أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعي

الإمام الشافعي محمد

تاريخ الولادة150 هـ
تاريخ الوفاة204 هـ
العمر54 سنة
مكان الولادةغزة - فلسطين
مكان الوفاةالقاهرة - مصر
أماكن الإقامة
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • بغداد - العراق
  • غزة - فلسطين
  • القاهرة - مصر
  • مصر - مصر

نبذة

محمد بن إدريس بن العباس، أبو عبد الله الشافعي: الإمام زين الفقهاء، وتاج العلماء، ولد بغزة من بلاد الشام، وقيل باليمن، ونشأ بمكة وكتب العلم بها وبمدينة الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم بغداد مرتين، وحدث بها وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته.

الترجمة

محمد بن إدريس بن العباس، أبو عبد الله الشافعي: الإمام زين الفقهاء، وتاج العلماء، ولد بغزة من بلاد الشام، وقيل باليمن، ونشأ بمكة وكتب العلم بها وبمدينة الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم بغداد مرتين، وحدث بها وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته.

وكان سمع من مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة، وداود بن عبد الرحمن، وَعبد العزيز بْن مُحَمَّد الدراوردي، وَمسلم بْن خالد الزنجي، وإبراهيم ابن أبي يحيى، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وعبد الله بن المؤمل المخزومي، وإبراهيم بن عبد العزيز بن أبي محذورة، وعمه محمد بن علي بن شافع، وعبد الله بن الحارث المخزومي، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك وَعبد المجيد بْن عَبْد العزيز بْن أَبِي رواد، ومحمد بن عثمان بن صفوان الجمحي، وسعيد بن سالم القداح، ويحيى ابن سليم الطائفي، وحاتم بن إسماعيل، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وإسماعيل بن جعفر، ومطرف بن مازن، وهشام بن يوسف، ويحيى بن حسان التنيسي، ومحمد بن الحسن الشيباني، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وإسماعيل بن علية، وغير هؤلاء. حدث عنه سليمان بن داود الهاشمي، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور إبراهيم بن خالد، والحسين بن علي الكرابيسي، والحسن بن محمّد ابن الصباح الزعفراني، وَأبو يَحْيَى مُحَمَّد بْن سَعِيد الْعَطَّار، وَغيرهم. وكتاب الشافعي الذي يسمى القديم هو الذي عند البغداديين خاصة عنه.
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن مهدي قال أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ قَالَ نبأنا الحسن بن محمّد بن الصباح قال نبأنا محمّد بن إدريس الشّافعيّ قال: أنبأنا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءُوهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ خَطْلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ» .
أَخْبَرَنَا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحرشي بنيسابور قال: نبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال أنبأنا الربيع بن سليمان بن كامل المرادي المؤذن المصري صاحب الشافعي. قَالَ الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بْن إلياس بْن مضر بْن نزار بْن معد بْن عدنان. ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ العكبري فيما أجاز لنا قَالَ أنبأنا عَلِيّ بن أَحْمَدَ بْنِ أَبِي غسان البصري بها قال نبأنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي. وَأَخْبَرَنَا محمد بن عبد الملك القرشي قراءة قَالَ أنبأنا عيّاش بن الحسن البندار قال نبأنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزعفراني قَالَ أَخْبَرَنِي زكريا بن يحيى الساجي قَالَ سمعت الجهمي أحمد بن محمد بن حميد النسابة يقول: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. وقد ولده هاشم بن عبد مناف ثلاث مرار، أمّ السّائب الشّفاء بنت الأرقم ابن هاشم بن عبد مناف. أسر السائب يوم بدر كافرا وكان يشبه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، وأمّ الشّفاء بنت الأرقم خلدة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأم عبيد بن عبد يزيد العجلة بنت عجلان بن البياع بن عبد يا ليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وأم عبد يزيد الشفا بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي، كان يقال لعبد يزيد محض لا قني فيه، وأم هاشم بن المطلب خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم، وأم هاشم والمطلب وعبد شمس بنى عبد مناف عاتكة بنت مرة السلمية، وأم شافع أم ولد.
سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ طَاهِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ يَقُولُ: شَافِعُ بْنُ السَّائِبِ الَّذِي يُنْسَبُ الشَّافِعِيُّ إِلَيْهِ، قَدْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَرَعْرِعٌ، وَأَسْلَمَ أَبُوهُ السَّائِبَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ فَأُسِرَ وَفْدَا نَفْسَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ لَمْ تُسْلِمْ قَبْلَ أَنْ تفتدى؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُحَرمُ الْمُؤْمِنِينَ طَمَعًا لَهُمْ فِيَّ. قَالَ القاضي وَقَالَ بعض أهل العلم بالنسب وقد وصف الشافعي أنه شقيق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نسبه، وشريكه في حسبه، لم تنل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طهارة في مولده، وفضيلة في آبائه، إلا وهو قسيمه فيها، إلى أن افترقا من عبد مناف، فزوج المطلب ابنه هاشما الشفا بنت هاشم ابن عبد مناف، فولدت له عبد يزيد جد الشافعي، وكان يقال لعبد يزيد المحض لا قذى فيه. فقد ولي الشافعي الهاشمان هاشم بن المطلب وهاشم بن عبد مناف.
والشافعي ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن عمته، لأن المطلب عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والشّفا بنت هاشم بن عبد مناف أخت عبد المطلب عمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم. وأما أم الشافعي فهي أزدية، وقد قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأزد جرثومة العرب» .

أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطيّ قال أنبأنا محمّد بن جعفر التّميميّ بالكوفة قال نا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حامد بن إدريس البلخي قَالَ سمعت نصر بن المكي يقول سمعت ابن عبد الحكم يقول لما أن حملت أم الشافعي به رأت كأن المشترى خرج من فرجها حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية، فتأول أصحاب الرؤيا أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في سائر البلدان.
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن رزق قال نبأنا أَبُو عَلِيّ الْحَسَن بن مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّد بن شيظم القاضي قدم للحج- قال أنبأنا نصر بن مكي ببلخ قال نبأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لي مُحَمَّد بن إدريس الشافعي: ولدت بغزة سنة خمسين- يعني ومائة- وحملت إِلَى مكة وأنا ابن سنتين.
قَالَ وَأَخْبَرَنِي غيره عَنِ الشافعي قَالَ: لم يكن لي مال، فكنت أطلب العلم فِي الحداثة، أذهب إِلَى الديوان أستوهب الظهور أكتب فيها.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالَ أنبأنا عليّ بن عبد العزيز البرذعي قال أنبأنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ قَالَ نبأنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن وهب الوهبي ابن أخي عبد الله بن وهب قال سمعت محمّد بن إدريس يقول ولدت باليمن، فخافت أمي على الضيعة، وقالت: الحق بأهلك فتكون مثلهم، فإني أخاف أن تغلب على نسبك، فجهزتني إلى مكة فقدمتها وأنا يومئذ ابن عشر أو شبيه بذلك، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم فيقول لي: لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك. فجعلت لذتي في هذا العلم وطلبه حتى رزقني الله منه ما رزق.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْمُعَدَّلُ قَالَ أنبأنا عليّ بن عبد العزيز البرذعيّ قال نبأنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم قال نبأنا أبي قَالَ سمعت عمرو بن سواد يقول: قَالَ لي الشافعي ولدت بعسقلان، فلما أتى على سنتان حملتني أمي إلى مكة، وكانت نهمتي في شيئين، في الرمي وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة، وسكت عن العلم. فقلت له: أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي.

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْد إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن بندار الإستراباذي ببيت المقدس قَالَ أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد الطيني بإستراباذ قال: نبأنا أَبُو نُعَيْم عَبْد الملك بْن مُحَمَّد قَالَ نبأنا الربيع قَالَ سمعت الشافعي يقول كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر. قال: وقال لي الشافعي: كنت أصيب من عشرة تسعة. أو نحوا مما قَالَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إبراهيم بن شاذي الهمداني قال نبأنا أبو نصر منصور بن عبد الله الهروي الصوفي بهمذان قَالَ: سمعت أبا الحسن المغازلي يقول سمعت المزني يقول سمعت الشافعي يقول رأيت علي بن أبي طالب في النوم، فسلم عليّ وصافحني، وخلع خاتمه وجعله في إصبعي، وكان لي عم ففسرها لي فقال لي أما مصافحتك لعليّ فأمن من العذاب، وأما خلع خاتمه فجعله في إصبعك فسيبلغ اسمك ما بلغ اسم علي في الشرق والغرب.
حَدَّثَنِي أبو القاسم الأزهري قال أنبأني الحسن بن الحسين أبو عليّ الفقيه الهمداني قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الجارود الرَّقِّيّ قَالَ سمعت الربيع بن سليمان يقول: والله فشا ذكر الشافعي في الناس بالعلم كما فشا ذكر علي بن أبي طالب.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ قال نبأنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فارس قال نبأنا يونس بن حبيب قال نبأنا أبو داود قال نبأنا جعفر بن سليمان بن النّضر بن سعيد الْكِنْدِيِّ- أَوِ الْعَبْدِيِّ- عَنِ الْجَارُود، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَسُبُّوا قُرَيْشًا فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْمًا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَذَقْتَ أَوَّلَهَا عَذَابًا، أَوْ وَبَالا، فَأَذِقْ آخِرَهَا نَوَالا» .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيل بْن علي الإستراباذي قال نبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ بنيسابور قال نبأنا محمّد بن إبراهيم المؤذّن قال نبأنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّد- هُوَ أَبُو نُعَيْمٍ، قال نبأنا محمّد بن عوف قال نبأنا الحكم بن نافع قال نبأنا ابْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي هريرة، عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ قُرَيْشًا فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ طِبَاقَ الأَرْضِ عِلْمًا، اللَّهُمَّ كَمَا أَذَقْتَهُمْ عَذَابًا فَأَذِقْهُمْ نَوَالا» دعا بها ثلاث مرات.
قَالَ عبد الملك بن محمد في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فإن عالمها يملأ الأرض علما، ويملأ طباق الأرض» علامة بينة للمميز أن المراد بذلك، رجل من علماء هذا الأمة من قريش قد ظهر علمه وانتشر في البلاد، وكتبوا تآليفه كما تكتب المصاحف، واستظهروا وأقواله، وهذه صفة لا نعلمها قد أحاطت إلا بالشافعي، إذ كان كل واحد من قريش من علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم وإن كان علمه قد ظهر وانتشر، فإنه لم يبلغ مبلغا يقع تأويل هذه الرواية عليه، إذ كان لكل واحد منهم نتف وقطع من العلم ومسيئلات، وليس في كل بلد من بلاد المسلمين مدرس ومفت ومصنف يصنف على مذهب قرشي إلا على مذهبه، فعلم أنه يعنيه لا غيره. وهو الذي شرح الأصول والفروع، وازدادت على مر الأيام حسنا وبيانا.
أخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطّبريّ قال نبأنا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الْبَيْضَاوِيُّ قَالَ أنبأنا أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الجارود الرَّقِّيّ قال سمعت الرّبيع بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ نَاظَرَ الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بِالرَّقَّةِ، فَقَطَعَهُ الشَّافِعِيُّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ هَارُونَ الرَّشِيدَ، فَقَالَ هَارُونُ أَمَا عَلِمَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِذَا نَاظَرَ رَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُ يَقْطَعُهُ سَائِلا أَوْ مُجِيبًا؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلا تَقَدَّمُوهَا، وَتَعَلَّمُوا مِنْهَا وَلا تُعَلِّمُوهَا، فَإِنَّ عِلْمَ الْعَالِمِ مِنْهُمْ يَسَعُ طِبَاقَ الأَرْضِ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحافظ قال نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فارس قال نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْعَبْدِيُّ قال نا عثمان بن صالح قال نا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ شُرَاحِيلَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لا أَعْلَمُهُ إِلا في النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ إِلَى هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا».

أخبرنا أحمد بن محمّد العتيقي قال: نا عبد الرحمن بن عمر بن نصر الدمشقي قال نا أبو محمّد بن الورد قال نا أبو سعيد الفريابي قَالَ: قَالَ أحمد بن حنبل: إن الله تعالى يقيض للناس في كل رأس مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكذب. فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشّافعيّ رضي الله عنهما.
أَخْبَرَنَا أحمد بن علي بن أيوب القاضي إجازة قال نا عَلِيّ بن أَحْمَدَ بْنِ أَبِي غسان البصري قال: نا زكريا بن يحيى الساجي.
وَأَخْبَرَنَا محمد بن عبد الملك القرشي قراءة قَالَ نا عيّاش بن الحسن قال: نا محمّد ابن الحسين الزعفراني قَالَ أَخْبَرَنِي زكريا الساجي قَالَ حَدَّثَنِي الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل قَالَ: هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي، وما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو الله للشافعي واستغفر له.
أَخْبَرَنَا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي بنيسابور قال نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ المصري قال نا الشّافعيّ محمّد بن إدريس قال نا إسماعيل بن قسطنطين قَالَ قرأت على شبل وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وأخبر عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أبي، وَقَالَ ابن عباس وقرأ أبي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشافعي وقرأت على إسماعيل بن قسطنطين وكان يقول:
القرآن اسم وليس بمهموز، ولم يؤخذ من «قرأت» ، ولو أخذ من «قرأت» لكان كل ما قرئ قرآنا، ولكنه اسم للقرآن، مثل: التوراة والإنجيل، يهمز قرأت، ولا يهمز القرآن، إذا قرأت «القرآن» بهمز «قرأت» ولا يهمز «القرآن» .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن عبد الله الطبري قال نا أحمد بن عبد الله بن الخضر المعدل قال نا عليّ بن محمّد بن سعيد قال نا أحمد بن إبراهيم الطّائي الأقطع قال نا إسماعيل بن يحيى قَالَ سمعت الشافعي يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين.

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْنِ عِيَاضِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ الْقَاضِي بِصُورَ قال نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ بِصَيْدَا قَالَ سمعت أبا بكر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب الضرير بمكة يقول قَالَ أبي سمعت عمي يقول سمعت الشافعي يقول أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد ما خلا حرفين. قَالَ أبي: حفظت أحدهما ونسيت الآخر، أحدهما «دساها».
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعيد الفقيه قال نا عيّاش بن الحسن بن عيّاش قال نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزعفراني قَالَ أَخْبَرَنِي زكريا بن يحيى بن عبد الرّحمن قال نبأنا محمد بن إسماعيل قَالَ حَدَّثَنِي حسين بن علي- يعني الكرابيسي- قَالَ بت مع الشافعي غير ليلة فكان يصلي نحو ثلث الليل فما رايته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ منها وسأل النجاة لنفسه ولجميع المسلمين. قَالَ فكأنما جمع له الرّجاء والرهبة جميعا.
قال الشيخ أبو بكر قد كان الشافعي بأخرة يديم التلاوة، ويدرج القراءة.
فأخبرنا علي بن المحسن القاضي قَالَ: نا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الصفار قَالَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْقَزْوِينِيُّ بِمصر قَالَ سمعتُ الربيع بْن سُلَيْمَان يَقُولُ كان الشافعي يختم في كل ليلة ختمة، فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة منه ختمة وفي كل يوم ختمة، فكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة.
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ قال نا أبي قال نا إبراهيم بن محمّد بن محمّد بن الحسن قال نا الربيع قَالَ كان الشافعي يختم القرآن ستين مرة. قلت: في صلاة رمضان؟ قَالَ: نعم.
أخبرنا إسماعيل بن عليّ الأستراباذي قال أنبأنا محمّد بن عبد الله الحافظ قال أَخْبَرَنِي الزبير بن عبد الواحد قَالَ سمعت عباس بن الحسين قَالَ سمعت بحر بن نصر يقول: كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا بعضنا لبعض قوموا بنا إلى هذا الفتى المطّلبي نقرأ القرآن، فإذا أتيناه استفتح القرآن حتى يتساقط الناس بين يديه ويكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة من حسن صوته.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطبري قال نبأنا عليّ بن إبراهيم البيضاوي قال أنبأنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الجارود الرَّقِّيّ قَالَ سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان الشافعي يفتي وله خمس عشرة سنة، وكان يحيي الليل إلى أن مات.
حَدَّثَنِي الحسن بْن أَبِي طالب قال نبأنا محمّد بن العبّاس الخزّاز قال نبأنا محمد بن محمد الباغندي قَالَ حَدَّثَنِي الربيع بن سليمان قال نبأنا الحميدي عبد الله بن الزبير قَالَ: سمعت مسلم بن خالد الزنجي- ومر على الشافعي وهو يفتي وهو ابن خمس عشرة سنة- فقال: يا أبا عبد الله أفت فقد آن لك أن تفتى.
قال الشيخ أبو بكر: هكذا ذكر في هذه الحكاية عن الحميدي أنه سمع مسلم بن خالد- ومر على الشافعي وهو ابن خمس عشرة سنة يفتي فقال له: أفت. وليس ذلك بمستقيم، لأن الحميدي كان يصغر عن إدراك الشافعي وله تلك السن. والصواب: ما أَخْبَرَنَا علي بن المحسن قال نبأنا محمّد بن إسحاق الصّفّار قال نبأنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْقَزْوِينِيُّ قَالَ سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت عبد الله بن الزبير الحميدي يقول قَالَ مسلم بن خالد الزنجي للشافعي: يا أبا عبد الله أفت الناس، آن لك والله أن تفتي، وهو ابن دون عشرين سنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق قال نبأنا دعلج بن أحمد قَالَ سمعت جعفر بن أحمد الشاماتي يقول سمعت جعفرا بن أخي أبي ثور يقول سمعت عمي يقول كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن ويجمع فنون الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب «الرسالة» . قَالَ عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ قال نبأنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حيّان قال نبأنا عبدان بن أحمد قال نبأنا عمرو بن العباس قَالَ سمعتُ عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي- وذكر الشّافعيّ- فقال: أنبأنا حسان بن محمد قَالَ سمعت ابن سريج يقول عن أبي بكر بن الجنيد قَالَ حج بشر المريسي فرجع، فقال لأصحابه: رأيت شابا من قريش بمكة ما أخاف على مذهبنا إلا منه- يعني الشافعي.
أَخْبَرَنَا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه قال أنبأنا عيّاش بن الحسن قال نبأنا محمّد ابن حسن الزعفراني قَالَ أَخْبَرَنِي زكريا بن يحيى قَالَ حدّثني المحسن بن محمد الزعفراني قَالَ حج بشر المريسي سنة إلى مكة ثم قدم فقال: لقد رأيت بالحجاز رجلا ما رأيت مثله سائلا ولا مجيبا- يعني الشافعي- قَالَ فقدم الشافعي علينا بعد ذلك بغداد، واجتمع إليه الناس وخفوا عن بشر، فجئت إلى بشر يوما فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم قد قدم، فقال: إنه قد تغير عما كان عليه. قَالَ الزعفراني: فما كان مثله إلا كمثل اليهود في أمر عبد الله بن سلام حيث قالوا سيدنا وابن سيدنا، فقال لهم: فإن أسلم؟ قالوا: شرُّنا وابن شرُّنا.
أَخْبَرَنَا أحمد بن أبي جعفر قَالَ نا عليّ بن عبد العزيز البرذعيّ قال نا عبد الرّحمن ابن أبي حاتم قال نا علي بن الحسن الهسنجاني قَالَ سمعت أبا إسماعيل الترمذي قَالَ سمعت إسحاق بن راهويه يقول: ما تكلم أحد بالرأي- وذكر الثوري، والأوزاعي، ومالكا، وأبا حنيفة- إلا والشافعي أكثر: أتباعا، وأقل خطأ منه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق قَالَ أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق قال نبأنا محمد بن إسماعيل الرقي قَالَ حَدَّثَنِي الربيع بن سلمان قَالَ سمعت بعض من يقول سمعت إسحاق بن راهويه يقول أخذ أحمد بن حنبل بيدي وقال: تعال حتى أذهب بك إلى من لم تر عيناك مثله، فذهب بي إلى الشّافعيّ.

حَدَّثَني الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن عُمَرَ التمار قَالَ نبأنا محمد بن عبد الله الشافعي قَالَ حدثوني عن إبراهيم الحربي أنه قَالَ قَالَ أستاذ الأستاذين. قالوا: من هو؟ قَالَ: الشافعي أليس هو أستاذ أحمد بن حنبل؟
أَخْبَرَنِي عَبْد الْغَفَّارِ بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَرٍ الْمُؤَدِّبُ قال نبأنا عمر بن أحمد الواعظ قال نبأنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن زياد قَالَ سمعت الميموني بالرقة يقول سمعت أحمد ابن حنبل يقول ستة أدعو لهم سحرا، أحدهم الشافعي.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ نبأنا محمد بن خلف بن جيان الخلال قَالَ:
حَدَّثَنِي عمر بن الحسن، عن أبي القاسم بن منيع قَالَ حَدَّثَنِي صالح بن أحمد بن حنبل قَالَ: مشى أبي مع بغلة الشافعي، فبعث إليه يحيى بن معين فقال له: يا أبا عبد الله، أما رضيت إلا أن تمشي مع بغلته؟ فقال: يا أبا زكريا، لو مشيت من الجانب الآخر كان أنفع لك.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا الحسن بن الحسين الفقيه الهمداني قال نبأنا محمّد بن هارون الزنجاني بزنجان قال نبأنا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حنبل قَالَ: قلت لأبي يا أبة أى شيء كان الشافعي، فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ فقال لي: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف، أو منهما عوض؟.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي علي الأَصْبَهَانِيّ قَالَ: أخبرنا أبو على الحسين بن محمد الشافعي بالأهواز قَالَ أنبأنا أبو عبيد محمد بن علي الآجري قَالَ سَمِعْتُ أَبَا دَاوُد سُلَيْمَان بْن الأشعث يَقُولُ: ما رأيت أحمد بن حنبل يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي.
أَخْبَرَنَا علي بن المحسن القاضي قال أنبأنا عليّ بن عبد العزيز البرذعيّ قال نبأنا عَبْد الرحمن بْن أَبِي حاتم قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو عثمان الخوارزمي- نزيل مكة- فِيما كتب إلى، قال نبأنا أبو أيوب حميد بن أحمد البصري قَالَ كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله لا يصح فيه حديث، فقال إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي، وحجته أثبت شيء فيه. ثم قَالَ: قلت للشافعي ما تقول في مسألة كذا وكذا؟ قَالَ فأجاب فيها. فقلت: من أين قلت؟ هل فيه حديث أو كتاب؟ قَالَ: بلى. فنزع في ذلك حديثا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حديث نص.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ قَالَ نبأنا أحمد بن العباس قَالَ سمعت علي بن عثمان وجعفر الوراق يقولان سمعنا أبا عبيد يقول ما رأيت أعقل من الشافعي.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن علي قال أنبأنا أبو عبد الله المؤذن محمد بن عبد الله النيسابوري قَالَ أَخْبَرَنِي القاسم بن غانم قَالَ سمعت أبا عبد اللَّه البوشنجي يقول سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد يقول: الشّافعيّ إمام.
أخبرني الأزهري قال أنبأنا الحسن بن الحسين الهمداني قَالَ حَدَّثَنِي الزبير بن عبد الواحد الأسدآبادي قال نبأنا الحسن بن سفيان قال نبأنا أبو ثور قال من زعم أنه على رأى مثل محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكنه فقد كذب، كان محمد بن إدريس الشافعي منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله لم يُعتض منه.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أيوب إجازة قَالَ أنبأنا علي بن أحمد بن أبي غسان قَالَ نبأنا زكريا بن يحيى الساجي.
وَأَخْبَرَنَا محمد بن عبد الملك قراءة قال أنبأنا عياش بن الحسن قال نبأنا محمّد بن الحسين الزعفراني قال أنبأنا زكريا بن يحيى قَالَ حَدَّثَنِي ابن بنت الشافعي قَالَ سمعتُ أَبَا الوليد بْن أبي الجارود يقول: ما رأيت أحدا إلا وكتبه أكثر من مشاهدته إلا الشافعي، فإن لسانه كان أكثر من كتابه.
وَقَالَ زكريا حَدَّثَنِي أبو بكر بن سعدان قَالَ سمعت هارون بن سعيد الأيلي يقول:
لو أن الشافعي ناظر على هذه العمود التي من حجارة أنها من خشب لغلب، لاقتداره على المناظرة.

أخبرنا إسماعيل بن عليّ قال أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد الطيني قَالَ نبأنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ نبأنا محمد بن يزداد قَالَ سمعت أحمد بن علي الجرجاني يقول: كان الحميدي إذا جرى عنده ذكر الشافعي يقول حَدَّثَنَا سيد الفقهاء الشافعي.
أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عِياض القاضي بصور قال أنبأنا محمد بن أحمد بن جميع قَالَ قرأت على أبي طالب عمر بن الربيع بن سليمان حدثكم أحمد بن عبد الله قَالَ سمعت حرملة يقول سمعت الشافعي يقول: سميت ببغداد ناصر الحديث.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ نبأنا محمد بن خلف بن جيان الخلال قَالَ نبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن دبيس الحداد قَالَ نبأنا محمد بن الحسن بن الجنيد قَالَ سمعت الحسن بن محمد يقول كنا نختلف إلى الشّافعيّ عند ما قدم إلى بغداد ستة أنفس، أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وحارث النقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، وأنا، ورجل آخر سماه، وما عرضنا على الشافعي كتبه إلا وأحمد بن حنبل حاضر لذلك.
قرأت على الحسن بن عثمان الواعظ، عَن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زياد النقاش قال نبأنا أبو نعيم الإستراباذي قَالَ: سئل الزعفراني وقيل له أي سنة قدم بغداد الشافعي؟ قَالَ قدم سنة خمس وتسعين ومائة. قَالَ: وسألته: كان مخضوبا؟ قَالَ: نعم.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ قال نبأنا أحمد بن بندار بن إسحاق قال نبأنا أبو الطيب أحمد بن روح البغدادي قَالَ نبأنا الْحَسَن بن مُحَمَّد الزعفراني قَالَ قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين ومائة، فأقام عندنا سنتين، ثم خرج إلى مكة، ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين، فأقام عندنا أشهرا ثم خرج، وكان يخضب بالحناء، وكان خفيف العارضين.
أَخْبَرَنَا أبو الحسن أحمد بن محمّد المجهّر قَالَ سمعت عبد العزيز الحنبلي- صاحب الزجاج- يقول سمعت أبا الفضل الزجاج يقول لما قدم الشّافعيّ إلى بغداد وكان في الجامع إما نيف وأربعون حلقة أو خمسون حلقة، فلما دخل بغداد ما زال يقعد في حلقة حلقة ويقول لهم: قَالَ الله وَقَالَ الرسول. وهم يقولون: قَالَ أصحابنا: حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس الفضل بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الأبهري قَالَ: سمعت أبا عبد الله محمّد ابن أحمد بن عبد الأحد الأندلسي بأصبهان قال سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الجارود الرَّقِّيّ قَالَ سمعت المزني يَقُولُ رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فسألته عن الشافعي فقال لي: «من أراد محبتي وسنتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي المطلبي، فإنه مني وأنا منه» .
أخبرنا الأزهري قال أنبأنا الحسن بن الحسين الهمداني قال نبأنا الزبير بن عبد الواحد الأسدآبادي قال نبأنا أبو عمران موسى بن عمران القلزمي بها قال نبأنا أبو عبد الله السكري في مجلس الربيع بن سليمان قال نبأنا أحمد بن حسن الترمذي قَالَ: كنت في الروضة فأغفيت، فإذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أقبل، فقمت إليه فقلت: يا رسول الله، قد كثر الاختلاف في الدين، فما تقول في رأي أبي حنيفة؟ فقال: أف، ونفض يده. قلت فما تقول في رأي مالك؟ فرفع يده وطأطأ وَقَالَ: أصاب وأخطأ. قلت: فما تقول في رأي الشافعي؟ قَالَ: بأبي ابن عمي أحيا سنتي.
أنشدني هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن علي الشيرازي قَالَ أنشدنا المظفر بن أحمد بن محمد الفقيه قَالَ أنشدني علي بن محمد الجرجاني لبعضهم:
مثل الشافعي في العلماء ... مثل البدر في نجوم السماء
قل لمن قاسه بنعمان جهلا ... أيقاس الضياء بالظلماء
أَخْبَرَنِي أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ الروياني قال نبأنا عياش بن الحسن ابن عياش قَالَ سمعت أحمد بن عيسى بن الهيثم التمار يقول سمعت عبيد بن محمد ابن خلف البزاز يقول: سئل أبو ثور فقيل له: أيما أفقه الشافعي أو محمد بن الحسن؟
فقال أبو ثور: الشافعي أفقه من محمد، وأبي يوسف، وأبي حنيفة، وحماد، وإبراهيم، وعلقمة، والأسود.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ قَالَ نبأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ قال سمعت إبراهيم بن علي بن عبد الرحيم بالموصل يحكي عن الربيع قَالَ: سمعت الشافعي يقول في قصة ذكرها:
قد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المهامة والقفر
فو الله ما أدري أللفوز والغنى ... أساق إليها أم أساق إلى قبري؟
قَالَ: فو الله ما كان إلا بعد قليل حتى سيق إليهما جميعا.
أَخْبَرَنَا أحمد بن أبي جعفر قال أنبأنا عليّ بن عبد العزيز قال أنبأنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم قال نبأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ المصري قَالَ: ولد الشافعي في سنة خمسين ومائة، ومات في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين. عاش أربعا وخمسين سنة.
أخبرنا أبو سعد المالينيّ قال أنبأنا عبد الله بن عدي الحافظ قَالَ: قرأت على قبر محمد بن إدريس الشافعي بمصر، على لوحين حجارة أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، نسبه إلى إبراهيم الخليل عليه السلام.
هذا قبر محمد بن إدريس الشافعي وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الجنة حق، وأن النار حق، وأن السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يبعث من في القبور، وأن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمر وهو من المسلمين، عليه حي وعليه مات وعليه يبعث حيا إن شاء الله. توفي أبو عبد الله ليوم بقي من رجب سنة أربع ومائتين.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن علي الإستراباذي قَالَ سمعت طاهر بن محمّد البكريّ يقول:
نبأنا الحسن بن حبيب الدمشقي قَالَ حَدَّثَنِي الربيع بن سليمان قَالَ رأيت الشافعي بعد وفاته في المنام فقلت: يا أبا عبد اللَّه ما صنع الله بك؟ قَالَ: أجلسني على كرسي من ذهب ونثر علي اللؤلؤ الرطب.
قرأت على أبي بكر محمد بن موسى الخوارزمي، عن أبي عبد الله محمد بن المعلى الأزدي قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْدٍ الأزدي يرثي أبا عبد الله الشّافعيّ:

بملتفتيه للمشيب طوالع ... ذوائد عن ورد التصابي روادع
تصرّفنه طوع العنان وربما ... دعاه الصبا فاقتاده وهو طائع
ومن لم يزعه لبه وحياؤه ... فليس له من شيب فوديه وازع
هل النافر المدعو للحظ راجع ... أم النصح مقبول أم الوعظ نافع؟
أم الهمك المهموم بالجمع عالم ... بأن الذي يرعى من المال ضائع؟
وأن قصاراه على فرط ضنه ... فراق الذي أضحى له وهو جامع
ويخمل ذكر المرء ذي المال بعده ... ولكن جمع العلم للمرء رافع
ألم تر آثار ابن إدريس بعده ... دلائلها في المشكلات لوامع
معالم يفنى الدهر وهي خوالد ... وتنخفض الأعلام وهي فوارع
مناهج فيها للهدى متصرف ... موارد فيها للرشاد شرائع
ظواهرها حكم ومستنبطاتها ... لما حكم التفريق فيه جوامع
لرأى ابن إدريس ابن عم محمد ... ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع
إذا المعضلات المشكلات تشابهت ... سما منه نور في دجاهن لامع
أبى الله إلا رفعه وعلوه ... وليس لما يعليه ذو العرش واضع
توخى الهدى فاستنقذته يد التقى ... من الزيغ إن الزيغ للمرء صارع
ولاذ بآثار الرسول فحكمه ... لحكم رسول الله في الناس تابع
وعول في أحكامه وقضائه ... على ما قضى في الوحي والحق ناصع
بطيء عن الرأي المخوف التباسه ... إليه إذا لم يخش لبسا مسارع
جرت لبحور العلم أمداد فكره ... لها مدد في العالمين يتابع
وأنشا له منشية من خير معدن ... خلائق هن الباهرات البوارع
تسربل بالتقوى وليدا وناشئا ... وخص بلب الكهل مذ هو يافع
وهذب حتى لم تشر بفضيلة ... إذا التمست إلا إليه الأصابع
فمن يك علم الشافعي إمامه ... فمرتعه في باحة العلم واسع
سلام على قبر تضمن جسمه ... وجادت عليه المدجنات الهوامع
لقد غيبت أثراؤه جسم ماجد ... جليل إذا التفت عليه المجامع
لئن فجعتنا الحادثات بشخصه ... لهن لما حكمن فيه فواجع
فأحكامه فينا بدور زواهر ... وآثاره فينا نجوم طوالع

سمعت القاضي أبا الطيب طاهر بْن عَبْد الله الطبري يقول: لقد جمع أبو بكر بن دريد قوافيه في صدفها، ووضع أوصافه في حقها، فيما رثى به أفصح الفقهاء لسانا، وأبرعهم بيانا، وأجزلهم ألفاظا، وأغزرهم علما، وأثبتهم نحيزة، وأكثرهم نصيرة:
وإذا قرأت كلامه قدرته ... سحبان أو يوفي على سحبان
لو كان شاهده معد خاطبا ... وذوو الفصاحة من بني قحطان
لأقر كل طائعين بأنه ... أولاهم بفصاحة وبيان
هادي الأنام من الضلالة والعمى ... ومجيرها من جاحم النيران
رب العلوم إذا أجال قداحه ... لم يختلف في فوزهن اثنان
ذو فطنة في المشكلات وخاطر ... أمضى وأنفذ من شباة سنان
وإذا تفكر عالم في كتبه ... يبغي التقى وشرائط الإيمان
متبينا للدين غير مقلد ... يسمو بهمته إلى الرضوان
أضحت وجوه الحق في صفحاتها ... ترمى إليه بواضح البرهان
من حجة ضمن الوفاء بنصرها ... نص الرسول ومحكم القرآن
ودلالة تجلو مطالع سيرها ... غر القرائح من ذوى الأذهان
حتى ترى متبصرا في دينه ... مغلول غرب الشك بالإيقان
الله وفقه اتباع رسوله ... وكتابه الأصلين في التبيان
وأمده من عنده بمعونة ... حتى أناف بها على الأعيان
وأراه بطلان المذاهب قبله ... ممّن قضى بالرأي والحسبان
قال الشيخ أبو بكر لو استوفينا مناقب الشافعي وأخباره لاشتملت على عدة من الأجزاء، لكن اقتصرنا منها على هذا المقدار، ميلا إلى التخفيف، وإيثارا للاختصار، ونحن نورد معالم الشافعي ومناقبه على الاستقصاء في كتب نفرده لها، إن شاء الله

ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

 

الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان بن شَافِع بن السَّائِب بن عبيد بن عبد يزِيد بن هِشَام بن الْمطلب بن عبد منَاف الْقرشِي المطلبي الْمَكِّيّ
نزيل مصر إِمَام الْأَئِمَّة وقدوة الْأمة
ولد بغزة سنة خمسين وَمِائَة وَحمل إِلَى مَكَّة وَهُوَ ابْن سنتَيْن
روى عَن عَمه مُحَمَّد بن عَليّ وَأبي أُسَامَة وَسَعِيد بن سَالم القداح وَابْن عُيَيْنَة وَمَالك وَابْن علية وَابْن أبي فديك وَخلق
وَعنهُ ابْنه أَبُو عُثْمَان مُحَمَّد وَالْإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد الْقَاسِم وَأَبُو الطَّاهِر بن السَّرْح والمزني وحرملة بن يحيى وَالْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي وَالربيع بن سُلَيْمَان الْمرَادِي وَالربيع بن سُلَيْمَان الجيزي وَأَبُو الْوَلِيد الْمَكِّيّ وَأَبُو يَعْقُوب الْبُوَيْطِيّ وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَخلق كثير
قَالَ ابْن عبد الحكم لما حملت أم الشَّافِعِي بِهِ رَأَتْ كَأَن المُشْتَرِي خرج من فرجهَا حَتَّى انقض بِمصْر ثمَّ وَقع فِي كل بلد مِنْهُ شظية فتأوله أَصْحَاب الرُّؤْيَا أَنه يخرج عَالم يخص علمه أهل مصر ثمَّ يتفرق فِي سَائِر الْبلدَانِ
وَقَالَ أَحْمد إِن الله تَعَالَى يقيض للنَّاس فِي رَأس كل مائَة سنة من يعلمهُمْ السّنَن وينفي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَذِب فَنَظَرْنَا فَإِذا فِي رَأس الْمِائَة عمر بن عبد الْعَزِيز وَفِي رَأس الْمِائَتَيْنِ الشَّافِعِي
وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن يحيى سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول حفظت الْقُرْآن وَأَنا ابْن سبع سِنِين وحفظت الْمُوَطَّأ وَأَنا ابْن عشر
وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان كَانَ الشَّافِعِي يُفْتِي وَله خمس عشرَة سنة وَكَانَ يحيى اللَّيْل إِلَى أَن مَاتَ
وَقَالَ أَبُو ثَوْر كتب عبد الرَّحْمَن بن مهْدي إِلَى الشَّافِعِي وَهُوَ شَاب أَن يضع لَهُ كتابا فِيهِ مَعَاني الْقُرْآن وَيجمع قَول الأخيار فِيهِ وَحجَّة الْإِجْمَاع وَبَيَان النَّاسِخ والمنسوخ من الْقُرْآن وَالسّنة فَوضع لَهُ كتاب الرسَالَة
قَالَ ابْن مهْدي مَا أُصَلِّي صَلَاة إِلَّا وَأَنا أَدْعُو للشَّافِعِيّ فِيهَا
وَقَالَ هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي لَو أَن الشَّافِعِي نَاظر على هَذَا العمود الَّذِي هُوَ من حِجَارَة أَنه من خشب لغلب لَا قتداره على المناظرة
وَكَانَ الْحميدِي يَقُول حَدثنَا سيد الْفُقَهَاء الشَّافِعِي مَاتَ فِي آخر رَجَب سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن الْعَبَّاس أبي عبد الله الشَّافِعِي الإِمَام الْأَعْظَم
ولد بغزة وَقيل بعسقلان وَقيل بِالْيمن وَنَشَأ بِمَكَّة وَكتب الْعلم بهَا وبمدينة النَّبِي وَقدم بَغْدَاد مرَّتَيْنِ وَخرج إِلَى مصر وَاسْتمرّ بهَا إِلَى حِين وَفَاته سمع مَالك بن أنس وَإِبْرَاهِيم بن سعد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَغَيرهم وَاجْتمعَ بِهِ إمامنا وَسمع مِنْهُ وذاكره وَنقل عَنهُ وحاضره ذكره أبي حَاتِم الرَّازِيّ وَذكر أَن أَحْمد بن حَنْبَل تعلم مِنْهُ الشَّافِعِي أَشْيَاء فِي معرفَة الحَدِيث وَكَانَ الشَّافِعِي فَقِيها وَلم يكن مُحدثا فَرُبمَا قَالَ لِأَحْمَد هَذَا الحَدِيث قوي مَحْفُوظ فَإِذا قَالَ نعم جعله أصلا وَبنى عَلَيْهِ وَقَالَ إِسْحَاق بن حَنْبَل كَانَ الشَّافِعِي يَأْتِي أَبَا عبد الله عندنَا هَا هُنَا عَامَّة النَّهَار يتذاكران الْفِقْه وَمَا أخرج الشَّافِعِي فِي كتبه يَعْنِي عَن أبي عبد الله حَدثنِي بعض أَصْحَابنَا عَن إِسْمَاعِيل وَأبي مُعَاوِيَة والعراقيين فَهُوَ عَن أبي عبد الله وَقَالَ الْفضل بن زِيَاد أَن أَحْمد جَالس الشَّافِعِي بِمَكَّة فَأخذ عَنهُ التقنين وَكَلَام قُرَيْش وَأخذ الشَّافِعِي عَن أَحْمد معرفَة الحَدِيث وَقَالَ عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد قَالَ لي أبي قَالَ لنا الشَّافِعِي أَنْتُم أعلم بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَال منى فَإِذا كَانَ الحَدِيث صَحِيحا فأعلموني إِن شَاءَ أَن يكون كوفيا أَو بصريا أَو شاميا حَتَّى أذهب إِلَيْهِ إِذا كَانَ صَحِيحا وَقَالَ عبد الله سَمِعت أبي يَقُول اسْتَفَادَ الشَّافِعِي منا كثيرا مِمَّا استفدنا مِنْهُ وكل شَيْء فِي كتاب الشَّافِعِي عَن هشيم وَغَيره فَهُوَ عَن أبي وَقَالَ الرّبيع ابْن سُلَيْمَان كَانَ الشَّافِعِي يخْتم فِي كل يَوْم ختمة فَإِذا كَانَ رَمَضَان قَرَأَ بِالنَّهَارِ ختمة وبالليل أُخْرَى وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ سَمِعت أَحْمد يَقُول سِتَّة أَدْعُو لَهُم سحرًا أحدهم الشَّافِعِي وَذكر أبي بكر الْخَطِيب فِي كتاب السَّابِق واللاحق حدث عَن أَحْمد بن حَنْبَل مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَأبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَبَين وفاقهما مائَة وَثَلَاث عشرَة سنة وَمَات الشَّافِعِي سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ وَالْبَغوِيّ سنة سبع عشرَة وثلاثمائة

المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.

 

 

محمد بن إدريس الشافعي، ولد بغزة (150 هـ) ونشأ بمكة، وربي بهذيل، وتوفي بمصر (204 هـ). وانتشر مذهبه الثاني في مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، وباكستان، والهند، واندنيسيا، ولدى السنيين في إيران، واليمن، وغيرها من البلدان الَّتِي لا زال له فيها أتباع - عدا المغرب......

من الكتاب: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك (مع دراسة لحياة المؤلف وآثاره وعصره)- المؤلف: أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسى.- المحقق: أحمد بو طاهر الخطابي.

 

 

(150 - 204 هـ = 767 - 820 م) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله: أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة (بفلسطين) وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين. وزار بغداد مرتين. وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها، وقبره معروف في القاهرة. قال المبرد: كان الشافعيّ أشعر الناس وآدبهم وأعرفهم بالفقه والقراآت. وقال الإمام ابن حنبل: ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منه. وكان من أحذق قريش بالرمي، يصيب من العشرة عشرة، برع في ذلك أولا كما برع في الشعر واللغة وأيام العرب، ثم أقبل على الفقه والحديث، وأفتى وهو ابن عشرين سنة. وكان ذكيا مفرطا.
له تصانيف كثيرة، أشهرها كتاب (الأم - ط) في الفقه، سبع مجلدات، جمغه البويطي، وبوّبه الربيع بن سليمان، ومن كتبه (المسند - ط) في الحديث، و (أحكام القرآن - ط) و (السنن - ط) و (الرسالة - ط) في أصول الفقه، منها نسخة كتبت سنة 265 هـ في دار الكتب، و (اختلاف الحديث - ط) و (السبق والرمي) و (فضائل قريش) و (أدب القاضي) و (المواريث) ولابن حجر العسقلاني (توالي التأسيس، بمعالي بن إدريس - ط) في سيرته، ولأحمد بن محمد الحسني الحموي المتوفى سنة 1098 كتاب (الدر النفيس - خ) في نسبه، بدار الكتب (5: 178) وللحافظ عبد الرؤوف المناوي، كتاب (مناقب الإمام الشافعيّ - خ) وللشيخ مصطفى عبد الرازق رسالة (الإمام الشافعيّ - ط) في سيرته، ولحسين الرفاعيّ (تاريخ الإمام الشافعيّ - ط) ولمحمد أبي زهرة كتاب (الشافعيّ - ط) ولمحمد زكي مبارك رسالة في أن (كتاب الأم لم يؤلفه الشافعيّ وإنما ألفه البويطي - ط) يعني أن البويطي جمعه مما كتب الشافعيّ. وفي طبقات الشافعية للسبكي، بعض ما نصف في مناقبه .

-الاعلام للزركلي-

 

 

الشافعى: هو الإمام أبي عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعى، أصله من قبيلة قريش، و يمت بصلة القرابة البعيدة إلى النبى (صلى اللّه عليه و سلم). ولد فى غزة (و قيل فى عسقلان أومينا أو اليمن) سنة ١٥٠ ه، و يقال: إنه ولد فى اليوم الذى توفى فيه أبي حنيفة، جاء مكة مع أمه عندما كان فى الثانية من عمره، و عاش طفولته فقيرا. و يقال: إنه أثناء إقامته فى مكة نجح فى إتقان اللغة و الشعر، حتى إن العالم اللغوى الأصمعى سمع منه «ديوان الهذليين»، و كذلك «ديوان الشنفرى»، و درس فى مكة عند مسلم بن خالد الزنجى و سفيان بن عيينة الفقه و الحديث، كما كان يحفظ موطا مالك عن ظهر قلب. ثم رحل إلى اليمن و اكتسب هناك شهرة كبيرة، و انضم إلى الإمام الزيدى يحيى بن عبد اللّه، و قد طاف الشافعى ببغداد و مصر.

و توفى بالفسطاط سنة ٢٠٤ ه، و دفن بمقبرة فى سفح جبل المقطم. من مصنفاته: «الأم»، «الرسالة»، «اختلاف الحديث»، «السنن المأثورة»، «العقيدة». تاريخ التراث العربى:١/ ١٦، معجم المولفين: ٩/ ٣٢، وفيات الأعيان: ٣/ ٣٠٥، دول الإسلام: ١/ ١٢٧.

الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء -  علي بن عبد القادر الطبري

 

 

الإمام أبو عبد اللَّه، محمدُ بنُ إدريسَ بنِ العباسِ بنِ عثمانَ بنِ شافعِ بنِ السائبِ بنِ عبيدِ بنِ عبدِ يزيدَ بنِ هاشمِ بنِ المطلبِ بنِ عبد مناف، القريشيُّ، المطلبيُّ الشافعيُّ.
يجتمع مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في عبدِ مناف المذكور، وباقي النسب إلى عدنان معروف، لقي جدُّه شافعٌ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو مترعرع.
وكان أبوه السائب صاحبَ راية بني هاشم يوم بدر، فأُسر، وفدى نفسه، ثم أسلم، فقيل له: لِمَ لم تسلمْ قبل أن تفدي نفسك؟ فقال: ما كنت أحرمُ المؤمنين مطمعًا لهم فِيَّ.
وكان الشافعي كثير المناقب، جمَّ المفاخر، منقطع القرين، اجتمعتْ فيه من العلوم بكتاب اللَّه وسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وكلام الصحابة - رضي اللَّه عنهم - وآثارهم، واختلاف أقاويل العلماء، وغير ذلك؛ من معرفة كلام العرب، واللغة والعربية، والشعر، حتى إن الأصمعي - مع جلالة قدره في هذا الشأن - قرأ عليه أشعارَ الهُذَليين ما لم يجتمع في غيره، حتى قال أحمد بن حنبل - رضي اللَّه عنه -: ما عرفتُ ناسخَ الحديث من منسوخه حتى جالستُ الشافعي. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت رجلًا قط أكملَ من "الشافعي".
وقال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: أَيَّ رجل كان الشافعيُّ، سمعتك تكثر من الدعاء له؟ فقال: يا بني! كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، هل لهذين من خلف، أو عنهما من عِوَض؟
وقال أحمد: ما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي، وأستغفر له.

وقال يحيى بن معين: كان أحمد بن حنبل ينهانا عن الشافعي، ثم استقبلته يومًا والشافعيُّ راكبٌ بغلةً وهو يمشي خلفه، فقلت: يا أبا عبد اللَّه! تنهانا عنه، وتمشي خلفه؟! فقال: اسكت! لو لزمتَ البغلة لانتفعتُ.
وقال الشافعي: قدمت على مالك بن أنس، وقد حفظتُ "الموطأ"، فقال لي: أَحضرْ من يقرأ لك، فقلت: أنا قارىء، فقرأت عليه "الموطأ" حفظًا، فقال: إن يكُ أحدٌ يفلح، فهذا الغلام.
وكان سفيان بن عُيينة إذا جاءه شيء من التفسير أو الفتيا، التفت إلى الشافعي، فقال: سلوا هذا الغلام. وقال الحميدي: سمعت الزنجيَّ بنَ خالد - يعني: مسلمًا - يقول للشافعي: أَفتِ يا أبا عبد اللَّه! فقد واللَّه آنَ لك أن تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة.
وقال محفوظ بن أبي توبة البغدادي: رأيت أحمد بن حنبل عند الشافعي في المسجد الحرام، فقلت: يا أبا عبد اللَّه! هذا سفيان بن عُيينة في ناحية المسجد يحدث، فقال: إن هذا يفوت وذاك لا يفوت.
وقال أبو حسان الزيادي: ما رأيت محمدَ بنَ الحسن يعظِّم أحدًا من أهل العلم تعظيمَه للشافعي، ولقد جاءه يومًا، فلقيه وقد ركب محمد بن الحسن، فرجع إلى منزله، وخلا به يومه إلى الليل، ولم يأذن لأحد عليه.
والشافعي أول من تكلم في أصول الفقه، وهو الذي استنبطه. وقال أبو ثور: من زعم أنه رأى مثلَ محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكنه، فقد كذب، كان منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله، لم يعتض منه.
وقال أحمد بن حنبل: ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منة. وكان الزعفراني يقول: كان أصحاب الحديث رقودًا حتى جاء الشافعي فأيقظهم، فتيقظوا. ومن دعائه: "اللهمَّ يا لطيفُ أسألك اللطفَ فيما جرت به المقادير"، وهو مشهور بين العلماء بالإجابة، وهو مجرب، وفضائله أكثر من أن تعد.
ومولده سنة خمسين ومئة، وقد قيل: إنه ولد في اليوم الذي تُوفي فيه الإمام أبو حنيفة - رحمه الله -. وكانت ولادته بمدينة غزة، وقيل: بعسقلان، وقيل: باليمن، والأول أصح، وحُمل من غزة إلى مكة وهو ابن سنتين، فنشأ بها، وقرأ القرآن الكريم.
وحديث رحلته إلى مالك مشهور، فلا حاجة إلى التطويل فيه، وقدم بغداد سنة 195 فأقام بها سنتين، ثم خرج إلى مكة، ثم عاد إلى بغداد فأقام بها شهرًا.
ثم خرج إلى مصر، وكان وصوله إليها في سنة تسع وتسعين ومئة، ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومئتين، ودفن بعد العصر من يومه بالقرافة الصغرى، وقبره يزار بها.
قال الربيع بن سليمان المرادي: رأيت هلال شعبان وأنا راجعٌ من جنازته، وقال: رأيته في المنام بعد وفاته، فقلت: يا أبا عبد اللَّه! ما صنع اللَّه بك؟ فقال: أجلسني على كرسي من ذهب، ونثر عليَّ اللؤلؤ الرطب. وذكر الشيخ أبو إسحق الشيرازي في كتاب "طبقات الفقهاء" ما مثاله.
وحكى الزعفرانيُّ عن أبي عثمان بن الشافعي، قال: مات أبي وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقد اتفق العلماء قاطبة من أهل الحديث والفقه والأصول واللغة والنحو وغير ذلك على ثقته وأمانته وعدالته، وزهده وورعه ونزاهة عرضه وعفة نفسه، وحسن سيرته وعلو قدره وسخائه، وأخبرني أحد المشايخ الأفاضل: أنه عمل في مناقب الشافعي ثلاثة عشر تصنيفًا، انتهى ملخصًا وتركًا للأبيات.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

 

أبو عبد الله محمد بن أدريس الشافعي
بن العباس بن عثمان بن شافع ابن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي: ولد سنة خمسين ومائة ومات في خر يوم من رجب سنة أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة، وحكى الزعفراني عن ابنه أبي عثمان ابن الشافعي قال: مات أبي وهو ابن ثمان وخمسين سنة. قال الشافعي: لقيني مسلم بن خالد الزنجي فقال لي: يا فتى من أين أنت؟ قلت: من أهل مكة، قال: أين منزلك بها؟ قلت: شعب الخيف، قال: من أي قبيلة أنت؟ قلت: من ولد عبد مناف، قال: بخ بخ لقد شرفك الله في الدنيا والآخرة. وقال: قدمت على مالك وقد حفظت الموطأ، فقال لي: أحضر من يقرأ لك، فقلت: أنا قارئ، فقرأت عليه الموطأ حفظاً، فقال: إن يك أحد يفلح فهذا الغلام. وكان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعي فقال: سلوا هذا الغلام. قال الحميدي: سمعت زنجي بن خالد - يعني مسلماً - يقول للشافعي: أفت يا أبا عبد الله فقد والله آن لك أن تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة. قال أحمد: ما عرفت ناسخ الحديث ومنسوخه حتى جالست أبا عبد الله الشافعي. وقال إسحاق بن راهويه: ما تكلم أحد - وذكر الثوري والأوزاعي ومالكاً وأبا حنيفة - إلا والشافعي أكثر اتباعاً وأقل حظاً منه. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت رجلاً قط أكمل من الشافعي.
وقال أبو عبيد ابن حربويه: سمعت الحسن بن علي القراطيسي يقول: كنت عند أبي ثور فجاءه رجل فقال له: أصلحك الله، فلان سمعته يقول قولاً عظيماً؛ سمعته يقول الشافعي أفقه من الثوري، قال: أنت سمعته يقول ذاك؟ قال: نعم، ثم قام الرجل فقال أبو ثور: يستنكر أن يقال الشافعي أفقه من الثوري! هو عندي أفقه من الثوري ومن النخعي.
وقال أبو حسان الزيادي: ما رأيت محمد بن الحسن يعظم أحداً من أهل العلم إعظامه للشافعي، ولقد جاءه يوماً فلقيه وقد ركب محمد ابن الحسن فرجع محمد إلى منزله وخلا به يومه إلى الليل ولم يأذن لأحد عليه. قال محفوظ بن أبي توبة البغدادي: رأيت أحمد بن حنبل عند الشافعي في المسجد الحرام فقلت: يا أبا عبد الله، هذا سفيان بن عيينة في ناحية المسجد يحدث، فقال: إن هذا يفوت وذاك لا يفوت. وقال يحيى بن معين: كان أحمد بن حنبل ينهانا عن الشافعي ثم استقبلته يوماً والشافعي راكب بغلة وهو يمشي خلفه فقلت: يا أبا عبد الله تنهانا عنه وتتبعه؟ فقلت: اسكت لو لزمت البغلة انتفعت.

- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

 

 

الإمام الشافعي أحد أئمة المذاهب المتبعة، ناصر الحق وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، طلب العلم منذ نعومة أظفاره، ونبغ فيه وفاق أقرانه، كان عابداً ورعاً تقياً لا يخاف في الله لومة لائم، له المصنفات الكثيرة والنادرة، وهو أول من صنف في أصول الفقه وأحكام القرآن، أخذ عن جملة من العلماء وأخذ عنه كذلك مشاهير العلماء كأحمد بن حنبل وغيره، وأثنى عليه العلماء ثناء عطراً، فرحمنا الله وإياه رحمة الأبرار.

التعريف بالإمام الشافعي

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فما زلنا مع علماء السلف رضي الله عنهم، ونحن اليوم مع إمام من أئمة المذاهب المتبعة، ناصر الحق والسنة محمد بن إدريس الشافعي، نتعرف على اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفته رحمه الله.
اسمه: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
كنيته: أبو عبد الله، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يلتقي معه في جده عبد مناف، فرسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم بن عبد مناف، وإمامنا الشافعي من بني المطلب بن عبد مناف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد).
قال الإمام النووي: اعلم أنه رضي الله عنه كان من أنواع المحاسن بالمحل الأعلى والمقام الأسنى؛ لما جمعه الله له من أنواع المكرمات، فمن ذلك شرف النسب الطاهر، والعنصر الباهر، واجتماعه هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب، وذلك غاية الشرف ونهاية الحسب.
ومن ذلك: شرف المولد والمنشأ؛ فإنه ولد بالأرض المقدسة ونشأ بمكة.
مولده ونشأته: قال الذهبي رحمه الله: اتفق مولد الإمام رحمه الله بغزة، ومات أبوه إدريس شاباً فنشأ محمد يتيماً في حجر أمه فخافت عليه الضيعة، فتحولت إلى محتده وهو ابن عامين -يعني: انتقلت به من غزة إلى مكة وهو ابن عامين- فنشأ بمكة وأقبل على الرمي حتى فاق الأقران، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة، ثم أقبل على العربية والشعر فبرع في ذلك وتقدم، ثم حبب إليه الفقه فساد أهل زمانه.
والإمام الشافعي يعتبر من أذكياء العالم.
قال العليمي: أبو عبد الله الشافعي الإمام الأعظم والحبر المكرم أحد الأئمة المجتهدين الأعلام، إمام أهل السنة وركن الإسلام، لقي جده شافع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع، وكان أبوه السائب -والد شافع- صاحب راية بني هاشم يوم بدر، فأسر وفدى نفسه ثم أسلم، فقيل له: لم لم تسلم قبل أن تفدي نفسك؟ فقال: ما كنت أحرم المسلمين طعماً لهم في، فأراد أن يكون سبباً في الرزق للمسلمين، ففدى نفسه ثم أسلم.
ولد الإمام الشافعي بغزة من بلاد الشام على الأصح في سنة (150هـ) وهي السنة التي مات فيها أبو حنيفة النعمان، فقد ولد الإمام أبو حنيفة سنة (80هـ)، ومات سنة (150هـ)، أما الإمام الشافعي فإنه ولد سنة (150هـ)، ومات سنة (204هـ)، فعاش (54) سنة رحمه الله، وقيل: إن الشافعي ولد في اليوم الذي مات فيه أبو حنيفة.
وقيل: كان مولده بعسقلان وقيل: باليمن، ونشأ بمكة وكتب العلم بها وبمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم بغداد مرتين، وخرج إلى مصر فنزلها وكان وصوله إليها في سنة (199هـ)، ومكث في مصر خمس سنين وأفتى بها، وعندما يقولون: قال الشافعي في الجديد، فيقصدون ما كتبه وهو في مصر، وهي الخمس السنين الأخيرة من عمره؛ فإنه مكث في مكة فترة وفي بغداد فترة، ومر على بلاد كثيرة، وقيل: دخل مصر سنة (201هـ) ولم يزل بها إلى حين وفاته.
صفته رحمه الله: روى أبو نعيم بسنده عن إبراهيم بن برانة قال: وكان الشافعي طويلاً نبيلاً جسيماً.
وقال الزعفراني: كان الشافعي يخضب بالحناء، خفيف العارضين.
يعني: خفيف شعر اللحية في العارضين.
وقال المزني: ما رأيت أحسن وجهاً من الشافعي، وكان ربما قبض على لحيته فلا تفضل على قبضته.

(2/2)

طلب الإمام الشافعي للعلم ونبوغه فيه
ابتداء طلبه للعلم ونبوغه فيه: روى أبو نعيم بسنده عن أبي بكر بن إدريس وراق الحميدي -أي: الذي كان يحمل أوراقه التي يكتب فيها الحديث- عن الشافعي قال: كنت يتيماً في حجر أمي ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء فأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف، فكنت أنظر إلى العظم يلوح فأكتب فيه الحديث والمسألة، وكانت لنا جرة قديمة فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة.
وروى البيهقي بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال: كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام الناس والأدب، ثم أخذ في الفقه بعد.
قال: وكان سبب أخذه في الفقه أنه كان يوماً يسير على دابة له، خلفه كاتب أبي، فتمثل الشافعي ببيت من الشعر فقرعه كاتب أبي بسوط ثم قال له: مثلك تذهب مروءته في مثل هذا، أين أنت عن الفقه؟ قال: فهزه ذلك فقصد مجالسة مسلم بن خالد الزنجي وكان مفتي مكة، ثم قدم علينا فلزم مالك بن أنس.
وروى البيهقي كذلك عن أبي بكر الحميدي قال: قال الشافعي: خرجت أطلب النحو والأدب فلقيني مسلم بن خالد فقال: يا فتى من أين أنت؟ قلت: من أهل مكة؟ قال: وأين منزلك بها؟ قلت: بشعب الخيف، قال: من أي قبيلة أنت؟ قلت: من ولد عبد مناف قال: بخ بخ! لقد شرفك الله في الدنيا والآخرة، ألا جعلت فهمك هذا في الفقه كان أحسن بك؟! قال الذهبي: وعن الشافعي قال: أتيت مالكاً وأنا ابن ثلاث عشرة سنة -كذا قال، والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة- فأتيت ابن عم لي والي المدينة فكلم مالكاً فقال: اطلب من يقرأ لك.
قلت: أنا أقرأ، فقرأت عليه، فكان ربما قال لي لشيء قد مر: أعده فأعيده حفظاً، فكأنه أعجبه، ثم سألته عن مسألة فأجابني، ثم أخرى فقال: أنت تحب أن تكون قاضياً، وفي بعض النسخ: يجب أن تكون قاضياً.
وقال النووي رحمه الله: أخذ الشافعي رحمه الله في الفقه، وحصل منه على مسلم بن خالد الزنجي وغيره من أئمة مكة ما حصل، ورحل إلى المدينة قاصداً الأخذ عن أبي عبد الله مالك بن أنس، وأكرمه مالك -رحمه الله- وعامله لنسبه وعلمه وفهمه وعقله وأدبه بما هو اللائق بها، وقرأ الموطأ على مالك حفظاً فأعجبته قراءته، فكان مالك يستزيده من القراءة لإعجابه بقراءته، ولازم مالكاً فقال له: اتق الله! فإنه سيكون لك شأن.
وفي رواية أنه قال له: إن الله تعالى قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بالمعصية.
ثم ولى اليمن -صار والياً أو حاكماً عليها- واشتهر من حسن سيرته وحمله الناس على السنة والطرائق الجميلة أشياء كثيرة معروفة، ثم رحل إلى العراق للاشتغال بالعلم، وناظر محمد بن الحسن -صاحب أبي حنيفة - وغيره، ونشر علم الحديث، وأقام مذهب أهله، ونصر السنة، وشاع ذكره وفضله، وتزايد تزايداً ملأ البقاع، وأذعن بفضله الموافقون والمخالفون، واعترف به العلماء أجمعون، وعظمت عند الخلائق وولاة الأمور مرتبته، وظهر من فضله في مناظرات أهل العراق وغيرهم ما لم يظهر لسواه.
عكف على الاستفادة منه الصغار والكبار والأئمة الأخيار من أهل الحديث والفقه وغيرهم، ورجع كثير منهم عن مذاهب كانوا عليها إلى مذهبه، وتمسكوا بطريقته، وصنف في العراق كتابه القديم المسمى (كتاب الحجة)، ثم خرج إلى مصر سنة (199هـ)، وصنف كتبه الجديدة كلها بمصر، وسار ذكره في البلدان، وقصده الناس في الشام واليمن والعراق.
لذلك فإن أكثر أهل مصر شافعية.

ثناء العلماء على الإمام الشافعي

ثناء العلماء عليه: قال الحافظ أبو نعيم: ومنهم الإمام الكامل العالم العامل، ذو الشرف المنيف، والخلق الظريف، له السخاء والكرم، وهو الضياء في الظلم، أوضح المشكلات، وأفصح عن المعضلات، المنتشر علمه شرقاً وغرباً، المستفيض مذهبه براً وبحراً، المتبع للسنن والآثار، المقتدي بما اجتمع عليه المهاجرون والأنصار.
اقتبس عن الأئمة الأخيار فحدث عنه الأئمة الأحبار، الحجازي المطلبي أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، حاز المرتبة العالية، وفاز بالمنقبة السامية، إذ المناقب والمراتب يستحقها من له الدين والحسب، وقد ظفر الشافعي بهما جميعاً.
شرف العلم والعمل به، وشرف الحسب قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرفه في العلم ما خصه الله من تصرفه في وجوه العلم، وتبسطه في فنون الحكم، فاستنبط خفيات المعاني، وشرح بفهم الأصول والمباني، ونال ذلك بما يخص الله تعالى به قريشاً من نبل الرأي.
وروى الخطيب بسنده إلى إسحاق بن راهويه قال: أخذ أحمد بن حنبل بيدي وقال: تعال حتى أذهب بك إلى من لم تر عيناك مثله، فذهب به إلى الشافعي.
فالإمام الشافعي يعتبر شيخ الإمام أحمد.
وبسنده أيضاً إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: يا أبت أي شيء كان الشافعي فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ فقال: يا بني الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، انظر هل لهذين من خلف أو منهما عوض؟ وعن أيوب بن سويد قال: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي.
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: ركب الشافعي حماره فجعل أبي يمشي والشافعي راكب وهو يذاكره، فبلغ ذلك يحيى بن معين فبعث إلى أبي في ذلك؛ فبعث إليه الإمام أحمد فقال: إنك لو كنت في الجانب الآخر من الحمار كان خيراً لك.
وعن حميد بن زنجويه قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول وهو يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يمن على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم)، وإني نظرت في سنة مائة فإذا رجل من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عمر بن عبد العزيز -توفي سنة (101هـ) - ونظرت في المائة الثانية فإذا هو رجل من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن إدريس، توفي سنة (204هـ).
وعن محمد بن الفضل البزار قال: سمعت أبي يقول: حججت مع أحمد بن حنبل فنزلنا عند أحد الناس بمكة، وخرج أبو عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل - باكراً وخرجت أنا معه، فلما صلينا الصبح بدأت المجالس، فجئت مجلس سفيان بن عيينة، وكنت أبحث مجلساً مجلساً طلباً لـ أبي عبد الله حتى وجدته عند شاب أعرابي وعليه ثياب مصبوغة وعلى رأسه جمة فزاحمته حتى قعدت عند أحمد بن حنبل.
فقلت: يا أبا عبد الله! تركت ابن عيينة وعنده الزهري يعني: محمد بن مسلم بن شهاب وعمرو بن دينار وزياد بن علاقة ومن التابعين ما الله بهم عليم؟ فقال: اسكت فإن فاتك حديث بعلو تجده بنزول فلا يضرك في دينك ولا في عقلك أو فقهك، وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة، ما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله تعالى من هذا الفتى القرشي، قلت: من هذا؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي.
وعن سويد بن سعيد قال: كنا عند سفيان بن عيينة فجاء محمد بن إدريس فجلس، فروى ابن عيينة حديثاً رقيقاً فغشي على الشافعي فقيل: يا أبا محمد مات محمد بن إدريس، فقال ابن عيينة: إن كان قد مات محمد بن إدريس فقد مات أفضل أهل زمانه.
قال الرازي رحمه الله: إن ثناء العلماء على الإمام الشافعي أكثر من أن يحيط به الحصر، ونحن نذكر السبب في محبتهم له وثنائهم عليه، فنقول: الناس كلهم كانوا قبل زمان الشافعي فريقين: أصحاب الحديث وأصحاب الرأي، أما أصحاب الحديث فكانوا حافظين لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم كانوا عاجزين عن النظر والجدل، وكلما أورد عليهم أصحاب الرأي سؤالاً أو إشكالاً بقوا على ما في أيديهم عاجزين متحيرين.
وأما أصحاب الرأي فكانوا أصحاب الجدل والنظر إلا أنهم كانوا فارغين من معرفة الآثار والسنن، وهي مدرسة الكوفة، وأما الشافعي فإنه كان عارفاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم

عبادة الإمام الشافعي وزهده وورعه

عبادته وزهده وورعه.
قال بحر بن نصر: ما رأيت ولا سمعت أتقى لله ولا أورع من الشافعي، ولا أحسن صوتاً منه بالقرآن.
وعن الحسين الكرابيسي قال: بت مع الشافعي ثمانين ليلة فكان يصلي نحو ثلث الليل، وما رأيته يزيد على خمسين آية فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ بالله منها، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المؤمنين، فكأنما جمع له الرجاء والرحمة معاً.
وعن بحر بن نصر قال: كنا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي نقرأ القرآن، فإذا أتيناه استفتح القرآن حتى تتساقط الناس بين يديه، ويكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة من حسن صوته.
وعن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، يعني: الحديث، والثلث الثاني: يصلي، والثلث الثالث: ينام.
وعن حرملة قال: قال الشافعي: ما حلفت لله صادقاً ولا كاذباً.
وقال الحارث بن مسكين: أراد الشافعي الخروج إلى مكة فأسلم إلى قصارٍ -يعني: خياطاً- ثياباً بغدادية مرتفعة، فوقع الحريق فاحترق دكان القصار والثياب، فجاء القصار ومعه قوم، فتحمل بهم على الشافعي في تأخيره ليدفع إليه قيمة الثياب.
فقال له الشافعي: قد اختلف أهل العلم في تضمين القصار -يعني: هل يضمن ثمن ما ضاع عنده- ولم أتبين أن الضمان يجب، فلست أضمنك شيئاً.
وعن الحارث بن شريح قال: دخلت مع الشافعي على خادم للرشيد وهو في بيت قد فرش بالديباج يعني: بالحرير، فلما وضع الشافعي رجله على العتبة أبصره فرجع، ولم يدخل، فقال له الخادم: ادخل، فقال: لا يحل افتراش هذا، فقام الخادم فتبسم حتى دخل بيتاً قد فرش بالأرض، فدخل الشافعي، ثم أقبل عليه فقال: هذا حلال وهذا حرام، وهذا أحسن من ذلك وأكثر ثمناً، فتبسم الخادم وسكت.
وعن الربيع قال: قال عبد الله بن عبد الحكم للشافعي: إن عزمت أن تسكن البلد -يعني: مصر- فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تتعزز به.
فقال له الشافعي: يا أبا محمد من لم تعزه التقوى فلا عز له، ولقد ولدت بغزة، وربيت بالحجاز، وما عندنا قوت ليلة وما بتنا جياعاً.
وقيل للشافعي: ما لك تدمن إمساك العصا ولست بضعيف؟ قال: لأذكر أني مسافر، يعني: في الدنيا.
وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي: يا أبا موسى! أنست بالفقر حتى صرت لا أستوحش منه.
وعن الربيع بن سليمان قال: قال لي الشافعي يا ربيع! عليك بالزهد، فللزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد.
وعن عبد الله بن محمد البلوي قال: جلسنا ذات يوم نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء وما بلغ من زهدهم وفصاحتهم وعلمهم، فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن نباته فقال: بماذا تتحاورون؟ قلنا: نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء وما بلغ من فصاحتهم.
فقال عمر بن نباته: والله ما رأيت رجلاً قط أورع ولا أخشع ولا أفصح ولا أسمح ولا أعلم ولا أكرم ولا أجمل ولا أنبل ولا أفضل من محمد بن إدريس الشافعي.

سخاء الشافعي وجوده

أما سخاؤه وجوده رحمه الله: فعن الحميدي قال: قدم الشافعي رحمه الله من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار في منديل، فضرب خباءه في موضع خارجاً من مكة، فكان الناس يأتونه، فما برح حتى ذهبت كلها.
وعن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي راكباً حماراً فمر على سوق الحذائين، فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذائين فأخذ السوط ومسحه بكمه وناوله إياه، فقال الشافعي لغلامه: ادفع الدنانير التي معك إلى هذا الفتى.
قال الربيع: فلست أدري كانت تسعة دنانير أو ستة.
وعن الربيع بن سليمان قال: تزوجت فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ فقلت: ثلاثين ديناراً، قال: كم أعطيتها؟ فقلت: ستة دنانير، فصعد داره وأرسل إلي بصرة فيها أربعة وعشرون ديناراً.
كان ابن عبد الحكم مالكياً ثم رجع عن مذهبه وصار شافعياً، ولما أوصى الإمام الشافعي بحلقته إلى البويطي رجع ابن عبد الحكم إلى المذهب المالكي مرة ثانية، قال رحمه الله: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني وإلا قال: قولوا لـ محمد إذا جاء يأتي المنزل فإني لا أتغدى حتى يجيء، فربما جئته، فإذا قعدت معه على الغداء قال: يا جارية أنضجي لنا فالوذجاً -يعني: فطيراً- فلا تزال المائدة بين يديه حتى يفرغ منها ويتغدى.
وعن الربيع قال: أخذ رجل بركاب الشافعي فقال: يا ربيع أعطه أربعة دنانير واعذرني عنده.
وعن الربيع قال: كنا مع الشافعي رحمه وقد خرج من مسجد مصر، فانقطع شسع نعله -وهو رباط النعل- فأصلح له رجل شسعه ودفعه إليه، فقال: يا ربيع معك من نفقتنا شيء؟ قلت: نعم، قال: كم؟ قلت: سبعة دنانير، قال: ادفعها إليه.
ولعل النعل كله لا يساوي هذا المبلغ.
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: جاءنا الشافعي إلى منزلنا قال: فقال لي: اركب دابتي هذه قال: فركبتها، قال: فقال لي: أقبل بها وأدبر ففعلت، فقال: إني أراك بها لبقاً فخذها فهي لك.
قال: وكان من أسخى الناس ثم ذكر قصة التمر.
وقصة التمر رواها البيهقي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: كان الشافعي رحمه الله من أسخى الناس قال: وكنت آكل مع الشافعي تمراً ملوزاً -وهو التمر الذي ينزع منه النوى ويوضع فيه اللوز، فجاء رجل فقعد وأكل وكان يجلس إليه، فلما فرغ من الأكل، قال الرجل للشافعي: ما تقول في أكل الفجأة؟ قال: فلوى الشافعي عنقه إلي وقال: هلا كان سؤاله قبل أن يأكل.
لأنه لو قال له: لا يجوز كان كف عن الأكل.
وقال الشافعي رحمه الله: السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا والآخرة بعد ألا يلحقهما بدعة.
وعن إبراهيم بن محمد قال: كنت في مجلس أحمد بن يوسف النقلي صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام فجرى ذكر الشافعي وأخلاقه وفقهه وسماحته فقالوا: ما شبهناه إلا بأبيات أنشدها حفص بن عمر الأزدي المقرعي لبعض الأعراب: إن زرت ساحته ترجو سماحته بلتك راحته بالجود والكرم أخلاقه كرم وقوله نعم يقولها بفم بحبحت فاحتكم ما ضر زائره يرجو أنامله إن كان ذا رحم أو غير ذا رحم الجود غرته والنجم غايته يقولها بفم قد لج في نعم وعن الربيع بن سليمان قال: دفع إلي الشافعي دراهم لأشتري له حملاً -وهو الكبش أو الخروف- وأمرني أن أشوي ذلك، قال: فنسيت واشتريت سمكتين وشويتهما فأتيته بهما، فنظر فقال: يا أبا محمد! كلهما فقد اشتهيتهما.

اتباع الشافعي للسنة وذمه لأهل الأهواء
اتباعه للسنة رحمه الله وذمه لأهل الأهواء.
عن ميمون بن مهران قال: قال لي أحمد بن حنبل: ما لك لا تنظر في كتب الشافعي؟ فما من أحد وضع الكتب أتبع للسنة من الشافعي.
وعن أبي جعفر الترمذي قال: أردت أن أكتب كتب الرأي، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله! فأكتب رأي الشافعي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليس برأي، إنه رد على من خالف سنتي.
وعن أحمد بن حنبل قال: قدم علينا نعيم بن حماد وحثنا على طلب المسند -يعني: الحديث بالإسناد- فلما قدم علينا الشافعي وضعنا على المحجة البيضاء.
قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بها ودعوا ما قلته.
قال: وقال له رجل: يا أبا عبد الله نأخذ بهذا الحديث؟ فقال: متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ولم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب.
وقال الحميدي: روى الشافعي يوماً حديثاً فقلت: أتأخذ به؟ فقال: رأيتني خرجت من كنيسة أو علي زناراً -وهو الحبل الذي يربط في الوسط علامة لأهل الكتاب-، حتى إذا سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لا أقول به.
وقال الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
وقال: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط.
إلى غير ذلك من الأقوال التي ثبتت عن الإمام الشافعي.

فقه الإمام الشافعي
فقهه رحمه الله: قال عبيد بن محمد بن خلف البزاز: سئل أبو ثور فقيل له: أيهما أفقه الشافعي أو محمد بن الحسن -صاحب أبي حنيفة؟ فقال أبو ثور: الشافعي أفقه من محمد وأبي يوسف وأبي حنيفة وحماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وإبراهيم يعني: النخعي وعلقمة والأسود، يعني: أن كلهم من مدرسة الرأي في الكوفة.
وعن أحمد بن يحيى قال: سمعت الحميدي يقول: سمعت سيد الفقهاء محمد بن إدريس الشافعي.
وعن الربيع قال: سمعت الحميدي يقول: عن مسلم بن خالد أنه قال للشافعي: أفت يا أبا عبد الله فقد والله آن لك أن تفتي، وكان ابن خمس عشرة سنة.
وهذه بعض الأشياء التي تدل على فقهه وفهمه.
وعن حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول في رجل قال لامرأته وفي فيها تمرة: إن أكلتيها فأنت طالق، قال: طرحتيها فأنت طالق، بأن تأكل نصفها وتطرح نصفها.
فكما يقولون: ليس الفقه بالتشدد، بل الفقه أن تأتيك الرخصة من العالم الذي يجد المخرج الموافق للشرع.
وعن المزني قال: سئل الشافعي عن نعامة ابتلعت جوهرة لرجل آخر فقال: لست آمره بشيء، ولكن إن كان صاحب الجوهرة كيساً عدا على النعامة فذبحها واستخرج جوهرته ثم ضمن لصاحب النعامة ما بين قيمتها حية ومذبوحة.
وعن معمر بن شبيب قال: سمعت المأمون يقول لـ محمد بن إدريس الشافعي: يا محمد لأي علة خلق الله الذباب؟ قال: فأطرق ثم قال: مذلة للملوك يا أمير المؤمنين، قال: فضحك المأمون، وقال: يا محمد رأيت الذباب قد سقط على خدي؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين ولقد سألتني وما عندي جواب، فلما رأيت الذباب قد سقط بموضع لا يناله أحد انفتق في ذهني الجواب.
فقال: لله درك يا محمد.
وقال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ: سألت أبا قدامة السرخسي عن الشافعي وأحمد وأبي عبيد وابن راهويه فقال: الشافعي أفقههم.
وعن الربيع قال: كنت يوماً عند الشافعي فجاءه رجل فقال: أيها العالم! ما تقول في رجل حلف إن كان في كمي دراهم أكثر من ثلاثة فعبدي حر، وكان في كمه أربعة دراهم، فقال: لم يعتق عبده، قال: لم؟ قال: لأنه استثنى من جملة ما في كمه دراهم، والدرهم لا يكون دراهم.
فقال: آمنت بالذي فوهك هذا العلم.

براعة الإمام الشافعي في التصنيف وبركة مصنفاته
براعته في التصنيف وبركة مصنفاته: الشافعي رحمه الله أول من صنف في أصول الفقه وأحكام القرآن، وقد تسابق العلماء والأكابر على اقتناء مصنفاته والاستفادة منها، وأعظم كتبه كتاب (الرسالة) وهي موجودة الآن بتحقيق أحمد شاكر، وأسلوب الرسالة في غاية السهولة واليسر والفصاحة، فهي على سهولة لفظها كثيرة المعاني عظيمة المباني، شاهدة برجاحة عقله وكمال بصيرته.
وعن أبي ثور قال: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن والأخبار وحجة الإجماع والناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب (الرسالة).
قال عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأدعو للشافعي فيها.
وعن المزني قال: قرأت كتاب الرسالة للشافعي (500) مرة، ما من مرة منها إلا واستفدت منها فائدة جديدة لم أستفدها في الأخرى.
والمفروض أن طالب العلم يقرأ كتب العلم في كل فترة من أجل أن يستفيد أكثر وأكثر.
وعن محمد بن مسلم بن واره قال: قدمت من مصر فأتيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل أسلم عليه فقال: كتبت كتب الشافعي قلت: لا، قال: فرطت، ما علمنا المجمل من المفصل، ولا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه حتى جالسنا الشافعي قال: فحملني ذلك إلى أن رجعت إلى مصر وكتبتها ثم قدمت.
وعن أحمد بن مسلمة النيسابوري قال: تزوج إسحاق بن راهويه بمرو بامرأة رجل بعد وفاته عنده كتب الشافعي من أجل كتب الشافعي؛ لأن الكتب لم تكن متوفرة كما هو الآن، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشافعي، ووضع جامعه الصغير على جامع الثوري الصغير.
وقال أبو بكر الصومعي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صاحب الحديث لا يشبع من كتب الشافعي.
وقال الجاحظ: نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا في العلم فلم أر أحسن تأليفاً من المطلبي، كأن لسانه ينظم الدرر.
قال العلامة أحمد شاكر: فكتبه كلها مثل رائعة من الأدب العربي النقي، في الذروة العليا من البلاغة، يكتب على سجيته وعلى فطرته ولا يتكلف ولا يتصنع، أفصح نثر تقرؤه بعد القرآن والحديث، لا يساميه قائل، ولا يدانيه كاتب.
وعن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: أريت في المنام كأن آتياً أتاني فحمل كتبي وبثها في الهواء فتطايرت، فاستعبرت بعض المعبرين فقال: إن صدقت رؤياك لم يبق بلد من بلاد الإسلام إلا ودخله علمك.

شيوخ وتلاميذ الإمام الشافعي

شيوخه وتلامذته: قال الحافظ: روى عن مسلم بن خالد الزنجي ومالك بن أنس وإبراهيم بن سعد وسعيد بن سلمة القداح والدراوردي وعبد الوهاب الثقفي وابن علية إسماعيل بن إبراهيم -وعلية اسم أمه- وابن عيينة وأبي ضمرة وحاتم بن إسماعيل وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وإسماعيل بن جعفر وغيرهم.
وروى عنه سليمان بن داود الهاشمي وأبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي وإبراهيم بن المنذر الحزامي وأبو ثور إبراهيم بن خالد وأحمد بن حنبل وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي وحرملة وأبو طالب وغيرهم.
وله كتب كثيرة منها كتاب (الأم) وكتاب السنن المأثورة، وكتاب الرسالة، ومسند يضم الأحاديث التي جمعها، و (اختلاف الحديث) وغير ذلك من الكتب.

درر من أقوال الشافعي ونتف من أشعاره
درر من أقواله، ونتف من أشعاره: قال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
وقال: زينة العلم الورع والحلم.
وقال: لا عيب في العلماء أقبح من رغبتهم فيما زهدهم الله فيه، وزهدهم فيما رغبهم فيه، وقال: ليس العلم ما حفظ، العلم ما نفع.
وقال: من غلبته الشهوة للدنيا لزمته العبودية لأهلها، وقال: من رضي بالقنوع زال عنه الخضوع.
وقال: لو علمت أن شرب الماء البارد ينقص مروءتي لما شربته، ولو كنت اليوم ممن يقول الشعر لرثيت المروءة.
وقال: للمروءة أربعة أركان: حسن الخلق، والسخاء، والتواضع، والنسك.
وقال: المروءة عفة الجوارح عما لا يعنيها.
وقال: ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته.
وقال: من صدق في أخوة أخيه قبل علله، وسد خلله، وغفر زلله.
وقال: ليس سرور يعدل صحبة الإخوان، ولا غم يعدل فراقهم.
وقال: الشفاعات زكاة المروءات.
وقال: من صدق الله نجا، ومن أشفق على دينه سلم من الردى، ومن زهد في الدنيا قرت عيناه لما يراه من ثواب الله غداً.
وقال لأخ له في الله يعظه ويخوفه: يا أخي! إن الدنيا دحض مزلة، ودار مذلة، عمرانها إلى الخراب صائر، وساكنها للقبور زائر، شملها على الفرقة موقوف، وغناها إلى الفقر مصروف، والإكثار فيها إعسار، والإعسار فيها يسار، فافرغ إلى الله، وارض برزق الله تعالى، ولا تستلف من دار بقائك في دار فنائك، فإن عيشك فيء زائل، وجدار مائل، أكثر من عملك، وقصر من أملك.
وقال: الشعر حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام، غير أنه كلام باق سائر، فذلك فضله على سائر الكلام.
ودخل رجل عليه وهو مستلق على ظهره فقال: إن أصحاب أبي حنيفة الفصحاء، فأنشد فقال: ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد وأشجع في الوغى من كل ليث وآل مهلب وأبي يزيد وله أشعار أخرى منها: أمت مطامعي فأرحت نفسي فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتاً ففي إحيائه عرضي مصون وقال: إن الطبيب بطبه ودوائه لا يستطيع دفاع مقدور القضا ما للطبيب يموت بالداء الذي قد كان يبري مثله فيما مضى هلك المداوى والمداوي والذي جلب الدواء وباعه ومن اشترى

مرض الإمام الشافعي ووفاته

مرضه رحمه الله ووفاته: قال الربيع بن سليمان: أقام الشافعي هاهنا أربع سنوات، فأملى (1500) ورقة، وخرج كتاب (الأم) (2000) ورقة، وكتاب (السنة) وأشياء كثيرة كلها في أربع سنين، وكان عليلاً شديد العلة، يكاد ربما يخرج الدم منه وهو راكب، حتى تمتلئ سراويله ومركبه وخفه.
كان عنده بواسير رحمه الله، والبواسير عندما تنزف دماً تكون متقدمة.
وعن يونس بن عبد الأعلى قال: ما رأيت أحداً لقي من السقم ما لقي الشافعي، فدخلت عليه يوماً فقال لي: يا أبا موسى! اقرأ علي ما بعد العشرين والمائة من آل عمران: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:121] إلى آخر السورة، وأخف القراءة، ولا تثقل.
فقرأت عليه، فلما أردت القيام قال: لا تغفل عني، فإني مكروب.
قال يونس عنى الشافعي بقراءتي بعد العشرين والمائة ما لقى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أو نحوه؛ ليتأسى بهم، والإنسان يتصبر بما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام في غزوة أحد.
وعن الربيع قال: دخل المزني على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقال له: كيف أصبحت يا أستاذ؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله تعالى وارداً، ولسوء عملي ملاقياً، ثم رمى بطرفه نحو السماء واستعبر، ثم أنشأ يقول: إليك إله الخلق أرفع رغبتي وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما ما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منة وتكرما ولولاك لا يقوى بإبليس عابد فكيف وقد أغوى صفيك آدما فإن تعف عني تعف عن ذي إساءة ظلوم غشوم قاسي القلب مجرما وإن تنتقم مني فلست بآيس ولو دخلت نفسي بجرمي جهنما فجرمي عظيم من قديم وحادث وعفوك يا ذا العفو أعلى وأجسما قال الربيع بن سليمان: لما كان مع المغرب ليلة مات الشافعي قال له ابن عمه ابن يعقوب: ننزل نصلي؟ قال: تجلسون تنتظرون خروج نفسي؟ قال: فنزلنا ثم صعدنا فقلنا: صلينا أصلحك الله.
قال: نعم.
فاستسقى وكان شتاء، فقال له ابن عمه: أمزجه بالماء المسخن فقال الشافعي: لا، بل بلب السفرجل، وتوفي مع العشاء الآخرة رحمه الله.
قال الربيع بن سليمان: توفي الشافعي رحمه الله ورضي عنه ليلة الجمعة بعد المغرب وأنا عنده، ودفن يوم الجمعة بعد العصر آخر يوم من رجب، فانصرفنا من جنازته ورأينا هلال شعبان سنة (204)، وهو ابن أربع وخمسين سنة.
وعن أبي زكريا يعني: الأعرج قال: سمعت الربيع يقول: رأيت في المنام أن آدم مات، ويريدون أن يخرجوا بجنازته، فلما أصبحت سألت بعض أهل العلم عن ذلك فقال: هذا موت أعلم أهل الأرض، إن الله عز وجل علم آدم الأسماء كلها، فما كان إلا يسيراً حتى مات الشافعي رحمه الله، وغربت بذلك شمس حياته، ولكن محبة هذا الإمام وبركة علمه ومصنفاته تملأ طباق الأرض، فما من صاحب محبرة إلا وللشافعي عليه منة.
فنسأل الله تعالى أن يغفر لنا وله، وأن يمن علينا وعليه بأعلى الدرجات، والله عز وجل يغفر لنا تقصيرنا في ترجمته، وأن يمتعنا في الآخرة بصحبته، ويدخلنا وإياه فسيح جنته.
وهذا أوان ترك القلم في ترجمة هذا العلم، فالقلوب تشتاق إلى صحبته والتمتع بكمال عقله ووفور فطنته وبركة كلماته.
وصل اللهم وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، وآل بيته الطيبين، وأصحابه الغر الميامين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

من أعلام السلف - أحمد فريد

 

 

محمَّد بن إدريس الشافعي المطلبي رضي الله عنه: الإِمام البعيد الصيت والذكر الجليل القدر علامة الدنيا بلا ثنيا الحافظ الحجة النظار المتفق على جلالته وفضله وعلمه شهرته في أقطار الأرض تغني عن التعريف به. وترجمته واسعة أفردت بالتأليف له أتباع كثيرون جداً وانتشر مذهبه انتشار مذهب أبي حنيفة ومن دعائه: اللهم يا لطيف أسألك اللطف فيما جرت به المقادير. وهو مشهور بين العلماء بالإجابة.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية

 

 

الإمام الشافعي
مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ العَبَّاسِ بنِ عُثْمَانَ بنِ شَافِعِ بنِ السَّائِبِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عَبْدِ يَزِيْدَ بنِ هِشَامِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، الإِمَامُ عَالِمُ العَصْرِ نَاصِرُ الحَدِيْثِ فَقِيْهُ المِلَّةِ أبي عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، ثُمَّ المُطَّلِبِيُّ الشَّافِعِيُّ، المَكِّيُّ، الغَزِّيُّ المَوْلِدِ نَسِيْبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنُ عَمِّهِ، فَالمُطَّلِبُ هُوَ أَخُو هَاشِمٍ وَالِدِ عَبْدِ المُطَّلِبِ.
اتَّفَقَ مَوْلِدُ الإِمَامِ بِغَزَّةَ وَمَاتَ أبيهُ إِدْرِيْسُ شَابّاً فَنَشَأَ مُحَمَّدٌ يَتِيْماً فِي حَجْرِ أُمِّهِ، فَخَافَتْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ فَتَحَوَّلَتْ بِهِ إِلَى مَحْتِدِهِ، وَهُوَ ابْنُ عَامَيْنِ فَنَشَأَ بِمَكَّةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّمْيِ حَتَّى فَاقَ فِيْهِ الأَقْرَانَ، وَصَارَ يُصِيْبُ مِنْ عَشْرَةِ أَسْهُمٍ تِسْعَةً ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى العَرَبِيَّةِ وَالشَّرْعِ، فَبَرَعَ فِي ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ.
ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الفِقْهُ فَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ.
وَأَخَذَ العِلْمَ بِبَلَدِهِ عَنْ: مُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ مُفْتِي مَكَّةَ، وَدَاوُدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارِ، وَعَمِّهِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ شَافِعٍ فَهُوَ ابْنُ عَمِّ العَبَّاسِ جَدِّ الشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُلَيْكِيِّ وَسَعِيْدِ بنِ سَالِمٍ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ وَعِدَّةٍ.
وَلَمْ أَرَ لَهُ شَيْئاً عَنْ نَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مَعَهُ بِمَكَّةَ.
وَارْتَحَلَ وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً وَقَدْ أَفْتَى وَتَأَهَّلَ للإمامة إلى المَدِيْنَةِ، فَحَمَلَ عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ المُوَطَّأَ عَرَضَهُ مِنْ حِفْظِهِ. وَقِيْلَ: مِنْ حِفْظِهِ لأَكْثَرِهِ- وحمل عن: إبراهيم عن أَبِي يَحْيَى فَأَكْثَرَ وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَعَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ وَإِبرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ وَطَبَقَتِهِم.
وَأَخَذَ بِاليَمَنِ عَنْ: مُطَرِّفِ بنِ مَازِنٍ، وَهِشَامِ بنِ يُوْسُفَ القَاضِي وَطَائِفَةٍ. وَبِبَغْدَادَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ فَقِيْهِ العِرَاقِ وَلاَزَمَهُ وحمل عنه وقر بعير. وعن: إسماعيل بن عُلَيَّةَ وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ وَدَوَّنَ العِلْمَ وَرَدَّ عَلَى الأَئِمَّةِ مُتَّبِعاً الأَثَرَ وَصَنَّفَ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ وَفُرُوْعِهِ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ وتكاثر عليه الطلبة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ وَأبي عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ، وَأبي يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ البُوَيْطِيُّ، وَأبي ثَوْرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ الكَلْبِيُّ، وَحَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى وَمُوْسَى بنُ أَبِي الجَارُوْدِ المَكِّيُّ وَعَبْدُ العَزِيْزِ المكي صاحب الحيدة وحسين بن علي الكَرَابِيْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَمْدَانِيُّ وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ وَزِيْرٍ المِصْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَهْبِيُّ وَابْنُ عَمِّهِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه وَإِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلٍ، وَأبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الشَّافِعِيُّ المُتَكَلِّمُ وَالحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ النَّقَّالُ، وَحَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ المَهْرِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِمْرَانَ بنِ مِقْلاَصٍ، وَعَلِيُّ بنُ معَبْدٍ الرَّقِّيُّ وَعَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ وَعَمْرُو بنُ سَوَّادٍ، وَأبي حَنِيْفَةَ قَحْزَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ وَمَسْعُوْدُ بنُ سَهْلٍ المِصْرِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَأبي الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ السَّرْحِ وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ الجِيْزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ وَخَلْقٌ سِوَاهُمُ.
وَقَدْ أَفْرَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ كِتَابَ مَنْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي جُزْأَيْنِ وَصَنَّفَ الكِبَارَ فِي مَنَاقِبِ هَذَا الإِمَامِ، قديما وحديثا، ونال بعض الناس مِنْهُ غَضّاً فَمَا زَادَهُ ذَلِكَ إلَّا رِفْعَةً وَجَلاَلَةً وَلاَحَ لِلْمُنْصِفِيْنَ أَنَّ كَلاَمَ أَقْرَانِهِ فِيْهِ بِهَوَىً، وَقَلَّ مَنْ بَرَّزَ فِي الإِمَامَةِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إلَّا وَعُودِيَ نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى، وَهَذِهِ الأَوْرَاقُ تَضِيقُ عَنْ مَنَاقِبِ هَذَا السَّيِّدِ.
فَأَمَّا جَدُّهُمُ السَّائِبُ المُطَّلِبِيُّ فَكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ مَنْ حَضَرَ بَدْراً مَعَ الجَاهِلِيَّةِ فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَالِدَتُه: هِيَ الشِّفَاءُ بِنْتُ أَرْقَمَ بنِ نَضْلَةَ وَنَضْلَةُ: هُوَ أَخُو عَبْدِ المُطَّلِبِ جَدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُقَالُ: إِنَّهُ بَعْدَ أَنْ فَدَى نَفْسَهُ أَسْلَمَ.
وَابْنُهُ شَافِعٌ: لَهُ رُؤْيَةٌ وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
وَوَلَدُهُ عُثْمَانُ: تَابِعِيٌّ لاَ أَعْلَمُ لَهُ كَبِيْرَ رِوَايَةٍ.
وَكَانَ أَخْوَالُ الشَّافِعِيِّ مِنَ الأَزْدِ.
عَنْ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ قَالَ: لَمَّا حَمَلَتْ والدة الشافعي به رأت كأن المُشْتَرِي خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا حَتَّى انْقَضَّ بِمِصْرَ ثُمَّ وَقَعَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مِنْهُ شَظِيَّةٌ فَتَأَوَلَّهُ المُعَبِّرُوْنَ أَنَّهَا تَلِدُ عَالِماً يَخُصُّ عِلْمَهُ أَهْلَ مِصْرَ، ثُمَّ يَتَفَرَّقُ فِي البُلْدَانِ.
هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيِّ فِيْمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ قَالَ: وُلِدْتُ بِاليَمَنِ يَعْنِي: القَبِيْلَةَ فَإِنَّ أُمَّهُ أَزْدِيَّةٌ- قَالَ: فَخَافَتْ أُمِّي عَلَيَّ الضَّيْعَةَ وَقَالَتْ: الْحَقْ بِأَهْلِكَ فَتَكُوْنَ مِثْلَهُمْ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تُغْلَبَ عَلَى نَسَبِكَ، فَجَهَّزَتْنِي إِلَى مَكَّةَ فَقَدِمْتُهَا يَوْمَئِذٍ، وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِيْنَ فَصِرْتُ إِلَى نَسِيْبٍ لِي، وَجَعَلْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ فَيَقُوْلُ لِي: لاَ تَشْتَغِلْ بِهَذَا وَأَقبِلْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ فَجُعِلَتْ لَذَّتِي فِي العِلْمِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ عَمْرَو بن سَوَّادٍ قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ: وُلِدْتُ بِعَسْقَلاَنَ فَلَمَّا أَتَى عَلَيَّ سَنَتَانِ، حَمَلَتْنِي أُمِّي إِلَى مَكَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: قَالَ لي الشافعي: ولدت بغزة سنة خمسين ومئة وحملت إلى مكة ابن سنتين.
قَالَ المُزَنِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وَجْهاً مِنَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ! وَكَانَ رُبَّمَا قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَلاَ يَفْضُلُ عَنْ قَبْضَتِهِ.
قَالَ الرَّبِيعُ المُؤَذِّنُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ كُنْتُ أَلْزَمُ الرَّمْيَ حَتَّى كَانَ الطَّبِيْبُ يَقُوْلُ لِي: أَخَافُ أَنْ يُصِيبَكَ السِّلُّ مِنْ كَثْرَةِ وُقُوفِكَ فِي الحَرِّ قَالَ: وَكُنْتُ أُصِيبُ مِنَ العَشَرَةِ تِسْعَةً.
قَالَ الحُمَيْدِيُّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ كُنْتُ يَتِيْماً فِي حَجْرِ أُمِّي، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَا تُعْطِينِي لِلْمُعَلِّمِ، وَكَانَ المُعَلِّمُ قَدْ رَضِيَ مِنِّي أَنْ أَقُوْمَ عَلَى الصِّبْيَانِ إِذَا غَابَ وَأُخَفِّفَ عَنْهُ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ فِي الأَكتَافِ، وَالعِظَامِ وَكُنْتُ أَذْهَبُ إِلَى الدِّيْوَانِ فَأَسْتَوْهِبُ الظُّهُوْرَ فَأَكْتُبُ فِيْهَا.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: كَانَتْ نَهْمَتِي فِي الرَّمْيِ وَطَلَبِ العِلْمِ فَنِلْتُ مِنَ الرَّمْيِ حَتَّى كُنْتُ أُصِيبُ مِنْ عَشْرَةٍ عَشْرَةً وَسَكَتَ عَنِ العِلْمِ فَقُلْتُ: أَنْتَ، وَاللهِ فِي العِلْمِ أَكْبَرُ مِنْكَ فِي الرَّمْيِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّائِيُّ الأَقْطَعُ: حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: حَفِظْتُ القُرْآنَ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ وَحَفِظْتُ المُوَطَّأَ وَأَنَا ابن عشر.

الأَقْطَعُ: مَجْهُوْلٌ.
وَفِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ لِلآبُرِيِّ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الهَمَذَانِيَّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ بنَ سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ: وُلِدَ الشَّافِعِيُّ يَوْمَ مَاتَ أبي حَنِيْفَةَ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ مَالِكاً وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً -كَذَا قَالَ وَالظَّاهِرُ أنَّهُ كَانَ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً- قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَمٍّ لِي وَالِي المَدِيْنَةِ، فَكَلَّمَ مَالِكاً فَقَالَ: اطلُبْ مَنْ يَقْرَأُ لَكَ قُلْتُ: أَنَا أَقرَأُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فَكانَ رُبَّمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ قَدْ مَرَّ: أَعِدْهُ فَأُعِيدُهُ حِفْظاً فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ، ثُمَّ سَأَلْتُه عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَنِي ثُمَّ أُخْرَى فَقَالَ: أَنْتَ تُحِبُّ أَنْ تَكُوْنَ قَاضِياً.
وَيُرْوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَقَمْتُ فِي بُطُوْنِ العَرَبِ عِشْرِيْنَ سَنَةً آخُذُ أَشعَارَهَا، وَلُغَاتِهَا وَحَفِظْتُ القُرْآنَ فَمَا عَلِمْتُ أنَّه مر بي حرف إلَّا وقد عَلِمْتُ المَعْنَى فِيْهِ، وَالمُرَادَ مَا خَلاَ حَرْفَيْنِ أَحَدُهُمَا: دَسَّاهَا. إِسْنَادُهَا فِيْهِ مَجْهُوْلٌ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قرأْتُ القُرْآنَ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ قُسْطَنْطِيْنَ، وَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى شِبْلٍ وَأَخْبَرَ شِبْلٌ أنَّهُ قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ وَقَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَأَخْبَرَ مُجَاهِدٌ أنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ إِسْمَاعِيْلُ يَقُوْلُ: القُرَانُ اسْمٌ لَيْسَ بِمَهْموزٍ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ قَرَأْتُ، وَلَوْ أُخِذَ مِنْ قَرَأْتُ كَانَ كُلُّ مَا قُرِئَ قُرْآناً، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل.
الأَصَمُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى مَالِكٍ، وَقَدْ حَفِظْتُ الموطأ طاهرًا فَقُلْتُ: أُرِيْدُ سَمَاعَهُ قَالَ: اطْلُبْ مَنْ يَقْرَأُ لَكَ فَقُلْتُ: لاَ عَلَيْكَ أَنْ تَسْمَعَ قِرَاءتِي فَإِنْ سَهُلَ عَلَيْكَ قَرَأْتُ لِنَفْسِي.
أَحْمَدُ بنُ الحسن الحماني: حدثنا أبي عبيدة قَالَ: رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهِ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ دَفَعَ إِلَيْهِ خَمْسِيْنَ دِرْهَماً وَقَالَ: إِنِ اشْتَهَيتَ العِلْمَ فَالْزَمْ قَالَ أبي عُبَيْدٍ: فَسَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ مُحَمَّدٍ وِقْرَ بَعِيْرٍ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ مُحَمَّدٌ قَالَ لَهُ: لاَ تَحْتَشِمْ قَالَ: لَوْ كُنْتَ عِنْدِي مِمَّنْ أَحْشُمُكَ1 ما قبلت برك.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: حَمَلْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ حِمْلَ بُخْتِيٍّ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا سَمَاعِي.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَدْ أَنْفَقْتُ عَلَى كُتُبِ مُحَمَّدٍ سِتِّيْنَ دِيْنَاراً ثُمَّ تَدَبَّرْتُهَا، فَوَضَعْتُ إِلَى جَنْبِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ حَدِيْثاً يَعْنِي: ردَّ عَلَيْهِ.
قَالَ هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: أَخَذْتُ اللُّبَانَ سَنَةً لِلْحِفْظِ فَأَعْقَبَنِي صَبَّ الدَّمِ سَنَةً.
قَالَ أبي عُبَيْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى حَتَّى إِنَّه قَالَ: لَوْ جُمِعَتْ أُمَّةٌ لَوَسِعَهُمْ عَقْلُهُ.
قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ فَإِنَّ الكَامِلَ العَقْلِ لَوْ نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ نَحْوُ الرُّبْعِ لَبَانَ عَلَيْهِ نَقْصٌ مَا، وَلَبَقِيَ لَهُ نُظَرَاءُ فَلَو ذَهَبَ نِصْفُ ذَلِكَ العَقْلِ مِنْهُ لَظَهَرَ عَلَيْهِ النَّقْصُ فَكَيْفَ بِهِ لَوْ ذَهَبَ ثُلُثَا عَقْلِهِ! فَلَو أَنَّكَ أَخَذْتَ عقولَ ثَلاَثَةِ أَنْفُسٍ مَثَلاً وَصَيَّرْتَهَا عقلَ وَاحِدٍ لَجَاءَ مِنْهُ كَامِلُ العَقْلِ وَزيَادَةٍ.
جَمَاعَةٌ حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ خَالِدٍ الزَّنْجيَّ يَقُوْلُ لِلشَّافِعِيِّ: أَفْتِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ فَقَدْ وَاللهِ آن لك أن تفتي وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَدْ رَوَاهَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ الزَّنْبَرِيُّ، وَأبي نُعَيْمٍ الإِسْتِرَابَاذِيُّ عَنِ الرَّبِيْعِ عَنِ الحُمَيْدِيِّ قَالَ: قَالَ الزَّنْجيُّ وَهَذَا أَشْبَهُ فَإِنَّ الحُمَيْدِيَّ يَصْغُرُ عَنِ السَّمَاعِ مِنْ مُسْلِمٍ، وَمَا رَأَيْنَا لَهُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ رِوَايَةً.
جَمَاعَةٌ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لأَنْ يَلقَى اللهَ العَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ إلَّا الشِّرْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَهوَاءِ.
الزُّبَيْرُ الإِسْتِرَابَاذِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ آدَمَ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الكَلاَمِ مِنَ الأهوَاءِ لَفَرُّوا مِنْهُ كَمَا يفِرُّوْنَ مِنَ الأسَدِ.
قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ نَاظَرْتُهُ يَوْماً فِي مَسْأَلَةٍ ثُمَّ افْتَرَقْنَا وَلَقِيَنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوْسَى ألَا يَسْتَقيمُ أَنْ نَكُوْنَ إِخْوَاناً وَإِنْ لَمْ نَتَّفِقْ فِي مَسْأَلَةٍ.
قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَقْلِ هَذَا الإِمَامِ وَفقهِ نَفْسِهِ فَمَا زَالَ النُّظَرَاءُ يَخْتَلِفُوْنَ.

أبي جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنِي أبي الفَضْلِ الوَاشْجِرْدِيُّ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الصَّاغَانِيَّ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ أكْثَمَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ أَيُّهُمَا أَعْلَمُ؟ قَالَ: أبي عُبَيْدٍ كَانَ يَأْتِيْنَا ههنا كَثِيْراً، وَكَانَ رَجُلاً إِذَا سَاعَدَتْهُ الكُتُبُ كَانَ حَسَنَ التَّصْنِيْفِ مِنَ الكُتُبِ، وَكَانَ يُرَتِّبُهَا بِحُسْنِ أَلفَاظِهِ لاَقتِدَارِهِ عَلَى العَرَبِيَّةِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدْ كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ كَثِيْراً فِي المُنَاظَرَةِ، وَكَانَ رَجُلاً قُرَشِيَّ العَقْلِ وَالفَهْمِ وَالذِّهْنِ صَافِيَ العَقْلِ، وَالفَهْمِ وَالدِّمَاغِ سَرِيْعَ الإِصَابَةِ، أَوْ كَلِمَةٍ نَحْوَهَا وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ سَمَاعاً لِلْحَدِيْثِ لاستَغْنَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الفُقَهَاءِ.
قَالَ مَعْمَرُ بنُ شَبِيْبٍ: سَمِعْتُ المَأْمُوْنَ يَقُوْلُ: قَدِ امتَحَنْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَوَجَدْتُهُ كَامِلاً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ: سَمِعْتُ أَبِي وَعَمِّي يَقُوْلاَنِ: كَانَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ إِذَا جَاءهُ شَيْءٌ مِنَ التَّفْسِيْرِ وَالفُتْيَا التَفَتَ إِلَى الشَّافِعِيِّ فَيَقُوْلُ: سَلُوا هَذَا.
وَقَالَ تَمِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ فَجَاءَ الشَّافِعِيُّ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ فَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدِيْثاً رقيقًا. فَغُشِيَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَقِيْلَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ إدْرِيْسَ فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: إِنْ كَانَ مَاتَ فَقَدْ مَاتَ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ بنَ أَبِي عُثْمَانَ سَمِعْتُ الحَسَنَ ابْنَ صَاحِبٍ الشَّاشِيَّ سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، وَسُئِلَ عَنِ القُرْآنِ؟ فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ مَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ.
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيْحٌ.
أبي دَاوُدَ وَأبي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا ارتَدَى أَحَدٌ بِالكَلاَمِ فَأَفْلَحَ.
مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الكَلاَمِ، وَالأَهوَاءِ لَفَرُّوا مِنْهُ كَمَا يَفِرُّوْنَ مِنَ الأَسَدِ.
الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَاظَرَ حَفْصاً الفَرْدَ يَكْرَهُ الكَلاَمَ وَكَانَ يَقُوْلُ: وَاللهِ لأَنْ يُفْتِي العَالِمُ فيُقَالُ: أَخْطَأَ العَالِمُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَيُقَالُ: زِنْدِيْقٌ وَمَا شَيْءٌ أبغض إلي من الكلام وأهله.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ الخَطَأَ فِي الأُصُوْلِ لَيْسَ كَالخَطَأِ فِي الاجتِهَادِ فِي الفُرُوْعِ.
الرَّبِيْعُ بنُ سليمان: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة؛ لأن اسْمَ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ حَلَفَ بِالكَعْبَةِ وبالصفا والمروة، فليس عليه كفارة؛ لأنه مخلوق وذاك غير مخلوق.
وَقَالَ أبي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: الخُلَفَاءُ خَمْسَةٌ: أبي بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ وَعلِيُّ وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ الحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَدْعُو اللهَ لِلشَّافِعِيِّ أَخُصُّهُ بِهِ.
وَقَالَ أبي بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ: أَنَا أَدْعُو اللهَ فِي دُبُرِ صَلاَتِي لِلشَّافِعِيِّ.
الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيُّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مُتَكَلِّمٍ عَلَى الكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ فَهُوَ الجِدُّ وَمَا سِوَاهُ فَهُوَ هَذَيَانٌ.
ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يُقَالُ: لِمَ لِلأَصْلِ، وَلاَ كَيْفَ.
وَعَنْ يُوْنُسَ: سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: الأَصْلُ القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا، وَالإِجْمَاعُ أكبر من الحديث المنفرد.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الأَصْلُ قُرْآنٌ، أَوْ سُنَّةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا صَحَّ الحَدِيْثُ فَهُوَ سُنَّةٌ وَالإِجْمَاعُ أَكْبَرُ مِنَ الحَدِيْثِ المُنْفَرِدِ وَالحَدِيْثُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِذَا احتَمَلَ الحَدِيْثُ مَعَانِي فَمَا أَشْبَهَ ظَاهِرَهُ، وَلَيْسَ المُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ مَا عَدَا مُنْقَطِعِ ابْنِ المُسَيِّبِ، وَكُلاًّ رَأَيْتُهُ اسْتَعْمَلَ الحَدِيْثَ المنفرد استعمل أهل المدينة فِي التَّفْلِيْسِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: "إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ". وَاسْتَعْمَلَ أهل العراق حديث العمري.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قِرَاءةُ الحَدِيْثِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ وَقَالَ: طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ النَّافلَةِ.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: صَاحِبُنَا اللَّيْثُ يَقُوْلُ: لَوْ رَأَيْتَ صَاحِبَ هَوَىً يَمْشِي عَلَى المَاءِ مَا قَبِلْتُهُ. قَالَ: قَصَّرَ لَوْ رَأَيْتُهُ يَمْشِي فِي الهَوَاءِ لَمَا قَبِلْتُهُ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ: أَنْتُم الصَّيَادِلَةُ وَنَحْنُ الأَطِبَّاءُ.
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مَرْدَكٍ الرَّازِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ صَالِحٍ صَاحِبَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي مَجْلِسِهِ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ فِي تَثْبِيْتِ خَبَرِ الوَاحِدِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَتَبْنَاهُ وَذَهَبْنَا بِهِ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بن عُلَيَّةَ، وَكَانَ مِنْ غِلْمَانِ أَبِي بَكْرٍ الأَصَمِّ، وَكَانَ فِي مَجْلِسهِ عِنْدَ بَابِ الصُّوْفِيِّ، فَلَمَّا قَرَأْنَا عَلَيْهِ جَعَلَ يَحْتَجُّ بِإِبْطَالِهِ فَكَتَبْنَا مَا قَالَ، وَذَهَبنَا بِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ فَنَقَضَهُ، وَتَكَلَّمَ بِإِبطَالِهِ ثُمَّ كَتَبْنَاهُ وَجئنَا بِهِ إِلَى ابْنِ عُلَيَّةَ، فَنَقَضَهُ ثُمَّ جِئْنَا بِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ عُليَّةَ ضَالٌّ قَدْ جَلَسَ بِبَابِ الضَّوَالِّ يُضِلُّ النَّاسَ.
قُلْتُ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مِنْ كِبَارِ الجَهْمِيَّةِ وَأبيهُ إِسْمَاعِيْلُ شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ إِمَامٌ.
المُزَنِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ عَظُمَتْ قِيْمَتُهُ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الفِقْهِ نَمَا قَدْرُهُ، وَمَنْ كَتَبَ الحَدِيْثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَمَنْ نَظَرَ فِي اللُّغَةِ رَقَّ طَبْعُهُ وَمَنْ نَظَرَ فِي الحِسَابِ جَزُلَ رَأَيُهُ، وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَتُّوَيْه الأَصْبَهَانِيُّ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ حَدِيْثٍ جَاءَ مِنَ العِرَاقِ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الحِجَازِ فَلاَ تَقْبَلْهُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحاً مَا أُرِيْدُ إلَّا نَصِيْحَتَكَ.
قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ عَنْ هذا وصحح ما ثبت إسناده لهم.
وَيُرْوَى عَنْهُ: إِذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْحَدِيْثِ أَصْلٌ فِي الحِجَازِ ضُعِّفَ، أَوْ قَالَ: ذَهَبَ نُخَاعُهُ.
أخبرنا إبرهيم بنُ عَلِيٍّ العَابِدُ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا العُلَبِيُّ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ أبي إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيُّ قَالَ: أَفَادَنِي يَعْقُوْبُ، وَكَتَبْتُهُ مِنْ خَطِّهِ أَخْبَرْنَا أبي عَلِيٍّ الخَالِدِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ الزَّعْفَرَانِيَّ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بنَ سَعِيْدِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْمَاطيَّ، سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنْظُرُ فِي الكَلاَمِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ الشَّافِعِيُّ فَلَمَّا قَدِمَ أَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَقَالَ لِي: تَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ فِي مَسْجِدِ الفُسْطَاطِ قَالَ لِي: أَنْتَ فِي تَارَانَ قال عثمان: وتاران موضع في
بحر القلزم لا تكاد تسلم مِنْهُ سَفِيْنَةٌ- ثُمَّ أَلقَى عَلَيَّ مَسْأَلَةً فِي الفِقْهِ، فَأَجَبْتُ فَأَدْخَلَ شَيْئاً أَفْسَدَ جَوَابِي فَأَجَبْتُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَأَدْخَلَ شَيْئاً أَفْسَدَ جَوَابِي، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا أَجَبْتُ بِشَيْءٍ أَفْسَدَهُ ثُمَّ قَالَ لِي: هَذَا الفِقْهُ الَّذِي فِيْهِ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقَاوِيْلُ النَّاسِ يَدْخُلُهُ مِثْلُ هَذَا، فَكَيْفَ الكَلاَمُ فِي رَبِّ العَالِمِيْنَ الَّذِي فِيْهِ الزَّلَلُ كَثِيْرٌ؟ فَتَرَكْتُ الكَلاَمَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى الفِقْهِ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ يَقُوْلُ: لَمْ يُحْفَظْ فِي دَهْرِ الشَّافِعِيِّ كُلِّهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ، وَلاَ نُسِبَ إِلَيْهِ وَلاَ عُرِفَ بِهِ مَعَ بُغْضِهِ لأَهْلِ الكَلاَمِ وَالبِدَعِ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ عَنْ أبيه قال: كان الشَّافِعِيُّ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الخَبَرُ قَلَّدَهُ وَخَيْرُ خَصْلَةٍ كَانَتْ فِيْهِ، لَمْ يَكُنْ يَشْتَهِي الكَلاَمَ إِنَّمَا هِمَّتُهُ الفِقْهُ.
وَقَالَ أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدٍ السُّلَمِيَّ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَقِيْلِ بنِ الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى المُزَنِيِّ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ هَذَا بَلْ أَنَهَى عَنْهُ كَمَا نَهَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ لَقَدْ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الكَلاَمِ، وَالتَّوْحِيْدِ فَقَالَ: مُحَالٌ أَنْ نَظُنَّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ عَلَّمَ أُمَّتَهُ الاسْتِنْجَاءَ وَلَمْ يُعَلِّمْهُمُ التَّوْحِيْدَ وَالتَّوْحِيْدُ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ". فَمَا عُصِمَ بِهِ الدَّمُ، وَالمَالُ حقيقة التوحيد.
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ سَمِعْتُ حُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيَّ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ الشَّافِعِيَّ وَدَخَلَ عَلَيْهِ بِشْرٌ المَرِيسِيُّ فَقَالَ لبِشْرٍ: أَخْبِرْنِي عَمَّا تَدعُو إِلَيْهِ: أَكتَابٌ نَاطِقٌ وَفَرْضٌ مُفْتَرَضٌ وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ وَوَجَدْتَ عَنِ السَّلَفِ البَحْثَ فِيْهِ، وَالسُّؤَالَ؟ فَقَالَ بِشْرٌ: لاَ إلَّا أَنَّهُ لاَ يَسَعُنَا خِلاَفُهُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَقْرَرْتَ بِنَفْسِكَ عَلَى الخَطَأِ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنِ الكَلاَمِ فِي الفِقْهِ، وَالأَخْبَارِ يُوَالِيْكَ النَّاسُ، وَتَتْرُكُ هَذَا؟ قَالَ: لَنَا نَهْمَةٌ فِيْهِ فَلَمَّا خَرَجَ بِشْرٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يُفْلِحُ.
أبي ثَوْرٍ وَالرَّبِيْعُ: سَمِعَا الشَّافِعِيَّ يقول: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ: قَالَ المُزَنِيُّ: سألت الشافعي عن مسألة من الكلام،

فَقَالَ: سَلْنِي عَنْ شَيْءٍ إِذَا أَخْطَأْتُ فِيْهِ قُلْتَ: أخْطَأْتَ، وَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ إِذَا أَخْطَأْتُ فِيْهِ قُلْتَ: كَفَرْتَ.
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: يَا مُحَمَّدُ إِنْ سَأَلكَ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ فَلاَ تُجِبْهُ فَإِنَّهُ إِنْ سَأَلَكَ عَنْ دِيَةٍ فَقُلْتَ: دِرْهَماً، أَوْ دَانَقاً قَالَ لَكَ: أَخْطَأْتَ، وَإِنْ سَأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ فَزَلَلْتَ قَالَ لَكَ: كَفَرْتَ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: المِرَاءُ فِي الدِّيْنِ يُقَسِّي القَلْبَ، وَيُورِثُ الضَّغَائِنَ.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَا رَبِيْعُ! اقبَلْ مِنِّي ثَلاَثَةً: لاَ تَخُوضَنَّ فِي أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- فإن خصمك النبي -صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَداً، وَلاَ تَشْتَغِلْ بِالكَلاَمِ، فَإِنِّي قَدِ اطَّلَعْتُ مِنْ أَهْلِ الكَلاَمِ عَلَى التَّعْطِيلِ. وَزَادَ المُزَنِيُّ: وَلاَ تَشْتَغِلْ بِالنُّجُومِ.
وَعَنْ حُسَيْنٍ الكَرَابِيْسِيِّ قَالَ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكلام فَغَضِبَ، وَقَالَ: سَلْ عَنْ هَذَا حَفْصاً الفَرْدَ وَأَصْحَابَهُ أَخْزَاهُمُ اللهُ. الأصَمُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ تَعَلَّمُوا هَذَا العِلْمَ يَعْنِي: كُتُبَهُ عَلَى أَنْ لاَ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ حُكْمُ عُمَرَ فِي صَبِيْغٍ.
الزَّعْفَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ: سَمِعْنَا الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالجَرِيْدِ وَيُحْمَلُوا عَلَى الإِبِلِ، وَيُطَافُ بِهِم فِي العَشَائِرِ يُنَادَى عَلَيْهِم: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الكِتَابَ، وَالسُّنَّةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الكَلاَمِ.
وَقَالَ أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْعَرِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَذْهَبِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ تَقْنِيعُ رُؤُوْسِهِم بِالسِّيَاطِ، وَتَشْرِيدُهُمْ فِي البِلاَدِ.
قُلْتُ: لَعَلَّ هَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنِ الإِمَامِ.
الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً عَلَى الغَلَبَةِ إلَّا عَلَى الحَقِّ عِنْدِي.
وَالزَّعْفَرَانِيُّ عَنْهُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً إلَّا عَلَى النَّصِيحَةِ.
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حدثنا أحمد بن العباس النسائي سمعت الزَّعْفَرَانِيَّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً فِي الكَلاَمِ إلَّا مَرَّةً، وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللهَ من ذلك.

سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُوْلُ: الاسْمُ غَيْرُ المُسَمَّى، وَالشَّيْءُ غَيْرُ المُشَيِّ فَاشهَدْ عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَةِ.
سَعِيْدٌ مصرِيٌّ لاَ أَعْرِفُهُ.
وَيُرْوَى عَنِ الرَّبِيْعِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ فِي كِتَابِ الوَصَايَا: لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَوْصَى بِكُتُبِهِ مِنَ العِلْمِ لآخَرَ، وَكَانَ فِيْهَا كُتُبُ الكَلاَمِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الوَصِيَّةِ؛ لأنَّهُ لَيْسَ مِنَ العِلْمِ.
وَعَنْ أَبِي ثَوْرٍ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: ضَعْ فِي الإِرْجَاءِ كِتَاباً فَقَالَ: دَعْ هَذَا فَكَأَنَّهُ ذَمَّ الكَلاَمَ.
مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: لَمَّا كَلَّمَ الشَّافِعِيَّ حَفْصٌ الفَرْدُ فَقَالَ حَفْصٌ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: كَفَرْتَ بِاللهِ العَظِيْمِ.
قَالَ المُزَنِيُّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَنَهَى عَنِ الخَوْضِ فِي الكَلاَمِ.
أبي حَاتَمٍ الرَّازِيِّ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَالَتْ لِي أُمُّ المَرِيْسِيِّ: كَلِّمْ بِشْراً أَنْ يَكُفَّ عَنِ الكَلاَمِ فَكَلَّمْتُهُ فَدَعَانِي إِلَى الكلام.
السَّاجِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ زِيَادٍ الأُبُلِّيُّ سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ: أُصَلِّي خَلْفَ الرَّافِضِيِّ؟ قَالَ: لاَ تُصَلِّ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ، وَلاَ القَدَرِيِّ، وَلاَ المُرْجِئِ قُلْتُ: صِفْهُمْ لَنَا قَالَ: مَنْ قَالَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ فَهُوَ مُرْجِئٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ لَيْسَا بِإِمَامَيْنِ فَهُوَ رَافِضِيٌّ وَمَنْ جَعَلَ المَشِيْئَةَ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ قَدَرِيٌّ.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ عَلَى كُلِّ مُخَالفٍ كِتَاباً لَفَعَلْتُ، وَلَكِنْ لَيْسَ الكَلاَمُ مِنْ شَأْنِي وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ.
قُلْتُ: هَذَا النَّفَسُ الزَّكِيُّ مُتَوَاتِرٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبَانَ القَاضِي: حَدَّثَنَا أبي يَحْيَى زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ قَالَ: قُلْتُ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُخْرِجُ مَا فِي ضَمِيرِي وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ خَاطِرِي مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيْدِ، فَالشَّافِعِيُّ فَصِرْتُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ فَلَمَّا جَثَوْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: هَجَسَ فِي ضَمِيرِي مَسْأَلَةٌ فِي التَّوْحِيْدِ فَعَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً لاَ يَعْلَمُ عِلْمَكَ فَمَا الَّذِي عِنْدَكَ؟ فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ: أتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: هَذَا المَوْضِعُ الَّذِي أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لاَ قَالَ: هَلْ تَكَلَّمَ فِيْهِ الصَّحَابَةُ؟ قُلْتُ: لاَ قَالَ: تَدْرِي كَمْ نَجْماً فِي السَّمَاءِ؟ قُلْتُ: لاَ قَالَ: فَكَوْكَبٌ مِنْهَا: تَعْرِفُ جِنْسَهُ طُلُوْعَهُ أُفُولَهُ مِمَّ خُلِقَ؟ قُلْتُ: لاَ قَالَ: فَشَيْءٌ تَرَاهُ بِعَيْنِكَ مِنَ الخَلْقِ لَسْتَ تَعْرِفُهُ تَتَكَلَّمُ فِي عِلْمِ

خالقه؟ ثم سألني عن مسألة في الوُضُوْءِ فَأَخْطَأْتُ فِيْهَا فَفَرَّعَهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، فَلَمْ أُصِبْ فِي شَيْء مِنْهُ فَقَالَ: شَيْءٌ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ خَمْسَ مَرَّاتٍ تَدَعُ عِلْمَهُ، وَتَتَكَلَّفُ عِلْمَ الخَالِقِ إِذَا هَجَسَ فِي ضَمِيرِكَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى اللهِ، وَإِلَى قَوْلِهِ تعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية [البقرة: 163، 164] ، فَاسْتَدِلَّ بِالمَخْلُوْقِ عَلَى الخَالِقِ وَلاَ تَتَكَلَّفْ عِلْمَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ عَقْلُكَ قَالَ: فَتُبْتُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فِي كِتَابِي عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَضَرْتُ الشَّافِعِيَّ، أَوْ حَدَّثَنِي أبي شُعَيْبٍ إلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أنَّهُ حَضَرَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ وَيُوْسُفُ بنُ عَمْرٍو، وَحَفْصٌ الفَرْدُ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يُسَمِّيهِ: حَفْصاً المُنْفَرِدِ فَسَأَلَ حَفْصٌ عَبْدَ اللهِ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ فَأَبَى أَنْ يُجِيْبَهُ فَسَأَلَ يُوْسُفَ، فَلَمْ يُجِبْهُ وَأشَارَ إِلَى الشَّافِعِيِّ فَسَأَلَ الشَّافِعِيَّ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ فَطَالَتْ فِيْهِ المُنَاظَرَةُ، فَقَامَ الشَّافِعِيُّ بِالحُجَّةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَبِكفْرِ حَفْصٍ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: فَلقِيتُ حَفْصاً فَقَالَ: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ قَتْلِي.
الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يقول: الإيمان قول، وعمل يزيد وينقص. وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: تَجَاوَزَ اللهُ عَمَّا فِي القُلُوبِ، وَكَتَبَ عَلَى النَّاسِ الأَفْعَالَ وَالأقَاوِيْلَ.
وَقَالَ المُزَنِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ لاَ يعلمها: فَإِنْ صَلَّيْتَ وَإِلاَّ اسْتَتَبْنَاكَ فَإِنْ تُبْتَ وَإِلاَّ قَتَلْنَاكَ كَمَا تَكْفُرُ فَنَقُوْلُ: إِنْ آمَنْتَ وَإِلاَّ قَتَلْنَاكَ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: مَا كَابَرَنِي أَحَدٌ عَلَى الحَقِّ، وَدَافَعَ إلَّا سَقَطَ مِنْ عَيْنِي، وَلاَ قَبِلَهُ إلَّا هِبْتُهُ، وَاعتَقَدْتُ مَوَدَّتَهُ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيْحٌ فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَذهبَ إِلَيْهِ، كُوْفِيّاً كان أو بصريا، أو شَامِيّاً.
وَقَالَ حَرْمَلَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا قُلْتُهُ فَكَانَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِلاَفُ قَوْلِي مِمَّا صَحَّ فَهُوَ أولى ولا تقلدوني. الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا وَجَدْتُمْ فِي كتَابِي خِلاَفَ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُوْلُوا بِهَا وَدَعُوا مَا قُلْتُهُ.

وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: تَأْخُذُ بِهَذَا الحَدِيْثِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ فَقَالَ: مَتَى رَوَيْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ حَدِيْثاً صَحِيْحاً، وَلَمْ آخُذْ بِهِ فَأُشْهِدُكُم أَنَّ عَقْلِي قَدْ ذَهَبَ.
وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: رَوَى الشَّافِعِيُّ يَوْماً حَدِيْثاً فَقُلْتُ: أَتَأْخُذُ بِهِ؟ فَقَالَ: رَأَيتَنِي خَرَجْتُ مِنْ كَنِيْسَةٍ، أَوْ عَلَيَّ زِنَّارٌ حَتَّى إِذَا سَمِعْتَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثا لا أقول به؟!
قَالَ الرَّبِيْعُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا رَوَيْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثاً فَلَمْ أقُلْ بِهِ.
وَقَالَ أبي ثَوْرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُلُّ حَدِيْثٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ قَوْلِي، وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوهُ مِنِّي.
وَيُرْوَى أنَّهُ قَالَ: إِذَا صَحَّ الحَدِيْثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَإِذَا صَحَّ الحَدِيْثُ فَاضْرِبُوا بِقَولِي الحَائِطَ.
مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَكَرِيُّ وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ جَزَّأَ اللَّيْلَ: فَثُلُثُهُ الأَوَّلُ يَكْتُبُ، وَالثَّانِي يُصَلِّي وَالثَّالِثُ يَنَامُ.
قُلْتُ: أَفْعَالُهُ الثَّلاَثَةُ عِبَادَةٌ بِالنِّيَّةِ.
قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ الكَرَابِيْسِيُّ: بِتُّ مَعَ الشَّافِعِيِّ لَيْلَةً فَكَانَ يُصَلِّي نَحْوَ ثُلُثِ اللَّيْلِ فَمَا رَأَيْتُهُ يَزِيْدُ عَلَى خَمْسِيْنَ آيَةً، فَإِذَا أكْثَرَ فَمائَةِ آيَةٍ، وَكَانَ لاَ يَمُرُّ بآيَةِ رَحمَةٍ إلَّا سَأَلَ اللهَ، وَلاَ بآيَةِ عَذَابٍ إلَّا تَعَوَّذَ وَكَأَنّمَا جمع له الرجاء والرهبة جميعًا.
قَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ مِنْ طَرِيْقَيْنِ عَنْهُ بَلِ أَكْثَرَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سِتِّيْنَ خَتْمَةً.
ورَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فَزَادَ: كُلُّ ذَلِكَ فِي صَلاَةٍ.
أبي عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِي: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ: مَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً إلَّا مَرَّةً فَأَدْخَلْتُ يَدِي فَتَقَيَّأْتُهَا.
رَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيْعِ وَزَادَ: لأَنَّ الشِّبَعَ يُثْقِلُ البَدَنَ وَيُقَسِّي القَلْبَ، وَيُزِيلُ الفِطْنَةَ، وَيجلِبُ النَّوْمَ وَيُضْعِفُ عَنِ العِبَادَةِ. الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: أَخْبَرَنَا أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ مَطَرٍ سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْكَ بِالزُّهْدِ فَإِنَّ الزُّهْدَ عَلَى الزَّاهِدِ أَحْسَنُ مِنَ الحُلِيِّ عَلَى المَرْأَةِ النَّاهِدِ.

قَالَ الزُّبَيْرُ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، سَمِعْتُ حَرْمَلَةَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا حَلَفْتُ بِاللهِ صَادِقاً وَلاَ كَاذِباً.
قَالَ أبي دَاوُدَ: حَدَّثَنِي أبي ثَوْرٍ قَالَ: قَلَّ مَا كَانَ يمسك الشافعي الشيء من سماحته.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ: كَانَ الشَّافِعِيُّ أَسْخَى النَّاسِ عَلَى الدِّيْنَارِ، وَالدِّرْهَمِ وَالطَّعَامِ فَقَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: أَفلَسْتُ مِنْ دَهْرِي ثَلاَثَ إِفْلاسَاتٍ، فَكُنْتُ أَبِيْعُ قَلِيْلِي وَكَثِيْرِي حَتَّى حُلِيَّ بِنْتِي وَزَوْجَتِي، وَلَمْ أرْهَنْ قَطُّ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: أَخَذَ رَجُلٌ بِرِكَابِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ لِي: أَعْطِهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيْرَ وَاعْذِرْنِي عِنْدَهُ.
سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ المِصْرِيُّ: سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَوْماً، فَخَرَجْنَا الأَكْوَامَ فَمَرَّ بِهَدَفٍ فَإِذَا بِرَجُلٍ يَرْمِي بِقَوسٍ عَرَبِيَّةٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ، وَكَانَ حَسَنَ الرَّمْيِ فَأَصَابَ بِأَسْهُمٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَحْسَنْتَ، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَعْطِهِ ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ وَاعذِرْنِي عِنْدَهُ.
وَقَالَ الرَّبِيْعُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مَارّاً بِالحَذَّائِيْنَ فَسَقَطَ سَوْطُهُ فَوَثَبَ غُلاَمٌ وَمَسَحَهُ بِكُمِّهِ وَنَاوَلَهُ، فَأَعْطَاهُ سَبْعَةَ دَنَانِيْرٍ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: تَزَوَّجْتُ فَسَأَلَنِي الشَّافِعِيُّ كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟ قُلْتُ: ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً عَجَّلْتُ مِنْهَا سِتَّةً فَأَعْطَانِي أَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً.
أبي جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ قَالَ: كَانَ بِالشَّافِعِيِّ هَذِهِ البَوَاسِيْرُ، وَكَانَتْ لَهُ لِبْدَةٌ مَحْشُوَّةٌ بِحُلْبَةٍ يَجْلِسُ عَلَيْهَا فَإِذَا رَكِبَ أَخَذْتُ تِلْكَ اللِّبْدَةَ، وَمَشَيْتُ خَلْفَهُ فَنَاولَهُ إِنْسَانٌ رُقْعَةً يَقُوْلُ فِيْهَا: إِنَّنِي بَقَّالٌ رَأْسُ مَالِي دِرْهَمٍ، وَقَدْ تَزَوَّجْتُ فَأَعِنِّي فَقَالَ: يَا رَبِيْعُ أَعْطِهِ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً، وَاعذِرْنِي عِنْدَهُ فَقُلْتُ: أصْلَحَكَ اللهُ إِنَّ هَذَا يَكْفِيْهِ عَشرَةُ دَرَاهِمِ فَقَالَ: وَيْحَكَ! وَمَا يَصْنَعُ بِثَلاَثِيْنَ؟ أَفِي كَذَا أَمْ فِي كَذَا يَعُدُّ مَا يَصْنَعُ فِي جِهَازِهِ -أَعْطِهِ.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ سُلَيْمَانَ القُرَشِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: خَرَجَ هَرْثَمَةُ فَأَقْرَأَنِي سَلاَمَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ هَارُوْنَ وَقَالَ: قَد أمَرَ لَكَ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ قَالَ: فَحَمَلَ إِلَيْهِ المَالَ فَدَعَا بِحَجَّامٍ فَأَخَذَ شَعْرَهُ فَأَعْطَاهُ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً ثُمَّ أَخَذَ رِقَاعاً فَصَرَّ صُرراً، وَفَرَّقَهَا فِي القُرَشِيِّيْنَ الَّذِيْنَ هُم بِالحَضْرَةِ، وَمَنْ بِمَكَّةَ حَتَّى مَا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ إلَّا بِأَقَلَّ مِنْ مائَةِ دِيْنَارٍ.
مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَكَرِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الحُمَيْدِيُّ قَالَ: قدم الشافعي

صَنْعَاءَ فضُرِبَتْ لَهُ خَيْمَةٌ، وَمَعَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ فَجَاءَ قَوْمٌ فَسَأَلُوْهُ فَمَا قُلِعَتِ الخَيْمَةُ، وَمَعَهُ مِنْهَا شَيْءٌ. رَوَاهَا الأَصَمُّ وَجَمَاعَةٌ عَنِ الربيع.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بُرَانَةَ قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ جَسِيماً طُوَالاً نَبِيْلاً.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: كَانَ الشَّافِعِيُّ أَسْخَى النَّاسِ بِمَا يَجِدُ وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا فَإِنْ وَجَدَنِي، وَإِلاَّ قَالَ: قُولُوا لمُحَمَّدٍ إِذَا جَاءَ: يَأْتِي المَنْزِلَ فَإِنِّي لاَ أَتَغَدَّى حَتَّى يَجِيءَ.
دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا أبي ثَوْرٍ قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَسْمَحِ النَّاسِ يَشْتَرِي الجَارِيَةَ الصَّنَاعَ الَّتِي تَطْبُخُ وَتعْمَلُ الحَلْوَاءَ، وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهَا هُوَ أَنْ لاَ يَقْرَبَهَا؛ لأَنَّهُ كَانَ عَلِيْلاً لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَ النِّسَاءَ لِبَاسورٍ بِهِ إِذْ ذَاكَ، وَكَانَ يَقُوْلُ لَنَا: اشْتَهُوا مَا أَرَدْتُمْ.
قَالَ أبي عَلِيٍّ بنُ حَمَكَانَ: حَدَّثَنِي أبي إِسْحَاقَ المُزَكِّي حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ قَالَ: أَصْحَابُ مَالِكٍ كَانُوا يَفْخَرُوْنَ فَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ يَحْضُرُ مَجْلِسَ مَالِكٍ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ مُعَمَّماً وَاللهِ لَقَدْ عَدَدْتُ فِي مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ ثَلاَثَ مائَةِ مُعَمَّمٍ سِوَى مَنْ شَذَّ عَنِّي.
قَالَ الرَّبِيْعُ: اشْتَرَيْتُ لِلشَّافِعِيِّ طِيْباً بِدِيْنَارٍ فَقَالَ: مِمَّنْ اشْتَرَيْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ ذَاكَ الأَشْقَرِ الأَزْرَقِ قَالَ: أَشْقَرُ أَزْرَقُ، رُدَّهُ، رُدَّهُ مَا جَاءَنِي خَيْرٌ قَطُّ مِنْ أشقر.
أبي حَاتَمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ: احذَرِ الأَعْوَرَ، وَالأَعْرَجَ، وَالأَحْوَلَ وَالأَشْقَرَ وَالكَوْسَجَ، وَكُلُّ نَاقِصِ الخَلْقِ فَإِنَّهُ صَاحِبُ التِوَاءٍ، وَمُعَامَلَتُهُ عَسِرَةٌ.
العَكَرِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنَا وَالمُزَنِيُّ، وَالبُوَيْطِيُّ عِنْد الشَّافِعِيِّ، فَنَظَرَ إِليَنَا فَقَالَ لِي: أَنْتَ تَمُوْتُ فِي الحَدِيْثِ وَقَالَ لِلْمُزَنِيِّ: هَذَا لَوْ نَاظَرَهُ الشَّيْطَانُ قَطَعَهُ وَجَدَلَهُ وَقَالَ لِلبُوَيْطِيِّ: أَنْتَ تَمُوْتُ فِي الحَدِيْدِ قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى البُوَيْطِيِّ أَيَّامَ المِحْنَةِ فَرَأَيْتُهُ مُقَيَّداً مَغلَوْلاً.
وَجَاءهُ رَجُلٌ مَرَّةً، فَسَأَلَهُ يَعْنِي: الشَّافِعِيَّ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: أَنْتَ نَسَّاجٌ؟ قَالَ: عِنْدِي أُجَرَاءَ.
أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَأبيرِيُّ: قَالَ أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ، وَرَّاقُ الحُمَيْدِيِّ: سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: خَرَجْتُ إِلَى اليَمَنِ فِي طَلَبِ كُتُبِ الفِرَاسَةِ حَتَّى كَتَبْتُهَا وَجَمَعْتُهَا.
وَعَنِ الرَّبِيْعِ، قَالَ: مَرَّ أَخِي فَرَآهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: هَذَا أَخُوْكَ؟ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ. قُلْتُ: نَعَمْ.

أبي عَلِيٍّ بنُ حَمَكَانَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الهَمَذَانِيُّ العَدْلُ حَدَّثَنَا أبي مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَصْلُ العِلْمِ: التَّثْبِيتُ، وَثَمَرَتُهُ: السَّلاَمَةُ وَأَصْلُ الوَرَعِ: القَنَاعَةُ، وَثَمَرَتُهُ: الرَّاحَةُ، وَأَصْلُ الصَّبْرِ: الحَزْمُ، وَثَمَرَتُهُ: الظَّفَرُ وَأَصْلُ العَمَلِ: التَّوْفِيْقُ. وَثَمَرَتُهُ: النُّجْحُ، وَغَايَةُ كُلِّ أَمْرٍ: الصِّدْقُ.
بَلَغَنَا عَنِ الكُدَيْمِيِّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: العَالِمُ يَسْأَلُ عَمَّا يعلَمُ، وَعَمَّا لاَ يَعْلَمُ فَيُثَبِّتُ مَا يَعْلَمُ وَيَتَعَلَّمُ مَا لاَ يَعْلَمُ، وَالجَاهِلُ يَغْضَبُ مِنَ التَّعَلُّمِ وَيَأْنَفُ مِنَ التَّعْلِيْمِ.
أبي حَاتَمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ حَسَّانِ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: العِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ الدِّيْنِ وَهُوَ الفِقْهُ وَعِلْمُ الدُّنْيَا وَهُوَ الطِّبُّ وَمَا سِوَاهُ مِنَ الشِّعْرِ وَغَيْرِهِ فَعَنَاءٌ وَعَبَثٌ.
وَعَنِ الرَّبِيْعِ قَالَ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَنْ أَقْدَرُ الفُقَهَاءِ عَلَى المُنَاظَرَةِ؟ قَالَ: مَنْ عَوَّدَ لِسَانَهُ الرَّكْضَ فِي ميدَانِ الألفَاظِ لَمْ يَتَلَعْثَمْ إِذَا رَمَقَتْهُ العُيُونُ.
فِي إِسْنَادِهَا أبي بَكْرٍ النَّقَّاشُ، وَهُوَ وَاهٍ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: بِئْسَ الزَّادُ إِلَى المَعَادِ العُدْوَانُ عَلَى العِبَادِ.
قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ إِلَى السَّلاَمَةِ مِنَ النَّاسِ سَبِيْلٌ، فَانْظُرْ الَّذِي فِيْهِ صَلاَحُكَ فَالْزَمْهُ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: مَا رَفَعْتُ مِنْ أَحَدٍ فَوقَ مَنْزِلَتِهِ إلَّا وَضَعَ مِنِّي بِمِقْدَارِ مَا رَفَعْتُ مِنْهُ.
وَعَنْهُ: ضياغ العَالِمِ أَنْ يَكُوْنَ بِلاَ إِخْوَانٍ وَضَيَاعُ الجَاهِلِ قِلَّةُ عَقلِهِ، وَأَضْيَعُ مِنْهُمَا مَنْ وَاخَى مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ.
وَعَنْهُ: إِذَا خِفْتَ عَلَى عَمَلِكَ العُجْبَ فَاذكُرْ رِضَى مَنْ تَطْلُبُ، وَفِي أَيِّ نَعِيْمٍ تَرْغَبُ، وَمِنْ أَيِّ عِقَابٍ تَرْهَبُ فَمَنْ فَكَّرَ فِي ذَلِكَ صَغُرَ عِنْدَهُ عَمَلُهُ.
آلاَتُ الرِّيَاسَةِ خَمْسٌ: صِدْقُ اللَّهْجَةِ وَكِتْمَانُ السِّرِّ وَالوَفَاءُ بِالعَهْدِ وَابْتِدَاءُ النَّصِيْحَةِ وَأَدَاءُ الأَمَانَةِ.
مُحَمَّدُ بنُ فَهْدٍ المِصْرِيُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَنِ اسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ وَمَنِ اسْتُرْضِي فَلَمْ يَرْضَ فَهُوَ شَيْطَانٌ.
أبي سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بن الضحاك الفَارِسِيُّ، سَمِعْتُ المُزَنِيَّ،

سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، قَالَ: أَيُّمَا أَهْلُ بَيْتٍ لَمْ يَخْرُجْ نِسَاؤُهُمْ إِلَى رِجَالِ غَيْرِهِم وَرِجَالُهُمْ إِلَى نِسَاءِ غَيْرِهِم إلَّا وَكَانَ فِي أَوْلاَدِهِم حُمْقٌ.
زَكَرِيَّا بنُ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ القَاضِي: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ التِّرْمِذِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسْجِدِه بِالمَدِيْنَةِ، فَكَأَنِّيْ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَكْتُبُ رَأْيَ مَالِكٍ؟ قَالَ: لاَ قُلْتُ: أَكْتُبُ رَأْيَ أَبِي حَنِيْفَةَ؟ قَالَ: لاَ قُلْتُ: أَكْتُبُ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ؟ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا كَأَنَّهُ انْتَهَرَنِي، وَقَالَ: تَقُوْلُ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ! إِنَّهُ لَيْسَ بِرَأْيٍ وَلَكِنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ خَالَفَ سُنَّتِي.
رَوَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أبي عُثْمَانَ الخُوَارِزْمِيُّ نَزِيْلُ مَكَّةَ فِيْمَا كَتَبَ إِلَيَّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَشِيْقٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ البَلْخِيُّ قَالَ: قُلْتُ فِي المَنَامِ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا تَقُوْلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيَّ وَمَالِكٍ؟ فَقَالَ: لاَ قَوْلَ إلَّا قَوْلِي لَكِنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ضِدُّ قَوْلِ أَهْلِ البِدَعِ.
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ التِّرْمِذِيِّ الحَافِظِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الاخْتِلاَفِ فَقَالَ: أَمَّا الشافعي فمني وإلي. وفي الرواية الأخرى: أحيا سُنَّتِي.
رَوَى جَعْفَرُ ابْنُ أَخِي أَبِي ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إِلَى الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ شَابٌّ أَنْ يَضَعَ لَهُ كِتَاباً فِيْهِ مَعَانِي القُرْآنِ، وَيَجْمَعَ قَبُوْلَ الأَخْبَارِ، وَحُجَّةَ الإِجْمَاعِ، وَبيَانَ النَّاسِخِ وَالمَنْسُوخِ فَوَضَعَ لَهُ كِتَابَ الرِّسَالَةِ.
وَقَالَ أبي ثَوْرٍ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَا أُصَلِّي صَلاَةً إلَّا وَأَنَا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ فِيْهَا.
وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: حَجَّ بِشرٌ المَرِيْسِيُّ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: رَأَيْتُ بِالحِجَازِ رَجُلاً مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ سَائِلاً، وَلاَ مُجِيْباً يَعْنِي: الشَّافِعِيَّ قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَخَفُّوا عَنْ بِشْرٍ فَجِئْتُ إِلَى بِشْرٍ فَقُلْتُ: هَذَا الشَّافِعِيُّ الَّذِي كُنْتَ تَزْعُمُ قَدْ قَدِمَ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَمَا كَانَ مَثَلُ بِشْرٍ إلَّا مَثَلَ اليَهُوْدِ فِي شَأْنِ عبد الله بن سلام.
قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: سِتَّةٌ أَدْعُو لَهُمْ سَحَراً أَحَدُهُمُ: الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الزَّنْجَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ قُلْتُ لأَبِي: أَيَّ رَجُلٍ كَانَ الشَّافِعِيُّ فَإِنِّي سَمِعتُكَ تُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ؟ قَالَ: يَا بُنِيَّ كَانَ كَالشَّمْسِ لِلدُّنْيَا، وَكَالعَافِيَةِ لِلنَّاسِ فَهَلْ لِهَذَيْنِ مِنْ خَلَفٍ، أَوْ مِنْهُمَا عوض؟

الزَّنْجَانِيُّ: لاَ أَعرِفُه.
قَالَ أبي دَاوُدَ: مَا رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَمِيْلُ إِلَى أَحَدٍ ميله إلى الشافعي.
وقال قتية بنُ سَعِيْدٍ: الشَّافِعِيُّ إِمَامٌ.
قُلْتُ: كَانَ هَذَا الإِمَامُ مَعَ فَرْطِ ذَكَائِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ يَتَنَاولُ مَا يُقَوِّي حَافِظَتَهُ.
قَالَ هَارُونُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ: قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ: أَخَذْتُ اللُّبَانَ سَنَةً للحفظ فأعقبني رمي الدم سنة.
قَالَ الحَافِظُ أبي الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَهْلٍ النَّابُلُسِيُّ الشَّهِيْدُ، حَدَّثَنَا أبي سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ سَمِعْتُ تَمِيْمَ بنَ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيَّ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: مَاتَ الثَّوْرِيُّ، وَمَاتَ الوَرَعُ، وَمَاتَ الشَّافِعِيُّ وَمَاتَتِ السُّنَنُ، وَيَمُوْتُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَتَظْهَرُ البِدَعُ.
أبي ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ وَلاَ رَأَى هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ: مَا ظَنَنْتُ أَنِّي أَعِيْشُ حَتَّى أَرَى مِثْلَ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ: إِنَّ اللهَ يُقَيِّضُ لِلنَّاسِ فِي رَأْسِ كُلِّ مائَةٍ مَنْ يُعلِّمُهُمُ السُّنَنَ، وَيَنْفِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكَذِبَ قَالَ: فَنَظَرنَا فَإِذَا فِي رَأْسِ المائَةِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَفِي رَأْس المائَتَيْنِ الشافعي.
قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سُمِّيْتُ بِبَغْدَادَ: نَاصِرَ الحَدِيْثِ. الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: مَا أَحَدٌ مَسَّ مِحْبَرَةً وَلاَ قَلَماً إلَّا وَلِلشَّافِعِيِّ فِي عُنُقِه مِنَّةٌ.
وَعَنْ أَحْمَدَ كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ صَحِيْحٌ.
قَالَ الحَسَنُ الزَّعْفَرَانِيُّ: مَا قَرَأْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ حَرْفاً مِنْ هَذِهِ الكُتُبِ إلَّا وَأَحْمَدُ حَاضِرٌ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه: مَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ بِالرَّأْيِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ إلَّا وَالشَّافِعِيُّ أَكْثَرُ اتِّبَاعاً مِنْهُ، وَأَقَلُّ خَطَأً مِنْهُ الشَّافِعِيُّ إِمَامٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.

وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ قَالَ: مَا عِنْدَ الشافعي حديث فيه غلط.
وَقَالَ أبي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: مَا أَعْلَمُ لِلشَّافِعِيِّ حَدِيْثاً خَطَأً.
قُلْتُ: هَذَا مِنْ أَدَلِّ شَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ حُجَّةٌ حَافِظٌ وَنَاهِيْكَ بِقَوْلِ مِثْلِ هَذَيْنِ.
وَقَدْ صَنَّفَ الحَافِظُ أبي بَكْرٍ الخَطِيْبُ كِتَاباً فِي ثُبُوتِ الاحْتِجَاجِ بِالإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا تَكَلَّمَ فِيْهِ إلَّا حَاسِدٌ، أَوْ جَاهِلٌ بِحَالِهِ فَكَانَ ذَلِكَ الكَلاَمُ البَاطِلُ مِنْهُم مُوْجِباً لارْتِفَاعِ شَأْنِهِ وَعُلُوِّ قَدْرِهِ، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللهِ فِي عِبَادِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} . [الأحزاب]
وقال أبي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ صَدُوْقٌ.
وَقَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ كَانَ الشَّافِعِيُّ وَاللهِ لِسَانُهُ أَكْبَرُ مِنْ كُتُبِهِ لَوْ رَأَيتُمُوهُ لَقُلْتُمْ إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ كُتُبُهُ.
وَعَنْ يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ: مَا كَانَ الشَّافِعِيُّ إلَّا سَاحِراً مَا كُنَّا نَدْرِي مَا يَقُوْلُ إِذَا قَعَدْنَا حَوْلَهُ، كَأَنَّ أَلفَاظَهُ سُكَّرٌ وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ عُذُوبَةَ مَنْطِقٍ وَحُسْنَ بَلاغَةٍ، وَفَرْطَ ذَكَاءٍ وسيلان ذهن، وكمال فصاحة وحضور حجة.
فَعَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ هِشَامٍ اللُّغَوِيِّ قَالَ: طَالَتْ مُجَالَسَتُنَا لِلشَّافِعِيِّ فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ لَحْنَةً قَطُّ.
قُلْتُ: أَنَّى يَكُوْنُ ذَلِكَ وَبِمِثْلِهِ فِي الفَصَاحَةِ يُضْرَبُ المَثَلُ كَانَ أَفْصَحُ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ مِمَّا يُؤْخَذُ عَنْهُ اللُّغَةُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْوَهَ وَلاَ أَنْطَقَ مِنَ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَخَذْتُ شِعْرَ هُذَيْلٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ: أَخَذْتُ شِعْرَ هُذَيْلٍ، وَوقَائِعهَا عَنْ عَمِّي مُصْعَبٍ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: أَخَذْتُهَا مِنَ الشَّافِعِيِّ حِفْظاً.
قَالَ مُوْسَى بنُ سَهْلٍ الجَوْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: تَعَبَّدْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَرَأَّسَ فَإِنَّكَ إِنْ تَرَأَّسْتَ لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَتَعَبَّدْ، ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا تَكَلَّمَ كَأَنَّ صَوتَهُ صَوْتُ صَنْجٍ وَجَرَسٍ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: مَا رَأَيْتُ الشافعي يناظر أحدًا إلَّا رحمته ولورأيت الشَّافِعِيَّ يُنَاظِرُكَ لَظَنَنْتُ أَنَّهُ سَبُعٌ يَأْكُلُكَ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَ النَّاسَ الحُجَجَ.

قَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأُعْجِبَ بِنَفْسِهِ فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
إِذَا المُشْكِلاَتُ تَصَدَّيْنَنِي ... كَشَفْتُ حَقَائِقَهَا بِالنَّظَرْ
وَلَسْتُ بِإِمَّعَةٍ فِي الرِّجَالِ ... أُسَائِلُ هَذَا وَذَا مَا الخبر
ولكنني مدره الأصغرين ... فَتَّاحُ خَيْرٍ وَفَرَّاجُ شَرِّ
وَرَوَى عَنْ هَارُونَ بنِ سَعِيْدٍ الأَيْلِيِّ قَالَ: لَوْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَاظَرَ عَلَى أَنَّ هَذَا العَمُوْدَ الحَجَرَ خَشَبٌ لَغَلَبَ لاِقْتِدَارِهِ عَلَى المُنَاظَرَةِ.
قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ فَأَقَامَ عِنْدنَا سَنَتَيْنِ، وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمَ سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ فَأَقَامَ عِنْدَنَا أَشْهُراً، وَخَرَجَ -يَعْنِي: إِلَى مِصْرَ.
قُلْتُ: قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ وَأَجَازَهُ الرَّشِيْدُ بِمَالٍ وَلاَزَمَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ مُدَّةً، وَلَمْ يَلْقَ أَبَا يُوْسُفَ القَاضِي مَاتَ قَبْلَ قُدُومِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ المُزَنِيُّ: لَمَّا وَافَى الشَّافِعِيُّ مِصْرَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُخْرِجُ مَا فِي ضَمِيرِي مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيْدِ، فَهُوَ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الحِكَايَةُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ سَمَاعُ زَكَرِيَّا السَّاجِيِّ مِنَ المُزَنِيِّ.
قَالَ: فَكَلَّمْتُهُ فَغَضِبَ وَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ هَذَا المَوْضِعُ الَّذِي غَرِقَ فِيْهِ فرعون أبلغك أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لاَ قَالَ: فَهَلْ تَكَلَّمَ فِيْهِ الصَّحَابَةُ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ رَشِيقٍ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا فَقِيْرُ بنُ مُوْسَى بنِ فَقِيْرٍ الأَسْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أبي حَنِيْفَةَ قَحْزَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسْوَانِيُّ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أبي حَنِيْفَةَ بنُ سِمَاكِ بنِ الفَضْلِ الخَوْلاَنِيُّ الشِّهَابِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيحٍ الكَعْبِيِّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ الفَتْحِ: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيْلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِنْ أَحَبَّ العَقْلَ أَخَذَ، وَإِنْ أَحَبَّ فلَهُ القَوَدُ". رَوَاهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابن رشيق.
الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا أبي ثَوْرٍ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، وَكَانَ مِنْ مَعَادِنِ الفِقْهِ، ونُقَّادِ المَعَانِي وَجَهَابِذَةِ الأَلْفَاظِ- يَقُوْلُ: حُكْمُ المَعَانِي خِلاَفُ حُكْمِ الأَلْفَاظِ؛ لأَنَّ المَعَانِي مَبْسُوْطَةٌ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ وأَسْمَاءُ المَعَانِي مَعْدُوْدَةٌ مَحْدُوْدَةٌ، وَجَمِيْعُ أَصْنَافِ الدَّلاَلاَتِ عَلَى المَعَانِي لَفْظاً، وَغَيْرَ لَفْظٍ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: اللَّفْظُ ثُمَّ الإِشَارَةُ ثُمَّ العَقْدُ ثُمَّ الخَطُّ ثُمَّ الَّذِي يُسَمَّى النَّصْبَةُ، وَالنَّصبَةُ فِي الحَالِ الدَّلاَلَةُ الَّتِي لاَ تَقُوْمُ مَقَامَ تِلْكَ الأَصْنَافِ، وَلاَ تَقصُرُ عَنْ تِلْكَ الدَّلاَلاَتِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الخَمْسَةِ صُورَةٌ بَائِنَةٌ مِنْ صُورَةِ صَاحِبَتِهَا، وَحِلْيَةٌ مُخَالِفَةٌ لِحْلِيَةِ أُخْتِهَا، وَهِيَ الَّتِي تَكْشِفُ لَكَ عَنْ أَعْيَانِ المَعَانِي فِي الجُمْلَةِ، وَعَنْ خَفَائِهَا عَنِ التَّفْسِيْرِ وَعَنْ أَجْنَاسِهَا، وَأَفرَادِهَا وَعَنْ خَاصِّهَا، وَعَامِّهَا وَعَنْ طِبَاعِهَا فِي السَّارِّ وَالضَّارِّ، وَعَمَّا يَكُوْنُ بَهْواً بَهْرَجاً وَسَاقِطاً مُدَحْرَجاً.
قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ إِلَى السَّلاَمَةِ مِنَ النَّاسِ سَبِيْلٌ، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه.
قَالَ حَرْمَلَةُ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ رَجُلٍ فِي فَمِهِ تَمْرَةٌ فَقَالَ: إِنْ أَكَلْتُهَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَإِنْ طَرَحْتُهَا فَامرَأَتِي طَالِقٌ قَالَ: يَأْكلُ نِصْفاً وَيَطْرَحُ النِّصْفَ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الفُقَهَاءُ العَاملُوْنَ أَوْلِيَاءَ اللهِ، فَمَا للهِ وَلِيٌّ.
وَقَالَ: طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ النَّافلَةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقَلَّ صَبّاً لِلْمَاءِ فِي تَمَامِ التَّطَهُّرِ مِنَ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ أبي ثَوْرٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: يَنْبَغِي لِلْفَقِيْهِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأَسِهِ تَوَاضُعاً للهِ وَشُكْراً للهِ.
الأَصَمُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: سَأَلَ رَجُلٌ الشَّافِعِيَّ عَنْ قَاتَلِ الوَزَغِ: هَلْ عَلِيْهِ غُسْلٌ؟ فَقَالَ: هَذَا فُتْيَا العَجَائِزِ.
الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الأَشْعَثِ المِصْرِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ قَالَ: مَا رَأَتْ عَيْنِي قَطُّ مِثْلَ الشَّافِعِيَّ قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ فَرَأَيْتُ أَصْحَابَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجَشُوْنِ يَغْلُوْنَ بِصَاحِبِهِم، يَقُوْلُوْنَ: صَاحِبُنَا الَّذِي قَطَعَ الشَّافِعِيَّ قَالَ: فَلَقِيتُ عَبْدَ المَلِكِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَنِي فَقُلْتُ: الحُجَّةُ؟ قَالَ: لأَنَّ مَالِكاً قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقُلْتُ في نفسي: هيهات أَسْأَلُكَ عَنِ الحُجَّةِ، وَتَقُوْلُ: قَالَ مُعَلِّمِي وَإِنَّمَا الحُجَّةُ عَلَيْكَ وَعَلَى مُعَلِّمِكَ.

قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الحَافِظُ: سَأَلْتُ أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِيَّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ رَاهْوَيْه فَقَالَ: الشَّافِعِيُّ أَفْقَهُهُمْ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْصُوْرٍ القَاضِي: سَمِعْتُ إِمَامَ الأَئِمَّةِ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: وَقُلْتُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُ سُنَّةً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحَلاَلِ وَالحَرَامِ لَمْ يُوْدِعْهَا الشَّافِعِيُّ كُتُبَهُ؟ قَالَ: لاَ.
قَالَ حَرْمَلَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُنْتُ أُقْرِئُ النَّاسَ، وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَحَفِظْتُ المُوَطَّأَ قَبْلَ أَنْ أَحْتَلِمَ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ: حَدَّثَنَا أبي إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ يَقُوْلُ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ: كَمْ أُصُوْلُ الأَحْكَامِ؟ فَقَالَ: خَمْسُ مائَةٍ. قِيْلَ لَهُ: كَمْ أُصُوْلُ السُّنَنِ؟ قَالَ: خَمْسُ مائَةٍ قِيْلَ لَهُ: كَمْ مِنْهَا عِنْدَ مَالِكٍ؟ قَالَ: كُلُّهَا إلَّا خَمْسَةً وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً قِيْلَ لَهُ: كَمْ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ؟ قَالَ: كُلُّهَا إلَّا خَمْسَةً.
قَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكَفَّارَةُ؛ لأَنَّ اسْمَ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ حلف بالكعبة، وبالصفا والمروة فليس عليه كفارة؛ لأنه مخلوق.
قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ أُعَلِّمُهُ تَعَلَّمَهُ النَّاسُ أُوْجَرُ عَلَيْهِ وَلاَ يَحْمَدُونِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ: مَا تَرَى فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي عِنْدَ العِرَاقِيِّينَ أَهِيَ أَحَبُّ إِليَكَ أَوِ الَّتِي بِمِصْرَ؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِالكُتُبِ الَّتِي عَمِلَهَا بِمِصْرَ، فَإِنَّهُ وَضَعَ هَذِهِ الكُتُبَ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يُحْكِمْهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ فَأَحْكَمَ تِلْكَ وَقُلْتُ لأَحْمَدَ: مَا تَرَى لِي مِنَ الكُتُبِ أَنْ أَنْظُرُ فِيْهِ رَأْيُ مَالِكٍ أَوِ الثَّوْرِيِّ، أَوِ الأَوْزَاعِيِّ؟ فَقَالَ لِي قَوْلاً أُجِلُّهُم أَنْ أَذْكُرَهُ، وَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ أَكْثَرُهُم صَوَاباً وَأَتْبَعُهُم لِلآثَارِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ ابْنَ وَارَةَ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ مِنْ مِصْرَ فَأَتَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فَقَالَ لِي: كَتَبْتَ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ؟ قُلْتُ: لاَ قَالَ: فَرَّطْتَ مَا عَرَفْنَا العُمُوْمَ مِنَ الخُصُوصِ وَنَاسِخَ الحَدِيْثِ مِنْ مَنْسُوخِهِ حَتَّى جَالَسْنَا الشَّافِعِيَّ قَالَ: فَحَمَلَنِي ذَلِكَ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى مِصْرَ فَكَتَبْتُهَا.
تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الحِكَايَةِ عَنِ ابْنِ نَاجِيَةَ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ الصُّوْفِيُّ وَلَيْسَ هُوَ بِثِقَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الفَرَجِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: عَلَيْكُمْ بكتب الشافعي.

قُلْتُ: وَمِنْ بَعْضِ فُنُونِ هَذَا الإِمَامِ الطِّبُّ كَانَ يَدْرِيهِ نَقَلَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ فَعَنْهُ قَالَ: عَجَباً لِمَنْ يَدْخُلُ الحَمَّامَ ثُمَّ لاَ يَأْكُلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَيْفَ يَعِيْشُ، وَعَجَباً لِمَنْ يَحْتَجِمُ ثُمَّ يَأْكلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَيْفَ يَعِيْشُ. حَرْمَلَةُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: مَنْ أَكَلَ الأُتْرُجَّ ثُمَّ نَامَ لَمْ آمَنْ أَنْ تُصِيْبَهُ ذُبْحَةٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِصْمَةَ الجَوْزَجَانِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: ثَلاَثَةُ أَشْيَاءٍ دَوَاءُ مَنْ لاَ دَوَاءَ لَهُ، وَأَعْيَتِ الأَطِبَّاءَ مُدَاوَاتُهُ: العِنَبُ، وَلَبَنُ اللِّقَاحِ وَقَصَبُ السُّكَّرِ لَوْلاَ قَصَبُ السُّكَّرِ مَا أَقَمْتُ بِبَلَدِكُمْ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ غُلاَمِي أَعْشَى لَمْ يَكُنْ يُبْصِرُ بَابَ الدَّارِ فَأَخَذْتُ لَهُ زِيَادَةَ الكَبِدِ فَكَحَّلْتُهُ بِهَا فَأَبْصَرَ.
وَعَنْهُ: عَجَباً لِمَنْ تَعَشَّى البَيْضَ المَسْلُوْقَ فَنَامَ كَيْفَ لاَ يَمُوْتُ.
وَعَنْهُ: الفُوْلُ يَزِيْدُ فِي الدِّمَاغِ والدماغ يزيد في العقل.
وَعَنْهُ: لَمْ أَرَ أَنْفَعَ لِلوَبَاءِ مِنَ البَنَفْسَجِ يُدْهَنُ بِهِ، وَيُشْرَبُ.
قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ عِلْماً بَعْدَ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ أَنْبَلَ مِنَ الطِّبِّ إلَّا أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ غَلَبُوْنَا عَلَيْهِ.
قَالَ حَرْمَلَةُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَتَلَهَّفُ عَلَى مَا ضَيَّعَ المُسْلِمُوْنَ مِنَ الطِّبِّ وَيَقُوْلُ: ضَيَّعُوا ثُلُثَ العِلْمِ وَوَكَلُوهُ إِلَى اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى.
وَيُقَالُ: إِنَّ الإِمَامَ نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النُّجُومِ ثُمَّ هَجَرَهُ، وَتَابَ مِنْهُ. فَقَالَ الحَافِظُ أبي الشَّيْخِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ المَكِّيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ حَدَثٌ يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ وَمَا يَنْظُرُ فِي شَيْءٍ إلَّا فَاقَ فِيْهِ، فَجَلَسَ يَوْماً وَامرَأَتُهُ تُطْلَقُ فَحَسَبَ فَقَالَ: تَلِدُ جَارِيَةً عَوْرَاءَ عَلَى فَرْجِهَا خَالٌ أَسْوَدُ تَمُوْتُ إِلَى يَوْمِ كَذَا وَكَذَا. فَوَلَدَتْ كَمَا قَالَ فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَنْظُرَ فِيْهِ أَبَداً وَدَفَنَ تِلْكَ الكُتُبَ.
قَالَ فُوْرَانُ: قَسَمْتُ كُتُبَ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بَيْنَ وَلَدَيْهِ فَوَجَدْتُ فيها رسالتي الشافعي العراقية والمصرية بِخَطِّ أَبِي عَبْدِ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ.
قَالَ أبي بَكْرٍ الصَّوْمَعِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: صَاحِبُ حَدِيْثٍ لاَ يَشْبَعُ مِنْ كُتُبِ الشافعي.

قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الدُّخَمْسِيْنِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بن أحمد بن النضر الأَزْدِيَّ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِهِ لَقَدْ كُنَّا تَعَلَّمْنَا كَلاَمَ القَوْمِ، وَكَتَبْنَا كُتُبَهُمْ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا فَلَمَّا سَمِعْنَا كَلاَمَهُ عَلِمْنَا أنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ جَالَسْنَاهُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ، فَمَا رَأَيْنَا مِنْهُ إلَّا كُلَّ خَيْرٍ فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ يَحْيَى، وَأبي عُبَيْدٍ لاَ يَرْضَيَانِهِ يُشِيْرُ إِلَى التَّشَيُّعِ وَأنَّهُمَا نَسَبَاهُ إِلَى ذَلِكَ -فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا نَدْرِي مَا يَقُوْلاَنِ وَاللهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ إلَّا خَيْراً.
قُلْتُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَتَشَيَّعُ فَهُوَ مُفْتَرٍ لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ.
قَدْ قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الإِسْتِرَابَاذِيُّ: أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ فَمَا ارْتَقَى شَرَفاً، وَلاَ هَبَطَ وَادِياً إلَّا، وَهُوَ يَبْكِي وَيُنْشِدُ:
يَا رَاكِباً قِفْ بِالمُحَصَّبِ مِنْ مِنَى ... وَاهْتِفْ بِقَاعِدِ خَيْفِنَا وَالنَّاهِضِ
سَحَراً إِذَا فَاضَ الحَجِيْجُ إِلَى مِنَىً ... فيضًا كملتط الفُرَاتِ الفَائِضِ
إِنْ كَانَ رَفْضاً حُبُّ آلِ محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي
قُلْتُ: لَوْ كَانَ شِيْعِيّاً -وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ لَمَا قَالَ: الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُوْنَ خَمْسَةٌ بَدَأَ بِالصِّدِّيْقِ، وَخَتَمَ بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيُّ حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: سَمِعْتُ المُوَطَّأَ مِنَ الشَّافِعِيِّ؛ لأَنِّي رَأَيْتُهُ فِيْهِ ثَبْتاً وَقَدْ سَمِعتُهُ مِنْ جَمَاعَةٍ قَبْلَهُ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الشَّاشِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ خُزَيْمَةَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! عَلَى مَنْ دَرَسْتَ الفِقْهَ؟ فَسَمَّيتُ لَهُ أَبَا اللَّيْثِ فَقَالَ: وَعَلَى مَنْ دَرَسَ؟ قُلْتُ: عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ فَقَالَ: وَهلْ أَخَذَ ابْنُ سُرَيْجٍ العِلْمَ إلَّا مِنْ كُتُبٍ مُسْتَعَارَةٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أبي اللَّيْثِ هَذَا مَهْجُورٌ بِالشَّاشِيِّ فَإِنَّ البَلَدَ حَنَابِلَةً فَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةُ: وَهَلْ كَانَ ابْنُ حَنْبَلٍ إلَّا غُلاَماً من غلمان الشافعي.
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: مَنْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ؟ فَقَالَ: أَوَّلُهُمْ الحُمَيْدِيُّ وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَالبُوَيْطِيُّ.
وَيُرْوَى بِطَرِيْقَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَكَأَنِّيْ رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَزَاهُمُ اللهُ خَيْراً هُمْ حَفِظُوا لَنَا الأَصْلَ فَلَهُمْ عَلَيْنَا الفَضْلُ.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُنَاقِبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ غَانِمٍ، أَخْبَرَنَا أبي مُوْسَى المَدِيْنِيُّ أَخْبَرْنَا أبي عَلِيٍّ الحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أبي سَعْدٍ السَّمَّانُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدٍ بِتُسْتَرَ حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ يَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاَةَ الكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ1.
رَوَاهُ الحَافِظُ أبي سَعِيْدٍ النَّقَّاشُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الفضل حدثنا عبد الله ابن مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَأَخْبَرْنَاهُ أبي عَلِيٍّ القَلاَنِسِيُّ أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَالِكٍ، أَخْبَرَنَا أبي يَعْلَى الخَلِيلِيُّ حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَلَمَةَ القَزْوِيْنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ.
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ زَكِيٍّ الحَافِظُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، أَخْبَرَنَا المسلم بن محمد
القَيْسِيُّ وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ قُلْتُ: وَأَجَازَهُ المَذْكُوْرَانِ لِي، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ أَنَّ حَنْبَلَ بنَ عَبْدِ اللهِ أخْبَرَهُمْ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أبي عَلِيٍّ بنُ المُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ المَالِكِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال: "لاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ". وَنَهَى عَنِ النَّجَشِ، وَنَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ وَنَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ، وَالمُزَابنَةُ: بَيعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً وَبَيعُ الكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُ الأَئِمَّةِ يُفَرِّقُهُ، وَيَجْعَلُهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، وَهَذِهِ البُيُوْعُ الأَرْبَعَةُ مُحَرَّمَةٌ، وَالأَخِيْرَانِ مِنْهَا فَاسِدَانِ.
أَخْبَرَنَا أبي الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي العِزِّ البَزَّازُ، وَسِتُّ الوُزَرَاءِ بِنْتِ القَاضِي عُمَرِ بنِ أَسْعَدَ سَمَاعاً قَالُوا: أَخْبَرَنَا أبي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ اليَمَانِيُّ "ح".
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الصُّوْفِيُّ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ الكَرْجِيُّ "ح"، وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ أَنَّ عَبْدَ الغَفَّارِ بنَ محمد التاجر أجاز لهم قالا: أخبرنا
أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، حَدَّثَنَا أبي العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عن عطاء: أبن النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَائِشَةَ: "طَوَافُكِ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ يَكْفِيْكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ".
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ نَجِيْحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ وَرُبَّمَا أَرْسَلَهُ عَطَاءٌ.
هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ. أخرجه: أبي داود عن الربيع.
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَفٍ الحَافِظِ، وَعلَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ الفَقِيْهِ أَخْبَرَكُمَا الحَافِظُ أبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَظِيْمِ بنِ عَبْدِ القَوِيِّ المُنْذِرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ الحَافِظُ مِنْ حِفْظِي حَدَّثَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أبي طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ لَفْظاً حَدَّثَنَا الإِمَامُ، أبي الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ محمد الطبراني إِلْكَيا، مِنْ لَفْظِهِ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أبي المَعَالِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي أبي مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الخَازِنِ "ح". وَأَخْبَرْنَا ابْنُ الفقيه وابن مشرف ووزيرة4 قالوا: أخبرنا
أبي عَبْدِ اللهِ بنُ الزُّبَيْدِيِّ قَالاَ: أَخْبَرَنَا أبي زُرْعَةَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ عَلاَّنَ قَالاَ: أَخْبَرَنَا القَاضِي أبي بكر الجِيزِيُّ، حَدَّثَنَا أبي العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "المتبايعان كل واحد مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الخِيَارِ".
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ يُوْسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَأبي دَاوُدَ عَنْ القَعْنَبِيِّ جَمِيْعاً عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ مُسَلْسَلٌ فِي طَرِيْقِنَا الأَوَّلِ بِالفُقَهَاءِ إِلَى مُنْتَهَاهُ.
وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ قِرَاءةً عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ أَخْبَرَنَا أبي عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أبي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَأَخْبَرَنَا بِهِ أبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ الكَاتِبَةُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَادِرِ "ح". وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِحَلَبَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ بنِ بُنْدَارَ البَقَّالُ أَخْبَرَنَا أَبِي قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ دُوْسْتٍ العَلاَّفُ أَخْبَرَنَا أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البزاز حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال: "المتبايعان كل واحد مِنْهُمَا بِالخيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الخِيَارِ".
وَبِهِ إِلَى القَعْنَبِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا وَجْهٌ مَعْرُوْفٌ، وَلاَ أَمرٌ مَعْمُوْلٌ.
قُلْتُ: قَدْ عَمِلَ جُمْهُوْرُ الأَئِمَّةِ بِمُقْتَضَاهُ أَوَّلُهُمْ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَاوِي الحَدِيْثِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أبي المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمَذَانِيُّ بِقِرَاءتِي عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أبي البَرَكَاتِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ سَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَسِتِّ مائَةٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلِيْلٍ القَيْسِيُّ، وَأَخْبَرَنَا أبي جَعْفَرٍ محمد ابن عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيُّ، قالا: أخبرنا أبي القاسم بن صَصْرَى، أَخْبَرَنَا أبي القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، وَأبي يَعْلَى حَمْزَةُ بنِ عَلِيٍّ الثَّعْلَبِيُّ، وأخبرنا علي بن محمد الحَافِظُ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيُّ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، وَغَيْرُهُم قَالُوا: أَخْبَرَنَا القَاضِي أبي نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَوْهَرِيِّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ يُوْسُفَ الوَاعِظَةُ قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُكْرَمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الصَّقْرِ، وَأَخْبَرَنَا أبي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَوَّاسِ، وَابْنُ عَمِّهِ أبي حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالتَّقِيُّ بنُ مُؤْمِنٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَأبي عَلِيٍّ بنُ الخلاَّلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الأُرْمَوِيُّ، وَسِتُّ الفَخْرِ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالُوا: حَدَّثَتْنَا أُمُّ الفَضْلِ كَرِيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ قَالُوا ثَلاَثتُهُم: أَخْبَرَنَا أبي يَعْلَى بنُ الحُبُوبِيِّ قَالَ هُوَ وَابْنُ خَلِيْلٍ وَالأَسَدِيُّ: أَخْبَرَنَا أبي القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي العُلاَ المَصِّيْصِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ بنِ القاسم ابن أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيُّ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعِ مائَةٍ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَامِعٍ وَعَبْدِ المَلِكِ سَمِعَا أَبَا وَائِلٍ يُخْبِرُ عَنْ عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُوْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِيْنٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ". قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَإِنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيْراً؟ قَالَ: "وَإِنْ كَانَ سِواكاً مِنْ أراك" 1.
أَخْبَرَنَا أبي الحُسَيْنِ يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الجُذَامِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ بِقِرَاءتِي قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ أَخْبَرَنَا أبي الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ المَالِكِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيُّ حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ الجَنَدِيِّ، عَنِ أبَانَ بنِ صَالِحٍ عَنِ الحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لاَ يَزْدَادُ الأَمْرُ إلَّا شِدَّةً، وَلاَ الدُّنْيَا"إلَّا إِدْبَاراً، وَلاَ النَّاسُ إلَّا شُحّاً وَلاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ إلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَلاَ مَهْدِيَّ إلَّا عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ"1.
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ يُوْنُسَ، فَوَافَقْنَاهُ، وَهُوَ خَبَرٌ مُنْكَرٌ تفرد به يونس ابن عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ أَحَدُ الثِّقَاتِ، وَلَكِنَّهُ مَا أَحْسِبُهُ سَمِعَهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ بَلْ أَخْبَرَهُ بِهِ مُخْبِرٌ مَجْهُوْلٌ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الثَّابتَةِ عَنْ يُوْنُسَ قَالَ: حُدِّثْتُ عن الشافعي فذكره.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ القلاَنسِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أبي إِسْمَاعِيْلَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الجَارُودِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي إِسْحَاقَ القَرَّابُ أَخْبَرَنَا أبي يَحْيَى السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا أبي دَاوُدَ السِّجْزِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنِ أَبِيْهِ قَالَ: إِذَا أَغْفَلَ العالم "لا أدري" أصيبت مقاتله.
فغلب هَذَا الإِسْنَادِ مُسَلْسَلٌ بِالحُفَّاظِ مِنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ إِلَى عَجْلاَنَ رَحِمَهُ اللهُ.
وَبِهِ إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أبي الوَلِيْدِ حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ، وَكَانَ مِنَ الإِسْلاَمِ بِمَكَانٍ قَالَ: رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ بِمَكَّةَ يُفْتِي النَّاسَ، وَرَأَيْتُ أَحْمَدَ وإسحاق حَاضِرَيْنِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وهل ترك لنا عقيل مِنْ دَارٍ"؟. فَقَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ عَنِ الحَسَنِ وَأَخْبَرَنَا أبي نُعَيْمٍ وَعَبْدَةُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّهُمَا لَمْ يَكُوْنَا يريانه، وعطاء وطاوس لَمْ يَكُوْنَا يَرَيَانِهِ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ هَذَا؟ قِيْلَ: إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْظَلِيُّ ابْنُ رَاهْوَيْه. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْتَ الَّذِي يَزْعُمُ أَهْلُ خُرَاسَانَ أَنَّكَ فَقِيْهُهُمْ مَا أَحْوَجَنِي أَنْ يَكُوْنَ غَيرُكَ في مَوْضِعِكَ، فَكُنْتُ آمُرُ بِعَرْكِ أُذُنَيْهِ أَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتَ تقول: عطاء، وطاوس وَمَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، وَالحَسَنِ، وَهَلْ لأَحَدٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- حجة؟!
وَبِهِ: إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الفَقِيْهُ إِملاَءً سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ فَرَاشَةَ الفَقِيْهَ بِمَرْوَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيَّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيَّ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُغِيْرَةِ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ إِمْلاَءً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ السَّاوِيُّ بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أبي الفَضْلِ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَكَأَنِّيْ رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَادَ البُوَيْطِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: جَزَاهُمُ اللهُ خَيْراً فَهُم حَفِظُوا لَنَا الأَصْلَ فلهم علنيا فضل.
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الجَارُوْدِيُّ أَخْبَرَنَا أبي إِسْحَاقَ القَرَّابُ، أَخْبَرَنَا أبي يَحْيَى السَّاجِيُّ عَنِ البُوَيْطِيِّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: عَلَيْكُمْ بِأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَاباً.
وَيُرْوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ: لَوْلاَ المَحَابرُ لَخَطَبَتِ الزَّنَادقَةُ عَلَى المَنَابرِ.
الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: المُحْدَثَاتُ مِنَ الأُمُورِ ضَرْبَانِ: مَا أُحْدِثَ يُخَالِفُ كِتَاباً، أَوْ سُنَّةً أَوِ أَثَراً أَوِ إِجْمَاعاً فَهَذِهِ البِدْعَةُ ضَلاَلَةٌ وَمَا أُحْدِثَ مِنَ الخَيْرِ لاَ خِلاَفَ فِيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا، فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ قَدْ قَالَ عُمَرُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ: نِعْمَتِ البِدْعَةُ هَذِهِ يَعْنِي: أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ وَإِذْ كَانَتْ فَلَيْسَ فِيْهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى.
رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ، عَنِ الصَّدَفِيِّ، عَنِ الأصمِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَأبيرِيُّ: تَزَوَّجَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه بِامْرَأَةِ رَجُلٍ كَانَ عِنْدَهُ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ مَاتَ، لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا إلَّا لِلْكُتُبِ قَالَ: فَوَضَعَ جَامِعَ الكَبِيْرِ عَلَى كِتَابِ الشَّافِعِيِّ، وَوَضَعَ جَامِعَ الصَّغِيْرِ عَلَى جَامِعِ سُفْيَانَ فَقَدِمَ أبي إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ نَيْسَأبيرَ، وَكَانَ عِنْدَهُ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ عَنِ البُوَيْطِيِّ، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: لاَ تُحَدِّثْ بكُتُبِ الشَّافِعِيِّ مَا دُمتُ هُنَا فَأَجَابَهُ.
قَالَ دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي هذا المحل، ولو علمت لم أفارقه.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: قَالَ إِسْحَاقُ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَا حَالُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ: ثِقَةٌ كَتَبْنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى عَنْهُ أَرْبَعَ مائَةِ حَدِيْثٍ.
قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَلاَ أَسْكَتَ عَنِ الفُتْيَا مِنْهُ.

رَوَى أبي الشَّيْخِ الحَافِظُ، وَغَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا دَخَلَ مِصْرَ أتَاهُ جِلَّةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأقبلُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَنْ رَأَوهُ يُخَالِفُ مَالِكاً، وَيَنْقُضُ عَلَيْهِ جَفَوهُ وَتَنَكَّرُوا لَهُ فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
أَأَنْثُرُ دُرّاً بَيْنَ سَارِحَةِ النَّعَمْ ... وَأَنْظِمُ مَنْثُوراً لِرَاعِيَةِ الغَنَمْ
لَعَمْرِي لَئِنْ ضُيِّعْتُ فِي شَرِّ بَلْدَةٍ ... فلَسْتُ مُضِيعاً بَينَهُمْ غُرَرَ الحِكَمْ
فَإِنْ فَرَّجَ اللهُ اللَّطِيْفُ بِلُطْفِهِ ... وَصَادَفْتُ أَهْلاً لِلْعُلُومِ وَلِلحِكَمْ
بَثَثْتُ مُفِيداً وَاسْتفَدْتُ وِدَادَهُم ... وَإِلاَّ فَمَخْزُونٌ لَدَيَّ وَمُكْتَتَمْ
وَمَنْ مَنَحَ الجُهَّالَ عِلْماً أَضَاعَهُ ... وَمَنْ مَنَعَ المُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ
وَكَاتِمُ عِلْمِ الدِّيْنِ عَمَّنْ يُرِيْدُهُ ... يَبُوءُ بإثم زاد وآثم إذا كتم
قَالَ أبي عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَهْ: حُدِّثْتُ عن الربيع قال: رأيت أشهب ابن عَبْدِ العَزِيْزِ سَاجداً يَقُوْلُ فِي سُجُوْدِهِ: اللَّهُمَّ أَمِتِ الشَّافِعِيَّ لاَ يَذْهَبُ عِلْمُ مَالِكٍ، فَبَلَغَ الشافعي فأنشأ يقول:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَن قَدِ
وَقَدْ عَلِمُوا لَوْ يَنْفَعُ العِلْمُ عِنْدَهُمْ ... لَئِنْ مِتُّ مَا الدَّاعِي عَلَيَّ بِمُخْلَدِ
قَالَ المُبَرَّدُ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيْفَةَ لَفُصَحَاءٌ فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
فلَوْلاَ الشِّعْرُ بِالعُلَمَاءِ يُزْرِي ... لكُنْتُ اليَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيدِ
وَأَشجَعَ فِي الوَغَى مِنْ كُلِّ لَيْثٍ ... وَآلِ مُهَلَّبٍ وَأَبِي يَزِيْدِ
وَلَوْلاَ خَشْيَةُ الرَّحْمَنِ رَبِّي ... حَسِبْتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ عبيدي
وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيِّ فِي الشَّافِعِيِّ:
وَمِنْ شُعَبِ الإِيْمَانِ حُبُّ ابْنُ شَافِعٍ ... وَفَرْضٌ أَكِيدٌ حُبُّهُ لاَ تَطَوُّعُ
وَإِنِّيْ حَيَاتِي شَافِعِيٌّ فَإِنْ أَمُتْ ... فَتَوْصِيَتِي بَعْدِي بِأَنْ يَتَشَفَّعُوا
قَالَ الإِمَامُ أبي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ غَانِمٍ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ لَهُ، وَهُوَ مُجَلَّدٌ: جَمَعْتُ دِيْوَانَ شِعْرِ الشَّافِعِيِّ كِتَاباً عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ إِنَّهُ سَاقَ بِإِسْنَادٍ لَهُ إِلَى ثَعْلَبٍ قَالَ: الشَّافِعِيُّ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ.

قَالَ أبي نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الربيع مرارًا يقول: لو رَأَيْتَ الشَّافِعِيَّ، وَحُسْنَ بَيَانِهِ، وَفصَاحتِهِ لَعَجِبْتَ، وَلَوْ أَنَّهُ أَلَّفَ هَذِهِ الكُتُبَ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ الَّتِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهَا مَعَنَا فِي المُنَاظَرَةِ، لَمْ نَقْدِرْ عَلَى قِرَاءةِ كُتُبِهِ لِفَصَاحتِهِ، وَغَرَائِبِ أَلفَاظِهِ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ فِي تَأْلِيفِهِ يُوَضِحُ لِلْعَوَامِّ.
حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا جَهِلَ النَّاسُ، وَلاَ اخْتَلَفُوا إلَّا لِتَرْكِهِم لِسَانَ العَرَبِ، وَمِيلِهِمْ إِلَى لِسَانِ أَرْسطَاطَالِيْسَ.
هذِهِ حِكَايَةٌ نَافِعَةٌ لَكِنَّهَا مُنْكَرَةٌ مَا أَعْتَقِدُ أَنَّ الإِمَامَ تَفَوَّهَ بِهَا، ولا كانت أوضاع أرسطو طاليس عُرِّبَتْ بَعْدُ البَتَّةَ. رَوَاهَا أبي الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مَهْدِيِّ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ حَدَّثَنَا هُمَيْمُ بنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ. ابْنُ هَارُوْنَ: مَجْهُوْلٌ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِأَيَّامِ النَّاسِ مِنَ الشَّافِعِيِّ.
وَنَقَلَ الإِمَامُ ابْنُ سُرَيْجٍ عَنْ بَعْضِ النَّسَّابِيْنَ قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالأَنْسَابِ لَقَدِ اجْتَمَعُوا مَعَهُ لَيْلَةً، فَذَاكَرَهُم بِأَنسَابِ النِّسَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ، وَقَالَ: أَنسَابُ الرِّجَالِ يَعْرِفُهَا كُلُّ أَحَدٍ.
الحَسَنُ بنُ رَشِيْقٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ المُزَنِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ، فَأَتَاهُ ابْنُ هِشَامٍ صَاحِبُ المَغَازِي، فَذَاكَرَهُ أَنسَابَ الرِّجَالِ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: دَعْ عنك أنساب الرجال فإنها لا تَذْهَبُ عَنَّا وَعَنْكَ، وَحَدِّثْنَا فِي أَنْسَابِ النِّسَاءِ فَلَمَّا أَخَذُوا فِيْهَا بَقِيَ ابْنُ هِشَامٍ.
قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَخَذَ فِي أَيَّامِ النَّاسِ قُلْتُ: هَذِهِ صِنَاعَتُهُ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: مَا أَرَدْتُ بِهَا يَعْنِي: العَرَبِيَّةَ وَالأَخْبَارَ- إلَّا لِلاستِعَانَةِ عَلَى الفِقْهِ.
قَالَ أبي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَقِيَ مِنَ السُّقْمِ مَا لَقِيَ الشَّافِعِيُّ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: اقرَأْ مَا بَعْدَ العشرين والمئة من آل عمران، فقرأت فلما قُمْتُ قَالَ: لاَ تَغْفَلْ عَنِّي فَإِنِّي مَكْرُوبٌ قَالَ يُوْنُسُ: عَنَى بِقِرَاءتِي مَا لَقِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ أَوْ نَحْوَهُ.
ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ على الشافعي في موضه الَّذِي مَاتَ فِيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: أَصْبَحْتُ مِنَ الدُّنْيَا رَاحِلاً، وَلإِخْوَانِي مُفَارِقاً وَلِسُوءِ عَمَلِي مُلاَقِياً، وَعَلَى اللهِ وَارِداً مَا أَدْرِي رُوْحِي تصير إلى جنة فأهنيها، أَوْ إِلَى نَارٍ فَأُعَزِّيْهَا ثُمَّ بَكَى وَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي ... جَعَلْتُ رَجَائِي دُوْنَ عَفْوِكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ... بِعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا
فَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ ... تَجُوْدُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا
فَإِنْ تَنْتَقِمْ مِنِّي فَلَسْتُ بِآيِسٍ ... وَلَوْ دَخَلَتْ نَفْسِي بِجِرمِي جَهَنَّمَا
ولولاك لم يغو بِإِبْلِيْسَ عَابِدٌ ... فَكَيْفَ وَقَدْ أَغوَى صَفِيَّكَ آدَمَا
وَإِنِّيْ لآتِي الذّنْبَ أَعْرِفُ قَدْرَهُ ... وَأَعلَمُ أَنَّ اللهَ يَعْفُو تَرَحُّمَا
إِسْنَادُهُ ثَابِتٌ عَنْهُ.
قَالَ أبي العَبَّاسِ الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ مريضٌ فَسَأَلنِي عَنِ أَصْحَابِنَا فَقُلْتُ: إِنَّهُم يَتَكَلَّمُوْنَ فَقَالَ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً قَطُّ عَلَى الغَلَبَةِ، وَبِودِّي أَنَّ جَمِيْعَ الخَلْقِ تَعَلَّمُوا هَذَا الكِتَابَ يَعْنِي: كُتُبَهُ عَلَى أَنْ لاَ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ. قَالَ هَذَا يَوْمَ الأَحَدِ، وَمَاتَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَانْصَرَفْنَا مِنْ جِنَازَتِهِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ فَرَأَيْنَا هِلاَلَ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ وَلَهُ نَيِّفٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ إِلَيَّ أبي مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ نَزِيْلُ مَكَّةَ، حَدَّثَنِي الحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلَى خَادِمِ الرَّشِيْدِ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ قَدْ فُرِشَ بِالدِّيْبَاجِ فَلَمَّا أَبْصَرَهُ رَجَعَ فَقَالَ لَهُ الخَادِمُ: ادْخُلْ قَالَ: لاَ يَحِلُّ افْتِرَاشُ الحُرُمِ. فَقَامَ الخَادِم مُتَبَسِّماً. حَتَّى دَخَلَ بيتاً قَدْ فُرِشَ بِالأَرْمَنِيِّ فَدَخَلَ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ أَقبلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا حَلاَلٌ وَذَاكَ حَرَامٌ، وَهَذَا أحسنُ مِنْ ذَاكَ، وَأكثرُ ثَمَناً فَتَبَسَّمَ الخَادِمُ وَسَكَتَ.
وَعَنِ الرَّبِيْعِ لِلشَّافِعِيِّ:
لَقَدِ أصبحَتْ نَفْسِي تَتُوقُ إِلَى مِصْرَ ... وَمِنْ دُونِهَا أَرْضُ المَهَامِهِ وَالقَفْرِ
فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَلِلْمَالِ وَالغِنَى ... أُسَاقُ إِلَيْهَا أَمْ أُسَاقُ إِلَى قبري

قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ القِيَاسِ فَقَالَ: عِنْد الضَّرُوْرَاتِ.
أَخْبَرَنَا أبي عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّلِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أبي الوَقْتِ أَخْبَرَنَا أبي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا وَجَدْتُمْ فِي كتَابِي خِلاَفَ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُوْلُوا بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَعُوا مَا قُلْتُ.
سَمِعْنَا جُزْءاً فِي رِحْلَةِ الشَّافِعِيِّ فَلَمْ أَسُقْ مِنْهُ شَيْئاً؛ لأنَّهُ بَاطِلٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَكَذَلِكَ عُزِيَ إِلَيْهِ أقوَالٌ وَأُصُوْلٌ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ عَنْهُ فِي مَحَاشِّ النِّسَاءِ مُنْكَرَةٌ، وَنصُوصُهُ فِي تَوَالِيفِهِ بِخِلاَفِ ذلك.
وَكَذَا وَصيَّةُ الشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الحُسَيْنِ بنِ هِشَامٍ البَلَدِيِّ غَيْرُ صَحِيْحَةٍ.
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الهَكَّارِيُّ فِي كِتَابِ عَقِيْدَةِ الشَّافِعِيِّ لَهُ: أَخْبَرَنَا أبي يَعْلَى الخَلِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ أَخْبَرَنَا أبي القَاسِمِ بنُ عَلْقَمَةَ الأَبْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى، وَمَا يُؤمِنُ بِهِ فَقَالَ: للهِ أَسْمَاءٌ، وَصِفَاتٌ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ لاَ يَسَعُ أَحَداً قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ رَدَّهَا؛ لأَنَّ القُرْآنَ نَزَلَ بِهَا، وَصَحَّ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القول بها، فإن خالف ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَافِرٌ فَأَمَّا قَبْلَ ثُبُوْتِ الحُجَّةِ فَمَعْذُورٌ بِالجَهْلِ؛ لأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ بِالعَقْلِ وَلاَ بِالرَّوِيَّةِ وَالفِكْرِ، وَلاَ نُكَفِّرُ بِالجَهْلِ بِهَا أَحَداً إلَّا بَعْدَ انتهَاءِ الخَبَرِ إِلَيْهِ بِهَا، وَنُثْبِتُ هَذِهِ الصَّفَاتِ، وَنَنْفِي عَنْهَا التَّشْبِيْهَ كَمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشُّوْرَى: 11] .
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَسْمُرُ مَعَ أَبِي إِلَى الصَّبَاحِ.
وَقَالَ المُبَرِّدُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَشْعَرِ النَّاسِ، وَآدَبِ النَّاسِ وَأَعْرَفِهِم بِالقِرَاءَاتِ.
وَمِنْ منَاقبِ هَذَا الإِمَامِ: قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ إِسْلاَمٍ". أَخْرَجَهُ البخاري.
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مِمَّا نَقَلَهُ البَيْهَقِيُّ فِي المَدْخَلِ لَهُ: مَا رَأَيْتُ أعْقَلَ، أَوْ قَالَ: أَفْقَهَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَا أَدْعُو اللهَ لَهُ، أَخُصُّهُ بِهِ.

وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ حَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ بِأُرْسُوفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: الشَّافِعِيُّ فَيْلَسُوْفٌ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ: فِي اللُّغَةِ، وَاختِلاَفِ النَّاسِ، وَالمَعَانِي وَالفِقْهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ صَحِيْحٌ وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَذَكَرَ القِصَّةَ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَخَذَ فِي التَّفْسِيرِ، كَأَنَّهُ شَهِدَ التَّنْزِيْلَ.
قَالَ البَيْهَقِيُّ فِيْمَا أجَازَ لَنَا ابْنُ علان، وفاطمة بنت عساكر عن منصور الفُرَاوِيِّ أَخْبَرَنَا أبي المَعَالِي الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ العُصْمِيُّ، حَدَّثَنَا أبي إِسْحَاقَ بنُ يَاسِيْنَ الهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ، سَمِعْتُ المَرُّوْذِيُّ يَقُوْلُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لاَ أَعْرِفُ فِيْهَا خَبَراً قُلْتُ فِيْهَا بِقَولِ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّهُ إِمَامٌ قُرَشِيٌّ وَقَدْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ: -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّهُ قَالَ: "عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْماً". إِلَى أَنْ قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنِّي لأَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ مُنْذُ أَرْبَعينَ سَنَةٍ فِي صَلاَتِي.
رَوَى أبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِسرَائِيلَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الجَارُوْدِ النَّضْرِ بنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الجَارُوْدِ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ تَسُبُّوا قُرَيْشاً فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْماً"1.
قُلْتُ: النَّضْرُ قَالَ فِيْهِ أبي حَاتِمٍ: متروك الحديث.
قَالَ أبي بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَأبيرِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ سِتِّيْنَ خَتْمَةً، وَفِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثِيْنَ خَتْمَةً، وَكَانَ يُحَدِّثُ وَطَسْتٌ تَحْتَهُ، فَقَالَ
يَوْماً: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لَكَ فِيْهِ رِضَى فَزِدْ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ إِدْرِيْسُ بنُ يَحْيَى المَعَافِرِيُّ -يَعْنِي: زَاهِدَ مِصْرَ-: لَسْتَ مِنْ رِجَالِ البَلاَءِ، فَسَلِ اللهَ العَافِيَةَ.
الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ الفِرْيَابِيُّ قَالَ: قَالَ المُزَنِيُّ أَوِ الرَّبِيْعُ: كُنَّا يَوْماً عِنْد الشَّافِعِيِّ إِذْ جَاءَ شَيْخٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ صُوفٌ، وَفِي يَدِهِ عُكَّازَةٌ فَقَامَ الشَّافِعِيُّ وَسَوَّى عَلَيْهِ ثِيَابَه وَسَلَّمَ الشَّيْخُ، وَجَلَسَ، وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ إِلَى الشَّيْخِ هَيْبَةً لَهُ إِذْ قَالَ الشَّيْخُ: أسْأَلُ؟ قَالَ: سَلْ قَالَ: مَا الحُجَّةُ فِي دِيْنِ اللهِ؟ قَالَ: كِتَابُ اللهِ. قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ: سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ: اتِّفَاقُ الأُمَّةِ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ: اتِّفَاقُ الأُمَّةِ؟ فَتَدَبَّرَ الشَّافِعِيُّ سَاعَةً فَقَالَ الشَّيْخُ: قَدْ أَجَّلْتُكَ ثَلاَثاً فَإِنْ جِئْتَ بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَإِلاَّ تُبْ إِلَى اللهِ تَعَالَى فَتَغَيَّرَ لُوْنُ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ إِنَّهُ ذَهَبَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى اليَوْمِ الثَّالِثِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَقَدِ انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَيَدَاهُ وَرِجلاَهُ، وهو مسقام فجلس فلم يكن بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ جَاءَ الشَّيْخُ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ فَقَالَ: حَاجَتِي فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَعْمْ أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النِّسَاءُ: 115] قَالَ: فَلاَ يُصْلِيهِ عَلَى خِلاَفِ المُؤْمِنِيْنَ إلَّا وَهُوَ فَرْضٌ.
فَقَالَ: صَدَقْتَ وَقَامَ فَذَهَبَ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَرَأْتُ القُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَليلَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ.
أُنْبِئْتُ بِهَذِهِ القِصَّةِ عَنْ مَنْصُوْرٍ الفُرَاوِيِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أبي عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ فذكرها.
قلت الزَّعْفَرَانِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ خمس وتسعين فأقام عندنا أشهرًا ثُمَّ خَرَجَ وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَكَانَ خَفِيْفَ العَارِضَينِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: رَأَيْتُهُ أَحْمَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ يَعْنِي: أَنَّهُ اخْتَضَبَ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيَّ يَقُوْلُ: حَضَرْتُ جَنَازَةَ ابْنِ وَهْبٍ، وَحَضَرْتُ مَجْلِسَ الشَّافِعِيِّ.
أبي نُعَيْمٍ فِي الحِلْيَةِ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ خَلَفٍ البَزَّارُ حدثني إسحاق بن عبد الرحمن، سمعت حسينًا الكَرَابِيْسِيَّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ امرَأً أَكْتُبُ الشعر، فآتي البوادي،فَأَسْمَعُ مِنْهُمُ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَخَرَجتُ، وَأَنَا أَتَمَثَّلُ بِشِعْرٍ لِلَبِيدٍ، وَأَضْرِبُ وَحْشِيَّ قَدَمَيَّ بِالسَّوطِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ مِنْ وَرَائِيَ، مِنَ الحَجَبَةِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ ابْنِ المُطَّلِبِ رَضِيَ مِنْ دِيْنِهِ وَدُنْيَاهُ أَنْ يَكُوْنَ مُعَلِّماً، مَا الشِّعْرُ إِذَا اسْتَحْكَمْتَ فِيْهِ فَعُدْتَ مُعَلِّماً؟ تَفَقَّهْ يُعْلِكَ اللهُ فَنَفَعَنِي اللهُ بكَلاَمِهِ فَكَتَبْتُ مَا شَاءَ اللهُ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ثُمَّ كُنْتُ أُجَالِسُ مُسْلِمَ بنَ خَالِدٍ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى مَالِكٍ فَلَمَّا عَرَضْتُ عَلَيْهِ إِلَى كِتَابِ السِّيَرِ قَالَ لِي: تَفَقَّهْ تَعْلُ يَا ابْنَ أَخِي فَجِئْتُ إِلَى مُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَكَلَّمتُهُ أَنْ يُكَلِّمَ لِي بَعْضَ أَهْلِنَا، فيُعْطِينِي شَيْئاً فَإِنَّهُ كَانَ بِي مِنَ الفَقْرِ وَالفَاقَةِ مَا اللهُ به عليم. فقال لي مُصْعَبٌ: أَتَيْتُ فُلاَناً فَكَلَّمْتُهُ فَقَالَ: أَتُكَلِّمَنِي فِي رَجُلٍ كَانَ مِنَّا فَخَالَفَنَا؟ قَالَ: فَأَعْطَانِي مائَةَ دِيْنَارٍ. ثُمَّ قَالَ لِي مُصْعَبٌ: إِنَّ الرَّشِيْدَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَصِيْرَ إِلَى اليَمَنِ قَاضِياً، فَتَخْرُجُ مَعَنَا لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُعَوِّضَكَ فَخَرَجتُ مَعَهُ، وَجَالَسْنَا النَّاسَ فَكَتَبَ مُطَرِّفُ بنُ مَازِنٍ إِلَى الرَّشِيْدِ: إِنْ أَرَدْتَ اليَمَنَ لاَ يَفْسُدُ عَلَيْكَ، وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ يِدِكَ، فَأَخْرِجْ عَنْهُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ، وَذَكَرَ أَقواماً مِنَ الطَّالِبِيِّيْنَ فَبَعَثَ إِلَى حَمَّادٍ البَرْبَرِيِّ، فَأُوْثِقْتُ بِالحَدِيْدِ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى هَارُوْنَ الرَّقَّةَ فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ ... وَذَكَرَ اجْتِمَاعَهُ بَعْدُ بِمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ وَمُنَاظَرَتَهُ لَهُ.
قَالَ الحُمَيْدِيُّ: عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: كَانَ مَنْزِلُنَا بِمَكَّةَ فِي شِعْبِ الخَيْفِ فَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى العَظْمِ يَلُوْحُ فَأَكْتُبُ فِيْهِ الحَدِيْثَ، أَوِ المَسْأَلَةَ وَكَانَتْ لَنَا جَرَّةٌ قَدِيْمَةٌ، فَإِذَا امْتَلأَ العَظْمُ طَرَحْتُه فِي الجَرَّةِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ المَكِّيِّ: عَنِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: أَنَا أَدْعُو اللهَ لِلشَّافِعِيِّ فِي صَلاَتِي مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ.
قَالَ ابْنُ مَاجَهْ القَزْوِيْنِيُّ: جَاءَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهُ إِذْ مرَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى بَغْلَتِهِ، فَوَثَبَ أَحْمَدُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَتَبِعَهُ فَأَبْطَأَ، وَيَحْيَى جَالِسٌ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ يَحْيَى: يَا أَبَا عَبْدِ الله! كَمْ هَذَا؟ فَقَالَ: دَعْ عَنْكَ هَذَا إِنْ أَرَدْتَ الفِقْهَ فَالْزَمْ ذَنَبَ البَغْلَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ العَبَّاسِ النَّسَائِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ مَا لاَ أُحْصِيهِ وَهُوَ يَقُوْلُ: قَالَ أبي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَتْبَعَ لِلأَثرِ مِنَ الشَّافِعِيِّ.
أبي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: نَاظَرْتُ يَوْماً محمد ابن الحَسَنِ فَاشتَدَّ مُنَاظَرَتِي لَهُ فَجَعَلَتْ أَودَاجُهُ تَنْتَفِخُ، وَأَزْرَارُهُ تَنْقَطِعُ زِرّاً زِرّاً.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: سُمِّيتُ بِبَغْدَادَ نَاصرَ الحَدِيْثِ.

وَقَالَ يُوْنُسُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا فَاتَنِي أَحَدٌ كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّيْثِ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَاللَّيْثُ أَتْبَعُ لِلأَثرِ مِنْ مَالِكٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً عَنْ مَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، أَخْبَرَنَا أبي عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أبي نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْلٍ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بنُ أَبَانٍ القَاضِي بِمِصْرَ، حَدَّثَنِي جَامِعُ بنُ القَاسِمِ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنِي أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ حَكِيْمٍ المُسْتَمْلِي، قَالَ: رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ، وَقَدْ جُعِلَتْ لَهُ طَنَافِسٌ فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِن أَهْلِ خُرَاسَانَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا تَقُوْلُ فِي أَكْلِ فَرْخِ الزُّنْبُورِ؟ فَقَالَ: حَرَامٌ. فَقَالَ: حَرَامٌ؟! قَالَ: نَعَمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ، وَالمَعْقُوْلِ: أَعُوْذُ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشرُ: 7] . وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَنِ مَوْلَى لِرِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعمَرَ" 1. هَذَا الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَحَدَّثُونَا عَنِ إِسْرَائِيْلَ قَالَ أبي بَكْرٍ المُسْتَمْلِي: حَدَّثَنَا أبي أَحْمَدَ عَنْ إِسْرَائِيْلَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ: أَنَّ عُمَرَ أمَرَ بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ وَفِي المَعْقُولِ: أَنَّ مَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ فَحَرَامٌ أَكْلُهُ.
وَقَالَ أبي نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّمَا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ بِ"كُنْ" فَإِذَا كَانَتْ "كُنْ" مخلوقة فكأن مخلوقًا خلق بمخلوق.
الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ أَرَ أَحَداً أَشْهَدَ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةِ.
وَقَالَ: لاَ يَبْلُغُ فِي هَذَا الشَّأْنِ رَجُلٌ حَتَّى يُضِرَّ بِهِ الفقر، ويؤثره على كل شيء.
وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: يَا يُوْنُسَ! الاَنقِبَاضُ عَنِ النَّاسِ مَكْسَبَةٌ لِلْعَدَاوَةِ وَالاَنبِسَاطُ إِلَيْهِم مَجْلَبَةٌ لقُرَنَاءِ السُّوْءِ، فَكُنْ بين المنقبض والمنبسط.
وقال لي: رضا النَّاسِ غَايَةٌ لاَ تُدْرَكُ، وَلَيْسَ إِلَى السَّلاَمَةِ مِنْهُم سَبِيْلٌ فَعَلَيْكَ بِمَا يَنْفَعُكَ فَالْزَمْهُ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: العِلْمُ مَا نَفَعَ لَيْسَ العِلْمُ مَا حُفِظَ.
وَعَنْهُ: اللَّبِيبُ العَاقِلُ هُوَ الفَطِنُ المُتَغَافِلُ.
وعنه: لم أَعْلَمُ أَنَّ المَاءَ البَارِدَ يُنْقِصُ مُرُوْءتِي مَا شربته.
أبي نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُقْرِئِ سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: عَنْ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: بَيْنَمَا أَنَا أَدُوْرُ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَدَخَلْتُ اليَمَنَ فَقِيْلَ لِي: بِهَا إِنْسَانٌ مِنْ وَسَطِهَا إِلَى أَسْفَلِ، بَدَنُ امْرَأَةٍ، وَمِنْ وَسَطِهَا إِلَى فَوْقَ بَدَنَان مُفْتَرِقَان بِأَرْبَعِ أَيْدٍ، وَرَأْسَينِ وَوَجْهَينِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا، فَلَمْ أَسْتَحِلَّ حَتَّى خَطَبْتُهَا مِنْ أَبِيْهَا، فَدَخَلْتُ فَإِذَا هِيَ كَمَا ذُكِرَ لِي فَلَعَهْدِي بِهِمَا، وَهُمَا يَتَقَاتَلاَن وَيَتَلاَطَمَانِ وَيَصْطَلِحَانِ وَيَأْكُلاَنِ، ثُمَّ إِنِّيْ نَزَلْتُ عَنْهَا وَغِبْتُ عَنْ تِلْكَ البَلَدِ أَحْسِبُهُ قَالَ: سَنَتَيْنِ ثُمَّ عُدْتُ، فَقِيْلَ لِي: أَحْسَنَ اللهُ عَزَاءكَ فِي الجَسَدِ الوَاحِدِ تُوُفِّيَ، فَعُمِدَ إِلَيْهِ فَرُبِطَ مِنْ أَسْفَلِ بِحَبْلٍ، وَتُرِكَ حَتَّى ذَبُلَ فَقُطِعَ وَدُفِنَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَعَهْدِي بِالجَسَدِ الوَاحِدِ فِي السُّوْقِ ذَاهِباً وَجَائِياً أَوْ نَحْوَهُ.
هَذِهِ حِكَايَةٌ عَجِيْبَةٌ مُنْكَرَةٌ، وَفِي إِسْنَادِهَا مَنْ يُجْهَلُ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: مَا نَقَصَ مِنْ أَثَمَانِ السُّودِ إلَّا لِضَعْفِ عُقُولِهِم وَإِلاَّ هُوَ لُوْنٌ مِنَ الأَلْوَانِ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ فِي رَمَضَانَ ستين ختمة.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَلاَةً مِنَ الشَّافِعِيِّ وَذَاكَ أَنَّهُ أخذ
مِنْ مُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ، وَأَخَذَ مُسْلِمٌ مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخَذَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ عَطَاءِ، وَأَخَذَ عَطَاءٌ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ وَأَخَذَ أبي بَكْرٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ بِاليَمَنِ بِنَاتِ تِسْعٍ يَحِضْنَ كَثِيْراً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: يَقُوْلُوْنَ: مَاءُ العِرَاقِ، وَمَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مَاءِ مِصْرَ لِلرِّجَالِ لَقَدْ قَدِمْتُ مِصْرَ، وَأَنَا مِثْلُ الخَصِيِّ مَا أَتَحَرَّكُ. قَالَ: فَمَا بَرِحَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى وُلِدَ لَهُ.
مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَنَّادٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: خَلَّفْتُ بِبَغْدَادَ شَيْئاً أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ يُسَمُّونَهُ التَّغْبِيْرُ، يَشْغَلُوْنَ بِهِ عَنِ القُرْآنِ.
عَنْ الشَّافِعِيِّ: مَا أَفْلَحَ سَمِيْنٌ قَطُّ إلَّا أن يكون محمد بن الحسن قِيْلَ: وَلَمَ؟ قَالَ: لأَنَّ العَاقِلَ لاَ يَعْدُو مِنْ إِحْدَى خُلَّتَينِ: إِمَّا يَغْتَمُّ لآخِرَتِهِ أَوْ لِدُنْيَاهُ وَالشَّحْمُ مَعَ الغَمِّ لاَ يَنْعَقِدُ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرٍو المُعَدَّلُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَبَعْدَهَا، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الأَسَدِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّيُّ أبي القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أبي القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ نَظِيْفٍ الفَرَّاءُ بِمِصْرَ سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعِ مائَةٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الصَّأبينِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الوِصَالِ. فَقِيْلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ فَقَالَ: "لَسْتُ مِثْلَكُم إِنِّيْ أُطْعَمُ وَأُسْقَى".
قُلْتُ: كَلاَمُ الأَقْرَانِ إِذَا تَبَرْهَنَ لَنَا أَنَّهُ بِهَوَىً وَعَصَبِيَّةٍ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، بَلْ يُطْوَى وَلاَ يُرْوَى كَمَا تَقَرَّرَ عَنِ الكَفِّ عَنْ كَثِيْرٍ مِمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَقِتَالِهِم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- أَجْمَعِيْنَ وَمَا زَالَ يَمُرُّ بِنَا ذَلِكَ فِي الدَّوَاوينِ، وَالكُتُبِ وَالأَجْزَاءِ، وَلَكِنْ أَكْثَرُ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ وضَعِيْفٌ وَبَعْضُهُ كَذِبٌ، وَهَذَا فِيْمَا بِأَيْدِيْنَا وَبَيْنَ عُلُمَائِنَا، فَيَنْبَغِي طَيُّهُ وَإِخْفَاؤُهُ بَلْ إِعْدَامُهُ لِتَصْفُوَ القُلُوْبُ وَتَتَوَفَّرَ عَلَى حُبِّ الصَّحَابَةِ، وَالتَّرَضِّي عَنْهُمُ وَكُتْمَانُ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ عَنِ العَامَّةِ وَآحَادِ العُلَمَاءِ وَقَدْ يُرَخَّصُ فِي مُطَالعَةِ ذَلِكَ خَلْوَةً لِلْعَالِمِ المُنْصِفِ، العَرِيِّ مِنَ الهَوَى بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَغفرَ لَهُم كما علمنا الله تعالى حيث يقول: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشرُ: 10] ، فَالقَوْمُ لَهُم سَوَابِقُ، وَأَعْمَالٌ مُكَفِّرَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُمُ وَجِهَادٌ مَحَّاءٌ وَعُبَادَةٌ مُمَحِّصَةٌ، وَلَسْنَا مِمَّنْ يَغْلُو فِي أَحَدٍ مِنْهُم وَلاَ نَدَّعِي فِيْهِم العِصْمَةَ نَقْطَعُ بِأَنَّ بَعْضَهُم أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَنَقْطَعُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَفْضَلُ الأُمَّةِ. ثُمَّ تَتِمَّةُ العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ وَحَمْزَةُ وَجَعْفَرٌ، وَمُعَاذٌ وَزَيْدٌ، وَأُمَّهَاتُ المُؤْمِنِيْنَ وَبنَاتُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُ بَدْرٍ، مَعَ كَوْنِهِم عَلَى مَرَاتِبَ. ثُمَّ الأَفْضَلُ بَعْدَهُم مِثْلَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ وَابْنِ عُمَرَ، وَسَائِرِ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ الَّذِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- بِنَصِّ آيَةِ سُوْرَةِ الفَتْحِ. ثُمَّ عُمُوْمُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، كخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ وَالعَبَّاسِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو وَهَذِهِ الحَلْبَةُ. ثُمَّ سَائِرُ مَنْ صَحِبَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَاهَدَ مَعَهُ أَوْ حَجَّ مَعَهُ، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ- أَجْمَعِيْنَ وَعَنْ جَمِيْعِ صَوَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُهَاجِرَاتِ وَالمَدَنِيَّاتِ، وَأَمِّ الفَضْلِ وَأَمِّ هَانِئٍ الهَاشِمِيَّةِ، وَسَائِرِ الصَّحَابِيَّاتِ فَأَمَّا مَا تَنْقُلُهُ الرَّافِضَةُ وَأَهْلُ البِدَعِ فِي كُتُبِهِم مِنْ ذَلِكَ، فَلاَ نُعَرِّجُ عَلَيْهِ وَلاَ كرَامَةَ فَأَكْثَرُهُ بَاطِلٌ وَكَذِبٌ، وَافْتِرَاءٌ فَدَأْبُ الرَّوَافِضِ رِوَايَةُ الأَبَاطِيْلِ أَوْ رَدُّ مَا فِي الصِّحَاحِ وَالمسَانِيْدِ، وَمتَى إِفَاقَةُ مَنْ بِهِ سَكْرَانٌ؟!
ثُمَّ قَدْ تَكَلَّمَ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ، وَتحَارَبُوا وَجَرَتْ أُمُورٌ لاَ يُمْكِنُ شَرْحُهَا فَلاَ فَائِدَةَ فِي بَثِّهَا وَوَقَعَ فِي كُتُبِ التَّوَارِيْخِ، وَكُتُبِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أُمُورٌ عَجِيْبَةٌ وَالعَاقِلُ خَصْمُ نَفْسِهِ، ومن حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ وَلُحُومُ العُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ، وَمَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ لِتَبْيِينِ غَلَطِ العَالِمِ، وَكَثْرَةِ وَهْمِهِ أَوْ نَقْصِ حفظه، فليس من هذا النمط يل لِتَوضيحِ الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ مِنَ الحَسَنِ وَالحَسَنِ مِنَ الضَّعيفِ.
وَإِمَامُنَا فَبِحَمْدِ اللهِ ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ حَافِظٌ لِمَا وَعَى عَدِيْمُ الغَلَطِ مَوْصُوفٌ بِالإِتْقَانِ مَتِيْنُ الدِّيَانَةِ، فَمَنْ نَالَ مِنْهُ بِجَهْلٍ وَهوَىً، مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُنَافسٌ لَهُ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَمَقَتَتْهُ العُلَمَاءُ وَلاَحَ لِكُلِّ حَافِظٍ تَحَامُلُهُ، وَجَرَّ النَّاسَ بِرِجْلِهِ وَمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَاعْتَرفَ بِإِمَامَتِهِ وَإِتقَانِهِ وَهُمْ أَهْلُ العَقْدِ وَالحَلِّ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً فَقَدْ أَصَأبيا، وَأَجْمَلُوا وَهُدُوا وَوُفِّقُوا.
وَأَمَّا أَئمَّتُنَا اليَوْمَ وَحُكَّامُنَا، فَإِذَا أَعْدَمُوا مَا وُجِدَ مِنْ قَدْحٍ بِهوَىً فَقَدْ يُقَالُ: أَحْسَنُوا وَوُفِّقُوا، وَطَاعَتُهُم فِي ذَلِكَ مُفْتَرَضَةً لِمَا قَدْ رَأَوهُ مِنْ حَسْمِ مَادَةِ البَاطِلِ وَالشَّرِّ.
وبِكُلِّ حَالٍ فَالجُهَّالُ وَالضُّلاَّلُ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَفِي الحَدِيْثِ الثَّابتِ: "لاَ أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذَىً يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ ولدًا، وإنه ليرزقهم ويعافيهم".
وَقَدْ كُنْتُ وَقَفْتُ عَلَى بَعْضِ كَلاَمِ المغَارِبَةِ فِي الإِمَامِ رَحِمَهُ اللهُ، فَكَانَتْ فَائِدتِي مِنْ ذَلِكَ تَضْعِيفُ حَالِ مَنْ تَعَرَّضَ إِلَى الإِمَامِ ولله الحمد.
وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الإِمَامَ لَمَّا سَكَنَ مِصْرَ، وَخَالَفَ أَقْرَانَهُ مِنَ المَالِكيَّةِ وَوَهَّى بَعْضَ فُرُوْعِهِم بِدَلاَئِلِ السُّنَّةِ، وَخَالَفَ شَيْخَهُ فِي مَسَائِلَ تَأَلَّمُوا مِنْهُ وَنَالُوا مِنْهُ وَجَرَتْ بَيْنَهُم وَحْشَةٌ غَفَرَ اللهُ لِلْكُلِّ وَقَدِ اعتَرَفَ الإِمَامُ سُحْنُوْنُ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي الشَّافِعِيِّ بِدْعَةٌ فَصَدَقَ، وَاللهِ فَرَحِمَ اللهُ الشَّافِعِيَّ، وَأَيْنَ مِثْلُ الشَّافِعِيِّ وَاللهِ فِي صِدْقِهِ وَشَرَفِهِ وَنُبلِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ، وَفَرْطِ ذَكَائِهِ وَنَصْرِهِ لِلْحَقِّ، وَكَثْرَةِ مَنَاقبِهِ رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى.
قَالَ الحَافِظُ أبي بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي مَسْأَلَةِ الاحْتِجَاجِ بِالإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيْمَا قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ بنِ عَسَاكِرَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ قَالَ: سَأَلَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا بَيَانَ عِلَّةِ تَرْكِ البُخَارِيِّ الرِّوَايَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الجَامِعِ؟ وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى رَأْي أَبِي حَنِيْفَةَ ضَعَّفَ أَحَادِيْثَ الشَّافِعِيِّ، وَاعْتَرضَ بِإِعرَاضِ البُخَارِيِّ عَنْ رِوَايتِهِ وَلَوْلاَ مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ فِيْمَا يَعْلَمُوْنَهُ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ لَكَانَ أَوْلَى الأَشْيَاءِ الإِعْرَاضُ عَنِ اعتِرَاضِ الجُهَّالِ وَتَرْكُهُمْ يَعْمَهُونَ. وَذَكَرَ لِي مَنْ يُشَارُ إِلَيْهِ خُلُوَّ كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهُ مِنْ حَدِيْثِ الشَّافِعِيِّ. فَأَجَبْتُهُ بِمَا فَتَحَ اللهُ لِي: وَمثلُ الشَّافِعِيِّ مَنْ حُسِدَ وَإِلَى سَتْرِ مَعَالِمِهِ قُصِدَ وَيَأْبَى اللهُ إلَّا أَنْ يُتَمَّ نُورَهُ وَيُظْهِرَ مِنْ كُلِّ حَقٍّ مَسْتُورَهُ، وَكَيْفَ لاَ يُغْبَطُ مَنْ حَازَ الكَمَالَ بِمَا جَمَعَ اللهُ لَهُ مِنَ الخِلاَلِ اللَّوَاتِي لاَ يُنْكِرُهَا إلَّا ظَاهِرُ الجَهْلِ، أَوْ ذَاهِبُ العَقْلِ ثُمَّ أَخَذَ الخَطِيْبُ يُعَدِّدُ عُلُوْمَ الإِمَامِ وَمنَاقبَهِ، وَتَعْظِيْمَ الأَئِمَّةِ لَهُ وَقَالَ:
أَبَى اللهُ إلَّا رَفْعَهُ وَعُلُوَّهُ ... وَلَيْسَ لِمَا يُعْلِيهِ ذُو العَرْشِ وَاضِعُ
إِلَى أَنْ قَالَ: وَالبُخَارِيُّ هَذَّبَ مَا فِي جَامِعِهِ غَيْرَ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ كَثِيْرٍ مِنَ الأُصُوْلِ، إِيثَاراً لِلإِيجَازِ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَدْخَلْتُ فِي كتَابِيَ الجَامِعَ إلَّا مَا صَحَّ، وَتَرَكْتُ مِنَ الصِّحَاحِ لِحَالِ الطُّولِ.
فَتَرْكُ البُخَارِيِّ الاحْتِجَاجَ بِالشَّافِعِيِّ، إِنَّمَا هُوَ لاَ لِمَعْنَى يُوْجِبُ ضَعْفَهُ لَكِن غَنِيَ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ إِذْ أَقدَمُ شُيُوْخِ الشَّافِعِيِّ: مَالِكٌ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَدَاوُدُ العَطَّارُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالبُخَارِيُّ لَمْ يُدْرِكِ الشَّافِعِيَّ بَلْ لَقِيَ مَنْ هُوَ أَسنُّ مِنْهُ، كعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي عَاصِمٍ مِمَّنْ رَوَوا عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَحَدَّثَهُ عَنْ شُيُوْخِ الشَّافِعِيِّ عِدَّةٌ، فَلَمْ يرَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ.

فَإِنْ قِيْلَ: فَقَدْ رَوَى عَنِ المُسْنَدِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرٍو عَنِ الفَزَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَلاَ شَكَّ أَنَّ البُخَارِيَّ سَمِعَ هَذَا الخَبَرَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهُوَ فِي المُوَطَّأِ فَهَذَا يَنْقُضُ عَلَيْكَ?!
قُلْنَا: إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ حَدِيْثاً نَازِلاً، وَهُوَ عِنْدَهُ عَالٍ إلَّا لِمَعْنَى مَا يَجِدُهُ فِي العَالِي، فَأَمَّا أَنْ يُورِدَ النَّازلَ وَهُوَ عِنْدَهُ عَالٍ لاَ لِمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهِ، وَلاَ عَلَى وَجْهِ المتَابعَةِ لِبَعْضِ مَا اخْتُلِفَ فِيْهِ فَهَذَا غَيْرُ مَوْجُوْدٍ فِي الكِتَابِ، وَحَدِيْثُ الفَزَارِيِّ فِيْهِ بَيَانُ الخَبَرِ، وَهُوَ مَعْدُوْمٌ فِي غَيْرِهِ وَجَوَّدَهُ الفَزَارِيُّ بِتَصْرِيْحِ السَّمَاعِ، ثُمَّ سَرَدَ الخَطِيْبُ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ قَالَ: وَالبُخَارِيُّ يَتَّبِعُ الأَلْفَاظَ بِالخَبَرِ فِي بَعْضِ الأَحَادِيْثَ، وَيُرَاعِيهَا وَإِنَّا اعْتَبَرْنَا رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي ضَمَّنَهَا كُتُبَهُ فَلَمْ نَجِدْ فِيْهَا حَدِيْثاً وَاحِداً عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ أَغْرَبَ بِهِ وَلاَ تَفَرَّدَ بِمَعْنَى فِيْهِ يُشْبِهُ مَا بَيَّنَّاهُ. وَمثلُ ذَلِكَ القَوْلِ فِي تَرْكِ مُسْلِمٍ إِيَّاهُ لإِدرَاكِهِ مَا أَدْرَكَ البُخَارِيُّ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا أبي دَاوُدَ فَأَخْرَجَ فِي سُنَنِهِ لِلشَّافِعِيِّ غَيْرَ حَدِيْثٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
ثُمَّ سَرَدَ الخَطِيْبُ فَصْلاً فِي ثَنَاءِ مَشَايخِهِ، وَأَقْرَانِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ سَرَدَ أَشْيَاءَ فِي غَمْزِ بَعْضِ الأَئِمَّةِ، فَأَسَاءَ مَا شَاءَ -أَعْنِي غَامِزُهُ.
وَبَلَغَنَا عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَلْفَاظٌ قَدْ لاَ تَثْبُتُ وَلكِنَّهَا حِكَمٌ فَمِنْهَا:
مَا أَفْلَحَ مَنْ طَلَبَ العِلْمَ إلَّا بِالقِلَّةِ.
وَعَنْهُ قَالَ: مَا كَذَبْتُ قَطُّ وَلاَ حَلَفْتُ بِاللهِ وَلاَ تَرَكْتُ غُسْلَ الجُمُعَةِ وَمَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، إلَّا شبعَةً طَرَحْتُهَا مِنْ سَاعَتِي. وَعَنْهُ قَالَ: مَنْ لَمْ تُعِزُّهُ التَّقْوَى فَلاَ عِزَّ لَهُ.
وَعَنْهُ: مَا فَزِعْتُ مِنَ الفَقْرِ قَطُّ طَلَبُ فُضُوْلِ الدُّنْيَا عُقُوبَةٌ عَاقَبَ بِهَا اللهُ أَهْلَ التَّوْحِيْدِ.
وَقِيْلَ لَهُ: مَا لَكَ تُكْثِرُ مِنْ إِمسَاكِ العَصَا وَلَسْتَ بِضَعِيْفِ؟ قَالَ: لأَذْكُرَ أَنِّي مُسَافِرٌ.
وَقَالَ: مَنْ لَزِمَ الشَّهَوَاتِ لَزِمَتْهُ عُبُوْدِيَّةُ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا.
وَقَالَ: الخَيْرُ فِي خَمْسَةٍ: غِنَى النَّفْسِ، وَكَفُّ الأَذَى وَكَسْبُ الحَلاَلِ وَالتَّقْوَى وَالثِّقَةُ بِاللهِ.
وَعَنْهُ: أَنْفَعُ الذَّخَائِرِ التَّقْوَى وَأَضَرُّهَا العُدْوَانُ.
وَعَنْهُ: اجتِنَابُ المَعَاصِي، وَتَرْكُ مَا لاَ يَعْنِيْكَ يُنَوِّرُ القَلْبَ عَلَيْكَ بِالخَلْوَةِ وَقِلَّةِ الأَكْلِ إِيَّاكَ وَمُخَالَطَةُ السُّفَهَاءِ، وَمَنْ لاَ يُنْصِفُكَ إِذَا تَكَلَّمْتَ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْكَ مَلَكَتْكَ الكَلِمَةُ وَلَمْ تَمْلِكْهَا.

وَعَنْهُ: لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ بِشَيْءٍ لأَعْقَلِ النَّاسِ صُرِفَ إِلَى الزُّهَّادِ.
وَعَنْهُ: سِيَاسَةُ النَّاسِ أَشَدُّ مِنْ سِيَاسَةِ الدَّوَابِّ.
وَعَنْهُ: العَاقلُ مَنْ عَقَلَه عَقْلُه عَنْ كُلِّ مَذْمُوْمٍ.
وَعَنْهُ: لِلْمُرُوْءةِ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: حُسْنُ الخُلُقِ وَالسَّخَاءُ وَالتَّواضُعُ وَالنُّسُكُ.
وَعَنْهُ: لاَ يَكْمُلُ الرَّجُلُ إلَّا بِأَرْبَعٍ: بِالدِّيَانَةِ وَالأَمَانَةِ وَالصِّيَانَةِ وَالرَّزَانَةِ.
وَعَنْهُ: لَيْسَ بِأَخِيْكَ مَنْ احتَجْتَ إلى مداراته.
وَعَنْهُ: عَلاَمَةُ الصَّدِيقِ أَنْ يَكُوْنَ لِصَدِيقِ صَدِيقِهِ صَدِيقاً.
وَعَنْهُ: مَنْ نَمَّ لَكَ نَمَّ عَلَيْكَ.
وَعَنْهُ قَالَ: التَّوَاضُعُ مِنْ أَخْلاَقِ الكرَامِ وَالتَّكبرُ مِنْ شِيَمِ اللِّئَامِ التَّواضُعُ يُوْرِثُ المَحَبَّةَ، وَالقنَاعَةُ تُوْرِثُ الرَّاحَةَ.
وَقَالَ: أَرْفَعُ النَّاسِ قَدْراً مَنْ لاَ يَرَى قَدْرَهُ، وَأَكْثَرُهُم فَضْلاً مَنْ لاَ يَرَى فَضْلَهُ.
وَقَالَ: مَا ضُحِكَ مِنْ خَطَأِ رَجُلٍ إلَّا ثَبَتَ صَوَابُه فِي قَلْبِهِ.
لاَ نُلاَمُ وَاللهِ عَلَى حُبِّ هَذَا الإِمَامِ؛ لأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ فِي زَمَانِهِ رَحِمَهُ اللهُ وَإِنْ كُنَّا نُحِبُّ غَيْرَهُ أَكْثَرَ.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي

 

 

الشَّافِعِي، مُحَمَّد بن أدريس
مَاتَ سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ.
وَله أَربع وَخَمْسُونَ سنة.
تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم-لأبو المحاسن المفضل التنوخي المعري.