يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة أبي موسى الصدفي

أبي موسى الصدفي المصري

تاريخ الولادة170 هـ
تاريخ الوفاة264 هـ
العمر94 سنة
مكان الولادةمصر - مصر
مكان الوفاةالقاهرة - مصر
أماكن الإقامة
  • الحجاز - الحجاز
  • القاهرة - مصر

نبذة

جد المؤرخ ابن يونس هو أبو موسى، أبو موسى، يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة بن حفص بن حيّان‏ الصّدفىّ‏ (هذه النسبة إلى (الصّدف) بكسر الدال. يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة أبي موسى الصدفيّ المصريّ. ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة السادسة من حفاظ القرآن. كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.

الترجمة

جد المؤرخ ابن يونس هو أبو موسى،

أبو موسى، يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة بن حفص بن حيّان‏ الصّدفىّ‏ (هذه النسبة إلى (الصّدف) بكسر الدال، و هى قبيلة من حمير نزلت مصر، و تنسب إلى (الصدف بن سهل بن عمرو). و ذكر ابن خلكان: أنها بكسر الدال، و فتحها (نقلا عن السّهيلىّ). و فتحوا الدال فى النسب مع كسرها فى غير النسب؛ كى لا يوالوا بين كسرتين قبل ياءين. و قد وردت بعض تعليلات لتسمية الصدف بهذا، فقيل: لأنه صدف بوجهه عن قومه، جهة حضرموت، لما عزموا على ردم سيل العرم. و قيل: سمى (الصّدف بن سهيل- لا سهل- بن عمرو) بذلك؛ لأنه قتل رسول أحد ملوك غسّان إليه، ثم فرّ، فكلما سئل عنه حىّ من أحياء العرب، قالوا صدف عنّا. ثم لحق بكندة، فنزل بهم. و أكثر الصدف بمصر، و بلاد المغرب. و هكذا، فإن أسرة مؤرخنا ابن يونس من اليمن أصلا، و إن كنا لا ندرى من أى القبائل تحديدا؛ لأن ابن يونس ذكر أنهم ليسوا من أنفس (الصدف)، و لا من مواليهم . فلعلهم ألحقوا بهم إلحاقا فى "ديوان مصر") المصرى. و أمه: فليحة بنت أبان بن زياد بن نافع التّجيبى، مولى بنى الأوّاب من تجيب‏ (ذكر ابن يونس أمّ جده (فليحة) فى كتابه: (تاريخ المصريين) حوالى ثلاث مرات، و ذلك عند الترجمة لجدها (زياد بن نافع التجيبى)، و فى ترجمة ابنها (يونس بن عبد الأعلى)، و أخيرا فى ترجمتها فى باب النساء).

 

و على ذكر والدة جد مؤرخنا «ابن يونس»، فإن بعض المصادر لم تضن علينا ببعض مادة، ألقت بها الأضواء على شخصية والد جد مؤرخنا «أى: جده الثانى»، و هو «أبو سلمة، عبد الأعلى بن موسى»، الذي يعد من أهل مصر، و كان رجلا صالحا. و الظاهر أنه كان يمتلك فضل عقل و حكمة- ورثها ابنه يونس عنه من بعد، كما سنرى- إذ أثر عنه قوله لابنه: «يا بنىّ، من اشترى ما لا يحتاج إليه، باع ما يحتاج إليه». قال ابنه يونس معقّبا: و الأمر- عندى- كما قال. ولد عبد الأعلى سنة إحدى و عشرين و مائة، و توفى سنة إحدى و مائتين «فى شهر المحرم» (٣).

 

علومه، و معارفه:

عاش «يونس بن عبد الأعلى» عمرا طويلا، امتد ما بين مولده فى «ذى الحجة» سنة سبعين و مائة (١٧٠ هـ)، حتى وفاته- غداة الاثنين- ليومين مضيا- أو بقيا- من شهر ربيع الآخر سنة أربع و ستين و مائتين (٢٦٤ هـ). و هو عمر مديد- كما نرى- يقارب أربعة و تسعين (٩٤) عاما، يمكن تلخيصه فى الأفكار الآتية:

 

أولا- فى مجال القراءات، و التفسير:

تلقى يونس بن عبد الأعلى القرآن الكريم على يد القارئ المشهور «ورش، ولد ١١٠- ت ١٩٧ ه) (٣)، الذي كان أجلّ تلاميذ القارئ «نافع المدنى ت ١٦٩ ه).

 

و يبدو أن يونس صار إماما فى القراءات، إذ ضمّ- إلى ذلك- قراءة حمزة (صرح بجمعه قراءة حمزة ابن عبد البر فى. و ورد أن الطبرى أخذ القراءة على يونس، عن علىّ بن كيسة، عن سليم بن عيسى، عن حمزة، و القرآن و علومه فى مصر. و حمزة المذكور هو ابن حبيب الزيات الكوفى (ولد ٨٠ ه، و توفى سنة ١٥٨ ه). تلقيت قراءته بالقبول. و حول إمامة يونس فى القراءات، و تصدره للإقراء، و حسن المحاضرة ). و يكفى أن نذكر أن الإمام الطبرى (٢٢٤- ٣١٠ هـ)، الذي وفد إلى مصر، أواسط القرن الثالث الهجرى‏ (وردت روايتان: إحداهما: تفيد أنه سار إلى الفسطاط سنة ٢٥٣ هـ . و الثانية: تذكر أنه ورد إلى مصر سنة ٢٥٦ هـ)، قد تلقى على يونس بن عبد الأعلى القراءة، فسمع منه حرف نافع برواية ورش عنه. و يبدو أن الطبرى حذق هذه القراءة، فصار الناس يقصدونه؛ ليعلمهم إياها بعد عوده إلى بغداد (اهتم «يونس بن عبد الأعلى» برواية حديث رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم)، و بلغ فى ذلك المدى. و من أساتيذه الذين روى عنهم: عبد اللّه بن وهب «و هو من أروى الناس عنه»، و شعيب بن الليث، و أنس بن عياض الليثى، و سفيان بن عيينة، و الوليد).

 

و بالنسبة للتفسير، فقد كان ل «يونس بن عبد الأعلى» أثر كبير فى الاحتفاظ بقدر عظيم من تفسير «ابن وهب»؛ إذ كان يونس كثير الرواية عنه. و لما قدم الطبرى إلى مصر، روى تفسير ابن وهب، عن يونس، فضمن له البقاء، و حفظه من الضياع و الاندثار؛ إذ ضمّنه الطبرى مرويات تفسيره الكبير.

 

ثانيا- فى مجال الحديث:

 (٤) قال ابن أبى حاتم فى (الجرح و التعديل)، مجلد ٢ ق ١ ص ٣٥١: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، عن شعيب بن الليث. و من ثم، فإنى أعتقد عدم صحة ما ورد فى (الكواكب السيارة) لابن الزيات ص ١٠٥، عندما زعم أن يونس كان وكيل الليث (أى: على ضياعه)، و كان يجلس فى حلقة الليث إذا غاب. و كذلك لا يصح فيه ما ورد عن شعيب، أنه روى عن أبيه الليث قوله:

 

وددت لو قاسمنى يونس على شطر مالى، و لكن يمنعه ورعه. كل ذلك لا يجوز؛ لأن يونس كان ابن خمس سنوات عند وفاة الليث، فعلاقته أحرى أن تكون مع ابنه شعيب (ت ١٩٩ ه)، لا مع الليث نفسه. و قد رأى ذلك- أيضا، من قبل- محمود محمود حسن فى رسالته للماجستير عن (الحياة العلمية فى مصر من قيام الطولونيين إلى سقوط الإخشيديين) ص ١١١.

 

٢- بلغ يونس بن عبد الأعلى منزلة سامية بين نقّاد الحديث النبوى الشريف، فأثنوا على علمه و عمله، و وصفوه بالورع و الصلاح و العبادة (٣). قال عنه يحيى بن حسان:

يونسكم هذا من أركان الإسلام. و كان أبو محمد «عبد الرحمن بن أبى حاتم» يحكى أن أباه «أبا حاتم الرازى» كان يوثّق يونس، و يرفع من شأنه‏. و ليس هذا فقط، فقد وثقه النسائى، و ابن حبّان، و عدّه غيره من جلّة المصريين.

 

٣- و يغلب على الظن أن المحدّث «يونس بن عبد الأعلى» لم يكن يعتمد على حفظ الحديث و فهمه، و القيام به فحسب‏، و إنما كانت له مدوّنات، بها الأحاديث التى يرويها، أو تروى له؛ بدليل أن حفيده المؤرخ ابن يونس كان عنده كتاب جده، فنظر فيه، فرأى به سماع أحد أقران يونس من ابن وهب‏. و هذه إشارة مهمة إلى البيئة الحديثية، التى نشأ بها ابن يونس المؤرخ، و كان لها انعكاسها على ثقافته، و كتابته التاريخية، كما سنرى بعد.

 

٤- شجعت المكانة العلمية المتميزة ل «يونس بن عبد الأعلى» طلاب العلم على التتلمذ على يديه، فممن روى عنه من المصريين: ابنه «أحمد بن يونس» و أبو جعفر الطّحاوى‏ ، و أبو بكر محمد بن سفيان بن سعيد المصرى المؤذن‏ ، و محمد بن إدريس الأسود «جار يونس» ، و عبد اللّه بن محمد بن الحجاج الدّهشورىّ‏ .

 

و هناك بعض طلاب العلم الأندلسيين، الذين قدموا إلى مصر؛ للتلقى على يونس، مثل: أسلم بن عبد العزيز القاضى ت ٣١٩ ه، و عبد اللّه بن محمد الأعرج الشّذونى (ت حوالى ٣١٠ ه)، و إبراهيم بن عجنّس الوشقىّ‏ (ت ٢٧٥ ه) و محمد بن أسلم اللّاردىّ (ت ٢٩٥ ه)، و بقىّ بن مخلد القرطبى (ت ٢٧٦ ه)، و محمد بن غالب القرطبى (المعروف بابن الصفّار المتوفى سنة ٢٩٥ ه).

 

و أحيانا، كان السماع من يونس صعبا- ربما لازدحام حلقة علمه بالطلاب- مما يضطر معه بعض التلاميذ للرواية عن غيره، و الاكتفاء بنسخ و مقابلة بعض كتب الحديث، التى يرويها.

لم يكن تلاميذ يونس من خارج مصر قادمين من بلاد الأندلس فحسب، و إنما وفد غيرهم؛ للتلقى عليه من الأقاليم الإسلامية الأخرى. و من هؤلاء: أبو زرعة الرازىّ (ت ٢٦٤ هـ)، و أبو حاتم الرازى (ت ٢٧٧ هـ) و أبو بكر بن زياد النيسابورى، و أبو بكر ابن خزيمة، و أبو عوانة الإسفرايينى، و مسلم، و النسائى، و ابن ماجه‏.

 

و هكذا، شغل علم الحديث عالمنا «يونس بن عبد الأعلى»، و مثّل جانبا مهما من جوانب ثقافته، و بلغت مروياته منه كثرة و غزارة، بحيث اتسعت مروياته، و اتصفت بالوثاقة، حتى تزاحم عليه طلاب العلم من داخل مصر و خارجها، يروون عنه حديث رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم). و يلاحظ أنه لم يؤثر عن يونس الارتحال عن بلده مصر (٤)، لكنه عوّض ذلك- فيما يبدو- بالنقل عن علماء بلده و أعلامها، و أخذ و أعطى للمرتحلين و للوافدين عليها من الأقاليم الإسلامية الأخرى، و ظل مرتبطا ببلده، مقيما بأرضها، حتى ضم‏ ثراها الطيب جسده الطاهر (ارتبط يونس ببلده مصر، فنقل ابن خلكان عن القضاعى فى (خطط مصر) أن ليونس حبسا فى الديوان، و له عقب بمصر، و دار مشهورة فى خطة (الصدف)، مكتوب عليها اسمه، و تاريخها سنة ٢١٥ ه. (وفيات الأعيان) ٧/ ٢٥٠. و فى (المصدر السابق) ٧/ ٢٥٣: ذكر ابن خلكان: أن وفاة يونس كانت بمصر، و دفن بمقابر الصدف، و قبره مشهور بالقرافة ).

 

و سوف نلحظ عند دراسة حفيده «ابن يونس» ما مثّله علم «الحديث» من جانب كبير من مكونات ثقافته، التى انطبع بها مؤلّفاه، كما سنرى تأثر ذلك الحفيد بجده فى تفضيله المكث بأرض مصر، و عدم الارتحال إلى خارجها.

 

ثالثا- الفقه:

١- يبدو أن «يونس بن عبد الأعلى» كان على صلة و ثيقة بالمذهب المالكى- قبل قدوم الشافعى إلى مصر سنة ١٩٩ ه- بدليل صلاته الوثيقة ب «عبد اللّه بن وهب» المتوفى سنة ١٩٧ ه، الذي كان من أخص تلاميذ الإمام مالك بن أنس «رضى اللّه عنه». و قد روى عنه يونس بعض الروايات، عن الإمام مالك.

 

٢- بعد قدوم الإمام الشافعى إلى مصر تبع يونس مذهبه، حتى عدّ أحد أصحابه، و المكثرين فى الرواية عنه، و الملازمة له‏. و جعله الإمام النووى أحد رواة النصوص الجديدة عنه «أى: مذهبه الجديد الذي ألّفه فى مصر». هذا، و قد توطدت الصلات و تعمقت بينهما، و وقف الشافعى على عقل و فكر يونس، حتى قال: لم أر أعقل منه‏ بمصر.

 

 (٥) توجد شواهد عديدة لعمق الصلات و الروابط بين يونس و الشافعى (توجيه الشافعى له إلى تعلّم الفقه، و استئناسه بوجوده فى مناظراته، و دخوله عليه فى مرضه الشديد، و طلب الشافعى إليه أن يقرأ عليه آيات ما بعد العشرين و المائة من آل عمران، و لمّا همّ يونس بالقيام، قال له: لا تغفل عنى، فإنى مكروب. و علّق يونس قائلا: إنما قصد بالآيات ما لقى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم)، و أصحابه.

 

و جدير بالذكر أن يونس استفاد من مصاحبة الشافعى، فلم يكن مقلدا، و إنما كان يناقشه و يناظره، و يختلف معه أحيانا و لا يتفق. لقد تناظرا فى مسألة يوما، فافترقا، ثم لقيه الشافعى، و أخذه بيده، و قال له: أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانا، و إن لم نتفق فى مسألة؟ (و علّق الذهبى قائلا: هذا يدل على كمال عقل الشافعى، و فقه نفسه، فلا يزال النظراء يختلفون).

 

٣- و أخيرا، فقد خلّف لنا يونس ثروة فقهية طيبة، إذ نقل لنا جانبا من مناظرات الشافعى مع الفقيه الحنفى «محمد بن الحسن الشيبانى»، بالإضافة إلى ما احتفظ لنا به السبكى من مسائل فقهية كثيرة، نقلها يونس بن عبد الأعلى عن أستاذه الإمام الشافعى «رضى اللّه عنه». و إلى جانب ما تقدم، فإنه يبدو أن يونس امتدت صلاته إلى بعض فقهاء إفريقية لدى مجيئهم إلى مصر، و لعله تناقش معهم، و عرف ما لِـ "سحنون المالكى ت ٢٤٠ ه" من قدر فى العلم عظيم‏ (قال عنه: هو سيد أهل المغرب. فردّ حمديس القطّان: أو لم يكن سيد أهل المشرق و المغرب؟! فأكثر يونس من الثناء عليه). و إذا كنا قد رأينا إشارة ما إلى وجود بعض مدونات حديثية ليونس، فإننا لم نقف على أية إشارة تفيد تركه أى مصنّف فقهى.

 

و على كل، فلعل ليونس صلات عديدة بعلماء إفريقية، و غيرها من بلاد المغرب و الأندلس لدى نزولهم مصر، فربما عمرت هذه اللقاءات بمناظرات و مناقشات فقهية.

 

و لعل هذا هو الذي لفت نظر الحفيد المؤرخ «ابن يونس»، فيما بعد، لكتابة تراجم هؤلاء العلماء و غيرهم فى كتابه «تاريخ الغرباء».

 

رابعا- اللغة و الأدب:

و لا أعنى بذلك أن يونس كان ذا إسهام فى عالم اللغة و الأدب، لكنى أرجح أنه اكتسب من مصاحبة الشافعى فصاحة و بلاغة كان يونس أحد المواظبين على حضور حلقات الشافعى العلمية، و قد كانت جلساته متعددة، و علومه كثيرة و متنوعة. و نتوقع أن يقتبس منه قدرا لا بأس به من فصاحته و بلاغته. لقد عبّر يونس عن بيان الشافعى الساحر بقوله: كانت ألفاظه كأنها سكر. و يمكن مراجعة مجالس الشافعى اليومية، و برنامجه اليومى للتدريس و المناظرة فى‏ القرآن، و الحديث، و الفقه، و العربية). و قد صدرت كلمات بليغات- لعلها شعر محفوظ- على لسان يونس، نطق بها لمّا بلغه موت أحد أعدائه، فقال: (حبذا موت الأعداء بين يديك و أنت تنظر). و من هنا، فقد نقل لنا عن أستاذه‏ الشافعى بعض الحكم النثرية، و الأشعار الحكميّة الطيبة. و من ذلك قوله: قال لى الشافعى «رضى اللّه عنه»: «يا أبا موسى، رضا الناس غاية لا تدرك. ما أقوله لك إلا نصحا، ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر ما فيه صلاح نفسك فالزمه، ودع الناس و ما هم فيه»

 

و مما رواه يونس من شعر الشافعى قوله:

ما حكّ جلدك مثل ظفرك‏* * * فتولّ أنت جميع أمرك‏

و إذا قصدت لحاجة* * * فاقصد لمعترف بقدرك‏

 

و أعتقد أن الرجل الذي صحب هذا الإمام العظيم، الذي يعد آية من آيات البيان الرائع، و الأداء اللغوى الجميل، و لازمه فى مجالس علمه، و حضر مناقشاته فى اللغة، و النحو، و الشعر، و غير ذلك، لابد أن يكتسب منه قدرا لا بأس به من بيانه الساحر، و بلاغته الراقية. و من هنا، فأنا أرجح أن تكون هناك بعض مدونات، سجّلها يونس، تنطق بالفصاحة و البلاغة. و لعل حفيده المؤرخ «ابن يونس» طالعها- فيما بعد- و أضاف إليها إضافات، أسهمت فى تشكيل سماته الأسلوبية، كما سنرى فى دراسة كتابيه.

 

خامسا، و أخيرا- و ما ذا عن التاريخ؟

لقد طوّفت- فيما مضى- بمناحى ثقافة «يونس بن عبد الأعلى»، و عرضتها بإيجاز و تركيز، محاولا الربط بين الجد و الحفيد «ابن يونس المؤرخ»، على اعتبار أن له تأثيرا كبيرا فى مؤرخنا. و الشي‏ء الذي ينبغى أن نلتفت إليه هو موقف «يونس» من التاريخ، و هل كانت له اهتمامات برواية أحداثه، تقارب- مثلا- اهتماماته بالقراءات، و الحديث، و الفقه؟ إننا يمكن تركيز الإجابة عن ذلك فى النقاط الآتية:

 

بالنظر فى عدد من مرويات «يونس بن عبد الأعلى» ذات الصبغة التاريخية، فإنه يمكن تقسيمها على النحو الآتى:

١- فى تاريخ الأنبياء قبل الإسلام:

توجد روايات ثلاث، رواها عن ابن وهب، تتعلق بقصص أنبياء اللّه: داود، و يونس‏، و الذّبيح إسماعيل.

٢- فى أحداث السيرة النبوية:

وردت- فى ذلك الصدد- عدة روايات، رواها يونس بن عبد الأعلى، عن أستاذه ابن وهب، و هى تتصل ب «موقف السيدة خديجة من الرسول (صلى اللّه عليه و سلم) لما رأى الوحى أول مرة، و حاله (صلى اللّه عليه و سلم) لما اتصل به الوحى، ففرّ منه الرسول (صلى اللّه عليه و سلم)، و نزلت آيات سورة المدثّر، و الأنصار فى بيعة العقبة الثانية، و أول خطبة خطبها الرسول (صلى اللّه عليه و سلم) بالمدينة، و تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة».

٣- فى تاريخ الراشدين:

من الروايات التى تنسب إلى يونس فى هذا الشأن: «رواية تتعلق باسم أبى بكر:

عتيق‏، و حوار طويل دار بين أبى بكر، و عبد الرحمن بن عوف على فراش أبى بكر فى مرضه، الذي مات فيه، بثّ من خلاله شجونه و مخاوفه على المسلمين‏، و جزء من خطبة لعمر بن الخطاب، تبرز عظم تحمله مسئولية الخلافة، و خشيته من اللّه‏، و رواية تفيد شدة علىّ و صرامته فى الحفاظ على مال المسلمين».

٤- فى تاريخ القضاة بمصر:

توجد العديد من النصوص التاريخية، التى تنسب إلى «يونس بن عبد الأعلى»، و تتعلق بأخبار القضاء و القضاة بمصر. من ذلك: «ما ذكره عن تظاهر أستاذه ابن وهب بالجنون أخريات حياته سنة ١٩٧ هـ؛ كى يفر من تولى منصب القضاء بمصر، و كذلك انصراف «على بن معبد الرّقىّ، نزيل مصر» من عند المأمون سنة ٢١٧ هـ، بعد أن رفض ما عرضه عليه من قضاء مصر». هذا فيما يتصل ببعض من عرض عليهم قضاة مصر، فأبوا المنصب.

 

و هناك مزيد من النصوص المتعلقة بعدد من قضاة مصر، منها: «ظروف و ملابسات عزل القاضى إسماعيل بن اليسع الكندى الحنفى سنة ١٦٧ هـ، و ما ورد عن خلافات القاضى محمد بن مسروق الكندى (١٧٧- ١٨٤ هـ) مع أهل مصر و ذمهم إياه؛ لتعاليه عليهم‏، و ما ذكر عن إدخاله النصارى- لأول مرة- المسجد؛ لفض خصوماتهم‏.

 

و هكذا، عرضت- فى إيجاز- لثقافة و معارف «يونس بن عبد الأعلى» جد «المؤرخ المصرى ابن يونس الصدفىّ». و لم يكن ذلك على سبيل الاستطراد، و إنما كان ذلك العرض؛ لأجل تلمس الصلات بين الجد و الحفيد، و مدى تأثر مؤرخنا بهذا العالم الثقة الثبت. و قد اتضح لنا من خلال ما مضى ما يلى:

 

أ- أن يونس كان ملما بثقافات و علوم العصر الذي عاش فيه، و إن غلبت عليه صفتا «المحدّث الفقيه». و سيكون لثقافته الحديثية تأثير فى مؤرخنا «ابن يونس».

 

ب- أن التاريخ كان يشكل أحد ملامح ثقافته، و أنه كان على معرفة و إلمام بتاريخ الإسلام و الأنبياء بعامة، و بتاريخ القضاء فى مصر خاصة. و لعل مرد ذلك يرجع إلى‏ كونه أحد الشهود بمصر فترة ستين عاما، إضافة إلى ثقافته الفقهية، التى استمدها من الإمام الشافعى، و التى جعلت له مكانة متميزة لدى قضاة مصر، و إن كان تداخله مع رجال السلطة و الحكم قد عرّضه للظلم و الاضطهاد فى فترة من فترات حياته‏ (نقصد بذلك ما تعرض له يونس من ظلم و اضطهاد فى إحدى القضايا المعروفة (و خلاصتها: أن أحمد بن أبى أمية دفع بأمواله البالغة ثلاثة و ثلاثين ألف دينار إلى عدد من الأوصياء على ابنته (و كان منهم: يونس بن عبد الأعلى)، فأدوا الأموال إلى يونس إلا واحدا، كانت عليه ديون، سددها مما لديه من أموال الوصية. ثم جاء القاضى ابن أبى الليث، و طالب يونس بالأموال كلها، و حكم عليه بالسجن بعد أن شهد عليه البعض زورا بتبديد جانب من أموال الوصية (و كان حبسه من سنة ٢٢٨- ٢٣٥ هـ))، لكنه خرج من هذه المحنة سليما معافى، مبرّأ الساحة، ضاربا أروع الأمثلة فى العفو عمن ظلمه، و الإحسان إلى من أساء إليه‏ (و يتضح ذلك من موقف يونس من القاضى (ابن أبى الليث)، فقد سجنه (قوصرة)، لما قدم إلى مصر لمحاسبته، فقيل له: أخرج يونس من محبسه، فسوف يشهد عليه، فلما أخرج قوصرة يونس، قال الأخير: «ما علمت إلا خيرا». و ذكر أن الشهود الزور هم الذين ظلموه. و لما أطلق القاضى ابن أبى الليث- بعد ذلك- للحكم فى قضية أموال الجروىّ، حكم ليونس بالبراءة (القضاة: ٤٥٥، و المدارك ٢/ ٨١). من أجل ذلك، عرف القاضى ابن أبى الليث فضله عليه، فلما أخرج من مصر إلى العراق، قابله القاضى الجديد لمصر (بكار بن قتيبة سنة ٢٤٦ ه)، و سأله أن يشير عليه بمن يستشيره فى مصر، فكان يونس أحد من أشار به عليه، و علّل ذلك بقوله: لقد قدر علىّ، فحقن دمى بعد أن كنت سعيت فى دمه).

 

 هذا هو القدر الموضوعى الذي نستطيع نسبته إلى يونس فى ضوء ما لدينا من مادة. و قد وصفه ابن خلكان بأنه «علّامة فى الأخبار، و الصحيح و السقيم، و لم يشاركه فى زمانه أحد». و هذه مبالغة من ابن خلكان. و أعتقد أن يونس شاركه فى علمه بل فاقه بعض معاصريه. و أسماء الفقهاء فى عصره كثيرة، منهم: (البويطى ت ٢٣١ ه)، و كان شيخ‏ حلقة الشافعى من بعده، و المزنى الفقيه العظيم (ت ٢٦٤ ه)، و محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم الفقيه المالكى الشافعى فى آن (ت ٢٦٨ ه)، و الربيع المرادى تلميذ الشافعى و ملازمه (ت ٢٧٠ ه).

 

ح- أعتقد أن عمل «يونس» فى مجال القضاء، قد أطلعه على كثير من المعلومات التاريخية، التى يتوقع أن يكون احتفظ بقدر منها مدوّن لديه‏ (نقل عنه ابن يونس قدرا من المادة فى ترجمة القاضى المصرى إبراهيم بن الجراح، الذي ولى سنة ٢٠٤ هـ حتى ٢١١ هـ، و توفى سنة ٢١٥ هـ).

 

 

٢- أعمامه، و والده، و إخوته:

لم تقف المصادر المتاحة- بقدر كاف- عند ذكر أبناء المحدّث و الفقيه الشافعى «يونس ابن عبد الأعلى». و يبدو أن شهرة الأب العريضة غطّت على أبنائه، أو أن هؤلاء الأبناء لم يحظوا بالعلوم الغزيرة المتنوعة، و لا المكانة الاجتماعية المتميزة، و لا المشاركة الإيجابية فى حركة المجتمع، فتضاءلت إمكانات ظهورهم، و بزوغ نجمهم، فلم يلفتوا أنظار المؤلّفين المترجمين، و لم يجدوا فى أخبارهم ما يدفعهم للكتابة عنهم، و الاهتمام بهم، كما اهتموا بالوالد «يونس، عليه رحمة اللّه».

 

من خلال المعلومات اليسيرة، التى وقفت عليها، تبيّن لى أن لـ «يونس» عددا من الأبناء هم:

١- موسى: و لعله الابن الأكبر، و به كان يكنى. و لا ندرى عنه شيئا بعد هذا.

٢- محمد: و لا أدرى عنه سوى أنه توفى مستهل شهر رجب سنة خمسين و مائتين‏.

٣- عبد الأعلى: و يكنى أبا سلمة. و يبدو أنه كان مهتما بالحديث. كتب عن سعيد بن أبى مريم، و أبى صالح الحرّانىّ، و عبد اللّه بن صالح كاتب الليث بن سعد. ولد سنة ٢٠٤ ه، و توفى فى صفر سنة ٢٤٩ هـ.

٤- أحمد: و هو- فى الغالب- أصغر أبناء يونس، و هو والد المؤرخ «عبد الرحمن ابن أحمد بن يونس».

كتاب «تاريخ المصريين» للمؤرخ المصرى «ابن يونس الصدفى (٢٨١- ٣٤٧ هـ) »

 

 

يونس بن عبد الأعلى- ت 264
هو: يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة أبي موسى الصدفيّ المصريّ.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة السادسة من حفاظ القرآن.
كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.
ولد «يونس بن عبد الأعلى» في ذي الحجة سنة سبعين ومائة من الهجرة.
وقد أخذ «يونس بن عبد الأعلى» القراءة على مشاهير علماء عصره، منهم:
«ورش، ومعلي بن دحية» وروى القراءة عنه: «موّاس بن سهل، وأحمد بن محمد الواسطي، وأبي عبد الله محمد بن الربيع شيخ المطوعي، وأسامة بن أحمد، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن جرير الطبري، وعبد الله بن الهيثم، وغيرهم كثير.
كما أخذ «يونس بن عبد الأعلى» الحديث عن مشاهير العلماء، منهم:
«سفيان بن عيينة، وابن وهب، والوليد بن مسلم، وأبي ضمرة، ومعن بن عيسى، والشافعي» وآخرون.
قال «الذهبي»: وقد حدث عن «يونس بن عبد الأعلى»: الإمام مسلم، والنسائي، في كتابيهما، وأبي بكر بن زياد النيسأبيري، وأبي عوانة الأسفراييني، وأبي طاهر أحمد بن محمد المديني، وبشر كثير من المشارقة والمغاربة، وانتهت إليه رئاسة العلم، وعلوّ الاسناد في الكتاب والسنة، وكان كبير الشهود بمصر.
وقال «ابن أبي حاتم»: سمعت أبي يوثق «يونس بن عبد الأعلى» ويرفع من شأنه .
توفي «يونس» في ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين من الهجرة، وله أربع وتسعون سنة. رحم الله «يونس» رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.
معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ

 

أبو موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفي: مات سنة أربع وستين ومائتين، السنة التي مات فيها المزني.

- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

 

 

يُونُس بن عبد الْأَعْلَى بن مُوسَى بن ميسرَة بن حَفْص بن حَيَّان الإِمَام الْكَبِير أَبُو مُوسَى الصدفي المصري الْفَقِيه المقري
ولد فى ذى الْحجَّة سنة سبعين وَمِائَة
وَقَرَأَ الْقُرْآن على ورش وَغَيره وأقرأ النَّاس
وَسمع الحَدِيث من سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن وهب والوليد بن مُسلم ومعن بن عِيسَى وأبى ضَمرَة أنس بن عِيَاض والشافعى وَأخذ عَنهُ الْفِقْه وَطَائِفَة أُخْرَى

روى عَنهُ مُسلم والنسائى وَابْن ماجة وَأَبُو عوَانَة وَأَبُو بكر بن زِيَاد النيسابورى وَأَبُو الطَّاهِر المدينى وَخلق
وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم بديار مصر
وروى عَن الشافعى رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ مَا رَأَيْت بِمصْر أحدا أَعقل من يُونُس ابْن عبد الْأَعْلَى
وَقَالَ يحيى بن حسان يونسكم هَذَا من أَرْكَان الْإِسْلَام
وَكَانَ يُونُس من جملَة الَّذين يتعاطون الشَّهَادَة أَقَامَ يشْهد عِنْد الْحُكَّام سِتِّينَ سنة
قَالَ النسائى يُونُس ثِقَة
وَقَالَ ابْن أَبى حَاتِم سَمِعت أَبى يوثق يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَيرْفَع من شَأْنه قلت لم يتَكَلَّم أحد فى يُونُس وَلَا نقموا عَلَيْهِ إِلَّا تفرده عَن الشافعى بِالْحَدِيثِ الذى فى مَتنه وَلَا مهدى إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم فَإِنَّهُ لم يروه عَن الشافعى غَيره وَلَكِن ذَلِك غير قَادِح فالرجل ثِقَة ثَبت
وَكَانَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله يُنَبه على فَائِدَة وهى أَن حَدِيثه الْمَذْكُور عَن الشافعى إِنَّمَا قَالَ فِيهِ حدثت عَن الشافعى وَلم يقل حَدَّثَنى الشافعى قَالَ هَكَذَا هُوَ مَوْجُود فى كتاب يُونُس رِوَايَة أَبى الطَّاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد المدينى عَنهُ
وَرَوَاهُ جمَاعَة عَنهُ عَن الشافعى فَكَأَنَّهُ دلسه بِلَفْظَة عَن وَأسْقط ذكر من حَدثهُ بِهِ عَن الشافعى فَالله أعلم هَذَا كَلَام شَيخنَا رَحمَه الله تَعَالَى
وَأَنا أَقُول قد صرح الروَاة عَن يُونُس بِأَنَّهُ قَالَ حَدثنَا الشافعى
فَأخْبرنَا مُحَمَّد بن عبد المحسن السبكى الْحَاكِم قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَ أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن على بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْزَة بن الحبوبى سَمَاعا عَلَيْهِ عَن أَبى الْوَفَاء مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان بن مندة أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر الباغبان أخبرنَا أَبُو عَمْرو عبد الْوَهَّاب بن أَبى عبد الله مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن مندة أخبرنَا أَبى الإِمَام أَبُو عبد الله أخبرنَا أَبُو على الْحسن بن يُوسُف الطرائفى بِمصْر وَأحمد بن عمر وَأَبُو الطَّاهِر قَالَا حَدثنَا أَبُو مُوسَى يُونُس بن عبد الْأَعْلَى بن ميسرَة الصدفى حَدثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشافعى حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد الجندى عَن أبان بن صَالح عَن الْحسن بن أَبى الْحسن عَن أنس بن مَالك عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (لَا يزْدَاد الْأَمر إِلَّا شدَّة وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إدبارا وَلَا النَّاس إِلَّا شحا وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار النَّاس وَلَا مهدى إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم)
وأخبرناه أَيْضا أَبى الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن صصرى بِدِمَشْق وَإِسْمَاعِيل بن نصر الله ابْن أَحْمد بن عَسَاكِر بِالْقَاهِرَةِ قَالَا أخبرنَا أَبُو المكارم عبد الْوَاحِد بن عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الْوَاحِد الأزدى أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الشافعى أخبرنَا أَبُو الْحسن على ابْن الْحسن بن الْحُسَيْن الموازينى أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان ابْن أَبى نصر أخبرنَا القاضى أَبُو بكر يُوسُف بن الْقَاسِم الميانجى حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة النيسابورى وَأحمد بن مُحَمَّد بن شَاكر الزنجانى بالميانج وَأَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم بالرى وزَكَرِيا بن يحيى الساجى بِالْبَصْرَةِ وَأحمد بن مُحَمَّد الطحاوى وَغَيرهم بِمصْر والقاضى عبد الله بن مُحَمَّد القزوينى قَالُوا حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى فَذكره بِلَفْظِهِ
انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ ابْن ماجة فَرَوَاهُ فى سنَنه عَن يُونُس وَقيل إِن الشافعى تفرد بِهِ عَن مُحَمَّد بن خَالِد الجندى وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ قد تَابعه عَلَيْهِ زيد بن السكن وعَلى بن الزيد اللحجى فروياه عَن مُحَمَّد بن خَالِد وَتكلم جمَاعَة فى هَذَا الحَدِيث وَالصَّحِيح فِيهِ أَن الجندى تفرد بِهِ
وَذكر أَبُو عبد الله الْحَاكِم أَن الْجند رجل مَجْهُول قَالَ وَقَالَ صَامت بن معَاذ عدلت إِلَى الْجند مسيرَة يَوْمَيْنِ من صنعاء فَدخلت على مُحدث لَهُم فطلبت هَذَا الحَدِيث فَوَجَدته عِنْده عَن مُحَمَّد بن خَالِد الجندى عَن أبان بن أبي عَيَّاش وَهُوَ مَتْرُوك عَن الْحسن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُنْقَطع
وَأما الشافعى فَلم يروه عَنهُ غير يُونُس وَأما يُونُس فَرَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الإسفراينى وَابْن ماجة وَعبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم وَأَبُو بكر بن زِيَاد وَهَؤُلَاء أَئِمَّة رَحِمهم الله أَجْمَعِينَ
مَاتَ يُونُس فى ربيع الآخر سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وبذكره نختتم الطَّبَقَة الأولى ونقتصر فِيهَا على من ذَكرْنَاهُ
وَاعْلَم أَن فى الروَاة عَن الشافعى كَثْرَة وَقد أفردهم الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدارقطنى فى جُزْء وَنحن لم نذْكر إِلَّا من تمذهب بمذهبه أَو كَانَ كَبِير الْقدر لنبين أَنه إِنَّمَا حصل على مَا حصل بِسَبَبِهِ وَإِلَّا فقد أهملنا الْكثير من الروَاة عَنهُ وأسقطنا مَا لَا نرى لذكره معنى غير سَواد فى بَيَاض

وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَن يُونُس
قَالَ يُونُس سَمِعت الشافعى يَقُول لَوْلَا مَالك وَابْن عُيَيْنَة لذهب علم الْحجاز
قَالَ وسمعته يَقُول إِذا جَاءَ مَالك فمالك النَّجْم
قَالَ يُونُس فِيمَا رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فى كتاب الْعلم سَمِعت الشافعى يَقُول إِذا سَمِعت الرجل يَقُول الِاسْم غير الْمُسَمّى أَو الِاسْم الْمُسَمّى فاشهد عَلَيْهِ أَنه من أهل الْكَلَام وَلَا دين لَهُ
قلت وَهَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا روى فى ذمّ الْكَلَام وَقد روى مَا يُعَارضهُ وللحافظ ابْن عَسَاكِر فى كتاب تَبْيِين كذب المفترى على أَمْثَال هَذِه الْكَلِمَة كَلَام لَا مزِيد على حسنه ذكرت بعضه مَعَ زيادات فى كتاب منع الْمَوَانِع
حكى يُونُس عَن الشافعى فى بَاب الْعدَد أَنه قَالَ اخْتلف عمر وعَلى رضى الله عَنْهُمَا فى ثَلَاث مسَائِل الْقيَاس فِيهَا مَعَ على وَبِقَوْلِهِ أَقُول
إِحْدَاهَا إِذا تزوجت فى عدتهَا وَدخل بهَا الثانى حرمهَا على الثانى أبدا عمر بن الْخطاب وَبِه أَخذ مَالك وَأحمد فى رِوَايَة وَهُوَ قَول قديم وَعند على لَا تحرم على التَّأْبِيد وَهُوَ الْجَدِيد
وَهَكَذَا الْخلاف فى كل وَطْء أفسد النّسَب هَل يحرم بِهِ على الْمُفْسد أبدا مثل وَطْء زَوْجَة غَيره بِشُبْهَة أَو أمة غَيره بِشُبْهَة
وَوَجهه المؤيدون بِأَنَّهُ استعجل الْحق قبل وقته فحرمه الله تَعَالَى فى وقته كالميراث إِذا قتل مُوَرِثه لم يَرِثهُ وَبِأَنَّهُ سَبَب يفْسد فَيحرم بِهِ على التَّأْبِيد كاللعان
وَحجَّة الْجَدِيد قَوْله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} وَهَذِه من وَرَاء ذَلِكُم وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ مُبَاحا لم يحرم بِهِ على التَّأْبِيد فَكَذَلِك إِذا كَانَ حَرَامًا بِالزِّنَا وَلِأَن الْخُصُوم فرقوا بَين الْعَالم فَلم يحرموها عَلَيْهِ أبدا قَالُوا لِأَنَّهُ جَاره بِالْحَدِّ وَالْجَاهِل فَفِيهِ حرموها أبدا وَالْفرق فَاسد لِأَن الْعَالم أَشد جرما وبالزنا يفْسد النّسَب أَيْضا فى كَلِمَات كَثِيرَة لعلمائنا
وَوجه الشافعى كَون الْقيَاس مَعَ على كرم الله وَجهه بِأَن الْوَطْء لَا يقتضى تَحْرِيم الْمَوْطُوءَة على الواطىء بل تَحْرِيم غَيرهَا على الواطىء وتحريمها على غير الواطىء فَمَا قَالُوهُ خلاف الْأُصُول وَأطَال أَصْحَابنَا فى هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى أنكر أهل الْبَصْرَة أَن يكون للشافعى قَول قديم فِيهَا قَالُوا وَإِنَّمَا ذكره حِكَايَة لَا مذهبا الثَّانِيَة امْرَأَة الْمَفْقُود قَالَ عمر تنْكح بعد التَّرَبُّص وَهُوَ الْقَدِيم وَقَالَ على تصبر أبدا وَهُوَ الْجَدِيد وَلَفظ على إِنَّهَا امْرَأَة ابْتليت فَلتَصْبِر
وَالثَّالِثَة إِذا تزوجت الرَّجْعِيَّة بعد انْقِضَاء الْعدة وَكَانَ زَوجهَا الْمُطلق غَائِبا وَدخل بهَا الثانى ثمَّ عَاد الْمُطلق وَأقَام بَيِّنَة أَنه كَانَ رَاجعهَا قبل انْقِضَاء عدتهَا قَالَ عمر الثانى أَحَق بهَا وَقَالَ على بل هى للْأولِ وَهُوَ قَوْلنَا
ذكر هَذَا كُله الرويانى فِي الْبَحْر فى كتاب الْعدَد وَلم يذكرهُ الماوردى فى الحاوى مَعَ تتبعه لأمثال ذَلِك وَهُوَ ثَابت عَن الشافعى مروى بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَيْهِ رَوَاهُ ابْن أَبى حَاتِم وَابْن حمكان فى مَنَاقِب الشافعى وَغَيرهمَا
وروى عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم فى كِتَابه فى آدَاب الشافعى أَنه سمع يُونُس يَقُول سَمِعت الشافعى يَقُول لَو أتم مُسَافر الصَّلَاة مُتَعَمدا مُنْكرا للقصر فَعَلَيهِ إِعَادَة الصَّلَاة وَهَذَا شىء غَرِيب
قَالَ ابْن خُزَيْمَة سَمِعت يُونُس وَذكر الشافعى فَقَالَ كَانَ يناظر الرجل حَتَّى يقطعهُ ثمَّ يَقُول لمناظره تقلد أَنْت الْآن قولى وأتقلد قَوْلك فيتقلد المناظر قَوْله ويتقلد الشافعى قَول المناظر فَلَا يزَال يناظره حَتَّى يقطعهُ وَكَانَ لَا يَأْخُذ فى شىء إِلَّا تَقول هَذِه صناعته

قَالَ يُونُس قَالَ الشافعى فى قَوْله تَعَالَى {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} الْفَاحِشَة أَن تبذو على أهل زَوجهَا
وَقَالَ أصح الْمعَانى فى قَوْله تَعَالَى {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} الْوَلَد والحيضة لَا تكْتم ذَلِك عَن زَوجهَا مَخَافَة أَن يُرَاجِعهَا
وَقَالَ يُونُس قَالَ الشافعى فى قَوْله تَعَالَى {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة} الْآيَة كلهَا نسخت بِالْحَدِيثِ قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خُذُوا عَنى خُذُوا عَنى قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا على الْبكر جلد مائَة وتغريب عَام وعَلى الثّيّب الرَّجْم)
قلت هَذَا يدل على أَن الشافعى لَا يمْنَع نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ وَقد أطلنا فى الْكَلَام على ذَلِك فى أصُول الْفِقْه
قَالَ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو الْوَلِيد النيسابورى حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَحْمُود قَالَ سَأَلَ إِنْسَان يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن معنى قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أقرُّوا الطير على مكناتها) فَقَالَ إِن الله يحب الْحق إِن الشافعى قَالَ كَانَ الرجل فى الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ الْحَاجة أَتَى الطير فى وَكره فنفره فَإِن أَخذ ذَات الْيَمين مضى لِحَاجَتِهِ وَإِن أَخذ ذَات الشمَال رَجَعَ فَنهى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك
قَالَ وَكَانَ الشافعى رَحمَه الله نَسِيج وَحده فى هَذِه الْمعَانى
وَقَالَ مُحَمَّد بن مهَاجر سَأَلت وكيعا عَن تَفْسِير هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هُوَ صيد اللَّيْل فَذكرت لَهُ قَول الشافعى فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ مَا كُنَّا نظنه إِلَّا صيد اللَّيْل

قلت المكنات وَاحِدهَا مكنة بِكَسْر الْكَاف وَقد تفتح وهى فى الأَصْل بيض الضباب وَقيل هى هُنَا بِمَعْنى الْأَمْكِنَة وَقيل مكناتها جمع مكن وَمكن جمع مَكَان كصعدات فى صعد وحمرات فى حمر
قَالَ يُونُس قلت للشافعى مَا تَقول فى رجل يصلى وَرجل قَاعد فعطس الْقَاعِد فَقَالَ لَهُ الْمصلى رَحِمك الله قَالَ لَهُ الشافعى لَا تَنْقَطِع صلَاته
قَالَ لَهُ يُونُس كَيفَ وَهَذَا كَلَام
قَالَ إِنَّمَا دَعَا الله لَهُ وَقد دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الصَّلَاة لقوم وعَلى آخَرين
قلت وَقد صحّح الرويانى هَذَا النَّص وَصحح الْمُتَأَخّرُونَ بطلَان الصَّلَاة بِهِ
قَالَ يُونُس كُنَّا فى مجْلِس الشافعى فَقَالَ مَا أبين من حى فَهُوَ ميت فَقَامَ إِلَيْهِ غُلَام لم يبلغ الْحلم فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله لَا يخْتَلف النَّاس أَن الشّعْر وَالصُّوف مجزوز من حى وَهُوَ طَاهِر فَقَالَ الشافعى لم أرد إِلَّا فى المتعبدين
نَقله الآبرى فى كِتَابه وَقَالَ يعْنى بالمتعبدين الْآدَمِيّين بِخِلَاف الْبَهَائِم
قَالَ يُونُس سَمِعت الشافعى يَقُول أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَا دَاوُد وعزتى وجلالى لأبترن كل شفتين تكلمتا بِخِلَاف مَا فى الْقلب
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَبى مَرْوَان يَقُول سَمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول سَمِعت يُونُس بن عبد الْأَعْلَى يَقُول إِن أم الشافعى رضى الله عَنهُ فَاطِمَة بنت عبيد الله بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن على بن أَبى طَالب وَإِنَّهَا هى الَّتِى حملت الشافعى رضى الله عَنهُ إِلَى الْيَمين وأدبته وَإِن يُونُس كَانَ يَقُول لَا أعلم هاشميا وَلدته هاشمية إِلَّا على بن أَبى طَالب والشافعى رضى الله عَنْهُمَا
قلت وَهَذَا قَول من قَالَ إِن أم الشافعى رضى الله عَنهُ من ولد على كرم الله وَجهه وَعَلِيهِ الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل الفارسى فَإِنَّهُ نَصره فى كِتَابه الذى صنفه فى نسب الشافعى لَكِن أنكرهُ زَكَرِيَّا الساجى وَأَبُو الْحسن الآبرى والبيهقى والخطيب والأردستانى وَزَعَمُوا أَنَّهَا كَانَت أزدية وَمِنْهُم من قَالَ أسدية وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ لما قدم مصر سَأَلَهُ بعض أَهلهَا أَن ينزل عِنْده فَأبى وَقَالَ إنى أنزل على أخوالى الأسديين
قلت وَأَنا أَقُول لَا دلَالَة فِي هَذَا على أَن أمه أسدية لجَوَاز أَن تكون الأَسدِية أم أَبِيه أَو أم جده وَنَحْو ذَلِك وَيكون اقْتدى فى ذَلِك قولا وفعلا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هَاجر وَقدم الْمَدِينَة وَنزل على أخوال عبد الْمطلب إِكْرَاما لَهُم فَمَا ذكره يُونُس من أَن أمه من ولد على قَول لم يظْهر لى فَسَاده بل أَنا أميل إِلَيْهِ
فَإِن قلت قد ضعفه من ذكرت من الْأَئِمَّة وَجعل البيهقى الْحمل فِيهِ على أَحْمد ابْن الْحُسَيْن ابْن أَبى مَرْوَان وَاحْتج بمخالفة سَائِر الرِّوَايَات لَهُ
قلت لم يتَبَيَّن لى مخالفتها فَإِن غايتها مَا ذكرت من أَنه رضى الله عَنهُ قَالَ أنزل على أخوالى الأسديين وَقد بَينا أَنه يُمكن حمل ذَلِك على أخوال الْأَب وَنَحْوه والمصير إِلَى ذَلِك مُتَعَيّن للْجمع بَينه وَبَين هَذِه الرِّوَايَة الصَّرِيحَة فى تعْيين اسْم أمة وَسِيَاق نَسَبهَا إِلَى على كرم الله وَجهه وَضعف ابْن أَبى مَرْوَان لم يثبت عندنَا وَلَو كَانَ لم يسكت عَنهُ الْحَاكِم إِن شَاءَ الله
وَالَّذين قَالُوا إِن أمه أسدية رُبمَا قَالُوا أَيْضا أزدية ثمَّ قَالُوا الأزد والأسد شىء وَاحِد وَلم يعينوا لَهَا اسْما وَلَا ساقوا نسبا وَغَايَة بَعضهم أَن كناها أم حَبِيبَة

فَإِن قلت قد ذكرُوا أَن ابْن عبد الحكم قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول أمى من الأزد
قلت وَقد ذكرنَا أَن يُونُس قَالَ مَا أبديناه وَالله أعلم أى الْأَمريْنِ أثبت وَالْجمع بَينهمَا عِنْد الثُّبُوت مُمكن بِالطَّرِيقِ الَّتِى ذكرنَا
فَإِن قلت فقد وَافق ابْن المقرى الْجَمَاعَة على تَضْعِيف كَونهَا علوِيَّة محتجا بقول الشافعى فى حكايته مَعَ إِبْرَاهِيم الحجبى الذى تقدّمت فى تَرْجَمَة الْحَارِث النقال على ابْن عمى قَالَ وَلم يقل جدى قَالَ وَلَو كَانَ جده لذكر ذَلِك لِأَن الجدودة أقوى من الخؤولة والعمومة
قلت يحْتَمل أَن يُقَال إِنَّمَا اقْتصر على كَونه ابْن عَمه لِأَنَّهَا الْقَرَابَة من جِهَة الْأَب وَأما الجدودة فَإِنَّهَا قرَابَة من جِهَة الْأُم والقرابة من جِهَة الْأُم لَا تذكر غَالِبا ثمَّ الْأَمر فى هَذِه الْمَسْأَلَة موهوم فلسنا فِيهَا على قطع وَلَا ظن غَالب وَمَا ذَكرْنَاهُ من اقْتِصَاره على أَنه ابْن عَمه للمعنى الذى أبديناه حسن فى الْجَواب لَو وَقع الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فى كل الرِّوَايَات لَكِن فى بَعْضهَا ابْن عمى وَابْن خالتى وَذكر الخؤولة يضعف مَا أبديناه وَلَا عَظِيم فى الْمَسْأَلَة وأى الْأَمريْنِ مِنْهَا ثَبت فشرفه بَين فَإِن الأزد أَيْضا قَالَ فيهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ الترمذى الأزد أَسد الله فى الأَرْض يُرِيد النَّاس أَن يضعوهم ويأبى الله إِلَّا أَن يرفعهم الحَدِيث
وَكَانَت أمه رضى الله عَنْهَا بِاتِّفَاق النقلَة من العابدات القانتات وَمن أذكى الْخلق فطْرَة وهى الَّتِى شهِدت هى وَأم بشر المريسى بِمَكَّة عِنْد القاضى فَأَرَادَ أَن يفرق بَينهمَا ليسألهما منفردتين عَمَّا شهدتا بِهِ استفسارا فَقَالَت لَهُ أم الشافعى أَيهَا القاضى لَيْسَ لَك ذَلِك لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} فَلم يفرق بَينهمَا

قلت وَهَذَا فرع حسن وَمعنى قوى واستنباط جيد ومنزع غَرِيب وَالْمَعْرُوف فى مَذْهَب وَلَدهَا رضى الله عَنهُ إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْحَاكِم إِذا ارتاب بالشهود اسْتحبَّ لَهُ التَّفْرِيق بَينهم وكلامها رضى الله عَنْهَا صَرِيح فى اسْتثِْنَاء النِّسَاء للمنزع الذى ذكرته وَلَا بَأْس بِهِ
فَإِن قلت هَذَا الذى جَاءَ فى بعض الرِّوَايَات من قَول الشافعى فى على كرم الله وَجهه ابْن خالتى مَا وَجهه فَإِن كَونه ابْن عَمه وَاضح وَأما كَونه ابْن خَالَته فَغير وَاضح
قلت قد وجهوه بِأَن أم السَّائِب بن عبيد جد الشافعى رضى الله عَنهُ هى الشفا بنت الأرقم بن هَاشم بن عبد منَاف وَأم هَذِه الْمَرْأَة خليدة بنت أَسد بن هَاشم بن عبد منَاف وَأم على بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم ابْن عبد منَاف فَظهر أَن عليا كرم الله وَجهه ابْن خَالَة الشافعى بِمَعْنى ابْن خَالَة أم جده
خَاتِمَة لهَذِهِ الطَّبَقَة الأولى
اعْلَم أَن فى الروَاة عَن الشافعى رضى الله عَنهُ كَثْرَة وَقد أفردهم الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدارقطنى بِجُزْء وَنحن اقتصرنا على من تمذهب بمذهبه أَو كَانَ كَبِير الْقدر فى نَفسه وأسقطنا ذكر من لَا نرى لذكره كَبِير معنى غير سَواد فى بَيَاض بِحَيْثُ أسقطنا ذكر جمَاعَة ذكرهم أَبُو عَاصِم العبادى وَغَيره مِمَّن صنف فى الطَّبَقَات وفيمن أَخذ علم الشافعى وعزى إِلَيْهِ وعاصره
وَذكر الْأَصْحَاب فى الطَّبَقَات عبد الرَّحْمَن بن مهدى وَيحيى بن سعيد الْقطَّان أما عبد الرَّحْمَن بن مهدى بن حسان بن عبد الرَّحْمَن

طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي

 

 

يُونُس بن عبد الْأَعْلَى الصَّدَفِي الْمصْرِيّ
روى عَن ابْن عُيَيْنَة وَالشَّافِعِيّ وَابْن وهب وَخلق
وَعنهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَخلق

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حَفْصِ بنِ حَيَّانَ الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ أبي موسى الصَّدَفيُّ المِصْرِيُّ المُقْرِئُ الحَافِظُ، وَأُمُّهُ فُلَيْحَةُ بِنْتُ أَبَانَ التُّجِيبِيَّةُ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وعبد الله بن، وهب والوليد بن مسلم وَمَعْنِ بنِ عِيْسَى، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ وَأَبِي ضَمْرَةَ اللَّيْثِيِّ، وَبِشْرِ بنِ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، وَسَلاَمَةَ بنِ رَوْحٍ ومحمد بن عبيد الطنافسي ويحيى بنِ حَسَّانٍ، وَأَشْهَبَ الفَقِيْهِ وَيَنْزِلُ إِلَى نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ بَلْ وَإِلَى أَنْ رُوِيَ عَنْ تلمِيذِهِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ.
وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى وَرْشٍ صَاحِبِ نَافِعٍ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَأبي حَاتِمٍ وَأبي زُرْعَةَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَأبي بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَأبيرِيُّ، وَأبي عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ وَعُمَرُ بنُ بُجَيْر وَأبي جَعْفَرٍ بنُ سَلاَمَةَ الطَّحَاوِيُّ، وَأبي الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَامِيُّ وَأبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سُفْيَانَ بنِ سَعِيْدٍ المِصْرِيُّ المُؤَذِّنُ، وَأبي الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْدِيُّ وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَرَأَ عَلَيْهِ: مَوَاسُ بنُ سَهْلٍ المِصْرِيُّ، وأحمد بن محمد الوَاسِطِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الهَيْثَمِ دُلْبَةٌ وَعَبْدُ اللهِ بنُ الرَّبِيْعِ المَلَطِيُّ شَيْخٌ لِلْمُطَّوِّعِيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحُرُوْفَ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأُسَامَةُ بنُ أَحْمَدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ جَرِيْرٍ وَمُحَمَّدُ بنُ الرَّبِيْعِ الجِيزِيُّ، وَغَيْرهُم.
وَكَانَ كَبِيْرَ المُعدِّلينَ وَالعُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ بِمِصْرَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ التِّنِّيْسِيُّ: يونُسُكُم هَذَا ركنٌ مِنْ أَركَانِ الإِسْلاَمِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يُوَثِّقُهُ وَيرفعُ مِنْ شَأْنِهِ.
وَقَالَ أبي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّاهِرِ بنَ السَّرْحِ يَحُثُّ عَلَى يُوْنُسَ وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ قُدَيْدٍ: كَانَ يَحْفَظُ الحَدِيْثَ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: كَانَ ذَا عقلٍ لَقَدْ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ عَمْرِو بنِ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَا أَبَا الحَسَنِ انْظُر إِلَى هَذَا البَابِ الأَوَّلِ مِنْ أبيابِ المَسْجَدِ الجَامِعِ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا يدخُلُ مِنْ هَذَا البَابِ أَحَدٌ أَعقلُ من يونس بن عبد الأعلى.
وَقَالَ حَفِيْدُهُ الحَافِظُ الكَبِيْرُ أبي سَعِيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ: دِعْوَتُهُم فِي الصَّدَفِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَنْفُسِهِم وَلاَ مَوَاليهِم.
تُوُفِّيَ غدَاةَ يَوْمِ الاثْنَيْنِ ثَانِي رَبِيْع الآخرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

قُلْتُ: عَاشَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَوَقَعَ لِي جُمْلَةٌ مِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ فِي "الخِلَعِيَّاتِ"، وَفِي أَمَاكنَ مُخْتَلِفَةٍ وَبَيْنَ مَشَايِخنَا وَبَيْنَهُ خَمْسَةُ أَنفُسٍ وَلَقَدْ كَانَ قُرَّةَ عَيْنٍ مُقَدَّماً فِي العِلْمِ وَالخَيْرِ وَالثِّقَةِ.
وَأَمَّا الحَدِيْثُ الَّذِي انفردَ بِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ، حَدِيْثُ: "لاَ مَهْدِيَّ إلَّا عِيْسَى"، فَلَعَلَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فدَلَّسَهُ. وَقَدْ رَأَيْتُ أَصْلاً عتيقاً يَقُوْلُ فِيْهِ: حُدِّثْتُ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايمازالذهبي



 

يُونُس بن عبد الأعلى بن ميسرَة الصَّدَفِي الْمصْرِيّ كنيته أَبُو مُوسَى
روى عَن ابْن وهب فِي الْبيُوع وَغَيرهَا.

رجال صحيح مسلم - لأحمد بن علي بن محمد بن إبراهيم، أبو بكر ابن مَنْجُويَه.

 

يونس بن عبد الأعلى عالم الديار المصرية الإمام أبي موسى الصدفي المصري الحافظ المقرئ الفقيه: مولده في آخر سنة سبعين ومائة قرأ القرآن على ورش وغيره، وسمع من سفيان بن عيينة والوليد بن مسلم وابن وهب أخذ ومعن بن عيسى وأبي ضمرة والشافعي وعدة وتفقه بالشافعى، أخذ عنه القراءة أسامة التجيبي وابن خزيمة وابن جرير الطبري، حدث عنه أبي بكر بن زياد وابن أبي حاتم وأبي الطاهر المديني وخلائق روى عن الشافعي قال ما رأيت بمصر أحدا أعقل من يونس وقال يحيى بن حسان: هو ركن من أركان الإسلام، توفي في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائتين رحمة الله عليه.ينظر: تذكرة الحفاظ2/84.

أبو موسى، يونسُ بنُ عبدِ الأعلى بنِ موسى الصدفيُّ، المصريُّ، الفقيهُ الشافعيُّ.
أحد أصحاب الشافعي، والمكثرين في الرواية عنه، والملازمة له.
وكان كثير الورع، متين الدين، وكان علامة في علم الأخبار، والصحيح والسقيم؛ لم يشاركه في زمانه في هذا أحد، وسمع سفيان بن عيينة، وعبدَ الله بن وهب المصري، وكان محدثًا جليلًا، ذكره القضاعي في كتاب "خطط مصر"، وقال: صحب الشافعيَّ، وأخذ عنه الحديث والفقه، وحدَّث بهما عنه جماعة، وله حبس في ديوان الحكم، وعقب، وله دار مشهورة في خطة الصدف مكتوبٌ عليها اسمه.
وذكر غير القضاعي: أن يونس بن عبد الأعلى روى عنه: الإمامُ مسلم بن الحجاج القشيري وأبو عبد الرحمن النسائي، وأبو عبد الله بن ماجه القزويني، وغيرهم. قال يونس: قال لي الشافعي: يا يونس! دخلتَ بغداد؟ فقلت: لا، قال: ما رأيت الدنيا، ولا رأيت الناس. وقال علي بن قديد: كان يونس يحفظ الحديث، ويقوم به، وذكر أبو عبد الرحمن النسائي، فقال: هو ثقة وقال غيره.
ولد سنة سبعين ومئة، وتوفي سنة أربع وستين ومئتين - رحمه الله تعالى -.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

الصَّدَفي
(170 - 264 هـ = 787 - 877 م)
يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة، أبو موسى الصدفي:
من كبار الفقهاء. انتهت إليه رياسة العلم بمصر. كان عالما بالأخبار والحديث، وافر العقل. صحب الشافعيّ وأخذ عنه قال الشافعيّ: ما رأيت بمصر أحدا أعقل من يونس. مولده ووفاته بها.
أخذ عنه كثيرون  .

-الاعلام للزركلي-