سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني أبي داود

الإمام أبي داود

تاريخ الولادة202 هـ
تاريخ الوفاة275 هـ
العمر73 سنة
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةالبصرة - العراق
أماكن الإقامة
  • سجستان - إيران

نبذة

صاحب كتاب سنن أبي داود. سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير السجستاني، ويُكنى بأبي داود، وهو أحد حفاظ لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد أبي داود عام 202هـ، وتوفي في عام 275هـ.وهو من طلاب الإمام البخاري، استفاد منه الكثير

الترجمة

صاحب كتاب سنن أبي داود.

سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير السجستاني، ويُكنى بأبي داود،

وهو أحد حفاظ لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد أبي داود عام 202هـ، وتوفي في عام 275هـ.وهو من طلاب الإمام البخاري، استفاد منه الكثير، وسلك في العلم مسلك معلمه، كان يشبه الإمام أحمد بن حنبل في هديه، وسماته.وقد أثنى عليه الكثير من العلماء، مثل: الحافظ موسى بن هارون الذي قال فيه: "خلق أبو داود في الدنيا للحديث، وفي الآخرة للجنة"، وكذلك أثنى عليه الحاكم أبو عبد الله وغيرهم الكثير. * كتابه سنن أبي داود:جمع أبو داود في كتابه هذا الكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث بلغ مجموع ما جمع من الأحاديث 5274 حديثاً، حيث صنف كتابه السنن وهذبه وانتقاه من بين خمسمائة ألف حديث.وأما عن مدى ضعف وصحه أحاديثه، فقد قال أبو داود في ذلك: "ذكرت فيه الصحيح، ومايشابهه، ويقاربه، وما كان فيه وهن شديد بينته".

سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث بن إِسْحَاق بن بشير بن شَدَّاد بن عَمْرو بن عمرَان الإِمَام الْجَلِيل أَبِي دَاوُد السجستاني الأزدي صَاحب السّنَن
من سجستان الإقليم الْمَعْرُوف المتاخم لبلاد الْهِنْد وَوهم ابْن خلكان فَقَالَ سجستان قَرْيَة من قرى الْبَصْرَة

ولد سنة ثِنْتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ
سمع من سَعْدَوَيْه وَعَاصِم بن على والقعنبى وَسليمَان بن حَرْب وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم وَعبد الله بن رَجَاء وأبى الْوَلِيد وأبى سَلمَة التبوذكى وَالْحسن بن الرّبيع البورانى وَأحمد بن يُونُس اليربوعى وَصَفوَان بن صَالح وَهِشَام بن عمار وقتيبة بن سعيد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وأبى جَعْفَر النفيلى وَأحمد بن أَبى شُعَيْب وَيزِيد بن عبد ربه وَخلق بالحجاز وَالْعراق وخراسان وَالشَّام ومصر والثغور
روى عَنهُ الترمذى والنسائى وَابْنه أَبُو بكر بن أَبى دَاوُد وَأَبُو على اللؤلؤى وَأَبُو بكر بن داسة وَأَبُو سعيد بن الأعرابى وعَلى بن الْحسن بن العَبْد وَأَبُو أُسَامَة مُحَمَّد بن عبد الْملك الرواس وَأَبُو سَالم مُحَمَّد بن سعيد الجلودى وَأَبُو عَمْرو أَحْمد بن على وَهَؤُلَاء السَّبْعَة رووا عَنهُ سنَنه وَلابْن الأعرابى فِيهِ فَوت
وَأَبُو عوَانَة الإسفراينى الْحَافِظ وَأَبُو بكر الْخلال وَأَبُو بشر الدولابى وَمُحَمّد بن مخلد وعبدان الأهوازى وزَكَرِيا الساجى وَإِسْمَاعِيل الصفار وَمُحَمّد بن يحيى الصولى وَأَبُو بكر النجاد وَخلق
وَكتب عَنهُ الإِمَام أَحْمد حَدِيث العتيرة وَأحمد شَيْخه وَيُقَال إِنَّه عرض عَلَيْهِ كتاب السّنَن فَاسْتَحْسَنَهُ

قَالَ أَبُو بكر الصغانى أَلين لأبى دَاوُد الحَدِيث كَمَا أَلين لداود عَلَيْهِ السَّلَام الْحَدِيد وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيم الحربى
وَقَالَ مُوسَى بن هَارُون الْحَافِظ خلق أَبُو دَاوُد فى الدُّنْيَا للْحَدِيث وفى الْآخِرَة للجنة مَا رَأَيْت أفضل مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو بكر بن داسة سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول كتبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة ألف حَدِيث انتخبت مِنْهَا مَا ضمنته كتاب السّنَن جمعت فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حَدِيث ذكرت الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه وَمَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد بَينته
قَالَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله تَعَالَى وَقد وفى بذلك فَإِنَّهُ بَين الضعْف الظَّاهِر وَسكت عَن الضعْف الْمُحْتَمل فَمَا سكت عَنهُ لَا يكون حسنا عِنْده ولابد بل قد يكون مِمَّا فِيهِ ضعف انْتهى
وَقَالَ زَكَرِيَّا الساجى كتاب الله أصل الْإِسْلَام وَكتاب أَبى دَاوُد عهد الْإِسْلَام
وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن ياسين الهروى فى تَارِيخ هراة أَبُو دَاوُد السجستانى كَانَ أحد حفاظ الْإِسْلَام لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلله وَسَنَده فى أعلا دَرَجَة النّسك والعفاف وَالصَّلَاح والورع من فرسَان الحَدِيث
وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَبُو دَاوُد إِمَام أهل الحَدِيث فى عصره بِلَا مدافعة
وَقَالَ أَبُو بكر الْخلال أَبُو دَاوُد الإِمَام الْمُقدم فى زَمَانه لم يسْبق إِلَى مَعْرفَته بتخريج الْعُلُوم وبصره بمواضعه رجل ورع مقدم
وَقَالَ الخطابى حَدَّثَنى عبد الله بن مُحَمَّد المسكى حَدَّثَنى أَبُو بكر بن جَابر خَادِم أَبى

دَاوُد قَالَ كنت مَعَ أَبى دَاوُد بِبَغْدَاد فَصليت الْمغرب فجَاء الْأَمِير أَبُو أَحْمد الْمُوفق فَدخل فَأقبل عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَقَالَ مَا جَاءَ بالأمير فى مثل هَذَا الْوَقْت فَقَالَ خلال ثَلَاث قَالَ وَمَا هى قَالَ تنْتَقل إِلَى الْبَصْرَة فتتخذها وطنا لترحل إِلَيْك طلبة الْعلم فتعمر بك فَإِنَّهَا قد خربَتْ وَانْقطع عَنْهَا النَّاس لما جرى عَلَيْهَا من محنة الزنج قَالَ هَذِه وَاحِدَة قَالَ وتروى لأولادى السّنَن فَقَالَ نعم هَات الثَّالِثَة قَالَ وَتفرد لَهُم مَجْلِسا فَإِن أَوْلَاد الْخُلَفَاء لَا يَقْعُدُونَ مَعَ الْعَامَّة قَالَ أما هَذِه فَلَا سَبِيل إِلَيْهَا لِأَن النَّاس فى الْعلم سَوَاء
قَالَ ابْن جَابر فَكَانُوا يحْضرُون ويقعدون وَبينهمْ وَبَين الْعَامَّة ستر
قَالَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله تفقه أَبُو دَاوُد بِأَحْمَد بن حنل ولازمه مُدَّة قَالَ وَكَانَ يشبه بِهِ كَمَا كَانَ أَحْمد يشبه بشيخه وَكِيع وَكَانَ وَكِيع يشبه بشيخه سُفْيَان وَكَانَ سُفْيَان يشبه بشيخه مَنْصُور وَكَانَ مَنْصُور يشبه بشيخه إِبْرَاهِيم وَكَانَ إِبْرَاهِيم يشبه بشيخه عَلْقَمَة وَكَانَ عَلْقَمَة يشبه بشيخه عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ
قَالَ شَيخنَا الذهبى وروى أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يشبه عبد الله بن مَسْعُود بالنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى هَدْيه ودله
قلت أما أَنا فَمن ابْن مَسْعُود أسكت وَلَا أَسْتَطِيع أَن أشبه أحدا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى شئ من الْأَشْيَاء وَلَا أستحسنه وَلَا أجوزه وَغَايَة مَا تسمح بِهِ نفسى أَن أَقُول وَكَانَ عبد الله يقْتَدى برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا تنتهى إِلَيْهِ قدرته وموهبته من الله عز وَجل لَا فى كل مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن ذَلِك لَيْسَ لِابْنِ مَسْعُود وَلَا للصديق وَلَا لمن اتَّخذهُ الله خَلِيلًا حشرنا الله فى زمرتهم
توفى أَبُو دَاوُد فى سادس عشر شَوَّال سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ

طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي.

 

سليمان بن الأشعث السجستاني أبي داود : وهو إمام في الحديث روى عنه أحمد بن حنبل حديثاً واحداً وروى هو عن أحمد بن حنبل  مسائل. مات سنة خمس وسبعين ومائتين وله ثلاث وسبعون سنة.

- طبقات الفقهاء / لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

 

سُلَيْمَان بن الأشعت بن إِسْحَاق بن بشر بن شَدَّاد الأزدى الإِمَام أبي دَاوُد السجستانى
سمع سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم وَسليمَان بن حَرْب وَأَبا دَاوُد الجيلى وإمامنا أَحْمد وخلقا سواهُم
روى عَنهُ ابْنه عبد الله وَأبي عبد الرَّحْمَن النسائى وَأبي بكر النجاد وَغَيرهم
وَهُوَ مِمَّن رَحل وطوف وَجمع وصنف وَكتب عَن الشاميين والخراسانيين

والبصريين وَيُقَال إِنَّه صنف كتابا قَدِيما وَعرضه على إمامنا فاستجاده وَاسْتَحْسنهُ
وَقد روى عَنهُ إمامنا حَدِيثا وَاحِدًا وَنقل عَنهُ أَشْيَاء كَثِيرَة مِنْهَا قَالَ سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول كَانَ ابْن أَبى ذيب يشبه بِسَعِيد ابْن الْمسيب
قيل لِأَحْمَد خلف مثله ببلاده
قَالَ لَا وَلَا بغَيْرهَا يعْنى ابْن أَبى ذيب وَقَالَ سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول من قَالَ أَن الله لَا يرى فَهُوَ كَافِر
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الحربى أَلين الحَدِيث لأبى دَاوُد كَمَا أَلين الْحَدِيد لداود
وَقد روى أَن سنَن أَبى دَاوُد قد قُرِئت على ابْن الأعرابى فَأَشَارَ إِلَى النُّسْخَة وَهِي بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَو أَن رجلا لم يكن عِنْده من الْعلم إِلَّا الْمُصحف ثمَّ هَذَا الْكتاب لم يحْتَج مَعَهُمَا إِلَى شىء من الْعلم
مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة لأَرْبَع عشرَة بقيت من شَوَّال سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَقيل أَنه توفى بِالْبَصْرَةِ رَحمَه الله تَعَالَى

المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.


 

أَبُو دَاوُد السجسْتانِي سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث بن شَدَّاد بن عَمْرو الْأَزْدِيّ
الإِمَام الْعلم صَاحب كتاب السّنَن والناسخ والمنسوخ وَالْقدر والمراسيل وَغير ذَلِك
ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ
وروى عَن القعْنبِي وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم وَأبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَيحيى وَإِسْحَاق وَابْن الْمَدِينِيّ وَخلق
وَعنهُ التِّرْمِذِيّ وَابْنه أَبُو بكر وَحرب الْكرْمَانِي وزَكَرِيا السَّاجِي وَأَبُو عوَانَة وَأَبُو بشر الدولابي وَأَبُو بكر الْخلال والنجاد وَخلق

قَالَ الْخلال أَبُو دَاوُد الإِمَام الْمُقدم فِي زَمَانه رجل لم يسْبقهُ أحد إِلَى مَعْرفَته بتخريج الْعُلُوم وبصره بمواضعه فِي زَمَانه
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَلين لأبي دَاوُد الحَدِيث كَمَا أَلين لداود الْحَدِيد
وَقَالَ ابْن حبَان أَبُو دَاوُد أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا فقهاً وعلماً وحفظاً ونسكاً وورعاً وإتقانا وَجمع وصنف وذب عَن السّنَن
وَقَالَ ابْن داسة سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول كتبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة ألف حَدِيث انتخبت مِنْهَا مَا ضمنته هَذَا الْكتاب
وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِي كتاب الله أصل الْإِسْلَام وَكتاب السّنَن أبي دَاوُد عهد الْإِسْلَام مَاتَ فِي شَوَّال سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني، أبو داود:
إمام أهل الحديث في زمانه. أصله من سجستان. رحل رحلة كبيرة وتوفي بالبصرة. له (السنن ط -) جزآن، وهو أحد الكتب الستة، جمع فيه 4800 حديث انتخبها من 000 , 500 حديث. وله (المراسيل - ط) صغير، في الحديث، و (كتاب الزهد - خ) في خزانة القرويين (الرقم 80 / 133) بخط أندلسي، و (البعث - خ) رسالة، و (تسمية الإخوة - خ) رسالة. وللجلودي كتاب (أخبار أبي داود) .

-الاعلام للزركلي-

 

 

 

ترجمة الإمام أبي داود السجستاني
 

* اسمه ونسبه ومولده وبلده:
هو الإمامُ، شيخ السنة، مقدَّمُ الحفاظ، أبو داود سليمانُ بنُ الأشعث بن إسحاق بن بَشير بنِ شداد، هكذا نسبه تلميذاه ابنُ داسة وأبو عُبيد الآجري -وزاد في نسبته ابن حبان والخطيب البغدادي وابن ماكولا، والسمعاني وأبو طاهر السِّلَفي والحازمي، وابن خلكان والقاسم التُّجيبي، والتاج السبكي وابنُ تغري بردي- ابن عَمرو بن عِمران، الأزدي السجستاني .
وقال ابنُ أبي حاتم: سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر.
وقال محمدُ بن عبد العزيز الهاشمي: سليمان بن الأشعث بن بِشر بن شداد.
والأزدي: نسبة إلى الأزد بنِ الغَوْثِ بنِ نَبْتِ بنِ مالك بنِ زيد بن كَهْلانَ بن سَبَأ بنِ يَشجُب بن يَعرُب بن قَحطان، وهو أبو قبيلة باليمن.
والسِّجِسْتانيُّ: نسبةٌ إلى سِجِسْتان، بكسر السين المهملةِ والجيم، وسكونِ السين الأخرى، بعدها تاء منقوطة بنقطتين من فوق: وهو إقليمٌ يقع الآن تقريباً في الجنوب والجنوبِ الغربي لأفغانستان، ويَمتد إلى بعض مناطِق إيران الشرقيةِ إلى الجنوبِ منها، يدخل فيه دلتا نهر هلمند وغيره من الأنهار الكثيرة المنحدرة من جبال أفغانستان الشاهقة فوق كابل وغَزْنة إلى الجنوب الغربي، وفي هذا الموضع مدينة قندهار.
ويُسمى هذا الإقليمُ أيضاً سِيستان، ويعودُ ذلك إلى تسميته الفارسية: سكستان، ويُعرف الآنَ باسمِ سِيستان، ويقال لها بالفارسيةِ: نِيْمَروز أيضاً، ومعناه نصف يومٍ، أو الأرض الجنوبية، ويقال: إن هذا الإقليم إنما سُمي بذلك لوقوعه في جنوبِ خراسان .
والنسبة إليه أيضاً: سِجْزي، قال الحافظ الذهبي: وهكذا يَنْسِبُ أبو عوانة الإسفراييني أبا داود - يعني المُصنِّف-، فيقول: السِّجزي، وإليها يُنسَبُ مُسنِدُ الوقت أبو الوقت السِّجزي.
وقد اختُلِفَ في السنة التي فُتحت فيها سجستانُ، فذكر سيفُ بنُ عمر في "الفتوح" أن فتحها كان سنَة ثمانَ عشرة في عهدِ أميرِ المؤمنين عُمَرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه، وتولى فتحَها عاصمُ بن عمرو التميمي وعبدُ الله بنُ عمير الأشجعي.
أما خليفةُ بنُ خياط والبلاذُريُّ، وتبعهم ابنُ حبان وابنُ حزمٍ، فذهبا إلى أنَّ فتحها كان في عهدِ أمير المؤمنينَ عثمانَ بنِ عفان رضي الله عنه، وتولَّى فتحها الربيعُ بنُ زياد الحارثي. وعليه اقتصر الحافظ الذهبي في "دول الإسلام".
ويُجمع بينَ القولين أن ابتداء فتح سجستانَ كان زمن عمر بن الخطاب، واستمرت الحروب حتى استُكْمِلَ فَتْحُها سنةَ ثلاثين في عهد عثمان بن عفان، ذلك أنَّ إقليمَ سجستان كان أعظم من خراسان وأكبر مساحة وأصعَب الإقليمين وُعورة. فقد أورد الذهبي في حوادث سنة ثلاث وعشرين افتتاح سجستان ثم ذكر في سنةِ ثلاثين أن ابنَ عامرٍ وجَّة زيادَ بنَ الربيع إلى سِجستان، فافتتح زالِق وشرواذ وناشروذ، ثم صالح أهلَ مدينة زرنج.
ويرى ابنُ الأثير أن فتح سجستان قد تم أيام عمر بن الخطاب، إلا أن أهلها نقضوا العهد بعده، فأعاد فتحها الربيع بن زياد الحارثي في زمن عثمان بن عفان سنة إحدى وثلاثين. فبيّنَ أن تكرار فتحها كان نتيجةَ نقض أهلها العهد، والله تعالى أعلم.
وُلِدَ الإمامُ أبو داود فيما قاله هو عن نفسه سنَة اثنتين ومئتين. وكانت ولادتُه بسجستان.
وهو كما سلف عربي مِن قبيلة الأزد اليمنية، وإنما انتهى أحدُ أجدادِه إلى تلك البلاد أيامَ الفتح الإسلامي فاستقر هناك، وكان المسلمون في القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية على لسان خير البرية يرون أن الجهاد في سبيل الله فرض حتمي لنشر الإسلام وتعميمه في كافة الأقطار، فكانوا يستقرون في البلاد التي يفتحونها، ويتخذونها وطناً دائماً، ويصاهرون أهلها، ويقضون حياتهم في الدعوة إلى الله وتعليم من دخل في الإسلام منهم العربية والقرآن والسنة، وكانوا إلى جانب ذلك يتولون حماية الثغور لصدِّ أي هجوم مِن قبل العدو في البلاد المتاخمة، حماية لحدود دولةِ الإسلام من أن تُخْتَرَقَ مِن جهتهم، وكانت سجستان إحدى تلك الثغور.

عصره، وسيرته العلمية، ورحلته وشيوخه:
نشأ الإمامُ أبو داود وعاش في عصرٍ زاخرٍ بأهلِ العلم في مختلِف التخصصات، لا سيما في علم الحديث والرواية الذي بلغ أوجَه في القرن الثالث الهجري. فكان فيه عددٌ كبير من الحفاظِ الكبارِ الذين سجَّل لنا التاريخُ مآثِرهم، وحَفِظَتْ لنا الدواوينُ التي صنَّفوها مروياتِهم، وامتلأت الخزانة الإسلامية في ذلك القرن بالمصنفاتِ الجليلةِ التي لا يستغني عنها طالب علم البتة.
وقد شاعت آنذاك الرِّحْلَةُ في طلبِ العلم، فقلما تَجِدُ طالبَ علم إلا ويتركُ وطنَه ومسقِط رأسه، ليرحل إلى مختلِفِ الأقطارِ الإسلامية التي كانت حَوَاضر للعلم والعلماء رغبةً في الالتقاء بأهل العلم الكبار الذين عُرفوا بحفظ الحديث وروايته، يختلف إلى مجالسهم، للأخذ عنهم والإفادة منهم، واستنزاف ما صح عندهم من الرواية.
فكان أمثالُ الأئمة أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ) ويحيى بن معين (ت: 233 هـ) وابن أبي شيبة (ت: 235 هـ) وابن راهويه (ت: 238 هـ) وأبي حاتم (ت: 250 هـ) وأبي زرعة (ت: 264 هـ) الرّازيين، والبخاري (ت: 256 هـ)، والذهلي (ت: 258 هـ) ومسلم (ت: 261 هـ) إلى غير هؤلاء الذين كانوا مهوى أفئدةِ طلبةِ العلم ومقصدَهم.

وقد كان الإمامُ أبو داود مِن أولئك الذي آثَرُوا الرِّحْلَةَ في طلب العلم على البقاء في الأوطان، فبعد أن تلقَّى مبادئ العلوم في سِنٍّ مبكرة، وكتبَ الحديثَ في بلده سجستان والمناطق المجاورة، امتدت أنظارُه إلى عاصمة الدولةِ الإسلامية آنذاك بغداد، حيث كانت مِن حواضر العلم، وبالرغم من بُعد الشُّقة والمسافاتِ الشاسعةِ رَحَلَ إليها وهو في مقتبل عُمره لم يجاوز الثامنة عشرة، فقد أخبر عن نفسه أنه وصل بغداد سنة عشرين ومئتين.
قال أبو عبد الله الحاكمُ: أبو داود إمامُ أهلِ الحديث في عصره بلا مُدافَعَةٍ: سماعه بمصر والحجاز والشام والعِرَاقَيْنِ وخراسان، وقد كتب بخراسانَ قبلَ خروجه إلى العراق في بلدهِ وهَراة، وكتب ببَغْلان عن قُتيبة (هو ابن سعيد)، وبالري عن إبراهيمَ بنِ موسى ... وقد كان كتب قديماً بنَيسابور.
وقال الحافظ المزي: وكان أبو داود أحد من رحَلَ وطوَّف، وجمع وصنف، وكتب عن العراقيين والخراسانيين، والشاميين والمصريين، والجزريين والحجازيين وغيرهم.
وقال الحافظ الذهبي تعليقاً على قولِ أبي داود: ودخلت البصرةَ وهم يقولون: أمسِ مات عثمانُ بنُ الهيثم المؤذن، فسمعتُ مِن أبي عمر الضرير مجلساً واحداً، فقال الذهبي: مات في شعبان سنةَ عشرين ومات عثمان قبله بشهر.
ثم قال الذهبيُّ: وسمع بمكةَ مِن القعنبي وسليمانَ بنِ حرب وجماعةِ بمكة سنةَ عشرين أيام الحج.
وسمع مِن مُسْلِمِ بن إبراهيم، وعبدِ الله بنِ رجاء، وأبي الوليد الطيالسي، وموسى بن إسماعيل، وطبقتِهم بالبصرة.
ثم سمع بالكوفة مِن الحسنِ بنِ الربيع البُوراني وأحمدَ بنِ يونس اليربوعي وطائفة، وسمع من أبي توبة الربيع بنِ نافع بحلب، ومن أبي جعفر النُّفيليِّ وأحمد بنِ أبي شعيب وعدة بحرَّان، ومن حيوة بنِ شُريح ويزيدَ بنِ عبد ربه وخلقٍ بحمص، ومِن صفوانَ بنِ صالح وهشام بنِ عمار بدمشق، ومن إسحاق بن راهويه وطبقته بخُراسان، ومن أحمد بن حنبل وطبقته ببغداد، ومن قتيبة بن سعيد ببلْخ، ومن أحمدَ بنِ صالح وخلقٍ بمصر.
ومِنْ أهم شيوخه الذين لقيهم، وأخذ عنهم علم الحديث الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بنُ معين كما يقول الحافظ المزي، وإليك ترجمتَهما مختصرة، فأما الإمام أحمد، فهو:


أ- الإمامُ الحافظُ، شيخُ الإسلام أبو عبد الله أحمدُ بنُ محمد بن حنبل بنِ هلال بنِ أسد الذُّهلي الشيبانيُّ، روى عنه البخاري ومسلم،

وكان يحفظ ألف ألف حديث، قال عنه الشافعي: خرجتُ من بغداد، فما خلفتُ بها رجلاً أفضلَ ولا أعلم ولا أفقه مِن أحمد بن حنبل.
وقال أبو عبيد: انتهى العلمُ إلى أربعة أفقهُهُم أحمد، وقال أبو ثور: أحمد أعلمُ -أو قال: أفقه- من الثوري، توفي سنة إحدى وأربعين ومئتين، وله سبع وسبعون سنة.
وقد دون أبو داود عنه مسائلَ في كتاب يشتمل على الفقه والحديث والرجال، سنأتي على وصفه إن شاء الله تعالى.
2 - الإمام الحافظ العَلَم أبو زكريا يحيى بنُ مَعين المُرِّي مولاهم البغدادي، شيخ البخاري ومسلم، كتب بيديه ألفَ ألفِ حديث، وقال ابنُ المديني: انتهى علمُ الناسِ إلى يحيى بن معين، وقال أحمد بن حنبل: يحيى بن معين أعلمنا بالرجال، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومئتين في المدينة المنورة.
 

ومن أشهر شيوخه في الرواية الذين أكثر عنهم الرواية ودوَّن ذلك في كتابه "السنن":
1 - عبدُ الله بن مسلمة بن قعنب القعنَبيُّ البصري الإمام الثبت القدوة، روى عنه البخاري ومسلم والذهلي. قال أبو زرعة: ما كتبتُ عن أحدٍ أجلَّ في عيني مِن القعنبي، وقال أبو حاتِم الرازي: ثقة حجة لم أر أخشع منه. وقدَّمه الخريبي على مالك. توفي سنة إحدى وعشرين ومئتين، وقد روى عنه أبو داود في" السنن" ثلاثة عشر وثلاث مئة حديثٍ تقريباً.
2 - مُسدَّد بن مُسَرْهَد بن مُسَرْبَل الأسدي البصري، الإمامُ الحافظُ الحجةُ، روى عنه البخاري والذهلي وأبو حاتِم وأبو زرعة الرازيان، وقال أبو زرعة: قال لي أحمدُ بن حنبل: مسدّد صدوق، فما كتبتَه عنه فلا تَعْدُه، ووثقه أبو حاتم والنسائي وابن معين. توفي سنة ثمان وعشرين ومئتين. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" واحداً وأربعين وخمس مئة حديث تقريباً.
3 - الحسنُ بنُ علي بن محمد الهُذَلي الخَلاّل الحُلْواني (وحُلْوان: بلدة مما يلي الجبال ببغداد) نزيل مكة والمجاور بها، الامام الحافظ الصدوق، روى عنه البخاري ومسلم، وثقه النسائي يعقوب بنُ شيبة والخطيب، وقال الخليلي: كان يُشبَّه بأحمدَ في سَمْتِه وديانته، توفي سنة اثنتين وأربعين ومئتين. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" تسعة وعشرين ومئة حديث تقريباً.

4 - قتيبة بن سعيد بن جميل الثقفي مولاهم البلخي (وبلخ من أجل مدن أفغانستان في الشمال منها)، المحدِّثُ الإمامُ الثقةُ، راويةُ الإسلامِ، روى عنه أحمد وابن معين والبخاري ومسلم، وثقه أبو حاتم والنسائي وابنُ معين، وقال أحمدُ بنُ سيار المروزي: كان صاحبَ سنةٍ وجماعةٍ، توفي سنة أربعين ومئتين. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" واحداً وثمانين ومئة حديث تقريباً.
5 - سعيدُ بنُ منصور بنِ شُعبة الخراساني، ثم البلخي المجاور بمكة، الإمام الحافظُ، شيخُ الحرم، روى عنه مسلمٌ وأحمد بن حنبل حدَّث عنه وهو حيٌّ، وثقه أبو حاتم وابنُ خراش وابنُ نمير وابنُ سعد ومحمدُ بنُ عبد الرحيم صاعقة، وفخّم أحمدُ بنُ حنبل أمرَه، وقال حربُ بنُ إسماعيل: أملى علينا نحواً مِن عشرة آلاف حديث مِن حفظه. ثم صنف بعد ذلك الكتب. توفي سنة سبع وعشرين ومئتين على الصحيح. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" ستة وأربعين حديثاً تقريباً.
6 - هنادُ بنُ السَّرِيِّ بنِ مُصعبٍ الدارمي الكُوفي، الإمامُ الحجةُ القدوةُ، روى عنه البخاري في "خلق أفعال العباد" ومسلم وبقية الأربعة، وثقه النسائي، وكان أحمد بنُ حنبل يأمر بالكتابة عنه، وكان وكيعٌ يُعظّمه. توفي سنة ثلاث وأربعين ومئتين. وقد روى عنه في "السنن" ستة وستين حديثاً تقريباً.
7 - محمدُ بنُ العلاء بن كُرَيْبٍ، أبو كريب الهَمْدَاني الكُوفي، الحافظُ الثقةُ الإمامُ، روى عنه الجماعةُ، والذهلي وأبو زرعة وأبو حاتم، قال محمد بنُ عبدِ الله بن نُمير: ما بالعراق أكثرُ حديثاً من أبي كريب ولا أعرَفُ بحديث بلدنا منه، وقال أبو العباس ابنُ عُقدة: ظهر لأبي كريب بالكوفة ثلاث مئة ألف حديث. توفي سنة ثمان وأربعين ومئتين. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" سبعةً وسبعينَ حديثاً تقريباً.
8 - محمد بن كثيرٍ العبدي البصري، الحافظُ الثقةُ، قال الحافظ الذهبي: كان صاحب حديثٍ ومعرفة سَمعَ بالبصرة وبالكوفة وطال عُمرُهُ، وحديثُه مخرج في الصحاح كلها، حدث عنه البخاري في "صحيحه"، وروى عنه أيضاً الذهلي وأبو حاتم وأبو زرعة. توفي سنة ثلاث وعشرين ومئتين. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" واحداً وثلاثين ومئة حديثٍ تقريباً.
9 - عبدُ الله بنُ محمد بن علي بن نُفيل النفيلي الحرَّاني (وحران تقع في شمال سوريا وهي من بلاد الجزيرة كان بها ومنها جماعة من الفضلاء والعلماء في كل فن، وهي من ديار مُضَر، ولها تاريخٌ عمله أبو عَروبة الحسين بن أبي معشر الحراني الحافظ، ذكر فيه جماعة من أهل الجزيرة سماه "تاريخ الجزريين"، افتتحها المسلمون في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على يد عياض بن غنْم، دخلها صلحاً سنة 18 هـ الإمام الحافظ عالم الجزيرة، روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة والذُّهلي، قال أبو داود: ما رأيتُ أحفظَ من النفيلي، وقال: كتبَ عنه أحمد وهو شابٌّ. وثقه أبو حاتم والنسائي والدَّارقطني. توفي سنة أربع وثلاثين ومئتين. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" خمسة وثلاثين ومئة حديث تقريباً.
10 - عثمانُ بن محمد بن أبي شيبة العبسي مولاهم الكُوفي، الإمامُ الحافظ المفسِّر، صاحبُ التصانيف روى عنه البخاريُّ ومسلم وأبو حاتِم، وثقه ابنُ معين. وقال أبو حاتِم: كان أكبرَ من أبي بكر -يعني أخاه صاحب "المصنف" و"المسند"- وأثنى عليه أحمدُ بنُ حنبل خيراً. توفي سنة تسع وثلاثين ومئتين. روى عنه أبو داود في "السنن" أحدَ عشرَ وثلاث مئة حديث تقريباً.

11 - مسلم بنُ إبراهيم الأزديُّ الفراهيديُّ مولاهم البصري، الإمامُ الحافظُ الثقةُ، مُسند البصرة. روى عنه البخاريُّ، وابنُ معين، والذُّهلي وأبو زُرعة وأبو حاتِم، قال أبو داود: كتبَ عن قريب مِن ألفِ شيخ. وثقه ابنُ معين وأبو حاتم، توفي سنة اثنتين وعشرين ومئتين. روى عنه أبو داود في "السنن" ثمانية ومئة حديثٍ تقريباً.

ثناء أهل العلم عليه:
لم يكن غريباً على من تتلمذَ على أولئك الجِلَّة مِن أهل العلم أن يَبْلُغَ مرتبةً عالية جليلة، تجعله أهلاً لأن يُشار إليه بالبنان، وأن يُشادَ بفضله في كل مكان، هذا إلى ما كان لديه من ذكاء حادٍّ وحافظةِ قوية وذهنٍ وقّاد، مع إخلاصه لله تعالى، لأن إنساناً مهما بلغ في العلم مرتبةً لا يُمكن بحال أن يُبَارِكَ الله سبحانه وتعالى له فيه، ويجد قبولاً وثناءً إلا بإخلاصه لله عز وجل، وقد تحقق ذلك كُلُّه في الإمام أبي داود رحمه الله، حتى أقرَّ علماءُ عصره له بالتقدم وخصوصاً في علم الحديث، حيث صرف همته إليه، فكان الغالبَ عليه.
قال أبو بكر الخلالُ: أبو داود الإمامُ المقدَّمُ في زمانه، رجلٌ لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم، وبصره بمواضعه أحدٌ في زمانه، رجل وَرِعٌ مُقدّمٌ. سَمعَ أحمد بن حنبل منه حديثاً واحداً كان أبو داود يذكُرُه. وكان إبراهيمُ الأصبهانيُّ وأبو بكر بنُ صدقة يرفعون مِن قدره ويذكرونه بما لا يذكرون أحداً في زمانه مثلَه (1).
وقال أحمدُ بنُ محمد بنِ ياسين الهرويُّ: كان أحدَ حفاظِ الإسلامِ لحديث رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمه وعلله وسندِه، في أعلى درجاتِ النُّسُكِ والعفافِ والصلاحِ والورعِ، من فُرسان الحديث.
وقال محمد بنُ إسحاق الصغاني وإبراهيمُ بن إسحاق الحربي، لما صنَّفَ أبو داود كتابَه "السنن": أُلِينَ لأبي داود الحديثُ كما أُلينَ لداود عليه الصلاة والسلام الحديد.
وقال محمد بنُ مخلدِ: كان أبو داود يفي بمذاكرةِ مئةِ ألفِ حديث، ولما صنَّف كتاب "السنن" وقرأه على الناس، صار كتابُه لأصحابِ الحديث كالمصحف يتبعونه ولا يخالفونه، وأقر له أهلُ زمانه بالحفظِ والتقدم فيه.
وقال موسى بنُ هارون الحافظ: خُلِقَ أبو داود في الدُّنيا للحديث، وفي الآخرة للجنة.
وقال: ما رأيتُ أفضلَ مِن أبي داود.

وقال علاّنُ بنُ عبد الصمد: سمعت أبا داود وكان مِن فُرسان هذا الشأن.
وقال أبو حاتم بنُ حبان والسمعاني: كان أبو داود أحدَ أئمة الدنيا فقهاً وعلماً، وحِفظاً ونُسُكاً، وورعاً وإتقاناً، جمع وصنَّف، وذبّ عن السنن، وقمع من خالفها وانتحل ضِدَّها.
وقال أبو عبد الله بن منده: الذين خرَّجوا الصحيح، وميّزوا الثابت من المعلول، والخطأ من الصواب أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مُسلِمُ بنُ الحجاج القُشيري، وبعدهما أبو داود سليمانُ بن الأشعث بن إسحاق السجستاني، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي.
وقال الحاكم أبو عبد الله: أبو داود إمامُ أهلِ الحديثِ في عصره بلا مُدافعة، سماعه بمصر والحجاز والشام والعراقَين وخُراسان، وقد كتب بخراسانَ قبل خروجه إلى العراق في بلده وهراة، وكتب ببَغْلان عن قتيبة، وبالرَّيّ عن إبراهيم بن موسى، إلا أن أعلى إسناده القعنبيُّ ومسلمُ بنُ إبراهيم وموسى بنُ إسماعيل، وبالشام أبو توبة الربيعُ بنُ نافع، وحيوةُ بنُ شُريح الحمصيُّ، وقد كان كتب قديماً بنيسابور، ثم رحلَ بابنه أبي بكر بن اْبي داود إلى خراسان.
وقال النووي: واتفق العلماءُ على الثناء على أبي داود، ووصفِه بالحفظِ التام، والعلم الوافر، والإتقان والورعِ والدينِ والفهمِ الثاقب في الحديث وغيره (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: البخاري وأبو داود إمامان في الفقه من أهل الاجتهاد.
وقال ابن عبد الهادي: الإمام الثبت، سيد الحفاظ.
وقال الحافظ الذهبي: الإمام شيخ السنة، مقدّم الحفاظ.
وقال أيضاً: كان أبو داود مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار الفقهاء، فكتابه يدل على ذلك.
وقال ابن تغري بردي: كان إمامَ أهل الحديث في عصره بلا مدافعة، وكان عارفاً بعلل الحديث ورعاً.
وحكى القاضي أبو محمد أحمد بن محمد بن الليث قال: جاء سهل بن عبد الله التُّستَري إلى أبي داود السجستاني، فقال: يا أبا داود لي إليكَ حاجةٌ. قال: وما هي؟ قال: حتى تقولَ: قد قضيتُها مع الإمكان، قال: قد قضيتُها مع الإمكان، قال: أخرج إليَّ لسانك الذي حدّثت به أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبّله، فأخرج إليه لسانه فقبّله.
قال الحافظ أبو طاهر السِّلَفي معلقاً على هذه القصة: لم يُسهِّل على سَهْل هذا الفعل، مع انقباضه عن الناس وانزوائه عنهم، ميلاً منه إلى اليأسِ، وإيثاره الخمول، وتركه الفضول، إلا لإحياء أبي داود الحديث والشرع الشريف بالبصرة، عقيب ما جرى عليها من الزُّنوج القائمين مع القرمطي وخرابها، وقتل علمائها وأعيانها ما جرى، واشتهر عند الخاص والعام من الورى، وإتيان الموفق إليه (قلنا: هو الأمير أبو أحمد طلحة بن المتوكل بن المعتصم أخي الخليفة المعتمد على الله، وكان أميراً بطلاً شجاعاً كبير الشأن ذكره الذهبي في "تاريخ دول الإسلام" وفيات ثمان وسبعين ومئتين) وسؤاله إياه التوجه في الانتقال إليها ليُرحَل إليه، ويُؤخذ عنه كتابُه في السنن وغير ذلك من علومه، وتتعمّر به كما تقدم فيما أمليناه، إذ تحقق أن مقامه بها وكونه بين أهليها يقومُ مقام كُماة أنجادٍ، وحُماة أمجاد، وقليل ما فعله سهلٌ في حقه، حين رأى الحق المستحق ... وفضائل أبي داود كثيرة ورُتبته بين أهلِ الرتب كبيرة.
وقال أبو طاهر أيضاً: وكان رحمه الله في زمانه يراجَع في الجرح والتعديل، ويدوَّن كلامه ويُعوَّل عليه غايةَ التعويل. وقال أيضاً: كان على علم بالرجال، وفي معرفة الحديث وروايته جبلاً من الجبال.
 

* مذهبه في الصفات:
كان الإمامُ أبو داود رحمه الله يرى مذهب السلف في إثبات الصفات ونفي الكيفية عنها، كما هو مذهب شيخه الإمام أحمد، ومعظم أهل العلم في ذلك العصر وما قبلَه من الفقهاء والمحدثين، وهو المذهبُ الذي اتفق عليه السلف الصالح، وأخذ به الأئمة الأربعة المتبوعون وعامة أهل الحديث.
فقد ذكر الحافظُ الذهبيُّ أن الإمام أبا داود كان على مذهب السلف في اتباعِ السُّنة والتسليم لها، وتركِ الخوض في مضايق الكلام.
وقد أورد الإمامُ أبو داود في كتابِ السنة من "سننه" من الأحاديث التي تشهدُ لمذهبِ السلف وتؤيده، وكذلك ما نقله في "مسائله" عن الإمام أحمد وغيره من علماء السلف في الردِّ على الجهميةِ والمُعَطَّلة والقدرية والخوارج والمعتزلة فيما يعتقدونه من مسائل الكلام كالعلو والرؤية والصفات، بما يدلُّ دلالةَ واضحةَ على أنه جارٍ على مذهبِ السلفِ وأهلِ السنة والجماعة رحمه الله تعالى رحمةً واسعة.
وروى أبو طاهر السِّلَفي بسنده إلى محمد بن رجاء البصري قال: قلت لأبي داود السجستاني: لم أرك حدَّثت عن الرمادي؟ فقال: رأيته يصحبُ الواقفة، فلم أحدّث عنه.
قال السلفي معلقاً على ذلك: الرمادي هذا هو أحمد بن منصور من حفاظ الحديث الأعلام وثقات علماء الإسلام، وقد توقف أبو داود عن الرواية عنه لصحبته الواقفة.
قلنا: الواقفة يعني الذين توقفوا عن الخوض والبحث في أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق. وهو في ذلك تابع لشيخه الإمام أحمد، لأنه كان يُبدِّع الواقفة أيضاً، ويعدهم فريقاً من الجهمية كما في رسالته إلى مسدد.

* مذهبُه الفقهي:
معظم الذين ترجموا للإمام أبي داود ذكروه في الطبقة الأولى من أصحابِ الإمامِ أحمد كأبي إسحاق الشيرازي والقاضي أبي الحسين ابن أبي يعلى الفراء، وعدَّه الحافظ الذهبي من نجباء أصحابه.
وبذلك جزم المحدِّثُ الشيخ محمد أنور الكشميري، والشيخُ محمد زكريا الكاندهلوي.
وعدّه أبو عاصم العبَّادي وابن باطيش في الشافعية، وتبعهما تاج الدين ابن السُّبكي، وشايعهم على ذلك طاشكُبري زاده وصِدّيق حسن خان القِنَّوجي، وفيه نظر، فقد قال الداوودي: ولم يذكروا لذلك دليلاً.
وكونُه تفقه بالإمام أحمد وبغيره من الأئمة، ونقل عنهم، لا يعني أنه كان مقلداً لهم، يأخذُ بأقوالهم دونما تمحيصٍ، أو نظرٍ في أدلتهم، بل كان رحمه الله وقد اكتملت له أدواتُ الاجتهادِ يختارُ ويُفتي بما يؤديه إليه اجتهاده في فهم الكتابِ والسنة وما تفرَّغ عنهما. فإنَّ علماءَ ذلك العصر الذي عاش فيه أبو داود لم يكونوا يرضون لأنفسهم التقليد، لا حفاظُ الحديث، ولا أئمةُ الفقه.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأئمة الستة وآخرين: هل كانوا مجتهدين لم يقلدوا أحداً، أم كانوا مقلدين؟ فأجابهم بقوله: أما البخاريُّ وأبو داود فإمامانِ في الفقه مِن أهلِ الاجتهاد، وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو يعلى والبزار ونحوهم، فهم على مذهبِ أهلِ الحديث، ليسوا مقلدين لواحدٍ بعينه مِن العلماء، ولا هُمْ مِن الأئمة المجتهدين على الإطلاق، بل هم لا يميلُون إلى قولِ أئمةِ الحديثِ كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عُبيد، وأمثالهم. ومنهم مَنْ له اختصاصٌ ببعضِ الأئمة كاختصاص أبي داود ونحوه بأحمد بن حنبل، وهم إلى مذاهب أهلِ الحجاز كمالكِ وأمثاله أميلُ منهم إلى مذاهِب أهلِ العراق، كأبي حنيفة والثوري.
وقال العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري: وأبو داود تفقه على فقهاء العراق، وعظم مقداره في الفقه، وهما أعني البخاري وأبا داود أفقه الجماعة رحمهم الله وأغدق عليهم سِجال الرحمة، ولهم على الأمة أعظمُ مِنَّة بما خدموا السُّنة.
وذهب الشيخُ طاهر الجزائري إلى مذهب وسط بين الفريقين فقال: وعندي أن البخاري وأبا داود أيضاً كبقية الأئمة المذكورين، ليسا مقلَّدَين لواحدِ بعينه، ولا مِن الأئمة المجتهدين على الإطلاق، بل يميلان إلى أقوال أئمتهم.

* آثاره العلمية:
أ- تلامذته:
كان الإمام أبو داود كعلماء عصره يُلمُّ بأطراف المعرفة من لغةٍ وفقه وحديث وتفسير وغير ذلك، مما جعله مقصِد طلاب العلم، يَفِدون إليه من كل حَدَبِ وصَوب، راغبين في تلقي العلم عنه، ولا سيما علم الحديث الذي بَرَعَ فيه وغلبَ عليه حتى صار فيه إماماً، يُرْجَعُ إليه، ويُؤخذ عنه، ويُسلَّم له.
فمن تلامذته مَن أخذ عنه كتاب "السنن" كله رواية، ومنهم من أخذ عليه بعض مروياته، وعددٌ كبير من تلامذته أولئك كانوا مِن المُبرِّزين في هذا الشأن، ممن خلفوه بخير، وكانوا مناراتِ هدى مِن بعده.
 

فأما تلامذته الذين لازموه وقرؤوا عليه كتاب "السنن" فأبرزهم:
1 - أبو علي محمدُ بنُ أحمد بن عمرو البصري اللؤلؤي، وصفه الذهبىُّ بقوله: الإمامُ المحدث الصدوق، وقال مرة: ثقة. قال تلميذه القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي: كان أبو علي اللؤلؤي قد قرأ كتابَ "السنن" على أبي داود عشرين سنة، وكان يُدعى ورّاق أبي داود، والورّاق في لغة أهل البصرة: القارئ للناس. وهو آخر من حدث عنه بكتاب "السنن". توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة.
قال القاسم بن يوسف التُّجِيبي: وأصح روايات الكتاب كلها، وهي آخر ما أملى أبو داود رحمه الله رواية أبي علي محمد بن أحمد ابن عمرو اللؤلؤي البصري، وعليها مات أبو داود.
وقال أبو الطيب العظيم آبادي: نسخةُ "السنن" من رواية اللؤلؤي هي المروَّجة في ديارنا الهندية وبلاد الحجاز وبلاد المشرق من العرب، بل أكثرِ البلاد، وهي المفهومة من "السنن" عند الإطلاق، وهذه النسخة لخصها الحافظ المنذري، وخرّج أحاديثها، وعلى هذه النسخة شرحٌ لابن رسلان والحافظ العراقي وحاشية لابن القيم والسندي والسيوطي -وهذه الحواشي مطبوعة- وغيرهم، وهذه الرواية هي المرادة في قول صاحب "المنتقى"، وصاحب "جامع الأصول"، وصاحب "نصب الراية"، وصاحب "المشكاة"، وصاحب "بلوغ المرام"، وغيرهم من المحدّثين، وأخذ هذه النسخةَ الإمامُ الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن المعروف بابنِ عساكر الدمشقي في كتابه "الإشراف على معرفة الأطراف"، حتى قال السيوطي: إن رواية اللؤلؤي مِن أصح الروايات.
وقد حصل لدينا بحمد الله ثلاث نسخ مصورة عن أصول خطية برواية اللؤلؤي.
2 - أبو بكر محمدُ بنُ بكر بن محمد بنِ عبد الرزاق بن داسَه البصري التمار، وصفه الذهبيُّ بقوله: الشيخ الثقة العالم، قال: وهو آخِرُ مَنْ حدَّث بالسنن كاملاً، عن أبي داود. وكذلك قال أبو علي الغساني: إنَّ روايته أكملُ الروايات، وكذا قال ابن عطية في "فهرسته". وقال أبو الطيب العظيم آبادي: وهي مشهورة في بلاد المغرب (3). قلنا: وقد اعتمدها من المشارقة الإمام أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص، المتوفى سنة (370 هـ) والإمام أبو سليمان حَمْد بن محمد الخطابي، المتوفى سنة (388 هـ)، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني، المتوفى سنة (430 هـ)، والحافظ أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة (458 هـ).
وممن اعتمدها من المغاربة صاحب "المحلى" الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن حزْم، المتوفى سنة (456 هـ)، والإمام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البرِّ، المتوفى سنة (463 هـ).
وقال الحافظ ابن حجر: روايتا اللؤلؤي وابن داسه متقاربتانِ إلا في بعض التقديم والتأخير. توفي سنة لست وأربعين وثلاث مئة.
وقد حصل لنا بحمد الله مصوّرتان عن نسختين خطيتين بروايته، إحداهما كاملة، والأخرى ينقص منها بعض أبوابها.
3 - أبو سعيد أحمدُ بنُ محمد بن زياد بنِ بشر بنِ درهم بن الأعرابي، وصفه الذهبي بقوله: الإمام المحدث القدوة الصدوقُ الحافظ، شيخ الإسلام، وقال في موضع آخر: وكان ثقة ثبتاً. قال أبو علي الغساني: وليس في رواية ابن الأعرابي كتابُ الفتن والملاحم والحروف والخاتم، وسقط من كتاب اللباس نحو نصفه، وفاته مِن كتاب الوضوء والصلاة والنكاح أوراق كثيرة، وأحاديث خرجها من روايته عن شيوخه، وروى أكثرها عن أبي أُسامة محمد بن عبد الملك الروّاس عن أبي داود على حسب ما قيدته من كتابِ أحمد بن سعيد بن حزْم. توفي سنة أربعين وثلاث مئة، وله أربع وتسعون سنة وأشهر.
وقال أبو الطيب العظيم آبادي: مع نقصانها فيها أيضاً بعضُ الأحاديث الذي ليس في رواية اللؤلؤي، ويذكر الحافظ المزى روايته في "الأطراف".
4 - أبو الحسن عليُّ بنُ محمد بن العبد الوراق، وقد نقل الحافظُ عبدُ الغني المقدسى بسنده إلى ابن العبد قوله: سمعتُ كتاب" السنن" من أبي داود سِتَّ مرار، بقيت من المرة السادسة بقيةٌ لم يُتمه بالبصرة. وقال: البصري يزيدُ فيه على البغدادي ستَّ مئةِ حديثٍ ونيفاً وستين حديثاً، وألف كلمة ونيف.
قال أبو الطيب العظيم آبادي: رواية ابن العبد موجودة في أطراف المزي، ويذكر روايته أيضاً الحافظُ ابنُ حجر في "فتح الباري".
قلنا: وكثيراً ما كان يشير إليها الحافظ في نسخته التي عندنا من "السنن" بالرمز "عب".
وقال الكوثري: وفي رواية أبي الحسن عليِّ بن الحسن بنِ العبد بعضُ زيادات تنفعُ في نقد الأحاديث، وكذا روايةُ إسحاق بن موسى الرملي.
5 - أبو عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد بن عبد الله بن أبي سلمة الرملي، وثقة الدارقطني وقال السيوطي: نسخته تقارب نسخة ابن داسه. وفيها زيادات تنفع في نقد الأحاديث كما قال الكوثري.

وصف بأنه وراق أبي داود ببغداد. توفي سنة عشرين وثلاث مئة.
قلنا: وروايته عند ابن عبد البر والقاضي عياض.
6 - أبو سالم محمد بن سعيد بن حماد بن ماهان بن زياد بن عبد الله الجُلودي، وثقه يوسف القوَّاس. توفي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة. وقد ذكر الحافظ الذهبي روايته لـ"السنن" عن أبي داود.
7 - أبو أسامة محمد بن عبد الملك بن يزيد الروّاس، سبق ذكره عند الكلام على ابن الأعرابي، وذكرنا هناك أن ابن الأعرابي خرَّج أكثر الأحاديث التي لم يسمعها من أبي داود مباشرة عن شيوخه، وروى أكثرها عن أبي أسامة الروّاس كما أفاده أبو علي الغساني. وقد ذكر الحافظان المزي والذهبي روايته عن أبي داود.
8 - أبو عمرو أحمدُ بنُ علي بن حسن بن محمد بن شاهْمَرد الصيرفي الفقيه البصري، المعروف بابن خُميرة. سمع أبا داود بدمشق، وقد ذكر الحافظان المزي والذهبي روايته لسنن أبي داود.
9 - أبو الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الأُشناني البغدادي، نزيل الرحبة، ذكر الحافظ المزي في ترجمة أبي داود أنه أحد رواة "السنن" عن أبي داود.
ومن تلامذة أبي داود ممن أخذ عنه جزء "الناسخ والمنسوخ" أبو بكر أحمدُ بنُ سلمان بن الحسن بن إسرائيل البغدادي الحنبلي النَّجاد، وصفه الحافظُ الذهبي بقوله: الإمامُ المحدثُ الحافظ الفقيه المفتي، شيخ العراق، وقال: سمع أبا داود وارتحل إليه، وهو خاتمةُ أصحابه.
ومن تلامذته الذين أخذوا عليه كتاب "الرد على أهل القدر" أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب المَتُّوثي البصري. ولم نقف له على ترجمة فيما تيسر لنا من المصادر.
وممن تتلمذ عليه في علم أحوال الرجال أبو عُبيد محمد بن علي ابن عثمان الآجري، وهو على شهرته لم نظفر له بترجمة فيما بين أيدينا من المصادر، غير أنه وصفه بعضهم بالحافظ، ووُصِفَ أيضاً بأنه صاحبُ أبي داود. وقال الحافظ الذهبي وقد نقل عنه في "السير" في ترجمة إسحاق بن راهويه: ما علمتُ أحداً لَيَّنَه. ويبدو لنا من خلال "سؤالاته" لأبي داود أنه كان ملازماً له مدةً طويلة، وقد اعتمد أهلُ العلمِ على "سؤالاتِه" هذه، ونقلوها في كتبهم في تراجم الرجال.
ومنهم الحسين بن إدريس الأنصاري الهروي، وصفه الذهبي بقوله: الحافظ الثقة، ووثقه الدارقطني. توفي سنة إحدى وثلاث مئة.
قلنا: أكثر الخطيب في "تاريخه" من النقل عنه عن أبي داود السجستاني من "مسائله" للإمام أحمد بن حنبل في الرجال. وهو عالٍ في الطبقة من بين سائر تلامذة أبي داود، فقد شاركه في عدد من شيوخه كسعيد بن منصور وعثمان بن أبي شيبة.
وأما تلامذته الذين أخذوا عنه الحديث بعد الحديث والرواية بعد الرواية، ولم يكثروا، فكثيرون، أشهرهم:
1 - أبو عيسى محمدُ بنُ عيسى بن سَورة الترمذي الإمامُ الحافظُ الناقِدُ الفقيه، صاحب "الجامع"، وقد أفردنا له ترجمة ضافية في مقدمتنا على كتابه "الجامع الكبير" بتحقيقنا، فراجعها هناك.
2 - أحمدُ بنُ شعيب بن علي النسائي الإمامُ الحافظُ الناقِدُ البصير، صاحب "السنن" المشهورة، روى عن أبي داود في "الكنى" وسماه باسمه فقال: سليمانُ بن الأشعث، وروى النسائي في "سننه" عن أبي داود مكنَّى، ورجح الحافظان المزي والذهبي أنه السجستاني وأشارا إلى أنه شاركه في الكنية والطبقة سليمانُ بن سيف الحراني، فمن المحتمل أن يكون هو المعنيّ.
3 - ومنهم شيخُه الإمامُ أحمدُ بن حنبل، أخذ عنه حديثَ أبي العشراء الدارمي، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن العتيرة، فحسَّنها. قال أبو بكر الخلال: سمع منه أحمدُ بن حنبل حديثاً واحداً، كان أبو داود يذكره (1). قلنا: وقد ذكر الحافظ المزي أبا بكر الخلال في تلامذة أبي داود (2).
4 - زكريا بنُ يحيى بن عبد الرحمن الساجي، وصفه الحافظ الذهبي بقوله: الإمام الثبت الحافظ، محدث البصرة وشيخها ومُفتيها. قلنا: وهو الذي أثنى على كتاب "السنن" لأبي داود، فقال: كتاب الله عز وجل أصل الإسلام، وكتاب "السنن" لأبي داود عهد الإسلام. وقد صنف في الفقه وعلل الحديث. توفي سنة سبعٍ وثلاث مئة.
5 - إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح البغدادي الصفَّار، وصفه الحافظ الذهبي بقوله: الإمامُ النحوي الأديب، مسند العراق. وثقه الدارقطني، وقال: كان متعصّباً للسنة. توفي سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة.
6 - أبو عوانةَ يعقوبُ بنُ إسحاق بن إبراهيم بن يزيد النيسابوري الإسفراييني، وصفه الحافظُ الذهبيُّ بقوله: الإمامُ الحافظ الكبيرُ الجوّال، وقال: برع في هذا الشأن، وبذَّ أقرانه. وهو صاحبُ "المسند الصحيح" الذي خرجه على "صحيح مسلم". توفي سنة ستَّ عشرة وثلاث مئة.
وغيرُ هؤلاء كثير ذكرهم الحافظان المزي والذهبي، وإنما اقتصرنا على ذكر الجلة منهم، الذين لا يُجهل مقدارهم، ولا يُنكَر فضلُهم.

ب- مصنفاته:
وكما كان للإمام أبي داود تلامذة أفذاذ خلفوه بخير، وساروا على طريقته في هذا الشأن، كان له أيضاً مصنفاتٌ جليلةٌ، كانت موضع عناية أهل العلم، وجدوا فيها بُغيتهم وطَلِبتَهم، أهمها:
1 - كتابُ "السنن" هذا الذي نحنُ بصدد تحقيقه ونشره، وسيأتي الكلامُ عليه مُستوفى إن شاء الله.
2 - "المراسيل": وهو كتابٌ عظيم في بابه، لم يُفرده أحد بالتأليف فيما نعلم، ضم بين دفتيه أربعاً وأربعين وخمس مئة حديث مرسلٍ، مرتبة على الأبواب، وغالبها مما صح إسناده إلى مُرسِلِه، وأغلبُ الظن أنه أدرج فيه معظم المراسيل التي انتهت إليه، ولم يَفُتْه منها إلا اليسيرُ، وكان يرمي من وراء تصنيفه له -فيما يغلب على ظننا- أن يكون مرجعاً للفقيه، يعتمد نصوصه، ويستنبط منها، ويُفتي بموجبها إذا لم يرد في المسألة التي هو بصددها حديث صحيح متصل، فهو يرى تبعاً لشيخه الإمام أحمد الاحتجاجَ بالمرسل إذا لم يكن في الباب أثبتُ منه، ويُرجحه على القياس، فقد جاء في "رسالته إلى أهلِ مكة": فإذا لم يكن مسند ضد المراسيل، ولم يُوجد المُسنَدُ، فالمرسل يُحتج به، وليس هو مثلَ المتصل في القوة.
وقد سبق أن طبُعِ هذا الكتاب محذوف الأسانيد، وباختصار بعض الروايات في مصر سنة 1310 هـ بمطبعة التقدم، بعناية الشيخ علي السني المغربي الطرابُلُسي، وعن هذه الطبعة طبع في مطبعة محمد علي صبيح بمصر. وهي -على ما بها من أغاليط وتحريفات- عديمةُ الفائدة للباحث الذي يعنيه الإسناد، ويحرص عليه ليحكم على النصِّ، ويتثبت من صحته.
3 - "الناسخُ والمنسوخ": وهذا من كتب الإمام أبي داود القيّمة، ذكره ابن الأبَّار (658 هـ) في "معجم أصحاب أبي علي الصدفي"، وذكره الحفاظُ المزي والذهبي وابن حجر. وهو معروف برواية أبي بكر أحمد بن سلمان النجاد، عن أبي داود.
وقد ذكر ابن النديم والخطيبَ البغدادي للإمام أبي بكر بن أبي داود السجِسْتاني كتاباً اسمه: "الناسخ والمنسوخ"، فلا يُستبعد أن يكون كلاهما قد صنف في هذا الفن. والكتاب مفقود لا وجود له فيما نعلم.
4 - "الزهد": وهذا الكتاب ذكره ابن خير الإشبيلي في "فهرسته"، وتُوجد منه نسخة بالقرويين بفاس، ونسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق. وقد رواه ابن خير من طريق ابن داسه وابن الأعرابي.
5 - "مسائل الإمام أحمد": وهو من الكتب النفيسة التي تشتمل على آراء الإمام أحمد الفقهية، وآرائه في بعض مسائل العقائد وفوائد أخرى في علم الرجال ونقد الأحاديث، وتوجد من الكتاب نسختان خطيتان إحداهما في المكتبة الظاهرية بدمشق، وهي كما يقول محققها الشيخ محمد بهجت البيطار أقدم كتاب في المكتبة الظاهرية لأنها كتبت سنة ست وستين ومئتين في حياة المؤلف الإمام أبي داود. وأشار إلى وجود نسخة أخرى منها في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة سماها النسخة المدنية، وبيّن أن في النسخة الظاهرية زيادة ست وعشرين صفحة كبيرة على النسخة المدنية، على ما في النسخة المدنية من مشكلات حديثية وفقهية ومشتبهات في أسماء الرواة والتاريخ. وراجعها من بعده العلامة الشيخ محمد رشيد رضا وأضاف إليها تعليقات مفيدة. وكانت طباعتها سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة وألف من الهجرة المباركة، ثم أعيد تصويرها مرات عدة، منها مصورة دار المعرفة في بيروت. وهذه المسائل برواية أبي بكر ابن داسه، عن الإمام أبي داود.
6 - "الردُّ على أهل القدر": ذكره الحافظان المزيُ والذهبيُّ في ترجمة أبى داود، وذكرا أنَّ راويه عن أبي داود: أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن يعقوب المتُّوثي البصري. وقد نقل ابنُ عساكر في مواضع من كتابه "تاريخ دمشق" بعض مسائل في القدر من رواية المتُّوثي، عن أبي داود، ونقل البيهقي من قبله في "شعب الإيمان" عنه رواية أيضاً. ويعد هذا الكتاب من الكتب المفقودة في حدود ما نعلم.
7 - "تسميةُ الإخوة الذين رُوي عنهم الحديث": كذا سماها أبو داود كما جاء في الورقة الأولى من الأصلِ الخطي المحفوظ في المكتبة الظاهرية بدمشق، وهو برواية أبي عبيد الآجري عنه، وذكر في تلك الورقة أئه أخذ ذلك مِن كتاب علي ابن المديني، وأن منه ما أخذه عن أحمد بن حنبل ومنه عن مصعب بن عبد الله الزبيري. ويقع هذا الأصل الخطي في سبع ورقات كما يقول الدكتور أكرم ضياء العمري. وقد طبع مؤخراً بعناية الدكتور باسم فيصل الجوابرة بدار الراية في الرياض. سنة 1408 هـ.
8 - "أصحاب الشعبي": ذكره أبو عُبيد الآجري في "سؤالاته"، ونسبه للإمام أبي داود.
9 - "التفرد في السنن": ذكره القاضي عياض، وابنُ خير الإشبيلي، فيما روياه عن بعض شيوخهما، وسماه الثاني: "ما تفرد به أهلُ الأمصار من السنن الواردة"، وكلاهما قد رواه من طريق ابن داسه، عن الإمام أبي داود.
10 - "دلائل النبوة": ذكره ابن خير الإشبيلي والحافظ ابن حجر باسم: "أعلام النبوة" ورواه من طريق أبي بكر ابن داسه أيضاً، عن الإمام أبي داود. وتوجد منه نسخة خطية في مكتبة لايبزج بألمانيا تحت رقم 10/ [75] باسم: "دلائل النبوة".
11 - "سؤالات أبي عبيد الآجري له": ذكره الحفاظ أبو طاهر السِّلَفي وابن كثير وابن حجر، قال السلفي: وعندي من ذلك سؤالات في غاية الجودة مفيدة، ممتعة، وفي الأعلام لعلة الجسم مُقنعة. ومن جملتها ما رواه عنه أبو عبيد الآجري في خمسة أجزاء ضخام، بخطي، في كل جزء ثلاثون ورقة، سوى الرابع والخامس فهما أنقص من ذلك. وقال ابن كثير في شأنه: ولأبي عُبيد الآجري عنه أسئلةٌ في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل، كتابٌ مفيد. قلنا: ويشتمل هذا الكتاب على رأي أبي داود الخاص بالرواة، وما ينقله أيضاً عن أهل العلم كالإمام أحمد وابن معين وابن المديني ويحيى القطان وشعبة وسفيان وغيرهم.
وقد طبع من هذا الكتاب الجزءُ الثالث منه بتحقيق محمد علي قاسم العمري سنة 1406 هـ وهو من منشورات الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. وهناك رسالة علمية لنيل درجة الماجستير في الجامعة الإسلامية بدراسة عبد العزيز بن أحمد آل عبد القادر سنة 1412هـ لقسم من هذا الكتاب أيضاً، ثم طبع الكتاب بتمامه بتحقيق الدكتور عبد العليم البستوي عام 1418 هـ.
وقد سلف قول أبي طاهر السلفي في الإمام أبي داود: وقد كان رحمه الله في زمانه يُراجَع في الجرح والتعديل، ويدوَّن كلامه، ويُعوَّل عليه غايةَ التعويل.
12 - "أسئلة لأحمد بن حنبل عن الرواة والثقات والضعفاء": تُوجدُ منه نسخة ناقصة من أولها في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم 161 (مجموع 46) الموجود منها أربع عشرة ورقة. ولعلها تكونُ جزءاً من "مسائل أبي داود" السالف ذكرها برقم فقد اشتمل الكتاب على بعض أسئلة في الرجال.
13 - "رسالة أبى داود إلى أهل مكة في وصف السنن": ذكرها الحافظان السِّلَفي وابن حجر، وقد طُبعت في القاهرة بتحقيق الشيخ العلامة محمد زاهد الكوثري سنة تسع وستين وثلاث مئة وألف هجرية، وطبعت في بداية "بذل المجهود في حلِّ أبي داود" سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة وألف هجرية للسهارنفوري المتوفى (1346هـ) ثم حقَّقَها العلامة الشيخ عبدُ الفتاح أبو غدة رحمه الله مُبقياً على أكثرِ تعليقاتِ الشيخ محمد زاهد الكوثري، وقامت بطباعته دارُ البشائر الإسلامية في بيروت سنة سبع عشرة وأربع مئة وألف هجرية، ضمنَ ثلاث رسائل في علم مصطلح الحديث مع رسالتَي شروط الأئمة الستة لابن طاهر المقدسي، وشروط الأئمة الخمسة لأبي بكر الحازمي.
وهذه الرسالة برواية أبي بكر محمد بن عبد العزيز بن الفضل الهاشمي، عن الإمام أبي داود.
14 - وذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة كتابه "تهذيب التهذيب" ثلاثة كتبٍ أخرى للإمام أبي داود وهي: "الدعاء"، و"ابتداء الوحي"، وَ"أخبار الخوارج" وذكر في مقدمة "تقريب التهذيب" كتابين آخرين وهما: "فضائل الأنصار"، و"مسند مالك" ذكرهما الحافظُ المزي قبله في مقدمة "تهذيب الكمال".
وذكر الدكتور فؤاد سزكين أن هناك مسائلَ حلف عليها الإمامُ أحمد، من رواية أبي داود عنه، موجودة في ظاهرية دمشق، تحت رقم (334) في مئة ورقة قلنا: هذا هو نفسه مسائل أبي داود الذي سلف ذكره برقم، ولا ندري من أين أتى بهذا الاسم لهذا الكتاب، فقد سبق أن اسمه "مسائل الإمام أحمد" كما أشار إليه الشيخ محمد بهجت البيطار والشيخ محمد رشيد رضا رحمهما الله.
لكن ثمت كتاب آخر لأبي الحسين ابن أبي يعلى الفراء اسمه "المسائل التي حلف عليها أحمد" وهو موجود في المكتبة الظاهرية أيضاً، فاشتبه ذلك على الدكتور سزكين.
وقد حقق هذا الكتاب الأخير أبو عبد الله الحداد سنة 1407هـ، وطبعته دار العاصمة في الرياض.
وأورد بروكلمان لأبي داود أيضاً كتاباً باسم "التنزيل في الرسم"، وأنه موجود في مكتبة القرويين بفاس، ولم نجد أحداً ذكره قبله أو أشار إليه، ويغلب على ظننا أنه من مؤلفات أبي بكر بن أبي داود السجستاني، فقد ذكر أنه كان له عِنايةٌ بعلوم القرآن، وله كتابٌ مطبوع اسمه "المصاحف"، فلعله يكونُ هو، والله أعلم.
وزعم بروكلمان أيضاً أن لأبي داود كتاباً آخر اسمه "البعث والنشور"، وإلى ذلك ذهب مجمع البحوث في مؤسسةِ آل البيت في فهارسه الشاملة للتراث العربي الإسلامي، فذكره معزواً إلى أبي داود، وكذلك فعل الدكتور تقي الدين الندوي حيث أورده في جملة مصنفات أبي داود. وأشار بروكلمان إلى وجود نسخة خطية منه في دمشق في ظاهريتها، أما مجمع البحوث فأشار إلى وجود نُسخٍ منه في المكتبة الأزهرية.
وبرجوعنا إلى فهارس مخطوطات الظاهرية الذي وضعه صاحبنا المفضال الأستاذ ياسين السواس يتضح لنا أن بروكلمان كان مخطئاً فيما قال، فقد وصفه الأستاذ السواس، وبين أنه لابن أبي داود السجستاني، وليس لأبيه.
ثم برجوعنا إلى فهارس مخطوطات دار الكتب المصرية الذي صنعه الأستاذ فؤاد سيد، يتبين لنا جلياً أن هذه النسخ التي أشار إليها مجمعُ البحوث إنما هي جميعاً لكتاب "البعث" الذي صنفه ابن أبي داود السجستاني.
ويؤيد ذلك أن ابن النديم والقاسم بن يوسف التُّجِيبي والذهبي قد ذكروا أن كتاب "البعث والنشور" من مصنفات أَبي بكر بن أبي داود السجستاني.

وفاته:
وبعد حياة حافلة بالجد والاجتهاد والإفادة وافى الأجلُ أبا داود، فتوفي ليلة الجمعة في سادس عشر شوَّال، سنة خمسِ وسبعين ومئتين، وكانت وفاتُه بالبصرة، حيث كان يسكنُ، وصلى عليه عباسُ بن عبد الواحد الهاشمي (3). ودفن إلى جانب قبر سفيان الثوري رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
 

 

التعريف بكتاب السنن للإمام أبي داود السجستاني
* اسم الكتاب وموضوعه:
لم يختلف أهلُ العلم في تسمية كتاب أبي داود هذا بـ"السنن"، لأنه رحمه الله نفسَه قد سمَّاه بذلك في "رسالته إلى أهل مكة".
وقد ألف الإمام أبو داود كتابه "السنن" وهو في طَرَسُوسَ مرابطاً في أحد ثغور المسلمين على بلاد الروم -ويقع الآن في جنوب تركيا، قويباً من أضنة، وهي أقوب من أضنة إلى البحر الأبيض المتوسط- في مدة عشرين سنة كما صرح هو بذلك في "رسالته": أقمتُ بطرسوس عشرين سنة، كتبت المسند، وكتبت أربعة آلاف حديث لمن وفقه الله.
وقد رامَ الإمامُ أبو داود مِن تصنيفِ كتابه هذا إلى إيرادِ السننِ الواردةِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الاستقصاء، وفي ذلك يقول: "فإن ذكر لك عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سنةٌ ليس مما خرَّجتُه، فاعلم أنَّه حديث واهٍ". كذا قال في "رسالته"، وهو محمول على ما انتهى إليه مِن السنن، وإلا فقد فاته عدد غير قليل منها حتى الأحاديث المتعلقة بالأحكام، قال الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله: وأقربُ دليلٍ على ذلك ما تراه في كتب التخاريج مثل كتاب "نصبِ الراية" للحافظ الزيلعي،

وكتاب "التلخيص الحبير" للحافظ ابنِ حجر، ومثل كتاب "المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لابن تيمية الجدّ، وغيرها مِن كتبِ أحاديثِ الأحكام، فإن الناظر فيها يرى كثيراً من السنن التي أخرجها غيرُ أبي داود ممن هو أشدُّ منه شرطاً، أو أسهل شرطاً.
قال الإمام النووي: إن" سنن أبي داود" لم تستوعِب الصحيحَ من أحاديث الأحكام ولا مُعظمها، وكم في "صحيح البخاري" و"مسلم" من حديث حُكميّ ليس في "سنن أبي داود".
على أن الإمامَ أبا داود إذا ما قُورِنَ بأصحاب السنن، كان أكثَرَهم إيراداً لها، كما يقولُ الإمام الخطابيُّ: فأما السنن المحضة، فلم يقصد واحد منهم جمعها واستيفاءَها، ولم يقدر على تخليصها واختصارِ مواضعها مِن أثناء تلك الأحاديث الطويلة، ومن أدلة سياقها على حسب ما اتفق لأبي داود. ولذلك حل هذا الكتابُ عند أئمة الحديث وعلماء الأثر محلَّ العجب، فضُربت فيه أكبادُ الإبل، ودامت إليه الرّحل.
وقد جمع في "سننه" هذه إلى السنن الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يناسِبُ
المقامَ مما أُثِر عن الصحابة الكرام من اجتهاداتهم واختياراتهم، وقد نص في "رسالته" أنه يُعجبه ذلك في مثل هذه الكتب، فقال: ويعجبني أن يكتبَ الرجلُ مع هذه الكتب مِن رأي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

والتزم رحمه الله ترتيب كتابه على الموضوعات الفقهية على طريقة سلفه سفيان الثوري في "جامعه"، فجمع الأحاديث المتعلقة بكل موضوع في مكان واحد وأطلق لفظة (كتاب) على العنوان العام الجامع لأحاديث متعددة ولأبوابٍ كثيرة من جنس واحدٍ كالطهارة والصلاة والبيوع، وأطلق لفظة (باب) على الأحاديث التي تدل على مسألة خاصة بعينها.

* شرطه في الكتاب:
وقد أبان الإمامُ أبو داود رحمه الله عن شرطه في أحاديث "السنن" في "رسالته"، ويتلخص ذلك في عدة أمور:
أولاً: عدمُ الروايةِ عن متروكِ الحديثِ فما دونَ -والمتروك هو المجمع على ضعفه ولا يعتد به في المتابعات والشواهد- وفي ذلك يقول: وليس في كتاب "السُّنن" الذي صنفتُه عن رجلٍ متروكِ الحديثِ شيء.
ثانياً: الأحاديثُ التي أوردها في "السُّنن" أكثرُها مشاهيرُ، يعرفها أهلُ الحديثِ، فقد قال: والأحاديثُ التي وضعتُها في كتابِ "السنن" أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الحديث.
ثالثاً: ذكر أحاديث ليست بمتصلةٍ، وهي مرسلة أو مدلسة، وذلك عندما لا يكون في الباب حديث صحيح أو حسن يغني عنها، قال: وإن من الأحاديث ما ليسَ بمتصلٍ، وهو مرسل ومدلس، وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل.

إنما دعاه إلى تدوين هذا النوع في كتابه، أنه كان يذهبُ مذهب شيخه الإمام أحمد بن حنبل في الاحتجاج بالحديث الضعيف ضعفاً خفيفاً إذا لم يوجد في الصحيح ما يُغني عنه، ولم يوجد ما يخالفه مما هو أصحُّ منه، وهذا هو السبب الذي حفزه إلى تأليف كتاب "المراسيل" وقد ضمنه "أربعة وأربعين وخمس مئة حديث".
قال الإمام أبو بكر الأثرم صاحبُ الإمام أحمد: كان أبو عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- ربما كان الحديثُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي إسناده شيء، فيأخُذُ به إذا لم يجئ خلافُه أثبت منه، مثل حديث عمرو بن شعيب، وإبراهيم الهَجَري، وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجئ خلافه (1).
وذكر الإمامُ ابنُ قيم الجوزية -وهو بصدد بيان الأصول التى اعتمدها الإمام أحمد وبنى عليها مذهبه، فقال-: الأصلُ الرابع- يعني عند الإمام أحمد- الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعُه، وهو الذي رجّحه على القياس، وليس المرادُ بالضعيف عنده الباطلُ، ولا المنكرُ، ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه والعملُ به، بل الحديثُ الضعيف عنده قسيمُ الصحيح، وقسمٌ مِن أقسامِ الحسن، ولم يكن يُقسِّم الحديثَ إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتبُ، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه ولا قولُ صاحب، ولا إجماعٌ على خلافه، كان العملُ بهِ عنده أولى مِنَ القياس، وليس أحدٌ من الأئمة إلا وهو موافقُه على هذا الأصل من حيث الجملة.
رابعاً: أنَّه عندما يُورِدُ حديثاً شديد الضعف يُبين ذلك، فقد قال: وما كان في كتابي من حديث فيه وهْنٌ شديد فقد بينته.
وقد ذكروا أن هذا البيان مدوَّن أكثره في "السنن" برواية ابن العبد.
خامساً: أن ما سكت عنه فهو صالح، وذلك في قوله: وما لم أذكُر فيه شيئاً فهو صالح. وقد اختلف أهلُ العلم في المراد من قوله: فهو صالح.
فقد قال ابنُ عبد البر: كُلُّ ما سكت عليه أبو داود، فهو صحيح عنده، لا سيما إن كان لا يذكر في الباب غيره.
وقال الحافظ الذهبي: قد وفَّى أبو داود رحمه الله بذلك بحسب اجتهاده، وبيّن ما ضعفه شديد، ووهْنُه غير محتمل، وكاسَرَ (غضَّ من طرفه) عما ضعفُه خفيفٌ محتملٌ، فلا يلزمُ مِن سكوته -والحالةُ هذه- عن الحديث أن يكون حسناً عنده، ولا سيما إذا حكمنا على حَدِّ الحسن باصطلاحنا المولَّدِ الحادث الذي هو في عُرف السلفِ يعودُ إلى قسم مِن أقسام الصحيح، الذي يجب العملُ به عند جمهورِ العلماء، أو الذي يرغبُ عنه أبو عبد الله البخاري، ويُمشِّيه مسلمٌ، وبالعكس، فهو داخل في أدنى مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج، ولبقي متجاذباً بين الضعيف والحسن،
فكتابُ أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان، وذلك نحو مِنْ شطرِ الكتاب، ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين، ورغب عنه الآخرُ، ثم يليه ما رغبا عنه وكان إسناده جيداً، وسالماً من علة وشذوذ، ثم يليه ما كان إسنادُه صالحاً، وقبله العلماء لمجيئه من وجهين ليِّنَين فصاعداً يعضد كل منهما الآخر، ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص حفظ راويه، فمثل هذا يمشيه أبو داود ويسكت عنه غالباً، ثم يليه ما كان بين الضعفِ من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه، بل يوهنه غالباً، وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم.
وقال الحافظ البقاعي في "النكت الوفية" الورقة 72 ب-73أ: ليس بمسلم أن كل ما سكت عليه أبو داود يكون حسناً، بل هو وهم أتى من جهة أن أبا داود يريدُ بقوله: "صالح" الصلاحية الاصطلاحية، ومِن فهمِ أن" أصح" في قوله: "وبعضها أصح من بعض" تقتضي اشتراكاً في الصحة، وكذا قوله: "إنه يذكر في كل باب أصح ما عرف فيه" وليس الأمر في ذلك كذلك، أما من جهة قوله: "صالح" فلأنه يحتمل أن يريد صلاحيته للاحتجاج، فكذا يحتمل أن يريد صلاحيته للاعتبار، فإن أبا داود قال في "الرسالة" التي أرسلها إلى من سأله عن اصطلاحه في كتابه: "ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بينته، وما لا فصالح، وبعضها أصح من بعض.
وقد اشتمل هذا الكلام على خمسة أنواع.
1 - الأول: الصحيح، ويجوز أن يريد به الصحيح لذاته.
2 - والثاني: مشبهُه، ويمكن أن يريد به الصحيح لغيره.
3 - والثالث: مُقارِبُه، ويحتمل أن يريد به الحسن لذاته.
4 - والرابعُ: الذي فيه وهن شديد.
5 - وقوله: "وما لا" يُفهم منه أن الذي فيه وهن، ليس بشديد (أي: يسكت عنه ولا يبينه)، فهو قسم خامس.
فإن لم يعتضد كان صالحاً للاعتبار فقط، وإن اعتضد صار حسناً لغيره، أي: للهيئة المجموعة، وصلح للاحتجاج، وكان قسماً سادساً.
وعلى تقدير تسليم أن مراده "صالح" للاحتجاج، لا يستلزم الحكم بتحسين ما سكت عليه، فإنه يرى الاحتجاج بالضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره، ... اقتداء بأحمد رضي الله عنه.
وقال العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثريُّ رحمه الله عند قول أبي داود في "رسالته": "وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح" أي: للاعتبار أو للحجة، وتعيين أحدِهما تابعٌ للقرينة القائمة كما هو شأن المشترك، وادعاء أنه صالح للحجة تقويل لأبي داود لم يقله، قال النووي: في "سنن أبي داود" أحاديثُ ظاهرةُ الضعف لم يُبيِّنها، مع أنه متفق على ضعفِها، فلا بُد من تأويله.
وقال الإمام النووي: والحقُّ أن ما وجدناه في "سنن أبي داود" ما لم يُبينه، ولم ينص على صحته أو حُسنه أحدٌ ممن يُعتمدُ فهو حسنٌ، وإن نص على ضعفه من يعتمد أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له، حكم بضعفه، ولم يُلتفت إلى سكوتِ أبي داود.
وقوى الحافظُ ابن حجر كلام النووي هذا، فقال: وهذا هو التحقيق، لكنه (أي: الامام النووي) خالف ذلك في مواضع من "شرح المهذب" وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرةٍ من أجل سكوت أبي داود عليها، فلا تَغْتر بذلك، والله أعلم.

* أهمية الكتاب، وتنويه أهل العلم بفضله ومزيته على غيره من الكتب التي من بابته:
لسنا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن كتاب الإمام أبي داود هذا يأتي في المرتبة الثالثة بعد "الصحيحين"، فقد عوّل أهلُ العلم على ما دوَّنه فيه من أحاديث وآثار، لأنه رحمه الله قد تكرر منه النظر فيه والمراجعة والتثبت، وقُرىْ عليه مراتٍ عدة، حتى إنَّ تلميذه أبا علي اللؤلؤي قد قرأه عليه في مدةِ عشرينَ سنة. ولهذا قال القاضي أبو عمر الهاشميُّ تليمذُ أبي علي اللؤلؤي: والزياداتُ التي في رواية ابن داسه حذفها أبو داود آخراً لأمرٍ رابه في الإسناد.
وهذا ما دعا الإمام الحافظ زكريا الساجي -وهو من أصحاب الإمامِ أبي داود- لأن يقول: كتاب الله أصلُ الإسلام، وكتابُ أبي داود عهدُ الإسلام.
وقال الإمام الخطابي: كتابُ "السنن" لأبي داود كتابٌ شريفٌ، لم يُصنف في علم الدين كتابٌ مثله، وقد رُزِقَ القبول مِنَ الناس كافّة، فصار حكماً بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، فلكل فيه وِرْدٌ، ومنه شِرْبٌ، وعليه مُعوَّل أهلِ العراق وأهلِ مصر وبلاد المغرب، وكثيرٌ من مدن أقطارِ الأرض. فأما أهلُ خراسان فقد أُولِعَ أكثرهم بكتابي محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد، إلا أن كتاب أبي داود أحسنُ رصفاً وأكثرُ فقهاً.
وقال الإمامُ الخطابي أيضاً: سمعتُ ابن الأعرابي- وهو صاحبُ الإمام أبي داود- يقول ونحن نسمع منه هذا الكتاب، فأشار إلى النسخة وهي بين يديه: لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحفُ الذي فيه كتابُ الله، ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيءٍ من العلم بتَّة.
قال الخطابي معلقاً على قول ابن الأعرابي: وهذا كما قال، لا شكَّ فيه ... وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم، وأمهاتِ السنن، وأحكام الفقه، ما لا نعلم متقدماً سبقه إليه، ولا متأخراً لحقه فيه.
وقال الحافظ محمد بن مخلد الدُّوري العطار: كان أبو داود يفي بمذاكرة مئة ألف حديث، فلما صنف كتاب" السنن" وقرأه على الناس، صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف يتبعونه ولا يخالفونه، وأقر له أهلُ زمانه بالحفظ والتقدم فيه.
وقال الحافظ أبو القاسم خلفُ بنُ القاسم الأزدي الأندلسي، وقد سُئِل: أيهما أحبُّ إليك كتاب البخاري أو كتاب أبي داود؟ قال: كتاب أبي داود أحسنُهما وأملحهما.
وقال الحافظ محمد بن إبراهيم بن سعيد المعروف بابن أبي القراميد: خير كتابٍ ألف في السنن كتاب أبي داود السجستاني.
وقال الإمام الغزالي: كتاب أبي داود كافٍ للمجتهد.
وقال الحافظ أبو طاهر السِّلَفي: وكتاب أبي داود أحدُ الكتب الخمسة التي اتفق أهلُ الحل والعقد من الفقهاء والحفاظ على قبولها والحكم بصحة أصولها.
وقال: وكتابُ "السنن" له صِيت في الآفاق، ولا يُرى مثلُه على الإطلاق.
وقال الحافظ المنذري: كتاب "السنن" للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني أحدُ الكتب المشهورة في الأقطار، وحفظُ مُصنِّفه وإتقانُه، وتقدُّمُه محفوظٌ عن حفاظ الأمصار، وثناءُ الأئمة على هذا الكتاب وعلى مصنفه مأثور عن رواة الآثار.
وقال الإمام النووي: وينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاعتبار بسنن أبي داود بمعرفته التامة فإن معظم الأحاديث التي يحتج بها فيه، مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه، واعتنائه بتهذيبه.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: ولأبي داود في حصر أحاديث الأحكام واستيعابها ما ليس لغيره.
وقال الإمام القاسم بن يوسف التجيبي: وهذا الكتابُ هو كتابُ الفقهاء أصحاب المسائل، لأنهم يجدون فيه ما يحتاجون إليه في كل باب من أبواب الفقه، مما يشهد لهم بصحة ما ذهبوا إليه، وليس يوجد في كتب السنة مثله في هذا الفن، وقد احتوى من أحاديث الأحكام على أربعة آلافٍ وثمان مئة على الأصح، انتقاها من حديثٍ كثيرٍ.
وقال الإمام ابنُ قيم الجوزية: ولما كان كتاب "السنن" لأبي داودد سليمان بن الأشعث السجستاني رحمه الله من الإسلام بالموضع الذي خصَّه الله به، بحيث صار حكماً بين أهلِ الإسلام، وفصلاً في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحققون. فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، وإطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء.
وقيل: إن الإمام أبا داود قد صنف كتابه قديماً، وعرضه على الإمام أحمد فاستجاده واستحسنه.

* عناية العلماء بكتاب "السنن":
ولما كان كتابُ "السنن" للإمام أبي داود بالموضع الذي ذكره أهل العلم، وأنه عمدة لأهل الفقه وأهلِ الحديث، كلٌّ يجدُ فيه طَلِبَته ومبتغاه، أقبل أهلُ العلم عليه دراسة وشرحاً وتعليقاً وتهذيباً واختصاراً.

فمن شروحه:
1 - " معالم السنن" للإمامِ أبي سليمان حَمْد بنُ محمد بن إبراهيم ابن خطاب الخطابي، البُستِي -وبُسْت إحدى مدن سجستان-، صنف كتبه في نيسابور، قال الحافظ أبو طاهر السِّلَفي في مقدمته التي ابتدأ بها إملاءه لكتاب الخطابي: إذا وقف منصف على مصنفاته، واطلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته، تحقق إمامته وديانته فيما يُورِدُه وأمانته.
وقال أيضاً: لم أر أحسن من شرح أبي سليمان الخطابي البُستي لكتاب أبي داود السِّجزي، فهو كتابٌ جليل، وفي إلقائه عاجلاً ذكر جميل، وآجلاً إن شاء الله تعالى ثواب جزيل. وكان ثقة ثبتاً مِن أوعية العلم والأدب. توفي سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة، ودفن ببُست.
وقد قام بطبع هذا الشرحَ وافتتحه بمقدمة ضافية تشتمل على ترجمة أبي داود، وترجمة الإمام الخطابي، ووصف الأصول الخطية التي اعتمدها في نشره الشيخ العلامة المسند مؤرخ حلب محمد راغب الطباخ الحلبي في المطبعة العلمية سنة (1351هـ) ثم صُوِّر في بيروت سنة (1401هـ) في المكتبة العلمية.
وطُبع أيضاً بهامش "مختصر سنن أبي داود" للحافظ المنذري، ومعه "تهذيب السنن" للعلامة ابن قيم الجوزية بتحقيق المحدث أحمد محمد شاكر والأستاذ محمد حامد الفقي، سنة (1369 هـ) في مطبعة السنة المحمدية بمصر.
وقد لخَّص "المعالم" الإمام شهابُ الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي المتوفى سنة (765 هـ) وسماه "عجالة العالم من كتاب المعالم".
2 - "شرح الإمام النووي" لكنه لم يتمه. ذكره الحافظ السخاوي. وبحسب الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي الذي صنعته مؤسسة آل البيت يوجد منه نسخة في مكتبة حكيم أوغلي علي باشا برقم 14 [200].
3 - شرح الشيخ قطب الدين أبي بكر بن أحمد دَعْسَين بن علي ابن عبد الله بن محمد دعْسَين بن مُبين القرشي (نسبة لقبيلة يقال لها: القرشية باليمن) المتوفى سنة (752 هـ) قال الحافظ السخاوي: له شرح لأبي داود في أربع مجلدات، مات عنه مُسوَّدة (3).
4 - شرح الحافظ علاء الدين مُغَلْطاي بنِ قليج بن عبد الله، المتوفى سنة (762 هـ) ولم يُكمله أيضاً. ذكره الحافظ ابن حجر.
5 - شرح الإمام شهاب الدين أبي محمود أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هلال المقدسي، المتوفى سنة (765 هـ). قال الحافظ ابن حجر: شرع في شرح سنن أبي داود. قال حاجي خليفة: سماه: "انتحاء السُّنن واقتفاء السَّنَن". قلنا: وبحسب الفهرس الشامل لمؤسسة آل البيت يوجد منه نسخة في مكتبة لايبزج 13 [17] (1).
وأخطأ صاحبنا وحبيبنا الدكتور محمد بن لطفي الصباغ حفظه الله فظن أن مخطوطته محفوظة في مكتبة لاله لي في أربع مجلدات، تحت رقم (498 - 501) (2)، لأن هذه المجلدات بحسب الفهرس الشامل لمؤسسة آل البيت، لأحمد بن الحسين بن أرسلان الرملي الآتي ذكره إن شاء الله.
6 - شرحُ الحافظ أبي زرعة ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة (826 هـ)، وهو ابنُ الحافظ زين الدين العراقي، قال الحافظ ابنُ حجر: شرع في "شرحِ السنن" لأبي داود فكتب نحو السدس منه في سبع مجلدات في المسوّدة (4). وقال الحافظ السيوطي: هو شرح عليه مبسوط جداً، كتب منه من أوله إلى سجود السهو في سبعةِ مجلدات، وكتب مجلداً فيه الصيام والحج والجهاد، ولو كمل لجاء في أكثر من أربعين مجلداً.
وبحسب الفهرس الشامل لمؤسسة آل البيت يوجد منه نسخة للمجلد الرابع في دار صدام 181 [12474] في (218 ورقة) ناقصة الآخر.
وأخطأ الدكتور يوسف المرعشلي زاعماً أن الزركلي ذكر في "أعلامه" أن لهذا الشرح نسخة بالخزانة الملكية السعودية بالرياض، وإنما ذكر الزركلي أن لسنن أبي داود وليس للشرح نسخة بالخزانة الملكية، وعليها سماع أحمد ابن العراقي عن والده.
7 - شرحُ الإمام أحمد بن حُسين بن حَسن بن علي بن يوسف بن علي بن أرسلان -قال السخاوي: بالهمزة كما بخطه، وقد تُحذَفُ في الأكثر بل هو الذي على الألسنة الشهاب أبو العباس الرملي الشافعي، نزيل بيت المقدس، ويعرف بابن رسلان، له شرح لسنن أبي داود، وهو في أحد عشر مجلداً. توفي سنة أربع وأربعين وثمان مئة.
قلنا: وبحسب الفهرس الشامل لمؤسسة آل البيت توجد منه عدة أصول خطية.
وقد أخطأ الدكتور فؤاد سزكين في مؤلِّف هذا الكتاب، فنسبه أيضاً إلى الإمام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني المتوفى سنة (805 هـ)، وتابعه على ذلك الدكتور تقي الدين الندْوي والدكتور محمد بن لطفي الصباغ، وهو خطأ بيّن، فلم ينسب هذا الشرح للإمام البُلْقِيني تلميذه الحافظ ابن حجر الذي سرد جميع مؤلفاته عن ولده الذي جمع ذلك، وكذلك ترجم ابن فهد المكي والسخاوي للبلقيني فلم ينسبا له شرحاً لأبي داود، فاقتضى التنويه.
8 - شرح الإمام محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حُسين ابن يوسف بن محمود البدر أبي محمد وأبي الثناء بن الشهاب الحلبي الأصل العنتابي المولد، ثم القاهري الحنفي صاحب "عمدة القاري في شرح صحيح البخاري"، قال الحافظ السخاوي: له قطعة من "سنن أبي داود" في مجلدين. توفي سنة خمس وخمسين وثمان مئة.
9 - شرحُ الحافظِ جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسع مئة. واسم شرحه: "مرقاة الصُّعُود إلى سنن أبي داود".
وبحسب الفهرس الشامل لمؤسسة آل البيت تُوجد منه عدة أصول خطية (2).
وقد اختصره عليّ بنُ سليمان الدِّمْنَتِي البُجُمْعَوي المتوفى سنة ستٍّ وثلاثِ مئة وألفٍ هجرية وسماه: "درجات مرقاة الصعود"، وقد طبع في القاهرة سنة 1298هـ. يعني في حياته.
10 - شرحُ المحدث العلامة الشيخ أبي الطيب شمسِ الحق العظيم آبادي المتوفى سنة (1329 هـ)، واسمه "عون المعبود شرح سنن أبي داود" طبع في دهلي في الهند، سنة (1322 هـ) في أربع مجلدات، ثم نشرته المكتبة السلفية في المدينة المنورة سنة (1389 هـ) مع "تهذيب سنن أبي داود" لابن قيم الجوزية.
11 - شرحُ المحدثِ العلامة خليلُ أحمد السهارنفوري رئيسُ جامعة مظاهر العلوم بالهند، المتوفى سنة (1346 هـ)، واسمه "بذل المجهود في حلّ أبي داود" طبع في الهند، ثم طبع في بيروت في دار الكتب العلمية في عشرين جزءاً في عشر مجلدات. وعلى هذا الشرحِ حاشية لتلميذ السهارنفوري الشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي، وهي مفيدة جداً.
12 - "مختصر سنن أبي داود" للحافظ الكبير المحدث زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، المتوفى سنة (656 هـ)، طبع في حيدرآباد سنة (1342 هـ)، وطبع في دهلي سنة (1891 م)، ثم طبع في القاهرة سنة (1369 هـ) بتحقيق الأستاذين أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي.
13 - "تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته" للعلامة المتفنن محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزُّرَعي الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، المتوفَّى سنة (751 هـ)، و"تهذيبه" أشبهُ ما يكونُ بالحاشية منه بالتهذيب، فقد تكلم فيه عن جملة أحاديث، وترك أحاديث كثيرة لم يُعلِّق عليها بشيء. طُبعَ في مطبعة أنصار السنة المحمدية في القاهرة، بهامش "مختصر المنذري".
14 - شرح الإمام سراج الدين علي بن الملقن، المتوفى سنة (804 هـ) زوائد "السنن" على "الصحيحين"، وتقع في مجلدين. وقد ذكره تلميذه الحافظ ابن حجر.
15 - وقد ألف الحافظُ أبو علي الحُسينُ بنُ محمد بن أحمد الجيَّاني الأندلسيُّ المتوفى سنةَ (498 هـ) جزءاً في تسميةِ شيوخ أبي داود الذين خرج عنهم في كتاب "السنن"، ورتب أسماءهم على حروف المعجم، وهو مطبوع في دار الكتب العلمية ببيروت بتحقيق أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، سنة (1418هـ)
 

* الطبعات السابقة لكتاب "السنن":
1 - طبعة دهلي في الهند عام (1271 هـ) وعام (1272 هـ) وعام (1283 هـ).
2 - طبعة لكنهؤ في الهند عام (1206هـ) وعام (1290هـ). في مجلد واحد.
3 - طبعة في القاهرة في المطبعة الكاستلية، سنة (1280هـ). في مجلدين.
4 - طبعة في مجلدين مع شرح لأبي الحسنات الفنجاني، سنة (1318هـ).
5 - طبعة في حيدرآباد، سنة (1321هـ) و (1393 هـ) في مجلد واحد.
6 - طبعة في نول كشور في الهند (1305هـ) جزءان في مجلد.
7 - طبعة في كانفور في الهند (1346هـ) مصدّر بترجمة عن أبي داود والحديث عن "سننه"، ويليه فهرس الكتاب، وبالهامش "التعليق المحمود" لفخر الدين الكنكوهي.
8 - طبعة في القاهرة عام (1354 هـ) وعام (1169 هـ) بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، وقد صورت طبعته بعد ذلك في بيروت عدة مرات، وهي في أربعة مجلدات.
9 - طبعة في مصر بتحقيق الشيخ أحمد سعد علي من علماء الأزهر، سنة (1371 هـ) في مجلدين.

10 - طبعة بتحقيق الشيخ عزت عبيد الدعاس وعادل السيد في خمسة مجلدات، وبهامشه "معالم السنن" للخطابي عام (1394 هـ).
11 - طبعة بتحقيق الشيخ محمد عوّامة في مؤسسة الريان ببيروت ودار القبلة في جدة والمكتبة المكية في مكة المكرمة، سنة (1419هـ).
من مقدمة المحقق: شعَيب الأرنؤوط- لكتاب سنن أبي داود - أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني

توجد له ترجمة في كتاب : التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

 

أَبو داود، سليمانُ بنُ الأشعث بن إسحق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران، الأزديُّ السجستانيُّ.
أحدُ حفاظ الحديثِ وعلمِه وعللِه، وكان في الدرجة العالية من النسك والصلاح، طوَّف البلاد، وكتب عن العراقيين، والخراسانيين، والشاميين والمصريين، والجزريين، وجمعَ كتاب "السنن" قديمًا، وعرضه على الإمام أحمد بن حنبل رح، فاستجاده، واستحسنه، وعدَّه الشيخ أَبو إسحق الشيرازيُّ في "طبقات الفقهاء" من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل.
وقال إبراهيم الحربي لما صنف أَبو داود كتابَ "السنن": أُلين لأبي داودَ الحديثُ كما أُلين لداود الحديد، وكان يقول: كتبتُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس مئة ألف حديث، انتخبتُ منها ما ضمَّنته هذا الكتابَ؛ يعني: "السنن"، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانَ مئة حديث، ذكرت الصحيحَ وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسانَ لدينه من ذلك أربعةُ أحاديث.
1 - أحدها: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات".
2 - والثاني: قوله "من حُسْنِ إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه".
3 - الثالث: قوله: "لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه".
4 - والرابع: قولُه: "الحلالُ بَيِّنٌ، والحرامُ بينٌ، وبينَ ذلك أمورٌ مشتبهات" الحديث بكماله.
وجاء سهلُ بنُ عبدِ الله التُّسْتَريُّ، فقيل له: يا أبا داود! هذا سهلُ بنُ عبد الله قد جاءك زائرًا، قال، فرحَّبَ به وأجلَسَه، فقال له: يا أبا داود! لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: حتى تقولَ: قضيتُها مع الإمكان، قال: قد قضيتُها مع الإمكان، قال: أخرج لسانَك الذي حدَّثْتَ به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أُقبله، قال: فأخرج لسانه، فقبله.
وكانت ولادته في سنة 202، وقدم بغداد مرارًا، ثم نزل إلى البصرة، وسكنها، وتوفي بها يوم الجمعة منتصفَ شوال سنة 275 - رحمه الله -.
وكان ولده أَبو بكر، عبدُ الله بنُ أبي داود سليمان من أكابرِ الحفاظ ببغداد، عالمًا متفَقًا عليه إمامٌ بنُ إمام، وله كتاب "المصابيح"، وشارك أباه في شيوخه بمصر والشام، وسمع ببغداد، وخراسان، وأصبهان، وسجستان، وشيراز.

توفي سنة 316، واحتجَّ به ممن صنف الصحيح، أبو علي الحافظُ النيسابوريُّ، وابن حمزة الأصبهانيُّ. والسجستاني - بكسر السين المهملة والجيم وسكون السين الثانية وفتح التاء المثناة من فوقها وبعد الألف نون - هذه النسبة إلى سجستانَ الإقليمِ المشهور، وقيل: بل نسبته إلى سجستان، أو سجستانة: قرية من قرى البصرة.

التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.