الطائي الأندلسي القرطبي أبي محمد
- عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد العزيز الهواري الجزيري السبتي
- محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري المالقي
- محمد بن عبد الله بن أحمد علي بن سعيد العنسي السبتي
- أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي الأنصاري "أبي جعفر الكحيلى أحمد"
نبذة
الترجمة
علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان ابن حسن الأنصاري
من أهل غرناطة، يكنى أبا الحسن، ويعرف بابن الجيّاب، شيخنا ورئيسنا العلّامة البليغ.
حاله: من عائد الصّلة: كان، رحمه الله، على ما كان عليه من التفنّن، والإمامة في البلاغة، والأخذ بأطراف الطلب، والاستيلاء على غاية الأدب، صاحب مجاهدة، وملازمة عبادة، على طريقة مثلى من الانقباض والنزاهة، وإيثار التقشف، محبّا في أهل الخير والصلاح، منحاشا إليهم، منافرا عن أضدادهم، شيخ طلبة الأندلس، رواية وتحقيقا، ومشاركة في كثير العلوم، قائما على العربية واللغة، إماما في الفرائض والحساب، عارفا بالقراءات والحديث، متبحرا في الأدب والتاريخ، مشاركا في علم التصوّف، فذّا في المسائل الأدبية البيانية، حامل راية المنظوم والمنثور، والإكثار من ذلك، والاقتدار عليه، جلدا على الخدمة، مغتبطا بالولاية، محافظا على الرّتبة، مراقبا لوظائف الأبواب السلطانية، متوقد الذهن، ذلق الجوانب، مشغوفا بالأنس والمفاوضة في الأدب، محسنا للنادرة الظريفة، مليح الدّعابة، غزير الحفظ، غيورا على الخطّة، كثير النشاط إلى المذاكرة، مع استغراق الكلف، وعلو السن. طال به المرض حتى أذهب جواهر بدنه، وعلى ذلك فما اختلّ تميّزه، ولا تغيّر إدراكه.
بعثت إليه باكور رمّان، فقال لي من الغد، نعم بالهدنة زمانك، يعني نعمت الهدية رمّانك. فعجب الناس من اجتماع نفسه، وحضور فكره. وهو شيخي الذي نشأت بين يديه وتأدبت به، وورثت خطّته عن رضى منه. كتب عن الدول النصرية نحوا من خمسين سنة أو ما ينيف عليها، متين الجاه، رفيع المكانة، بعيد الصيت، وسفر إلى الملوك، واشتهر بالخير، والحمل على أهل الظلم، وجرى ذكره في التاج بما نصّه :
صدر الصّدور الجلّة، وعلم أعلام هذه الملّة، وشيخ الكتابة وبانيها ، وهاصر أفنان البدائع وجانيها، اعتمدته الرياسة، فناء بها على حبل ذراعه، واستعانت به السياسة، فدارت أفلاكها على قطب من شباة يراعه ، فتفيّأ للعناية ظلّا ظليلا، وتعاقبت الدول فلم تر به بديلا، من ندب على علوّه متواضع، وحبر لثدي المعارف راضع، لا تمرّ مذاكرة في فنّ إلّا وله فيه التّبريز، ولا تعرض جواهر الكلام على محاكاة الأفهام إلّا وكلامه الإبريز، حتى أصبح الدهر راويا لإحسانه، وناطقا بلسانه، وغرّب ذكره وشرّق، فأشام وأعرق، وتجاوز البحر الأخضر والخليج الأزرق، إلى نفس هذّبت الآداب شمائلها، وجادت الرياض خمائلها، ومراقبة لربّه، واستباق لروح الله من مهبّه، ودين لا يعجم عوده، ولا تخلف وعوده. وكلّ ما ظهر علينا- معشر بنيه- من شارة تجلى بها العين، أو إشارة كما سبك اللّجين، فهي إليه منسوبة، وفي حسناته محسوبة، فإنما هي أنفس راضها بآدابه، وأعلقها بأهدابه، وهذّب طباعها، كالشمس تلقي على النجوم شعاعها، والصور الجميلة تترك في الأجسام الصقيلة انطباعها، وما عسى أن أقول في إمام الأئمة، ونور الدياجي المدلهمّة، والمثل السائر في بعد الصيت وعلوّ الهمّة.
مشيخته: نقلت من خطه، في بعض ما كتب به إلى من الأشياخ الذين لقيتهم وأجازوني عامة؛ الشيخ الفقيه الخطيب الصالح الصوفي المحقق صاحب الكرامات والمقامات، نسيج وحده، أبو الحسن فضل بن محمد بن علي ابن فضيلة المعافري، قرأت عليه كذا. ومنهم الشيخ الفقيه الأستاذ العالم العلم الكبير، خاتمة المسندين بالمغرب، أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي، نشأت بين يديه، وقرأت عليه كثيرا وسمعت، وأجازني. ومنهم الشيخ الفقيه الخطيب الأستاذ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الخشني البلّوطي، قرأت عليه القرآن العزيز بالقراءات السبع وغير ذلك. ومنهم الشيخ الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن عياش الخزرجي القرطبي، لقيته بمالقة. ومنهم الشيخ أبو محمد عبد الله بن علي الغساني السعدي الخطيب الصالح، قرأت عليه وسمعت. ومنهم الشيخ العدل أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن مستقور الطائي. ومنهم قاضي الجماعة الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد العنسي. ومنهم الشيخ الفقيه الخطيب المحدّث الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد. ومنهم الشيخ الخطيب أبو جعفر أحمد بن علي الأنصاري الكحيلي. ومنهم الشيخ الخطيب الأستاذ الصالح أبو محمد عبد الواحد بن محمد بن أبي السّداد الأموي الباهلي. ومنهم الشيخ الوزير الحسيب أبو عبد الله محمد بن يحيى بن ربيع الأشعري، والشيخ الخطيب الأستاذ النظار أبو القاسم بن الشّاط، والشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن مالك بن المرحّل، والشيخ المبارك أبو محمد عبد المولى بن عبد المولى الخولاني. هؤلاء كلهم لقيتهم، وأجازوني إجازة عامة، وأما من أجازني ولم ألقه، فعالم كثير من أهل المغرب والمشرق، منهم أبو العباس بن الغمّاز، قاضي الجماعة بتونس، وأبو عبد الله بن صالح الكناني، خطيب بجاية، والشريف أبو علي الحسن بن طاهر بن أبي الشرف بن رفيع الحسني، وأبو فارس عبد العزيز الهواري، وأبو محمد بن هارون القرطبي، وأبو علي ناصر الدين المشدالي، وغيرهم.
شعره: وشعره كثير مدوّن، جمعته ودونته، يشتمل على الأغراض المتعددة من المعشّرات النبويّات، والقصائد السلطانيات، والإخوانيات، والمقطوعات الأدبيات، والألغاز والأحجيات.
فمن ذلك من المعشّرات في حرف الجيم على وجه التبرك : [الطويل]
جريئا على الزلّات غير مفكّر ... جبانا على الطاعات غير معرّج
جمعت لما يفنى اغترارا بجمعه ... وضيّعت ما يبقى سجيّة أهوج
جنونا بدار لا يدوم سرورها ... فدعها سدى ليست بعشّك فادرج
جيادك في شأو الضلال سوابق ... تفوت مدّى بين الوجيه وأعوج
جهلت سبيل الرشد فاقصد دليله ... تجد دار سعد بابها غير مرتج
جناب رسول ساد أولاد آدم ... وقرّب في السّبع الطّباق بمعرج
جمال أنار الأرض شرقا ومغربا ... فكلّ سنى من نوره المتبلّج
جلا صدأ المرتاب أن سبّح الحصا ... لديه بنطق ليس بالمتلجلج
جعلت امتداحي والصلاة عليه لي ... وسائل تحظيني بما أنا أرتج
ومن الأغراض الصوفية السلطانية قوله : [الكامل]
هات اسقني صرفا بغير مزاج ... واحي التي هي راحتي وعلاجي
إن صبّ منها في الزجاجة قطرة ... شفّ الزجاج عن السّنى الوهّاج
فإذا الخليع أصاب منها شربة ... حاجاه بالسّرّ المصون محاجي
وإذا المريد أصاب منها جرعة ... ناجاه بالحقّ المبين مناج
تاهت به في مهمه لا يهتدى ... فيه لتأديب ولا إدلاج
يرتاح من طرب بها فكأنها ... غنّته بالأرمال والأهزاج
هبّت عليه نفحة قدسيّة ... في فتح باب دائم الإرتاج
فإذا انتشى يوما وفيه بقيّة ... سارت به قصدا على المنهاج
وإذا تمكّن منه سكر معربد ... فليبصرنّ لمصرع الحلّاج
قصرت عبارة فيه عن وجدانه ... فغدا يفيض بمنطق لجلاج
أعشاه نور للحقيقة باهر ... فتراه يهبط في الظلام الدّاجي
رام الصعود بها لمركز أصله ... فرمت به في بحرها الموّاج
فلئن أمدّ برحمة وسعادة ... فليخلصن من بعد طول هياج
وليرجعنّ بغنيمة موفورة ... ما شيب عذب شرابها بأجاج
ولئن تخطّاه القبول لما جنى ... فليرجعن نكسا على الأدراج
ما أنت إلّا درّة مكنونة ... قد أودعت في نطفة أمشاج
فاجهد على تخليصها من طبعها ... تعرّج بها في أرفع المعراج
واشدد يديك معا على حبل التّقى ... فإن اعتصمت به فأنت النّاجي
ولدى العزيز ابسط بساط تذلّل ... وإلى الغنيّ امدد يد المحتاج
هذا الطريق له مقدّمتان صا ... دقتان أنتجتا أصحّ نتاج
فاجمع إلى ترك الهوى حمل الأذى ... واقنع من الإسهاب بالإدماج
حرفان قد جمعا الذي قد سطروا ... من بسط أقوال وطول حجاج
والمشرب الأصفى الذي من ذاقه ... فقد اهتدى منه بنور سراج
ألا ترى إلّا الحقيقة وحدها ... والكلّ مضطرّ إليها لاجي
هذي بدائع حكمة أنشأتها ... بإشارة المولى أبي الحجّاج
وسع الأنام بفضله وبعدله ... وبحلمه وبجوده الثّجّاج
من آل نصر نخبة الملك الرّضا ... أمن المروّع هم وغيث اللّاجي
من آل قيلة ناصري خير الورى ... والخلق بين تخاذل ولجاج
ماذا أقول وكلّ قول قاصر ... في وصف بحر زاخر الأمواج
منه لباغي العرف درّ فاخر ... ولمن يعادي الدين هول فاجي
دامت سعودك في مزيد، والمنى ... تأتيك أفواجا على أفواج
ومن الأمداح المطوّلة : [الكامل]
لمن المطايا في السّراب سوابحا ... تفلي الفلاة غواديا وروائحا
عوج كأمثال القسيّ ضوامر ... يرمين في الآفاق مرمى نازحا
أو كالسحاب تسير مثقلة ... حملته من سقيا البطاح دوالحا
ركب ييمّم غاية بل آية ... أبدت محيّا الحقّ أبلج واضحا
لما دعا داعي الرشاد مردّدا ... لبّوه شوقا والحمام هوادحا
فلهم عجيج بالبسيطة صاعد ... يذكي بنار الشوق منك جوانحا
وإذا حدا الحادي بذكر المصطفى ... أذروا على الأكوار دمعا سابحا
عيس تهادى بالمحبّين الألى ... ركبوا من العزم المصمم جامحا
طارت بهم أشواقهم سبّاقة ... فتركن أعلام المطيّ روازحا
رفقا بهنّ فهنّ خلق مثلكم ... أنضاء أسفار قطعن منادحا
قد جين للهادي وهادا جمّة ... وسلكن نحو الأبطحيّ أباطحا
ناشدتك الرحمن وافد مكة ... ألّا صرفت إليّ صرفا طامحا
وأخا أتيت القبر قبر محمد ... وحمدت سعيا من سفارك ناجحا
وذهلت عن هذا الوجود مغيبا ... لما لمحت من الجمال ملامحا
فاقرأ سلامي عند قبر المصطفى ... وامسح بيمناك الجدار مصافحا
قسما بوفد يزخرون رواحلا ... قطعت سباسبا بلقعا وضحاضحا
حتى أناخوا بالمحصّب من منى ... وتأمّلوا النور المبين اللائحا
وتعرّضوا لعوارض عرفيّة هب ... بت بها تلك الرياح لوافحا
وآووا إلى الحرم الشريف فطافعا ... بالبيت أوبا لركن منه ماسحا
وسقوا به من ماء زمزم شربة ... نالوا بها في الخلد حظّا رابحا
ثم انثنوا قصدا إلى دار الهدى ... يتسابقون عزائما وجوارحا
فتبوّؤا المغنى الذي بركاته ... فاضت على الآفاق بحرا طافحا
ختموا مناسكهم بزورة أحمد ... بختام مسك طاب عرفا نافحا
إنّ السماحة والشجاعة والنّدى ... والبأس والعقل الأصيل الراجحا
وقف على شمس المعالي يوسف ... أعلى الملوك خواتما وفواتحا
فهو الذي ملأ البلاد فضائلا ... صارت لمن بارى علاه فضائحا
إن أجملت سير الكرام فخلقه ... ما زال للإجمال منها شارحا
حامي الذّمار مدافعا وموادعا ... كافي العدو محاربا ومصافحا
للملك بالعزم المؤيد مانعا ... للعرف بالجود المردد مانحا
إن تلقه في يوم جود هامر ... تلق السحاب على البلاد سوابحا
أو تلقه في يوم بأس قاهر ... تلق الأسود لدى العرين كوافحا
أو تلقه في يوم فخر ظاهر ... تلق الكواكب في السماء لوائحا
من أسرة النصر الألى هم ناصحوا ... بعزائم الصدق الأمين الناصحا
هم أسّسوا الملك المشيد بناؤه ... فكفوا به الإسلام خطبا فادحا
فاستفهم الأيام عن آثارهم ... تطلع عليك صحائفا وصفائحا
كان إذا ضنّ الغمام سحائبا ... يهمي وإن جنّ الظلام مصابحا
شادوا له مجدا صميما راسخا ... يبقى على الأعقاب ذكرا صالحا
وسماء فخر فوق أمن جهادهم ... سمكوا له منه سماكا رامحا
الأعظمون مغانيا ومناقبا ... والأكرمون محامدا وممادحا
يا دولة نصريّة قد جددت ... نصرا لأبواب المعاقل فاتحا
وأمامة سعدية قد أطلعت ... سعدا ولكن للأعادي ذابحا
فاضت جدى فكأنما أيامها ... جعلت لأرزاق العباد مفاتحا
كفت عدا فكأنما أوقاتها ... جاءت لآيات الأمان شوارحا
عدلا لأقطار الإيالة كالبا ... ولجامحات البغي منها كافحا
بشرى بيوسف ناصر الملك الذي ... ما زال عنه مجالدا ومكافحا
جمع المواهب للمواهب مانحا ... فوق المنى وعن الجرائم صافحا
ابن الإمام أبي الوليد وحسبنا ... مدحا تضمن في الفخار مدائحا
يهنيك عيد النّحر أسعد قادم ... وافاك من جدوى يمينك ماتحا
وفّيته قربانه وصلاته وأقمت ... فيه شعائرا وذبائحا
ورجعت في الجيش الذي أخباره ... تروي غرائبها الحسان صحائحا
أسد ضراغم فوق خيل ترتمي ... نحو العدو سوانحا وبوارحا
طيّارة بالدّارعين تخالها ... تنقضّ في يوم القتال جوارحا
من كلّ من تخذ القنا خيما له ... يلقى العدو مماسيا ومصابحا
والشمس أضرمت السبيكة عندما ... لقي الحديد شعاعها المطارحا
فاهنأ به وانعم بدولتك التي ... ترضي الوليّ بها وتشجي الكاشحا
دامت ودام الحقّ فيها ثابتا ... يعلو يدا والإفك فيها طالحا
وقال يمدح ويصف مصنعا سلطانيا : [الكامل]
زارت تجرر نحوه أذيالها ... هيفاء تخلط بالنّفار دلالها
والشمس من حسد لها مصفرّة ... إذ قصّرت عن أن تكون مثالها
وافتك تمزج لينها بقساوة ... قد أدرجت طيّ العتاب نوالها
كم رمت كتم مزارها لكنه ... صحّت دلائل لم تطق إعلالها
تركت على الأرجاء عند مسيرها ... أرجا كأنّ المسك فتّ خلالها
ما واصلتك محبّة وتفضّلا ... لو كان ذاك لواصلت إفضالها
لكن توقّعت السّلوّ فجدّدت ... لك لوعة لا تتّقي ترحالها
فوحبّها قسما بحق بروره ... لتجشّمنّك في الهوى أهوالها
حسّنت نظم الشّعر في أوصافها ... إذ قبّحت لك في الهوى أفعالها
يا حسن ليلة وصلها ما ضرّها ... لو أتبعت من بعدها أمثالها
لمّا سكرت بريقها وجفونها ... أهملت كأسك لم ترد إعمالها
هذا الربيع أتاك ينشر حسنه ... فافسح لنفسك في مداه مجالها
واخلع عذارك في البطالة جامحا ... واقرن بأسحار المنى آصالها
في جنّة تجلو محاسنها كما ... تجلو العروس لدى الزفاف جمالها
شكرت أيادي للحيا شكر الورى ... شرف الملوك همامها مفضالها
وصميمها أصلا وفرعا خيرها ... ذاتا وخلقا، سمحها بذّالها»
الطاهر الأعلى الإمام المرتضى ... بحر المكارم غيثها سلسالها
حاز المعالي كابرا عن كابر ... وجرى لغايات الكرام فنالها
إن تلقه في يوم بذل هباته ... تلق الغمائم أرسلت هطّالها
أو تلقه في يوم حرب عداته ... تلق الضّراغم فارقت أشبالها
ملك إذا ما صال يوما صولة ... خلت البسيطة زلزلت زلزالها
فبسيبه وبسيفه نال المنا ... واستعجلت أعداؤه آجالها
الواهب الآلاف قبل سؤالها ... فكفى العفاة سؤالها ومطالها
القاتل الآلاف قبل قراعها ... فكفى العداة قراعها ونزالها
إن قلت بحر كفّه قصّرت إذ ... شبّهت بالملح الأجاج نوالها
ملأ البسيطة عدله ونواله ... فالوحش لا تعدو على من غالها
وسقى البريّة فيض كفّيه فقد ... عمّ البلاد سهولها وجبالها
جمع العلوم عناية بفنونها ... آدابها وحسابها وجدالها
منقولها، معقولها، وأصولها ... وفروعها، تفصيلها، إجمالها
فإذا عفاتك عاينوك تهللوا ... لمّا رأوا من كفّك استهلالها
وإذا عداتك أبصروك تيقّنوا ... أنّ المنيّة سلّطت رئبالها
بدّدت شملهم ببيض صوارم ... روّيت من علق الكماة نصالها
وأبحت أرضهم فأصبح أهلها ... جزرا تغادر نهبة أموالها
فتحت إمارتك السعيدة للورى ... أبواب بشرى واصلت إقبالها
وبنت مصانع رائقات ذكّرت ... دار النعيم جنانها وظلالها
وأجلّها قدرا وأرفعها مدى ... هذا الذي سامى النجوم فطالها
هو جنّة فيها الأمير مخلّد ... بلغت إمارته بها آمالها
ولأرض أندلس مفاخر، أنتم ... أربابها، أضفيتم سربالها
فحميتم أرجاءها، وكفيتم ... أعداءها، وهديتم ضلّالها
فبآل نصر فاخرت لا غيرهم ... لم تعتمد من قبلهم أقيالها
بمحمد ومحمد ومحمد ... قصرت على الخصم الألدّ نضالها
فهم الألى ركبوا لكلّ عظيمة ... جردا كسين من النجيع جلالها
وهم الألى فتحوا لكلّ ملمّة ... بابا أراح بفتحه إشكالها
متقلّدون من السيوف عضابها ... متأبّطون من الرماح طوالها
الراكبون من الجياد عرابها ... والضاربون من العدا أبطالها
أوليّ عهد المسلمين ونخبة ال ... أملاك صفوة محضها وزلالها
إنّ العباد مع البلاد مقرّة ... بفضائل لك مهّدت أحوالها
فتفكّ عانيها وتحمي سربها ... وتفيد حلما دائما جهّالها
ومن الرثاء قوله يرثي ولده أبا القاسم : [الطويل]
هو البين حتما، لا لعلّ ولا عسى ... فما بال نفسي لم تفض عنده أسى
وما لفؤادي لم يذب منه حسرة ... فتبّا لهذا القلب سرعان ما قسا
ويا لجفوني لا تفيض مورّدا ... من الدمع يهمي تارة ومورّسا
وما للساني مفصحا بخطابه ... وما كان لو أوفى بعهد لينبسا
أمن بعد ما أودعت روحي في الثّرى ... ووسّدت مني فلذة القلب مرمسا
وبعد فراق ابني أبي القاسم الذي ... كساني ثوب الثّكل لا كان ملبسا
أؤمّل في الدنيا حياة وأرتضي ... مقيلا لدى أبنائها ومعرّسا
فآها وللمفجوع فيها استراحة ... ولا بدّ للمصدور أن يتنفّسا
على عمر أفنيت فيه بضاعتي ... فأسلمني للقبر حيران مفلسا
ظللت به في غفلة وجهالة ... إلى أن رمى سهم الفراق فقرطسا
إلى الله أشكو برح حزني فإنه ... تلبّس منه القلب ما قد تلبّسا
وصدمة خطب نازلتني عشيّة ... فما أغنت الشكوى ولا نفع الأسا
فقد صدّعت شملي وأصمت مقاتلي ... وقد هدّمت ركني الوثيق المؤسّسا
ثبتّ لها صبرا لشدّة وقعها ... فما زلزلت صبري الجميل وقد رسا
وأطمع أن يلقى برحمته الرضا ... وأجزع أن يشقى بذنب فينكسا
أبا القاسم اسمع شجو والدك الذي ... حسا من كؤوس البين أفظع ما حسا
وقفت فؤادي مذ رحلت على الأسى ... وأشهد لا ينفكّ وقفا محبّسا
وقطّعت آمالي من الناس كلّهم ... فلست أبالي أحسن المرء أم أسا
تواريت يا شمسي وبدري وناظري ... فصار وجودي مذ تواريت حندسا
وخلّفت لي عبئا من الثّكل فادحا ... فما أتعب الثّكلان نفسا وأتعسا
أحقّا ثوى ذاك الشباب فلا أرى ... له بعد هذا اليوم حولي مجلسا
فيا غصنا نضرا ثوى عندما استوى ... فأوحشني أضعاف ما كان آنسا
ويا نعمة لمّا تبلّغتها انقضت ... فأنعم أحوالي بها صار أبؤسا
فودّعته والدمع تهمي سحابه ... كما أسلم السلك الفريد المجنّسا
وقبّلت في ذاك الجبين مودعا ... لأكرم من نفسي عليّ وأنفسا
وخفّف من وجدي به قرب رحلتي ... وماذا عسى أن ينظر الدهر ما عسا
فيا رحمة للشيب يبكي شبيبة ... قياس لعمري عكسه كان أقيسا
فلو أنّ هذا الموت يقبل فدية ... حبوناه أموالا كراما وأنفسا
ولكنه حكم من الله واجب ... يسلّم فيه من بخير الورى ائتسى
تغمدك الرحمن بالعفو والرضا ... وكرّم مثواك الجديد وقدّسا
وألّف منّا الشمل في جنّة العلا ... فنشرب تسنيما ونلبس سندسا
وكتبت إليه قصيدة أولها : [الطويل]
أمستخرجا كنز العتيق بآماقي ... أناشدك الرحمن في الرّمق الباقي
فقد ضعفت عن حمل صبري طاقتي ... عليك وضاقت عن زفيري أطواقي
فأجابني رحمة الله عليه عن ذلك»
: [الطويل]
سقاني فأهلا بالسّقاية والعناق ... سلافا بها قام السرور على ساق
ولا نقل إلّا من بدائع حكمة ... ولا كأس إلّا من سطور وأوراق
فقد أنشأت لي نشوة بعد نشوة ... تمدّ بروحانية ذات أذواق
فمن حظّها الفاني متاع لناظري ... وسمعي وحظّ الروح من حظّها الباقي
أعادت شبابي بعد سبعين حجّة ... فأثوابه قد جدّدت بعد إخلاق
وما كنت يوما للمدامة صاحبا ... ولا قبلتها قطّ نشأة أخلاقي
ولا خالطت لحمي ولا مازجت دمي ... كفى شرّها مولاي فالفضل للواقي
وهذا على عهد الشباب فكيف لي ... بها بعد ماء للشبيبة مهراق
تبصّر فحكما القهوتين تخالفا ... فكم بين إثبات لعقل وإزهاق
وشتّان ما بين المدامين فاعتبر ... فكم بين إنجاح لسعي وإخفاق
فتلك تهادى بين ظلم وظلمة ... وهذي تهادى بين عدل وإشراق
أيا علم الإحسان غير منازع ... شهادة إجماع عليها وإصفاق
فضائلك الحسنى عليّ تواترت ... بمنهمر من سحب فكرك غيداق
خزائن آداب بعثت بدرّها ... إليّ ولم تمنن بخشية إنفاق
ولا مثل بكر حرّة عربيّة ... زكيّة أخلاق كريمة أعراق
فأقسم ما البيض الحسان تبرّمت ... تناجيك سرّا بين وحي وإطراق
بدور بدت من أفق أطواقها على ... رياض شدت في قضبها ذات أطواق
فناظر منها الأقحوان ثغورها ... وقابل منها نرجس سحر أحداق
وناسب منها الورد خدّا مورّدا ... سقاه الشباب النّضر ، بورك من ساق!
وألبسن من صنعاء وشيا منمنما ... وحلّين من درّ نفائس أعلاق
بأحلى لأفواه، وأبهى لأعين ... وأحلى لألباب، وأشهى لعشّاق
رأيت بها شهب السماء تنزّلت ... إليّ تحيّيني تحية مشتاق
ألا إنّ هذا السحر لا سحر بابل ... فقد سحرت قلبي المعنّى فمن راق ؟
لقد أعجزت شكري فضائل ماجد ... أبرّ بأحباب وأوفى بميثاق
تقاضى ديون الشعر مني منبّها ... رويدك لا تعجل عليّ بإرهاق
فلو نشر الصادّان من ملحديهما ... لإنصاف هذا الدّين لاذا بإملاق
فخذ بزمام الرّفق شيخا تقاصرت ... خطاه وعاهده بمعهود إشفاق
فلا زلت تحيي للمكارم رسمها ... وقدرك في أهل العلا والنّهى راق
وكتبت إليه في غرض العتاب والاستعتاب»
: [الطويل]
أدرنا وضوء الأفق قد صدع الفضا ... مدامة عتب بيننا نقلها الرضا
فلله عينا من رآنا وللحيا ... حبيّ بآفاق البشاشة أو مضا
نفرّ إلى عدل الزمان الذي أتى ... ونبرأ من جور الزمان الذي مضى
ونأسو كلوم اللفظ باللفظ عاجلا ... كذا قدح الصّهباء داوى وأمرضا
فراجعني بقوله : [الطويل]
ألا حبّذا ذاك العتاب الذي مضى ... وإن جرّه واش بزور تمضمضا
أغارت له خيل فما ذعرت حمى ... ولكنها كانت طلائع للرضا
تألّق منها بارق صاب مزنه ... على معهد الحبّ الصّميم فروّضا
تلألأ نور للصداقة حافظا ... وإن ظنّ سيفا للقطيعة منتضى
فإن سوّد الشيطان منه صحيفة ... أتى ملك الرّحمى عليها فبيّضا
وما كان حبّ أحكم الصدق عهده ... ليرمى بوسواس الوشاة فيرفضا
أعيذ ودادا زاكي القصد وافيا ... تخلّص من أدرانه فتمحّضا
ونيّة صدق في رضى الله أخلصت ... سناها بآفاق البسيطة قد أضا
من الآفك الساعي ليخفي نورها ... أيخفى شعاع الشمس قد ملأ الفضا؟
وكيف يحلّ المبطلون بإفكهم ... معاقد حبّ أحكمتها يد القضا
تعرّض يبغي هدمها فكأنه ... لتشييد مبناها الوثيق تعرّضا
وحرّض في تنفيره فكأنما ... على البرّ والتسكين والحبّ حرّضا
وأوقد نارا فهو يصلى جحيمها ... يقلّب منها القلب في موقد الغضا
أيا واحدي المعدود بالألف وحده ... ويا ولدي البرّ الزكي إن ارتضى
بعثت من الدّرّ النفيس قلائدا ... على ما ارتضى حكم المحبة واقتضى
نتيجة آداب وطبع مهذّب ... أطال مداه في البيان وأعرضا
ولا مثل بكر باكرتني آنفا ... كزورة خلّ بعد ما كان أعرضا
هي الروضة الغنّاء أينع زهرها ... تناظر حسنا مذهّبا ومفضّضا
أو الغادة الحسناء راقت فينقضي ... مدى العمر في وصفي لها وهو ما انقضى
تطابق منها شعرها وجبينها ... فذا اللّيل مسودّا وذا الصّبح أبيضا
أو الشهب منها زينة وهداية ... ورجم لشيطان إذا هو قيّضا
أتت ببديع الشّعر طورا مصرّحا ... بأبياتك الحسنى وطورا معرّضا
ومهّدت الأعذار دون جناية ... ولو أنك الجاني لكنت المغمّضا
لك الله من برّ وفيّ وصاحب ... محضت له صدق الضمير فأمحضا
لسانك في شكري مفيض تفضّلا ... فيا حسن ما أهدى وأسدى وأقرضا
وقلبك فاضت فيه أنوار خلّتي ... فأبقى يدي تسليمه لي مفوّضا
وقصدك مشكور وعهدك ثابت ... وفضلك منشور وفعلك مرتضى
فهل مع هذا ريبة في مودّة ... بحال! وإن رابت فما أنا معرضا
فثق بولائي إنني لك مخلص ... هوى ثابتا يبقى فليس له انقضا
عليك سلام الله ما هبّت الصّبا ... وما بارق جنح الدّجنّة أو مضا
وكتب إلى القاضي الشريف وهو بوادي آش : [الطويل]
أهزلا وقد جدّت بك اللّمّة الشمطا ... وأمنا وقد ساورتها حيّة رقطا
أغرّك طول العمر في غير طائل ... وسرّك أنّ الموت في سيره أبطا
رويدا فإنّ الموت أسرع وافد ... على عمرك الفاني ركائبه حطّا
فإذ ذاك لا تسطيع إدراك ما مضى ... بحال ولا قبضا تطيق ولا بسطا
تأهّب فقد وافى مشيبك منذرا ... وها هو في فوديك أحرفه خطّا
فرافقت منه كاتب السّرّ واشيا ... له القلم الأعلى يخطّ به وخطا
معمّى كتاب فكّه «احذر» فهذه ... سفينة هذا العمر قاربت الشّطّا
وإن طال ما خاضت بك اللجج التي ... خبطت بها في كلّ مهلكة خبطا
وما زلت في أمواجها متقلّبا ... فآونة رفعا وآونة حطّا
فقد أوشكت تلقيك في قعر حفرة ... تشدّ عليك الجانبين بها ضغطا
ولست على علم بما أنت بعدها ... ملاق، أرضوانا من الله أم سخطا
وأعجب شيء منك دعواك في النّهى ... وهذا الهوى المردي على العقل قد غطّى
قسطت عن الحقّ المبين جهالة ... وقد غالطتك النّفس فادّعت القسطا
وطاوعت شيطانا تجيب إذا دعا ... وتقبل إن أغوى وتأخذ إن أعطى
تناءى عن الأخرى وقد قربت مدى ... تدانى عن الدنيا وقد أزمعت شحطا
وتمنحها حبّا وفرط صبابة ... وما منحت إلّا القتادة والخرطا
فها أنت تهوى وصلها وهي فارك ... وتأمل قربا من حماها وقد شطّا
صراط هدى نكّبت عنه عماية ... ودار ردّى أوعيت في سجنها سرطا
فما لك إلّا السيد الشافع الذي ... له فضل جاه كلّ ما يرتجي يعطى
دليل إلى الرحمن فانهج سبيله ... فمن حاد عن نهج الدليل فقد أخطا
محبّته شرط القبول فمن خلت ... صحيفته منها فقد فقد الشّرطا
وما قبلت منه لدى الله قربة ... ولا زكت الأعمال بل حبطت حبطا
به الحقّ وضاح، به الإفك زاهق ... به الفوز مرجوّ، به الذّنب قد حطّا
هو الملجأ الأحمى، هو الموئل الذي ... به في غد يستشفع المذنب الخطّا
إليك ابن خير الخلق بنت بديهة ... تقبّل تبجيلا أنا ملك السّبطا
وحيدة هذا العصر وافت وحيدة ... لتبسط من شتّى بدائعها بسطا
وتتلو آيات التشيّع إنها ... لموثقة عهدا ومحكمة ربطا
لك الشرف المأثور يا ابن محمد ... وحسبك أن تنمى إلى سبطه سبطا
إلى شرفي دين وعلم تظاهرا ... تبارك من أعطى وبورك في المعطى
ورهطك أهل البيت، بيت محمد ... فأعظم به بيتا وأكرم بهم رهطا
بعثت به عقدا من الدّرّ فاخرا ... وذكر رسول الله درّته الوسطى
وأهديت منها للسيادة غادة ... نظمت من الدّرّ الثمين بها سمطا
وحاشيتها من كل ما شانها ، فإن ... تجعّد حوشيّ تجد لفظها سبطا
وفي الطيبين الظاهرين نظمتها ... فساعدها من أجل ذلك حرف الطا
عليك سلام الله ما ذرّ شارق ... وما ردّدت ورقاء في غصنها لغطا
ومن غريب ما خاطبني به قوله : [الرجز]
أقسم بالقيسين والنابغتين ... وشاعري طييء المولّدين
وبابن حجر وزهير وابنه ... والأعشيين بعد ثمّ الأعميين
ثم بعشّاق الثريّا والرقي ... يات وعزّة وميّ وبثين
وبأبي الشيص ودعبل ومن ... كشاعري خزاعة المخضرمين
وولد المعتزّ والرّضيّ والسريّ ... ثم حسن وابن الحسين
واختم بقسّ وبسحبان فإن ... أوجب حقّ أن يكونا أوّلين
وحليتي نثرهم ونظمهم ... في مشرقي أقطارهم والمغربين
أنّ الخطيب ابن الخطيب سابق ... بنثره ونظمه للحلبتين
وافتني الصحيفة الحسنا التي ... شاهدت فيها المكرمات رأي عين
تجمع من براعة المعنى إلى ... يراعة الألفاظ كلتا الحسنيين
أشهد أنك الذي سبقت في ... طريقي الآداب أقصى الأمدين
شعر حوى جزالة ورقّة ... تصاغ منه حلية للشّعريين
رسائل أزهارها منثورة ... سرور قلب ومتاع ناظرين
يا أحوذيّا، يا نسيج وحده ... شهادة تنزهت عن قول مين
بقيت في مواهب الله التي ... تقرّ عينيك وتملأ اليدين
ومن المقطوعات الموطّنات على المثال : [مخلع البسيط]
لله عصر الشباب عصرا ... فتّح للخير كلّ باب
حفظت ما شئت فيه حفظا ... كنت أراه بلا ذهاب
حتى إذا ما المشيب وافى ... ندّ ولكن بلا إياب
لا تعتنوا بعدها بحفظ ... وقيّدوا العلم بالكتاب
ومن ذلك قوله : [مخلع البسيط]
يا أيها الممسك البخيل ... إلهك المنفق الكفيل
أنفق وثق بالإله تربح ... فإنّ إحسانه جزيل
وقدّم الأقربين واذكر ... ما روي ابدأ بمن تعول
ومن ذلك قوله : [المتقارب]
وقائلة لم عراك المشيب ... وما إن يعهد الصّبا من قدم
فقلت لها: لم أشب كبرة ... ولكنه الهمّ نصف الهرم
ومن ذلك قوله : [المتقارب]
هي النّفس إن أنت سامحتها ... رمت بك أقصى مهاوي الخديعه
وإن أنت جشّمتها خطّة ... تنافي رضاها تجدها مطيعه
فإن شئت فوزا فناقض هواها ... وإن واصلتك اجزها بالقطيعه
ولا تعبأنّ بميعادها ... فميعادها كسراب بقيعه
ومن المقطوعات أيضا : [الكامل]
من أنت يا مولى الورى مقصوده ... طوبى له قد ساعدته سعوده
فليشهدنك له فؤاد صادق ... وشهوده قامت عليه شهوده
وليفنين عن نفسه ورسومه ... طرّا وفي ذاك الفناء وجوده
وليخطفنه بارق يرقى به ... في أشرف المعراج ثم يعيده
حتى يظلّ وليس يدري دهشة ... تقريبه المقصود أو تبعيده
لكنه ألقى السلاح مسلّما ... فمراده ما أنت منه تريده
فلقد تساوى عنده إكرامه ... وهوانه ومفيده ومبيده
ومن ذلك قوله في المعنى : [الطويل]
يقيني أنّ الله جلّ جلاله ... يقيني فراجي الله ليس يخيب
ومن مقطوعاته في الألغاز والأحاجي قوله في حجلة : [الرجز]
حاجيت كلّ فطن لبيب ... ما اسم لأنثى من بني يعقوب
ذات كرامات فزرها قربة ... فزورها أحقّ بالتقريب
تشركها في الاسم أنثى لم تزل ... حافظة لسرّها المحجوب
وقد جرى في خاتم الوحي الرضا ... لها حديث ليس بالمكذوب
وهو إذا ما الفاء منه صحّفت ... صبغ الحياء لا الحيا المسكوب
فهاكها واضحة أسرارها ... فأمرها أقرب من قريب
وفي آب الشهر : [مجزوء الرجز]
حاجيتكم ما اسم علم ... ذو نسبة إلى العجم
يخبر بالرجعة وهـ ... وراجع كما زعم
وصف الحميم هو ... بالتصحيف او بدء قسم
دونكه أوضح من ... نار على رأس علم
ومن ذلك قوله في كانون : [الهزج]
وما اسم لسميّين ... ولم يجمعهما جنس
فهذا كلّما يأتي ... فبالآخر لي أنس
وهذا ما له شخص ... وهذا ما له حسّ
وهذا ما له سوم ... وذا قيمته فلس
وهذا أصله الأرض ... وهذا أصله الشمس
وهذا واحد من سب ... عة تحيا بها النّفس
فمن محموله الجنّ ... ومن موضوعه الإنس
فقد بان الذي ألغز ... ت ما في أمره لبس
ومن ذلك قوله في نمر : [الرجز]
ما حيوان ما له من حرمة ... إن اسمه صحّف فابن العمّه
وقلبه من بعد تصحيف له ... يريك في الذكر الحكيم أمّه
ومن ذلك قوله في سلّم : [الرجز]
ما اسم مركّب مفيد الوضع ... مستعمل في الوصل لا في القطع
ينصب لكن أكثر استعمال من ... يعنى به في الخفض أو في الرفع
وهو إذا خفّفته مغيّرا ... تراه شملا لم يزل ذا صدع
فالاسم إن طلبته تجده في ... خامسة من الطوال السّبع
وهو إذا صحّفته يعرب عن ... مكسّر في غير باب الجمع
له أخ أفضل منه لم تزل ... آثاره محمودة في الشّرع
هما جميعا من بني النجار والأف ... ضل أصل في حنين الجذع
فهاكه قد سطعت أنواره ... لا سيما لكلّ زاكي الطبع
ومن ذلك قوله في فنار : [مجزوء الرجز]
ما اسم إذا حذفت من ... هـ فاءه المنوّعه
فإنه بنت الزّنا ... مضافة لأربعة
ومن ذلك قوله في حوت : [مجزوء الرجز]
ما حيوان في اسمه ... إن اعتبرته فنون
حروفه ثلاثة ... والكلّ منها نون
تصحيفه قطع الفلا ... أو ما جناه المذنبون
أو أبيض أو أسود ... أو صفة النفس الخؤون
وقلبه مصحّفا ... عليه دارت السنون
كانت به في ما مضى ... عبرة قوم يعقلون
أودع فيها عنده ... سرّ من السّرّ المصون
فهاكه كالنار في ... الزّند لها فيه كمون
ومن ذلك قوله في مائدة : [الرجز]
حاجيت كلّ فطن نظّار ... ما اسم لأنثى من بني النجار
وفي كتاب الله جاء ذكرها ... فقلّ ما يغفل عنها القاري
في خبر المهديّ فاطلبها تجد ... إن كنت من مطالعي الأخبار
ما هي إلّا العيد عيد رحمة ... ونعمة ساطعة الأنوار
يشركها في الاسم وصف حسن ... من وصف قضب الروضة المعطار
فهاكه كالشمس في وقت الضّحى ... قد شفّ عنها حجب الأستار
ومن ذلك قوله في زبيب : [الرجز]
ما نقي العرض طاهر الجسد ... عندما خالطه الماء فسد
خالط الماء القراح فغوى ... بعد ما كان من أهل الرّشد
عجميّ الأصل تمّ حسنه ... عندما صاد الغزالة الأسد
واسمه اسم امرأة مصحّفا ... ولقد يكون وصفا لولد
هاكه قد بهرت أنواره ... فارم بالفكر تصب قصد الرشد
جميع هذه الأغراض المنسوبة إليه بحر لا ينفد مدده، وقطر لا يبلغ عدده.
وأمّا نثره فسلطانيّات مطولات، عرضت بما تخللها من الأحوال متونها، وقلّت لمكان الاستعجال والبديهة عيونها. وقد اقتضبت منها أجزاء سميته «تافها من جم ونقطة من يم» .
مولده: ولد بغرناطة في جمادى الآخرة عام ثلاثة وسبعين وستمائة.
وفاته: ليلة يوم الأربعاء الثالث والعشرين من شوال عام تسعة وأربعين وسبعمائة. ودفن بباب إلبيرة. وكانت جنازته آخذة نهاية الاحتفال، حضرها السلطان فمن دونه.
ومما رثي به: رثيته بقصيدة أنشدتها على قبره خامس يوم دفنه ثبتت في غير ما موضع وهي : [الكامل]
ما لليراع خواضع الأعناق ... طرق النّعيّ فهنّ في إطراق
وكأنما صبغ الشحوب وجوهها ... والسّقم من جزع ومن إشفاق
ما للصحائف صوّحت روضاتها ... أسفا وكنّ نضيرة الأوراق
ما للبيان كؤوسه مهجورة ... غفل المدير لها ونام السّاقي
ما لي عدمت تجلّدي وتصبّري ... والصبر في الأزمات من أخلاقي
خطب أصاب بني البلاغة والحجا ... شبّ الزفير به عن الأطواق
أمّا وقد أودى أبو الحسن الرضا ... فالفضل قد أودى على الإطلاق
كنز المعارف لا تبيد نقوده ... يوما ولا تفنى على الإنفاق
من للبدائع أصبحت سمر السّرى ... ما بين شام للورى وعراق
من لليراع يجيل من خطّيّها ... سمّ العدا ومفاتح الأرزاق
قضب ذوابل مثمرات بالمنى ... وأراقم ينفثن بالتّرياق
من للرقاع الحمر يجمع حسنها ... خجل الخدود وصبغة الأحداق
تغتال أحشاء العدوّ كأنها ... صفحات دامية الغرار رقاق
وتهزّ أعطاف الوليّ كأنها ... راح مشعشعة براحة ساق
من للفنون يجيل في ميدانها ... خيل البيان كريمة الأعراق
من للحقائق أبهمت أبوابها ... للناس يفتحها على استغلاق
من للمساعي الغرّ تقصد جاهه ... حرما فينصرها على الإخفاق
كم شدّ من عقد وثيق حكمه ... في الله أو أفتى بحلّ وثاق
رحب الذراع بكلّ خطب فادح ... أعيت رياضته على الحذّاق
صعب المقادة في الهوادة والهوى ... سهل على العافين والطّرّاق
ركب الطريق إلى الجنان وحورها ... يلقينه بتصافح وعناق
فاعجب لأنس في مظنّة وحشة ... ومقام وصل في مقام فراق
أمطيّبا بمحامد العمل الرضى ... ومكفّنا بمكارم الأخلاق
ما كنت أحسب قبل نعشك أن أرى ... رضوى تسير على الأعناق
ما كنت أحسب قبل دفنك في الثّرى ... أنّ اللحود خزائن الأعلاق
يا كوكب الهدي الذي من بعده ... ركد الظلام بهذه الآفاق
يا واحدا مهما جرى في حلبة ... جلّى بغرّة سابق السّبّاق
يا ثاويا بطن الضريح وذكره ... أبدا رفيق ركائب ورفاق
يا غوث من وصل الضريح فلم يجد ... في الأرض من وزر ولا من واق
ما كنت إلّا ديمة منشورة ... من غير إرعاد ولا إبراق
ما كنت إلّا روضة ممطورة ... ما شئت من ثمر ومن أوراق
يا مزمعا عنّا العشيّ ركابه ... هلّا لبثت ولو بقدر فواق
رفقا أبانا جلّ ما حمّلتنا ... لا تنس فينا عادة الإشفاق
واسمح ولو بمزار لقيا في الكرى ... تبقي بها منّا على الأرماق
وإذا اللقاء تصرّمت أسبابه ... كان الخيال تعلّة المشتاق
عجبا لنفس ودّعتك وأيقنت ... أن ليس بعد ثواك يوم تلاق
ما عذرها إن لم تقاسمك الردى ... في فضل كأس قد شربت دهاق
إن قصّرت أجفاننا عن أن ترى ... تبكي النجيع عليك باستحقاق
واستوقفت دهشا فإنّ قلوبنا ... نهضت بكلّ وظيفة الآماق
ثق بالوفاء على المدى من فتية ... بك تقتدي في العهد والميثاق
سجعت بما طوقتها من منّة ... حتى زرت بحمائم الأطواق
تبكي فراقك خلوة عمّرتها ... بالذكر في طفل وفي إشراق
أمّا الثناء على علاك فذائع ... قد صحّ بالإجماع والإصفاق
والله قد قرن الثناء بأرضه ... بثنائه من فوق سبع طباق
جادت ضريحك ديمة هطّالة ... تبكي عليه بواكف رقراق
وتغمّدتك من الإله سعادة ... تسمو بروحك للمحلّ الراقي
صبرا بني الجيّاب إنّ فقيدكم ... سيسرّ مقدمه بما هو لاق
وإذا الأسى لفح القلوب أواره ... فالصبر والتسليم أيّ رواق
وأنشد في هذا الغرض الفقيه أبو عبد الله بن جزي رحمه الله : [الطويل]
ألم تر أنّ المجد أقوت معالمه ... فأطنابه قد قوّضت دعائمه
هوى من سماء المعلوات شهابها ... وخانت جواد المكرمات قوائمه
وثلّت من الفخر المشيد عروشه ... وفلّت من العزّ المنيع صوارمه
وعطّل من حلي البلاغة قسّها ... وعرّي من جود الأنامل حاتمه
أجل إنه الخطب الذي جلّ وقعه ... وثلّم غرب الدين والعلم هاجمه
وإلّا فما للنوم طار مطاره ... وما للزيم الحزن قصّت قوادمه
وما لصباح الأنس أظلم نوره ... وما لمحيّا الدهر قطّب باسمه
وما لدموع العين فضّت كأنها ... فواقع زهر والجفون كمائمه
قضى الله في قطب الرياسة أن قضى ... فشتّت ذاك الشّمل من هو ناظمه
ومن قارع الأيام سبعين حجّة ... ستنبو عراره ويندقّ قائمه
وفي مثلها أعيا النطاسيّ طبّه ... وضلّ طريق الحزم في الرأي حازمه
تساوى جواد في رداه وباخل ... فلا الجود واقيه ولا البخل عاصمه
وما نفعت ربّ الجياد كرامه ... ولا منعت منه الغنيّ كرائمه
وكلّ تلاق فالفراق أمامه ... وكلّ طلوع فالغروب ملازمه
وكيف مجال العقل في غير منفذ ... إذا كان باني مصنع هو هادمه
ليبك عليّا مستجير بعدله ... يصاخ لشكواه ويمنع ظالمه
ليبك عليّا مائح بحر علمه ... يروّى بأنواع المعارف هائمه
ليبك عليّا مظهر فضل نصحه ... يحلّأ عن ورد المآثم حائمه
ليبك عليّا معتف جود كفّه ... يواسيه في أمواله ويقاسمه
ليبك عليّا ليله وهو قائم ... يكابده أو يومه وهو صائمه
ليبك عليّا فضل كلّ بلاغة ... يخلّده في صفحة الطّرس راقمه
وشخص ضئيل الجسم يرهب نفثه ... ليوث الشّرى في خيسها وضراغمه
تكفّل بالرزق المقدّر للورى ... إذا الله أعطى فهو للناس قاسمه
يسدّده سهما وينضوه صارما ... ويشرعه رمحا فكلّ يلائمه
إذا سال من شقّيه سائل حبره ... بما شاء منه سائل فهو عالمه
ليبك عليه الآن من كان باكيا ... فتلك مغانيه خلت ومعالمه
تقلّد منه الملك عضب بلاغة ... يقدّ السلوقيّ المضاعف صارمه
وقلّده مثنى الوزارة فاكتفى ... بها ألمعيّ حازم الرأي عازمه
ففي يده وهو الزعيم بحقّها ... براعته والمشرفيّ وخاتمه
سخيّ على العافين سهل قياده ... أبيّ على العادين صعب شكائمه
إذا ضلّت الآراء في ليل حادث ... رآها برأي يصدع الحقّ ناجمه
وقام بأمر الملك للدين حاميا ... فذلّ معاديه وضلّ مراغمه
وقد كان نيط العلم والحلم والتّقى ... به وهو ما نيطت عليه تمائمه
ودوّخ أعناق الليالي بهمّة ... يبيت ونجم الأفق فيها يزاحمه
وزاد على بعد المنال تواضعا ... أبى الله إلّا أن تتمّ مكارمه
سقيت الغوادي! أيّ علم وحكمة ... ودين متين ذلك القبر كاتمه
وما زلت يستسقى بدعوتك الحيا ... وها هو يستسقى لقبرك ساجمه
بكت فقدك الكتّاب إذ كان شملهم ... يؤلّفه من روح فضلك ناعمه
وطوّقتهم بالبرّ ثم سقيتهم ... نداك فكنت الروض ناحت حمائمه
ويبكيك مني ذاهب الصبر موجع ... توقّد في جنبيه للحزن جاحمه
فتى نال منه الدهر إلّا وفاءه ... فما وهنت في حفظ عهد عزائمه
عليل الذي زرّت عليه جيوبه ... قريح الذي شدّت عليه حزائمه
فقد كنت ألقى الخطب منه بجنّة ... تعارض دوني بأسه وتصادمه
سأصبر مضطرّا وإن عظم الأسى ... أحارب حزني مرّة وأسالمه
وأهديك إذ عزّ اللقاء تحيّة ... وطيب ثناء كالعبير نواسمه
وأنشد القاضي أبو بكر القرشي قوله في قصيدة في ذلك : [الوافر]
هي الآجال غايتها نفاد ... وفي الغايات تمتاز الجياد
وأنشد الفقيه الكاتب أبو بكر القاسم بن الحكيم قوله من قصيدة:
[الطويل]
لينع الحجا والحلم من كان ناعيا ... ويرع العلا والعلم من كان راعيا
وأنشد الفقيه القاضي أبو بكر بن جزي قصيدة أولها : [الطويل]
أبثّكما والصبر للعهد ناكث ... حديثا أملّته عليّ الحوادث
قصائد مطولات يخرج استقصاؤها عن الغرض، فكان هذا التأبين غريبا لم يتقدّم به عهد بالحضرة لكونها دار ملك، والتجلّة في مثل هذا مقصورة على أولي الأمر، فمضى بسبيله، رحمه الله.
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.
ذو الوزارتين (أبو الحسن علي بن محمد بن الجياب كاتب، وشاعر، من أشهر كتاب الدولة النصرية (673 - 749) خدم عددا من أمراء الدولة النصرية فكتب لهم وترقى في المناصب وحاز من الثقة حتى صار رئيس كتاب الحضرة. وكان شيخ طلبة الأندلس في زمانه رواية وتحقيقا ومشاركة في كثير من العلوم والفنون، ووصف بأنه كان قائما على العربية إماما في الفرائض والحساب عارفا بالقراءات متبحرا في الأدب والتاريخ مشاركا في التصوف. وعليه تتلمذ لسان الدين بن الخطيب وزير الأندلس وكاتبها بعده. له ديوان شعر محفوظ في دار الكتب المصرية، وفيه ما يدل على أنه عن أصل الديوان الذي قال لسان الدين إنه صنعه، كقوله: «وقال (ابن الجياب) يجاوبني عن قصيدة في الروي» الورقة 64 منه، وذكر لسان الدين القصيدتين في كتابه «الكتيبة الكامنة») الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى
علي بن محمد بن سليمان بن الجيّاب الانصاري:
[كنيته:]
يكنى: أبا الحسن، وأدركته، وهو من أهل غرناطة من صدور أعيانها وكتب في الحضرة النّصريّة لستّة من ملوكنا، وقلده الوزارة السلطان أبو الحجّاج يوسف ابن عمّ أبينا مضافة إلى رياسة الكتّاب.
حاله-رحمه الله-:
كان قد امتطى من ديوان الإنشاء جوادا تقدّم به مجليّا، وغدا كل منتم لهذه الطريقة له مصلّيا. وطلع في سماء الإحسان غيثا، وبرز في ميدان العلوم ليثا. وفي تصريف الأفعال ينسيك سيبويه، وفي علم اللّغة يعفي أثر ابن درستويه، وفي الصنعة البديعية والبيانية يزري بابن سماك، وينسي مآثر ابن سكاك. وشعره وسط، وفهمه مرتبط، وهو عارف بأيام العرب ووقائعها، محصّل لمآثرها وبدائعها.
فمن قوله-رحمه الله-يمدح أمير المسلمين الغالب بالله، الناصر لدين الله أبا عبد الله محمد المخلوع ابن جدّنا أمير المسلمين أبي عبد الله محمد الفقيه ابن جدّنا أمير المسلمين الغالب بالله أبي عبد الله محمد صاحب الدبوس ابن جدنا الأمير أبي الحجّاج يوسف الشهير بالأحمر ابن جدّنا أمير المؤمنين المنصور بالله أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر الخزرجي
زارت تجرّر نخوة أذيالها … هيهات تخلط بالنّفار دلالها
والشمس من حسد لها مصفرّة … إذ قصّرت عن أن تكون مثالها
وافتك تمزج لينها بقساوة … قد أدرجت طيّ العتاب نوالها
كم رمت كتم مزارها لكنّه … صحّت دلائل لم تطق إعلالها
تركت على الأرجاء عند مسيرها … أرجا كأن المسك فتّ خلالها
ما واصلتك محبّة وتفضّلا … لو كان ذاك لواصلت إفضالها
لكن توقّعت السلوّ فجدّدت … لك لوعة لا تتّقي ترحالها
فوحبّها قسما يحقّ بروره … لتجشّمنّك في الهوى أهوالها!
حسّنت نظم الشعر في أوصافها … إذ فتّحت لك في الهوى أقفالها
يا حسن ليلة وصلها ما ضرّها … لو أتبعت من بعدها أمثالها
لمّا سكرت بريقها وجفونها … أهملت كاسك لم ترد إعمالها
هذا الربيع أتاك ينشر حسنه … فافسح لنفسك في مداه مجالها
واخلع عذارك في البطالة جامحا … واقرن بأسحار المنى آصالها
في جنّة تجلو محاسنها كما … تجلو العروس لدى الزّفاف جمالها
شكرت أيادي للحيا شكر الورى ... شرف الملوك همامها مفضالها
وصميمها أصلا وفرعا، خيرها … ذاتا وخلقا، سمحها، بذّالها
الطاهر الأعلى الأمين المرتضى … بحر المكارم غيثها سلسالها
حاز المعالي كابرا عن كابر … وجرى لغايات الكرام فنالها
إن تلقه في يوم بذل هباته … تلق الغمائم أرسلت هطّالها
أو تلقه في يوم حرب عداته … تلق الضراغم فارقت أشبالها
ملك إذا ما صال يوما صولة … خلت البسيطة زلزلت زلزالها
فبسيبه وبسيفه نيل المنى … واستعجلت أعداؤه آجالها
الواهب الآلاف قبل سؤالها … فكفى العفاة سؤالها ومطالها
إن قلت: بحر كفّه، قصّرت إذ … شبّهت بالملح الأجاج نوالها
ملأ البسيطة عدله وأمانه … فالوحش لا تعدو على من غالها!
وسقى البريّة فيض كفيّه فقد … عمّ البلاد سهولها وجبالها
جمع العلوم عناية بفنونها … آدابها، وحسابها، وجدالها
منقولها، معقولها، وأصولها … وفروعها، تفصيلها، إجمالها
فإذا عفاتك عاينوك تهلّلوا … لمّا رأوا من كفّك استهلالها
وإذا عداتك أبصروك تيقّنوا … أنّ المنيّة سلطت رئبالها
بدّدت شملهم ببيض صوارم … روّيت من علق الكماة نصالها
وابحت أرضهم فأصبح أهلها … جزرا تغادر نهبة أموالها
فتحت إمارتك السعيدة للورى … أبواب بشرى واصلت إقبالها
وبنت مصانع رائقات ذكّرت … دار النّعيم جنانها وظلالها
وأجلّها قدرا وأرفعها مدى … هذا الذّي سامى النّجوم فطالها
هو جنّة فيها الأمير مخلّد … بلغت إمارته به آمالها
ولأرض أندلس مفاخر أنتم … أربابها أضفيتم سربالها
فحميتم أرجاءها وكفيتم … أعداءها، وهديتم ضلاّلها
فبآل نصر فاخرت لا غيرهم … لم تعتمد من قبلهم أقيالها
بمحمّد ومحمد ومحمّد … قصرت على الخصم الألدّ نصالها
فهم الألى فتحوا لكّل عظيمة … جردا كسبين من النّجيع جلالها
وهم الألى فتحوا لكل ملمّة … بابا أزاح بفتحه إشكالها
أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.
علي بن محمد بن علي بن سليمان، أبو الحسن ابن الجياب:
شاعر أندلسي غرناطي أنصاري، من شيوخ لسان الدين ابن الخطيب. له " ديوان شعر - خ " قطعة منه، بالظاهرية في 13 ورقة، ونسخة في دار الكتب مرتبة على الحروف. ويقال: إن جامع " ديوانه " هو لسان الدين .
-الاعلام للزركلي-
أبو الحسن علي بن محمَّد بن سليمان الغرناطي: يعرف بابن الجياب الفقيه في فن الفرائض والحساب المتفنن في العلوم المتبحر في التاريخ الأمام في البلاغة والأدب الحامل لواء المنثور والمنظوم. أخذ عن ابن الشاط وابن زيتون وابن رشيد وابن الزبير وغيرهم، وعنه برهان الدين بن فرحون وابن عرفة ولسان الدين ابن الخطيب به تأدّب وتخرّج بين يديه وورث خطته في الكتابة السلطانية. مولده سنة 673هـ وتوفي سنة 749هـ[1348 م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف
أبو الحسن علي بن محمد بن الجياب (673 - 749) الوزير الكاتب الشاعر له ديوان شعر، ورسائل.
أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.