محمد بن علي بن أحمد الخولاني أبي عبد الله
ابن الفخار البيري
تاريخ الوفاة | 754 هـ |
مكان الوفاة | غرناطة - الأندلس |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
محمد بن علي بن أحمد الخولاني
يكنى أبا عبد الله، أصله من مجلقر، ويعرف بابن الفخّار وبالبيري، شيخنا رحمه الله.
حاله: من «عائد الصلة» : أستاذ الجماعة، وعلم الصناعة، وسيبويه العصر، وآخر الطبقة من أهل هذا الفن. كان، رحمه الله، فاضلا، تقيّا، منقبضا، عاكفا على العلم، ملازما للتدريس، إمام الأئمّة من غير مدافع، مبرّزا أمام أعلام البصريّين من النّحاة، منتشر الذكر، بعيد الصّيت، عظيم الشهرة، مستبحر الحفظ، يتفجّر بالعربية تفجّر البحر، ويسترسل استرسال القطر، قد خالطت دمه ولحمه، لا يشكل عليه منها مشكل، ولا يعوزه توجيه، ولا تشذّ عنه حجّة. جدّد بالأندلس ما كان قد درس من لسان العرب، من لدن وفاة أبي علي الشلوبين، مقيم السوق على عهده. وكانت له مشاركة في غير صناعة العربية من قراءات وفقه، وعروض، وتفسير. وتقدم خطيبا بالجامع الأعظم، وقعد للتدريس بالمدرسة النّصرية ، وقلّ في الأندلس من لم يأخذ عنه من الطّلبة. واستعمل في السّفارة إلى العدوة، مع مثله من الفقهاء، فكانت له حيث حلّ الشّهرة وعليه الازدحام والغاشية، وخرّج، ودرّب، وأقرأ، وأجاز، لا يأخذ على ذلك أجرا وخصوصا فيما دون البداية، إلّا الجراية المعروفة، مقتصدا في أحواله، وقورا، مفرط الطّول، نحيفا، سريع الخطو، قليل الالتفات والتعريج، متوسط الزّي، متبذلا في معالجة ما يتملّكه بخارج البلد، قليل الدّهاء والتّصنّع، غريب النّزعة، جامعا بين الحرص والقناعة.
مشيخته: قرأ بسبتة على الشيخ الإمام أبي إسحاق الغافقي، ولازمه كثيرا، وأخذ عنه، وأكثر عليه. وقرأ على الإمام الصالح أبي عبد الله بن حريث، والمقرئ الشريف الفاضل أبي العبّاس الحسني، والشيخ الأستاذ النظّار أبي القاسم بن الشّاط، وأخذ عن الخطيب المحدث أبي عبد الله بن رشيد، والقاضي أبي عبد الله بن القرطبي وغيرهم. وهو أستاذي، قرأت عليه القرآن، وكتابي الجمل والإيضاح، وحضرت عليه دولا من الكتاب، ولازمته مدة، وعاشرته، وتوجّه صحبتي في الرسالة إلى المغرب.
وفاته: توفي بغرناطة ليلة الاثنين الثاني عشر من رجب عام أربعة وخمسين وسبعمائة، وكانت جنازته حافلة. وخمدت قرائح الآخذين عنه، ممن يدلي دلو أدب، فيأتي بماء أو حمأة، على كثرتهم، تقصيرا عن الحق، وقدحا في نسب الوفاء، إلّا ما كان من بعض من تأخّر أخذه عنه، وهو محمد بن عبد الله اللّوشي، فإنه قال: وعين هذه الأبيات قرارها : [الطويل]
ويوم نعى النّاعي شهاب المحامد ... تغيّرت الدنيا لمصرع واحد
فلا عذر للعينين إن لم تسامحا ... بدمع يحاكي الوبل يشفي لواجد
مضى من بني الفخّار أفضل ماجد ... جميل المساعي للعلا جدّ شاهد
طواه الرّدى ما كلّ حيّ يهابه ... وما ورده عارا يشين لوارد
لقد غيّبت منه المكارم في الثّرى ... غداة ثوى وانسدّ باب الفوائد
فيا حاملي أعواده، ما علمتم ... بسؤدده الجمّ الكريم المحاتد؟
ويا حفرة خطّت له اليوم مضجعا، ... سقتك الغوادي الصادقات الرّواعد
ألا يا حمام الأيك ساعدن بالبكا ... على علم الدّنيا وزين المشاهد
على أن لو اسطعت الفداء فديته ... بأنفس مال من طريف وتالد
محمد، ما النّعمى لموتك غضّة ... تروق ولا ماء الحياة ببارد
وكيف وباب العلم بعدك مغلق ... ومورده المتروك بين الموارد
أأستاذنا كنت الرّجاء لآمل ... فأصبحت مهجور الفناء لقاصد
فلا تبعدن شيخ المعارف والحجا ... أليس الذي تحت التّراب بباعد؟
لتبك العلوم بعدك اليوم شجوها ... ويقفر لها ربع العلا والمعاهد
ليبك عليك الجود والدين والتّقى ... وحسب البكا أن صرت ملحود لاحد
أمولاي، من للمشكلات يبينها ... فيجلي عمى كلّ القلوب الشّواهد
ومن ذا يحلّ المقفلات صعابها؟ ... ومن ذا الذي يهدي السبيل لحائد
فيا راحلا عنّا فزعنا لفقده ... لقد أونست منك القبور بوافد
ويا كوكبا غال النهار ضياءه ... وشيكا، وهل هذا الزمان بخالد؟
سأبكيك ما لاحت بروق لشائم ... وأرعاك ما كان الغمام بعائد
عليك سلام الله ما دامت الصّبا ... تهبّ بغصن في الأراكة مائد
قلت : العجب من الشيخ ابن الخطيب، كيف قال: وخمدت قرائح الآخدين عنه، وهو من أجلّ من أخذ عنه، حسبما قرره آنفا، بل أخصّ من ذلك المعاشرة والسفارة للعدوة. وهو مع ذلك أقدرهم على هذا الشأن، وأسخاهم قريحة في هذا الميدان، وإن أتى غيره بماء أو حمأة، أتى هو بالبحر الذي لا ساحل له. ولعمري لو قام هو بما يجب من ذلك، لزال القدح في نسب وفاء الغير، فعين ما نسبه من التقصير عن الحق في ذلك، متوجّه عليه، ولا حقّ له، ولا يبعد عنده أن يكون وقع بينهما ما أوجب إعراضه مما يقع في الأزمان، ولا سيما من أهل هذ الشان، فيكون ذلك سببا في إعراض الغير مشيا في غرضه، ومساعدة له. والله أعلم بحقيقة ذلك كله.
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.
أبو عبد الله محمد بن علي الفخار البيري: الأستاذ المحقق الإِمام العلامة النظار الفهامة أخذ عن أبي عبد الله الكمال وغيره، وعنه لسان الدين ابن الخطيب والإمام الشاطبي وأبو البركات ابن الحاج ومن لا يعد كثرة، أثنى عليه كثيراً في نفح الطيب. توفي سنة 754 هـ[1353 م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف