أحمد بن محمد بن حنبل أبي عبد الله الشيباني البغدادي

الإمام أحمد بن حنبل

تاريخ الولادة164 هـ
تاريخ الوفاة241 هـ
العمر77 سنة
مكان الولادةبغداد - العراق
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • البصرة - العراق
  • الكوفة - العراق
  • بغداد - العراق
  • اليمن - اليمن
  • صنعاء - اليمن
  • الجزيرة - بلاد الشام
  • بلاد الشام - بلاد الشام

نبذة

أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله، الشيبانيّ الوائلي: إمام المذهب الحنبليّ، وأحد الأئمة الأربعة. أصله من مرو، وكان أبوه والي سرخس. وولد ببغداد. فنشأ منكبّا على طلب العلم، وسافر في سبيله أسفارا كبيرة وصنّف (المسند - ط) ستة مجلدات، يحتوي على ثلاثين ألف حديث. وفي أيامه دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن ومات قبل أن يناظر ابن حنبل، وتولى المعتصم فسجن ابن حنبل ثمانية وعشرين شهرا لامتناعه عن القول بخلق القرآن.

الترجمة

أحمد محمد بن بن حنبل، أبو عبد الله، الشيبانيّ الوائلي: إمام المذهب الحنبليّ، وأحد الأئمة الأربعة. أصله من مرو، وكان أبوه والي سرخس. وولد ببغداد. فنشأ منكبّا على طلب العلم، وسافر في سبيله أسفارا كبيرة إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والثغور والمغرب والجزائر والعراقين وفارس وخراسان والجبال والأطراف. وصنّف (المسند - ط) ستة مجلدات، يحتوي على ثلاثين ألف حديث. وله كتب في (التاريخ) و (الناسخ والمنسوخ) و (الرد على الزنادقة فيما ادعت به من متشابه القرآن - ط) و (التفسير) و (فضائل الصحابة) و (المناسك) و (الزهد - خ) في خزانة الرباط (292 ك) و (الأشربة - خ) و (المسائل - خ) و (العلل والرجال - خ) في أياصوفية (الرقم 338) . وكان أسمر اللون، حسن الوجه، طويل القامة، يلبس الأبيض ويخضب رأسه ولحيته بالحناء. وفي أيامه دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن ومات قبل أن يناظر ابن حنبل، وتولى المعتصم فسجن ابن حنبل ثمانية وعشرين شهرا لامتناعه عن القول بخلق القرآن، وأطلق سنة 220 هـ ولم يصبه شرّ في زمن الواثق باللَّه - بعد المعتصم - ولما توفي الواثق وولي أخوه المتوكل ابن المعتصم أكرم الإمام ابن حنبل وقدّمه، ومكث مدة لا يولي أحدا إلّا بمشورته، وتوفي الإمام وهو على تقدمه عند المتوكل. ومما صُنف في سيرته (مناقب الإمام أحمد - ط) لابن الجوزي، و (ابن حنبل - ط) لمحمد أبي زهرة، من معاصرينا .

-الاعلام للزركلي-

أبو عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبل البغدادي رضي الله عنه: الإمام الثقة المثبت الأمين الحافظ الحجة النظار المتفق على جلالته وورعه وعلمه كان من علية أئمة الحديث انتشر مذهبه بكثير من بلاد الشام وغيرها ثم ضعف. ترجمته عالية ذكرت مفردة ومضافة

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية

 

أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل بن هِلَال بن أَسد بن إِدْرِيس بن عبد الله بن حَيَّان بن عبد الله بن ادريس بن عَوْف بن قاسط بن مَازِن بن شَيبَان بن ذهل بن ثَعْلَبَة الشَّيْبَانِيّ الذهلي من ربيعَة أَصله مروزي سكن بَغْدَاد كنيته أَبُو عبد الله كَانَ حَافِظًا متقنا فَقِيها لَازِما للورع الْخَفي مواظبا على الْعِبَادَة الدائمة أغاث الله بِهِ أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ أَنه ثَبت فِي المحنة وبذل نَفسه لله حَتَّى ضرب بالسياط للْقَتْل فعصمه الله من الْكفْر وَجعله علما يقْتَدى بِهِ وملجأ يلتجأ إِلَيْهِ
مَاتَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
روى عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر غنْدر فِي الايمان وَعَن هشيم بن بشير فِي الايمان وَعَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان فِي الصَّلَاة وَالْجهَاد وَيحيى بن سعيد الْقطَّان فِي الصَّلَاة وَالْأَدب وَعبد الله بن كثير فِي الْحَج وَمُحَمّد بن سَلمَة فِي الْحَج وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي فِي الْحُدُود وَعبد الرَّزَّاق فِي الْجِهَاد وَأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ سُلَيْمَان بن دَاوُد فِي الصَّيْد وَيحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة فِي اللبَاس واسماعيل بن علية فِي اللبَاس وَشرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي الْأَدَب والفضائل وَيَعْقُوب بن ابراهيم فِي الْفَضَائِل .

رجال صحيح مسلم - لأحمد بن علي بن محمد بن إبراهيم، أبو بكر ابن مَنْجُويَه.

 

أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني: ولد سنة أربع وستين ومائة ومات في رجب يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين. قال قتيبة بن سعيد: لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم، فقيل لقتيبة: تضم أحمد إلى التابعين؟ قال: إلى كبار التابعين. قال أبو ثور: أحمد بن حنبل علم وأفقه من الثوري.

- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

 

أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل بْن هِلَال بْن أَسد بْن إِدْرِيس بْن عَبْد اللَّه بن حَيَّان ابْن عَبْد اللَّه بْن أنس بْن عَوْف بْن قاسط بْن مَازِن بْن شَيبَان بْن ذهل ابْن ثَعْلَبَة بْن عكابة بْن صَعب بْن عَلِيّ بن بكر بن وَائِل
هَكَذَا نسبه وَلَده عَبْد اللَّه وَاعْتَمدهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب وَغَيره وَأما قَول عَبَّاس الدوري وأبى بكر بْن أَبِي دَاوُد إِن الإِمَام أَحْمَد كَانَ من بني ذهل بْن شَيبَان فغلطهما الْخَطِيب وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ من بني شَيبَان بْن ذهل بْن ثَعْلَبَة قَالَ وَذهل بْن ثَعْلَبَة هُوَ عَم ذهل بْن شَيبَان بْن ثَعْلَبَة
هُوَ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عَبْد اللَّه الشَّيْبَانِيّ الْمروزِي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ صَاحب الْمَذْهَب الصابر عَلَى المحنة النَّاصِر للسّنة شيخ الْعِصَابَة ومقتدى الطَّائِفَة وَمن قَالَ فِيهِ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ حَرْمَلَة خرجت من بَغْدَاد وَمَا خلفت بهَا أفقه وَلَا أورع وَلَا أزهد وَلَا أعلم من أَحْمَد
وَقَالَ الْمُزنِيّ أَبُو بكر يَوْم الرِّدَّة وَعمر يَوْم السَّقِيفَة وَعُثْمَان يَوْم الدَّار وعَلى يَوْم صفّين وأَحْمَد بْن حَنْبَل يَوْم المحنة
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد سَمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول كَانَ أَبوك يحفظ ألف ألف حَدِيث فَقلت وَمَا يدْريك فَقَالَ ذاكرته فَأخذت عَلَيْهِ الْأَبْوَاب
وَعَن أَبى زرْعَة حزر كتب أَحْمَد يَوْم مَاتَ فبلغت اثْنَي عشر حملا وعدلا مَا كَانَ عَلَى ظهر كتاب مِنْهَا حَدِيث فلَان وَلَا فِي بَطْنه حَدثنَا فلَان وكل ذَلِك كَانَ يحفظه عَلَى ظهر قلبه

وَقَالَ قُتَيْبَة بْن سَعِيد كَانَ وَكِيع إِذا كَانَت الْعَتَمَة ينْصَرف مَعَه أَحْمَد بْن حَنْبَل فيقف عَلَى الْبَاب فيذاكره فَأخذ لَيْلَة بِعضَادَتَيْ الْبَاب ثمَّ قَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه أُرِيد أَن ألقِي عَلَيْك حَدِيث سُفْيَان قَالَ هَات قَالَ تحفظ عَن سُفْيَان عَن سَلمَة بْن كهيل كَذَا قَالَ نعم حَدثنَا يَحْيَى فَيَقُول سَلمَة كَذَا وَكَذَا فَيَقُول حَدثنَا عَبْد الرَّحْمَن فَيَقُول وَعَن سَلمَة كَذَا وَكَذَا فَيَقُول أَنْت حَدَّثتنَا حَتَّى يفرغ من سَلمَة
ثمَّ يَقُول أَحْمَد فتحفظ عَن سَلمَة كَذَا وَكَذَا فَيَقُول وَكِيع لَا ثمَّ يَأْخُذ فِي حَدِيث شيخ شيخ
قَالَ فَلم يزل قَائِما حَتَّى جَاءَت الْجَارِيَة فَقَالَت قد طلع الْكَوْكَب أَو قَالَت الزهرة
وَقَالَ عَبْد اللَّه قَالَ لي أَبِي خُذ أَي كتاب شِئْت من كتب وَكِيع فَإِن شِئْت أَن تَسْأَلنِي عَن الْكَلَام حَتَّى أخْبرك بِالْإِسْنَادِ وَإِن شِئْت بِالْإِسْنَادِ حَتَّى أخْبرك عَن الْكَلَام
وَقَالَ الْخلال سَمِعت أَبَا الْقَاسِم بْن الْجبلي وَكَفاك بِهِ يَقُول أَكثر النَّاس يظنون أَن أَحْمَد إِذا سُئِلَ كَأَن علم الدُّنْيَا بَين عَيْنَيْهِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ رَأَيْت أَحْمَد كَأَن اللَّه جمع لَهُ علم الْأَوَّلين والآخرين
وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق مَا رَأَيْت أفقه من أَحْمَد بْن حَنْبَل وَلَا أورع
وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مهْدي مَا نظرت إِلَى أَحْمَد بْن حَنْبَل إِلَّا تذكرت بِهِ سُفْيَان الثَّوْريّ
وَقَالَ قُتَيْبَة خير أهل زَمَاننَا ابْن الْمُبَارك ثمَّ هَذَا الشَّاب يَعْنِي أَحْمَد بْن حَنْبَل
وَقَالَ أَيْضًا إِذا رَأَيْت الرجل يحب أَحْمَد فَاعْلَم أَنه صَاحب سنة
وَقَالَ أَيْضًا وَقد قِيلَ لَهُ تضم أَحْمَد إِلَى التَّابِعين فَقَالَ إِلَى كبار التَّابِعين
وَقَالَ أَيْضًا لَوْلَا الثَّوْريّ لمات الْوَرع وَلَوْلَا أَحْمَد لأحدثوا فى الدّين

وَقَالَ أَيْضًا أَحْمَد إِمَام الدُّنْيَا
وَقَالَ أَيْضًا كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي أَسمَاء من رَوَى عَن الشَّافِعِي مَاتَ الثَّوْريّ وَمَات الْوَرع وَمَات الشافعى وَمَاتَتْ السّنَن وَيَمُوت أَحْمد ابْن حَنْبَل وَتظهر الْبدع
وَقَالَ أَبُو مسْهر وَقد قِيلَ لَهُ هَل تعرف أحدا يحفظ عَلَى هَذِهِ الْأمة أَمر دينهَا قَالَ لَا أعلمهُ إِلَّا شَاب فِي نَاحيَة الْمشرق يَعْنِي أَحْمَد بْن حَنْبَل
وَعَن إِسْحَاق أَحْمَد حجَّة بَين اللَّه وخلقه
وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَقد سُئِلَ عَن مَسْأَلَة قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حَنْبَل شَيخنَا وإمامنا فِيهَا كَذَا وَكَذَا
فَهَذَا يسير من ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
ولد سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة بِبَغْدَاد جئ بِهِ إِلَيْهَا من مرو حملا
وتفقه عَلَى الشَّافِعِي وَهُوَ الحاكي عَنهُ أَنه جوز بيع الباقلاء فِي قشريه
وَأَن السَّيِّد يُلَاعن أمته وَكَانَ يَقُول أَلا تعْجبُونَ من أَبِي عَبْد اللَّه يَقُول يُلَاعن السَّيِّد عَن أم وَلَده
وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي هَذَا فَمنهمْ من قطع بِخِلَافِهِ وَحمل قَول أَحْمَد عَلَى أَن مُرَاده بِأبي عَبْد اللَّه إِمَّا مَالك وَإِمَّا سُفْيَان
وَضعف الرَّوْيَانِيّ هَذَا بِأَنَّهُ رَوَى عَنهُ أَنه قَالَ أَلا تعْجبُونَ من الشَّافِعِي وَمِنْهُم من تَأَوَّلَه بِتَأْوِيل آخر
قَالَ حَنْبَل سَمِعت أَبَا عَبْد اللَّه يَقُول طلبت الحَدِيث سنة تسع وَسبعين
قلت وَمن شُيُوخه هشيم وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وإِبْرَاهِيم بْن سعد وَجَرِير بْن عَبْد الحميد وَيحيى الْقطَّان والوليد بن مُسلم وَإِسْمَاعِيل بن علية وَعلي بْن هَاشم بْن الْبَرِيد ومعتمر بْن سُلَيْمَان وغندر وَبشر بْن الْمفضل وَزِيَاد البكائي وَيحيى بْن

أَبِي زَائِدَة وَأَبُو يُوسُف القَاضِي ووكيع وَابْن نمير وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَيزِيد بْن هَارُون وَعبد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ وَخلق
وَمِمَّنْ رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وابناه صَالح وَعبد اللَّه
وَمن شُيُوخه عَبْد الرَّزَّاق والْحَسَن بْن مُوسَى الأشيب قِيلَ وَالشَّافِعِيّ فِي بعض الْأَمَاكِن الَّتِي قَالَ فِيهَا أَخْبَرَنَا الثِّقَة
وَقد كنت أَنا لما قَرَأت مُسْند الشَّافِعِي عَلَى شَيخنَا أَبِي عَبْد اللَّه الْحَافِظ سَأَلته فِي كل مَكَان من تِلْكَ فَكَانَ بَعْضهَا يتَعَيَّن أَن يكون مُرَاده بِهِ يحيى بْن حسان كَمَا قِيلَ إِنَّه الْمَقْصُود بِهِ دَائِما وَبَعضهَا يتَعَيَّن أَنه يُرِيد بِهِ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يحيى وَبَعضهَا يتَرَدَّد
وَذَلِكَ مُعَلّق عِنْدِي فِي مَجْمُوع مِمَّا علقته عَن شَيخنَا رَحمَه اللَّه وأكثرها لَا يُمكن أَنه يُرِيد بِهِ أَحْمَد بْن حَنْبَل مثل قَوْله أَخْبَرَنَا الثِّقَة عَن أَبِي إِسْحَاق فَلَا يُمكن أَن يُرِيد بِهِ أَحْمَد بل إِمَّا إِبْرَاهِيم بْن سعد أَو غَيره
وَمثل قَوْله أَخْبَرَنَا الثِّقَة عَن ابْن شهَاب يحْتَمل مَالِكًا وَابْن سعد وسُفْيَان ابْن عُيَيْنَة وَلَا ثَالِث لَهُم فِي أَشْيَاخ الشَّافِعِي
وَمثل قَوْله الثِّقَة عَن معمر فَهُوَ إِمَّا هِشَام بْن يُوسُف الصغاني أَو عَبْد الرَّزَّاق
وَمثل قَوْله الثِّقَة من أَصْحَابنَا عَن هِشَام بْن حسان قَالَ شَيخنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الْحَافِظ لَعَلَّه يَحْيَى الْقطَّان
وَمثل قَوْله الثِّقَة عَن زَكَرِيَّا بْن إِسْحَاق عَن يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه قَالَ لي مُحَمَّد ابْن أَحْمَد الْحَافِظ إِنَّه يَحْيَى بْن حسان التنيسِي
وَمثل مَوَاضِع أخر تركتهَا اختصارا
وروى عَنهُ من أقرانه على بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بْن معِين ودحيم الشَّامي وَغَيرهم
قَالَ الْخَطِيب ولد أَبُو عَبْد اللَّه بِبَغْدَاد وَنَشَأ بهَا وبهامات وَطلب الْعلم ثمَّ رَحل

إِلَى الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَمَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وَالشَّام والجزيرة
قلت وَألف مُسْنده وَهُوَ أصل من أصُول هَذِهِ الْأمة
قَالَ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو مُوسَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر الْمَدِينِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْكتاب يَعْنِي مُسْند الإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ قدس اللَّه روحه أصل كَبِير ومرجع وثيق لأَصْحَاب الحَدِيث انتقي من أَحَادِيث كَثِيرَة ومسموعات وافرة فَجعل إِمَامًا ومعتمدا وَعند التَّنَازُع ملْجأ ومستندا عَلَى مَا أَخْبَرَنَا وَالِدي وَغَيره رحمهمَا اللَّه أَن الْمُبَارك بْن عَبْد الْجَبَّار أَبَا الْحُسَيْن كتب إِلَيْهِمَا من بَغْدَاد قَالَ
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن عمر بْن أَحْمَد الْبَرْمَكِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمدَان بْن عمر بْن بطة قِرَاءَةً عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو حَفْص عمر بْن مُحَمَّد بْن رجا حَدثنَا مُوسَى بْن حمدون الْبَزَّار قَالَ قَالَ لنا حَنْبَل بْن إِسْحَاق جَمعنَا عمي يَعْنِي الإِمَام أَحْمَد لي ولصالح ولعَبْد اللَّه وَقَرَأَ علينا الْمسند وَمَا سَمعه مِنْهُ يعْنى تَاما غَيرنَا وَقَالَ لنا إِن هَذَا الْكتاب قد جمعته وانتقيته من أَكثر من سَبْعمِائة وَخمسين ألفا فَمَا اخْتلف فِيهِ الْمُسلمُونَ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَإِن كَانَ فِيهِ وَإِلَّا لَيْسَ بِحجَّة
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما كتب أَبِي عشرَة آلَاف ألف حَدِيث لم يكْتب سوادا فِي بَيَاض إِلَّا حفظه
وَقَالَ عَبْد اللَّه أَيْضًا قلت لأبي لم كرهت وضع الْكتب وَقد عملت الْمسند فَقَالَ عملت هَذَا الْكتاب إِمَامًا إِذا اخْتلف النَّاس فِي سنة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ إِلَيْهِ
وَقَالَ أَيْضًا خرج أَبى الْمسند من سَبْعمِائة ألف حَدِيث
قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَلم يخرج إِلَّا عَمَّن ثَبت عِنْده صدقه وديانته دون من طعن فِي أَمَانَته
ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْد اللَّه ابْن الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ سَأَلت أَبِي

عَن عَبْد الْعَزِيز بْن أبان فَقَالَ لم أخرج عَنهُ فِي الْمسند شَيْئا لما حدث بِحَدِيث الْمَوَاقِيت تركته
قَالَ أَبُو مُوسَى فَأَما عدد أَحَادِيث الْمسند فَلم أزل أسمع من أَفْوَاه النَّاس أَنَّهَا أَرْبَعُونَ ألفا إِلَى أَن قَرَأت عَلَى أَبِي مَنْصُور بْن زُرَيْق بِبَغْدَاد قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الْخَطِيب قَالَ وَقَالَ ابْن الْمُنَادِي لم يكن فِي الدُّنْيَا أحد أروى عَن أَبِيه مِنْهُ يَعْنِي عَبْد اللَّه ابْن الإِمَام أَحْمد ابْن حَنْبَل لِأَنَّهُ سمع الْمسند وَهُوَ ثَلَاثُونَ ألفا وَالتَّفْسِير وَهُوَ مائَة ألف وَعِشْرُونَ ألفا سمع مِنْهَا ثَلَاثِينَ ألفا وَالْبَاقِي زِيَادَة فَلَا أَدْرِي هَذَا الَّذِي ذكر ابْن الْمُنَادِي أَرَادَ بِهِ مَالا مُكَرر فِيهِ أَو أَرَادَ غَيره مَعَ المكرر فَيصح الْقَوْلَانِ جَمِيعًا والاعتماد عَلَى قَول ابْن الْمُنَادِي دون غَيره
قَالَ وَلَو وجدنَا فراغا لعددناه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَما عدد الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فِيهِ فنحو من سَبْعمِائة رجل
قَالَ أَبُو مُوسَى وَمن الدَّلِيل عَلَى أَن مَا أودعهُ الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُسْنده قد احتاط فِيهِ إِسْنَادًا ومتنا وَلم يُورد فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ سَنَده مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَدَّادُ
قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ قَالا أَخْبَرَنَا الْقَطِيعِيُّ حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدثنَا أَبِي حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (يُهْلِكُ أُمَّتِي هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ)
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ لِي أَبِي فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ اضْرِبْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ خِلافُ الأَحَادِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا)

وَهَذَا مَعَ ثِقَةِ رِجَالِ إِسْنَادِهِ حِينَ شَذَّ لَفْظُهُ عَنِ الأَحَادِيثِ الْمَشَاهِيرِ أَمَرَ بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ فَكَانَ عَلَى مَا قُلْنَاهُ آخِرَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُخْتَصَرًا
قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب رَحمَه اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن شُجَاع الصُّوفِي قَالَ أَخْبَرَنَا عمر بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن سلم حَدثنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ الْأَبَّار قَالَ سَمِعت سُفْيَان بْن وَكِيع يَقُول أَحْمَد عندنَا محنة من عَابَ أَحْمَد عندنَا فَهُوَ فَاسق
وَقَالَ الْخَطِيب أَيْضًا حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن أَبِي طَالب حَدثنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن شَاذان حَدثنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْمقري قَالَ أنشدنا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن بدينا الْموصِلِي قَالَ أَنْشدني ابْن أعين فِي الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرضاه
(أضحى ابْن حَنْبَل محنة مَأْمُونَة ... وبحب أَحْمَد يعرف المتنسك)
(وَإِذا رَأَيْت لأَحْمَد متنقصا ... فَاعْلَم بِأَن ستوره ستهتك)
روى كَلَام سُفْيَان بْن وَكِيع وهذين الْبَيْتَيْنِ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن عَسَاكِر رَحمَه اللَّه فِي بعض تصانيفه فَقَالَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مَنْصُور الْفَقِيه وَأَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بْن عَبْد الْملك بْن خيرون قَالا أَخْبَرَنَا الْخَطِيب فذكرهما
وَأما زهد الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وورعه وتقلله من الدُّنْيَا فقد سَارَتْ بأخباره الركْبَان
وَقد أفرد جمَاعَة من الْأَئِمَّة التصنيف فِي مناقبه مِنْهُم الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْفرج بْن الْجَوْزِيّ

توفّي رَحمَه اللَّه سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ لَا ثنتى عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول وَقد غلط ابْن قَانِع وَغَيره فَقَالُوا ربيع الآخر
قَالَ الْمَرْوذِيّ مرض أَبُو عَبْد اللَّه لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لليلتين خلتا من ربيع الأول وَمرض تِسْعَة أَيَّام وَكَانَ رُبمَا أذن للنَّاس فَيدْخلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا يسلمُونَ عَلَيْهِ وَيرد عَلَيْهِم وتسامع النَّاس وكثروا وَسمع السُّلْطَان بِكَثْرَة النَّاس فَوكل بِبَابِهِ وبباب الزقاق الرابطة وَأَصْحَاب الْأَخْبَار ثمَّ أغلق بَاب الزقاق فَكَانَ النَّاس فِي الشوارع والمساجد حَتَّى تعطل بعض الباعة وحيل بَينهم وَبَين البيع وَالشِّرَاء وَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ أَن يدْخل إِلَيْهِ رُبمَا دخل من بعض الدّور وطرز الحاكة وَرُبمَا تسلق وَجَاء أَصْحَاب الْأَخْبَار فقعدوا عَلَى الْأَبْوَاب وجاءه حَاجِب ابْن طَاهِر فَقَالَ إِن الْأَمِير يُقْرِئك السَّلَام وَهُوَ يَشْتَهِي أَن يراك فَقَالَ هَذَا مِمَّا أكره وأمير الْمُؤمنِينَ أعفاني مِمَّا أكره وَأَصْحَاب الْخَبَر يَكْتُبُونَ بِخَبَرِهِ إِلَى الْعَسْكَر وَالْبرد تخْتَلف كل يَوْم وَجَاء بَنو هَاشم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَجعلُوا يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَجَاء قوم من الْقُضَاة وَغَيرهم فَلم يُؤذن لَهُم وَدخل عَلَيْهِ شيخ فَقَالَ اذكر وقوفك بَين يَدي اللَّه فشهق أَبُو عَبْد اللَّه وسالت الدُّمُوع عَلَى خديه
فَلَمَّا كَانَ قبل وَفَاته بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ قَالَ ادعوا لي الصّبيان بِلِسَان ثقيل فَجعلُوا ينضمون إِلَيْهِ فَجعل يشمهم وَيمْسَح بِيَدِهِ على رؤوسهم وعينه تَدْمَع وأدخلت الطست تَحْتَهُ فَرَأَيْت بَوْله دَمًا عبيطا لَيْسَ فِيهِ بَوْل فَقلت للطبيب فَقَالَ هَذَا رجل قد فتت الْحزن وَالْغَم جَوْفه
واشتدت علته يَوْم الْخَمِيس ووضأته فَقَالَ خلل الْأَصَابِع فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة ثقل وَقبض صدر النَّهَار فصاح النَّاس وعلت الْأَصْوَات بالبكاء حَتَّى كَأَن الدُّنْيَا قد ارتجت وامتلأت السكَك والشوارع
قَالَ الْمَرْوذِيّ أخرجت الْجِنَازَة بعد منصرف النَّاس من الْجُمُعة

قَالَ مُوسَى بْن هَارُون الْحَافِظ يُقَال إِن أَحْمَد لما مَاتَ مسحت الأَرْض المبسوطة الَّتِي وقف النَّاس للصَّلَاة عَلَيْهَا فحصر مقادير النَّاس بالمساحة على التَّقْدِير سِتّمائَة ألف وَأكْثر سوى مَا كَانَ فِي الْأَطْرَاف والأماكن المتفرقة
قلت وَقيل فِي عدد الْمُصَلِّين عَلَيْهِ كثير قيل كَانُوا ألف ألف وثلثمائة ألف سوى من كَانَ فِي السفن فِي المَاء كَذَا رَوَاهُ خشنام بْن سَعِيد
وَقَالَ ابْن أَبِي حَاتِم سَمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول بَلغنِي أَن المتَوَكل أَمر أَن يمسح الْموضع الَّذِي وقف عَلَيْهِ النَّاس حَيْثُ صلى عَلَى أَحْمد فَبلغ مقَام ألفى ألف وَخَمْسمِائة ألف
وَعَن الْوَركَانِي وَهُوَ رجل كَانَ يسكن إِلَى جوَار الإِمَام أَحْمَد قَالَ أسلم يَوْم مَاتَ أَحْمَد من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس عشرُون ألفا وَفِي لفظ عشرَة آلَاف
قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَهِي حِكَايَة مُنكرَة تفرد بهَا الْوَركَانِي والراوى عَنهُ قَالَ وَالْعقل يحِيل أَن يَقع مثل هَذَا الْحَادِث فِي بَغْدَاد وَلَا يرويهِ جمَاعَة تتوفر دواعيهم عَلَى نقل مَا هُوَ دونه بِكَثِير وَكَيف يَقع مثل هَذَا الْأَمر وَلَا يذكرهُ المروزى وَلَا صَالح ابْن أَحْمَد وَلَا عَبْد اللَّه وَلَا حَنْبَل الَّذين حكوا من أَخْبَار أَبِي عَبْد اللَّه جزئيات كَثِيرَة
قَالَ فوَاللَّه لَو أسلم يَوْم مَوته عشرَة أنفس لَكَانَ عَظِيما يَنْبَغِي أَن يرويهِ نَحْو من عشرَة أنفس
أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عبد الْوَاسِع بن عبد الْكَافِي الْأَبْهَرِيّ إجَازَة أخبرنَا أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر بْن عَلِيّ الْقرظِيّ سَمَاعا أَخْبَرَنَا الْقَاسِم بْن الْحَافِظ أَبِي الْقَاسِم عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عَلِيّ بْن عَسَاكِر أَخْبَرَنَا عَبْد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري إجَازَة وَحدثنَا عَنهُ بِهِ أَبِي سَمَاعا

ح قَالَ ابْن المظفر وَأخْبرنَا يُوسُف بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ إجَازَة أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات الخشوعي سَمَاعا أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم إِجَازَةً أَخْبَرَنَا عَبْد الْجَبَّار الخواري حَدثنَا الإِمَام أَبُو سَعِيد الْقشيرِي إملاء حَدثنَا الْحَاكِم أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الصفار أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بْن عَبْد لله الرَّازِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد الْمَلْطِي يَقُول قَالَ الرّبيع بْن سُلَيْمَان إِن الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خرج إِلَى مصر فَقَالَ لي يَا ربيع خُذ كتابي هَذَا فَامْضِ بِهِ وَسلمهُ إِلَى أَبِي عَبْد اللَّه وائتني بِالْجَوَابِ
قَالَ الرّبيع فَدخلت بَغْدَاد وَمَعِي الْكتاب فصادفت أَحْمد ابْن حَنْبَل فِي صَلَاة الصُّبْح فَلَمَّا انْفَتَلَ من الْمِحْرَاب سلمت إِلَيْهِ الْكتاب وَقلت هَذَا كتاب أَخِيك الشَّافِعِي من مصر فَقَالَ لي أَحْمَد نظرت فِيهِ فَقلت لَا فَكسر الْخَتْم وَقَرَأَ وتغرغرت عَيناهُ فَقلت لَهُ أيش فِيهِ أَبَا عَبْد اللَّه فَقَالَ يذكر فِيهِ أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ إِلَى أَبِي عَبْد اللَّه فاقرأ عَلَيْهِ السَّلَام وَقل لَهُ إِنَّك ستمتحن وتدعى إِلَى خلق الْقُرْآن فَلَا تجبهمْ فيرفع اللَّه لَك علما إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الرّبيع فَقلت لَهُ الْبشَارَة يَا أَبَا عَبْد اللَّه فَخلع أحد قميصيه الَّذِي يَلِي جلده فأعطانيه فَأخذت الْجَواب وَخرجت إِلَى مصر وسلمته إِلَى الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أيش الَّذِي أَعْطَاك فَقلت قَمِيصه فَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ نفجعك بِهِ وَلَكِن بله وادفع إِلَي المَاء لأتبرك بِهِ
قَالَ الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدوري سَمِعت أَبَا جَعْفَر الْأَنْبَارِي يَقُول لما حمل أَحْمَد يُرَاد بِهِ الْمَأْمُون اجتزت فعبرت الْفُرَات إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ فِي الخان فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا جَعْفَر تعنيت فَقلت لَيْسَ هَذَا عناء قَالَ فَقلت لَهُ يَا هَذَا أَنْت الْيَوْم رَأس وَالنَّاس يقتدون بك فوَاللَّه إِن أجبْت إِلَى خلق الْقُرْآن ليجيبن بإجابتك خلق من خلق اللَّه وَإِن أَنْت لم تجب ليمتنعن خلق من النَّاس كثير وَمَعَ هَذَا فَإِن الرجل إِن لم يقتلك فَإنَّك تَمُوت

ولابد من الْمَوْت فَاتق اللَّه وَلَا تجبهمْ إِلَى شئ فَجعل أَحْمَد يبكى وَهُوَ يَقُول مَا شَاءَ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه قَالَ ثمَّ قَالَ لي أَحْمَد يَا أَبَا جَعْفَر أعد عَلِيّ مَا قلت قَالَ فَأَعَدْت عَلَيْهِ قَالَ فَجعل أَحْمَد يَقُول مَا شَاءَ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه
وَقَالَ دعْلج بْن أَحْمَد السجسْتانِي حَدثنَا أَبُو بكر السهروردي بِمَكَّة قَالَ رَأَيْت أَبَا ذَر بسهرورد وَقد قدم مَعَ واليها وَكَانَ مقطعا بالبرص يَعْنِي وَكَانَ مِمَّن ضرب أَحْمَد بَين يَدي المعتصم قَالَ دعينا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَنحن خَمْسُونَ وَمِائَة جلاد فَلَمَّا أمرنَا بضربه كُنَّا نغدوا عَلَى ضربه ونمر ثمَّ يجِئ الآخر عَلَى أَثَره ثمَّ يضْرب
وَقَالَ دعْلج أَيْضًا حَدثنَا الْخضر بْن دَاوُد أَخْبرنِي أَبُو بكر النحامي قَالَ لما كَانَ فِي تِلْكَ الْغَدَاة الَّتِي ضرب فِيهَا أَحْمَد بْن حَنْبَل زلزلنا وَنحن بعبادان
وَقَالَ البُخَارِيّ لما ضرب أَحْمَد كُنَّا بِالْبَصْرَةِ فَسمِعت أَبَا الْوَلِيد يَقُول لَو كَانَ هَذَا فِي بني إِسْرَائِيل لَكَانَ أحدوثة
ذكر الداهية الدهياء والمصيبة الصماء وَهِي محنة عُلَمَاء الزَّمَان ودعاؤهم إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَقيام الأَحْمَدين ابْن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ وَابْن نصر الْخُزَاعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما مقَام الصديقين وَمَا اتّفق فِي تِلْكَ الكائنة من أَعَاجِيب تتناقلها الروَاة عَلَى ممر السنين
كَانَ القَاضِي أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد مِمَّن نَشأ فِي الْعلم وتضلع بِعلم الْكَلَام وَصَحب فِيهِ هياج بْن الْعَلَاء السّلمِيّ صَاحب وَاصل بْن عَطاء أحد رُءُوس الْمُعْتَزلَة وَكَانَ ابْن أَبِي دؤاد رجلا فصيحا قَالَ أَبُو العيناء مَا رَأَيْت رَئِيسا قطّ أفْصح وَلَا أنطق مِنْهُ وَكَانَ كَرِيمًا ممدحا وَفِيه يَقُول بَعضهم

(لقد أنست مساوي كل دهر ... محَاسِن أَحْمَد بن دؤاد)
(وَمَا طوفت فِي الْآفَاق إِلَّا ... وَمن جدواك رَاحِلَتي وزادي)
(يُقيم الظَّن عنْدك والأماني ... وَإِن قلقت ركابي فِي الْبِلَاد)
وَكَانَ مُعظما عِنْد الْمَأْمُون أَمِير الْمُؤمنِينَ يقبل شفاعاته ويصغي إِلَى كَلَامه وأخباره فِي هَذَا كَثِيرَة
فَدس ابْن أَبِي دؤاد لَهُ القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَحسنه عِنْده وصيره يَعْتَقِدهُ حَقًا مُبينًا إِلَى أَن أجمع رَأْيه فِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ عَلَى الدُّعَاء إِلَيْهِ فَكتب إِلَى نَائِبه عَلَى بَغْدَاد إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْخُزَاعِيّ ابْن عَم طَاهِر بْن الْحُسَيْن فِي امتحان الْعلمَاء كتابا يَقُول فِيهِ
وَقد عرف أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن الْجُمْهُور الْأَعْظَم والسواد الْأَكْبَر من حَشْو الرّعية وسفلة الْعَامَّة مِمَّن لَا نظر لَهُ وَلَا روية وَلَا استضاء بِنور الْعلم وبرهانه أهل جَهَالَة بِاللَّه وعمى عَنهُ وضلالة عَن حَقِيقَة دينه وقصور أَن يقدروا اللَّه حق قدره ويعرفوه كنه مَعْرفَته ويفرقوا بَينه وَبَين خلقه وَذَلِكَ أَنهم ساووا بَين اللَّه وَبَين خلقه وَبَين مَا أنزل من الْقُرْآن فأطبقوا عَلَى أَنه قديم لم يخلقه اللَّه ويخترعه وَقد قَالَ تَعَالَى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} فَكل مَا جعله اللَّه فقد خلقه كَمَا قَالَ {وَجعل الظُّلُمَات والنور} وَقَالَ {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سبق} فَأخْبرهُ أَنه قصَص لأمور أحدثه بعْدهَا وَقَالَ {أحكمت آيَاته ثمَّ فصلت} وَالله مُحكم كِتَابه ومفصله فَهُوَ خالقه ومبتدعه ثمَّ انتسبوا إِلَى السّنة وَأَنَّهُمْ أهل الْحق وَالْجَمَاعَة وَأَن من سواهُم أهل الْبَاطِل وَالْكفْر فاستطالوا بذلك وغروا بِهِ الْجُهَّال حَتَّى مَال قوم من أهل السمت الْكَاذِب والتخشع لغير اللَّه إِلَى موافقتهم فنزعوا الْحق إِلَى باطلهم وَاتَّخذُوا دون اللَّه وليجة إِلَى ضلالهم
إِلَى أَن قَالَ فَرَأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن أُولَئِكَ شَرّ الْأمة المنقوصون من التَّوْحِيد حظا

أوعية الْجَهَالَة وأعلام الْكَذِب ولسان إِبْلِيس النَّاطِق فِي أوليائه والهائل عَلَى أعدائه من أهل دين اللَّه وأحق أَن يتهم فِي صدقه وتطرح شَهَادَته وَلَا يوثق بِهِ من عمي عَن رشده وحظه من الْإِيمَان بِالتَّوْحِيدِ وَكَانَ عَمَّا سوى ذَلِك أعمى وأضل سَبِيلا ولعمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أكذب النَّاس من كذب عَلَى اللَّه ووحيه وتخرص الْبَاطِل وَلم يعرف اللَّه حق مَعْرفَته فاجمع من بحضرتك من الْقُضَاة فاقرأ عَلَيْهِم كتَابنَا وامتحنهم فِيمَا يَقُولُونَ واكشفهم عَمَّا يَعْتَقِدُونَ فِي خلق اللَّه وإحداثه وأعلمهم أَنِّي غير مستعين فِي عمل وَلَا واثق بِمن لَا يوثق بِدِينِهِ
فَإِذا أقرُّوا بذلك ووافقوا فمرهم بِنَصّ من بحضرتهم من الشُّهُود ومسألتهم عَن علمهمْ فِي الْقُرْآن وَترك شَهَادَة من لم يقر أَنه مَخْلُوق واكتب إِلَيْنَا بِمَا يَأْتِيك عَن قُضَاة أهل عَمَلك فِي مسألتهم وَالْأَمر لَهُم بِمثل ذَلِك
وَكتب الْمَأْمُون إِلَيْهِ أَيْضًا فِي إشخاص سَبْعَة أنفس وهم
مُحَمَّد بْن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ وَيحيى بْن معِين وَأَبُو خَيْثَمَة وَأَبُو مُسلم مستملي يزِيد بْن هَارُون وَإِسْمَاعِيل بْن دَاوُد وَإِسْمَاعِيل بْن أَبِي مَسْعُود وأَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي
فأشخصوا إِلَيْهِ فامتحنهم بِخلق الْقُرْآن فَأَجَابُوهُ فردهم من الرقة إِلَى بَغْدَاد وَسبب طَلَبهمْ أَنهم توقفوا أَولا ثمَّ أجابوه تقية
وَكتب إِلَى إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بِأَن يحضر الْفُقَهَاء ومشايخ الحَدِيث ويخبرهم بِمَا أجَاب بِهِ هَؤُلَاءِ السَّبْعَة فَفعل ذَلِك فَأَجَابَهُ طَائِفَة وَامْتنع آخَرُونَ
فَكَانَ يَحْيَى بْن معِين وَغَيره يَقُولُونَ أجبنا خوفًا من السَّيْف
ثمَّ كتب الْمَأْمُون كتابا آخر من جنس الأول إِلَى إِسْحَاق وَأمره بإحضار من امْتنع فأحضر جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد ابْن حَنْبَل وَبشر بْن الْوَلِيد الْكِنْدِيّ وَأَبُو حسان الزيادى

وَعلي بْن أَبِي مقَاتل وَالْفضل بْن غَانِم وَعبيد اللَّه بْن عمر القواريري وَعلي بْن الْجَعْد وسجادة وَالذَّيَّال بْن الْهَيْثَم وقُتَيْبَة بْن سَعِيد وَكَانَ حِينَئِذٍ بِبَغْدَاد وسعدويه الوَاسِطِيّ وَإِسْحَاق بْن أَبِي إِسْرَائِيل وَابْن الهرش وَابْن علية الْأَكْبَر ومُحَمَّد بْن نوح الْعجلِيّ وَيحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْعمريّ وَأَبُو نصر التمار وَأَبُو معمر الْقطيعِي ومُحَمَّد بْن حَاتِم بْن مَيْمُون وَغَيرهم وَعرض عَلَيْهِم كتاب الْمَأْمُون فعرضوا ووروا وَلم يجيبوا وَلم ينكروا
فَقَالَ لبشر بْن الْوَلِيد مَا تَقول قَالَ قد عرفت أَمِير الْمُؤمنِينَ غير مرّة قَالَ والآن فقد تجدّد من أَمِير الْمُؤمنِينَ كتاب قَالَ أَقُول كَلَام اللَّه قَالَ لم أَسأَلك عَن هَذَا أمخلوق هُوَ قَالَ مَا أحسن غير مَا قلت لَك وَقد استعهدت أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن لَا أَتكَلّم فِيهِ
ثمَّ قَالَ لعَلي بْن أَبِي مقَاتل مَا تَقول قَالَ الْقُرْآن كَلَام اللَّه وَإِن أمرنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بشئ سمعنَا وأطعنا
وَأجَاب أَبُو حسان الزيَادي بِنَحْوِ من ذَلِك
ثمَّ قَالَ لأَحْمَد ابْن حَنْبَل مَا تَقول قَالَ كَلَام اللَّه قَالَ أمخلوق هُوَ قَالَ هُوَ كَلَام اللَّه لَا أَزِيد عَلَى هَذَا
ثمَّ امتحن البَاقِينَ وَكتب بجواباتهم
وَقَالَ ابْن الْبكاء الْأَكْبَر أَقُول الْقُرْآن مجعول ومحدث لوُرُود النَّص بذلك فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم والمجعول مَخْلُوق قَالَ نعم قَالَ فالقرآن مَخْلُوق قَالَ لَا أَقُول مَخْلُوق

ثمَّ وَجه بجواباتهم إِلَى الْمَأْمُون فورد عَلَيْهِ كتاب الْمَأْمُون
بلغنَا مَا أجَاب بِهِ متصنعة أهل الْقبْلَة وملتمسو الرياسة فِيمَا لَيْسُوا لَهُ بِأَهْل فَمن لم يجب أَنه مَخْلُوق فامنعه من الْفَتْوَى وَالرِّوَايَة
وَيَقُول فِي الْكتاب فَأَما مَا قَالَ بشر فقد كذب وَلم يكن جرى بَين أَمِير الْمُؤمنِينَ وَبَينه فِي ذَلِك عهد أَكثر من إِخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ من اعْتِقَاده كلمة الْإِخْلَاص وَالْقَوْل بِأَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَادع بِهِ إِلَيْك فَإِن تَابَ فأشهر أمره وَإِن أصر عَلَى شركه وَدفع أَن يكون الْقُرْآن مخلوقا بِكُفْرِهِ وإلحاده فَاضْرب عُنُقه وَابعث إِلَيْنَا بِرَأْسِهِ
وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيم بْن الْمهْدي فامتحنه فَإِن أجَاب وَإِلَّا فَاضْرب عُنُقه
وَأما عَلِيّ بْن أَبِي مقَاتل فَقل لَهُ أَلَسْت الْقَائِل لأمير الْمُؤمنِينَ إِنَّك تحلل وَتحرم وَأما الذَّيَّال فَأعلمهُ أَنه كَانَ فِي الطَّعَام الَّذِي سَرقه من الأنبار مَا يشْغلهُ
وَأما أَحْمَد بْن يزِيد أَبُو الْعَوام وَقَوله إِنَّه لَا يحسن الْجَواب فِي الْقُرْآن فَأعلمهُ أَنه صبي فِي عقله لَا فِي سنه جَاهِل سيحسن الْجَواب إِذا أدب ثمَّ إِن لم يفعل كَانَ السَّيْف من وَرَاء ذَلِك
وَأما أَحْمَد بْن حَنْبَل فَأعلمهُ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد عرف فحوى مقَالَته وَاسْتدلَّ عَلَى جَهله وآفته بهَا
وَأما الْفضل بْن غَانِم فَأعلمهُ أَنه لم يخف عَلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كَانَ فِيهِ بِمصْر وَمَا اكْتسب من الْأَمْوَال فِي أقل من سنة يَعْنِي فِي ولَايَته الْقَضَاء
وَأما الزيَادي فَأعلمهُ أَنه كَانَ منتحلا وَلَاء دعِي فَأنْكر أَبُو حسان أَن يكون مولى لزياد بْن أَبِيه وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الزيَادي لأمر من الْأُمُور
قَالَ وَأما أَبُو نصر التمار فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ شبه خساسة عقله بخساسة متجره وَأما ابْن نوح وَابْن حَاتِم فأعلمهم أَنهم مشاغيل بِأَكْل الرِّبَا عَن الْوُقُوف عَلَى التَّوْحِيد

وَأَن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو لم يسْتَحل محاربتهم فِي اللَّه إِلَّا لإربائهم وَمَا نزل بِهِ كتاب اللَّه فِي أمثالهم لاستحل ذَلِك فَكيف بهم وَقد جمعُوا مَعَ الإرباء شركا وصاروا لِلنَّصَارَى شبها
وَأما ابْن شُجَاع فَأعلمهُ أَنَّك صَاحبه بالْأَمْس والمستخرج مِنْهُ مَا استخرجته من المَال الَّذِي كَانَ اسْتحلَّ من مَال الْأَمِير عَلِيّ بْن هِشَام
وَأما سَعْدَوَيْه الوَاسِطِيّ فَقل لَهُ قبح اللَّه رجلا بلغ بِهِ التصنع للْحَدِيث والحرص عَلَى الرياسة فِيهِ أَن يتَمَنَّى وَقت المحنة
وَأما الْمَعْرُوف بسجادة وإنكاره أَن يكون سمع مِمَّن كَانَ يُجَالس من الْعلمَاء القَوْل بِأَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَأعلمهُ أَن فِي شغله بإعداد النَّوَى وحكه لإِصْلَاح سجادته وبالودائع الَّتِي دَفعهَا إِلَيْهِ عَلِيّ بْن يَحْيَى وَغَيره مَا أذهله عَن التَّوْحِيد
وَأما القواريري فَفِيمَا تكشف من أَحْوَاله وقبوله الرشا والمصانعات مَا أبان عَن مذْهبه وَسُوء طَرِيقَته وسخافة عقله وَدينه
وَأما يَحْيَى الْعمريّ فَإِن كَانَ من ولد عمر بْن الْخطاب فَجَوَابه مَعْرُوف
وَأما مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن عَاصِم فَإِنَّهُ لَو كَانَ مقتديا بِمن مضى من سلفه لم ينتحل النحلة الَّتِي حكيت عَنهُ وَأَنه بعد صبي يحْتَاج إِلَى أَن يعلم
وَقد كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَجه إِلَيْك الْمَعْرُوف بِأبي مسْهر بعد أَن نَصه أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن محنته فِي الْقُرْآن فجمجم عَنْهَا ولجلج فِيهَا حَتَّى دَعَاهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِالسَّيْفِ فَأقر ذَمِيمًا فانصصه عَن إِقْرَاره فَإِن كَانَ مُقيما عَلَيْهِ فأشهر ذَلِك وأظهره
وَمن لم يرجع عَن شركه مِمَّن سميت بعد بشر وَابْن الْمهْدي فاحملهم موثوقين إِلَى عَسْكَر أَمِير الْمُؤمنِينَ ليسألهم فَإِن لم يرجِعوا حملهمْ عَلَى السَّيْف
قَالَ فَأَجَابُوا كلهم عِنْد ذَلِك إِلَّا أَحْمَد بْن حَنْبَل وسجادة ومُحَمَّد بْن نوح والقواريري فَأمر بهم إِسْحَاق فقيدوا ثمَّ سَأَلَهُمْ من الْغَد وهم فِي الْقُيُود فَأجَاب سجادة ثمَّ عاودهم ثَالِثا فَأجَاب القواريري وَوجه بأَحْمَد بْن حَنْبَل ومُحَمَّد بْن نوح الْمَضْرُوب إِلَى طرسوس ثمَّ بلغ الْمَأْمُون أَنهم أجابوا مكرهين فَغَضب وَأمر بإحضارهم

إِلَيْهِ فَلَمَّا صَارُوا إِلَى الرقة بلغتهم وَفَاة الْمَأْمُون وَكَذَا جَاءَ الْخَبَر بِمَوْت الْمَأْمُون إِلَى أَحْمَد ولطف اللَّه وَفرج
وَأما مُحَمَّد بْن نوح فَكَانَ عديلا لأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي الْمحمل فَمَاتَ فَغسله أَحْمَد بالرحبة وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه رَحمَه اللَّه تَعَالَى
وَأما الْمَأْمُون فَمَرض بالروم فَلَمَّا اشْتَدَّ مَرضه طلب ابْنه الْعَبَّاس ليقدم عَلَيْهِ وَهُوَ يظنّ أَنه لَا يُدْرِكهُ فَأَتَاهُ وَهُوَ مجهود
وَقد نفذت الْكتب إِلَى الْبلدَانِ فِيهَا من عَبْد اللَّه الْمَأْمُون وأخيه أَبِي إِسْحَاق الْخَلِيفَة من بعده بِهَذَا النَّص فَقيل إِن ذَلِك وَقع بِأَمْر الْمَأْمُون وَقيل بل كتبُوا ذَلِك وَقت غشي أَصَابَهُ فَأَقَامَ الْعَبَّاس عِنْده أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ
وَكَانَ الْمَأْمُون قد كتب وَصِيَّة تطول حكايتها ضمنهَا تحريض الْخَلِيفَة بعده عَلَى حمل الْخلق عَلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن ثمَّ توفّي فِي رَجَب وَدفن بطرسوس واستقل أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتصم بالخلافة
فَكَانَ من سَعَادَة الْمَأْمُون مَوته قبل أَن يحضر أَحْمَد بْن حَنْبَل إِلَى بَين يَدَيْهِ فَلم يكن ضربه عَلَى يَدَيْهِ
وَكَانَت هَذِهِ الْفِتْنَة عَظِيمَة الْموقع وَأول من امتحن فِيهَا من الْعلمَاء عَفَّان بْن مُسلم الْحَافِظ وَلما دعِي وَعرض عَلَيْهِ القَوْل بِخلق الْقُرْآن فَامْتنعَ قِيلَ قد رسمنا بِقطع عطائك وَكَانَ يعْطى ألف دِرْهَم فِي كل شهر فَقَالَ {وَفِي السَّمَاءِ رزقكم وَمَا توعدون} وَكَانَت عِنْده عائلة كَبِيرَة قِيلَ فدق عَلَيْهِ الْبَاب داق فِي ذَلِك الْيَوْم لَا يعرف وَقَالَ خُذ هَذِهِ الْألف وَلَك كل شهر عِنْدِي ألف يَا أَبَا عُثْمَان ثبتك اللَّه كَمَا ثَبت الدّين ثمَّ امتحن النَّاس بعده
قَالَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البوشنجي سَمِعت أَحْمَد ابْن حَنْبَل يَقُول تبينت الْإِجَابَة فِي دعوتين دَعَوْت اللَّه أَن لَا يجمع بيني وَبَين الْمَأْمُون ودعوته أَن لَا أرى المتَوَكل فَلم أر الْمَأْمُون مَاتَ بالبذندون وَهُوَ نهر الرّوم وأَحْمَد مَحْبُوس بالرقة حَتَّى بُويِعَ المعتصم بالروم وَرجع فَرد أَحْمَد إِلَى بَغْدَاد

وَأما المتَوَكل فَإِنَّهُ لما أحضر أَحْمَد دَار الْخلَافَة ليحدث وَلَده قعد لَهُ المتَوَكل فِي خوخة حَتَّى نظر إِلَى أَحْمَد وَلم يره أَحْمَد
قَالَ صَالح لما صدر أَبِي ومُحَمَّد بْن نوح إِلَى طرسوس ردا فِي أقيادهما فَلَمَّا صَار إِلَى الرقة حملا فِي سفينة فَلَمَّا وصلا إِلَى عانات توفّي مُحَمَّد فَأطلق عَنهُ قَيده وَصلى عَلَيْهِ أَبِي
وَقَالَ حَنْبَل قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه مَا رَأَيْت أحدا عَلَى حَدَاثَة سنه وَقدر علمه أقوم بِأَمْر اللَّه من مُحَمَّد بْن نوح وَإِنِّي لأرجو أَن يكون قد ختم لَهُ بِخَير قَالَ لي ذَات يَوْم يَا أَبَا عَبْد اللَّه اللَّه اللَّه إِنَّك لست مثلي أَنْت رجل يقْتَدى بك قد مد الْخلق أَعْنَاقهم إِلَيْك لما يكون مِنْك فَاتق اللَّه واثبت لأمر اللَّه أَو نَحْو هَذَا فَمَاتَ وَصليت عَلَيْهِ ودفنته أَظُنهُ قَالَ بعانة
قَالَ صَالح صَار أَبِي إِلَى بَغْدَاد مُقَيّدا فَمَكثَ بالياسرية أَيَّامًا ثمَّ حبس بدار اكتريت لَهُ عِنْد دَار عمَارَة ثمَّ نقل بعد ذَلِك إِلَى حبس الْعَامَّة فِي درب الموصلية فَقَالَ إِنِّي كنت أُصَلِّي بِأَهْل السجْن وَأَنا مُقَيّد فَلَمَّا كَانَ فِي رَمَضَان سنة تسع عشرَة حولت إِلَى دَار إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم
وَأما حَنْبَل بْن إِسْحَاق فَقَالَ حبس أَبُو عَبْد اللَّه فِي دَار عمَارَة بِبَغْدَاد فِي إسطبل لمُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم أخي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم وَكَانَ فِي حبس ضيق وَمرض فِي رَمَضَان فحبس فِي ذَلِك الْحَبْس قَلِيلا ثمَّ حول إِلَى حبس الْعَامَّة فَمَكثَ فِي السجْن نَحوا من ثَلَاثِينَ شهرا فَكُنَّا نأتيه ونقرأ عَلَيْهِ كتاب الإرجاء وَغَيره فِي الْحَبْس فرأيته يُصَلِّي بِأَهْل الْحَبْس

وَعَلِيهِ الْقَيْد وَكَانَ يخرج رجله من حَلقَة الْقَيْد وَقت الصَّلَاة وَالنَّوْم
وَكَانَ يُوَجه إِلَي كل يَوْم برجلَيْن أَحدهمَا يُقَال لَهُ أَحْمَد بْن رَبَاح وَالْآخر أَبُو شُعَيْب الْحجام فَلَا يزَالَانِ يناظراني حَتَّى إِذا أَرَادَا الِانْصِرَاف دعِي بِقَيْد فزيد فِي قيودي قَالَ فَصَارَ فِي رجله أَرْبَعَة أقياد
قَالَ أَبِي فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث دخل عَلَي أحد الرجلَيْن فناظرني فَقلت لَهُ مَا تَقول فِي علم اللَّه
قَالَ علم اللَّه مَخْلُوق
فَقلت لَهُ كفرت
فَقَالَ الرَّسُول الَّذِي كَانَ يحضر من قبل إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم إِن هَذَا رَسُول أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقلت لَهُ إِن هَذَا قد كفر
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الرَّابِعَة وَجه يَعْنِي المعتصم ببغا الَّذِي كَانَ يُقَال لَهُ الْكَبِير إِلَى إِسْحَاق فَأمره بحملي إِلَيْهِ فأدخلت عَلَى إِسْحَاق فَقَالَ يَا أَحْمَد إِنَّهَا وَالله نَفسك إِنَّه لَا يقتلك بِالسَّيْفِ إِنَّه قد آلى إِن لم تجبه أَن يَضْرِبك ضربا بعد ضرب وَأَن يلقيك فِي مَوضِع لَا ترى فِيهِ شمس وَلَا قمر أَلَيْسَ قد قَالَ الله عز وَجل {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} أفيكون مجعولا إِلَّا مخلوقا قلت فقد قَالَ تَعَالَى {فجعلهم كعصف مَأْكُول} أفخلقهم قَالَ فَسكت
فَلَمَّا صرنا إِلَى الْموضع الْمَعْرُوف بِبَاب الْبُسْتَان أخرجت وجئ بِدَابَّة فَحملت عَلَيْهَا وَعلي الأقياد مَا معي أحد يمسكني فكدت غير مرّة أَن أخر على وجهى

لثقل الْقُيُود فجِئ بِي إِلَى دَار المعتصم فأدخلت حجرَة وأدخلت إِلَى بَيت وأقفل الْبَاب عَليّ وَذَلِكَ فِي جَوف اللَّيْل وَلَيْسَ فِي الْبَيْت سراج فَأَرَدْت أَن أتمسح للصَّلَاة فمددت يَدي فَإِذا أَنا بِإِنَاء فِيهِ مَاء وطست مَوْضُوع فَتَوَضَّأت وَصليت
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أخرجت تكتي من سراويلي وشددت بهَا الأقياد أحملها وعطفت سراويلي فجَاء رَسُول المعتصم فَقَالَ أجب فَأخذ بيَدي وأدخلني عَلَيْهِ والتكة فِي يَدي أحمل بهَا الأقياد وَإِذا هُوَ جَالس وَابْن أَبِي دؤاد حَاضر وَقد جمع خلقا كثيرا من أَصْحَابه فَقَالَ لَهُ يَعْنِي المعتصم أدنه أدنه فَلم يزل يدنيني حَتَّى قربت مِنْهُ ثمَّ قَالَ لي اجْلِسْ فَجَلَست وَقد أثقلتني الأقياد فَمَكثت قَلِيلا ثمَّ قلت أتأذن لي فِي الْكَلَام فَقَالَ تكلم
فَقلت إِلَى مَا دَعَا اللَّه وَرَسُوله
فَسكت هنيئة ثمَّ قَالَ إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
فَقلت فَأَنا أشهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
ثمَّ قلت إِن جدك ابْن عَبَّاس يَقُول لما قدم وَفد عبد الْقَيْس على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَن الْإِيمَان فَقَالَ (أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَان قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أعلم قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَأَن تعطوا الْخمس من الْمغنم)
قَالَ أَبِي قَالَ يَعْنِي المعتصم لَوْلَا أَنِّي وَجَدْتُك فِي يَد من كَانَ قبلي مَا عرضت لَك ثمَّ قَالَ يَا عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق ألم آمُرك بِرَفْع المحنة فَقلت اللَّه أكبر إِن فِي هَذَا لفرجا للْمُسلمين
ثمَّ قَالَ لَهُم ناظروه كَلمُوهُ يَا عَبْد الرَّحْمَن كَلمه
فَقَالَ لي عَبْد الرَّحْمَن مَا تَقول فِي القُرْآن

قلت لَهُ مَا تَقول فِي علم اللَّه فَسكت
فَقَالَ لي بَعضهم أَلَيْسَ قد قَالَ الله تَعَالَى {الله خَالق كل شَيْء} وَالْقُرْآن أَلَيْسَ هُوَ شئ فَقلت قَالَ اللَّه {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبهَا} فدمرت إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّه فَقَالَ بَعضهم قَالَ اللَّه عز وَجل {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذكر من رَبهم مُحدث} أفيكون مُحدثا إِلَّا مخلوقا
فَقلت قَالَ اللَّه {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} فالذكر هُوَ الْقُرْآن وَتلك لَيْسَ فِيهَا ألف وَلَا لَام
وَذكر بَعضهم حَدِيث عمرَان بْن حُصَيْن أَن اللَّه عز وَجل خلق الذّكر
فَقلت هَذَا خطأ حَدثنَا غير وَاحِد أَن اللَّه كتب الذّكر
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث ابْن مَسْعُود مَا خلق اللَّه من جنَّة وَلَا نَار وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض أعظم من آيَة الْكُرْسِيّ
فَقلت إِنَّمَا وَقع الْخلق عَلَى الْجنَّة وَالنَّار وَالسَّمَاء وَالْأَرْض وَلم يَقع عَلَى الْقُرْآن
فَقَالَ بَعضهم حَدِيث خباب يَا هنتاه تقرب إِلَى اللَّه بِمَا اسْتَطَعْت فَإنَّك لن تتقرب إِلَيْهِ بشئ أحب إِلَيْهِ من كَلَامه
فَقلت هَكَذَا هُوَ
قَالَ صَالح بْن أَحْمَد فَجعل أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد ينظر إِلَى أَبِي كالمغضب
قَالَ أَبِي وَكَانَ يتَكَلَّم هَذَا فأرد عَلَيْهِ وَيتَكَلَّم هَذَا فأرد عَلَيْهِ فَإِذا انْقَطع الرجل مِنْهُم اعْترض ابْن أَبِي دؤاد فَيَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هُوَ وَالله ضال مضل مُبْتَدع فَيَقُول

كَلمُوهُ ناظروه فيكلمني هَذَا فأرد عَلَيْهِ ويكلمني هَذَا فأرد عَلَيْهِ فَإِذا انْقَطَعُوا يَقُول لي المعتصم وَيحك يَا أَحْمَد مَا تَقول فَأَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطوني شَيْئا من كتاب اللَّه أَو سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقُول بِهِ فَيَقُول ابْن أَبِي دؤاد أَنْت لَا تَقول إِلَّا مَا فِي كتاب اللَّه أَو سنة رَسُول اللَّهِ فَقلت لَهُ تأولت تَأْوِيلا فَأَنت أعلم وَمَا تأولت مَا يحبس عَلَيْهِ وَمَا يُقيد عَلَيْهِ
ثمَّ إِن المعتصم دَعَا أَحْمَد مَرَّتَيْنِ فِي مجلسين يطول شرحهما وَهُوَ يَدعُوهُ إِلَى الْبِدْعَة وأَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْبَى عَلَيْهِ أَشد الإباء
قَالَ أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلما كَانَت اللَّيْلَة الثَّالِثَة قلت خليق أَن يحدث غَدا من أمرى شئ فَقلت لبَعض من كَانَ معي الْمُوكل بِي ارْتَدَّ لي خيطا فَجَاءَنِي بخيط فشددت بِهِ الأقياد ورددت التكة إِلَى سراويلي مَخَافَة أَن يحدث من أمرى شئ فأتعرى
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد فِي الْيَوْم الثَّالِث وَجه إِلَيّ فأدخلت فَإِذا الدَّار غاصة فَجعلت أَدخل من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَقوم مَعَهم السيوف وَقوم مَعَهم السِّيَاط وَغير ذَلِك وَلم يكن فِي الْيَوْمَيْنِ الماضيين كثير أحد من هَؤُلَاءِ فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَيْهِ قَالَ اقعد ثمَّ قَالَ ناظروه كَلمُوهُ فَجعلُوا يناظروني وَيتَكَلَّم هَذَا فأرد عَلَيْهِ وَجعل صوتي يَعْلُو أَصْوَاتهم فَجعل بعض من عَلَى رَأسه قَائِم يومي إِلَيّ بِيَدِهِ فَلَمَّا طَال الْمجْلس نحاني ثمَّ خلا بهم ثمَّ نحاهم وردني إِلَى عِنْده وَقَالَ وَيحك يَا أَحْمَد أجبني حَتَّى أطلق عَنْك بيَدي فَرددت عَلَيْهِ نَحوا مِمَّا كنت أرد فَقَالَ لي عَلَيْك وَذكر اللَّعْن وَقَالَ خذوه واسحبوه واخلعوه قَالَ فسحبت ثمَّ خلعت
قَالَ وَقد كَانَ صَار إِلَي شعر من شعر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كم قميصى فَوجه إِلَى إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم مَا هَذَا المصرور فِي كمك قلت شعر من شعر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ وسعى بعض الْقَوْم إِلَى الْقَمِيص ليخرقه عَليّ فَقَالَ لَهُم يَعْنِي المعتصم لَا تخرقوه فَنزع الْقَمِيص عني قَالَ فَظَنَنْت أَنه إِنَّمَا درئ عَن الْقَمِيص الْخرق بِسَبَب الشّعْر الَّذِي كَانَ فِيهِ
قَالَ وَجلسَ عَلَى كرْسِي يَعْنِي المعتصم ثمَّ قَالَ العقابين والسياط فجيء بالعقابين فمدت يداي فَقَالَ بعض من حضر خَلْفي خُذ بِأَيّ الخشبتين بيديك وَشد عَلَيْهِمَا فَلم أفهم مَا قَالَ فتخلعت يداي
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البوشنجي ذكرُوا أَن المعتصم لَان فِي أَمر أَحْمَد لما علق فِي العقابين وَرَأى ثُبُوته وتصميمه وصلابته فِي أمره حَتَّى أغراه ابْن أَبِي دؤاد وَقَالَ لَهُ إِن تركته قِيلَ إِنَّك تركت مَذْهَب الْمَأْمُون وسخطت قَوْله فهاجه ذَلِك عَلَى ضربه
قَالَ صَالح قَالَ أَبى لما جئ بالسياط نظر إِلَيْهَا المعتصم وَقَالَ ائْتُونِي بغَيْرهَا ثمَّ قَالَ للجلادين تقدمُوا فَجعل يتَقَدَّم إِلَي الرجل مِنْهُم فيضربني سوطين فَيَقُول لَهُ شدّ قطع اللَّه يدك ثمَّ يتَنَحَّى ويتقدم الآخر فيضربني سوطين وَهُوَ يَقُول فِي كل ذَلِك شدّ قطع اللَّه يدك فَلَمَّا ضربت تِسْعَة عشر سَوْطًا قَامَ إِلَيّ يَعْنِي المعتصم فَقَالَ يَا أَحْمَد علام تقتل نَفسك إِنِّي وَالله عَلَيْك لشفيق
قَالَ فَجعل عجيف ينخسني بقائمة سَيْفه وَيَقُول أَتُرِيدُ أَن تغلب هَؤُلَاءِ كلهم
وَجعل بَعضهم يَقُول وَيلك الْخَلِيفَة عَلَى رَأسك قَائِم وَقَالَ بَعضهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دَمه فِي عنقِي اقتله وَجعلُوا يَقُولُونَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت صَائِم وَأَنت فِي الشَّمْس قَائِم فَقَالَ لي وَيحك يَا أَحْمَد مَا تَقول فَأَقُول أعطوني شَيْئا من كتاب اللَّه أَو سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقُول بِهِ فَرجع وَجلسَ وَقَالَ للجلاد تقدم وأوجع قطع اللَّه يدك ثمَّ قَامَ الثَّانِيَة فَجعل يَقُول وَيحك يَا أَحْمَد أجبني فَجعلُوا يقبلُونَ عَلِيّ وَيَقُولُونَ يَا أَحْمَد

إمامك عَلَى رَأسك قَائِم وَجعل عَبْد الرَّحْمَن يَقُول من صنع من أَصْحَابك فِي هَذَا الْأَمر مَا تصنع وَجعل المعتصم يَقُول وَيحك أجبنى إِلَى شئ لَك فِيهِ أدني فرج حَتَّى أطلق عَنْك بيَدي فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطوني شَيْئا من كتاب اللَّه فَرجع وَقَالَ للجلادين تقدمُوا فَجعل الجلاد يتَقَدَّم ويضربني سوطين ويتنحي فِي خلال ذَلِك يَقُول شدّ قطع اللَّه يدك
قَالَ أَبِي فَذهب عَقْلِي فَأَفَقْت بعد ذَلِك فَإِذا الأقياد قد أطلقت عني فَقَالَ لي رجل مِمَّن حضر إِنَّا كببناك عَلَى وَجهك وطرحناك عَلَى ظهرك ودسناك قَالَ أَبِي فَمَا شَعرت بذلك وأتوني بسويق فَقَالُوا لي اشرب وتقيأ فَقلت لَا أفطر
ثمَّ جِيءَ بِي إِلَى دَار إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم فَحَضَرت صَلَاة الظّهْر فَتقدم ابْن سَمَّاعَة فصلى فَلَمَّا انْفَتَلَ من الصَّلَاة قَالَ لي صليت وَالدَّم يسيل فِي ثَوْبك فَقلت قد صلى عمر وجرحه يثغب دَمًا
قَالَ صَالح ثمَّ خلي عَنهُ فَصَارَ إِلَى منزله وَكَانَ مكثه فِي السجْن مذ أَخذ وَحمل إِلَى أَن ضرب وخلي عَنهُ ثَمَانِيَة وَعشْرين شهرا
وَلَقَد أَخْبرنِي أحد الرجلَيْن اللَّذين كَانَا مَعَه قَالَ يَا ابْن أخي رَحْمَة اللَّه عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه وَالله مَا رَأَيْت أحدا يُشبههُ وَلَقَد جعلت أَقُول لَهُ فِي وَقت مَا يُوَجه إِلَيْنَا بِالطَّعَامِ يَا أَبَا عَبْد اللَّه أَنْت صَائِم وَأَنت فِي مَوضِع تقية وَلَقَد عَطش فَقَالَ لصَاحب الشَّرَاب ناولني فَنَاوَلَهُ قدحا فِيهِ مَاء وثلج فَأَخذه وَنظر إِلَيْهِ هنيئه ثمَّ رده وَلم يشرب فَجعلت أتعجب من صبره عَلَى الْجُوع والعطش وَهُوَ فِيمَا هُوَ فِيهِ من الهول
قَالَ صَالح كنت ألتمس وأحتال أَن أوصل إِلَيْهِ طَعَاما أَو رغيفا فِي تِلْكَ الْأَيَّام فَلم أقدر
وَأَخْبرنِي رجل حَضَره أَنه تفقده فِي هَذِهِ الْأَيَّام الثَّلَاثَة وهم يناظرونه فَمَا لحن فِي كلمة قَالَ وَمَا ظَنَنْت أَن أحدا يكون فِي مثل شجاعته وَشدَّة قلبه

وروى أَنه لما ضرب سَوْطًا قَالَ بِسم اللَّه فَلَمَّا ضرب الثَّانِي قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَلَمَّا ضرب الثَّالِث قَالَ الْقُرْآن كَلَام اللَّه غير مَخْلُوق فَلَمَّا ضرب الرَّابِع قَالَ {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كتب الله لنا} فَضَربهُ تِسْعَة وَعشْرين سَوْطًا
وَكَانَت تكة أَحْمَد حَاشِيَة ثوب فَانْقَطَعت فَنزل السَّرَاوِيل إِلَى عانته فَرمى بطرفه إِلَى السَّمَاء وحرك شَفَتَيْه فَمَا كَانَ بأسرع من ثُبُوت السَّرَاوِيل عَلَى حَاله لم تتزحزح
قَالَ الرَّاوِي فَدخلت عَلَى أَحْمَد بعد سَبْعَة أَيَّام فَقلت يَا أَبَا عَبْد اللَّه رَأَيْتُك وَقد انحل سراويلك فَرفعت طرفك نَحْو السَّمَاء فَثَبت مَا الَّذِي قلت قَالَ قلت اللَّهم إِنِّي أَسأَلك بِاسْمِك الَّذِي مَلَأت بِهِ الْعَرْش إِن كنت تعلم أَنِّي عَلَى الصَّوَاب فَلَا تهتك لي سترا
وَفِي رِوَايَة لما أقبل الدَّم من أكتافه انْقَطع خيط السَّرَاوِيل وَنزل فَرفع طرفه إِلَى السَّمَاء فَعَاد من لحظته فَسئلَ أَحْمَد فَقَالَ قلت إلهي وسيدي وقفتني هَذَا الْموقف فَلَا تهتكني عَلَى رُءُوس الْخَلَائق
وَرُوِيَ أَنه كَانَ كلما ضرب سَوْطًا أَبْرَأ ذمَّة المعتصم فَسئلَ فَقَالَ كرهت أَن آتِي يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال هَذَا غَرِيم ابْن عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَو رجل من أهل بَيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَهَذَا مُخْتَصر من حَال الإِمَام أَحْمَد فِي المحنة رَحمَه اللَّه تَعَالَى وَرَضي عَنهُ
وَأما الْأُسْتَاذ أَحْمَد بْن نصر الْخُزَاعِيّ ذُو الْجنان وَاللِّسَان والثبات وَإِن اضْطربَ المهند والسنان والوثبات وَإِن مَلَأت نَار الْفِتْنَة كل مَكَان فَإِنَّهُ كَانَ شَيخا جَلِيلًا قوالا بِالْحَقِّ أمارا بِالْمَعْرُوفِ نهاء عَن الْمُنكر وَكَانَ من أَوْلَاد الْأُمَرَاء وَكَانَت محنته عَلَى يَد الواثق

قَالَ لَهُ مَا تَقول فِي الْقُرْآن قَالَ كَلَام اللَّه وأصر عَلَى ذَلِك غير متلعثم فَقَالَ بعض الْحَاضِرين هُوَ حَلَال الدَّم فَقَالَ ابْن أَبى دؤاد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ شيخ مختل لَعَلَّ بِهِ عاهة أَو تغير عقل يُؤَخر أمره ويستتاب فَقَالَ الواثق مَا أرَاهُ إِلَّا مُؤديا لكفره قَائِما بِمَا يَعْتَقِدهُ مِنْهُ ثمَّ دَعَا بالصمصامة وَقَالَ إِذا قُمْت إِلَيْهِ فَلَا يقومن أحد معي فَإِنِّي أحتسب خطاي إِلَى هَذَا الْكَافِر الَّذِي يعبد رَبًّا لَا نعبده وَلَا نعرفه بِالصّفةِ الَّتِي وَصفه بهَا ثمَّ أَمر بالنطع فأجلس عَلَيْهِ وَهُوَ مُقَيّد وَأمر أَن يشد رَأسه بِحَبل وَأمرهمْ أَن يمدوه وَمَشى إِلَيْهِ فَضرب عُنُقه وَأمر بِحمْل رَأسه إِلَى بَغْدَاد فَنصبت بالجانب الشَّرْقِي أَيَّامًا وَفِي الْجَانِب الغربي أَيَّامًا وتتبع رُؤُوس أَصْحَابه فسجنوا
وَقَالَ الْحَسَن بْن مُحَمَّد الْخرقِيّ سَمِعت جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصَّائِغ يَقُول رَأَيْت أَحْمَد بْن نصر حَيْثُ ضربت عُنُقه قَالَ رَأسه لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
قَالَ الْمَرْوذِيّ سَمِعت أَبَا عَبْد اللَّه وَذكر أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ رَحمَه اللَّه مَا كَانَ أسخاه لقد جاد بِنَفسِهِ
وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ فِي تَرْجَمَة أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بْن سَعِيد الْمَرْوذِيّ وَهُوَ فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة من تَارِيخ نَيْسَابُورَ سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس السياري يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس بْن سعد يَقُول لم يصبر فِي المحنة إِلَّا أَرْبَعَة كلهم من أهل مرو أَحْمَد بْن حَنْبَل أَبُو عَبْد اللَّه وأَحْمَد بْن نصر بْن مَالك الْخُزَاعِيّ ومُحَمَّد بْن نوح بْن مَيْمُون الْمَضْرُوب ونعيم بْن حَمَّاد وَقد مَاتَ فِي السجْن مُقَيّدا
فَأَما أَحْمَد بْن نصر فَضربت عُنُقه وَهَذِه نُسْخَة الرقعة الْمُعَلقَة فِي أذن أَحْمَد بْن نصر بْن مَالك
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا رَأس أَحْمَد بْن نصر بْن مَالك دَعَاهُ عَبْد اللَّه الإِمَام

هَارُون وَهُوَ الواثق بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَنفي التَّشْبِيه فَأبى إِلَّا المعاندة فَجعله اللَّه إِلَى ناره وَكتب مُحَمَّد بْن عَبْد الْملك
وَمَات مُحَمَّد بْن نوح فى فتْنَة الْمَأْمُون
والمعتصم ضرب أَحْمد ابْن حَنْبَل
والواثق قتل أَحْمَد بْن نصر بْن مَالك وَكَذَلِكَ نعيم بْن حَمَّاد
وَلما جلس المتَوَكل دخل عَلَيْهِ عَبْد الْعَزِيز بْن يَحْيَى الْكِنَانِي فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا رُؤِيَ أعجب من أَمر الواثق قتل أَحْمَد بْن نصر وَكَانَ لِسَانه يقْرَأ الْقُرْآن إِلَى أَن دفن قَالَ فَوجدَ المتَوَكل من ذَلِك وساءه مَا سَمعه فِي أَخِيه إِذْ دخل عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْملك الزيات فَقَالَ لَهُ يَا ابْن عَبْد الْملك فِي قلبِي من قتل أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أحرقني اللَّه بالنَّار إِن قَتله أَمِير الْمُؤمنِينَ الواثق إِلَّا كَافِرًا
قَالَ وَدخل عَلَيْهِ هرثمة فَقَالَ يَا هرثمة فِي قلبِي من قتل أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قطعني اللَّه إربا إربا إِن قَتله أَمِير الْمُؤمنِينَ الواثق إِلَّا كَافِرًا
قَالَ وَدخل عَلَيْهِ أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد فَقَالَ يَا أَحْمَد فِي قلبِي من قتل أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ضَرَبَنِي اللَّه بالفالج إِن قَتله أَمِير الْمُؤمنِينَ الواثق إِلَّا كَافِرًا
قَالَ المتَوَكل فَأَما الزيات فَأَنا أحرقته بالنَّار وَأما هرثمة فَإِنَّهُ هرب وتبدى واجتاز بقبيلة خُزَاعَة فَعرفهُ رجل من الْحَيّ فَقَالَ يَا معشر خُزَاعَة هَذَا الَّذِي قتل أَحْمَد بْن نصر فقطعوه إربا إربا
وَأما أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد فقد سجنه اللَّه فِي جلده
قلت وَبَلغنِي وَمَا أرَاهُ إِلَّا فِي تَارِيخ الْحَاكِم أَن بعض الْأُمَرَاء خرج يتصيد فَأَلْقَاهُ السّير عَلَى أَرض فَنزل بهَا فبحث بعض غلمانه فِي التُّرَاب فحفر حَتَّى رَأْي مَيتا فِي قَبره طريا وَهُوَ فِي نَاحيَة وَرَأسه فِي نَاحيَة وفى أُذُنه رقْعَة عَلَيْهَا شئ مَكْتُوب فأحضر

من قَرَأَهُ فَإِذا هُوَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا رَأس أَحْمَد بْن نصر الْكَلِمَات السَّابِقَة فَعَلمُوا أَنه رَأس أَحْمَد الْخُزَاعِيّ فَدفن وَرفع سَنَام قَبره وَكَانَ هَذَا فِي زمن الْحَاكِم أَبِي عَبْد اللَّه الْحَافِظ وَهُوَ عَلَى طراوته وَكَيف لَا وَهُوَ شَهِيد رَحمَه اللَّه وَرَضي عَنهُ
وَقد طَال أَمر هَذِهِ الْفِتْنَة وطار شررها واستمرت من هَذِهِ السّنة الَّتِي هِيَ سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ إِلَى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فَرَفعهَا المتَوَكل فِي مَجْلِسه وَنهى عَن القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَكتب بذلك إِلَى الْآفَاق وتوفر دُعَاء الْخلق لَهُ وبالغوا فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ والتعظيم لَهُ حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ الْخُلَفَاء ثَلَاثَة أَبُو بكر الصّديق يَوْم الرِّدَّة وَعمر بْن عَبْد الْعَزِيز فِي رد الْمَظَالِم والمتوكل فِي إحْيَاء السّنة
وَسكت النَّاس عَن ذنُوب المتَوَكل وَقد كَانَت الْعَامَّة تنقم عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه ندب لدمشق أفريدون التركي أحد مماليكه وسيره واليا عَلَيْهَا وَكَانَ ظَالِما فاتكا فَقدم فِي سَبْعَة آلَاف فَارس وأباح لَهُ المتَوَكل الْقَتْل فِي دمشق والنهب عَلَى مَا نقل إِلَيْنَا ثَلَاث سَاعَات فَنزل بِبَيْت لهيا وَأَرَادَ أَن يصبح الْبَلَد فَلَمَّا أصبح نظر إِلَى الْبَلَد وَقَالَ يَا يَوْم تصبحك مني فَقدمت لَهُ بغلة فضربته بِالزَّوْجِ فَقتلته وقبره بِبَيْت لهيا ورد الْجَيْش الَّذِي مَعَه خائبين وَبلغ المتَوَكل فصلحت نِيَّته لأهل دمشق
وَالثَّانِي أَنه أَمر بهدم قبر الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهدم مَا حوله من الدّور وَأَن يعْمل مزارع وَمنع النَّاس من زيارته وحرث وَبَقِي صحراء فتألم الْمُسلمُونَ لذَلِك وَكتب أهل بَغْدَاد شَتمه عَلَى الْحِيطَان والمساجد وهجاه دعبل وَغَيره من الشُّعَرَاء وَقَالَ قَائِلهمْ
(بِاللَّه إِن كَانَت أُميَّة قد أَتَت ... قتل ابْن بنت نبيها مَظْلُوما)
(فَلَقَد أَتَاهُ بَنو أَبِيه بِمثلِهِ ... هَذَا لعمرك قَبره مهدوما)
(أسفوا عَلَى أَن لَا يَكُونُوا شاركوا ... فِي قَتله فتتبعوه رميما)

قلت لقد كَانَت هَاتَانِ الواقعتان الفظيعتان فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَرفع المحنة قبلهَا بِسنتَيْنِ فَهِيَ ذنُوب لاحقة لرفع الْفِتْنَة لَا سَابِقَة عَلَيْهَا
وَكَانَ من الْأَسْبَاب فِي رفع الْفِتْنَة أَن الواثق أُتِي بشيخ مُقَيّد فَقَالَ لَهُ ابْن أَبِي دؤاد يَا شيخ مَا تَقول فِي الْقُرْآن أمخلوق هُوَ
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ لم تنصفني الْمَسْأَلَة أَنا أَسأَلك قبل الْجَواب هَذَا الذى تَقوله يَا ابْن أَبى دؤاد من خلق الْقُرْآن شئ علمه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَو جهلوه
فَقَالَ بل علموه
فَقَالَ فَهَل دعوا إِلَيْهِ النَّاس كَمَا دعوتهم أَنْت أَو سكتوا
قَالَ بل سكتوا
قَالَ فَهَلا وسعك مَا وسعهم من السُّكُوت
فَسكت ابْن أَبِي دؤاد وأعجب الواثق كَلَامه وَأمر بِإِطْلَاق سَبيله وَقَامَ الواثق من مَجْلِسه وَهُوَ عَلَى مَا حكى يَقُول هلا وسعك مَا وسعهم يُكَرر هَذِهِ الْكَلِمَة وَكَانَ ذَلِك من الْأَسْبَاب فِي خمود الْفِتْنَة وَإِن كَانَ رَفعهَا بِالْكُلِّيَّةِ إِنَّمَا كَانَ عَلَى يَد المتَوَكل
وَهَذَا الَّذِي أوردناه فِي هَذِهِ الْحِكَايَة هُوَ مَا ثَبت من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَمِنْهُم من زَاد فِيهَا مَا لَا يثبت فاضبط مَا أَثْبَتْنَاهُ ودع مَا عداهُ فَلَيْسَ عِنْد ابْن أَبِي دؤاد من الْجَهْل مَا يصل بِهِ إِلَى أَن يَقُول جهلوه وَإِنَّمَا نِسْبَة هَذَا إِلَيْهِ تعصب عَلَيْهِ وَالْحق وسط فَابْن أَبِي دؤاد مُبْتَدع ضال مُبْطل لَا محَالة وَلَا يَنْتَهِي أمره إِلَى أَن يَدعِي أَن شَيْئا ظهر لَهُ وخفي عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين كَمَا حُكيَ عَنهُ فِي هَذِهِ الْحِكَايَة فَهَذَا معَاذ اللَّه أَن يَقُوله أَو يَظُنّهُ أحد يتزيى بزِي الْمُسلمين وَلَو فَاه بِهِ ابْن أَبِي دؤاد لفرق الواثق من سَاعَته بَين رَأسه وبدنه
وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ وَإِن كَانَ فِي تَرْجَمَة ابْن أَبِي دؤاد حكى الْحِكَايَة عَلَى الْوَجْه الَّذِي لَا نرضاه فقد أوردهَا فِي تَرْجَمَة الواثق من غير مَا وَجه عَلَى الْوَجْه الثَّابِت

ولنقطع عنان الْكَلَام فِي هَذِهِ الْفِتْنَة فَفِيمَا أوردناه فِيهَا مقنع وبلاغ وَقد أعلمناك أَنَّهَا لَبِثت شطرا من خلَافَة الْمَأْمُون واستوعبت خلَافَة المعتصم والواثق وَارْتَفَعت فِي خلَافَة المتَوَكل وَقد كَانَ الْمَأْمُون الَّذِي افتتحت فِي أَيَّامه
وَهُوَ عَبْد اللَّه الْمَأْمُون بْن هَارُون الرشيد مِمَّن عني بالفلسفة وعلوم الْأَوَائِل وَمهر فِيهَا وَاجْتمعَ عَلَيْهِ جمع من علمائها فجره ذَلِك إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَذكر المؤرخون أَنه كَانَ بارعا فِي الْفِقْه والعربية وَأَيَّام النَّاس وَلكنه كَانَ ذَا حزم وعزم وحلم وَعلم ودهاء وهيبة وذكاء وسماحة وفطنة وفصاحة وَدين
قِيلَ ختم فِي رَمَضَان ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ختمة وَصعد فِي يَوْم منبرا وَحدث فأورد بِسَنَدِهِ نَحوا من ثَلَاثِينَ حَدِيثا بِحُضُور القَاضِي يَحْيَى بْن أَكْثَم ثمَّ قَالَ لَهُ يَا يَحْيَى كَيفَ رَأَيْت مَجْلِسنَا فَقَالَ أجل مجْلِس يفقه الْخَاصَّة والعامة فَقَالَ مَا رَأَيْت لَهُ حلاوة إِنَّمَا الْمجْلس لأَصْحَاب الخلقان والمحابر
وَقيل تقدم إِلَيْهِ رجل غَرِيب بِيَدِهِ محبرة وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ صَاحب حَدِيث مُنْقَطع بِهِ السبل فَقَالَ مَا تحفظ فِي بَاب كَذَا فَلم يذكر شَيْئا قِيلَ فَمَا زَالَ الْمَأْمُون يَقُول حَدثنَا هشيم وَحدثنَا يَحْيَى وَحدثنَا حجاج حَتَّى ذكر الْبَاب ثمَّ سَأَلَهُ عَن بَاب آخر فَلم يذكر فِيهِ شَيْئا فَقَالَ الْمَأْمُون حَدثنَا فلَان وَحدثنَا فلَان إِلَى أَن قَالَ لأَصْحَابه يطْلب أحدهم الحَدِيث ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يَقُول أَنا من أَصْحَاب الحَدِيث أَعْطوهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم قلت وَكَانَ الْمَأْمُون من الْكَرم بمَكَان مكين بِحَيْثُ إِنَّه فرق فِي سَاعَة سِتَّة وَعشْرين ألف ألف دِرْهَم وحكايات مكارمه تستوعب الأوراق وَإِنَّمَا اقْتصر فِي عَطاء هَذَا السَّائِل فِيمَا نرَاهُ وَالله أعلم لما رأى مِنْهُ من التمعلم وَلَيْسَ هُوَ هُنَاكَ وَلَعَلَّه فهم عَنهُ التعاظم بِالْعلمِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ شَأْن كثير مِمَّن يدْخل إِلَى الْأُمَرَاء ويظنهم جهلة عَلَى الْعَادة الْغَالِبَة
وَكَانَ الْمَأْمُون كثير الْعَفو والصفح
وَمن كَلَامه لَو عرف النَّاس حبي للعفو لتقربوا إِلَي بالجرائم وأخاف أَن لَا أؤجر فِيهِ يَعْنِي لكَونه طبعا لَهُ

قَالَ يَحْيَى بْن أَكْثَم كَانَ الْمَأْمُون يحلم حَتَّى يغيظنا
وَقيل إِن ملاحا مر والمأمون جَالس فَقَالَ أتظنون أَن هَذَا ينبل فِي عَيْني وَقد قتل أَخَاهُ الْأمين يُشِير إِلَى الْمَأْمُون فَسَمعهُ الْمَأْمُون وَظن الْحَاضِرُونَ أَنه سيقضي عَلَيْهِ فَلم يزدْ الْمَأْمُون عَلَى أَن تَبَسم وَقَالَ مَا الْحِيلَة حَتَّى أنبل فِي عين هَذَا السَّيِّد الْجَلِيل
ولسنا نستوعب تَرْجَمَة الْمَأْمُون فَإِن الأوراق تضيق بهَا وَكِتَابنَا غير مَوْضُوع لَهَا وَإِنَّمَا غرضنا أَنه كَانَ من أهل الْعلم وَالْخَيْر وجره الْقَلِيل الَّذِي كَانَ يدريه من عُلُوم الْأَوَائِل إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن كَمَا جَرّه الْيَسِير الَّذِي كَانَ يدريه فِي الْفِقْه إِلَى القَوْل بِإِبَاحَة مُتْعَة النِّسَاء ثمَّ كَانَ ملكا مُطَاعًا فَحمل النَّاس عَلَى معتقده وَلَقَد نَادَى بِإِبَاحَة مُتْعَة النِّسَاء ثمَّ لم يزل بِهِ يحيى بْن أَكْثَم رَحمَه اللَّه حَتَّى أبطلها وَرُوِيَ لَهُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنَيِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَلَمَّا صَحَّحَ لَهُ الْحَدِيثَ رَجَعَ إِلَى الْحَقِّ وَأما مسأله خلق الْقُرْآن فَلم يرجع عَنْهَا
وَكَانَ قد ابْتَدَأَ بالْكلَام فِيهَا فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَلَكِن لم يصمم وَيحمل النَّاس إِلَّا فِي سنة ثَمَان عشرَة ثمَّ عوجل وَلم يُمْهل بل توجه غازيا إِلَى أَرض الرّوم فَمَرض وَمَات فِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ
واستقل بالخلافة بعده أَخُوهُ المعتصم بِاللَّه مُحَمَّد بْن هَارُون الرشيد بِعَهْد مِنْهُ وَكَانَ ملكا شجاعا بطلا مهيبا وَهُوَ الَّذِي فتح عمورية وَقد كَانَ المنجمون قضوا بِأَنَّهُ يكسر فانتصر نصرا مؤزرا وَأنْشد فِيهِ أَبُو تَمام الطَّائِي قصيدته السائرة الَّتِي أَولهَا
(السَّيْف أصدق أنباء من الْكتب ... فِي حَده الْحَد بَين الْجد واللعب)
(وَالْعلم فِي شهب الأرماح لامعة ... بَين الخميسين لَا فِي السَّبْعَة الشهب)

(أَيْن الرِّوَايَة أم أَيْن النُّجُوم وَمَا ... صاغوه من زخرف فِيهَا وَمن كذب)
(تخرصا وأحاديثا ملفقة ... لَيست بنبع إِذا عدت وَلَا غرب)
وَلَقَد تضيق الأوراق عَن شرح مَا كَانَ عَلَيْهِ من الشجَاعَة والمهابة والمكارم وَالْأَمْوَال والحيل والدهاء وَكَثْرَة العساكر وَالْعدَد وَالْعدَد
قَالَ الْخَطِيب ولكثرة عساكره وضيق بَغْدَاد عَنهُ بنى سر من رأى وانتقل بالعساكر إِلَيْهَا وَسميت الْعَسْكَر
وَقيل بلغ عدد غلمانه الأتراك فَقَط سَبْعَة عشر ألفا
وَقيل إِنَّه كَانَ عريا من الْعلم مَعَ أَنه رويت عَنهُ كَلِمَات تدل عَلَى فَصَاحَته ومعرفته
قَالَ أَبُو الْفضل الرياشي كتب ملك الرّوم لَعنه اللَّه إِلَى المعتصم يهدده فَأمر بجوابه فَلَمَّا قرئَ عَلَيْهِ الْجَواب لم يرضه وَقَالَ لِلْكَاتِبِ اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أما بعد فقد قَرَأت كتابك وَسمعت خطابك وَالْجَوَاب مَا ترى لَا مَا تسمع {وَسَيعْلَمُ الْكفَّار لمن عُقبى الدَّار}
وَمن كَلَامه اللَّهم إِنَّك تعلم أَنِّي أخافك من قبلي وَلَا أخافك من قبلك وأرجوك من قبلك وَلَا أرجوك من قبلي
قلت وَالنَّاس يستحسنون هَذَا الْكَلَام مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَن الْخَوْف من قبلي لما اقترفته من الذُّنُوب لَا من قبلك فَإنَّك عَادل لَا تظلم فلولا الذُّنُوب لما كَانَ للخوف معنى وَأما الرَّجَاء فَمن قبلك لِأَنَّك متفضل لَا من قبلي لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي من الطَّاعَات والمحاسن مَا أرتجيك بهَا
والشق الثَّانِي عندنَا صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ وَأما الأول فَإنَّا نقُول إِن الرب تَعَالَى نَخَاف

من قبله كَمَا نَخَاف من قبلنَا لِأَنَّهُ الْملك القهار يخافه الطائعون والعصاة وَهَذَا وَاضح لمن تدبره
قَالَ المؤرخون وَمَعَ كَونه كَانَ لَا يدْرِي شَيْئا من الْعلم حمل النَّاس عَلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن
قلت لِأَن أَخَاهُ الْمَأْمُون أوصى إِلَيْهِ بذلك وانضم إِلَى ذَلِك القَاضِي أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد وَأَمْثَاله من فُقَهَاء السوء فَإِنَّمَا يتْلف السلاطين فسقة الْفُقَهَاء فَإِن الْفُقَهَاء مَا بَين صَالح وطالح فالصالح غَالِبا لَا يتَرَدَّد إِلَى أَبْوَاب الْمُلُوك والطالح غَالِبا يترامى عَلَيْهِم ثمَّ لَا يَسعهُ إِلَّا أَن يجْرِي مَعَهم عَلَى أهوائهم ويهون عَلَيْهِم العظائم وَلَهو عَلَى النَّاس شَرّ من ألف شَيْطَان كَمَا أَن صَالح الْفُقَهَاء خير من ألف عَابِد وَلَوْلَا اجْتِمَاع فُقَهَاء السوء عَلَى المعتصم لنجاه اللَّه مِمَّا فرط مِنْهُ وَلَو أَن الَّذين عِنْده من الْفُقَهَاء عَلَى حق لأروه الْحق أَبْلَج وَاضحا ولأبعدوه عَن ضرب مثل الإِمَام أَحْمَد وَلَكِن مَا الْحِيلَة وَالزَّمَان بني عَلَى هَذَا وَبِهَذَا تظهر حِكْمَة اللَّه فِي خلقه
وَلَقَد كَانَ شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين الْوَالِد رَحمَه اللَّه يقوم فِي الْحق ويفوه بَين يَدي الْأُمَرَاء بِمَا لَا يقوم بِهِ غَيره فيذعنون لطاعته ثمَّ إِذا خرج من عِنْدهم دخل إِلَيْهِم من فُقَهَاء السوء من يعكس ذَلِك الْأَمر وينسب الشَّيْخ الإِمَام إِلَى خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا ينْدَفع شئ من الْمَفَاسِد بل يزْدَاد الْحَال وَلَقَد قَالَ مرّة لبَعض الْأُمَرَاء وَقد رأى عَلَيْهِ طرزا من ذهب عريضا عَلَى قبَاء حَرِير يَا أَمِير أَلَيْسَ فِي الثِّيَاب الصُّوف مَا هُوَ أحسن من هَذَا الْحَرِير أَلَيْسَ فِي السكندري مَا هُوَ أظرف من هَذَا الطرز أَي لَذَّة لَك فِي لبس الْحَرِير وَالذَّهَب وعَلى أى شئ يدْخل الْمَرْء جَهَنَّم وعذله فِي ذَلِك حَتَّى قَالَ لَهُ ذَلِك الْأَمِير اشْهَدْ عَلَي أَنِّي لَا ألبس بعْدهَا حَرِيرًا وَلَا طرزا وَقد تركت ذَلِك لله عَلَى يَديك فَلَمَّا فَارقه جَاءَهُ من أعرفهُ من الْفُقَهَاء وَقَالَ لَهُ أما الطرز فقد جوز أَبُو حنيفَة مَا دون أَرْبَعَة أَصَابِع وَأما الْحَرِير

فقد أَبَاحَهُ فلَان وَأما وَأما وَرخّص لَهُ ثمَّ قَالَ لَهُ لم لَا نهى عَن المكوس لم لَا نهى عَن كَذَا وَكَذَا وَذكر مَا لَو نهى الشَّيْخ الإِمَام أَو غَيره عَنهُ لما أَفَادَ وَقَالَ لَهُ إِنَّمَا قصد بِهَذَا إهانتك وَأَن يبين للنَّاس أَنَّك تعْمل حَرَامًا فَلم يخرج من عِنْده حَتَّى عَاد إِلَى حَاله الأول وحنق عَلَى الشَّيْخ الإِمَام وظنه قصد تنقيصه عِنْد الْخلق وَلم يكن قصد هَذَا الْفَقِيه إِلَّا إِيقَاع الْفِتْنَة بَين الشَّيْخ الإِمَام والأمير وَلَا عَلَيْهِ أَن يُفْتِي بِمحرم فِي قَضَاء غَرَضه
وَهَذَا الْمِسْكِين لم يكن يخفى عَلَيْهِ أَن ترك النَّهْي عَمَّا لَا يُفِيد النَّهْي عَنهُ من الْمَفَاسِد لَا يُوجب الْإِمْسَاك عَن غَيره وَلَكِن حمله هَوَاهُ عَلَى الْوُقُوع فِي هَذِهِ العظائم والأمير مِسْكين لَيْسَ لَهُ من الْعلم وَالْعقل مَا يُمَيّز بِهِ
والحكايات فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة ومسك اللِّسَان أولى وَالله الْمُسْتَعَان
وَمَات المعتصم فِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَولى الواثق بِاللَّه أَبُو جَعْفَر هَارُون ابْن المعتصم بْن الرشيد وَكَانَ مليح الشّعْر يرْوى أَنه كَانَ يحب خَادِمًا أهدي لَهُ من مصر فأغضبه الواثق يَوْمًا ثمَّ إِنَّه سَمعه يَقُول لبَعض الخدم وَالله إِنَّه ليروم أَن ُأكَلِّمهُ من أمس فَمَا أفعل فَقَالَ الواثق
(يَا ذَا الَّذِي بعذابي ظلّ مفتخرا ... مَا أَنْت إِلَّا مليك جَار إِذْ قدرا)
(لَوْلَا الْهوى لتجارينا عَلَى قدر ... وَإِن أفق مِنْهُ يَوْمًا مَا فَسَوف ترى)
وَقد ظرف عبَادَة الملقب بِعبَادة المخنث حَيْثُ دخل إِلَيْهِ وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعظم اللَّه أجرك فِي الْقُرْآن قَالَ وَيلك الْقُرْآن يَمُوت قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كل مَخْلُوق يَمُوت بِاللَّه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من يُصَلِّي بِالنَّاسِ التَّرَاوِيح إِذا مَاتَ الْقُرْآن فَضَحِك الْخَلِيفَة وَقَالَ قَاتلك اللَّه أمسك
قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ ابْن أَبِي دؤاد قد استولى عَلَيْهِ وَحمله عَلَى التَّشْدِيد فِي المحنة

قلت وَكَيف لَا يشدد الْمِسْكِين فِيهَا وَقد أقرُّوا فِي ذهنه أَنَّهَا حق يقربهُ إِلَى اللَّه حَتَّى إِنَّه لما كَانَ الْفِدَاء فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ واستفك الواثق من طاغية الرّوم أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة نفس قَالَ ابْن أَبِي دؤاد عَلَى مَا حُكيَ عَنهُ وَلَكِن لم يثبت عندنَا من قَالَ من الْأُسَارَى الْقُرْآن مَخْلُوق خلصوه وَأَعْطوهُ دينارين وَمن امْتنع دَعوه فِي الْأسر وَهَذِه الْحِكَايَة إِن صحت عَنهُ دلّت عَلَى جهل عَظِيم وإفراط فِي الْكفْر
وَهَذَا من الطّراز الأول فَإِذا رأى الْخَلِيفَة قَاضِيا يَقُول هَذَا الْكَلَام أَلَيْسَ يوقعه ذَلِك فِي أَشد مِمَّا وَقع مِنْهُ فنعوذ بِاللَّه من عُلَمَاء السوء ونسأله التَّوْفِيق والإعانة ونعود إِلَى الْكَلَام فِي تَرْجَمَة الإِمَام أَحْمَد
مناظرة بَين الشَّافِعِي وأَحْمَد ابْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما
حُكيَ أَن أَحْمَد نَاظر الشَّافِعِي فِي تَارِك الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي يَا أَحْمَد أَتَقول إِنَّه يكفر
قَالَ نعم
قَالَ إِذا كَانَ كَافِرًا فَبِمَ يسلم
قَالَ يَقُول لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الشَّافِعِي فالرجل مستديم لهَذَا القَوْل لم يتْركهُ
قَالَ يسلم بِأَن يُصَلِّي
قَالَ صَلَاة الْكَافِر لَا تصح وَلَا يحكم بِالْإِسْلَامِ بهَا فَانْقَطع أَحْمَد وَسكت حكى هَذِهِ المناظرة أَبُو عَلِيّ الْحَسَن بْن عمار من أَصْحَابنَا وَهُوَ رجل موصلي من تلامذة فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي
رَأَيْت فِي تَارِيخ نَيْسَابُورَ للْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الْحَافِظ مُحَمَّد بْن رَافع
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفضل حَدثنَا أَحْمَد بْن سَلمَة قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بْن رَافع يَقُول سَمِعت أَحْمد ابْن حَنْبَل يَقُول إِذا قَالَ الْمُؤَذّن فِي أَذَانه صلوا فِي الرّحال فلك أَن تتخلف وَإِن لم يقل فقد وَجب عَلَيْك إِذا قَالَ حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلاح

وَأسْندَ الرِّفَاعِي فِي أَمَالِيهِ أَن أَبَا الْوَلِيد الجرار قَالَ أنشدت بَين يَدي الإِمَام أَحْمَد ابْن حَنْبَل رَحمَه اللَّه وَرَضي عَنهُ
(وأحور مَحْمُود عَلَى حسن وَجهه ... يزِيد كمالا حِين يَبْدُو عَلَى الْبَدْر)
(دَعَاني بِعَيْنيهِ فَلَمَّا أَجَبْته ... رماني بنشاب الْمنية والهجر)
(وكلفني صبرا عَلَيْهِ فَلم أطق ... كَمَا لم يطق مُوسَى اصطبارا عَلَى الْخضر)
(شَكَوْت الْهوى يَوْمًا إِلَيْهِ فَقَالَ لي ... مُسَيْلمَة الْكذَّاب جَاءَ من الْقَبْر)
(أَطَعْت الْهوى لَا بَارك اللَّه فِي الْهوى ... فأنزلني دَار المذلة والصغر)
فَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل صدق الشَّاعِر لَا بَارك اللَّه فِي الْهوى
وروى الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه فِي تَارِيخ نَيْسَابُورَ فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بْن نصر الْفراء وَهُوَ فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة أَنه سمع أَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول حَدثنَا الشَّافِعِي عَن مَالك بْن أنس عَن ابْن عجلَان قَالَ إِذا أغفل الْعَالم لَا أَدْرِي أُصِيبَت مقاتله وَإِن أَحْمَد بْن حَنْبَل قَالَ لم يسمع مَالك من ابْن عجلَان إِلَّا هَذَا قلت هَذِهِ فَائِدَة
أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِزِّيُّ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبٍ وَالْمُسْلِمُ بْنُ عَلانَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيِّ ابْن كَامِلٍ الْحَرَّانِيُّ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ سَمَاعًا قَالُوا أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَليّ ابْن الْمُذْهِبِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمْدَانَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدثنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يبع

بَعْضُكُم عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) وَنَهَى عَنِ النَّجَشِ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَنَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلا
هَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَحْسَنُ الإِسْنَادِ لِرِوَايَةِ الأَكَابِرِ فِيهِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُهُ فِي تَرْجَمَةِ الْمُزَنِيِّ وَأَنَا أُسَمِّي هَذَا الإِسْنَادَ عِقْدَ الْجَوْهَرِ وَإِذَا سُمِّيَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ سِلْسِلَةَ الذَّهَبِ فَقُلْ إِذَا شِئْتَ فِي أَحْمَدَ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا والبويطى عَن الشافعى هَكَذَا وَهَذَا عِقْدُ الْجَوْهَرِ وَلا حَرَجَ عَلَيْكَ
وَلَيْسَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ

 

طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي

 

أحمد بن حنبل
الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان ابن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، الشيباني، المروزي الأصل. هذا هو الصحيح في نسبه، وقيل: إنه من بني مازن بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة، وهو غلط، لأنه من بني شيبان بن ذهل لا من بني ذهل بن شيبان، وذهل بن ثعلبة المذكور هو عم ذهل بن شيبان، فليعلم ذلك والله أعلم.
وخرجت أمه من مرو وهي حامل به، فولدته في بغداد، في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، وقيل: إنه ولد بمرو وحمل إلى بغداد وهو رضيع.
وكان إمام المحدثين، صنف كتابه المسند، وجمع فيه من الحديث ما لم يتفق لغيره، وقيل: إنه كان يحفظ ألف ألف حديث، وكان من أصحاب الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنهما - وخواصه، ولم يزل مصاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر، وقال في حقه: خرجت من بغداد وما خلفت بها أتقى ولا أفقه من ابن حنبل، ودعي إلى القول بخلق القرآن [أيام المعتصم وكان أمياً لايقرأ ولا يكتب فقال أحمد: أنا رجل علمت علما ولم أعلم فيه بهذا، فأحضر له الفقهاء والقضاة فناظروه ... ] فلم يجب، فضرب وحبس وهو مصر على الامتناع، وكان ضربه في العشر الأخير من شهر رمضان، سنة عشرين ومائتين [وكانت مدة حبسه إلى أن خلي عنه ثمانية وعشرين يوماً وبقي إلى أن مات المعتصم فلما ولي الواثق منعه من الخروج من داره إلى أن أخرجه المتوكل وخلع عليه وأكرمه ورفع المحنة في خلق القرآن] .

وكان حسن الوجه، ربعة يخضب بالحناء خضبا ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود. أخذ عنه الحديث جماعة من الأماثل، منهم محمد بن اسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، ولم يكن في آخر عصره مثله في العلم والورع.
توفي ضحوة نهار الجمعة، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وقيل: بل لثلاث عشرة ليلة بقين من الشهر المذكور، وقيل: من ربيع الآخر، سنة إحدى وأربعين ومائتين ببغداد، ودفن بمقبرة باب حرب، وباب حرب منسوب إلى حرب بن عبد الله، أحد أصحاب أبي جعفر المنصور، وإلى حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربية، وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها يزار، رحمه الله تعالى. وحزر من حضر جنازته من الرجال، فكانوا ثمانمائة ألف، ومن النساء ستين ألفا، وقيل: إنه أسلم يوم مات عشرون ألفاً من النصارى واليهود والمجوس.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي في كتابه الذي صنفه في أخبار بشر بن الحارث الحافي رضي الله عنه في الباب السادس والأربعين ما صورته: حدث إبراهيم الحربي قال: رأيت بشر بن الحارث الحافي في المنام كأنه خارج من باب مسجد الرصافة وفي كمه شيء يتحرك، فقلت: مافعل الله بك فقال: غفرلي وأكرمني، فقلت: ماهذا الذي في كمك قال: قدم علينا البارحة روح أحمد بن حنبل فنثر عليه الدر والياقوت، فهذا مما التقطت، قلت: فما فعل يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قال: تركتهما وقد زارا رب العالمين ووضعت لهما الموائد، قلت: فلم لم تأكل معهما أنت قال: قد عرف هوان الطعام علي فأباحني النظر إلى وجهه الكريم.
وفي أجداده حيان - بفتح الحاء المهملة وتشديدالياء المثناة من تحتها، وبعد الألف نون، وبقية الأجداد لاحاجة إلى ضبط أسمائهم لشهرتها وكثرتها، ولولا خوف الإطالة لقيدتها.
ورأيت في نسبه اختلافاً، وهذا أصح الطرق التي وجدتها.
وكان له ولدان عالمان، وهما صالح وعبد الله، فأما صالح فتقدمت وفاته في شهر رمضان سنة ست وستين ومائتين، وكان قاضي أصبهان فمات بها، ومولده في سنة ثلاث ومائتين، وأما عبد الله فإنه بقي إلى سنة تسعين ومائتين، وتوفي يوم الأحد لثمان بقين من جمادى الأولى - وقيل: الآخرة - وله سبع وسبعون سنة، وكنيته أبو عبد الرحمن، وبه كان يكنى الإمام أحمد، رحمهم الله أجمعين.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

 

أَحْمد بن حَنْبَل:
سبع وَسَبْعُونَ.

 تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم-لأبو المحاسن المفضل التنوخي المعري.

 

1 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل بن هِلَال بن أَسد بن إِدْرِيس ابْن عبد الله بن حَيَّان بن عبد الله بن أنس بن عون بن قاسط بن مَازِن ابْن ذهل بن شَيبَان بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن على بن بكر بن وَائِل بن قاسط بن هنب بن أفْضى بن دعمى بن جديلة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان
إِلَى هُنَا مُتَّفق عَلَيْهِ بَين المؤرخين وَفِيمَا فَوْقه خلاف وأشهره أَنه ابْن أد بن أدد بن الهميسع بن حمل بن النبيت بن قندار بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا مُحَمَّد وَسَائِر النبين
وَهَذَا النّسَب فِيهِ منقبة حميمة ورتبة عَظِيمَة حَيْثُ يلتقى نسبه بِالنَّبِيِّ فِي نزار
فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ أَرْبَعَة أَوْلَاد مِنْهُم نضر وَنَبِينَا من وَلَده
وَمِنْهُم ربيعَة وإمامنا أَحْمد من وَلَده وَهُوَ عَرَبِيّ صَحِيح النّسَب
قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أحب الْعَرَب لثلاث

لِأَنِّي عَرَبِيّ وَالْقرَان عَرَبِيّ ولسان أهل الْجنَّة عَرَبِيّ ذكره ابْن الأنبارى فِي كتاب الْوَقْف والابتداء
وَقَالَ أبي بكر بن أبي دَاوُد كَانَ فِي ربيعَة رجلَانِ لم يكن فِي زمانهما مثلهمَا لم يكن فِي زمَان قَتَادَة مثل قَتَادَة وَلم يكن فِي زمَان أَحْمد بن حَنْبَل مثله
وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ لنا الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ أَحْمد إِمَام فِي ثَمَان خِصَال إِمَام فِي الحَدِيث إِمَام فِي الْفِقْه إِمَام فِي اللُّغَة إِمَام فِي الْقُرْآن إِمَام فِي الْفقر إِمَام فِي الزّهْد إِمَام فِي الْوَرع إِمَام فِي السّنة
فلنتكلم على خصْلَة بعد خصْلَة أما الأولى فَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ قَالَ أبي عَاصِم النَّبِيل يَوْمًا من تَعدونَ فِي الحَدِيث بِبَغْدَاد فَقَالُوا يحيى ابْن معِين وَأحمد بن حَنْبَل وَأَبا خَيْثَمَة
فَقَالَ من تَعدونَ بِالْبَصْرَةِ فَقَالُوا على بن المدينى وَابْن الشادكونى
قَالَ من تَعدونَ بِالْكُوفَةِ قَالُوا أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن نمير
فَقَالَ أبي عَاصِم مَا أحد من هَؤُلَاءِ إِلَّا وَقد جَاءَنَا ورأيناه وَمَا رَأَيْت فِي الْقَوْم مثل ذَلِك الْفَتى أَحْمد ابْن حَنْبَل
وَقَالَ أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام انْتهى الْعلم إِلَى أَرْبَعَة أَحْمد ابْن حَنْبَل وعَلى بن المدينى وَيحيى بن معِين وأبى بكر بن أبي شيبَة وَكَانَ أَحْمد أفقههم فِيهِ
وَدخل الشَّافِعِي يَوْمًا على أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله كنت الْيَوْم مَعَ أهل الْعرَاق فِي مَسْأَلَة كَذَا وَلم يكن معى فِي ذَلِك حَدِيث عَن النَّبِي
فَدفع إِلَيْهِ أَحْمد ثَلَاثَة أَحَادِيث
فَقَالَ جَزَاك الله خيرا
وَقَالَ الشَّافِعِي يَوْمًا لِأَحْمَد أَنْتُم أعلم بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَال فَإِذا صَحَّ عنْدكُمْ الحَدِيث فاعلمونا بِهِ كوفيا كَانَ أَو شاميا حَتَّى نَذْهَب إِلَيْهِ.
وَقَالَ عبد الْوَهَّاب الْوراق مَا رَأَيْت مثل أَحْمد بن حَنْبَل
قَالُوا لَهُ وأى شَيْء بَان لَك من فَضله وَعلمه قَالَ رجل سُئِلَ عَن سِتِّينَ ألف مَسْأَلَة فَأجَاب فِيهَا ب حَدثنَا وَأخْبرنَا
وَقَالَ أبي زرْعَة الرَّازِيّ كَانَ أَحْمد يحفظ ألف ألف حَدِيث
فَقيل لَهُ وَمَا يدْريك قَالَ ذاكرته فَأخذت عَلَيْهِ الْأبياب
وَأما الثَّانِيَة فالصدق فِيهَا لائح وَالْحق وَاضح إِذْ كَانَ أصل الْفِقْه الْكتاب وَالسّنة وأقوال الصَّحَابَة وَبعد هَذَا الْقيَاس والمتقدمون كَانُوا لَا يرَوْنَ وضع الْكتب وَإِنَّمَا يحفظون مَا ذكرنَا ويفتون بهَا فَمن نقل عَنْهُم الْعلم وَالْفِقْه كَانَ رِوَايَة يتلقاها عَنْهُم ودراية يتفهمها مِنْهُم فنقلة الْفِقْه عَنهُ أَعْيَان الْبلدَانِ وأئمة الْأَزْمَان قريب من مائَة وَعشْرين نفسا
قَالَ الْأَثْرَم قلت يَوْمًا وَنحن عِنْد أبي عبيد فِي مَسْأَلَة فَقَالَ بعض الْحَاضِرين هَذَا قَول من فَقلت من لَيْسَ فى شَرق وَلَا غرب أكبر مِنْهُ أَحْمد بن حَنْبَل
قَالَ أبي عبيد صدق
وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه سَمِعت يحيى بن آدم يَقُول أَحْمد بن حَنْبَل إمامنا
وَقَالَ أبي ثَوْر أَحْمد بن حَنْبَل أعلم من الثورى وأفقه
قلت وَيظْهر لَك ذَلِك بِأَنَّهُ فِي بعض الْمسَائِل ينْقل فِيهَا أقوالا كَثِيرَة وَأما الثَّالِثَة فَهُوَ كَمَا قَالَ نقل الْمروزِي كَانَ أبي عبد الله لَا يلحن فى

الْكَلَام وَلما نوظر بَين يَدي الْخَلِيفَة كَانَ يَقُول كَيفَ أَقُول مَا لم يقل وَقَالَ أَحْمد كتب فى الْعَرَبيَّة أَكثر مِمَّا كتبت أبي عَمْرو بن الْعَلَاء
رَوَاهُ عَنهُ مُحَمَّد بن حبيب
وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد سَأَلت أبي عَن حَدِيث إِسْمَاعِيل بن علية عَن أَيُّوب عَن أبي معشر قَالَ يكره التكفر فِي الصَّلَاة
قَالَ أَبى التكفر أَن يضع يَمِينه عِنْد صَدره فِي الصَّلَاة
وَأما الرَّابِعَة فَهُوَ وَاضح الْبَيَان لائح الْبُرْهَان قَالَ أبي الْحُسَيْن ابْن المنادى صنف أَحْمد فِي التَّفْسِير وَهُوَ مائَة ألف وَعِشْرُونَ ألفا يَعْنِي حَدِيثا والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر فِي كتاب الله تَعَالَى
وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد كَانَ أَبى يقْرَأ الْقُرْآن فِي كل أُسْبُوع ختمتين إِحْدَاهمَا لَيْلًا وَالْأُخْرَى نَهَارا وَقد ختم الْقُرْآن فِي لَيْلَة بِمَكَّة مُصَليا بِهِ
وَأما الْخَامِسَة فيا لَهَا خلة مَقْصُودَة وَحَالَة محمودة قَالَ تَعَالَى (أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا) قَالَ أبي جَعْفَر على الْفقر من الدُّنْيَا
وَقَالَ أبي بَرزَة الأسلمى قَالَ رَسُول الله (إِن فُقَرَاء الْمُسلمين ليدخلون الْجنَّة قبل أغنيائهم بِمِقْدَار أَرْبَعِينَ خَرِيفًا يتَمَنَّى أَغْنِيَاء الْمُسلمين يَوْم الْقِيَامَة أَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا فُقَرَاء)
وَأما السَّادِسَة فَهِيَ ظَاهِرَة أَتَت الدُّنْيَا فأباها والرئاسة فنفاها عرضت عَلَيْهِ الْأَمْوَال وفوضت إِلَيْهِ الْأَحْوَال وَهُوَ يرد ذَلِك ويتعفف

وَيَقُول أَنا أفرح إِذا لم يكن عندى شىء وَيَقُول إِنَّمَا هُوَ طَعَام دون طَعَام ولباس دون لِبَاس وَإِنَّمَا هِيَ أَيَّام قَلَائِل
وَقَالَ إِسْحَاق بن هانىء بكرت يَوْمًا لأعارض أَحْمد بالزهد فبسطت لَهُ حَصِيرا ومخدة
فَنظر إِلَيْهِمَا وَقَالَ مَا هَذَا قلت لتجلس عَلَيْهِ
فَقَالَ إِن هَذَا لَا يحسن بالزهد فَرَفَعته وَجلسَ على الأَرْض
وَأما السَّابِعَة فَقَالَ أبي عبد الله السمسار كَانَت لأم عبد الله ابْن أَحْمد دَار مَعنا فِي الدَّرْب يَأْخُذ مِنْهَا أَحْمد درهما بِحَق مِيرَاثه فاحتاجت إِلَى نَفَقَة تصلحها فأصلحها ابْنه عبد الله
فَترك أَحْمد الدِّرْهَم الذى كَانَ يَأْخُذهُ وَقَالَ قد أفْسدهُ على وَنهى ولديه وَعَمه عَن أَخذ الْعَطاء من مَال الْخَلِيفَة فاعتذروا بِالْحَاجةِ
فهجرهم شهرا لأخذ الْعَطاء
وصف لَهُ دهن اللوز فِي مَرضه قَالَ حَنْبَل فَلَمَّا جئناه بِهِ أَبى أَن يذوقه
وَوصف لَهُ فِي علته قرعَة تشوى وَيُؤْخَذ مَاؤُهَا فَلَمَّا جَاءُوا بِالْقُرْعَةِ قَالَ بعض الْحَاضِرين اجْعَلُوهَا فِي تنور صَالح فَإِنَّهُم قد خبزوا
فَقَالَ بِيَدِهِ لَا وأبى أَن يُوَجه بهَا إِلَى منزل صَالح
قَالَ حَنْبَل وَمثل هَذَا كثير
وَقَالَ المروزى سَمِعت أَحْمد يَقُول الْخَوْف قد منعنى أكل الطَّعَام وَالشرَاب فَمَا اشتهيته
وَكَانَ أَحْمد بذرع دَاره الَّتِي يسكنهَا وَيخرج عَنْهَا الذى وَضعه عمر رضى الله عَنهُ على السوَاد

وَأما الثَّامِنَة فَلَا شكّ أَنه فِي السّنة الإِمَام الفاخر وَالْبَحْر الزاخر أوذى فِي الله فَصَبر ولكتابه نصر ولسنة نبيه انتصر أفْصح الله فِيهَا لِسَانه وأوضح بَيَانه
قَالَ تَعَالَى (وَأُخْرَى تحبونها نصر من الله وَفتح قريب وَبشر الْمُؤمنِينَ) قَالَ على بن المدينى أيد الله تَعَالَى هَذَا الدّين برجلَيْن لَا ثَالِث لَهما أبي بكر الصّديق يَوْم الرِّدَّة وَأحمد بن حَنْبَل يَوْم المحنة
وَقَالَ المزنى أبي بكر الصّديق يَوْم الرِّدَّة وَعمر يَوْم السَّقِيفَة وَعُثْمَان يَوْم الدَّار وعَلى يَوْم صفّين وَأحمد بن حَنْبَل يَوْم المحنة
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الحربى سعيد بن الْمسيب فِي زَمَانه وسُفْيَان الثورى فِي زَمَانه وَأحمد بن حَنْبَل فِي زَمَانه
وَقَالَ عبد الْوَهَّاب الْوراق لما قَالَ النَّبِي (فَردُّوهُ إِلَى عالمه)
رددناه إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل وَكَانَ أعلم أهل زَمَانه وَقيل لبشر بن الْحَارِث يَوْم ضرب أَحْمد قد وَجب عَلَيْك أَن تَتَكَلَّم فَقَالَ تُرِيدُونَ منى أَن أقوم مقَام الْأَنْبِيَاء لَيْسَ هَذَا عندى حفظ الله أَحْمد بن حَنْبَل من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه ثمَّ قَالَ بعد مَا ضرب أَحْمد بن حَنْبَل من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه ثمَّ قَالَ بعد مَا ضرب أَحْمد لقد أَدخل الْكِير فَخرج ذهبة حَمْرَاء
وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ الشَّافِعِي من أبْغض أَحْمد فَهُوَ كَافِر
فَقلت تطلق عَلَيْهِ اسْم الْكفْر فَقَالَ نعم من أبْغض أَحْمد بن حَنْبَل فقد عاند السّنة وَمن عاند السّنة قصد الصَّحَابَة وَمن قصد الصَّحَابَة أبْغض النبى وَمن أبْغض النَّبِي كفر بِاللَّه الْعَظِيم وَقَالَ أَحْمد بن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه سَمِعت أَبى يَقُول لَوْلَا أَحْمد بن

حَنْبَل وبذل نَفسه , لما بذلها لذهب الْإِسْلَام
وَقد صنف جمع فِي مناقبه كَابْن مندة والبيهقى وَشَيخ الْإِسْلَام الأنصارى وَابْن الجوزى وَابْن نَاصِر وشهرة إِمَامَته ومناقبه وسيادته وبراعته وزهادته كَالشَّمْسِ إِلَّا أَنَّهَا لَا تغرب
ولد بِبَغْدَاد بعد حمل أمه بمرو فى ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَتوفى يَوْم الْجُمُعَة بِبَغْدَاد لنَحْو ساعتين من النَّهَار لاثنتى عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَله سبع وَسَبْعُونَ سنة
قَالَ المتَوَكل لمُحَمد بن طَاهِر طُوبَى لَك صليت على أَحْمد بن حَنْبَل
قَالَ عبد الْوَهَّاب الْوراق مَا بلغنَا أَنه كَانَ للْمُسلمين مجمع أَكثر مِنْهُم إِلَّا جَنَازَة فِي بنى إِسْرَائِيل
روى ابْن ثَابت الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ عَن الوركانى جَار أَحْمد بن حَنْبَل أسلم يَوْم مَاتَ أَحْمد عشرُون ألفا من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس فنسأل الله أَن يحشرنا مَعَه بمنه وَكَرمه

المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.

 

 

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَسَدٍ الشَّيْبَانِيُّ وُلِدَ بِمَرْو، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى بَغْدَادَ وَهُوَ رَضِيعٌ، وَقَدْ كَانَ وَالِدُهُ فِي بَعْثِ الْغُزَاةِ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ أَدْرَكَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ الزُّهْرِيَّ، وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيثَ قَلَائِلَ، وَأَتَى عَلَى حَدِيثِ أَهْلِ بَغْدَادَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، وَصَحِبَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى صَنْعَاءَ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بِلَادِ الْعِرَاقِ، وَالْكُوفَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَوَاسِطٍ، ثُمَّ خَرَجَ أَحْمَدُ إِلَى الشَّامِ وَحْدَهُ، وَكَانَ أَفْقَهَ أَقْرَانِهِ، وَأَوْرَعَهُمْ وَأَكَفَّهُمْ عَنِ الْكَلَامِ فِي الْمُحَدِّثِينَ إِلَّا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ، وَكَانَ يُمْلِي الْكُتُبَ مِنْ حِفْظِهِ عَلَى تَلَامِذَتِهِ أَمْلَى عَلَى حَرْبِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْكَرْمَانِيِّ تَارِيخًا وَمَسَائِلَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ جُزْءًا، وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَدْ كَانَ أَمْسَكَ عَنِ الرِّوَايَةِ مِنْ وَقْتِ الِامْتِحَانِ وَكَانَتِ الْمِحْنَةُ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ فَمَا كَانَ يَرْوِي إِلَّا لِبَنِيهِ فِي بَيْتِهِ وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ صَاوعبد اللَّهِ عَالِمَانِ رَوَيَا عَنْ أَبِيهِمَا عِلْمًا كَثِيرًا، وَصَالِحٌ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بَقِيَ إِلَى سَنَةِ تِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ

الإرشاد في معرفة علماء الحديث - أبو يعلى الخليلي، خليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني.

 

 

أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل بن هِلَال بن أَسد الشَّيْبَانِيّ أَبُو عبد الله الْمروزِي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ
الإِمَام الشهير صَاحب الْمسند والزهد وَغير ذَلِك
خرج بِهِ من مرو حملا وَولد بِبَغْدَاد فِي ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَنَشَأ بهَا وَطلب الحَدِيث سنة تسع وَسبعين وَمِائَة وَطَاف الْبِلَاد وَدخل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة والحجاز واليمن وَالشَّام والجزيرة فِي طلب الْعلم
روى عَن إِبْرَاهِيم بن سعد وَإِسْمَاعِيل بن علية وبهز بن أَسد وَبشر ابْن الْمفصل وخلائق
وَعنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَآخَرُونَ آخِرهم أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ
وَكَانَ من كبار الْحفاظ الْأَئِمَّة وَمن أَحْبَار هَذِه الْأمة
قَالَ وَكِيع وجعفر بن غياث مَا قدم الْكُوفَة مثله

وَقَالَ ابْن مهْدي هَذَا أعلم النَّاس بِحَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق أما يحيى بن معِين فَمَا رَأَيْت مثله وَلَا أعلم بِالْحَدِيثِ مِنْهُ من غير سرد وَأما ابْن الْمَدِينِيّ فحافظ سراد وَأما أَحْمد فَمَا رَأَيْت أفقه مِنْهُ وَلَا أورع
وَقَالَ يحيى بن آدم إمامنا وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ خرجت من بَغْدَاد فَمَا خلفت بهَا أفقه وَلَا أزهد وَلَا أورع وَلَا أعلم مِنْهُ
وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ لَيْسَ فِي أَصْحَابنَا أحفظ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النُّفَيْلِي كَانَ أَحْمد من علام الدّين
وَقَالَ الْحَارِث بن عَبَّاس قلت لأبي مسْهر هَل تعرف أحدا يحفظ على هَذِه الْأمة أَمر دينهَا قَالَ لَا إِلَّا شَابًّا فِي نَاحيَة الْمشرق يَعْنِي الإِمَام أَحْمد
وَقَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام انْتهى علم الحَدِيث إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بن معِين وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَكَانَ أَحْمد أفقههم فِيهِ وَكَانَ على أعلمهم بِهِ وَكَانَ يحيى أجمعهم لَهُ وَكَانَ أَبُو بكر أحفظهم لَهُ
وَقَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ كَانَ أَحْمد يحفظ ألف ألف حَدِيث قيل وَمَا يدْريك قَالَ ذاكرته فَأخذت عَلَيْهِ الْأَبْوَاب
وَقَالَ هِلَال بن الْعَلَاء الرقي من الله على هَذِه الْأمة بأَرْبعَة فِي زمانهم بِأَحْمَد بن حَنْبَل ثَبت فِي المحنة وَلَوْلَا ذَلِك لكفر النَّاس وبالشافعي تفقه فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبيحيى بن معِين نفي الْكَذِب عَن حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام فسر الْغَرِيب من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَوْلَا ذَلِك لأقحم النَّاس فِي الْخَطَأ

مَاتَ بِبَغْدَاد يَوْم الْجُمُعَة لِاثْنَتَيْ عشرَة خلت من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

الإمام المجتهد الرابع أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان الشيباني المروزي الأصل ثم البغدادي، المتوفى بها يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول سنة  إحدى وأربعين ومائتين عن سبع وسبعين سنة.
قدم به أبوه من مرو وهو حمل فولد ببغداد في ربيع الأول سنة 164 ومات أبوه شاباً وهو جندي وأحمد ابن ثلاث وطلب العلم في مجلس القاضي أبي يوسف، ثم أقبل على سماع الحديث وهو ابن ستة عشر. وحجَّ وجاور سنين. وأخذ عن عبد الرزاق بصنعاء ويحيى بن معين وإسحق بن راهويه وطاف البلاد. وسمع من مشايخ العصر كإسمعيل بن عُلية ويزيد بن هرون ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأبي داود الطيالسي ووكيع وسفيان بن عيينة والشافعي وخلق.
وروى عنه أبناؤه صالح وعبد الله، ومحمد بن إسمعيل البخاري ومسلم وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود وخلق. وقد أكثر في "المسند" وغيره الرواية عن الشافعي وأخذ عنه من الفقه ما هو مشهور وكان نَقَلَةُ الفقه عنه مائة ونيف وعشرين نفساً وأما نَقَلَةُ الحديث فقد جمعت فيه المصنفات. وصنَّف في التفسير و"المسند" وهو مائة وعشرون ألف حديث و"الناسخ والمنسوخ" و"المقدم والمؤخر" و"جواب القرآن". ولما كتب المأمون من طرسوس إلى نائب بغداد يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن في سنة 218 فامتنعوا فهددهم بالضرب، فأجاب أكثرهم واستمر الإمام أحمد ومحمد بن نوح على الامتناع، فحملا على بعير وسُيّرا إلى الخليفة وهما مقيدان، فجاء الخبر بموت المأمون، فَرُدّا إلى بغداد. ومات صاحبه محمد في الطريق وبقي هو في السجن ثمانية وعشرين شهراً، ثم ضُرب بين يدي المعتصم إلى أن أغمي عليه، ثم قوّل كذلك في زمان المعتصم والواثق ولما ولي المتوكل رفع المحنة وعوفي ثم لزم منزله فلم يخرج إلا لجمعة وجماعات وامتنع من التحديث، ثم دعاه المتوكل من بغداد فأكرمه وكتب لأهله في كل شهر بأربعة آلاف درهم.
وكان يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من الأسواط صلى مائة وخمسين ركعة. وكانت مجالسه مجالس الآخرة. ثم انصرف إلى بغداد بعد سنة ومرض وأشار إلى أهله أن يوضؤه فلما أكملوا وضوءه توفي. ولم يبق أحد في جانبي بغداد إلا حضر ودفن في باب حرب عند عبد الله أحد أصحاب منصور الدوانقي. وقد أخذه ماء دجلة وما سُمع أن جمعاً اجتمعوا في جنازة أكثر من جمعه. وقد جمع أخباره ابن الجوزي والبيهقي وشيخ الإسلام الهروي وغيرهم.

سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.

 

 

أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل بْن هلال بْن أسد، أَبُو عَبْد اللَّه:
إمام المحدثين، الناصر للدين، وَالمناضل عَنِ السنة، وَالصابر فِي المحنة، مروزي الأصل، قدمت أمه بغداد وهي حامل فولدته ونشأ بها، وطلب العلم وسمع الحديث من شيوخها، ثم رحل إِلَى الكوفة، وَالبصرة، ومكة، وَالمدينة، وَاليمن، وَالشام، وَالجزيرة، فكتب عَن علماء ذلك العصر.
وسمع من إسماعيل بن علية، وهشيم بْن بشير، وحماد بْن خالد الخياط، ومنصور ابن سلمة الخزاعي، وَالمظفر بْن مدرك، وعثمان بْن عمر بن فارس، وأبي النّضر هاشم ابن القاسم، وأبي سعيد مولى بني هاشم، ومحمد بن يزيد، ويزيد بن هارون الواسطيين، ومحمد بْن أَبِي عدي، ومحمد بْن جعفر غندر، ويحيى بْن سعيد القطان، وعبد الرحمن بْن مهدى، وبشر بْن المفضل ومحمد بْن بكر البرساني، وأبي داود الطيالسي، وروح بْن عبادة، ووكيع بْن الجراح، وأبي معاوية الضرير، وعبد اللَّه بْن نمير، وأبي أسامة، وسفِيان بْن عيينة، ويحيى بْن سليم الطائفِي، ومحمد بْن إدريس الشافعي، وإبراهيم بْن سعد الزهري، وعبد الرزاق بْن همام، وأبي قرة موسى بْن طارق، وَالوليد بْن مسلم، وأبي مسهر الدمشقي، وأبي اليمان، وعلى بْن عياش، وبشر ابن شعيب بْن أَبِي حمزة الحمصيين، وخلق سوى هؤلاء يطول ذكرهم، ويشق إحصاء أسمائهم.
وروى عنه غير واحد من شيوخه الذين سميناهم، وحدث أيضا عنه ابناه: صالح، وعبد اللَّه وابن عمه حَنْبَل بْن إِسْحَاق، وَالحسن بْن الصباح البزار، ومحمد بْن إسحاق الصاغاني، وعباس بْن مُحَمَّد الدوري، ومحمد بْن عَبْيد اللَّه المنادي، وَمُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَاريّ، ومسلم بْن الحجاج النيسابوري، وأبو زرعة، وأبو حاتِم الرازيان، وأبو داود السجستاني، وأبو بكر الأثرم، وأبو بكر المروذي، ويعقوب ابن شيبة، وأَحْمَد بْن أَبِي خيثمة، وأبو زرعة الدمشقي، وإبراهيم الحربي، وَموسى بْن هارون وَعَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد البغوي، وغيرهم.
حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّد بْن مُوسَى الصيرفِي قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو العباس مُحَمَّد بْن يعقوب الأصم قَالَ: سمعتُ الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدوري يَقُولُ: وكَانَ أَحْمَد رجلا من العرب من بني ذهل بْن شيبان.
أَخْبَرَنَا عبيد اللَّه بْن أَبِي الفتح، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْوَرَّاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي داود، قَالَ: أَحْمَد بْن حَنْبَل من بني مازن بْن ذهل بن شيبان بن ثعلبة ابن عكابة بْن صعب بْن عَلِيّ بْن بكر بْن وائل بْن قاسط بْن هنب بْن أفصى بن دعمي ابن جديلة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار، أخي مضر بْن نزار. وكَانَ فِي ربيعة رجلان لم يكن فِي زمانهما مثلهما، لم يكن فِي زمن قتادة مثل قتادة، ولم يكن في زمان أحمد ابن حَنْبَل مثله.
قلت: وقول عباس الدوري وأبي بكر بْن أَبِي داود أن أَحْمَد من بني ذهل بْن شيبان غلط، إنما كَانَ من بني شيبان بْن ذهل بْن ثعلبة، وذهل بْن ثعلبة هذا هو عم ذهل بْن شيبان.

حَدَّثَنِي من أثق بِهِ من العلماء بالنسب. قال: مازن بن ذهل بْن ثعلبة الحصن، هو ابْن عكابة بْن صعب بْن علي، ثم ساق النسب إِلَى ربيعة بْن نزار كما ذكرناه عَن ابْن أَبِي داود قَالَ: وهذه قبيلة أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حَنْبَل، وهذا هو ذهل المسن الذي منه دغفل بْن حنظلة، وَالقعقاع بْن شور وابن أخيه عَبْد الملك بْن نافع بْن شور الذي يروى حديث الأشربة عَن ابن عمر ومنه محارب بن دثار، ومنه عمران بن حطان، وهو بطن كثير العلماء، والخطباء والشعراء، والنسابين. قَالَ: وذهل الأكبر هو ابْن أخي هذا، وسمى الأكبر لأن العدد فِي ولده، وهو ذهل بْن شيبان بْن ثعلبة الحصن، ومنه المثنى بْن حارثة، وفِي ولده العدد وَالشرف وَالفخر وله قيل: إذا كنت فِي قيس فكاثر بعامر بْن صعصعة وحارب بسليم بْن منصور، وفاخر بغطفان بْن سعد.
وإذا كنت في خندف فكاثر بتميم، وفاخر بكنانة، وحارب بأسد. وإذا كنت فِي ربيعة فكاثر بشيبان وفاخر بشيبان، وحارب بشيبان. قَالَ: فإذا قلت الشيباني لم يفد المطلق من هذا إلا ولد شيبان بْن ثعلبة الحصن، وإذا قلت الذهلي، لم يفد مطلق هذا إلا ولد ذهل بْن ثعلبة الحصن، فِينبغي أن يقال أَحْمَد بْن حَنْبَل الذهلي عَلَى الإطلاق.
قلت: وقد ساق عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل نسب أَبِيهِ إِلَى شيبان بْن ذهل بْن ثعلبة كما ذكرناه.
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حمدان، حَدَّثَنَا عبد الله ابن أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا أَبِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل بن هلال بن أسد بن إدريس ابن عَبْد اللَّه بْن حيان بْن عَبْد اللَّه بْن أنس بْن عوف بْن قاسط بْن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بْن وائل بْن قاسط بْن هنب بْن أفصى بْن دعمي بْن جديلة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار بْن معد بن عدنان بن أد بن أدد ابن الهميسع بْن حمل بْن النبت بْن قيدار بْن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم الخليل عَلَيْهِ السلام.
حدثت عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر الخلّال، أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل قَالَ: بلغني عَن يحيى بْن معين قَالَ: ما رأيت خيرا من أَحْمَد بْن حَنْبَل قط، ما افتخر عَلَيْنَا قط بالعربية ولا ذكرها.

أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق، حدّثنا الوليد بن بكر الأندلسي، حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن الخصيب الهاشمي، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: وأَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل يكنى أبا عَبْد اللَّه سدوسي من أنفسهم، بصري من أهل خراسان، ولد ببغداد ونشأ بها، ثقة ثبت فِي الحديث، نزه النفس فقيه في الحديث متبع للآثار صاحب سنة وخير.
أَخْبَرَنَا إبراهيم بن عُمَر البرمكي وعبد العزيز بن علي الأزجي قَالا: أَخْبَرَنَا عَلِيّ ابن عبد العزيز بن مردك البردعي، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حَدَّثَنَا أَبُو زرعة قَالَ:
أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل بْن هلال بْن أسد أَبُو عَبْد اللَّه الشيباني أصله بصرى وخطته بمرو.
أَخْبَرَنِي عَبْد الْغَفَّارِ بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَرٍ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عصمة الخراساني، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الخضر قَالَ:
سمعت مُحَمَّد بن حاتم يقول: أحمد بْن حَنْبَل أصله من مرو، وحمل من مرو وأمه بِهِ حامل، وجده حَنْبَل بْن هلال ولي سرخس، وكَانَ من أبناء الدعوة، فسمعت إسحاق بْن يونس صاحب ابْن المبارك يقول: ضرب حَنْبَل بْن هلال وأبو النجم إسحاق بْن عيسى السعدي المسيب بْن زهير الضبي ببخارى فِي دسهم إِلَى الجند فِي الشغب، وحلقهما.
أَخْبَرَنَا البرمكي وَالأزجي قَالا: حدّثنا علي بن عبد العزيز، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حَدَّثَنَا صالح بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل- وذكر أباه- فقال: جيء بِهِ حمل من مرو، وتوفي أبوه مُحَمَّد بْن حَنْبَل وله ثلاثون سنة. فوليته أمه.
قلت: أحسب أن أباه هو الذي مات وسنة ثلاثون سنة، وكَانَ أَحْمَد إذ ذاك طفلا، فالله أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق، أَخْبَرَنَا إسماعيل بن علي الخطبي وأبو علي بن الصواف، وأحمد بْن جعفر بْن حمدان. قالوا: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: قَالَ أَبِي: ولدت فِي سنة أربع وستين ومائة.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ مَالِكٍ- وأَنَا أَسْمَعُ- حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: قَالَ أَبِي: سمعت من علي بْن هاشم بْن البريد- سنة تسع وسبعين- فِي أول سنة طلبت الحديث، ثم عدت إليه المجلس الآخر وقد مات، وهي السنة التي مات فيها مالك بْن أنس.
أخبرنا البرمكيّ، أخبرنا علي بن عبد العزيز، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: قَالَ أَبِي: أول سماعي من هشيم سنة تسع وسبعين، وكَانَ ابْن المبارك قدم فِي هذه السنة وهي آخر قدمة قدمها، وذهبت إِلَى مجلسه فقالوا: قد خرج إِلَى طرسوس. وتوفي سنة إحدى وثمانين.
أَخْبَرَنِي عَبْد الغفار المؤدّب، حدّثني عمر بْن أَحْمَد الواعظ قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن العباس بْن الوليد النحوي فِي مجلس ابن أَبِي داود يقول: سمعت أَبِي يقول: رأيت أَحْمَد بْن حَنْبَل رجلا حسن الوجه ربعة من الرجال، يخضب بالحناء خضابا ليس بالقاني، فِي لحيته شعرات سود، ورأيت ثيابه غلاظا إلا أنها بيض، ورأيته معتما وعليه إزار.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إدريس ابن عَبْد الكريم المقرئ قَالَ: رأيت علماءنا، مثل الهيثم بْن خارجة- ومصعب الزبيري، ويحيى بْن معين، وأبي بكر بْن أَبِي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة، وعبد الأعلى ابن حماد النرسي ومُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن أَبِي الشوارب، وعلي بن المديني، وعبيد اللَّه بْن عمر القواريري، وأبي خيثمة زهير بْن حرب، وأبي معمر القطيعي، ومحمّد ابن جعفر الوركَانَي، وأَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أيوب صاحب المغازي، ومحمد بْن بكار بْن الريان، وعمر بْن مُحَمَّد الناقد، ويحيى بن أيوب المقابري العابد، وسريج ابن يونس، وخلف بن هشام البزار، وأبي الربيع الزهراني- فيمن لا أحصيهم من أهل العلم وَالفقه يعظمون أَحْمَد بْن حَنْبَل ويجلونه ويوقرونه ويبجلونه، ويقصدونه بالسلام عليه.
أخبرني البرقانيّ، حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن زِيَادٍ النَّيْسَابُوريّ قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول أَنَا أقول: سعيد بْن المسيب فِي زمانه، وسفِيان الثوري فِي زمانه، وأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي زمانه.
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ، حدّثنا سليمان بن أحمد الطبراني، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حَدَّثَنِي أَبُو يوسف يَعْقُوبَ بْن إِسْمَاعِيل بْن حَمَّاد بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي نصر بْن علي قَالَ: قَالَ عَبْد اللَّه بْن داود الخريبي: كَانَ الأوزاعي أفضل أهل زمانه، وكَانَ بعده أَبُو إسحاق الفزاري أفضل أهل زمانه.
قَالَ نصر بْن علي وأنا أقول: كان أحمد ابن حَنْبَل أفضل أهل زمانه.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الحسين بْن شجاع بْن الحسن الصوفِي، حَدَّثَنَا عمر بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي، حدّثنا يعقوب بن يوسف المطوعي، حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن شبويه- أَبُو عَبْد الرحمن- قَالَ: سمعت قتيبة يقول: لولا الثوري لمات الورع، ولولا أَحْمَد بْن حَنْبَل لأحدثوا فِي الدين، قلت لقتيبة: تضم أَحْمَد بْن حَنْبَل إِلَى أحد التابعين؟ فقال: إِلَى كبار التابعين.
حَدَّثَنِي أَبُو القاسم الأزهري، حَدَّثَنَا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا محمّد بن مخلد، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر المروذي قَالَ: سمعت خضر الطرسوسي يقول: سمعت إسحاق بْن راهويه يقول: سمعت يحيى بْن آدم يقول: أَحْمَد بْن حَنْبَل إمامنا.
أَخْبَرَنَا البرمكي وَالأزجي قَالا: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عَبْد العزيز، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سلمة النيسابوري قَالَ: سمعت قتيبة يقول: أَحْمَد بْن حَنْبَل وإسحاق بْن راهويه إماما الدُّنْيَا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن يعقوب، أخبرنا محمّد ابن نعيم الضبي قَالَ: سمعت أبا سعيد عمرو بْن مُحَمَّد بْن منصور يقول: سمعت مُحَمَّد بْن إسحاق بْن إِبْرَاهِيم الحنظلي يقول: سمعت أَبِي يقول: أَحْمَد بْن حَنْبَل حجة بين اللَّه وبين عبيده فِي أرضه.
حدثت عَن عَبْد العزيز بن جعفر قَالَ: أخبرنا أبو بكر الخلال، حَدَّثَنَا المروذي قَالَ:
حضرت أبا ثور- وقد سئل عَن مسألة- فقال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ شيخنا وإمامنا فِيهَا كذا وكذا.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا سليمان الطبراني، حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: سمعت علي بن المديني يقول: أَحْمَد بْن حَنْبَل سيدنا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْنِ بْن إِبْرَاهِيم الخفاف، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد الصوفِي الواسطي فِي مجلس ابْن مالك القطيعي. قَالَ: حدث أبو يعلى الموصلي - وأنا أسمع- قال: سمعت علي بن المديني يقول: إن اللَّه أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث، أَبُو بَكْر الصديق يوم الردة، وأَحْمَد بْن حَنْبَل يوم المحنة.
حدثت عَن عَبْد العزيز بْن جعفر قَالَ: سمعت أبا بكر الخلال يقول: حَدَّثَنِي الميموني قَالَ: سمعت عَلِيّ بن المديني يقول: ما قام أحد بأمر الإسلام بَعْدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قام أَحْمَد بْن حَنْبَل. قَالَ: قلت له: يا أبا الحسن، ولا أَبُو بَكْر الصديق؟ قَالَ:
ولا أَبُو بَكْر الصديق، أن أبا بكر الصديق كَانَ له أعوان وأصحاب، وأَحْمَد بْن حَنْبَل لم يكن له أعوان ولا أصحاب.
أخبرني عبد الغفار المؤدّب، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثني محمّد بن إبراهيم الحربيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: سمعت أبي يقول: كان أحمد ابن حَنْبَل بِالَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَائِنٌ فِي أُمَّتِي مَا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَتَّى أَنَّ الْمِنْشَارَ لَيُوضَعُ عَلَى فَرْقِ رَأْسِهِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ»
ولولا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل قَامَ بِهَذَا الشَّأْنِ لَكَانَ عارا علينا إلى اليوم القيامة، أن قوما سبكوا فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن الحسن المالكي، حدثنا عمر بن أحمد بن هارون المقرئ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زياد، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بْن أبي الحنين قَالَ: سمعت إسماعيل بْن خليل يقول: لو كَانَ أَحْمَد بْن حَنْبَل فِي بني إسرائيل لكَانَ آية.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاق النعالي حدثكم عَبْد اللَّه بْن إِسْحَاق المدايني قَالَ: سمعت أَبِي يقول: رأيت كأن الناس قد جمعوا إِلَى مكة، وكأن الحجر الأسود انصدع فخرج منه لواء، فقلت: ما هذا؟ فقيل لي: أَحْمَد بْن حَنْبَل بايع اللَّه عز وجل.
وأخبرني البرقانيّ، أخبرنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا جعفر بن محمّد الصيدلي قَالَ: سَمِعْتُ خَطَّابَ بْنَ بِشْرٍ يَذْكُرُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ- يَعْنِي الْوَرَّاقَ- قَالَ:
لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ» رددناه إِلَى أَحْمَد بْن حَنْبَل، وكَانَ أعلم أهل زمانه.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله السراج- بنيسابور- حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قَالَ: سمعت أبا يعقوب الخوارزمي- ببيت المقدس- قَالَ: سمعت حرملة بْن يحيى يقول: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدا أتقى ولا أورع ولا أفقه- أظنه قَالَ: ولا أعلم- من أحمد ابن حَنْبَل.
أَخْبَرَنَا البرمكي وَالأزجي. قَالا: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عَبْد العزيز، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سلمة النيسابوري قَالَ: سمعت إسحاق- يعني ابْن راهويه- يقول: كنت أجالس بالعراق أَحْمَد بْن حَنْبَل ويحيى بْن معين وأصحابنا، فكنا نتذاكر الحديث من طريق وطريقين وثلاثة، فِيقول يحيى بْن معين من بينهم: وطريق كذا، وطريق كذا، فأقول: أليس قد صح هذا بإجماع منا؟ فِيقولون: نعم! فأقول:
ما مراده؟ ما فقهه؟ فيبقون كلهم إلا أحمد بن حنبل فإنه يتكلم بكلام له قوي.
أخبرنا محمّد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أبا الفضل مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الفضل يَقُولُ: سمعتُ أَحْمَد بْن سلمة يَقُولُ: سمعتُ أَحْمَد بْن سعيد الدارمي يقول: ما رأيت أسود الرأس أحفظ لحديث رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعلم بفقهه ومعانيه، من أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حَنْبَل.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله المعدّل، حدثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الثَّقَفِيّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن يونس يقول: سمعت أبا عاصم- وذكر الفقه- فقال: ليس ثم- يعني ببغداد- إلا ذلك الرجل- يعني أَحْمَد بْن حَنْبَل- ما جاءنا من ثم أحد غيره يحسن الفقه، فذكر له علي بن المديني، فقال بيده- ونفضها.
أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن عمر الفقيه، حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن حمدان العكبريّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رجاء قَالَ: سمعت عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد ابن حَنْبَل يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: كَانَ أَحْمَد بْن حَنْبَل يحفظ ألف ألف حديث!! فقيل له: وما يدريك؟ قَالَ: ذاكرته فأخذت عَلَيْهِ الأبواب.
أَخْبَرَنَا البرمكيّ، أخبرنا علي بن عبد العزيز، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سمعت أَبِي يقول: كتبت عَن إِبْرَاهِيم بْن سعد فِي ألواح، فقال لي: تكتب؟ وصليت خلفه غير مرة فكَانَ يسلم واحدة.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهري، حدّثنا محمّد بن المظفر، حدّثنا عبد الله بن محمّد ابن جعفر القاضي القزويني- بمصر- قَالَ: سمعت أبا بكر الصاغاني يقول: أول ما تبينت من إسحاق بْن أَبِي إسرائيل أن اللَّه يضعه أني سمعته يقول: ها هنا قوم قد اختضبوا، يدعون أنهم سمعوا من إِبْرَاهِيم بْن سعد، يعرض بأَحْمَد بْن حَنْبَل- قَالَ الصاغاني: فكَانَ ذاك أن اللَّه وضعه ورفع أبا عَبْد اللَّه.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الله محمّد بن يوسف النّيسابوريّ، أخبرنا محمّد بن حمزة الدمشقي، أَخْبَرَنَا يوسف بْن القاسم القاضي قَالَ: سمعت أبا يعلى التميمي يقول:
سمعت أَحْمَد بْن إبراهيم- يعني الدروقي- يقول: من سمعتموه يذكر أَحْمَد بْن حَنْبَل بسوء فاتهموه عَلَى الإسلام.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْن شُجَاعٍ الصوفِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَر بْن جعفر بن محمد بن سلم، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن علي الأبار قَالَ: سمعت سفِيان بْن وكيع يقول: أَحْمَد عندنا محنة، من عاب أَحْمَد فهو عندنا فاسق.
أَخْبَرَنَا عَبْد العزيز بْن أَبِي الْحَسَن القرميسيني، حَدَّثَنَا أَبُو الفتح يُوسف بْن عُمَر بْن مسرور القواس، حَدَّثَنَا أَبُو الحسن عَلِيّ بْن مُحَمَّد المطيري قَالَ: سمعت أبا الحسن الطرخاباذي الهمداني يقول: أَحْمَد بْن حَنْبَل محنة- بِهِ يعرف المسلم من الزنديق.
حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن أَبِي طالب، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن إبراهيم بن شاذان، حدّثنا محمّد ابن علي المقرئ- بالدالية- قَالَ: أنشدنا أَبُو جعفر محمّد بن بدينا الموصلي قال:
أنشدني ابن أعين فِي أَحْمَد بْن حَنْبَل:
أضحى ابْن حَنْبَل محنة مأمونة ... وبحب أَحْمَد يعرف المتنسك
وإذا رأيت لأَحْمَد متنقصا ... فأعلم بأن ستوره ستهتك
حَدَّثَنَا أَبُو الفتح مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أبي الفوارس- إملاء- حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حفص- أَبُو عَبْد اللَّه الخصيب- حدّثنا أبو بكر محمّد ابن أَحْمَد بْن داود بْن سيار بْن أَبِي عتّاب المؤدّب، حَدَّثَنَا سلمة بْن شبيب. قَالَ: كنا عند أَحْمَد بْن حَنْبَل فجاءه رَجُل فدق الباب، وكنا قد دخلنا عَلَيْهِ خفِيا، فظننا أنه قد غمز بنا، فدق ثانية، وثالثة، فقال أحمد: أأدخل. قَالَ: فدخل فسلم وَقَالَ: أيكم أَحْمَد؟ فأشار بعضنا إليه. قَالَ: جئت من البحر من مسيرة أربعمائة فرسخ، أتاني آت فِي منامي فقال: ائت أَحْمَد بْن حَنْبَل وسل عنه، فإنك تدل عَلَيْهِ، وقل له أن اللَّه عنك راض، وملائكة سماواته عنك راضون، وملائكة أرضه عنك راضون. قَالَ: ثم خرج أَخْبَرَنِي علي بن أحمد الرّزّاز، حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق- إملاء- حدّثنا محمّد بن أحمد بن المهدي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الكندي. قَالَ: رأيت أَحْمَد بْن حَنْبَل فِي المنام. قَالَ: فقلت: يا أبا عَبْد اللَّه ما صنع اللَّه بك؟ قَالَ: غفر لي، ثم قَالَ يا أَحْمَد ضربت فِي؟ قَالَ: قلت نعم يا رب، قَالَ: يا أَحْمَد هذا وجهي فانظر إليه، فقد أبحتك النظر إليه.
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ، حدّثنا سليمان بن أحمد الطبراني، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحسين الأنماطي. قَالَ: كنا فِي مجلس فِيهِ يحيى بْن مَعِينٍ وَأبو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ وجماعة من كبار العلماء، فجعلوا يثنون عَلَى أَحْمَد بْن حَنْبَل ويذكرون فضائله، فقال رَجُل: لا تكثروا، بعض هذا القول. فقال يحيى بْن معين: وكثرة الثناء عَلَى أَحْمَد بْن حَنْبَل يستنكر؟ لو جلسنا مجلسنا بالثناء عَلَيْهِ ما ذكرنا فضائله بكمالها.
أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، حدّثنا أبو غالب ابن بنت معاوية، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن حَنْبَل الشيباني- وولد سنة أربع وستين وَمائة، وضرب بالسياط فِي اللَّه، فقام مقام الصديقين فِي عشر الأواخر من شهر رمضان سنة عشرين ومائتين، ومات سنة إحدى وأربعين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق، حَدَّثَنَا حَنْبَل بْن إسحاق قَالَ: ومات أَبُو عَبْد اللَّه فِي سنة إحدى وأربعين ومائتين، فِي يوم الجمعة فِي ربيع الأول، وهو ابْن سبع وسبعين سنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بن الفضل القطان، أخبرنا جعفر بن محمّد بن نصير الخالدي، حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قَالَ: مات أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن محمد بْن حَنْبَل الشيباني، لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين.
وَأَخْبَرَنَا ابْن الْفَضْل، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جعفر ابن درستويه، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حَدَّثَنِي الفضل بْن زياد قَالَ: وتوفي أَبُو عَبْد اللَّه يوم الجمعة ضحوة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر، سنة إحدى وأربعين ومائتين، وقد أتى له سبع وسبعون سنة.
أخبرنا الحسين بن علي الطناجيري، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حَدَّثَنَا نصر بْن القاسم الفرائضي قَالَ: مات أَحْمَد بْن حَنْبَل يوم الجمعة لثلاث عشرة بقين من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ: ذكر عَبْد اللَّه بْن إسحاق البغوي أن بنان بن أَحْمَد القصباني أخبرهم أنه حضر جنازة أَحْمَد بْن حَنْبَل مع من حضر، قَالَ: فكَانَت الصفوف من الميدان إِلَى قنطرة ربع القطيعة، وحرز من حضرها من الرجال ثمانمائة ألف، ومن النساء ستين ألف امرأة. وكَانَ دفنه يوم جمعة، قَالَ: وصلى عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن طاهر.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى بْن عبد العزيز البزّار- بهمذان- وعلي بْن أَبِي علي البصري قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن الشخير، حدّثنا أبو بكر محمّد بن أحمد النخاس- إملاء- قَالَ: سمعت عَبْد الوهاب الوراق يقول: ما بلغنا أنه كَانَ للمسلمين جمع أكثر منهم عَلَى جنازة أَحْمَد بْن حَنْبَل إلا جنازة فِي بني إسرائيل. قَالَ أَبُو بكر بن النخاس: فحدثت أبا جعفر بْن فرح- صاحب التفسير- بقول عَبْد الوهاب فقال: صدق عَبْد الوهاب هذه جنازة كَانَت فِي بني إسرائيل.
أخبرنا البرمكي والأزجي. قَالا: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عَبْد العزيز، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عباس المكي قَالَ: سمعت الوركَانَي- جار أَحْمَد بْن حَنْبَل-. قَالَ: أسلم يوم مات أَحْمَد بْن حَنْبَل عشرون ألفا من اليهود وَالنصارى وَالمجوس. قَالَ: وسمعت الوركَانَي يقول: يوم مات أَحْمَد بْن حَنْبَل وقع المأتم وَالنوح فِي أربعة أصناف من الناس: المسلمين وَاليهود، وَالنصارى، وَالمجوس.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أَبِي جعفر قَالَ: سمعت عَبْد العزيز غلام الزجاج يقول: سمعت أبا الفرج الهندبائي يقول: كنت أزور قبر أَحْمَد بْن حَنْبَل فتركته مدة، فرأيت فِي المنام قائلا يقول لي: لم تركت زيارة قبر إمام السنة؟.

ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله ابن أنس بن عوف أبي عبد الله الشيباني المروزي ، ثمَّ البغدادي. ولد في بغداد سنة (164ه) حدث عن ابيه وعن عمه زهير بن صالح وغيرهما، وروى عنه أبي القاسم عبد الله بن ابراهيم الابدوني، ومحمد بن اسماعيل الوراق وغيرهما، وقال الخليلي: كان افقه اقرانه واورعهم واكفهم عن الكلام في المحدثين الا عند الاضطرار وكان يملي الكتب من حفظه على تلاميذه.(ت: 241ه). ينظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 1/325. وسير اعلام النبلاء للذهبي: 11/177، 178. واكمال تهذيب الكمال لمغلطاي: 1/115.
أحمد بن حنبل، ولد وتوفي ببغداد (164 - 241) وكان إماما في الحديث بدون منازع، وانتشر مذهبه في المشرق عموما، غير أنه مع مر الأيام كاد أن يندثر -حيث لم يبق له حتى في البلدان الَّتِي انتشر فيها غير صدي خافت- لو لم يحيه محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عَشر الهجري، ومنذئذ انتعش، وأصبح له أتباع في بعض البلدان الإسلامية كالحجاز، والشام .... عدا المغرب...... من الكتاب: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك (مع دراسة لحياة المؤلف وآثاره وعصره)- المؤلف: أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسى.- المحقق: أحمد بو طاهر الخطابي.

 

 أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله ابن أنس بن عوف أبي عبد الله الشيباني المروزي ، ثمَّ البغدادي. ولد في بغداد سنة (164ه) حدث عن ابيه وعن عمه زهير بن صالح وغيرهما، وروى عنه أبي القاسم عبد الله بن ابراهيم الابدوني، ومحمد بن اسماعيل الوراق وغيرهما، وقال الخليلي: كان افقه اقرانه واورعهم واكفهم عن الكلام في المحدثين الا عند الاضطرار وكان يملي الكتب من حفظه على تلاميذه.(ت: 241ه). ينظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 1/325. وسير اعلام النبلاء للذهبي: 11/177، 178. واكمال تهذيب الكمال لمغلطاي: 1/115.

 

 

الإمام أَبو عبد الله، أحمد بن محمد بن حنبل ابن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان الشيباني، المروزي الأصل.
هذا هو الصحيح في نسبه، وقيل: إنه من بني مازن بن ذهل بن شيبان، وذهل بن ثعلبة المذكور: هو عم ذهل بن شيبان، فليعلم ذلك، والله أعلم.
خرجت أمه من مرو وهي حاملٌ به، فولدته في بغداد، في شهر ربيع الأول سنة 164، وقيل: إنه ولد بمرو، وحُمل إلى بغداد وهو رضيع.
وكان إمام المحدثين، صنف كتابه "المسند"، وجمع فيه من الحديث ما لم يتفق لغيره، وقيل: إنه كان يحفظ ألف ألف حديث، وكان من أصحاب الإمام الشافعي وخواصه، ولم يزل مصاحبَه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر، وقال في حقه: خرجتُ من بغداد، وما خلفت بها أتقى ولا أفقه من ابن حنبل.
وادعي إلى القول بخلق القرآن، فلم يجب، فضُرب وحُبس وهو مصرٌّ على الامتناع، وكان ضربه في العشر الأخير من شهر رمضان سنة 220 عشرين ومئتين، وكان حسن الوجه، ربعة، يخضِب بالحناء خضبًا ليس بالقاني، في لحيته شعيرات سود.
أخذ عنه الحديث جماعةٌ من الأماثل، منهم: محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، ولم يكن في آخر عصره مثله في العلم والورع.
توفي ضحوة نهار الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وقيل: بل لثلاث عشرة ليلة بقين من الشهر المذكور، وقيل: من ربيع الآخر سنة 241 ببغداد، ودفن بمقبرة باب حرب. وباب حرب: منسوب إلى حرب بن عبد الله أحدِ أصحاب أبي جعفر المنصور، وإلى حرب هذا، تُنسب المحلة المعروفة بـ "الحربية".

وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها يزار - رحمه الله تعالى - وحُرز من حضر جنازته من الرجال، فكانوا ثمانمئة ألف 800000، ومن النساء - ستين ألفًا 60000.
وقيل: إنه أسلم يوم مات عشرون ألفًا من النصارى واليهود والمجوس. وذكر أَبو الفرج بن الجوزي في كتابه الذي صنفه في أخبار بشر بن الحارث الحافي - رضي الله عنه - في الباب السادس والأربعين ما صورته: حدث إبراهيم الحربي، قال: رأيت بشر بن الحارث الحافي في المنام؛ كأنه خارج من باب مسجد الرصافة، وفي كمه شيء يتحرك، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وأكرمني، فقلت: ما هذا الذي في كمك؟ قال: قدم علينا البارحةَ روح أحمد بن حنبل فنثر عليه الدرر والياقوت، فهذا مما التقطتُ، قلت: فما فعل يحيى بن معين وأحمد بن حنبل؟ قال: تركتهما وقد زارا ربَّ العالمين، ووضعت لهما الموائد، قلت: فلمَ لم تأكل أنت؟ قال: قد عرف هوانَ الطعام عليَّ، فأباحني النظر إلى وجهه الكريم.
وفي أجداده: حيان - بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء المثناة من تحتها وبعد الألف نون -، وبقية الأجداد لا حاجة إلى ضبط أسمائهم لشهرتها وكثرتها، ولولا خوف الإطالة لقيدتها، ورأيت: في نسبه اختلافًا، وهذا أصح الطرق التي وجدتها.
وكان له ولدان عالمان، وهما: صالح، وعبد الله، فأما صالح: فتقدمت وفاته في شهر رمضان سنة 266، وكان قاضي أصبهان، فمات بها، ومولده في سنة 203.
وأما عبد الله، فإنه بقي إلى سنة تسعين ومئتين، وتوفي يوم الأحد لثمان بقين من جمادى الأولى، وقيل: الآخرة، وله سبع وسبعون سنة، وكنيته: أَبو عبد الرحمن، وبه كان يكنى الإمام أحمد - رحمهم الله أجمعين -، انتهى ما في "وفيات الأعيان".
وذكر ابن رجب في "طبقاته" في جملة ترجمة الحافظ يحيى المعروف بابن مَنْدَهْ ما لفظه: صنف "مناقبَ" الإمام أحمد - رضي الله عنه - في مجلد كبير، وفيه فوائد حسنة، وقال في أوله: ومن أعظم جهالاتهم - يعني: المبتدعة -، وغلوهم في مقالاتهم، وقوعُهم في الإمام المرضي، إمام الأئمة، وكهف الأمة، ناصر الإسلام والسنة، من لم تر عين مثله علمًا وزهدًا وديانة وأمانة، إمامِ أهلِ الحديث: أحمدَ بن محمد بن حنبل الشيباني - قدس الله سره، وبرد عليه ضريحه -، الإمامِ الذي لا يُجارى، والبحر الذي لا يُبارى، ومن أجمع أئمةُ الدين في زمانه، على تقدمه في شأنه ونبله وعلو مكانه، والذي له من المناقب ما لا يعد ولا يحصى، قام لله تعالى مقامًا، لولاه لتجهم الناس، ولمشوا على أعقابهم القهقرى، ولضعف الإسلام واندرس العلم.
ولقد صدق الإمام أَبو رجا، قتيبةُ بن سعيد البغلاني حيث قال: إن أحمد في زمانه بمنزلة أبي بكر وعمر في زمانهما، وأحسنَ من قال: لو كان أحمد في بني إسرائيل، لكان آية، أعاشنا الله تعالى على عقيدته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته -.
وحين وقفت على سرائر هؤلاء، وخبثِ اعتقادهم في هذا الإمام، قصدت لمجموع نبهت فيه على بعض فضائله، ونبذة من مناقبه؛ وذكرت طرفًا مما منحه الله تعالى من المنزلة الرفيعة، والرتبة العلية في الإسلام والسنة، مع أني لست أرى لنفسي أهلية لذلك، وأن المشايخ الماضين قد عنوا بجمعه فشفوا؛ لكني أردت أن يبقى لي بجمع مناقبه ذكر، وأن أكون متشرفًا فيما بين أهل العلم من أهل السنة بانتسابي إليه، وتحلي مذهبه وطريقته.
قال فوران: ماتت امرأة لبعض أهل العلم، فجاء يحيى بنُ معين والدَّورقي، قال: فلم يجدوا امرأة تغسلها إلا امرأة حائضًا، فجاء أحمد وهم جلوس، فقال: ما شأنكم؟ فقال أهل المرأة: ليس نجد غاسلة إلا امرأة حائضًا، فقال أحمد: أليس تروون عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة! ناوليني الخمرة"، قالت: إني حائض، فقال: "إنّ حيضتك ليست في يدك"، يجوز أن تغسلها، قال: فحجلوا. ومن أقواله - رحمه الله -: الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، فمن لم يعمل هنا، ندم هناك.

وسئل عن الفتوة؟ فقال: تركُ ما تهوى لما تخشى. وكان يقول: إن القلنسوة لتقع من السماء على رأس مَنْ لا يحبها. وقال ابنه عبد الله: قلت لأبي: يقولون إنك تتوضأ مما مست النار، قال: ما فعلته قط، ولم يثبت عندي في ذا خبر.
ولقد ذكر له رجل من أهل العلم: كانت له زلة، وأنه تاب من زلته، فقال: لا يقبل ذلك منه حتى يظهر التوبة والرجوع عن مقالته، ليعلنْ أنه قال مقالته كيت وكيت، وأنه قد تاب إلى الله تعالى عن مقالته، ورجع عنها، فإذا ظهر ذلك منه، فحينئذ تقبل، ثم تلا: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160]، وروى عنه أنه قال: طلب إسناد العلوم من السنة، وقال أيضًا: كنا نرى السكوت عن هذا قبل أن يخوض فيه هؤلاء، فلما أظهروه، لم نجد بدًا من مخالفتهم.
وقيل له: إن ها هنا رجلًا يفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية بن أبي سفيان، فقال أحمد: لا تجالسه، ولا تؤاكلْه ولا تشاربه، وإذا مرض فلا تعدْه. وكان يقول: سبحانك ما أغفلَ هذا الخلقَ عما أمامهم، الخائف منهم مقصر، والراجي منهم متوانٍ. وسئل عن رجلٍ عليه تحريرُ رقبة مؤمنة، فكان عبدٌ يقول بخلق القرآن، فقال: لا يجزي عنه عتقُه؛ لأن الله - تبارك وتعالى - أمره بتحرير رقبة مؤمنة، وليس هذا بمؤمن، هذا كافر.
وقال عبد الله: سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلم الله موسى - عليه السلام - لم يتكلم بصوت، فقال: بل تكلم - عز وجل - بصوت، هذه الأحاديث نمرها كما جاءت - يعني: حديث ابن مسعود: إذا تكلم الله - عز وجل -، سمع له صوت كممر السلسلة على الصفوان، قال: وهذه الجهمية تنكره، قال: وهؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس، من زعم أن الله - عز وجل - لم يتكلم، فهو كافر، إنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت.
وقال أحمد: أصولُ الإيمان ثلاثة: دالٌّ، ودليلٌ، ومستدلٌّ، فالدالُّ: الله تعالى، والدليل: القرآن، والمستدل: المؤمن، من طعن على حرف من القرآن؛ فقد طعن على الله - عز وجل -، وعلى كتابه، وعلى رسوله.

وقال: ثلاثة كتب ليس لها أُصول: 1 - المغازي، 2 - والملاحم، 3 - والتفسير.
وقال: من لم يجمع علم الحديث وكثرَة طرقها واختلافها، لا يحل له الحكم على الحديث، ولا الفتيا به.
وقال: إذا روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام، والسنن والأحكام، تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عنه - صلى الله عليه وسلم - في فضائل الأعمال، وما لا يضيع حكمًا، ولا يرفع، تساهلنا في الأسانيد. وسئل عن هذه الكتابة متى العمل بها؟ قال: أخذها العمل بها. وقال: ما الناسُ إلا من يقول حدثنا وأخبرنا، وسائر الناس لا خير فيهم.
قال أَبو رجا، قتيبة: أحمد إمام، ومن لا يرضى بإمامته، فهو مبتدعٌ ضال.
قال يحيى بن منده: نقول وبالله التوفيق: إن أحمد بن حنبل إمام المسلمين، وسيد المؤمنين، وبه نحيا، وبه نموت، وبه نبعث إن شاء الله تعالى، فمن قال غير هذا، فهو عندنا من الجاهلين.
وحدث شيخ من أهل سجستان بمكة ذُكر عنه فضل ودين، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فقلت: يا رسول الله! من تركت لنا في عصرنا هذا من أمتك نقتدي به في ديننا؟ قال: "أحمد بن حنبل" قال: من فما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نومه ويقظته، فهو حق، وقد ندب - صلى الله عليه وسلم - إلى الاقتداء به، فلزمنا جميعًا امتثالُ مرسومه، واقتفاء مأموره، انتهى كلامه - رحمه الله تعالى -.

التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.