مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري أبو عبد الله

الإمام مالك بن أنس

تاريخ الولادة93 هـ
تاريخ الوفاة179 هـ
العمر86 سنة
مكان الولادةالمدينة المنورة - الحجاز
مكان الوفاةالمدينة المنورة - الحجاز
أماكن الإقامة
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز

نبذة

مالك الإمام هُوَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، حُجَّةُ الأُمَّةِ، إِمَامُ دَارِ الهِجْرَةِ، أبي عَبْدِ اللهِ مَالِكُ بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ بنِ غَيْمَانَ بنِ خُثَيْلِ بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَهُوَ ذُو أَصْبَحَ بنُ عَوْفِ بنِ مَالِكِ بنِ زَيْدٍ بنِ شداد بن زُرْعَةَ، وَهُوَ حِمْيَرُ الأَصْغَرُ الحِمْيَرِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَحِيُّ، المَدَنِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي تَيْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَهُم حُلفَاءُ عُثْمَانَ أَخِي طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، أَحَدِ العَشْرَةِ.

الترجمة

مالك الإمام
هُوَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، حُجَّةُ الأُمَّةِ، إِمَامُ دَارِ الهِجْرَةِ، أبي عَبْدِ اللهِ مَالِكُ بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ بنِ غَيْمَانَ بنِ خُثَيْلِ بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَهُوَ ذُو أَصْبَحَ بنُ عَوْفِ بنِ مَالِكِ بنِ زَيْدٍ بنِ شداد بن زُرْعَةَ، وَهُوَ حِمْيَرُ الأَصْغَرُ الحِمْيَرِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَحِيُّ، المَدَنِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي تَيْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَهُم حُلفَاءُ عُثْمَانَ أَخِي طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، أَحَدِ العَشْرَةِ.
وَأُمُّهُ هِيَ: عَالِيَةُ بِنْتُ شَرِيْكٍ الأزدية. وأعمامه هم: أبي سهل نَافِعٌ، وَأُوَيْسٌ، وَالرَّبِيْعُ، وَالنَّضْرُ أَوْلاَدُ أَبِي عَامِرٍ.
وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ وَالِدِه أَنَسٍ، وَعَمَّيْهِ أُوَيْسٍ، وَأَبِي سُهَيْلٍ. وَقَالَ: مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ، وَرَوَى أبي أُوَيْسٍ عَبْدُ اللهِ عَنْ عَمِّهِ الرَّبِيْعِ، وَكَانَ أبيهُم مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِيْنَ. أَخَذَ عَنْ عُثْمَانَ، وَطَائِفَةٍ.
مَوْلِدُ مَالِكٍ عَلَى الأَصَحِّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَامَ مَوْتِ أَنَسٍ خَادِمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَشَأَ فِي صَوْنٍ وَرَفَاهِيَةٍ وَتَجمُّلٍ.
وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حدثٌ بُعَيد مَوْتِ القَاسِمِ، وَسَالِمٍ. فَأَخَذَ عَنْ: نَافِعٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَخَلْقٍ سَنَذْكُرُهُم عَلَى المُعْجَمِ، وَإِلَى جَانِبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا رَوَى عَنْهُ فِي "المُوَطَّأِ"، كَمْ عَدَدُهُ.
وَهُمْ: إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ (18)، أَيُّوْبُ بنُ أَبِي تَمِيْمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ عَالِمُ البَصْرَةِ (4)، أَيُّوْبُ بنُ حَبِيْبٍ الجُهَنِيُّ مَوْلَى سَعْدِ بنِ مَالِكٍ (1)، إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ (1)، إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي حَكِيْمٍ (1)، إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ (1)، ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ الدِّيْلِيُّ (3)، جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ (7)، حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ (6)، حُمَيْدُ بنُ قَيْسٍ الأَعْرَجُ (2)، خُبَيْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2)، دَاوُدُ بنُ الحُصَيْنِ (4)، دَاوُدُ أَبُو لَيْلَى بنُ عَبْدِ اللهِ فِي القِسَامَةِ (1)، رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ (5)، زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ (26)، زَيْدُ بنُ رَبَاحٍ (1)، زِيَادُ بنُ سَعْدٍ (1)، زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ (1)، سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ (13)، سَعِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ (4)، سُمَيٌّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ (13)، سَلَمَةُ بنُ دِيْنَارٍ أَبُو حَازِمٍ (8)، سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ (11)، سَلَمَةُ بنُ صَفْوَانَ الزُّرَقِيُّ (1)، سَعْدُ بنُ إِسْحَاقَ (1)، سَعِيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيْلَ (1)، شَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ (1)، صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ (2)، صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ (2)، صَيْفِيٌّ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ (1)، ضَمْرَةُ بنُ سَعِيْدٍ (2)، طَلْحَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ (1)، عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ (2)، عَبْدُ اللهِ بنُ الفَضْلِ (1)، عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرِ بنِ عَتِيْكٍ (2)، عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ (18)، عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ (5)، عَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ (31)، أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بنُ ذَكْوَانَ (64)، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ (8)، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي صَعْصَعَةَ (3)، عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُوطُوَالَةَ (2)، عُبَيْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ الأَغَرُّ (1)، عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (1)، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْملَةَ (1)، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عَمْرَةَ (1)، عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ سُهَيْلٍ (1)، عَبْدُ رَبِّهِ بنُ سَعِيْدٍ (2)، عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ (1)، عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ (1)، عَمْرُو بنُ الحَارِثِ "1"، عَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو "1"، عَمْرُو بن يحيى ابن عَمَّارٍ "3"، عَلْقَمَةُ بنُ أَبِي عَلْقَمَةَ "2"، العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ "1"، فُضَيْلُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ "1"، قَطَنُ بنُ وَهْبٍ "1"، الزُّهْرِيُّ "18"، ابْنُ المُنْكَدِرِ "4"، أبي الزُّبَيْرِ "8"، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ "4"، مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَة "2"، مُحَمَّدُ بنُ عُمَارَةَ "1"، مُحَمَّدُ بنُ أَبِي أُمَامَةَ "1"، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي صَعْصَعَةَ "1"، مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ "1"، مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ "1"، مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ "4"، مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ "1"، أبي الرِّجَالِ مُحَمَّدٌ "1"، مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ "2"، مُوْسَى بنُ مَيْسَرَةَ "2"، مُوْسَى بنُ أَبِي تَمِيْمٍ "1"، مَخْرَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ "1"، مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ "2"، المِسْوَرُ بنُ رِفَاعَةَ "1"، نَافِعٌ "85"، أبي سُهَيْلٍ نَافِعُ بنُ مَالِكٍ "1"، نُعيم المُجْمِر "3"، وهب بن كيسان "1"، هاشم ابن هَاشِمٍ الوَقَّاصِيُّ "1"، هِلاَلُ بنُ أَبِي مَيْمُوْنَةَ "1"، هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ "42"، يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ "40"، يَزِيْدُ بنُ خُصَيْفَةَ "3"، يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ المَدَنِيُّ "1"، يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ "3"، يَزِيْدُ بنُ رُوْمَانَ "1"، يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسيط "1"، يُوْنُسُ بنُ يُوْسُفَ بنِ حِمَاس "2"، أبي بَكْرٍ بنُ عُمَرَ العُمَري "1"، أبي بَكْرٍ بنُ نَافِعٍ "2"، الثِّقَةُ عِنْدَهُ "2"، الثِّقَةُ "3".

فَعَنْهُم كُلُّهُم سِتُّ مائَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً، وَسِتَّةُ أَحَادِيْثَ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ، وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فِي أَحَدٍ وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ مَقَاطِيْعَ: عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ أَبِي المُخَارِقِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُقْبَةَ، وَعُمَرُ بنُ حُسَيْنٍ، وَكَثِيْرُ بنُ زَيْدٍ، وَكَثِيْرُ بنُ فَرْقَدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ وَعُثْمَانُ بنُ حَفْصِ بنِ خَلْدَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ زُرَارَةَ، وَيَعْقُوْبُ بنُ يَزِيْدَ بنِ طَلْحَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَحْلاَءَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ رُقَيْشٍ، وعبد الرحمن بن المجبر، والصلت بن زبيد، وَأبي عُبَيْدٍ حَاجِبُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، وَعَفِيْفُ بنُ عَمْرٍو، وَمُحَمَّدُ بنُ زَيْدِ بنِ قُنْفُذٍ، وَأبي جَعْفَرٍ القَارِئُ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَصَدَقَةُ بنُ يَسَارٍ المَكِّيُّ، وَزِيَادُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَعُمَارَةُ بنُ صَيَّادٍ، وَسَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ، وَعُرْوَةُ بنُ أُذَيْنَةَ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَرْملَةَ، وَأبي بَكْرٍ بنُ عُثْمَانَ، وَجَمِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُؤَذِّنُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدٍ، وَعَمْرُو بنُ عُبَيْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ حَفْصٍ، وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَثَابِتٌ الأَحْنَفُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُمَرُ بنُ أبي دُلاف، وعبد الملك ابن قُرَيْزٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَيَّادٍ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ.
وَفِي "المُوَطَّأِ": عِدَّةُ مَرَاسِيْلَ أَيْضاً عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى الأَنْصَارِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. عَمِلَ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَطرَافَ جَمِيْعِ ذَلِكَ فِي جُزْءٍ كَبِيْرٍ، فَشَفَى وَبَيَّنَ، وَقَدْ كُنْتُ أَفْرَدْتُ أَسْمَاءَ الرُّوَاةِ عَنْهُ فِي جُزْءٍ كَبِيْرٍ يُقَارِبُ عَدَدُهُم أَلْفاً وَأَرْبَعَ مائَةٍ، فَلْنَذْكُرْ أَعْيَانَهُم: حَدَّثَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: عَمُّهُ؛ أبي سُهَيْلٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ الهَادِ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُم.
وَمِنْ أَقْرَانِهِ: مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَأبي حَنِيْفَةَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَالأَوْزَاعِيُّ, وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَجُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، وَاللَّيْثُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَخَلْقٌ وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَابْنُ عُلية، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَأبي إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الفَقِيْهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَمَعْنُ بنُ عِيْسَى القَزَّازُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، وَأبي قُرَّةَ مُوْسَى بنُ طَارِقٍ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَوَكِيْعٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، وَأَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، وَضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَأُمَيَّةُ بن خالد، وبشر بن السري الأَفْوَهُ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَبَكْرُ بنُ الشَّرُوْدِ الصَّنْعَانِيُّ، وَأبي أُسَامَةَ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَأَشْهَبُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأبي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَزِيَادُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَبَطُوْنُ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأبي كَامِلٍ مُظَفَّرُ بنُ مُدْرِكٍ، وَأبي عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأبي عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَأبي مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ المَرْوَزِيُّ عَبْدَانُ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، وَأبي نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكين، وَمُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَخَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ القَطَوَانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ، وَأبي بَكْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ ابْنَا أَبِي أُوَيْسٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَأبي جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، وَأبي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنُ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَاتِمٍ الطَّوِيْلُ، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ الشَّهِيْدُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ البَلْخِيُّ المَاكِيَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سُلَيْمَانَ الزَّيَّاتُ البَلْخِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُوْسَى الفَزَارِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ أَخُو مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ، وإسحاق بن إبراهيم الحُنَيْنِي، وبشر ابن الوليد الكندي، وحبيب بن أبي كَاتِبُ مَالِكٍ، وَالحَكَمُ بنُ المُبَارَكِ الخَاشْتِيُّ، وَخَالِدُ بنُ خِدَاشٍ المُهَلَّبِيُّ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ، وزهير ابن عَبَّادٍ الرُّؤَاسِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَير المِصْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَأبي الرَّبِيْعِ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، وَصَالِحُ بنُ عَبْدِ اللهِ التِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعِ بنِ ثَابِتٍ الزُّبَيْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الجُمَحِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ الحَرَّانِيُّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ النَّرسي، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَحْيَى المَدَنِيُّ، وَأبي نُعَيْمٍ، وَعُبَيْدُ بنُ هِشَامٍ الحَلَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ المَعْني، وَعُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليَحْمَدِيُّ المَرْوَزِيُّ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ الوَاسِطِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَأبيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، وَأبي الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ البَغَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَركاني، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزاحم، ومُطرِّف بنُ عَبْدِ اللهِ اليَسَارِيُّ، وَمُحْرِزُ بنُ سَلَمَةَ العَدَنِيُّ، وَمُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَيَحْيَى بنُ قَزَعة المَدَنِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ بنِ نَضْلَةَ المَدَنِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ صَالِحٍ النَّيْسَأبيرِيُّ الفَرَّاءُ.
وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً: رَاوِي "المُوَطَّأِ"؛ أبي حُذافة أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السَّهْمِيُّ، عَاشَ بَعْدَ مَالِكٍ ثَمَانِيْنَ عَاماً.

وَقَدْ حَجَّ قَدِيْماً، وَلَحِقَ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، فَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: رَأَيْتُ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ دَخَلَ المَسْجِدَ، وَأَخَذَ بِرُمَّانَةِ المنبر، ثم استقبل القبلة.
قَالَ مَعْنٌ وَالوَاقِدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ: حَمَلَتْ أُمُّ مَالِكٍ بِمَالِكٍ ثَلاَثَ سنِيْنَ. وَعَنِ الوَاقِدِيِّ، قَالَ: حَمَلتْ بِهِ سَنَتَيْنِ.
وَطَلبَ مَالِكٌ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَتَأَهَّل لِلْفُتْيَا، وَجَلَسَ لِلإِفَادَةِ، وَلَهُ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ وَهُوَ حَيٌّ شَابٌّ طَرِيٌّ، وَقَصَدَهُ طَلبَةُ العِلْمِ مِنَ الآفَاقِ فِي آخِرِ دَوْلَةِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ فِي خِلاَفَةِ الرَّشِيْدِ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ.
أَخْبَرَنَا أبي الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ المُعَدَّل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ الخَطِيْبُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أبي الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا محمد ابن مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أبي يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أبي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَيَضْرِبَنَّ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبِلِ فِي طَلَبِ العِلْمِ، فَلاَ يَجِدُوْنَ عَالِماً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ".
وَبِهِ: إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بنُ الفَرَجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَضْرِبُوْنَ أَكْبَادَ الإِبِل ... "، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ. هَذَا حَدِيْثٌ نَظِيفُ الإِسْنَادِ، غَرِيْبُ المَتْنِ. رَوَاهُ: عِدَّةٌ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
وَفِي لَفْظٍ: "يُوْشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ آبَاطَ الإِبِلِ يَلْتَمِسُوْنَ العِلْمَ".
وَفِي لَفْظٍ: "مِنْ عَالِمٍ بِالمَدِيْنَةِ". وَفِي لفظ: "أفقه من عالم المدينة".
وَقَدْ رَوَاهُ المُحَارِبِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مَوْقُوَفاً، وَيُرْوَى عَنْ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، مَرْفُوْعاً.
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَضْرِبُوْنَ أَكْبَادَ الإِبِلِ، فَلاَ يَجِدُوْنَ عَالِماً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ". قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، الصَّوَابُ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ.
مَعْنُ بنُ عِيْسَى، عَنْ أَبِي المُنْذِرِ زُهَيْرٍ التَّمِيْمِيِّ، قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ فِي طَلَبِ العِلْمِ، فَلاَ يَجِدُوْنَ عَالِماً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ".
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَقُوْلُ: هُوَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، حَتَّى قُلْتُ: كَانَ فِي زَمَانِهِ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَغَيْرُهُمَا. ثُمَّ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ أَقُوْلُ: إِنَّهُ مَالِكٌ، لَمْ يَبْقَ لَهُ نظير بالمدينة.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا هُوَ الصَّحِيْحُ عَنْ سُفْيَانَ. رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَذُؤَيْبُ بنُ عِمَامة، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، كُلُّهُم سَمِعَ سُفْيَانَ يُفسِّرهُ بِمَالِكٍ، أَوْ يَقُوْلُ: وَأَظُنُّهُ، أَوْ أَحْسِبُهُ، أَوْ أُرَاهُ، أَوْ كَانُوا يَرَوْنَهُ.
وَذَكَرَ أبي المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ: مَا دَامَ المُسْلِمُوْنَ يَطلبُوْنَ العِلْمَ لاَ يَجِدُوْنَ أَعْلَمَ مِنْ عَالِمٍ بِالمَدِيْنَةِ. فَيَكُوْنُ عَلَى هَذَا سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، ثُمَّ بَعْدَهُ مَنْ هُوَ مِنْ شُيُوْخِ مَالِكٍ، ثُمَّ مَالِكٍ، ثُمَّ مَنْ قَامَ بَعْدَهُ بِعِلْمِهِ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَصْحَابِهِ.
قُلْتُ: كَانَ عَالِمَ المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبَيْهِ، زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةُ، ثُمَّ ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، ثُمَّ الزُّهْرِيُّ، ثُمَّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، ثُمَّ مَالِكٌ.
وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: مَالِكٌ عَالِمُ أَهْلِ الحِجَازِ، وَهُوَ حُجَّةُ زَمَانِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -وَصَدَقَ وَبَرَّ: إِذَا ذُكر العُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ فِي حَدِيْثِ: "لَيَضرِبَنَّ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبِل ... ". كَانَ سُفْيَانُ بن عيينة إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا فِي حَيَاةِ مَالِكٍ، يَقُوْلُ: أُرَاهُ مَالِكاً. فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ زَمَاناً ثُمَّ رَجَعَ بَعْدُ، فَقَالَ: أُرَاهُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ العُمَرِيَّ الزَّاهِدَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: لَيْسَ العُمَرِيُّ مِمَّنْ يَلْحَقُ فِي العِلْمِ وَالفِقْهِ بِمَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ شَرِيْفاً سيدًا، عابدًا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ: نَرَى هَذَا الحَدِيْثَ أَنَّهُ هُوَ مَالِكٌ، وَكَانَ سُفْيَانُ يَسْأَلُنِي عَنْ أَخْبَارِ مَالِكٍ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ لِهَذَا العُمَرِيِّ عِلْمٌ وَفقهٌ جَيِّدٌ وَفَضْلٌ، وَكَانَ قَوَّالاً بِالحَقِّ، أَمَّاراً بِالعُرْفِ، مُنْعَزِلاً عَنِ النَّاسِ، وَكَانَ يَحُضُّ مَالِكاً إِذَا خَلاَ بِهِ عَلَى الزُّهْدِ، وَالاَنقطَاعِ وَالعُزلَةِ، فَرَحِمَهُمَا اللهُ.
فَصْلٌ: وَلَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ عَالِمٌ مِنْ بَعْدِ التَّابِعينَ يُشْبِهُ مَالِكاً فِي العِلْمِ، وَالفِقْهِ، وَالجَلاَلَةِ، وَالحفظِ، فَقَدْ كَانَ بِهَا بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِثْلُ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَالفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَالقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ، وَطَبَقَتِهِم، ثُمَّ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَرَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَطَبَقَتِهِم، فَلَمَّا تَفَانَوْا, اشْتُهِرَ ذِكْرُ مَالِكٍ بِهَا، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وفُليح بنِ سُلَيْمَانَ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَأَقرَانِهِم، فَكَانَ مَالِكٌ هُوَ المُقَدَّمَ فِيْهِم عَلَى الإِطلاَقِ، وَالَّذِي تُضرَبُ إِلَيْهِ آبَاطُ الإِبِلِ مِنَ الآفَاقِ -رَحِمَهُ اللهُ- تَعَالَى.
وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْه "مُوَطَّأُ" أَبِي مصعب. وفي الطريق إجازة، ووقع لي من عَالِي حَدِيْثِهِ بِالاتِّصَالِ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً مِنَ المائَةِ الشُّريحية، وجزء بِيْبَى، وجزء البَانْيَاسِيِّ، وَالأجزَاءُ المحَامِلِيَّاتُ، فَمِنْ ذَلِكَ: أَخْبَرَنَا أبي المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وثلاثين وخمسمائة، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي يُوْنُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى البَابِ وَأَنَا أَسْمَعُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنِّيْ أُصبِحُ جنبًا، وأنا أريد الصِّيَامَ، أَفَأَغتَسِلُ وَأَصُوْمُ ذَلِكَ اليَوْمَ? فَقَالَ: "وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُباً وَأَنَا أُرِيْدُ الصِّيَامَ، فَأَغْتَسِلُ وَأَصُوْمُ ذَلِكَ اليَوْمَ". فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا، قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَغَضبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "وَاللهِ إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ أَكُوْنَ أَخْشَاكُم للهِ وَأَعْلَمَكُم بِمَا أَتَّقِي" 4.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. أَخْرَجَهُ: أبي دَاوُدَ، عَنِ القَعْنَبِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "مُسْنَدِ مَالِكٍ" لَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ الفَقِيْهِ، عَنْ مَالِكٍ.
وَرَوَى النَّسَائِيُّ هَذَا المَتْنَ بِنَحْوِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ النَّيْسَأبيرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، عَنْ حَجَّاجِ بنِ حَجَّاجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. فهذا إسناد غَرِيْبٌ، عَزِيْزٌ، قَدْ تَوَالَى فِيْهِ خمسةٌ تَابِعِيُّوْنَ، بَعْضُهُم عَنْ بَعْضٍ، وَمِنْ حَيْثُ العددُ كَأَنَّنِي صَافَحْتُ فِيْهِ النَّسَائِيَّ.
وَرَوَاهُ أَيْضاً: ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّ فِيْهِ نَافِعاً، بَلْ قَالَ: عَنْ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْهَا. وَحَدِيْثُ عَائِشَةَ هُوَ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ، مِنْ طَرِيْقِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ أبي طُوَالَةَ. وَلَمْ يُخَرِّجْ البُخَارِيُّ لأَبِي يُوْنُسَ شَيْئاً فِيْمَا عَلِمتُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أبي عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ -وَذَكَرَ سَادَةً مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، كَابْنِ المُسَيِّبِ وَمَنْ بَعْدَهُ- قَالَ: فَمَا ضُرِبَتْ أَكبَادُ الإِبلِ مِنَ النَّوَاحِي إِلَى أَحَدٍ مِنْهُم دُوْنَ غَيْرِهِ، حَتَّى انْقَرَضُوا، وَخلاَ عصرُهُم، ثُمَّ حَدَّث مِثْلُ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَبِيْعَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَكُلُّهُم يُفْتِي بِالمَدِيْنَةِ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ وَاحِدٌ مِنْهُم بِأَنْ ضُرِبَتْ إِلَيْهِ أَكبَادَ الإِبِلِ، حَتَّى خَلاَ هَذَا العَصْرُ، فَلَمْ يَقعْ بِهِمُ التَّأْوِيْلُ فِي عَالِمِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ. ثُمَّ حدَّثَ بَعْدَهُم مَالِكٌ، فَكَانَ مُفتِيْهَا فَضُرِبَتْ إِلَيْهِ أَكبَادُ الإِبِلِ مِنَ الآفَاقِ، وَاعْتَرَفُوا لَهُ، وَرَوَتِ الأَئِمَّةُ عَنْهُ مِمَّنْ كَانَ أَقدمَ مِنْهُ سِنّاً، كَاللَّيْثِ عَالِمِ أَهْلِ مِصْرَ، وَالمَغْرِبِ، وَكَالأَوْزَاعِيِّ عَالِمِ أَهْلِ الشَّامِ وَمُفتِيْهِم، وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ المُقَدَّمِ بِالكُوْفَةِ، وَشُعْبَةَ عَالِمِ أَهْلِ البَصْرَةِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَحَمَلَ عَنْهُ قَبْلَهُم يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ حِيْنَ وَلاَّهُ أبي جَعْفَرٍ قَضَاءَ القُضَاةِ، فَسَأَلَ مَالِكاً أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مائَةَ حَدِيْثٍ حِيْنَ خَرَجَ إِلَى العِرَاقِ، وَمِنْ قَبْلُ كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ حَمَلَ عَنْهُ.
أبي مُصْعَبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَقَدْ نَزَلَ عَلَى مِثَالٍ لَهُ -يَعْنِي: فَرْشِهِ- وَإِذَا عَلَى بِسَاطِه دَابَّتَانِ، ما تروثان وتبولان، وَجَاءَ صبِيٌّ يَخْرُجُ ثُمَّ يَرْجِعُ، فَقَالَ لِي: أَتَدْرِي مَنْ هَذَا? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هَذَا ابْنِي، وَإِنَّمَا يَفزَعُ مِنْ هَيْبَتِكَ. ثُمَّ سَاءلَنِي عَنِ أَشْيَاءَ، مِنْهَا حَلاَلٌ وَمِنْهَا حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَنْتَ -وَاللهِ- أَعقَلُ النَّاسِ وَأَعْلَمُ النَّاسِ. قُلْتُ: لاَ وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ تَكتُمُ. ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَئِنْ بَقِيْتُ، لأَكْتُبَنَّ قَوْلَكَ كَمَا تُكتَبُ المَصَاحِفُ، ولأبعثن به إلى الآفاق، فلأحملهنم عَلَيْهِ.
الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ خَلَفِ بنِ عمر: سمع مَالِكاً يَقُوْلُ: مَا أَجَبتُ فِي الفَتْوَى حَتَّى سَأَلْتُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي: هَلْ تَرَانِي مَوْضِعاً لِذَلِكَ? سَأَلْتُ رَبِيْعَةَ، وَسَأَلْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، فَأَمَرَانِي بِذَلِكَ. فَقُلْتُ: فَلَو نَهَوْكَ? قَالَ: كُنْتُ أَنْتَهِي، لاَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَبذُلَ نَفْسَه حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ.
قَالَ خَلَفٌ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تَرَى? فَإِذَا رُؤْيَا بَعَثَهَا بَعْضُ إِخْوَانِه، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فِي مَسْجِدٍ قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم: إِنِّيْ قَدْ خَبَأْتُ تَحْتَ مِنْبَرِي طِيْباً أَوْ عِلْماً، وَأَمَرتُ مَالِكاً أَنْ يُفرِّقَهُ عَلَى النَّاسِ، فَانْصَرَفَ النَّاس وَهُم يَقُوْلُوْنَ: إِذاً يُنَفِّذُ مَالِكٌ مَا أَمرَهُ بِهِ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ بَكَى، فَقُمْتُ عَنْهُ.
أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: قَالَ مَالِكٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً، مَا حَدَّثْتُ بِهَا قَطُّ، وَلاَ أحدث بها.
ونصر بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِي: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عُرْوَةَ، قال: قَالَ قَدِمَ المَهْدِيُّ، فَبَعَثَ إِلَى مَالِكٍ بِأَلْفَيْ دِيْنَارٍ -أَوْ قَالَ: بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ- ثُمَّ أَتَاهُ الرَّبِيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المؤمنين يحب أن تعادله إلى مدينة السَّلاَمِ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المَدِيْنَةُ خَيْرٌ لَهُم لَو كَانُوا يَعْلَمُوْنَ". والمال عندي على حاله.
ومحمد بنُ غَيْلاَنَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ دَاوُدَ المِخْراقي، سمعت مالكًا يقول: أخذ ربيعة
الرَّأْيُ بِيَدِي، فَقَالَ: وَرَبِّ هَذَا المَقَامِ، مَا رَأَيْتُ عِرَاقِيّاً تَامَّ العَقْلِ، وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: كَانَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ ضَعِيْفَ العَقْلِ.
يَاسِيْنُ بنُ عَبْدِ الأَحَدِ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ المُحَبِّرِ الرُّعيني، قَالَ: قَدِمَ المَهْدِيُّ المَدِيْنَةَ، فَبَعَثَ إِلَى مَالِكٍ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ لِهَارُوْنَ وَمُوْسَى: اسْمَعَا مِنْهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُجِبْهُمَا، فَأَعْلَمَا المَهْدِيَّ، فَكلَّمَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! العِلْمُ يُؤْتَى أَهْلُهُ. فَقَالَ: صَدَقَ مَالِكٌ، صِيْرَا إِلَيْهِ. فَلَمَّا صَارَا إِلَيْهِ، قَالَ لَهُ مُؤَدِّبُهُمَا: اقْرَأْ عَلَيْنَا. فقال: إن أهل المدينة يقرءون عَلَى العَالِمِ، كَمَا يَقْرَأُ الصِّبْيَانُ عَلَى المُعَلِّمِ، فإذا أخطئوا، أَفْتَاهُم. فَرَجَعُوا إِلَى المَهْدِيِّ، فَبَعَثَ إِلَى مَالِكٍ، فَكلَّمَه، فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُوْلُ: جَمَعْنَا هَذَا العِلْمَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ رِجَالٍ، وَهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأبي سَلَمَةَ، وَعُرْوَةُ، وَالقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَخَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَنَافِعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ، وَمِنْ بَعْدِهِم: أبي الزِّنَادِ، وَرَبِيْعَةُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَابْنُ شِهَابٍ، كُلُّ هَؤُلاَءِ يُقْرَأُ عليهم، ولا يقرءون. فقال: في هؤلاء قدوة، صيروا إليه، فاقرءوا عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا.
قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ هَارُوْنُ يُرِيْدُ الحجَّ، وَمَعَهُ يَعْقُوْبُ أبي يُوْسُفَ، فَأَتَى مَالِكٌ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَرَّبَهُ، وَأَكرَمَه، فَلَمَّا جَلَسَ، أَقْبَلَ إِلَيْهِ أبي يُوْسُفَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ عَادَ، فَسَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ عَادَ, فَسَأَلَهُ، فَقَالَ هَارُوْنُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَذَا قَاضِينَا يَعْقُوْبُ يَسْأَلُكَ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، فَقَالَ: يَا هَذَا! إِذَا رَأَيتَنِي جَلَسْتُ لأَهْلِ البَاطِلِ فَتَعَالَ، أُجِبْكَ مَعَهُم.
السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: كُنَّا إِذَا دَخَلنَا عَلَى مَالِكٍ، خَرَجَ إِلَيْنَا مُزَيَّنًا، مُكَحَّلاً، مُطَيَّباً، قَدْ لَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَتَصَدَّرَ الحَلْقَةَ، وَدَعَا بِالمَرَاوِحِ، فَأَعْطَى لِكُلٍّ مِنَّا مَرْوَحَةً.
مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَأْتِي المَسْجِدَ، فَيَشهَدُ الصَّلَوَاتِ، وَالجُمُعَةَ، وَالجَنَائِزَ، وَيَعُوْدُ المَرْضَى، وَيَجْلِسُ فِي المَسْجِدِ، فَيَجتَمِعُ إِلَيْهِ أَصْحَابُه، ثُمَّ تَرَكَ الجُلُوْسَ، فَكَانَ يُصَلِّي وَيَنصَرِفُ، وَتَرَكَ شُهُوْدَ الجَنَائِزِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَالجُمُعَةَ، وَاحْتَمَلَ النَّاسُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَكَانُوا أَرغَبَ مَا كَانُوا فِيْهِ، وَرُبَّمَا كُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَيَقُوْلُ: لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يقدر أن يتكلم بعذره.
وَكَانَ يَجْلِسُ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى ضجاعٍ لَهُ، وَنَمَارِقَ مَطْرُوْحَةٍ فِي مَنْزِلِهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً لِمَنْ يأتيه من قريش والأنصار والناس.
وَكَانَ مَجْلِسُهُ مَجْلِسَ وَقَارٍ وَحِلمٍ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلاً مَهِيْباً، نَبِيْلاً، لَيْسَ فِي مَجْلِسِهِ شَيْءٌ مِنَ المِرَاءِ وَاللَّغَطِ، وَلاَ رَفْعُ صَوْتٍ، وَكَانَ الغُربَاءُ يَسْأَلُوْنَهُ عَنِ الحَدِيْثِ، فَلاَ يُجِيْبُ إِلاَّ فِي الحَدِيْثِ بَعْدَ الحَدِيْثِ، وَرُبَّمَا أَذِنَ لِبَعْضِهِم يَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ كَاتِبٌ قَدْ نَسَخَ كُتُبَهُ، يُقَالُ لَهُ: حَبِيْبٌ، يَقْرَأُ لِلْجَمَاعَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ أَحَدٌ فِي كِتَابِهِ وَلاَ يَسْتَفِهِمُ هَيْبَةً لِمَالِكٍ، وَإِجْلاَلاً لَهُ، وَكَانَ حَبِيْبٌ إِذَا قَرَأَ فَأَخطَأَ فَتَحَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَكَانَ ذَلِكَ قَلِيْلاً.
ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: مَا أَكْثَرَ أَحَدٌ قَطُّ، فَأَفلَحَ.
حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ لِي مَالِكٌ: العِلْمُ يَنْقُصُ وَلاَ يَزِيْدُ، وَلَمْ يَزَلِ العِلْمُ يَنْقُصُ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ وَالكُتُبِ.
أَحْمَدُ بنُ مَسْعُوْدٍ المَقْدِسِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُنَيْنِيُّ، قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا دَخَلْتُ عَلَى مَلِكٍ مِنْ هَؤُلاَءِ المُلُوْكِ، حَتَّى أَصِلَ إِلَيْهِ، إِلاَّ نَزَعَ اللهُ هَيْبَتَه مِنْ صَدْرِي.
حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: أَعْلَمُ أَنَّهُ فَسَادٌ عَظِيْمٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ الإِنسَانُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ.
هَارُوْنُ بنُ مُوْسَى الفَرْوِيُّ: سَمِعْتُ مُصْعَباً الزُّبَيْرِيَّ يَقُوْلُ: سَأَلَ هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ مَالِكاً -وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ، وَمَعَهُ بَنُوْهُ- أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِم. قَالَ: مَا قَرَأتُ عَلَى أَحَدٍ مُنْذُ زَمَانٍ، وَإِنَّمَا يُقْرَأُ عليَّ. فَقَالَ: أَخرِجِ النَّاسَ حَتَّى أَقَرَأَ أَنَا عَلَيْكَ. فَقَالَ: إِذَا مُنع العَامُّ لِبَعْضِ الخَاصِّ، لَمْ يَنْتَفِعِ الخَاصُّ. وَأَمَرَ مَعْنَ بنَ عِيْسَى، فَقَرَأَ عَلَيْهِ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي مَالِكاً عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ لِي: قِرّ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى السَّرِيْرِ، ثُمَّ قَالَ: لاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. وَكَانَ لاَ يُفْتِي حَتَّى يَقُوْلَهَا.
ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: مَا تَعلَّمْتُ العِلْمَ إِلاَّ لِنَفْسِي، وَمَا تَعلَّمتُ لِيَحْتَاجَ النَّاسُ إليَّ، وَكَذَلِكَ كَانَ النَّاسُ.
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَشْهَدْ مَالِكٌ الجَمَاعَةَ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فَقِيْلَ لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ? قَالَ: مَخَافَةَ أَنْ أَرَى مُنْكَراً، فَأَحْتَاجُ أَنْ أُغَيِّرَهُ.
إِبْرَاهِيْمُ الحِزَامِيُّ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: قَالَ لِي مَالِكٌ: مَا يَقُوْلُ النَّاسُ فِيَّ? قُلْتُ: أَمَّا الصَّدِيْقُ فَيُثْنِي، وَأَمَّا العَدُوُّ فَيَقعُ. فَقَالَ: مَا زَالَ النَّاسُ كَذَلِكَ، وَلَكِن نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ تَتَابُعِ الأَلسِنَةِ كُلِّهَا.

أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: سَأَلَ سَنْدَلٌ مَالِكاً عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: أَنْتَ مِنَ النَّاسِ، أَحْيَاناً تُخطِئُ، وَأَحْيَاناً لاَ تُصِيْبُ قَالَ: صَدَقتَ، هَكَذَا النَّاسُ. فَقِيْلَ لِمَالِكٍ: لَمْ تَدرِ مَا قَالَ لَكَ? فَفَطِنَ لَهَا، وَقَالَ: عَهِدتُ العُلَمَاءَ، وَلاَ يَتَكَلَّمُوْنَ بِمِثْلِ هَذَا، وَإِنَّمَا أُجِيْبُه عَلَى جَوَابِ النَّاسِ.
حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَيْسَ هَذَا الجَدَلُ مِنَ الدِّيْنِ بِشَيْءٍ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى المَنْصُوْرِ، وَكَانَ يدخل عليه الهاشميون، فيقبلون يده ورجله، وعصمني اللهُ مِنْ ذَلِكَ.
الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ القَاسِمِ، قَالَ: قِيْلَ لِمَالِكٍ: لِمَ لَمْ تَأْخُذْ عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ? قَالَ: أَتَيْتُهُ، فَوَجَدتُهُ يَأْخذُوْنَ عَنْهُ قِيَاماً، فَأَجْلَلْتُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ آخُذَهُ قَائِماً.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: لاَ يُؤْخَذُ العِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ: سَفِيْهٍ يُعلِنُ السَّفَهَ، وَإِنْ كَانَ أَرْوَى النَّاسِ، وَصَاحِبِ بِدْعَةٍ يَدعُو إِلَى هَوَاهُ، وَمَنْ يَكْذِبُ فِي حَدِيْثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ أتهمه في الحَدِيْثِ، وَصَالِحٍ عَابِدٍ فَاضِلٍ، إِذَا كَانَ لاَ يَحْفَظُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ.
أَصْبَغُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ -وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاَةِ خَلْفَ أَهْلِ البِدَعِ القَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِم- فَقَالَ: لاَ أَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَهُم. قِيْلَ: فَالجُمُعَةَ? قَالَ: إِنَّ الجُمُعَةَ فَرِيْضَةٌ، وَقَدْ يُذْكَرُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ وَلَيْسَ هُوَ عَلَيْهِ. فَقِيْلَ لَهُ: أَرَأَيتَ إِنِ اسْتَيْقَنْتُ، أَوْ بَلَّغَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، أَلَيْسَ لاَ أُصَلِّي الجُمُعَةَ خَلْفَهُ? قَالَ: إِنِ اسْتَيْقَنْتَ. كَأَنَّهُ يَقُوْلُ: إِنْ لَمْ يَسْتَيقِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنَ الصَّلاَةِ خَلْفَهُ.
أبي يُوْسُفَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ الشَّيْبَانِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا أَهْلَ المَشْرِقِ، فَأَنْزِلُوْهُم بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الكِتَابِ إِذَا حَدَّثُوكُم، فَلاَ تُصَدِّقُوهُم، وَلاَ تُكَذِّبُوهُم ثُمَّ الْتَفَتَ، فَرَآنِي، فَكَأَنَّهُ اسْتَحْيَى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! أَكرَهُ أَنْ تَكُوْنَ غِيبَةً، هَكَذَا أَدْرَكْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ.
قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مِنَ الإِمَامِ قَالَهُ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِنَاءٌ بِأَحْوَالِ بَعْضِ القَوْمِ، وَلاَ خبر تَرَاجِمَهِم، وَهَذَا هُوَ الوَرَعُ، أَلاَ تَرَاهُ لَمَّا خَبَرَ حَالَ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ العِرَاقِيِّ كَيْفَ احْتَجَّ به، وكذلك حميد الطويل، وغيره وَاحِدٍ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُم. وَأَهْلُ العِرَاقِ كَغَيْرِهِم، فِيْهِمُ الثِّقَةُ الحُجَّةُ، وَالصَّدُوقُ، وَالفَقِيْهُ، وَالمُقْرِئُ، وَالعَابِدُ، وَفِيْهِمُ الضَّعِيْفُ، وَالمَتْرُوكُ، وَالمُتَّهَمُ. وَفِي "الصَّحِيْحَيْنِ" شَيْءٌ كَثِيْرٌ جِدّاً مِنْ رِوَايَةِ العِرَاقِيِّينَ -رَحِمَهُمُ اللهُ.
وَفِيْهِم مِنَ التَّابِعِيْنَ كَمِثْلِ: عَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوْقٍ، وَعَبِيْدَةَ، والحسن، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ، ثُمَّ الحَكَمِ، وَقَتَادَةَ، وَمَنْصُوْرٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنِ عَوْنٍ، ثُمَّ مِسْعَرٍ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَخَلاَئِقَ أَضْعَافِهِم -رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ. وَهَذِهِ الحِكَايَةُ رَوَاهَا: الحَاكِمُ، عَنِ النَّجَّادِ، عَنْ هِلاَلِ بنِ العَلاَءِ، عَنِ الصَّيْدَلاَنِيِّ.
صِفَةُ الإِمَامِ مَالِكٍ:
عَنْ عِيْسَى بنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ بَيَاضاً، وَلاَ حُمْرَةً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِ مَالِكٍ، وَلاَ أَشَدَّ بَيَاضِ ثَوْبٍ مِنْ مَالِكٍ.
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ طُوَالاً، جَسِيْماً، عَظِيْمَ الهَامَةِ، أَشقَرَ، أَبْيَضَ الرَّأسِ وَاللِّحْيَةِ، عَظِيْمَ اللِّحْيَةِ، أَصلَعَ، وَكَانَ لاَ يُحْفِي شَارِبَه، وَيَرَاهُ مُثْلَةً.
وَقِيْلَ: كَانَ أَزْرَقَ العِيْنَ، رَوَى بَعْضُ ذَلِكَ: ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ الحِزَامِيُّ: كَانَ مَالِكٌ نَقِيَّ الثَّوْبِ، رَقِيْقَهُ، يُكثِرُ اخْتِلاَفَ اللَّبُوسِ.
وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: كَانَ مَالِكٌ يَلْبَسُ البَيَاضَ، وَرَأَيْتُهُ وَالأَوْزَاعِيَّ يَلْبَسَانِ السِّيجَانَ.
قَالَ أَشْهَبُ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا اعْتَمَّ، جَعَلَ مِنْهَا تَحْتَ ذَقْنِهِ، وَيُسْدِلُ طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
وَقَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: رَأَيْتُ عَلَى مَالِكٍ طَيْلَسَاناً وَثِيَاباً مَرْويَّةً جِيَاداً.
وَقَالَ أَشْهَبُ: كَانَ إِذَا اكْتَحَلَ لِلضَّرُوْرَةِ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ: كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ العَدَنِيَّةَ وَيَتَطَيَّبُ.
وَقَالَ أبي عَاصِمٍ: مَا رَأَيْتُ مُحَدِّثاً أَحْسَنَ وَجْهاً من مالك.
وَقِيْلَ: كَانَ شَدِيْدَ البَيَاضِ إِلَى صُفْرَةٍ، أَعْيَنَ، أَشَمَّ، كَانَ يُوَفِّرُ سَبَلَتَهُ، وَيَحْتَجُّ بِفَتْلِ عُمَرَ شَارِبَهُ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: رَأَيْتُ مَالِكاً خَضَبَ بِحِنَّاءٍ مَرَّةً.
وَقَالَ أبي مُصْعَبٍ: كَانَ مَالِكٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً، وَأَجْلاَهُم عَيْناً، وَأَنْقَاهُم بَيَاضاً، وَأَتَمِّهُم طُوْلاً، فِي جَوْدَةِ بَدَنٍ.
وَعَنِ الوَاقِدِيِّ: كَانَ رَبْعَةً، لَمْ يَخْضِبْ، وَلاَ دَخَلَ الحَمَّامَ.
وَعَنْ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ، قَالَ: دَخَلْتُ على مالك، فرأيت عليه طيلسانًا يساوي خمسمائة، وَقَدْ وَقَعَ جَنَاحَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالمُلُوْكِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا اعْتَمَّ، جَعَلَ مِنْهَا تَحْتَ حَنَكِه، وَأَرْسَلَ طَرَفهَا خَلْفَهُ، وَكَانَ يَتَطَيَّبُ بِالمِسْكِ وَغَيْرِه.
وَقَدْ سَاقَ القَاضِي عِيَاضٌ مِنْ وُجُوْهٍ: حُسْنَ بَزَّةِ الإِمَامِ وَوُفُورَ تجمله.
فِي نَسَبِ مَالِكٍ اخْتِلاَفٌ مَعَ اتِّفَاقِهِم عَلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ أَصْبَحِيٌّ، فَقِيْلَ فِي جَدِّهِ الأَعْلَى: عَوْفُ بنُ مَالِكِ بنِ زَيْدِ بنِ عَامِرِ بن ربيعة بن بنت مَالِكِ بنِ زَيْدِ بنِ كَهْلاَنَ بنِ سَبَأَ بنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قَحْطَانَ، وَإِلَى قَحْطَانَ جِمَاعُ اليَمَنِ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الأَصْبَحِيِّينَ مِنْ حِمْيَرٍ، وَحِمْيَرٌ فَمِنْ قَحْطَانَ.
نَعَمْ، وَغَيْمَانُ فِي نَسَبِهِ المَشْهُوْرِ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، ثُمَّ بِآخِرِ الحُرُوْفِ عَلَى المَشْهُوْرِ وَقِيْلَ: عُثْمَانُ عَلَى الجَادَّةِ، وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ. وَخُثَيْلٌ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، ثُمَّ بِمُثَلَّثَةٍ. قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: جُثَيْل: بِجِيْمٍ، ثُمَّ بِمُثَلَّثَةٍ، وَقِيْلَ: حَنْبَلٌ، وَقِيْلَ: حِسْل وَكِلاَهُمَا تَصْحِيْفٌ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي نَسَبِ ذِي أصبح، احتلافًا كَثِيْراً.
مَوْلِدُهُ: تَقدَّمَ أَنَّهُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. قَالَهُ يَحْيَى بنُ بُكَير، وَغَيْرُه. وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. قَالَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَعُمَارَةُ بنُ وَثِيمة، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيْلَ: سنة سبع، وهو شاذ.
قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: ذُو أَصْبَحَ مِنْ حِمْيَرٍ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ مَالِكاً وَآلَهُ مَوَالِي بَنِي تَيْمٍ، فَأَخْطَأَ، وَكَانَ ذَلِكَ أَقْوَى سَبَبٍ فِي تَكْذِيبِ الإِمَامِ مَالِكٍ لَهُ، وَطَعْنِهِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ إِمَاماً فِي نَقْدِ الرِّجَالِ، حَافِظاً، مُجَوِّداً، مُتْقِناً.
قَالَ بِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ رَجُلٍ، فَقَالَ: هل رأيته فِي كُتُبِي? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: لَوْ كَانَ ثِقَةً، لَرَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي.
فَهَذَا القَوْلُ يُعْطِيْكَ بِأَنَّهُ لاَ يَرْوِي إِلاَّ عَمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ كُلِّ الثِّقَاتِ، ثُمَّ لاَ يَلْزَمُ مِمَّا قَالَ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ -وَهُوَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ- أَنْ يَكُوْنَ ثِقَةً عِنْد بَاقِي الحُفَّاظِ، فَقَدْ يَخفَى عَلَيْهِ مِنْ حَالِ شَيْخِه مَا يَظْهَرُ لِغَيْرِه، إِلاَّ أَنَّهُ بِكُلِّ حَالٍ كَثِيْرُ التَّحَرِّي فِي نَقْدِ الرِّجَالِ -رَحِمَهُ اللهُ.
ابْنُ البَرْقِيِّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ كِنَانَةَ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: رُبَّمَا جَلَسَ إِلَيْنَا الشَّيْخُ، فَيُحُدِّثُ جُلَّ نَهَارِه، مَا نَأخُذُ عَنْهُ حَدِيْثاً وَاحِداً، وَمَا بِنَا أَنْ نَتَّهِمَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ.
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: حَدَّثَنَا عَتِيْقُ بن يعقوب، سمعت مالكًا يقول: حدثنا بن شِهَابٍ بِبِضْعَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ قَالَ: أَعِدْهَا عليَّ، فَأَعَدتُ عَلَيْهِ مِنْهَا أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ، فَأَتَيْنَاهُ وَمَعَنَا رَبِيْعَةُ، فَحَدَّثَنَا بِنَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مِنَ الغَدِ، فَقَالَ: انْظُرُوا كِتَاباً حَتَّى أُحَدِّثَكُم مِنْهُ، أَرَأَيتُم مَا حَدَّثتُكُم بِهِ أَمْسُ، أيش في أيديكم منه? فقال ربيعة: ههنا مَنْ يَردُّ عَلَيْكَ مَا حَدَّثتَ بِهِ أَمْسُ. قَالَ: وَمَنْ هُوَ? قَالَ: ابْنُ أَبِي عَامِرٍ. قَالَ: هَاتِ. فَسَرَدَ لَهُ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً مِنْهَا. فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ بَقِيَ من يحفظ هذا غيري.
قَالَ البُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ: لِمَالِكٍ نَحْوٌ مِنْ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: أَرَادَ مَا اشْتُهِرَ لَهُ فِي "المُوَطَّأِ" وَغَيْرِه، وَإِلاَّ فَعِنْدَهُ شَيْءٌ كَثِيْرٌ، مَا كَانَ يَفْعَلُ أَنْ يَرْوِيَهُ.
وَرَوَى عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: رَحِمَ اللهُ مَالِكاً، مَا كَانَ أَشَدَّ انْتِقَادَهُ لِلرِّجَالِ.
ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعِيْنٍ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا نَحْنُ عِنْدَ مَالِكٍ، إِنَّمَا كُنَّا نَتَّبِعُ آثَارَ مَالِكٍ، وَنَنظُرُ الشَّيْخَ، إِنْ كَانَ كَتَبَ عَنْهُ مَالِكٌ، كَتَبنَا عَنْهُ.
وَرَوَى طَاهِرُ بنُ خَالِدٍ الأَيْلِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ مَالِكٌ لاَ يُبَلِّغ مِنَ الحَدِيْثِ إِلاَّ صَحِيْحاً، وَلاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ، مَا أَرَى المَدِيْنَةَ إِلاَّ ستَخربُ بَعْدَ مَوْتِهِ -يَعْنِي: مِنَ العِلْمِ.

الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ -وَذَكَرَ حَدِيْثاً- فَقَالُوا: يُخَالِفُكَ فِيْهِ مَالِكٌ. فَقَالَ: أَتَقْرِنُنِي بِمَالِكٍ? مَا أَنَا وَهُوَ إلا كما قال جرير:
وَابْنُ اللَّبُوْنِ إِذَا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ
لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعِيْسِ
ثُمَّ قَالَ يُوْنُسُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ القَرِيْنَانِ، وَلَوْلاَ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، لَذَهَبَ عِلْمُ الحِجَازِ.
وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَغَيْرُه، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ بَعْدَ مَوْتِ نَافِعٍ بِسَنَةٍ، وَلِمَالِكِ بنِ أَنَسٍ حَلْقة.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، قَالَ: لَقَدْ كَانَ لِمَالِكٍ حَلْقَةٌ فِي حَيَاةِ نَافِعٍ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: سَأَلْتُ المُغِيْرَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ المَاجَشُوْنِ، فَرَفَعَ مَالِكاً، وَقَالَ: مَا اعْتَدَلاَ فِي العِلْمِ قَطُّ.
ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي وُهَيْبٌ -وَكَانَ مِنْ أَبصَرِ النَّاسِ بِالحَدِيْثِ وَالرِّجَالِ- أَنَّهُ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، قَالَ: فَلَمْ أَرَ أَحَداً إِلاَّ تَعْرِفُ وَتُنْكِرُ إِلاَّ مَالِكاً، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لاَ أُقَدِّمُ عَلَى مَالِكٍ فِي صِحَّةِ الحَدِيْثِ أَحَداً.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: قُلْتُ لأَبِي الأَسْوَدِ: مَنْ لِلرَّأيِ بَعْدَ رَبِيْعَةَ بِالمَدِيْنَةِ? قال: الغلام الأصبحي.
الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنِّي أَدْرَكتُ مَالِكاً وَاللَّيْثَ، لَضَلَلْتُ.
هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ ذَكَرَ اخْتِلاَفَ الحَدِيْثِ وَالرِّوَايَاتِ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي لَقِيْتُ مَالِكاً، لضللت.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَا فِي القَوْمِ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنْ مَالِكٍ، كَانَ إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ. قَالَ: وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَوْقَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ: أَقَمْتُ عند مالك ثلاث سنين وكسرا، وسمعت من لفظه أكثر من سبعمائة حَدِيْثٍ، فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْ مَالِكٍ امْتَلأَ مَنْزِلُهُ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ غَيْرِه مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ، لَمْ يَجِئْهُ إِلاَّ اليَسِيْرُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ العَدَني: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَالِكٌ مُعَلِّمي، وَعَنْهُ أَخَذْتُ العِلْمَ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كَانَ إِذَا شَكَّ فِي حَدِيْثٍ طَرَحَهُ كُلَّهُ.
أبي عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ: صَاحِبُنَا أَعْلَمُ مِنْ صَاحِبِكُم -يُرِيْدُ أَبَا حَنِيْفَةَ وَمَالِكاً- وَمَا كَانَ لِصَاحِبِكُم أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَمَا كَانَ لِصَاحِبِنَا أَنْ يَسكُتَ. فَغَضِبْتُ، وَقُلْتُ: نَشَدْتُكَ اللهَ مَنْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ، مَالِكٌ أَوْ صَاحِبُكُم? فَقَالَ: مَالِكٌ، لَكِنْ صَاحِبُنَا أَقْيَسُ. فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَمَالِكٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوْخِه وَبِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَانَ أَوْلَى بِالكَلاَمِ.
قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: ذَاكَرْتُ يَوْماً مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ، وَدَارَ بَيْنَنَا كَلاَمٌ وَاخْتِلاَفٌ، حَتَّى جَعَلتُ أَنْظُرُ إِلَى أَوْدَاجِه تَدِرُّ، وَأَزْرَارِهِ تَتَقَطَّعُ، فَقُلْتُ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ، تَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَنَا كَانَ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ? قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قُلْتُ: وَكَانَ عَالِماً باخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ? قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: أَئِمَّةُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِم أَرْبَعَةٌ: الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ.
يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً -وَقَالَ لَهُ ابْنُ القَاسِمِ: لَيْسَ بَعْدَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالبُيُوْعِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ- فَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَيْنَ عَلِمُوا ذَلِكَ? قَالَ: مِنْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: مَا أَعْلَمُهَا أَنَا، فكيف يعلمونها بي?
وَعَنْ مَالِكٍ، قَالَ: جُنَّة العَالِمِ: "لاَ أَدْرِي"، فَإِذَا أَغفَلَهَا أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهُ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَتْ حَلْقَةُ مَالِكٍ فِي زَمَنِ رَبِيْعَةَ مِثْلَ حَلْقَةِ رَبِيْعَةَ وَأَكْبَرَ، وَقَدْ أَفْتَى مَعَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ.

الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: لَمَّا أَجْمَعتُ التَّحوِيلَ عَنْ مَجْلِسِ رَبِيْعَةَ، جَلَسْتُ أَنَا وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَلَمَّا قَامَ رَبِيْعَةُ، عَدَلَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: يَا مَالِكُ، تَلعَبُ بِنَفْسِك زَفَنْتَ، وَصَفَّقَ لَكَ سُلَيْمَانُ، بَلَغتَ إِلَى أَنْ تَتَّخِذَ مَجْلِساً لِنَفْسِكَ?! ارْجِعْ إِلَى مَجْلِسِكَ.
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً سُئِلَ عَنْ ثمانٍ وَأَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، فَأَجَابَ فِي اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ مِنْهَا بِـ: لاَ أَدْرِي.
وَعَنْ خَالِدِ بنِ خِدَاشٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى مَالِكٍ بِأَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، فَمَا أَجَابَنِي مِنْهَا إِلاَّ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ يَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ يَقُوْلُ: يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُورِّثَ جُلَسَاءهُ قَوْلَ: "لاَ أَدْرِي"، حَتَّى يَكُوْنَ ذَلِكَ أَصْلاً يَفْزَعُوْنَ إِلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: صَحَّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ: "لاَ أَدْرِي" نِصْفُ العلم.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ رُمْحٍ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ مَالِكاً وَاللَّيْثَ يَخْتَلِفَانِ، فَبِأَيِّهُمَا آخُذُ? قَالَ: "مَالِكٌ, مَالِكٌ".
أَشْهَبُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَافَيْتُهُ يَخطُبُ، إِذْ أَقْبَلَ مَالِكٌ، فَلَمَّا أَبصرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إليَّ، إليَّ" فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْهُ، فَسَلَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمَهُ مِنْ خِنْصَرِهِ، فَوَضَعَهُ فِي خِنْصَرِ مَالِكٍ.
مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمَّادٍ الزُّهْرِيُّ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: قَالَ لِي المَهْدِيُّ: ضَعْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ كِتَاباً أَحْمِلُ الأُمَّةَ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَمَّا هَذَا الصُّقع -وَأَشَرتُ إِلَى المَغْرِبِ- فَقَدْ كُفِيْتَهُ، وَأَمَّا الشَّامُ، فَفِيْهُم مَنْ قَدْ عَلِمتَ -يَعْنِي: الأَوْزَاعِيَّ- وَأَمَّا العِرَاقُ, فَهُم أَهْلُ العِرَاقِ.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، سَمِعْتُ بن عمر مَالِكاً يَقُوْلُ: لَمَّا حَجَّ المَنْصُوْرُ، دَعَانِي، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَحَادَثْتُه، وَسَأَلَنِي، فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: عَزمتُ أَنْ آمُرَ بِكُتُبِكَ هَذِهِ -يَعْنِي: "المُوَطَّأَ"- فَتُنسَخَ نُسَخاً، ثُمَّ أَبعَثَ إِلَى كُلِّ مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ المُسْلِمِيْنَ بِنُسخَةٍ، وَآمُرَهُم أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيْهَا، وَيَدَعُوا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ العِلْمِ المُحْدَثِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَصْلَ العِلْمِ رِوَايَةُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ وَعِلْمُهُم. قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ لاَ تَفْعَلْ، فإن الناس قد سيقت إليهم أقاويل، وَسَمِعُوا أَحَادِيْثَ، وَرَوَوْا رِوَايَاتٍ، وَأَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا سِيقَ إِلَيْهِم، وَعَمِلُوا بِهِ، وَدَانُوا بِهِ، مِنِ اخْتِلاَفِ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَيْرِهم، وَإِنَّ رَدَّهُم عَمَّا اعْتَقَدُوْهُ شَدِيْدٌ، فَدَعِ النَّاسَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَمَا اختار أهل كل بلد لأَنْفُسِهِم. فَقَالَ: لَعَمْرِي، لَوْ طَاوَعْتَنِي لأمَرتُ بِذَلِكَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مِسْكِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، قَالاَ: سَمِعْنَا مَالِكاً يَذْكُرُ دُخُوْلَهُ عَلَى المَنْصُوْرِ، وَقَوْلَهُ فِي انْتِسَاخِ كُتُبِهِ، وَحَمْلِ النَّاسِ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: قَدْ رَسَخَ فِي قُلُوْبِ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مَا اعْتَقَدُوْهُ وَعَمِلُوا بِهِ، وردُّ العَامَّةِ عَنْ مِثْلِ هَذَا عَسِيْرٌ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ مَالِكٌ يَجْلِسُ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى ضِجَاعٍ وَنَمَارِقَ مَطْرُوْحَةٍ يَمنَةً وَيَسرَةً فِي سَائِرِ البَيْتِ لِمَنْ يَأْتِي، وَكَانَ مَجْلِسُه مَجْلِسَ وَقَارٍ وَحِلْمٍ، وَكَانَ مَهِيْباً نَبِيْلاً، لَيْسَ فِي مَجْلِسِهِ شَيْءٌ مِنَ المِرَاءِ وَاللَّغَطِ، وَكَانَ الغُربَاءُ يَسْأَلونُهُ عَنِ الحَدِيْثِ، بَعْدَ الحَدِيْثِ وَرُبَّمَا أَذِنَ لِبَعْضِهِم، فَقَرَأَ عَلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ كَاتِبٌ يُقَالُ لَهُ: حَبِيْبٌ. قَدْ نَسَخَ كُتُبَهُ، وَيَقْرَأُ لِلْجَمَاعَةِ، فَإِذَا أَخْطَأَ فَتَحَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَكَانَ ذَلِكَ قَلِيْلاً.
أبي زُرْعة: حَدَّثَنَا أبي مُسْهِر، قَالَ لِي مَالِكٌ: قَالَ لِي أبي جَعْفَرٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! ذَهَبَ النَّاسُ، لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَرَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُقَبِّلُوْنَ يَدَهُ، وَعُوْفِيْتُ، فَلَمْ أُقَبِّلْ لَهُ يَداً.
المِحْنة:
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: كَانَ مَالِكٌ قَدْ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ، فَحَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا ابن ذكوان، عن مروان الطَّاطَرِيِّ: أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ نَهَى مَالِكاً عَنِ الحَدِيْثِ: "لَيْسَ عَلَى مُسْتَكْرَهٍ طَلاَقٌ". ثُمَّ دَسَّ إليه من يسأله، فحدثه به على رءوس الناس، فضربه بالسياط.
وَحَدَّثَنَا العَبَّاسُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمَّادٍ: أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى مَالِكٍ إِذَا أُقِيْمَ مِنْ مَجْلِسِهِ، حَمَلَ يَدَهُ بِالأُخْرَى.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا الواقدي، قال: ما دُعِيَ مَالِكٌ، وشُووِرَ، وَسُمِعَ مِنْهُ، وَقُبِلَ قَوْلُهُ، حُسِدَ، وبَغَوه بِكُلِّ شَيْءٍ، فَلَمَّا وَلِيَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ المَدِيْنَةَ، سَعَوْا بِهِ إِلَيْهِ، وَكَثَّرُوا عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَقَالُوا: لاَ يَرَى أَيْمَانَ بَيْعَتِكُم هَذِهِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ يَأْخُذُ بِحَدِيْثٍ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتِ بنِ الأَحْنَفِ فِي طَلاَقِ المُكْرَهِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوْزُ عِنْدَهُ. قَالَ: فَغَضِبَ جَعْفَرٌ، فَدَعَا بِمَالِكٍ، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا رُفِعَ إِلَيْهِ عَنْهُ، فَأَمَرَ بِتَجرِيْدِه، وَضَرْبِهِ بِالسِّيَاطِ، وجُبْذَت يَدُهُ حَتَّى انخلعت من كَتِفِهِ، وَارتُكِبَ مِنْهُ أَمْرٌ عَظِيْمٌ، فَوَاللهِ مَا زَالَ مَالِكٌ بَعْدُ فِي رِفْعَةٍ وَعُلُوٍّ.
قُلْتُ: هَذَا ثَمَرَةُ المِحْنَةِ المَحْمُوْدَةِ، أَنَّهَا تَرفَعُ العَبْدَ عِنْدَ المُؤْمِنِيْنَ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَهِيَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيْنَا، وَيَعْفُو اللهُ عَنْ كَثِيْرٍ: "وَمَنْ يُرِدِ الله به خيرًا يصيب مِنْهُ". وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ قَضَاءِ المُؤْمِنِ خَيْرٌ لَهُ". وَقَالَ اللهُ -تَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [مُحَمَّدٌ: 31] . وَأَنْزَلَ -تَعَالَى- فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ قَوْلَهُ: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آلُ عِمْرَانَ: 165] . وَقَالَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّوْرَى: 30] . فَالمُؤْمِنُ إِذَا امْتُحِنَ صَبَرَ وَاتَّعَظَ وَاسْتَغْفَرَ، وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِذَمِّ مِنِ انْتَقَمَ مِنْهُ، فَاللهُ حَكَمٌ مُقْسِطٌ، ثُمَّ يَحْمَدُ اللهَ عَلَى سَلاَمَةِ دِيْنِه، وَيَعْلَمُ أَنَّ عُقُوْبَةَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ وَخَيْرٌ لَهُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: أَلَّفَ فِي مَنَاقِبِ مَالِكٍ -رَحِمَهُ الله- جماعة منهم القاضي أبي عبد الله التُّسْتَري المالكي، له في ثلاثة مُجَلَّدَاتٍ، وَأبي الحَسَنِ بنُ فِهْرٍ المِصْرِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ القَاضِي، وَأبي بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ الحَافِظُ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَأبي عُلاَثَةَ مُحَمَّدُ بن أبي غسان، وَابْنُ حَبِيْبٍ، وَأبي مُحَمَّدٍ بنُ الجَارُوْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ رِشْدِيْنَ، وَأبي عَمْرٍو المُغَامِيُّ3، وَالحَسَنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الضَّرَابُ، وَأبي الحَسَنِ بنُ مُنتاب، وَأبي إِسْحَاقَ بنُ شَعْبَانَ، وَأبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ اليَقْطِيْنِيُّ، وَالحَافِظُ أبي نَصْرٍ بنُ الجبَّان، وَأبي بَكْرٍ بنُ رَوْزَبة الدِّمَشْقِيُّ، وَالقَاضِي أبي عَبْدِ اللهِ الزَّنْكَانِيُّ4، وَأبي الحَسَنِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، وَأبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ الدِّيْنَورِيُّ، وَالقَاضِي أبي بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ، وَالقَاضِي أبي الفَضْلِ القُشيري، وَأبي بَكْرٍ بنُ اللَّبَّادِ، وَأبي مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي زَيْدٍ، وَالحَافِظُ أبي عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ، وَأبي ذَرٍّ عَبْدُ بنُ أَحْمَدَ الهَرَوِيُّ، وَأبي عُمَرَ الطَّلَمَنْكي، وَأبي عُمَرَ بنُ حَزْمٍ الصَّدَفِيُّ، وَأبي عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ، وَالقَاضِي أبي مُحَمَّدٍ بنُ نَصْرٍ، وَابْنُ الإِمَامِ التُّطَيلي، وَابْنُ حَارِثٍ القَرَوِيُّ، وَالقَاضِي أبي الوَلِيْدِ البَاجِيُّ، وَأبي مَرْوَانَ بنُ أَصْبَغَ.
وَقَدْ جَمَعَ الحَافِظُ أبي بَكْرٍ الخَطِيْبُ كِتَاباً كَبِيْراً فِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ، وَشَيْءٍ مِنْ رِوَايَتِهم عَنْهُ.
قُلْتُ: وَلِلْحَافِظِ أَبِي نُعيم تَرْجَمَةٌ طُوْلَى فِي "الحِلْيَة" لِمَالِكٍ.
وَمِمَّنْ أَلَّفَ فِي الرُّوَاةِ عَنْهُ: الإِمَامُ أبي عَبْدِ اللهِ بنُ مُفَرّج، وَالإِمَامُ أبي عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي دُلَيم، وَعَبْدُ الرحمن بن محمد البكري.
قَالَ عِيَاضٌ: وَاسْتَقْصَيْنَا كِتَابَنَا هَذَا فِي أَخْبَارِ مَالِكٍ مِنْ تَصَانِيْفِ المُحَدِّثِيْنَ: كَكُتُبِ البُخَارِيِّ، وَالزُّبَيْرِ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَوَكِيْعٍ القَاضِي، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ، والصُّولي، وَأَحْمَدَ بنِ كَامِلٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ بنِ يُوْنُسَ الصَّدَفي، وَأَبِي عُمَرَ الكِنْدِيِّ، وَأَبِي عُمَرَ الصَّدَفِيِّ القُرْطُبِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ حَارِثٍ القَرَوِيِّ، وَأَبِي العَرَبِ التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي إسحاق بن الرَّفِيْقِ الكَاتِبِ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ البَصْرِيِّ فِي القُرَوِيِّينَ، وَتَارِيْخِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ المَالِكِيِّ فِي القُرَوِيِّينَ. وَتَوَارِيْخِ الأَنْدَلُسِ: كَكِتَابِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ البَرِّ، وَكِتَابِ "الاحْتِفَالِ" لأَبِي عُمَرَ بنِ عَفِيْفٍ، وَ"الانْتِخَابِ" لأَبِي القَاسِمِ بنِ مُفَرِّجٍ، وَتَارِيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الفَرضي، وَتَوَارِيْخِ أَبِي مَرْوَانَ، وَابْنِ حَيَّان، وَالرَّازِيِّ، وَكِتَابِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُظَاهر، وَمَا وَقَعَ إليَّ مِنْ تَارِيْخ الخَطِيْبِ فِي البَغْدَادِيِّينَ، وَكِتَابِ أَبِي نَصْرٍ الأَمِيْرِ، وَطَبَقَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيِّ، وَكِتَابِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ فِي الأَئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ، وَرُوَاتِهِم.
قَالَ القَاضِي: وَحَقَّقْنَا مَنْ رَوَى "المُوَطَّأَ" عَنْ مَالِكٍ، وَمَنْ نَصَّ عَلَيْهِم أَصْحَابُ الأَثَرِ وَالنُّقَّادُ: ابْنُ وَهْبٍ, ابْنُ القاسم، محمد بن الحسن، الغاز ابن قَيْسٍ، زِيَادٌ شَبَطُون، الشَّافِعِيُّ، القَعْنَبِيُّ، مَعْنُ بنُ عيسى، عبد الله بن يُوْسُفَ، يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، يَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليَسَارِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ، مُوْسَى بنُ طَارِقٍ، أَسَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ الصُّوْرِيُّ، أبي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ، حَبِيْبٌ كَاتِبُ اللَّيْثِ، قَرَعوس بنُ العَبَّاسِ، أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الحَرَّاني، يَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ، يَحْيَى بنُ مُضَرَ، سَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ، مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، أبي مُصْعَبٍ الزهري، سويد بن سعيد، سعيد ابن أَبِي مَرْيَمَ، سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، عَلِيُّ بنُ زِيَادٍ التُّوْنُسِيُّ، قُتَيْبة بنُ سَعِيْدٍ الثَّقَفِيُّ، عَتِيْقُ بنُ يَعْقُوْبَ الزُّبَيْرِيُّ، مُحَمَّدُ بنُ شَرُّوْسٍ الصَّنْعَانِيُّ، إِسْحَاقُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّباع، خَالِدُ بنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخُوْهُ أبي بَكْرٍ، عِيْسَى بنُ شَجَرَةَ المَغْرِبِيُّ، بَرْبَرٌ المُغَنِّي وَالِدُ الزُّبَيْرِ بنِ بَكَّارٍ، أبي حُذَافَةَ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السَّهْمِيُّ.
خَاتِمَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: قِيْلَ: إِنَّ زَكَرِيَّا بنَ دُوَيْدٍ الكِنْدِيَّ لَقِيَ مَالِكاً، وَلَكِنَّهُ كَذَّابٌ، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَمَائَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ بَنَى الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ: "السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ"، خَلَفُ بنُ جَرِيْرٍ القَرَوِيُّ، مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى السَّبَائِيُّ، مُحْرِزُ بنُ هَارُوْنَ، سَعِيْدُ بنُ عَبْدُوْسٍ، عَبَّاسُ بنُ نَاصِحٍ، عُبَيْدُ بنُ حَيَّانَ الدِّمَشْقِيُّ، أَيُّوْبُ بنُ صَالِحٍ الرَّمْلِيُّ، حَفْصُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَخُوْهُ حَسَّانٌ، يَحْيَى وَفَاطِمَةُ وَلَدَا مَالِكٍ، سُلَيْمَانُ بنُ بُرد، عَبْدُ الرحمن بن خَالِدٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هِنْدٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْدَلُسِيُّ.
وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ قَاضِي البَصْرَةِ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ رَوَى "المُوَطَّأَ" عَنْ مَالِكٍ إِجَازَةً. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا يُوْسُفَ القَاضِي رَوَاهُ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَمَا زَالَ العُلَمَاءُ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً لَهُم أَتَمُّ اعْتنَاءٍ بِرِوَايَةِ "المُوَطَّأِ"، وَمَعْرِفَتِه، وَتَحصِيْلِه. وَقَدْ جَمَعَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي أَحَادِيْثَ "المُوَطَّأِ" عَنْ رِجَالِهِ، عَنْ مَالِكٍ وَسَائِرِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ حديث مالك.

وَأَلَّفَ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ الحَافِظُ حَدِيْثَ مَالِكٍ، وَأبي القَاسِمِ الجَوْهَرِيُّ، وَأبي الحَسَنِ القَابِسِيُّ عَمِلَ "المُلَخَّصَ"، وَحَفِظَهُ خَلْقٌ مِنَ الطَّلَبَةِ. وَأَلَّفَ أبي ذَرٍّ الهَرَوِيُّ "مُسْنَدَ المُوَطَّآتِ"، وَأَلَّف أبي بَكْرٍ القَبَّابُ حَدِيْثَ مَالِكٍ. وَلأَبِي الحَسَنِ بنِ حَبِيْبٍ السِّجلْماسي "مُسْنَدُ المُوَطَّأِ"، وَلِفُلاَنٍ المُطَرِّزِ، وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ الجِيْزِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ بُندار الفَارِسِيِّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ بنِ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ مُفرِّج.
وَأَلَّفَ النَّسَائِيُّ "مُسْنَدَ مَالِكٍ"، وَأبي أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَامِعٍ السُّكَّرِيُّ، وَابْنُ عُفير، وَأبي عَبْدِ اللهِ النَّيْسَأبيرِيُّ السَّرَّاجُ، وَأبي بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَأبيرِيُّ، وَأبي حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَأبي العَرَبِ التَّمِيْمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَالحَافِظُ أبي القَاسِمِ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأبي عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ، لَهُ "التَّقَصِّي"، وَمُحَمَّدُ بنُ عَيْشُوْنَ الطُّلَيْطُلِيُّ.
وَأَلَّفَ "مُسْنَدَ مَالِكٍ" أبي القَاسِمِ الجَوْهَرِيُّ -وَذَلِكَ غير ما في "المُوَطَّأِ"- وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ سَعِيْدٍ الأَزْدِيُّ، وَأبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الحَضْرَمِيُّ، وَأبي الفَضْلِ بنُ أَبِي عِمْرَانَ الهَرَوِيُّ. وَعَمِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ كِتَابَ "اخْتِلاَفَاتِ المُوَطَّأِ".
وَأَلَّفَ دَعْلَج السِّجزي "غَرَائِبَ حَدِيْثِ مَالِكٍ"، وَابْنُ الجَارُوْدِ، وَقَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ.
وَعَمِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضاً الأَحَادِيْثَ الَّتِي خُوْلِفَ فِيْهَا مَالِكٌ. وَلأَبِي بَكْرٍ البَزَّارِ مُؤَلَّفٌ فِي ذَلِكَ. وَعَمِلَ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ الحَافِظُ مَا وَصَلَهُ مَالِكٌ خَارِجَ مُوَطَّئِهِ. وَأَلَّفَ أبي عُمَرَ بنُ نَصْرٍ الطُّلَيْطُلِيُّ "مُسْنَدَ المُوَطَّأِ"، وَكَذَا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ فَرْضَخٍ الإِخْمِيْمِيُّ، وَالمُحَدِّثُ أبي سُلَيْمَانَ بنُ زَبْر، وَأُسَامَةُ بنُ عَلِيٍّ المِصْرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَمَّالُ الحَافِظُ، وَالقَاضِي أبي بَكْرٍ بنُ السَّلِيْمِ أَفرَدَ مَا لَيْسَ فِي "المُوَطَّأِ".
وَعَمِلَ أبي الحَسَنِ بنُ أَبِي طَالِبٍ العَابِرُ كِتَابَ "موطَّأ الموطَّأ". وَعَمِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ الخَطِيْبُ "أَطْرَافَ الموطَّأ".
وَعَمِلَ لَهُ شَرْحاً: يَحْيَى بنُ مُزينٍ الفَقِيْهُ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي رِجَالِه.
وَلابْنِ وَهْبٍ فِيْهِ شَرحٌ، وَلِعِيْسَى بنِ دِيْنَارٍ، وَلِعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، وَلِحَرْمَلَةَ، وَلابْنِ حَبِيْبٍ، وَلِمُحَمَّدِ بنِ سُحْنُوْنَ.
وَلِمُسْلِمٍ مُؤَلَّفٌ في شيوخ مالك.
وَللبَرْقِيِّ "رِجَالُ المُوَطَّأِ"، وَلِلطَّلَمَنْكِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بن الحذاء، وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مُفَرِّجٍ، وَلأَحْمَدَ بنِ عِمْرَانَ الأَخْفَشِ فِي غَرِيْبِهِ.
وَلِلْبَرْقِيِّ، وَلِلْغَسَّانِيِّ المِصْرِيِّ، وَلأَبِي جَعْفَرٍ الدَّاوُوْدِيِّ، وَلأَبِي مَرْوَانَ القَنَازِعِيِّ، وَلأَبِي عَبْدِ المَلِكِ البُوْنِيِّ.
وَجَمَعَ ابْنُ جَوْصَا بَيْنَ "المُوَطَّأِ" رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ القَاسِمِ، وَلِغَيْرِهِ جَمعٌ بَيْنَ رِوَايَةِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَأَبِي مُصْعَبٍ.
وَلابْنِ عَبْدِ البَرِّ شَرْحَانِ، وَهُمَا "التَّمْهِيْدُ"، و"الاسْتِذْكَارُ"، وَلَهُ كِتَابُ "مَا رَوَاهُ مَالِكٌ خَارِجَ المُوَطَّأِ".
وَعَمِلَ عَلَى "المُوَطَّأِ" أبي الوَلِيْدِ البَاجِيُّ كِتَابَ: "الإِيْمَانِ"، وَكِتَابَ: "المُنْتَقَى"، وَعَمِلَ كِتَابَ: "الاسْتِيفَاءِ" طَوِيْلٌ جِدّاً، وَلَمْ يُتِمَّه.
وَشَرَحَه أبي الوَلِيْدِ بنُ الصَّفَّارِ فِي كِتَابٍ اسْمُهُ: "المُوعِب". لَمْ يُتِمَّهُ. وَكِتَابُ: "المُحَلَّى فِي شَرِحِ المُوَطَّا" لِلْقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ خَلِيْفَةَ.
وَلأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَزْمٍ شَرحٌ. وَلأَبِي بَكْرٍ بنِ سَائِقٍ شَرحٌ. وَلابْنِ أَبِي صُفْرَةَ شَرحٌ. وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الحَاجِّ القَاضِي شَرحٌ. وَلِشَيْخِنَا أبي الوليد ابن العَوَّادِ "الجَمْعُ بَيْنَ التَّمْهِيْدِ وَالاسْتِذْكَارِ" مَا تَمَّ.
وَلأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ السَّيِّدِ البَطَلْيَوْسِيِّ شَرحٌ كَبِيْرٌ.
ولابن عيشون: "توجيه الموطأ".
وَلِعُثْمَانَ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ المَعَافِرِيِّ الدَّبَّاغِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ عَلَى أبيابِ "المُوَطَّأِ".
وَلأَبِي القَاسِمِ بنِ الجدِّ: "اخْتِصَارُ التَّمْهِيْدِ".
وَلِحَازِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَازِمٍ كِتَابُ "السَّافِرِ عَنْ آثَارِ المُوَطَّأِ".
و"تَفْسِيْرُ المُوَطَّأِ" لأَبِي الحَسَنِ الإِشْبِيْلِيِّ. وَتَفْسِيْرٌ لابن شراحيل.
وَلِلطَّلَمَنْكِيِّ تَفْسِيْرٌ، لَمْ يَتِمَّ. وَ"شَرْحُ مُسْنَدِ المُوَطَّأِ" لِيُوْنُسَ بنِ مُغِيْثٍ.
وَلِلْمُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفرة فِي ذَلِكَ. وَلأَخِيْهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ في ذلك.
وللقاضي لأبي بَكْرٍ بنِ العَرَبِيِّ كِتَابُ: "القَبَسِ فِي شَرْحِ المُوَطَّأِ".
وَلأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ يَرْبُوْعٍ الحَافِظِ كِتَابٌ على معرفة رجال "الموطأ".
ولعاصم النحوي شرح لَمْ يَكْمُلْ. وَلأَبِي بَكْرٍ بنِ مَوْهِبٍ القِيْرِيِّ "شَرْحُ الملخَّصِ" فِي مُجَلَّدَاتٍ.
فَصْلٌ:
ولِمَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ- رِسَالَةٌ فِي القَدَرِ، كَتَبَهَا إِلَى ابْنِ وَهْبٍ، وَإِسْنَادُهَا صَحِيْحٌ.
وَلَهُ مُؤَلَّفٌ: فِي النُّجُوْمِ وَمَنَازِلِ القَمَرِ، رَوَاهُ سُحْنُوْنُ، عَنِ ابْنِ نَافِعٍ الصائغ، عنه مشهور.
وَرِسَالَةٌ فِي الأَقْضِيَةِ، مُجَلَّدٌ، رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطْرُوْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ.
وَرِسَالَةٌ إِلَى أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ.
وَرِسَالَةُ آدَابٍ إِلَى الرَّشِيْدِ، إِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ، قَدْ أَنْكَرَهَا إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَفِيْهَا أَحَادِيْثُ لاَ تُعرَفُ. قُلْتُ: هَذِهِ الرِّسَالَةُ مَوْضُوْعَةٌ. وَقَالَ القَاضِي الأَبْهَرِيُّ: فِيْهَا أَحَادِيْثُ لَوْ سَمِعَ مَالِكٌ مَنْ يُحَدِّثُ بِهَا لأَدَّبَهُ.
وَلَهُ جُزْءٌ فِي التَّفْسِيْرِ يَرْوِيْهِ خَالِدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيُّ، يَرْوِيْهِ القَاضِي عِيَاضٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المُقْرِئِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ المَصِّيْصِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، بِإِسْنَادِهِ.
وَكِتَابُ "السِّرِّ" مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ القَاسِمِ، عَنْهُ، رَوَاهُ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ العُثْمَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ وَزِيْرٍ الجَرَوي، عَنِ الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ، عَنْهُ.
قُلْتُ: هُوَ جُزْءٌ وَاحِدٌ، سَمِعَهُ أبي مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ المِصْرِيُّ، مِنْ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ العَكرِيِّ، حَدَّثَنَا مِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ الرُّعَيْني، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَأبي زَيْدٍ بنُ أَبِي الغِمْر، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ القَاسِمِ.
قَالَ: ورسالةٌ إِلَى اللَّيْثِ فِي إِجمَاعِ أَهْلِ المدينة، معروفة.

فَأَمَّا مَا نَقَلَ عَنْهُ كِبَارُ أَصْحَابِهِ مِنَ المَسَائِلِ، وَالفَتَاوَى وَالفَوَائِدِ، فَشَيْءٌ كَثِيْرٌ. وَمِنْ كُنُوْزِ ذَلِكَ "المُدَوَّنَةُ"، وَ"الوَاضِحَةُ"، وَأَشْيَاءُ.
قَالَ مَالِكِيٌّ: قَدْ نَدَرَ الاجْتِهَادُ اليَوْمَ، وَتَعَذَّرَ, فَمَالِكٌ أَفْضَلُ مَنْ يُقَلَّدُ، فَرَجَّحَ تَقْلِيْدَهُ.
وَقَالَ شَيْخٌ: إِنَّ الإِمَامَ لِمَنِ التَزَمَ بِتَقلِيْدِهِ، كَالنَّبِيِّ مَعَ أُمَّتِهِ، لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُه: مُجَرَّدُ دَعْوَى وَاجْتِهَادٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ، بَلْ لَهُ مُخَالَفَةُ إِمَامِهِ إِلَى إِمَامٍ آخَرَ، حُجَّتُهُ فِي تِلْكَ المَسْأَلَةِ أَقوَى، لاَ بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الدَّلِيْلِ فِيْمَا تَبَرهَنَ لَهُ، لاَ كَمَنْ تَمَذْهَبَ لإِمَامٍ، فَإِذَا لاَحَ لَهُ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ، عَمِلَ بِهِ مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ كَانَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ رُخَصَ المَذَاهِبِ، وَزَلاَّتِ المُجْتَهِدِيْنَ، فَقَدْ رَقَّ دِيْنُهُ، كَمَا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَوْ غَيْرُهُ: مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ المَكِّيِّيْنَ فِي المُتْعَةِ، وَالكُوْفِيِّيْنَ فِي النَّبِيذِ، وَالمَدَنِيِّينَ فِي الغِنَاءِ، وَالشَّامِيِّينَ فِي عِصْمَةِ الخُلَفَاءِ، فَقَدْ جَمَعَ الشَّرَّ. وَكَذَا مَنْ أَخَذَ فِي البُيُوْعِ الرَّبَوِيَّةِ بِمَنْ يَتَحَيَّلُ عَلَيْهَا، وَفِي الطَّلاَقِ وَنِكَاحِ التَّحْلِيْلِ بِمَنْ تَوسَّعَ فِيْهِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلانحِلاَلِ، فَنَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ وَالتَّوفِيْقَ.
وَلَكِنْ: شَأْنُ الطَّالِبِ أَنْ يَدْرُسَ أَوَّلاً مُصَنَّفاً فِي الفِقْهِ، فَإِذَا حَفِظَهُ، بَحَثَهُ، وَطَالَعَ الشُّرُوحَ، فَإِنْ كَانَ ذَكِيّاً، فَقِيْهَ النَّفْسِ، وَرَأَى حُجَجَ الأَئِمَّةِ، فَلْيُرَاقِبِ اللهَ، وَلْيَحْتَطْ لِدِيْنِهِ، فَإِنَّ خَيْرَ الدِّيْنِ الوَرَعُ، وَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ، فَقَدِ اسْتَبرَأَ لِدِيْنِهِ وَعِرْضِهِ، وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ.
فَالمُقَلَّدُوْنَ صحَابَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَرْطِ ثُبُوْتِ الإِسْنَادِ إِلَيْهِم، ثُمَّ أَئِمَّةُ التَّابِعِيْنَ كَعَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوْقٍ، وَعَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعُرْوَةَ، وَالقَاسِمِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ.
ثُمَّ كَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَرَبِيْعَةَ، وَطَبَقَتِهِم.
ثُمَّ كَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَشُعْبَةَ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ المَاجِشُوْنِ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ.
ثُمَّ كَابْنِ المُبَارَكِ، وَمُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، والهِقْل بنِ زِيَادٍ، وَوَكِيْعٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَطَبَقَتِهِم.
ثُمَّ كَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالبُوَيْطِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ.
ثُمَّ كَالمُزَنِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَثْرَمِ، وَالبُخَارِيِّ وَدَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ القَاضِي.

ثُمَّ كَمُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبِي عَبَّاسٍ بنِ سُرَيْجٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ المُنْذِرِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ.
ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَذَا النَّمَطِ تَنَاقَصَ الاجْتِهَادُ، وَوُضِعَتِ المُخْتَصَرَاتُ، وَأَخلَدَ الفُقَهَاءُ إِلَى التَّقْلِيْدِ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي الأَعْلَمِ، بَلْ بِحَسبِ الاتِّفَاقِ، وَالتَّشَهِّي، وَالتَّعْظِيْمِ، وَالعَادَةِ، وَالبَلَدِ. فَلَو أَرَادَ الطَّالِبُ اليَوْمَ أَنْ يَتَمَذْهَبَ فِي المَغْرِبِ لأَبِي حَنِيْفَةَ، لَعَسُرَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَذْهَبَ لابْنِ حَنْبَلٍ بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ، لَصَعُبَ عَلَيْهِ، فَلاَ يَجِيْءُ مِنْهُ حَنْبَلِيٌّ، وَلاَ مِنَ المَغْرِبِيِّ حَنَفِيٌّ، وَلاَ مِنَ الهِنْدِيِّ مَالِكِيٌّ. وَبِكُلِّ حَالٍ: فَإِلَى فِقْهِ مَالِكٍ المُنْتَهَى، فَعَامَّةُ آرَائِهِ مُسَدَّدَةٌ، وَلَو لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ حَسمُ مَادَةِ الحِيَلِ، وَمُرَاعَاةُ المَقَاصِدِ، لَكَفَاهُ.
وَمَذْهَبُهُ قَدْ مَلأَ المَغْرِبَ وَالأَنْدَلُسَ، وَكَثِيْراً مِنْ بِلاَدِ مِصْرَ، وَبَعْضَ الشَّامِ، وَالِيَمَنَ، وَالسُّوْدَانَ، وَبِالبَصْرَةِ، وَبَغْدَادَ، وَالكُوْفَةِ، وَبَعْضِ خُرَاسَانَ.
وَكَذَلِكَ اشْتُهِرَ مَذْهَبُ الأَوْزَاعِيِّ مُدَّةً، وَتَلاَشَى أَصْحَابُهُ، وَتَفَانَوْا. وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ سَمَّيْنَا، وَلَمْ يَبْقَ اليَوْمَ إِلاَّ هَذِهِ المَذَاهِبُ الأَرْبَعَةُ. وَقَلَّ مَنْ يَنهَضُ بِمَعْرِفَتِهَا كَمَا يَنْبَغِي، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُوْنَ مُجْتَهِداً.
وَانْقَطَعَ أتباع أبي ثور بعد الثلاثمائة، وَأَصْحَابُ دَاوُدَ إِلاَّ القَلِيْلُ، وَبَقِيَ مَذْهَبُ ابْنِ جرير إلى ما بعد الأربعمائة.
وَللزَّيْدِيَّةِ مَذْهَبٌ فِي الفُرُوْعِ بِالحِجَازِ وَبِاليَمَنِ، لَكِنَّهُ مَعْدُوْدٌ فِي أَقْوَالِ أَهْلِ البِدَعِ، كَالإِمَامِيَّةِ، وَلاَ بَأْسَ بِمَذْهَبِ دَاوُدَ، وَفِيْهِ أَقْوَالٌ حَسَنَةٌ، وَمُتَابَعَةٌ لِلنُّصُوصِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ العُلَمَاءِ لاَ يَعتَدُّونَ بِخِلاَفِهِ، وَلَهُ شُذُوْذٌ فِي مَسَائِلَ شَانَتْ مَذْهَبَهُ.
وَأَمَّا القَاضِي، فَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَقلِيْدِهِم إِجْمَاعاً، فَإِنَّهُ سَمَّى المَذَاهِبَ الأَرْبَعَةَ، وَالسُّفْيَانِيَّةَ، وَالأَوْزَاعِيَّةَ، وَالدَّاوُوْدِيَّةَ. ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ: فَهَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ وَقَعَ إِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى تَقْلِيْدِهِم، مَعَ الاخْتِلاَفِ فِي أَعْيَانِهِم، وَاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ عَلَى اتِّبَاعِهِم، وَالاقْتِدَاءِ بِمَذَاهِبِهِم، وَدَرْسِ كُتُبِهِم، وَالتَّفَقُّهِ عَلَى مَآخِذِهِم، وَالتَّفْرِيْعِ عَلَى أُصُوْلِهِم، دُوْنَ غَيْرِهِم مِمَّنْ تَقَدَّمَهُم أَوْ عَاصَرَهُم؛ لِلْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
وَصَارَ النَّاسُ اليَوْمَ فِي الدُّنْيَا إِلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ، فَالخَامِسُ: هُوَ مَذْهَبُ الدَّاوُوْدِيَّةِ. فَحَقٌّ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ أَنْ يَعْرِفَ أَوْلاَهُم بِالتَّقْلِيْدِ، لِيَحصَلَ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَهَا نَحْنُ نُبَيِّنُ أَنَّ مَالِكاً -رَحِمَهُ اللهُ- هُوَ ذَلِكَ؛ لِجَمعِهِ أَدَوَاتِ الإِمَامَةِ، وَكَونِهِ أَعْلَمَ القَوْمِ.
ثُمَّ وَجَّهَ القَاضِي دَعوَاهُ، وَحَسَّنَهَا، وَنَمَّقَهَا، وَلَكِنْ مَا يَعْجِزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ حَنَفِيٍّ، وَشَافِعِيٍّ، وَحَنْبَلِيٍّ، وَدَاوُوْدِيٍّ عَنِ ادِّعَاءِ مِثْلِ ذَلِكَ لِمَتْبُوعِه، بَلْ ذَلِكَ لِسَانُ حَالِه، وَإِنْ لَمْ يَفُهْ بِهِ.

ثُمَّ قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَعِنْدنَا -وَللهِ الحَمْدُ- لِكُلِّ إِمَامٍ مِنَ المَذْكُوْرِيْنَ مَنَاقِبُ، تَقْضِي لَهُ بِالإِمَامَةِ.
قُلْتُ: وَلَكِنَّ هَذَا الإِمَامَ الَّذِي هُوَ النَّجمُ الهَادِي قَدْ أَنْصَفَ، وَقَالَ قَوْلاً فَصْلاً، حَيْثُ يَقُوْلُ: كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِه وَيُتْرَكُ إِلاَّ صَاحِبَ هَذَا القَبْرِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلاَ رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مِنْ أَنَسَ مِنْ نَفْسِهِ فِقهاً، وَسَعَةَ عِلْمٍ، وَحُسْنَ قَصدٍ، فَلاَ يَسَعُهُ الالْتِزَامُ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ أَقْوَالِه، لأَنَّهُ قَدْ تَبَرَهَنَ له مذهب الغير فِي مَسَائِلَ، وَلاَحَ لَهُ الدَّلِيْلُ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ، فَلاَ يُقَلِّدُ فِيْهَا إِمَامَهُ، بَلْ يَعْمَلُ بِمَا تَبَرْهَنَ، وَيُقِلِّدُ الإِمَامَ الآخَرَ بِالبُرْهَانِ، لاَ بِالتَّشَهِّي وَالغَرَضِ. لِكَنَّهُ لاَ يُفْتِي العَامَّةَ إِلاَّ بِمَذْهَبِ إِمَامِه، أَوْ لِيَصمُتْ فِيْمَا خَفِيَ عَلَيْهِ دَلِيْلُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: العِلْمُ يَدُوْرُ عَلَى ثَلاَثَةٍ: مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ.
قُلْتُ: بَلْ وَعَلَى سَبْعَةٍ مَعَهُم، وَهُمُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ، وَأبي حَنِيْفَةَ، وَشُعْبَةُ، وَالحَمَّادَانِ.
وَرُوِيَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذَكَرَ مَالِكاً، يَقُوْلُ: عَالِمُ العُلَمَاءِ، وَمُفْتِي الحَرَمَيْنِ.
وَعَنْ بَقِيَّةَ، أَنَّهُ قَالَ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَعْلَمُ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنْكَ يَا مَالِكُ.
وَقَالَ أبي يُوْسُفَ: مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى.
وَذَكَرَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَالِكاً، فقدمه الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَحَمَّادٍ، وَالحَكَمِ فِي العِلْمِ. وَقَالَ: هُوَ إِمَامٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِي الفِقْهِ.
وَقَالَ القَطَّانُ: هُوَ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَالِكٌ مِنْ حُجَجِ اللهِ عَلَى خَلْقِه.
وَقَالَ أَسَدُ بنُ الفُرَاتِ: إِذَا أَرَدْتَ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، فَعَلَيْكَ بِمَالِكٍ.
وَقَدْ صَنَّفَ مَكِّيٌّ القَيْسِيُّ كِتَاباً فِيْمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي التَّفْسِيْرِ، وَمَعَانِي القُرْآنِ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ: أبي عَمْرٍو الدَّانِي فِي "طَبَقَاتِ القُرَّاءِ"، وَأَنَّهُ تَلاَ عَلَى نَافِعِ بنِ أَبِي نُعيم.
وَقَالَ بُهْلُوْلُ بنُ رَاشِدٍ: مَا رَأَيْتُ أَنزَعَ بِآيَةٍ مِنْ مَالِكٍ مَعَ مَعْرِفَتِه بِالصَّحِيْحِ وَالسَّقِيْمِ.

قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أبي المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، وَنَبَّأَنِي ابْنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ، أَخْبَرَنَا أبي عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أبي نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أبي مُحَمَّدٍ بنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ كُلَيْبٍ، عَنِ الفَضْلِ بنِ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ: مَنْ ضَرَبَ مَالِكاً? قَالَ: بَعْضُ الوُلاَةِ فِي طَلاَقِ المُكْرَهِ، كَانَ لاَ يُجِيْزُه، فَضَرَبَهُ لِذَلِكَ.
وَبِهِ، قَالَ أبي نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: مَا أَفْتَيتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُوْنَ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ أبي مُصْعَبٍ: كَانَ مَالِكٌ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ؛ إِجْلاَلاً لِلْحَدِيْثِ.
وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا جَاءَ الأَثَرُ، كَانَ مَالِكٌ كَالنَّجْمِ، وَهُوَ وَسُفْيَانُ القَرِيْنَانِ.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا أبي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ بَعْد مَوْتِ نَافِعٍ بِسَنَةٍ، فَإِذَا الحَلْقَةُ لِمَالِكٍ.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَاشِدٍ، سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: حَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْهُ: أَنَّ مَالِكاً لَمَّا ضُرِبَ، حُلِقَ، وَحُمِلَ عَلَى بَعِيْرٍ، فَقِيْلَ لَهُ: نَادِ عَلَى نَفْسِكَ. فَقَالَ: أَلاَ مَنْ عَرَفَنِي، فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي، فَأَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، أَقُوْلُ. طَلاَقُ المُكْرَهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. فَبَلَغَ ذَلِكَ جَعْفَرَ بنَ سليمان الأمير، فقال: أدركوه، أنزلوه.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قِيْلَ لِمَالِكٍ: مَا تَقُوْلُ فِي طَلَبِ العِلْمِ? قَالَ: حَسَنٌ، جَمِيْلٌ، لَكِنِ انْظُرِ الَّذِي يَلْزَمُكَ مِنْ حِيْنَ تُصبِحُ إِلَى أَنْ تُمْسِيَ، فَالزَمْهُ.
وَبِهِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الدَّاعِي يَقُوْلُ: يَا سَيِّدِي، فَقَالَ: يُعْجِبُنِي دُعَاءُ الأَنْبِيَاءِ: رَبَّنَا، رَبَّنَا.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ لِي سُلْطَاناً عَلَى مَنْ يُفَسِّرُ القُرْآنَ، لَضَرَبْتُ رَأْسَهُ.
قُلْتُ: يَعْنِي: تَفْسِيْرَهُ بِرَأْيِه. وَكَذَلِكَ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ، مِنْ طَرِيْقٍ أُخْرَى.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا أبي إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً ارْتَفَعَ مِثْلَ مَالِكٍ، لَيْسَ لَهُ كَثِيْرُ صَلاَةٍ وَلاَ صِيَامٍ، إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ لَهُ سَرِيْرَةٌ.

قُلْتُ: مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ العِلْمِ وَنَشْرِهِ أَفضَلُ مِنْ نَوَافلِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ اللهَ.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا المِقْدَادُ بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: شَاوَرَنِي هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي أَنْ يُعَلِّقَ "المُوَطَّأَ" فِي الكَعْبَةِ، وَيَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَا فِيْهِ، وَفِي أَنْ يَنْقُضَ مِنْبَرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَجْعَلَهُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ، وَفِي أَنْ يُقَدِّمَ نَافِعاً إِمَاماً فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: أَمَّا تَعلِيقُ "المُوَطَّأِ"، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي الفُرُوعِ، وَتَفَرَّقُوا، وَكُلٌّ عِنْد نَفْسِه مُصِيْبٌ، وَأَمَّا نَقْضُ المِنْبَرِ، فَلاَ أَرَى أَنْ يُحْرَم النَّاسُ أَثَرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّا تَقدِمَتُكَ نَافِعاً، فَإِنَّهُ إِمَامٌ فِي القِرَاءةِ، لاَ يُؤْمَنُ أَنْ تَبْدُرَ مِنْهُ بَادِرَةٌ فِي المِحْرَابِ، فَتُحْفَظَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: وَفَّقَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، لَكِنْ لَعَلَّ الرَّاوِي وَهِمَ فِي قَوْلِهِ: هَارُوْنُ؛ لأَنَّ نَافِعاً قَبْلَ خِلاَفَةِ هَارُوْنَ مَاتَ.
مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي السُّنَّةِ:
وَبِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا الحُلْوَانِيُّ سَمِعْتُ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: سَنَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوُلاَةُ الأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَناً، الأَخْذُ بِهَا اتِّبَاعٌ لِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتِكمَالٌ بِطَاعَةِ اللهِ، وَقُوَّةٌ عَلَى دِيْنِ اللهِ، لَيْسَ لأَحَدٍ تَغِييرُهَا وَلاَ تَبْدِيلُهَا وَلاَ النَّظَرُ فِي شَيْءٍ خَالَفَهَا، مَنِ اهْتَدَى بِهَا، فَهُوَ مُهتَدٍ، وَمَنِ اسْتَنصَرَ بِهَا، فَهُوَ مَنْصُوْرٌ، وَمَنْ تَرَكَهَا، اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيْلِ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى، وَأَصْلاَهُ جهنم وساءت مصيرًا.
وَبِهِ، إِلَى الحُلْوَانِيِّ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ عِيْسَى يَقُوْلُ: قَالَ مَالِكٌ: أَكُلَّمَا جَاءنَا رَجُلٌ أَجْدَلُ مِنْ رَجُلٍ، تَرَكنَا مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيْلُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِجَدَلِهِ?!
وَبِهِ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا أبي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أبي ثَوْرٍ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا جَاءهُ بَعْضُ أَهْلِ الأَهوَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنِّيْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ دِيْنِي، وَأَمَّا أَنْتَ، فَشَاكٌّ, اذْهَبْ إِلَى شَاكٍّ مِثْلِكَ، فَخَاصِمْهُ.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ خَلَفٍ الطَّرَسُوْسِيُّ -وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ المُسْلِمِيْنَ- قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ? فَقَالَ مَالِكٌ: زِنْدِيقٌ، اقْتُلُوْهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّمَا أَحكِي كَلاَماً سَمِعْتُهُ. قَالَ: إِنَّمَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ، وعظَّم هَذَا القَوْلَ.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: النَّاسُ يَنْظُرُوْنَ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ القيامة بأعينهم.

وَبِهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنِ القَدَرِ: نَعَمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السَّجْدَةُ: 13] .
وَبِهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: رَأيِي فِيْهِم أَنْ يُسْتَتَأبيا، فَإِنْ تَأبيا، وَإِلاَّ قُتِلُوا. يَعْنِي: القَدَرِيَّةَ.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا القَاضِي أبي أُمَيَّةَ الغَلاَّبِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، كَيْفَ اسْتَوَى? فَمَا وَجَدَ مَالِكٌ مِنْ شَيْءٍ مَا وَجَدَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ، فَنَظَرَ إِلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ يَنْكُتُ بِعُوْدٍ فِي يَدِهِ، حَتَّى عَلاَهُ الرُّحَضاء1، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَه، وَرَمَى بِالعُوْدِ، وَقَالَ: الكَيْفُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْقُوْلٍ، وَالاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُوْلٍ، وَالإِيْمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَأَظُنُّكَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ. وَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ.
قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ مَرَّةً فِي رِوَايَةِ هَذَا: وَقَالَ لِلسَّائِلِ: إِنِّيْ أَخَافُ أَنْ تَكُوْنَ ضَالاًّ.
وَقَالَ أبي الرَّبِيْعِ الرَّشِيْدِيْنِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: كُنَّا عند مالك، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتِوَاؤُهُ? فَأَطرَقَ مَالِكٌ، وَأَخَذَتْهُ الرُّحَضاء، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، وَلاَ يُقَالُ لَهُ: كَيْفَ، وَ"كَيْفَ" عَنْهُ مَرْفُوْعٌ، وَأَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ، صَاحِبُ بِدْعَةٍ، أَخْرِجُوْهُ.
وَقَالَ محمد بن عمرو قشمرد النيساوي: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَفِيْهِ: فَقَالَ: الاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُوْلٍ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ "الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ" لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُريج بنُ النُّعْمَانِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: اللهُ فِي السَّمَاءِ، وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لاَ يَخْلُو مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ: حَدَّثَنَا أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بن محمد العُمَري، حدثنا ابن أَبِي أُوَيْسٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَكَلاَمُ اللهِ مِنْهُ، وَلَيْسَ مِنَ اللهِ شيء مخلوق.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ فِي سِيْرَةِ مَالِكٍ: قَالَ ابْنُ نَافِعٍ، وَأَشْهَبُ -وَأَحَدُهُمَا يَزِيْدُ عَلَى الآخَرِ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القِيَامَةُ: 22، 23] ، يَنْظُرُوْنَ إِلَى اللهِ? قَالَ: نَعَمْ، بِأَعْيُنِهُم هَاتَيْنِ. قُلْتُ: فَإِنَّ قَوْماً يَقُوْلُوْنَ: نَاظرَةٌ: بِمَعْنَى مُنْتَظِرَةٌ إِلَى الثَّوَابِ. قَالَ: بَلْ تَنظُرُ إِلَى اللهِ، أَمَّا سَمِعْتَ قَوْلَ مُوْسَى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأَعْرَافُ: 143] ، أَتُرَاهُ سَأَلَ مُحَالاً? قَالَ اللهُ: {لَنْ تَرَانِي} فِي الدُّنْيَا، لأَنَّهَا دَارُ فَنَاءٍ، فَإِذَا صَارُوا إِلَى دَارِ البَقَاءِ، نَظَرُوا بِمَا يَبْقَى إِلَى مَا يَبْقَى. قَالَ -تَعَالَى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 15] .
قَالَ القَاضِي: وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ مَالِكٍ: الإِيْمَان قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ، وَبَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ.
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ القَاسِمِ: كَانَ مَالِكٌ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ يزيد. وتوقف عن النقصان.
قال: روى ابْنُ نَافِعٍ، عَنْ مَالِكٍ: مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، يُجلَدُ وَيُحبَسُ.
قَالَ: وَفِي رِوَايَةِ بِشْرِ بنِ بَكْرٍ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: يُقتَلُ، وَلاَ تُقْبَلُ لَهُ تَوبَةٌ.
يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: حَدَّثَنَا أَشْهَبُ، عن مالك، قال: القدرية، لا تُنَاكِحُوهُم، وَلاَ تُصَلُّوا خَلْفَهُم.
أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لاَ يُسْتَتَابُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الكُفَّارِ وَالمُسْلِمِيْنَ.
أبي أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا أبي زَيْدٍ بنُ أَبِي الغَمْرِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَمَّنْ حَدَّثَ بِالحَدِيْثِ: الَّذِيْنَ قَالُوا: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ" ، وَالحَدِيْثِ الَّذِي جَاءَ: "إِنَّ اللهَ يَكْشِفُ عَنْ ساقه"، "وأنه يُدْخِلُ يَدَهُ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يُخْرِجَ مَنْ أَرَادَ". فَأَنْكَر مَالِكٌ ذَلِكَ إِنْكَاراً شَدِيْداً، وَنَهَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهَا أَحَدٌ. فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ نَاساً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَتَحَدَّثُوْنَ بِهِ. فَقَالَ: مَنْ هُوَ? قِيْلَ: ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. قَالَ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَجْلاَنَ يَعْرِفُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ عَالِماً. وَذَكَرَ أَبَا الزِّنَادِ، فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ عَامِلاً لِهَؤُلاَءِ حَتَّى مَاتَ. رَوَاهَا: مِقْدَامٌ الرُّعَيْنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الغَمْرِ، وَالحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ القَاسِمِ.
قُلْتُ: أَنْكَرَ الإِمَامُ ذَلِكَ، لأَنَّهُ لَمْ يَثبُتْ عِنْدَهُ، وَلاَ اتَّصَلَ بِهِ، فَهُوَ مَعْذُورٌ، كَمَا أَنَّ صَاحِبَي "الصَّحِيْحَيْنِ" مَعْذُورَانِ فِي إِخرَاجِ ذَلِكَ -أَعْنِي: الحَدِيْثَ الأَوَّلِ وَالثَّانِي- لِثُبُوتِ سَنَدِهِمَا، وأما الحديث الثالث، فلا أعرفه بِهَذَا اللَّفْظِ، فَقَولُنَا فِي ذَلِكَ وَبَابِهِ: الإِقرَارُ، وَالإِمْرَارُ، وَتَفْويضُ مَعْنَاهُ إِلَى قَائِلِه الصَّادِقِ المَعْصُومِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ قَالَ: يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَمْرُهُ، فَأَمَّا هُوَ، فَدَائِمٌ لاَ يَزُولُ. قَالَ صَالِحٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، فَقَالَ: حَسَنٌ وَاللهِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.
قُلْتُ: لاَ أَعْرِفُ صَالِحاً، وَحَبِيْبٌ مَشْهُوْرٌ، وَالمَحْفُوْظُ عَنْ مَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ- رِوَايَةُ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ سَأَلهُ عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ، فَقَالَ: أَمِرَّهَا كَمَا جَاءتْ، بِلاَ تَفْسِيْرٍ. فَيَكُوْنُ لِلإِمَامِ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ إِنْ صَحَّتْ رِوَايَةُ حَبِيْبٍ.
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ البَرْقِيِّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ حَسَّانٍ: أَنَّ أَبَا خُلَيْدٍ قَالَ لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ أهل دمشق يقرءون: إِبْرَاهَامُ. فَقَالَ: أَهْلُ دِمَشْقَ بِأَكْلِ البَطِّيخِ أَعْلَمُ مِنْهُم بِالقِرَاءةِ. قَالَ لَهُ أبي خُلَيْدٍ: إِنَّهُم يدَّعون قِرَاءةَ عُثْمَانَ. قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا مُصْحَفُ عُثْمَانَ عِنْدِي. وَدَعَا بِهِ، فَفُتِحَ، فَإِذَا فِيْهِ: إِبْرَاهَامُ، كَمَا قَالَ أَهْلُ دِمَشْقَ.
قُلْتُ: رَسْمُ المُصْحَفِ مُحْتَمِلٌ لِلْقِرَاءتَيْنِ، وَقِرَاءةُ الجُمْهُوْرِ أَفصَحُ وَأَوْلَى.
قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ: مَا أَدْرَكتُ أَحَداً مِمَّنْ أَقتَدِي به إلا وَهُوَ يَرَى الكَفَّ عَنْهُمَا. قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: يُرِيْدُ التَّفْضِيْلَ بَيْنَهُمَا. فَقُلْتُ: فَأبي بَكْرٍ، وَعُمَرُ? فَقَالَ: لَيْسَ فِيْهِمَا إِشْكَالٌ، إِنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا.
قَالَ الحَسَنُ بنُ رُشَيْقٍ: سَمِعْتُ النَّسَائِيَّ يَقُوْلُ: أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى عِلْمِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةٌ: شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَيَحْيَى القَطَّانُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ مَعْنٌ: انْصَرَفَ مَالِكٌ يَوْماً، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أبي الجُوَيْرِيَةِ، مُتَّهَمٌ بِالإِرْجَاءِ، فَقَالَ: اسْمَعْ مِنِّي. قَالَ: احْذَرْ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْكَ. قَالَ: وَاللهِ مَا أُرِيْدُ إِلاَّ الحَقَّ، فَإِنْ كَانَ صَوَاباً، فَقُلْ بِهِ، أَوْ فَتَكَلَّمْ قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتَنِي؟ قَالَ: اتَّبِعْنِي. قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتُكَ؟ قَالَ: اتَّبَعْتُكَ. قَالَ: فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ، فَكَلَّمَنَا، فَغَلَبَنَا? قَالَ: اتَّبَعْنَاهُ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَا هَذَا، إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدِيْنٍ وَاحِدٍ، وَأَرَاكَ تَتَنَقَّل.
وَعَنْ مَالِكٍ، قَالَ: الجِدَالُ فِي الدِّيْنِ يُنشِئُ المِرَاءَ، وَيُذْهِبُ بِنُورِ العِلْمِ مِنَ القَلْبِ وَيُقَسِّي، وَيُورِثُ الضِّغن.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ أبي طَالِبٍ المَكِّيُّ: كَانَ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ- أَبعَدَ النَّاسِ مِنْ مَذَاهِبِ المُتَكَلِّمِيْنَ، وَأَشَدَّ نَقضاً لِلْعِرَاقِيِّينَ. ثُمَّ قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكاً، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} . كَيْفَ اسْتَوَى? فَسَكَتَ مَالِكٌ حَتَّى عَلاَهُ الرُّحَضَاءُ، ثُمَّ قَالَ: الاسْتِوَاءُ مِنْهُ مَعْلُوْمٌ، وَالكَيْفُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْقُوْلٍ، والسؤال عن هذا بِدْعَةٌ، وَالإِيْمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَإِنِّيْ لأَظُنُّكَ ضَالاًّ، أَخْرِجُوْهُ. فَنَادَاهُ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَاللهِ لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا أَهْلَ البَصْرَةِ وَالكُوْفَةِ وَالعِرَاقِ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً وُفِّقَ لِمَا وُفِّقْتَ لَهُ.
فَصْلٌ:
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "مُسْنَدِ مَالِكٍ" بِإِسْنَادٍ صَحَّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً مَا حَدَّثتُ بِهَا قَطُّ.
وَقَالَ: نَشَرَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِلْماً كَثِيْراً أَكْثَرَ مِمَّا نَشَرَ عَنْهُ بَنُوْهُ.
الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ آتِي نَافِعاً، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيْثُ السِّنِّ، مَعَ غُلاَمٍ لِي، فَيَنْزِلُ مِنْ دَرَجِه، فَيَقِفُ مَعِي، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ الصُّبْحِ فِي المَسْجِدِ، فَلاَ يَكَادُ يَأْتِيْهِ أَحَدٌ.
سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: جَالَسَ نُعَيْمٌ المُجْمِرُ أَبَا هُرَيْرَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً.

قَالَ مَعْنٌ: كَانَ مَالِكٌ يَتَّقِي فِي حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اليَاءَ وَالتَّاءَ وَنَحْوَهُمَا.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: العِلْمُ حَيْثُ شَاءَ اللهُ جَعَلَهُ، لَيْسَ هُوَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ.
ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: حَقٌّ عَلَى مَنْ طَلَبَ العِلْمَ أَنْ يَكُوْنَ له وَقَارٌ، وَسَكِيْنَةٌ، وَخَشْيَةٌ، وَالعِلْمُ حَسَنٌ لِمَنْ رُزِقَ خَيْرَه، وَهُوَ قَسْمٌ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- فَلاَ تُمَكِّنِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ مِنْ سَعَادَةِ المَرْءِ أَنْ يُوَفَّقَ لِلْخَيْرِ، وَإِنَّ مِنْ شِقْوَةِ المَرْءِ أَنْ لاَ يَزَالَ يُخطِئُ، وَذُلٌّ وَإِهَانَةٌ لِلْعِلمِ أَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِالعِلْمِ عِنْدَ مَنْ لاَ يُطِيْعُهُ.
القَعْنَبِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: كَانَ الرَّجُلُ يَخْتلِفُ إِلَى الرَّجُلِ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً يَتَعَلَّمُ مِنْهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ: جَالَسْتُ مَالِكاً خَمْساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَمْلأَ أَلْوَاحِي مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: لاَ أَدْرِي، لَفَعلْتُ.
حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَيْسَ هَذَا الجَدَلُ مِنَ الدِّيْنِ بِشَيْءٍ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِيْمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ المَسَائِلِ المُعْضِلَةِ: الكَلاَمُ فِيْهَا -يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ- يُورِثُ البَغْضَاءَ.
سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ، وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَمَالِكاً، وَابْنَ عُيَيْنَةَ، كُلَّهُم يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ.
قَالَ مَخْلَدُ بنُ خِدَاشٍ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنِ الشِّطْرَنْجِ، فَقَالَ: أَحَقٌّ هُوَ? فَقُلْتُ: لاَ. قَالَ: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يُوْنُسُ: 32] .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَجَجْتُ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَصَائِحٌ يَصِيْحُ: لاَ يُفْتِي النَّاسَ إِلاَّ مَالِكُ بنُ أنس، وابن الماجِشُون.
ابْنُ وَهْبٍ, عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَا زَهِدَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا وَاتَّقَى، إِلاَّ نَطَقَ بِالحِكْمَةِ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا ذَهَبَ يَمدَحُ نَفْسَه، ذَهَبَ بَهَاؤُهُ.
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: التَّوقِيْتُ فِي المَسْحِ بِدْعَةٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ مَالِكٌ وَأبي يُوْسُفَ عِنْد أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَتَكَلَّمُوا فِي الوُقُوفِ، وَمَا يُحَبِّسُهُ النَّاسُ. فَقَالَ يَعْقُوْبُ: هَذَا بَاطِلٌ. قَالَ شُرَيْحٌ: جَاءَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِطلاَقِ الحُبُسِ. فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا أَطْلَقَ مَا كَانُوا يُحَبِّسُونَهُ لآلِهَتِهِم مِنَ البَحِيْرَةِ وَالسَّائِبَةِ، فأما الوقوف، فهذا وقف عمر قَدِ اسْتَأْذَنَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "حَبِّسْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا" ، وَهَذَا وَقْفُ الزُّبَيْرِ. فَأَعْجَبَ الخَلِيْفَةَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَبَقِيَ يَعْقُوْبُ.
ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ جِدَارِ قِبْلَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ المِنْبَرِ قَدْرُ مَمَرِّ الرَّجُلِ مُتَحَرِّجاً، وَقَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدَّمَ جِدَارَ القِبْلَةِ حَتَّى جَعَلَهَا عِنْد المَقْصُوْرَةِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وَإِنَّ عُثْمَانَ قَرَّبَهَا إِلَى حَيْثُ هِيَ اليَوْمَ.
دَاوُدُ بنُ رَشِيْدٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ تَفْضِيضِ المَصَاحِفِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا مُصْحَفاً، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي: أَنَّهُم جَمَعُوا القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُم فَضَّضُوا المَصَاحِفَ عَلَى هَذَا أَوْ نَحْوِه.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لِمَالِكٍ نَحْوُ أَلفِ حَدِيْثٍ -يَعْنِي: مَرْفُوْعَةً.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: قَالَ لِي مَالِكٌ: قَرَأْتُ عَلَى نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ.
وَرَوَى القَعْنَبِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَا تَرَكَ مَالِكٌ عَلَى ظَهْرِ الأرض مثله.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ مَالِكٌ ثِقَةً، ثَبْتاً، حُجَّةً، عَالِماً، وَرِعاً.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْلاَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ، لَضَلَلْنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا فِي الأَرْضِ كِتَابٌ فِي العِلْمِ أَكْثَرُ صَوَاباً مِنْ "مُوَطَّأِ مَالِكٍ".
قُلْتُ: هَذَا قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَلَّفَ "الصَّحِيْحَانِ".
قَالَ خَالِدُ بنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ: بَعَثَ المَنْصُوْرُ إِلَى مَالِكٍ حِيْنَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا بِالعِرَاقِ، فَضَعْ كِتَاباً نَجْمَعُهُم عَلَيْهِ. فَوَضَعَ "المُوَطَّأَ".
قَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَاصِمٍ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: رَجُلٌ يُحِبُّ أَنْ يَحفَظَ حَدِيْثَ رَجُلٍ بِعَيْنِه? قَالَ: يَحفَظُ حَدِيْثَ مَالِكٍ. قُلْتُ: فَرَأْيٌ? قَالَ: رَأْيُ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قِيْلَ لأُخْتِ مَالِكٍ: مَا كَانَ شُغْلُ مَالِكٍ فِي بَيْتِهِ? قالت: المصحف, التلاوة.
قَالَ أبي مُصْعَبٍ: كَانُوا يَزْدَحِمُوْنَ عَلَى بَابِ مَالِكٍ حَتَّى يَقْتَتِلُوا مِنَ الزِّحَامِ، وَكُنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَهُ لاَ يَلْتَفِتُ ذَا إِلَى ذَا، قائلون برءوسهم هَكَذَا. وَكَانَتِ السَّلاَطِيْنُ تَهَابُهُ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لاَ، وَنَعَمْ. وَلاَ يُقَالُ لَهُ: مَنْ أَيْنَ قُلْتُ ذَا?
أبي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُتَعَالِ بنُ صَالِحٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، قَالَ: قِيْلَ لِمَالِكٍ: إِنَّكَ تَدْخُلُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَهُم يَظْلِمُوْنَ، وَيَجُورُوْنَ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَأَيْنَ المُكَلِّمُ بِالحَقِّ.
وَقَالَ مُوْسَى بنُ دَاوُدَ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا أبي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ فَقَالَ: يَا مَالِكُ، كَثُرَ شَيبُكَ. قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَنْ أَتَتْ عَلَيْهِ السِّنُوْنُ، كَثُرَ شَيبُهُ قَالَ: مَا لِي أَرَاك تَعتَمِدُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ? قُلْتُ: كَانَ آخِرَ مَنْ بَقِيَ عِنْدَنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، فَاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَسَأَلُوْهُ، فَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ.
ذَكَرَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَصْحَابَ نَافِعٍ، فَقَالَ: مَالِكٌ وَإِتْقَانُه، وَأَيُّوْبُ وَفَضْلُهُ، وَعُبَيْدُ اللهِ وَحِفْظُهُ.
ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدٌ: أَيُّهُمَا أَعْلَمُ صَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُم? -يَعْنِي أَبَا حَنِيْفَةَ وَمَالِكاً- قُلْتُ: عَلَى الإِنْصَافِ? قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ مَنْ أعلم بالقرآن? قال: صاحبكم، قلت: نعم. قُلْتُ: مَنْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ? قَالَ: صَاحِبُكُم، قُلْتُ: فَمَنْ أَعْلَمُ بِأَقَاوِيْلِ الصَّحَابَةِ وَالمُتَقَدِّمِيْنَ? قَالَ: صَاحِبُكُم. قُلْتُ: فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ القِيَاسُ، وَالقِيَاسُ لاَ يَكُوْنُ إِلاَّ عَلَى هَذِهِ الأَشْيَاءِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الأُصُوْلَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَقِيسُ?
قُلْتُ: وَعَلَى الإِنْصَافِ، لَوْ قَالَ قَائِلٌ: بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي عِلْمِ الكِتَابِ، وَالأَوَّلُ: أَعْلَمُ بِالقِيَاسِ، والثاني: أعلم بالسنة، وعنده علم جم مِنْ أَقْوَالِ كَثِيْرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَمَا أَنَّ الأَوَّلَ أَعْلَمُ بِأَقَاوِيْلِ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَطَائِفَةٍ مِمَّنْ كَانَ بِالكُوْفَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَضِيَ اللهُ عَنِ الإِمَامَيْنِ، فَقَدْ صِرْنَا فِي وَقْتٍ لاَ يَقْدِرُ الشَّخْصُ عَلَى النُّطقِ بِالإِنْصَافِ، نَسْأَل اللهُ السَّلاَمَةَ.
قَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَغَيْرُهُ: كَانَ خَاتِمُ مَالِكٍ، الَّذِي مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ، فَصُّهُ أَسْوَدُ حَجَرِيٌّ، وَنَقْشُهُ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ. وَكَانَ يَلْبَسُهُ فِي يَسَارِهِ، وَرُبَّمَا لَبِسَهُ فِي يَمِيْنِه.
وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَهْيَبَ، وَلاَ أَتَمَّ عَقْلاً مِنْ مَالِكٍ وَلاَ أَشَدَّ تَقوَىً.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَا نَقَلْنَا مِنْ أَدَبِ مَالِكٍ أَكْثَرُ مِمَّا تَعْلَّمْنَا مِنْ عِلْمِهِ.

وَعَنْ مَالِكٍ قَالَ: مَا جَالَسْتُ سَفِيْهاً قَطُّ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: أَفْتَى مَالِكٌ مَعَ نَافِعٍ، وَرَبِيْعَةَ.
وَقَالَ أبي الوَلِيْدِ البَاجِيُّ: رُوِيَ أَنَّ المَنْصُوْرَ حَجَّ، وَأَقَادَ مَالِكاً مِنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ الَّذِي كَانَ ضَرَبَه، فَأَبَى مَالِكٌ، وَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ فِي مَالِكٍ:
يَدَعُ الجَوَابَ فَلاَ يُرَاجَعُ هيبة ... والسائلون نواس الأَذْقَانِ
عِزُّ الوَقَارِ وَنُوْرُ سُلْطَانِ التُّقَى ... فَهُوَ المَهِيْبُ وَلَيْسَ ذَا سُلْطَانِ
قَالَ أبي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ بنِ الرَّمَّاحِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، ما في الصَّلاَةِ مِنْ فَرِيْضَةٍ? وَمَا فِيْهَا مِنْ سُنَّةٍ? أَوْ قَالَ نَافلَةٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: كَلاَمُ الزَّنَادِقَةِ، أَخْرِجُوْهُ.
وَقَالَ مَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَقَمْتُ عَلَى بَابِكَ سَبْعِيْنَ يَوْماً حَتَّى كَتَبتُ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً، فَقَالَ: سِتُّوْنَ حَدِيْثاً! وَجَعَلَ يَسْتَكْثِرُهَا. فَقَالَ الرَّجُلُ: رُبَّمَا كَتَبْنَا بِالكُوْفَةِ أَوْ بِالعِرَاقِ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً، فَقَالَ: وَكَيْفَ بِالعِرَاقِ دَارُ الضَّربِ، يُضْرَبُ بِاللَّيْلِ، وَيُنْفَقُ بِالنَّهَارِ?
قَالَ أبي العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي "التَّمْهِيْدِ": هَذَا كَتَبتُهُ مِنْ حِفْظِي، وَغَابَ عَنِّي أَصْلِي: إِنَّ عَبْدَ اللهِ العُمَرِيَّ العَابِدَ كَتَبَ إِلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الانْفِرَادِ وَالعَمَلِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ: إِنَّ اللهَ قَسَمَ الأَعْمَالَ كَمَا قَسَمَ الأَرْزَاقَ، فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلاَةِ، وَلَمْ يُفتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُفتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الجِهَادِ. فَنَشْرُ العِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ البِرِّ، وَقَدْ رَضِيْتُ بِمَا فُتِحَ لِي فِيْهِ، وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيْهِ بِدُوْنِ مَا أَنْتَ فِيْهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ كِلاَنَا عَلَى خَيْرٍ وَبِرٍّ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ حَسَنِ بن مُهَاجِرٍ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ مَالِكٌ بَعْدَ تَخَلُّفِهِ عَنِ المَسْجِدِ يُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ فِي جَمَاعَةٍ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، وَكَانَ يصلي صلاة الجمعة في منزله وحده.

رِوَايَةُ بَعْضِ مَشَايِخِهِ عَنْهُ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَأَنْبَأَنَا أبي المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ الخَطِيْبُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أبي الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا أبي الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ الأَنْبَارِيِّ فِي المحرم سنة أربع وثمانين وأربعمائة، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَارِثِ أبي بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسَّاجُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ يُقَالُ لَهُ: مالك بن أنس، عن سعد بن إسحاق، عَنْ عَمَّتِه زَيْنَبَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْلاَجٍ لَهُ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ مِثْلَ حَدِيْثِ النَّاسِ.
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ جَمَاعَةٍ: أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّادَ أَخْبَرَهُمْ: أَخْبَرَنَا أبي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الصَّوَّافِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا البَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ النَّسَّاجُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مالك بن أنس، عن سعد بن إسحاق، عن عمته زَيْنَبَ، عَنِ الفُرَيْعَةِ أُخْتِ أَبِي سَعِيْدٍ: أَنَّ زَوْجهَا تَكَارَى عُلُوجاً لَهُ، فَقَتَلُوْهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّيْ لَسْتُ فِي مَسْكَنٍ لَهُ، وَلاَ يَجْرِي عَلَيَّ مِنْهُ رِزْقٌ، فَأَنْتقِلُ إِلَى أَهْلِ أَبْيَاتِي، فَأُقِيْمُ عَلَيْهِم? قَالَ: "اعْتَدِّي حَيْثُ يَبْلُغُكِ الخَبَرُ".
وَأَخْبَرَنَاهُ بِتَمَامِه عَالِياً أبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عُلْوَانَ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدة الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ دُوْسْتَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بنِ عُجْرَة: أَنَّ الفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ -وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ- أَخْبَرَتْهَا: أَنَّهَا جَاءتْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْأَلُه أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بنِي خُدْرة، فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَهْرِ القَدُوْمِ، لَحِقَهُم، فَقَتَلُوْهُ. قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَرجِعَ إِلَى أَهْلِي، فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَترُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَملِكُهُ، وَلاَ نَفَقَةٍ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ". فَخَرَجتُ، فَقَالَ: "كَيْفَ قُلْتِ"؟. فرددتُ عَلَيْهِ القِصَّةَ، فَقَالَ: "امْكُثِي فِي بَيْتِكِ، حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ". فَاعْتَدَدْتُ فيه أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بنُ عفان، أرسل إلي، فسألني عن ذلك، فَأَخْبَرتُهُ فَاتَّبَعَهُ، وَقَضَى بِهِ.
وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً بِدَرَجَاتٍ: أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أبي مُصْعَبٍ، حدثنا مالك، بنحوه.
وبإسنادي إلى بن مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أنه نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ.
ثُمَّ قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا بِهِ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً سُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَأَنْجَبُ الحَمَّامِيُّ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ القُبَّيْطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ السَّبَّاكِ، وَغَيْرُهُم قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ البَانْيَاسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْتِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَخْبَرَنَا أبي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أكل لحوم الحمر الإنسية.
وَأَخْبَرَنَا بِهِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أبي مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ البَانْيَاسِيُّ، فَذَكَرَهُ.
وَبِهِ إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا أبي غَسَّانَ يَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بنِ أنس، عن عمرو بن مسلم، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَخَلَ العَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ عَنِ العَنْبَرِيِّ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ -أَوْ عَمْرِو- بنِ مُسْلِمٍ بِنَحْوِهِ. هَذَا غَرِيْب، وَلَيْسَ ذَا فِي "المُوَطَّأِ".
الحَاكِمُ فِي تَرْجَمَةِ مَالِكٍ، فِي كِتَابِ "مزكِّي الأَخْبَارِ"، حَدَّثَنَا أبي الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَرَابِيْسِيُّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ مِنْ أَصلِهِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "السفر قطعة من العذاب". غَرِيْبٌ جِدّاً.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَكَ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أبي المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا أبي عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرْنَا أبي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أبي بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ، حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ.
وَبِهِ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بن شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ كِلاَهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَحَرْنَا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.
وَبِهِ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا القَاضِي أبي أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ الرُّعَيْنِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيْهِمَا أبيابُ السَّمَاءِ قَلَّمَا تُرَدُّ فِيْهِمَا دَعْوَةٌ: حضور الصلاة وعند الزحف للقتال".
رَوَاهُ أَيْضاً أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ وَأبي المُنْذِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَهُ.
أَخْبَرَنَا أبي المَعَالِي الهَمْدَانِيُّ, أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ بِحَرَّانَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ أَخْبَرَنَا أبي عُمَرَ الفَارِسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- دَخَلَ مَكَّةَ زَمَنَ الفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ.
أَخْبَرَنَا أبي المَعَالِي أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أخبرنا علي أخبرنا أبي عمر أخبرنا مَخْلَدٌ, حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ سَالِمٍ, حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ, حَدَّثَنَا مَالِكٌ, حَدَّثَنَا عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ, عَنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ, عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بنِ رِبْعِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليصل ركعتين قبل أَنْ يَقْعُدَ". اتَّفَقَا عَلَيْهِ, مِنْ حَدِيْثِ مَالِكٍ.
الحَافِظُ أبي بَكْرٍ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا البَرْقاني, حَدَّثَنَا أبي القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيُّ, قُرِئَ عَلَى أَبِي عَروبة الحَرَّانِيِّ, حَدَّثَكُم مُحَمَّدُ بنُ وَهْبٍ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ, عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيْمِ, عَنْ زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ, عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ, عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ, عَنْ أَبِيْهِ -لاَ أَعْلَمُه إِلاَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللهُ عَبْداً كَانَتْ عِنْدَهُ لأَخِيْهِ مَظْلَمَةٌ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَأَتَاهُ فَاسْتَحَلَّ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تُؤْخَذَ حَسَنَاتُهُ فَإِنْ لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صَاحِبِهِ فَتُوْضَعُ فِي سَيِّئَاتِهِ".
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ العَدْلُ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْظَلِيُّ, حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ, حَدَّثَنِي أَبِي, حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ مُضَرَ, حَدَّثَنَا ابْنُ الهَادِ, حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرُ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لاَ يَحْتَلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ وَيُنْثَلَ مَا فِيْهِ فَلاَ يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه". وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بنُ بَكْرِ بنِ مُضَرَ عَنْ أَبِيْهِ وَقَدْ وَقَعَ لِي عَالِياً كَأَنِّيْ سَمِعْتُهُ من الحاكم.
أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ, بِنَابُلُسَ, أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ, وَالحُسَيْنُ بنُ مُبَارَكٍ, وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ, أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ مبارك, وَنَفِيْسُ بنُ كَرَمٍ وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَسْكَرٍ, وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ, وَعِدَّةٌ بِمِصْرَ, وَسُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ بِحَلَبَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ, وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ بنُ قِوَامٍ, وَيُوْسُفُ بنُ أَبِي نَصْرٍ, وَعَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ الأَمِيْنُ, وَمُحَمَّدُ بنُ حَازِمٍ, وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الذَّهَبِيُّ, وَمُحَمَّدُ بنُ هَاشِمٍ العَبَّاسِيُّ, وَعُمَرُ, وَأبي بَكْرٍ, أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ, وَسُوَيْجُ بنُ مُحَمَّدٍ, وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي العِزِّ, وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ الآمِدِيَّةُ, وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ المَرَاتِبِيَّةُ, وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيْمَ البَطَائِحِيَّةُ, وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الحَمِيْدِ قَالُوا: أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ اليَمَانِيُّ, وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ, وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الحَاجِبُ, وَنَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدُ بنُ العِمَادِ, وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ, وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُجَاهِدِ, وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُلَقِّنُ, وَأَحْمَدُ بنُ رِسْلاَنَ, وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُذْهَبُ, وَأَحْمَدُ بنُ عبد الرحمن الدَّائِمِ بنُ أَحْمَدَ الوَزَّانُ, وَعُبَيْدُ الحُمَيْدِ بنُ أَحْمَدَ, وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ فَضْلٍ, وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليُوْنِيْنِيُّ, وَمُحَمَّدُ بنُ قَايْمَازَ الدَّقِيْقِيُّ, وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَلِيٍّ قَالُوا: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ, وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ قَالُوا سِتَّتُهُم: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى, أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الفَارِسِيُّ سَنَةَ تسع وستين وأربعمائة, أَخْبَرَنَا أبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ الأَنْصَارِيُّ, أَخْبَرَنَا أبي القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ, حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ مُوْسَى إِمْلاَءً سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمَائَتَيْنِ, حَدَّثَنَا لَيْثُ بنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَامَ فَقَالَ: "لاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ بَابُ خِزَانَتِهِ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ, وَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُم ضُرُوْعُ مَوَاشِيْهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ, فَلاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ رُمْحٍ عَنْ لَيْثٍ.
مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الزَّبِيْدِيُّ: حَدَّثَنَا أبي قُرَّةَ, عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ, عَنْ مَالِكٍ, عَنْ نَافِعٍ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعاً: "لاَ تُبَاعُ الثَّمَرَةُ حتى يبدو صلاحها".
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ تَيْمِيَّةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَأَخْبَرَنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ الخَطِيْبُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أبي عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ عمر وعثمان قَضَيَا فِي المِلْطَاةِ، وَهِيَ السِّمْحَاقُ بِنِصْفِ مَا فِي المُوْضِحَةِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا سُفْيَانُ فَسَأَلْنَاهُ فَحَدَّثَنَا بِهِ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ لَقِيْتُ مَالِكاً فَقُلْتُ: إِنَّ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَنْكَ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي المِلْطَاةِ1 بِنِصْفِ المُوضِحَةِ. فَقَالَ: صَدَقَ، حَدَّثْتُهُ بِهِ، قُلْتُ: حَدِّثْنِي قَالَ: مَا أُحَدِّثُ بِهِ اليَوْمَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ، وأخبرنا علي ابن مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ قَالاَ: أَخْبَرَنَا أبي زُرْعَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ السَّاوِيُّ3، أَخْبَرَنَا أبي بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أبي العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَالِكٍ نَحْوَهُ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ عَزِيْزٌ، نَزَلَ الشَّافِعِيُّ فِي إِسْنَادِهِ كَثِيْراً تَحْصِيْلاً لِلْعِلْمِ.
الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أبي جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ بنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا بَكَّارُ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صماتها".
أَخْبَرَنَا بِهِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ السَّيِّدِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي عُثْمَانَ البَحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أبي مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ, نَحْوَهُ.
وَسَاوَيتُ الحَاكِمَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ القَاضِي، وَشُعْبَةُ.
الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أبي عَلِيٍّ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أبي الطَّاهِرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المَدِيْنِيُّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ دُرُسْتَ، حَدَّثَنَا أبي إِسْمَاعِيْلَ القَنَّادُ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "القَطْعُ فِي رُبْعِ دِيْنَارٍ فَصَاعِداً".
غَرِيْبٌ جِدّاً، وَلاَ نَعْلمُ مَالِكاً اجْتَمَعَ بِيَحْيَى، وَلَو جَرَى ذَلِكَ، لَكَانَ يَرْوِي عَنْهُ، وَلكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ مَشْيَخَةِ مَالِكٍ.
تَفَرَّدَ بِهِ أبي الطَّاهِرِ وفيه مقال.
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ السَّدُوْسِيُّ: حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ النُّعْمَانِ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ هَانِئ بنِ حَرَامٍ، قَالَ: كُتِبَ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً، فَقَتَلَهُ. فَكَتَبَ فِي السِّرِّ: يُعْطِي الدِّيَةَ، وَكَتَبَ فِي العَلاَنِيَةِ: يُقَادُ منه.
قَالَ يَعْقُوْبُ: أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُرهب بِذَلِكَ.
وَبِإِسْنَادِي إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ العَطَّارِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنَا أبي هُبَيْرَةَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا سَلاَمَةُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ السِّمْطِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ الغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ". أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ سَلاَمَةَ بِهِ.
وَوَقَعَ لَنَا عَالِياً.
أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَبْقَسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّيْبُلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، بِهَذَا.
وَبِإِسْنَادِي إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ذَكَرَ عَلِيُّ بنُ بَحْرٍ القَطَّانُ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي حَازِمٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ البَتِّيَّ قَائِماً عَلَى رَأْسِ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي الحَنِيْنِ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فَوَجَدْتُ لِمَالِكٍ حلقة، ووجدت نافعًا قد مات.
وَبِهِ، أَخْبَرَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: رُحْتُ إِلَى الظُّهْرِ مِنْ بَيْتِ ابْنِ هُرْمُزَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ، أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَعِدْهُ عَلَيَّ. قَالَ: لاَ. قُلْتُ: أَمَّا كَانَ يُعَادُ عَلَيْكَ? قَالَ: لاَ. فَقُلْتُ: كُنْتَ تَكْتُبُ? قَالَ: لاَ. وَكَفَّ الحَدِيْدَةَ -يَعْنِي: اللِّجَامَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ محمد المؤيدي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يُصَافِحُ امْرَأَةً قَطُّ". أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، فِي جَمْعِهِ أَحَادِيْثَ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ الشافعي سنة تسع وستمائة -وأنا في الرابعة- أخبرنا علي بن مسلم الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أبي نَصْرٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخطيب سنة خمس وستين وأربعمائة، أَخْبَرَنَا أبي الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ بصيدا سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، حَدَّثَنَا أبي رَوْقٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهِزَّانِيُّ بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ "ح". وَأَخْبَرَنَا بِعُلُوٍّ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بن سهل، أخبرنا سعيد بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أبي مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا مالك، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا". لَفْظُ شُعْبَةَ.
أَخْبَرَنَا أبي المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَّانٍ بِبَغْدَادَ، وَأَخْبَرَنَا أبي الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ بِبَعْلَبَكَّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بِمِصْرَ وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أبي المَنْجَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ اللَّتِّيِّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أبي الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى "ح". وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ أَبِي سَعْدٍ بِهَرَاةَ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الفَضْلِ: بِيْبَى بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَتْ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الكَعْبَةَ هُوَ، وَأُسَامَةُ، وَبِلاَلٌ، وَعُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ الحَجَبِيُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِم، وَمَكَثَ فِيْهَا. فَسَأَلْتُ بِلاَلاً حِيْنَ خَرَجَ: مَاذَا صَنَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ? فَقَالَ: جَعَلَ عَمُوْداً عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَثَلاَثَةَ أَعمِدَةٍ وَرَاءهُ، وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى.
وَبِهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ.
وَفَاةُ مَالِكٍ:
قَالَ القَعْنَبِيُّ: سَمِعْتُهُم يَقُوْلُوْنَ: عُمُر مَالِكٍ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: مَرِضَ مَالِكٌ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا عَمَّا قَالَ عِنْد المَوْتِ. قَالُوا: تَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الرُّوْمُ: 4] . وَتُوُفِّيَ صَبِيْحَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ: الأَمِيْرُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ الهَاشِمِيُّ؛ وَلَدُ زَيْنَبَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ العَبَّاسِيَّةِ، وَيُعْرَفُ بِأُمِّهِ. رَوَاهَا: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَسَأَلْتُ مُصْعَباً، فَقَالَ: بَلْ مَاتَ فِي صَفَرٍ، فَأَخْبَرَنِي مَعْنُ بنُ عِيْسَى بِمِثْلِ ذَلِكَ.
وَقَالَ أبي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ: مَاتَ لِعَشْرٍ مَضَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سُحْنُوْنَ: مَاتَ فِي حَادِي عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَاتَ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: الصَّحِيْحُ: وَفَاتُهُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، يَوْم الأَحَدِ، لتمام اثنين وعشرين يومًا من مرضه.
وَغَسَلَهُ ابْنُ أَبِي زَنْبَرٍ وَابْنُ كِنَانَةَ، وَابْنُهُ يَحْيَى وَكَاتِبُهُ حَبِيْبٌ يَصُبَّانِ عَلَيْهِمَا المَاءَ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ جَمَاعَةٌ، وَأَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابٍ بِيْضٍ، وَأَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الجَنَائِزِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ الأَمِيْرُ المَذْكُوْرُ. قَالَ: وَكَانَ نَائِباً لأَبِيْهِ مُحَمَّدٍ عَلَى المَدِيْنَةِ، ثُمَّ مَشَى أَمَام جِنَازَتِه، وَحَمَلَ نَعشَهُ، وَبَلَغَ كَفَنُهُ خَمْسَةَ دَنَانِيْرَ.
قُلْتُ: تَوَاتَرَتْ وَفَاتُه فِي سَنَةِ تِسْعٍ، فَلاَ اعْتِبَارَ لِقَوْلِ مَنْ غَلِطَ وَجَعَلَهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَلاَ اعْتِبَارَ بِقَوْلِ حَبِيْبٍ كَاتِبِهِ، وَمُطَرِّفٍ فِيْمَا حُكِيَ عَنْهُ، فَقَالاَ: سَنَة ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَنَقَلَ القَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ أَسَدَ بنَ مُوْسَى قَالَ: رَأَيْتُ مَالِكاً بَعْد مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ طَوِيْلَةٌ وَثِيَابٌ خُضْرٌ، وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ يَطِيْرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ? قَالَ: بَلَى. فَقُلْتُ: فَإِلاَمَ صِرتَ? فَقَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَبِّي، وَكَلَّمنِي كِفَاحاً، وَقَالَ: سَلْنِي أُعْطِكَ، وَتَمَنَّ عَلَيَّ أرضك.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَاخْتُلِفَ فِي سِنِّهِ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ، وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَحَبِيْبٌ: إِنَّ عُمُرَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. قَالَ: وَقِيْلَ: أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: تِسْعُوْنَ سَنَةً. وَقَالَ الفِرْيَابِيُّ، وَأبي مُصْعَبٍ: سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَقَالَ القَعْنَبِيُّ: تِسْع وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، قَالَ: عَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَشَذَّ أَيُّوْبُ بنُ صَالِحٍ، فقال: عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. قَالَ أبي مُحَمَّدٍ الضَّرَّابُ: هَذَا خَطَأٌ، الصَّوَابُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ.
وَاختُلِفَ فِي حَمْلِ أُمِّهِ بِهِ: فَقَالَ مَعْنٌ، وَالصَّائِغُ، وَمُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ: حَمَلَتْ بِهِ ثَلاَثَ سِنِيْنَ. وَقَالَ نَحْوَهُ: وَالِدُ الزُّبَيْرِ بنِ بَكَّارٍ. وَعَنِ الوَاقِدِيِّ: حَمَلتْ بِهِ سَنَتَيْنِ.
قُلْتُ: وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ اتِّفَاقاً، وَقَبْرُهُ مَشْهُوْرٌ يُزَارُ -رَحِمَهُ اللهُ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا رَأَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَائِلاً يُنشِدُ:
لَقَدْ أَصْبَحَ الإِسْلاَمُ زُعْزِعَ رُكْنُهُ ... غَدَاةَ ثَوَى الهَادِي لَدَى مَلْحَدِ القَبْرِ
إِمَامُ الهُدَى مَا زَالَ لِلْعِلْمِ صَائِناً ... عَلَيْهِ سَلاَمُ اللهِ فِي آخِرِ الدَّهْرِ
قَالَ: فَانْتَبَهتُ، فَإِذَا الصَّارِخَةُ عَلَى مَالِكٍ.
ثُمَّ أَوْرَدَ القَاضِي عِيَاضٌ عِدَّةَ مَنَامَاتٍ حَسَنَةٍ لِلإِمَامِ، وَسَائِرُ كِتَابِه بِلاَ أَسَانِيْدَ، وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ مَا يُنْكَرُ.
قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: مَاتَ مَالِكٌ عَنْ مائَةِ عِمَامَةٍ، فَضْلاً عَنْ سِوَاهَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: بِيْعَ مَا فِي مَنْزِلِ خَالِي مَالِكٍ مِنْ بُسُطٍ، وَمِنَصَّاتٍ، وَمَخَادَّ، وَغَيْرِ ذلك، بما ينيف على خمسمائة دِيْنَارٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ خَلَفٍ: خلف مالك خمسمائة زوج من النِّعَالِ، وَلَقَدِ اشْتَهَى يَوْماً كِسَاءً قُوْصِيّاً، فَمَا مَاتَ إِلاَّ وَعِنْدَهُ مِنْهَا سَبْعَةٌ بُعِثَتْ إِلَيْهِ.
وَأَهدَى لَهُ يَحْيَى بنُ يَحْيَى النَّيْسَأبيرِيُّ هَدِيَّةً، فَوُجِدَتْ بِخَطِّ جَعْفَرٍ: قَالَ مَشَايِخُنَا الثِّقَاتُ: إِنَّهُ باع من فضلتها بثمانين ألفًا.
قَالَ أبي عَمْرٍو: تَرَكَ مِنَ النَّاضِّ أَلفَيْ دينار وستمائة دِيْنَارٍ، وَسَبْعَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، وَمِنَ الدَّرَاهِمِ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ هَذَا الإِمَامُ مِنَ الكُبَرَاءِ السُّعدَاءِ، وَالسَّادَةِ العُلَمَاءِ، ذَا حِشْمَةٍ، وَتَجَمُّلٍ، وَعَبِيْدٍ، وَدَارٍ فَاخِرَةٍ وَنِعمَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَرِفعَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، كَانَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ، وَيَأْكُلُ طَيِّباً، وَيَعْمَلُ صَالِحاً، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ المُبَارَكِ فِيْهِ:
صَمُوْتٌ إِذَا مَا الصَّمتُ زَيَّنَ أَهْلَهُ ... وَفَتَّاقُ أَبْكَارِ الكَلاَمِ المُخَتَّمِ
وَعَى مَا وَعَى القُرْآنُ مِنْ كُلِّ حِكْمَةٍ ... وَسِيْطَتْ2 لَهُ الآدَابُ بِاللَّحْمِ وَالدَّمِ
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ -رَحِمَهُ اللهُ- فِيْهِ:
يَا سَائِلاً عَنْ حَمِيْدِ الهَدْيِ وَالسَّنَنِ ... اطْلُبْ هُدِيْتَ عُلُوْمَ الفِقْهِ وَالسُّنَنِ
وَعَقْدَ قَلْبِكَ فَاشدُدْهُ عَلَى ثَلجٍ ... لاَ تَطْوِيَنَّهُ عَلَى شَكٍّ ولا دخن
وَاسْلُكْ سَبِيْلَ الأُلَى حَازُوا نُهَىً وَتُقَىً ... كَانُوا فَبَانُوا حِسَانَ السِّرِّ وَالعَلَنِ
هُمُ الأَئِمَّةُ وَالأَقْطَابُ مَا انْخَدَعُوا ... وَلاَ شَرَوْا دِيْنَهُم بِالبَخْسِ وَالغَبَنِ
أَصْحَابُ خَيْرِ الوَرَى أَحْبَارُ مِلَّتِهِ ... خَيْرُ القُرُوْنِ نُجُومُ الدَّهْرِ وَالزَّمَنِ
مَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُم مُهتَدٍ وَهُمُ ... نَجَاةُ مَنْ بَعْدَهُم مِنْ غَمْرَةِ الفِتَنِ
وَتَابِعُوْهُم عَلَى الهَدْيِ القَويمِ هُمُ ... أَهْلُ التُّقَى وَالهُدَى وَالعِلْمِ وَالفِطَنِ
فَاخْتَرْ لِدِيْنِكَ ذَا عِلْمٍ تُقَلِّدُهُ ... مُشَهَّرَ الذِّكْرِ فِي شَامٍ وَفِي يَمَنِ
حَوَى أُصُولَهُمُ ثُمَّ اقْتَفَى أَثراً ... نَهْجاً إِلَى كُلِّ مَعْنَى رَائِقٍ حَسَنِ
وَمَالِكُ المُرْتَضَى لاَ شَكَّ أَفْضَلُهُم ... إِمَامُ دَارِ الهُدَى وَالوَحِيِ وَالسُّنَنِ
فَعَنْهُ حُزْ عِلْمَهُ إِنْ كُنْتَ مُتَّبِعاً ... وَدَعْ زَخَارِفَ كَالأَحْلاَمِ وَالوَسَنِ
فَهُوَ المُقَلَّدُ فِي الآثَارِ يُسْنِدُهَا ... خِلاَفَ مَنْ هُوَ فِيْهَا غَيْرُ مُؤْتَمَنِ
وَهُوَ المُقَدَّمُ فِي فِقْهٍ وَفِي نَظَرٍ ... وَالمُقتَدَى في الهدى في ذلك الزمن
وَعَالِمُ الأَرْضِ طُرّاً بِالَّذِي حَكَمَتْ ... شَهَادَةُ المُصْطَفَى ذِي الفَضْلِ وَالمِنَنِ
وَمَنْ إِلَيْهِ بِأَقْطَارِ البِلاَدِ غَدَتْ ... تُنْضَى المَطَايَا وَتُضْحَى بُزَّلُ البُدُنِ
مَنْ أُشْرِبَ الخَلْقُ طُرّاً حُبَّهُ فَجَرَى ... طَيَّ القُلُوْبِ كَجَرْيِ المَاءِ فِي الغُصُنِ
وَقَالَ كُلُّ لِسَانٍ فِي فَضَائِلِه ... قَوْلاً وَإِنْ قَصَّرُوا فِي الوَصْفِ عَنْ لَسَنِ
عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أَصْفَى عَوَاطِفِهِ ... وَمِنْ رِضَاهُ كَصَوبِ العَارِضِ الهَتِنِ
وَجَادَ مَلحَدَهُ وَطْفَاءُ هَاطِلَةٌ ... تَسْقِي بِرُحْمَاهُ مَثْوَى ذَلِكَ الجَنَنِ
سير أعلام النبلاء - لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

[ترجمة الإمام مالك رحمه الله تعالى]
في نسب مالك
حكى الزبير بن بكار عم إسماعيل بن أبي أويس: أنه الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح.
كذا هو غيمان بالغين المعجمة مفتوحة والياء باثنتين من أسفل ساكنة ذكره غير واحد. وكذا قيده الأمير أبي نصر بن ماكولا وحكاه عن إسماعيل بن أبي أويس.
وخثيل بالخاء المعجمة مضمومة وثاء مثلثة مفتوحة وياء باثنتين من أسفل ساكنة. كذا قيده الأمير أبي نصر وحكاه عن محمد بن سعيد عن أبي بكر بن أبي أويس.
وقال أبي الحسن الدارقطني: جثيل بالجيم وحكاه عن الزبير. وأما من قال عثمان بن حسل أو بن حنبل فقد صحف. وأما ذو أصبح فقد اختلف في نسبه اختلافاً كثيراً ولا خلاف أنه من ولد قحطان.

قال القاضي أبي الفضل: لم يختلف علماء النسب في نسب مالك هذا واتصاله بذي أصبح إلا ما ذكر عن أبي إسحاق وبعضهم من أنه مولى لبني تيم وهو وهم له سبب وذلك لما كان بين سلفه وبينهم من حلف على الأشهر من صهر أو منهما جميعاً.

قال أبي عمر بن عبد البر: لا أعلم أن أحداً أنكر أن مالك بن أنس ومن ولده كانوا حلفاء لبني تيم بن مرة ولا خلاف فيه إلا ما ذكر عن بن إسحاق أنه من مواليهم.
قال: وروي عن بن شهاب أنه قال: حدثني نافع بن مالك: مولى التيميين وهذا عندنا لا يصح عن بن شهاب. قال القاضي أبي الفضل: قول بن شهاب هذا في صحيح البخاري أول كتاب الصيام وتصرف المولى في لسان العرب بمعنى الحلف والتناصر معروف فلعله ما أراد بن شهاب وكذلك قال عبد الملك بن صالح: مالك من ذي أصبح مولى لقريش. وقال الزبير بن بكار: عداده في بني تيم بن مرة.
وروي عن مالك أنه لما بلغه قول بن شهاب هذا قال: ليته لم يرو عنه شيئاً.

قال أبي سهيل - عم مالك: نحن قوم من ذي أصبح قدم جدنا المدينة فتزوج في التيميين فكان معهم ونسبنا إليهم.

وقال الربيع بن مالك: أخو أبي سهيل عن أبيه: قال لي عبد الرحمن بن أخي طلحة ونحن بطريق مكة: يا مالك هل لك إلى ما دعانا إليه غيرك فأبيناه؟ أن يكون دمنا دمك وهدمنا هدمك ما بل بحر صوفة؟ فأجبته إلى ذلك.
وقد روي عنه أنه لم يجبه وقال له: لا حاجة لي به والأول أصح وأشهر والآثار في هذه كثيرة متشعبة.
وأما أمه: فقال الزبير هي العالية بنت شريك بن عبد الرحمن بن شريك الأزدية. وقال بن عائشة: إنها طليحة مولاة عبد الله بن معمر. وقد قال بن عمران التميمي القاضي: ما بيننا وبينه نسب إلا أن أمه مولاة لعمي عثمان بن عبد الله - والله أعلم.

ذكر آله وبنيه

ذكر القاضي بكر بن العلاء القشيري أن أبا عامر بن عمرو: جد أبي مالك - رحمه الله - من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وشهد المغازي كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم خلا بدراً.
وابنه مالك جد مالك كنيته أبي أنس من كبار التابعين. ذكره غير واحد يروي عن عمر وطلحة وعائشة وأبي هريرة وحسان بن ثابت رضى الله عنهم.
وهو أحد الأربعة الذين حملوا عثمان رضى الله عنه ليلاً إلى قبره وغسلوه ودفنوه وكان خدناً لطلحة يروي عنه بنوه أنس وأبي سهل: نافع والربيع. مات سنة اثنتي عشرة ومائة.
وذكر أبي محمد الضراب أن عثمان رضى الله عنه أغزاه أفريقية ففتحها. وروى التستري: محمد بن أحمد القاضي أنه كان ممن يكتب المصاحف حين جمع عثمان رضى الله عنه المصاحف.

وكان عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه يستشيره وقد ذكر ذلك مالك في جامع موطئه.
قال أبي إسحاق بن شعبان: روى مالك عن أبيه عن جده عن عمر رضى الله عنه حديث الغسل واللباس.
أولاده: كان لمالك رضى الله عنه ابنان: يحيى ومحمد وابنة اسمها فاطمة: زوج بن أخته وابن عمه: إسماعيل بن أبي أويس.
قال بن شعبان: ويحيى بن مالك يروي عن أبيه نسخة من الموطأ وذكر أنه تروى عنه باليمن روى عنه محمد بن مسلمة.
وابنه محمد قدم مصر وكتب عنه وحدث عنه الحرث بن مسكين.
وقال أبي عمر بن عبد البر: كان لمالك رحمه الله أربعة بنين: يحيى ومحمد وحماد وأم البهاء فأما يحيى وأم البهاء فلم يوص بهما إلى أحد وأوصى بالآخرين إلى إبراهيم بن حبيب رجل من أهل المدينة.
قال الزبيري: كانت لمالك ابنة تحفظ علمه يعني الموطأ وكانت تقف خلف الباب فإذا غلط القارئ نقرت الباب فيفطن مالك فيرد عليه.
وكان ابنه محمد يجيء وهو يحدث وعلى يده باشق ونعل كيساني وقد أرخى سراويله عليه فيلتفت مالك إلى أصحابه ويقول: إنما الأدب أدب الله هذا ابني وهذه ابنتي؟.

قال القروي: كنا نجلس عنده وابنه يحيى يدخل ويخرج ولا يقعد فيقبل علينا ويقول: إن ما يهون علي أن هذا الشأن لا يورث وأن أحداً لم يخلف أباه ومجلسه إلا عبد الرحمن بن القاسم. وكان لمحمد هذا ابن اسمه أحمد سمع من جده مالك ذكره أبي عبد الله بن مفرج القرطبي في رواة مالك وأبي بكر الخوارزمي البرقاني الحافظ في كتابه في الضعفاء الذي اتفق رأيه ورأي أبي منصور بن حكمان مع أبي الحسن الدارقطني على تركهم. وتوفي أحمد هذا سنة ست وخمسين ومائتين رحمه الله تعالى.

في مولد مالك ومدة عمله وصفة خلقه ومنشئه وأدبه وعقله وحسن معاشرته ومطعمه ومشربه وملبسه وحليته ومسكنه وغير شيء من شمائله - رحمه الله تعالى ورضي عنه.

اختلف في مولده اختلافاً كثيراً: فالأشهر قول يحيى بن بكير أنه سنة ثلاث وتسعين من الهجرة. وقال بن عبد الحكم: سنة أربع وتسعين وقال إسماعيل بن أبي أويس. وقال غيره: في خلافة الوليد. قال غيرهما: في ربيع الأول منها. وقال أبي مسهر: سنة تسعين وقيل: سنة ست وقيل: سنة سبع.

وقال الشيرازي: سنة خمس وتسعين.
واختلف أيضاً في حمل أمه به فقال بن نافع الصائغ: والواقدي ومعن ومحمد بن الضحاك: حملت به أمه ثلاث سنين وقال نحوه بكار بن عبد الله الزبيدي وقال نضجته والله الرحم. قال بن المنذر: وهو المعروف وروى عن الواقدي أيضاً أنها حملت به سنتين وقاله عطاف بن خالد.

في صفته

ووصفه غير واحد من أصحابه منهم: مطرف وإسماعيل والشافعي وبعضهم يزيد على بعض قالوا: كان طويلاً جسيماً عظيم الهامة أبيض الرأس واللحية: شديد البياض إلى الصفرة أعين حسن الصورة أصلع أشم عظيم اللحية تامها تبلغ صدره ذات سعة وطول وكان يأخذ أطراف شاربه ولا يحلقه ولا يحفيه ويرى حلقه من المثل وكان يترك له سبلتين طويلتين ويحتج بفتل عمر رضي الله عنه لشاربه إذا أهمه أمر.
ووصفه أبي حنيفة أنه أشقر أزرق. وقال مصعب الزبيري: كان مالك من أحسن الناس وجهاً وأحلاهم عيناً وأنقاهم بياضاً وأتمهم طولاً في جودة بدن. وقال بعضهم: كان ربعة والأول أشهر.

وقال غيره: دخلت على مالك فرأيته في إزار وكان في أذنيه كبر كأنهما كفا إنسان أو دون ذلك. وقال الحكم بن عبد الله: دخلت مسجد المدينة فإذا بمالك وله شعرة قد فرقها.
وقال أحمد بن إبراهيم الموصلي: رأيته مضموم الشعر ولم يكن يخضب ويحتج بعلي رضي الله عنه وهذا هو المشهور عنه.
وروى بن وهب أنه رأى مالكاً يخضب بالحناء. وروى نحوه عبد الرحمن بن واقد ولم يقل بالحناء. قال الواقدي: عاش مالك تسعين سنة لم يخضب شيبه ولا دخل الحمام وفي رواية: ولا حلق قفاه.

في لباسه

قال بن وهب: رأيت على مالك ريطة عدنية مصبوغة بمشق خفيف وقال لنا: هو صبغ أحبه ولكن أهلي أكثروا زعفرانها فتركته. وقال لنا ما أدركت أحداً يلبس هذه الثياب الرقاق وإنما كانوا يلبسون الصفاق - إلا ربيعة فإنه كان يلبس مثل هذا وأشار إلى قميص عليه عدني رقيق. قال الزبيري: كان مالك يلبس الثياب العدنية الجياد والخراسانية والمصرية المرتفعة البيض ويتطيب بطيب جيد ويقول: ما أحب لأحد أنعم الله عليه إلا أن يرى أثر نعمته عليه. وكان يقول: أحب للقارئ أن يكون أبيض الثياب.
وقال محمد بن الضحاك: كان مالك جميل الوجه نقي الثوب رقيقه يكره اختلاف اللبوس.

وقال خالد بن خداش: رأيت على مالك طيلساناً طرازياً وقلنسوة متركه وثياباً مروية جياداً وفي بيته وسائد وأصحابه عليها قعود فقلت له يا أبا عبد الله أشيء أحدثته أم وجدت الناس عليه: قال رأيت الناس عليه.
قال الوليد بن مسلم: كان مالك لا يلبس الخز ولا يرى لبسه ويلبس البياض.
قال بشر بن الحارث: دخلت على مالك فرأيت عليه طيلساناً يساوي خمسمائة قد وقع جناحاه على عينيه أشبه شيء بالملوك.
قال أشهب: كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه وأسدل طرفها بين كتفيه. قال بن أبي أويس: ما رأيت في ثوب مالك حبراً قط.
قال أشهب: كان مالك إذا اكتحل لضرورة جلس في بيته وكان يكرهه إلا لعلة.

وقال بن نافع الأكبر ومطرف وإسماعيل: كان خاتم مالك الذي مات وهو في يده فضة فصه حجر أسود نقشه سطران فيهما " حسبي الله ونعم الوكيل " بكتاب جليل وكان يحبسه في يساره وكان إذا توضأ حوله في يمينه. وسأله مطرف عن اختياره لما نقش فيه فقال: سمعت الله يقول: " وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " آل عمران 173 إلى آخر الآية. قال مطرف: فحولت خاتمي وصيرته كذلك.
قال أحمد بن صالح كان مالك قليل المشي يظهر التجمل ضيق الأمر ولم يكن له منزل كان يسكن بكراء إلى أن مات - رحمة الله عليه -.
قال غيره: وكان على بابه مكتوب ما شاء الله فسئل عن ذلك فقال: قال الله تعالى: " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً " الكهف: 39 والجنة الدار.
وكانت داره التي ينزلها بالمدينة دار عبد الله بن مسعود وكان مكانه من المسجد مكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو المكان الذي يوضع فيه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف. كذا قال الأوسي. وقال مصعب: كان يجلس عند نافع مولى بن عمر في الروضة حياة نافع وبعد موته.

وقال إسماعيل بن أبي أويس كان لمالك كل يوم في لحمه درهمان وكان يأمر خبازه: سلمة في كل يوم جمعة أن يعمل له ولعياله طعاماً كثيراً. قال مطرف: لو لم يجد كل يوم درهمين يبتاع بهما لحماً إلا أن يبيع في ذلك بعض متاعه لفعل.
وقال بن أبي حازم: قلت لمالك ما شرابك يا أبا عبد الله؟ قال: في الصيف السكر وفي الشتاء العسل. وقال ابنه محمد: كانت عمتي معه في منزله تهيئ له فطره: خبزاً وزيتاً. وكان في ابتداء أمره ضيق الحال ثم انقلب حاله. وما كان يأتي من اختلاف أحواله إنما كان لاختلاف الأوقات.
قال بن القاسم: كان لمالك أربعمائة دينار يتجر له بها فمنها كان قوام عيشه. وكان ربيعة إذا جاء مالك يقول: جاء العاقل. واتفقوا أنه كان أعقل أهل زمانه. وقال أحمد بن حنبل قال مالك: ما جالست سفيهاً قط. وهذا أمر لم يسلم منه غيره ولا في فضائل العلماء أجل من هذا. وذكر يوماً شيئاً فقيل له: من حدثك بهذا؟ فقال: إنا لم نجالس السفهاء.

وكان أعظم الخلق مروءة وأكثرهم سمتاً كثير الصمت قليل الكلام متحفظاً بلسانه من أشد الناس مداراة للناس واستعمالاً للإنصاف وكان يقول في الإنصاف: لم أجد في الناس أقل منه فأردت المداومة عليه.
وكان إذا أصبح لبس ثيابه وتعمم ولا يراه أحد من أهله ولا أصدقائه إلا كذلك وما أكل قط ولا شرب حيث يراه الناس ولا يضحك ولا يتكلم فيما لا يعنيه.
وكان من أحسن الناس خلقاً مع أهله وولده ويقول: في ذلك مرضاة لربك ومثراة في مالك ومنسأة في أجلك وقد بلغني ذلك عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال عبد الله بن عبد الحكم: هيأ مالك دعوة للطلبة وكنت فيهم فمضينا إلى داره فلما دخلنا قال: هذا المستراح وهذا الماء ثم دخلنا البيت فلم يدخل معنا ودخل بعد ذلك فأتينا بالطعام ولم يؤت بالماء قبله لغسل أيدينا ثم أتى بعده فلما خرج الناس سألته فقال: أما إعلامي بالمستراح والماء فإنما دعوتكم لأبركم ولعل أحدكم يصيبه بول أو غيره فلا يدري أين يذهب.

وأما تركي الدخول معكم للبيت فلعلي أقول ههنا أبا فلان وههنا أبا فلان وقد أنسى بعضكم فيظن أني تركته بغضاً فيه فتركتكم حتى أخذتم مجالسكم ودخلت عليكم. وأما تركي الماء قبل الطعام فإن الوضوء قبله من سنة الأعاجم وأما بعده فقد جاء في ذلك حديث.
قال الشافعي: سئل مالك عن الصورة في البيت فقال: لا ينبغي. فقال له رجل عراقي: هو ذا في بيتك صورة؟ فقال: أنا ساكن فيه منذ كذا ما رأيتها قم فحكها فأخذ قناة فلف عليها خرقة ثم حكها.

باب في ابتداء طلبه للعلم وصبره عليه وتحريه فيمن يأخذ عنه وشهادة أهل العلم والصلاح له بالإمامه في العلم بالكتاب والسنة وتحرية في العلم والفتيا والحديث وروعة وصفة مجلسه ونشره العلم وتوقيره حديث النبي صلى الله عليه وسلم

قال مطرف: قال مالك: قلت لأمي: أذهب فأكتب العلم؟ فقالت: تعال فالبس ثياب العلم فألبستني ثياب مشمرة ووضعت الطويلة على رأسي وعممتني فوقها ثم قالت: اذهب فاكتب الآن. وكانت تقول: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه.
وقال بن القاسم: أفضى بمالك طلب العلم إلى أن نقض سقف بيته فباع خشبه ثم مالت عليه الدنيا بعد.
قال مالك: كان لي أخ في سن بن شهاب فألقى أبي يوماً علينا مسألة فأصاب أخي وأخطأت فقال لي أبي: ألهتك الحمام عن طلب العلم فغضبت وانقطعت إلى ابن هرمز سبع سنين وفي رواية ثمان سنين لم أخلطه بغيره وكنت أجعل في كمي تمراً وأناوله صبيانه وأقول لهم: إن سألكم أحد عن الشيخ فقولوا: مشغول.
وكان قد اتخذ تباناً محشواً للجلوس على باب بن هرمز يتقي به برد حجر هناك وقيل بل برد صحن المسجد وفيه كان يجلس بن هرمز.
قال مالك: إن كان الرجل ليختلف للرجل ثلاثين سنة يتعلم منه فكنا نظن أنه يريد نفسه مع بن هرمز وكان بن هرمز استحلفه أن لا يذكر اسمه في حديث.
وقال: كنت آتى نافعاً نصف النهار وما تظلني الشجرة من الشمس: أتحين خروجه فإذا خرج أدعه ساعة كأني لم أرده ثم أتعرض له فأسلم عليه وأدعه حتى إذا دخل البلاط أقول له: كيف قال بن عمر في كذا وكذا؟ فيجيبني ثم أحبس عنه وكان فيه حدة وكنت آتي بن هرمز من بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل.
وقال الزبيري: رأيت مالكاً في حلقة ربيعة وفي أذنه شنف وهذا يدل على ملازمته الطلب من صغره.

وكان يقول كتبت بيدي مائة ألف حديث.
وروي عنه أنه قال: حدثني بن شهاب بأربعين حديثاً ونيف - منها حديث السقيفة فحفظت ثم قلت: أعدها علي فإني أنسيت النيف على الأربعين فأبى فقلت: أما كنت تحب أن يعاد عليك قال بلى فأعاد فإذا هو كما حفظت.
وفي رواية بن شهاب قال له ما استفهمت عالماً قط ثم استرجع. وقال ساء حفظ الناس لقد كنت آتي سعيد بن المسيب وعروة والقاسم وأبا سلمة وحميداً وسالماً وعد جماعة فأدور عليهم أسمع من كل واحد من الخمسين حديثاً إلى المائة ثم أنصرف وقد حفظته كله من غير أن أخلط حديث هذا بحديث هذا. وفي رواية أخرى: لقد ذهب حفظ الناس ما استودعت قلبي شيئاً قط فنسيته.
قال بن أبي أويس: سمعت مالكاً يقول: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه لقد أدركت سبعين ممن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين وأشار إلى المسجد فما أخذت عنهم شيئاً وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال كان أميناً إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن.

قال بن عيينة: ما رأيت أحداً أجود أخذاً للعلم من مالك وما كان أشد انتقاده للرجال والعلماء. وقال مالك: رأيت أيوب السختياني بمكة حجتين فما كتبت عنه ورأيته في الثالثة قاعداً في فناء زمزم فكان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عنده يبكي حتى أرحمه فلما رأيت ذلك كتبت عنه. وقال سفيان بن عيينة: دارت مسألة في مجلس ربيعة فتكلم فيها ربيعة فقال مالك: ما تقول يا أبا عثمان؟ فقال ربيعة: أقول فلا تقول وأقول إذ لا تقول وأقول فلا تفقه ما أقول؟ ومالك ساكت فلم يجب بشيء وانصرف فلما راح إلى الظهر جلس وحده وجلس إليه قوم فلما صلى المغرب اجتمع إلى مالك خمسون أو أكثر فلما كان من الغد اجتمع إليه خلق كثير قال: فجلس للناس وهو بن سبع عشرة سنة وعرفت له الإمامة وبالناس حياة إذ ذاك.
قال بن عبد الحكم: أفتى مالك مع يحيى بن سعيد. قال أيوب وربيعة ونافع

وقال مصعب: كان لمالك حلقة في حياة نافع أكبر من حلقة نافع.
وقال مالك بعث إلي الأمير في الحداثة أن أحضر المجلس فتأخرت حتى راح ربيعة فأعلمته وقلت: لم أحضر حتى أستشيرك؟ فقال لي ربيعة: نعم قيل له: فلو لم يقل لك: أحضر لم تحضر؟ قال: لم أحضر ثم قال يا أبا محمد إنه لا خير فيمن يرى نفسه بحالة لا يراه الناس لها أهلاً.
قال مالك: وليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل وأهل الجهة من المسجد فإن رأوه أهلاً لذلك جلس وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم أني موضع لذلك.
وسأله رجل عن مسألة فبادره بن القاسم فأفتاه فأقبل عليه مالك كالمغضب وقال له: جسرت على أن تفتي يا أبا عبد الرحمن؟ يكررها عليه ما أفتيت حتى سألت أنا هل للفتيا موضع. فلما سكن غضبه قيل له: من سألت قال: الزهري وربيعة الرأي.
قال بن القاسم: قال مالك: كنا نجلس إلى ربيعة أربعين معتماً سوى من لا يعتم ما ندري منهم إلا أربعة.

أما أحدهم فغلبت عليه الملوك يعني بن الماجشون وفي رواية: شغل بالأغاليط أو نحو هذا. وأما الآخر فمات يعني كثير بن فرقد. وأما الثالث فغرب نفسه يعني عبد الرحمن بن عطاء. وسكت عن الرابع فعلمنا أنه يعني نفسه.

في توقيره حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال عبد الله بن المبارك: كنت عند مالك وهو يحدثنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدغته عقرب بست عشرة مرة ومالك يتغير لونه ويصفر ولا يقطع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس قلت: يا أبا عبد الله لقد رأيت اليوم منك عجباً؟ فقال: نعم إنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال مصعب الزبيري: كان حبيب يقرأ لنا كل عشية من ورقتين إلى ورقتين ونصف لا يبلغ ثلاثاً.

وقال يحيى بن عبد الله لأبي زرعة في حديث مالك: ليس هذا زعزعة عن زوبعة إنما ترفع الستر وتنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: مالك عن نافع عن بن عمر رضى الله عنهم.
وقال أبي داود: أصح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك عن نافع عن بن عمر رضى الله عنهما ثم مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه. ثم مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه لم يذكر شيئاً عن غير مالك. وقال: مراسيل مالك أصح من مراسيل سعيد بن المسيب ومن مراسيل الحسن ومالك أصح الناس مرسلاً. وقال سفيان: إذا قال مالك بلغني فهو إسناد قوي. وقال مطروح بن ساكن: جلس بن شهاب وربيعة ومالك فألقى بن شهاب مسألة فأجاب فيها ربيعة وسكت مالك فقال بن شهاب: لم لا تجيب قال: قد أجاب الأستاذ أو نحوه فقال بن شهاب: ما نفترق حتى تجيب فأجاب بخلاف جواب ربيعة قال بن شهاب: ارجعوا بنا إلى قول مالك.
قال القاضي عياض: قال الشافعي: قال لي محمد بن الحسن رضي الله عنهما أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم؟ يعني أبا حنيفة ومالكاً رضى الله عنهما فقال: قلت على الإنصاف قال: نعم قال: قلت فأنشدك الله من أعلم بالقرآن صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم. قال: قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدمين صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم. قال الشافعي رضي الله عنه فلم يبق إلا القياس والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فعلى أي شيء نقيس؟.

وقال الواقدي: كان مالك يأتي المسجد ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز ويعود المرضى ويقضي الحقوق ويجلس في المسجد فيجتمع إليه أصحابه ثم ترك الجلوس في المسجد فكان يصلي وينصرف إلى مجلسه وترك حضور الجنائز فكان يأتي أصحابها فيعزيهم ثم ترك ذلك كله فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة ولا يأتي أحداً يعزيه ولا يقضي له حقاً واحتمل الناس له ذلك حتى مات عليه وكان ربما قيل له في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره.
وقال جعفر الفريابي: لا أعلم أحداً روى عنه الأئمة والجلة ممن مات قبله بدهر طويل إلا مالكاً فيحيى بن سعيد مات قبله بخمس وثلاثين سنة وابن جريج بثلاثين والأوزاعي بعشرين والثوري بثمان عشرة وشعبة بسبع عشرة قال غيره: وأبي حنيفة بثلاثين وهشام بأكثر من ذلك. وقال أبي الحسن الدارقطني: لا أعلم أحداً تقدم أو تأخر اجتمع له ما اجتمع لمالك وذلك أنه روى عنه رجلان حديثاً واحداً بين وفاتيهما نحو من مائة وثلاثين سنة: محمد بن شهاب الزهري شيخه: توفي سنة خمس وعشرين ومائة وأبي حذافة السهمي: توفي بعد الخمسين والمائتين رويا عنه حديث الفريعة بنت مالك في سكنى المعتدة.

صفة مجلسه ونشره للعلم وتوقيره حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتحريمه في العلم والفتيا والحديث.

قال الواقدي وغيره: كان مجلسه مجلس وقار وحلم وكان رجلاً مهيباً نبيلاً ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع صوت إذا سئل عن شيء فأجاب سائله لم يقل له: من أين رأيت هذا؟.
وكان الغرباء يسألونه عن الحديث والحديثين فيجيبهم الفئة بعد الفئة وربما أذن لبعضهم فقرأ عليه. وكان له كاتب قد نسخ كتبه يقال له حبيب يقرأ للجماعة فليس أحد ممن حضر يدنو منه ولا ينظر في كتابه ولا يستفهمه هيبة له وإجلالاً. وكان حبيب إذا أخطأ فتح عليه مالك رحمه الله تعالى وكان ذلك قليلاً ولم يكن يقرأ كتبه على أحد.
وكان كالسلطان: له حاجب يأذن عليه فإذا اجتمع الناس ببابه أمر آذنه فدعاهم فحضر أولاً أصحابه فإذا فرغ من يحضر أذن للعامة. وهذا هو المشهور من سماع أصحاب مالك أنهم كانوا يقرءون عليه إلا يحيى بن بكير ذكر أنه سمع الموطأ من مالك أربع عشرة مرة وزعم أن أكثرها بقراءة مالك وبعضها بالقراءة عليه. وعوتب مالك في تقديمه أصحابه فقال: أصحابي جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال بن حبيب: وكان إذا جلس جلسة لم يتحول عنها حتى يقوم.

وقال مطرف: كان مالك إذا أتاه الناس خرجت إليهم الجارية فتقول لهم: يقول لكم الشيخ: تريدون الحديث أو المسائل؟ فإن قالوا المسائل: خرج إليهم وأفتاهم وإن قالوا الحديث قال لهم: اجلسوا ودخل مغتسله فاغتسل وتطيب ولبس ثياباً جدداً وتعمم ووضع على رأسه طويلة وتلقى له المنصة فيخرج إليهم وعليه الخشوع ويوضع عود فلا يزال يتبخر حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان لا يوسع لأحد في حلقته ولا يرفعه يدعه يجلس حيث انتهى به المجلس يقول إذا جلس للحديث: ليلني منكم ذوو الأحلام والنهى.

شهادة أهل العلم والصلاح له بالإمامة في العلم بالكتاب والسنة والتقدم في الفقه والصدق والثبات في الأمر والقول في مراسيله وتوثيقه وإجماع الناس عليه واقتداء الأكابر به.

قال بن هرمز لجاريته يوماً: من بالباب؟ فلم تر إلا مالكاً فذكرت ذلك له فقال: ادعيه فإنه عالم الناس.
وقال بعضهم: سمعت بقية بن الوليد في جماعة ممن يطلب الحديث ومشيخة من أهل المدينة يقولون ما بقي على ظهرها يعني الأرض أعلم بسنة ماضية ولا باقية منك يا مالك.
وقال محمد بن عبد الحكم: إذا انفرد مالك بقول لم يقله غيره فقوله حجة توجب الاختلاف لأنه إمام. فقيل له: فالشافعي؟ فقال لا.
وقال بن مهدي ما بقي على وجه الأرض آمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من مالك.

في تحريه في الفتيا

قال بن القاسم سمعت مالكاً يقول: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن. وكان يقول ربما وردت علي المسألة فأسهر فيها عامة ليلتي.
وقال بن عبد الحكم: كان مالك إذا سئل عن المسألة قال للسائل انصرف حتى أنظر فينصرف ويتردد فيها فقلنا له في ذلك فبكي وقال إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأي يوم؟.
وقال بن وهب سمعته عندما يكثر عليه بالسؤال يكف ويقول: حسبكم من أكثر أخطأ وكأن يعيب كثرة ذلك وكان يقول: من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه على الجنة والنار وكيف يكون خلاصه في الآخرة ثم يجيب.
وقال: ما شيء أشد علي من أن أسئل عن مسألة من الحلال والحرام لأن هذا هو القطع في حكم الله ولقد أدركنا أهل العلم ببلدنا وإن أحدهم إذا سئل عن المسألة كأن الموت أشرف عليه. وقال موسى بن داود: ما رأيت أحداً من العلماء أكثر أن يقول: لا أحسن من مالك.

وقال الهيثم بن جميل: شهدت مالكاً سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها لا أدري. وكان يقول ينبغي أن يورث العالم جلساءه قول لا أدري حتى يكون ذلك أصلاً في أيديهم يفزعون إليه فإذا سئل أحدهم عما لا يدري قال: لا أدري.
وسئل رحمه الله تعالى عن الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى فيها واحد فقال: أما ما كان من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي للمرء أن يقول إلا كما جاء وأما لفظ غيره فإذا كان المعنى واحداً فلا بأس.
قيل له: فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد؟ فقال: أرجو أن يكون خفيفاً. ولما مات مالك رحمه الله تعالى خرجت كتبه فأصيب فيها فناديق عن بن عمر رضى الله تعالى عنهما ليس في الموطأ منه شيء إلا حديثين.
قال بن وهب: قال مالك: سمعت من بن شهاب أحاديث كثيرة ما حدث بها قط ولا أحدث بها

وقال ابنه: لما دفنا مالكاً دخلنا منزله فأخرجنا كتبه فإذا فيها سبع فناديق من حديث بن شهاب ظهورها وبطونها ملأى وعنده فناديق أو صناديق من حديث أهل المدينة فجعل الناس يقرءون ويدعون ويقولون: رحمك الله يا أبا عبد الله لقد جالسناك الدهر الطويل فما رأيناك ذاكرتنا بشيء مما قرأناه.
وقال الشافعي: كان مالك إذا شك في الحديث طرحه كله وقال أشهب: رآني مالك أكتب جوابه في مسألة فقال: لا تكتبها فإني لا أدري أثبت عليها أم لا. وقال أيضاً: رأيت في النوم قائلاً يقول لي: لقد لزم مالك كلمة عند فتواه لو وردت عليه الجبال لقلعها وذلك قوله ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
وقال بن أبي أويس: ما كان يتهيأ لأحد بالمدينة أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حبسه مالك في الحبس فإذا سئل فيه قال: يصحح ما قال ثم يخرج. ولقد كان بن كنانة وابن أبي حازم والدراوردي وغيرهم سمعوا مع مالك من مشايخ وتركوا الحديث عنهم هيبة له حتى مات ففشا ذلك فيهم.

وقال بن حنبل: كان مالك مهيباً في مجلسه لا يرد عليه إعظاماً وكان الثوري في مجلسه فلما رأى إجلال الناس له وإجلاله للعلم أنشد:
يأبى الجواب فما يراجع هيبة ... فالسائلون نواكسوا الأذقان
أدب الوقار وعز سلطان التقى ... فهو المهيب وليس ذا سلطان
قال بشر الحافي: إن من زينة الدنيا أن يقول الرجل: حدثنا مالك. وقال القعنبي: ما أحسب بلغ مالك ما بلغ إلا بسريرة كانت بينه وبين الله تعالى رأيته يقام بين يديه الرجل كما يقام بين يدي الأمير.
ذكر اتباعه السنن وكراهته المحدثات
كان رحمه الله تعالى كثيراً ما يتمثل:

وخير أمور الدين ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع
قال بن حنبل رحمه الله: مالك أتبع من سفيان وإذا رأيت الرجل يبغض مالكاً فاعلم أنه مبتدع. وكان مالك يقول: المراء والجدال في العلم يذهب بنور العلم من قلب العبد. وقيل له: الرجل له علم بالسنة أيجادل عنها؟ قال: لا ولكن ليخبر بالسنة فإن قبل منه وإلا سكت. قال بن وهب: وسمعت مالكاً يقول إذا جاءه أحد من أهل الأهواء أما أنا فعلى بينة من ربي. وأما أنت فشاك فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه ثم قرأ: " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " يوسف 108.
وكان يقول إذا ذكر عنده أحد منهم: قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً الأخذ بها اتباع لكتاب الله تعالى واستكمال لطاعة الله تعالى وقوة على دين الله ليس لأحد بعد هؤلاء تبديلها ولا النظر في شيء خالفها من اهتدى بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً. وكان مالك إذا حدث بها ارتج سروراً.
وجاءه رجل من أهل المغرب فقال: إن الأهواء كثرت ببلادنا فجعلت على نفسي إن أنا رأيتك أن آخذ بما تأمرني به. فوصف له مالك رحمه الله شرائع الإسلام: الصلاة والصوم والزكاة والحج. ثم قال: خذ بهذا ولا تخاصم أحداً.

من وصاياه وآدابه رضي الله عنه

سئل رحمه الله عن طلب العلم: أفريضة هو؟ قال: لا ولكن يطلب ما ينتفع به ولا يطلب الأغاليط والإكثار. وقال: من إدالة العلم أن تجيب كل من سألك ولا يكون إماماً من حدث بكل ما سمع ومن إدالة العلم أن تنطق به قبل أن تسئل عنه. وقال في سماع أشهب وابن وهب وابن القاسم: من صدق في حديثه متع بعقله ولم يصبه ما يصيب الناس من الهم والخوف. وقال: طلب الرزق في شبهة أحسن من الحاجة إلى الناس.

في ذكر الموطأ وتأليفه إياه

روى أبي مصعب أن أبا جعفر المنصور قال لمالك: ضع للناس كتاباً أحملهم عليه فكلمه مالك في ذلك فقال: ضعه فما أحد اليوم أعلم منك فوضع الموطأ فلم يفرغ منه حتى مات أبي جعفر. وفي رواية أن المنصور قال له: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودون كتاباً وجنب فيه شدائد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ورخص عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وشواذ بن مسعود رضي الله عنه واقصد أواسط الأمور وما أجمع عليه الصحابة والأئمة.
وفي رواية أنه قال له: اجعل هذا العلم علماً واحداً. فقال له: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في البلاد فأفتى كل في مصره بما رأى فلأهل المدينة قول ولأهل العراق قول تعدوا فيه طورهم. فقال: أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفاً ولا عدلاً وإنما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم.

وفي رواية عن مالك: فقلت له أن أهل العراق لا يرضون علمنا؟ فقال أبي جعفر: نضرب عليه عامتهم بالسيف ونقطع عليه ظهورهم بالسياط. وروي أن المهدي قال له: ضع كتاباً أحمل الأمة عليه فقال له مالك: أما هذا الصقع فقد كفيتكه يعني المغرب. وأما الشام ففيه الأوزاعي. وأما أهل العراق ففيهم أهل العراق.
قال عتيق الزبيري: وضع مالك الموطأ على نحو من عشرة آلاف حديث فلم يزل ينظر فيه كل سنة ويسقط منه حتى بقي هذا ولو بقي قليلاً لأسقطه كله.
وقال بن أبي أويس: قيل لمالك: قولك في الكتاب: الأمر المجتمع عليه والأمر عندنا أو ببلدنا وأدركت أهل العلم سمعت بعض أهل العلم؟.
فقال: أما أكثر ما في الكتاب برأيي فلعمري ما هو برأيي ولكن سماع من غير واحد من أهل العلم والفضل والأئمة المهتدى بهم الذين أخذت عنهم وهم الذين كانوا يتقون الله تعالى فكثر علي فقلت: رأيي وذلك رأيي إذ كان رأيهم رأي الصحابة الذين أدركوهم عليه وأدركتهم أنا على ذلك فهذا وراثة توارثوها قرناً عن قرن إلى زماننا.

وما كان أرى فهو رأي جماعة ممن تقدم من الأئمة. وما كان فيه الأمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه من قول أهل الفقه والعلم لم يختلفوا فيه. وما قلت الأمر عندنا فهو ما عمل به الناس عندنا وجرت به الأحكام وعرفه الجاهل والعالم. وكذلك ما قلت فيه ببلدنا وما قلت فيه بعض أهل العلم فهو شيء استحسنته من قول العلماء.
وأما ما لم أسمع منهم فاجتهدت ونظرت على مذهب من لقيته حتى وقع ذلك موقع الحق أو قريباً منه حتى لا يخرج عن مذهب أهل المدينة وآرائهم وإن لم أسمع ذاك بعينه فنسبت الرأي إلي بعد الاجتهاد مع الستة وما مضى عليه عمل أهل العلم المقتدى بهم والأمر المعمول به عندنا منذ لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة الراشدين مع من لقيت. فذلك رأيهم ما خرجت إلى غيره.
وقال صفوان بن عمر: عرضنا على مالك الموطأ في أربعين يوماً فقال: كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يوماً قل ما تفقهون فيه.
قال غيره: أول من عمل الموطأ عبد العزيز بن الماجشون: عمله كلاماً بغير حديث فلما رآه مالك قال: ما أحسن ما عمل ولو كنت أنا لبدأت بالآثار ثم شددت بالكلام.

ثم عزم على تصنيف الموطأ فعمل من كان بالمدينة يومئذ من العلماء الموطآت فقيل لمالك: شغلت نفسك بعمل هذا الكتاب وقد شركك فيه الناس وعملوا أمثاله؟ فقال: ايتوني به فنظر فيه ثم نبذه وقال: لتعلمن ما أريد به وجه الله تعالى. قال: فكأنما ألقيت تلك الكتب في الآبار.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: وضع مالك الموطأ وجعل أحاديث زيد في آخر الأبياب فقلت له في ذلك فقال: إنها كالشرح لما قبلها.
وقال أبي زرعة: لو حلف رجل بالطلاق على أحاديث مالك التي في الموطأ أنها صحاح كلها لم يحنث ولو حلف على حديث غيره كان حانثاً.
ومما قيل في الموطأ من الشعر فمن ذلك قول سعدون الوارجيني رحمه الله تعالى ورضي الله عنه:
أقول لمن يروي الحديث ويكتب ... ويسلك سبيل الفقه فيه ويطلب

إذا أحببت أن تدعى لدى الخلق عالماً ... فلا تعد ما تحوي من العلم يثرب
أتترك داراً كان بين بيوتها ... يروح ويغدو جبرائيل المقرب
ومات رسول الله فيها وبعده ... بسنته أصحابه قد تأدبوا
وفرق شمل العلم في تابعيهمو ... فكل امرئ منهم له فيه مذهب
فخلصه بالسبك للناس مالك ... ومنه صحيح في المجس وأجرب
فبادر موطأ مالك قبل موته ... فما بعده إن فات للحق مطلب
ودع للموطأ كل علم تريده ... فإن الموطأ الشمس والغير كوكب
ومن لم يكن كتب الموطأ ببيته ... فذاك من التوفيق بيت مخيب
جزى الله عنا في موطاه مالكاً ... بأفضل ما يجزى اللبيب المهذب
لقد فاق أهل العلم حياً وميتاً ... فصارت به الأمثال في الناس تضرب
فلا زال يسقي قبره كل عارض ... بمندفق ظلت عزاليه تسكب
وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

إذا ذكرت كتب العلوم فحيهل ... بكتب الموطأ من تصانيف مالك
أصح أحاديثاً وأثبت حجة ... وأوضحها في الفقه نهجاً لسالك
عليه مضى الإجماع في كل أمة ... على رغم خيشوم الحسود المماحك
فعنه فخذ علم الديانة خالصاً ... ومنه استفد شرع النبي المبارك
وشد به كف الضنانة تهتدي ... فمن حاد عنه هالك في الهوالك

وأما من اعتنى بالكلام على حديثه ورجاله والتصنيف في ذلك فعدد كثير من المالكيين وغيرهم وعد القاضي عياض منهم نحواً من تسعين رجلاً تركت تسميتهم وتسمية كتبهم اختصاراً.

ذكر تآليف مالك غير الموطأ
اعلم أن لمالك رحمه الله أوضاعاً شريفة مروية عنه أكثرها بأسانيد صحيحة في غير فن من العلم لكنها لم يشتهر عنه منها ولا واظب على إسماعه وروايته غير الموطأ مع حذفه منه وتلخيصه له شيئاً بعد شيء وسائر تآليفه إنما رواها عنه من كتب بها إليه أو سأله إياها.
فمن أشهرها في هذا الباب رسالته في القدر والرد على القدرية وهو خيار الكتب الدالة على سعة علمه. ومنها كتابه في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر وهو كتاب جيد مفيد جداً قد اعتمد عليه الناس في هذا الباب وجعلوه أصلاً. ومن ذلك رسالته في الأقضية: كتب بها إلى بعض القضاة: عشرة أجزاء. ورسالته إلى أبي غسان: محمد بن المطرف وهو ثقة من كبراء أهل المدينة قريناً لمالك وهي في الفتوى مشهورة.
ورسالته المشهورة إلى هارون الرشيد في الآداب والمواعظ حدث بها في الأندلس أولاً بن حبيب عن رجاله عن مالك وحدث بها آخراً أبي جعفر بن عون الله والقاضي أبي عبد الله بن مفرج عن أحمد بن زيدويه الدمشقي. وقد أنكرها غير واحد منهم أصبغ بن الفرج وحلف ما هي من وضع مالك. وكتابه في التفسير لغريب القرآن الذي يرويه عنه خالد بن عبد الرحمن المخزومي. وذكر الخطيب أبي بكر في تاريخه الكبير عن أبي العباس السراج النيسأبيري أنه قال: هذه سبعون ألف مسألة لمالك وأشار إلى كتب منضدة عنده كتبها.

قال القاضي أبي الفضل عياض: هي جواباته في أسمعة أصحابه التي عند العراقيين. وقد نسب إلى مالك أيضاً كتاب يسمى كتاب السيرة من رواية بن القاسم عنه. ومنها رسالته إلى الليث بن سعد في إجماع أهل المدينة رضي الله تعالى عنهم وهي مشهورة متداولة بين العلماء.

في أخباره مع الملوك

قال مالك رحمه الله: حق على كل مسلم أو رجل جعل الله في صدره شيئاً من العلم والفقه أن يدخل إلى كل ذي سلطان يأمره بالخير وينهاه عن الشر ويعظه حتى يتبين دخول العالم على غيره لأن العالم إنما يدخل على السلطان لذلك فإذا كان فهو الفضل الذي لا بعده فضل.
ودخل يوماً على الرشيد فحثه على مصالح المسلمين وقال له: لقد بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في فضله وقدمه ينفخ لهم عام الرمادة النار تحت القدور حتى يخرج الدخان من تحت لحيته رضي الله عنه وقد رضي الناس منكم بدون هذا.
قال يعيش بن هشام الخأبيري: كنت عند مالك إذ أتاه رسول المأمون وقيل الرشيد وهو الصحيح ينهاه أن يحدث بحديث معاوية في السفرجل فتلا مالك قوله تعالى: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " البقرة 159 ثم قال: والله لأخبرن بها في هذه العرصة حدثنا نافع عن بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدي إليه سفرجل فأعطى أصحابه واحدة وأعطى معاوية رضي الله عنه ثلاث سفرجلات وقال: " القني بهن في الجنة ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السفرجل يذهب طخاء القلب ".

قال القاضي عياض: لم يدرك مالك أيام المأمون وذكر المأمون هنا وهم.
ولما قدم المهدي المدينة جاءه الناس مسلمين عليه فلما أخذوا مجالسهم استأذن مالك رحمه الله فقال الناس: اليوم يجلس مالك آخر الناس فلما دنا ونظر ازدحام الناس قال: يا أمير المؤمنين أين يجلس شيخك مالك؟ فناداه: عندي يا أبا عبد الله. فتخطى الناس حتى وصل إليه فرفع المهدي ركبته اليمنى وأجلسه ثم أتى المهدي بالطست والإبريق فغسل يده ثم قال للغلام: قدمه إلى أبي عبد الله فقال مالك: يا أمير المؤمنين ليس هذا من الأمر المعمول به ارفع يا غلام فأكل مالك رحمه الله غير متوضىء. وذكر قصته معه في الموطأ.

في محنته رضي الله عنه

قال الطبري: اختلف فيمن ضرب مالكاً وفي السبب في ضربه وفي خلافة من ضرب؟ فالأشهر أن جعفر بن سليمان هو الذي ضربه في ولايته الأولى بالمدينة. وأما سبب ضربه رضي الله عنه: فقيل: إن أبا جعفر نهاه عن الحديث: " ليس على مستكره طلاق " ثم دس إليه من يسأله عنه فحدث به على رؤس الناس. وقيل إن الذي نهاه كان جعفر بن سليمان. وقيل إنه سعي به إلى جعفر وقيل له: لا يرى أيمان بيعتكم بشيء فإنه يأخذ بحديث ثابت بن الأحنف في طلاق المكره أنه لا يجوز.
وذكر عنه أنه أفتى عند قيام محمد بن عبد الله بن حسن العلوي المسمى المهدي بأن بيعة أبي جعفر لا تلزم لأنها على الإكراه. على هذا أكثر الرواة.

وخالف ذلك كله بن بكير وقال: ما ضرب إلا في تقديمه عثمان على علي رضي الله عنهما فسعى به الطالبيون حتى ضرب فقيل لابن بكير: خالفت أصحابك؟ فقال أنا أعلم من أصحابي. وأما في خلافة من ضرب فالأشهر أن ذلك كان في أيام أبي جعفر وقيل إن هذا كله كان في أيام الرشيد والأول أصح. واختلف أيضاً في مقدار ضربه من ثلاثين إلى مائة ومدت يداه حتى انحلت كتفاه وبقي بعد ذلك مطابق اليدين لا يستطيع أن يرفعهما ولا أن يسوي رداءه.
قال أبي الوليد الباجي: ولما حج المنصور أقاد مالكاً من جعفر بن سليمان وأرسله إليه ليقتص منه فقال: أعوذ بالله؟ والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وأنا أجعله في حل من ذلك الوقت لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل إنه لما ضرب حمل مغشياً عليه فدخل الناس عليه فأفاق وقال: أشهدكم أني قد جعلت ضاربي في حل. وقال الدراوردي: سمعته يقول حين ضربه: اللهم اغفر لهم فإنهم لا يعلمون. قال مصعب: وكان ضربه سنة ست وأربعين ومائة.
وقال مالك رحمه الله: ما كان علي يوم ضربت أشد من شعر كان في صدري وكان في إزاري خرق ظهرت منه فخذي فجعلت لله علي أن أستجد الإزار وأن لا أترك علي شعراً. وكان رحمه الله يقول: ضربت فيما ضرب فيه محمد بن المنكدر وربيعة بن المسيب. ويذكر قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ما أغبط أحداً لم يصبه في هذا الأمر أذى.
قال الجياني: ما زال مالك بعد ذلك الضرب في رفعة من الناس وإعظام حتى كأنما كانت تلك الأسواط حليا حلي به رحمه الله تعالى ونفع به آمين.

ذكر وفاته واحتضاره وتركته رحمة الله تعالى عليه

اختلف في تاريخ وفاته والصحيح أنها كانت يوم الأحد لتمام اثنين وعشرين يوماً من مرضه في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة فقيل: لعشر مضت منه وقيل: لأربع عشرة ولثلاث عشرة ولإحدى عشرة وقيل لثنتي عشرة من رجب. وقال حبيب كاتبه ومطرف: سنة ثمانين. وحكي عن بن إسحاق ثمان وتسعين وهو وهم.
واختلف على هذا وعلى الخلاف المتقدم في مولده في مقدار سنه من أربع وثمانين إلى اثنين وتسعين. قال بكر بن سليمان الصواف: دخلنا على مالك بن أنس في العشية التي قبض فيها فقلنا له: يا أبا عبد الله كيف تجدك؟ قال ما أدري كيف أقول لكم إلا أنكم ستعاينون غداً من عفو الله ما لم يكن في حساب ثم ما برحنا حتى أغمضناه رحمه الله. وقيل إنه تشهد ثم قال: لله الأمر من قبل ومن بعد.
ورأى عمر بن يحيى بن سعيد الأنصاري في الليلة التي مات فيها مالك قائلاً يقول:

لقد أصبح الإسلام زعزع ركنه ... غداة ثوى الهادي لدى ملحد القبر
إمام الهدى ما زال للعلم صائناً ... عليه سلام الله في آخر الدهر
قال: فانتبهت وكتبت البيتين في السراج وإذا بصارخة على مالك رحمه الله تعالى.
وغسله بن كنانة وابن أبي الزبير وابنه يحيى وكاتبه حبيب يصبان عليه الماء وأنزله في قبره جماعة وأوصى أن يكفن في ثياب بيض ويصلى عليه في موضع الجنائز فصلى عليه عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكان خليفة لأبيه على المدينة ومشى في جنازته وحمل نعشه وبلغ كفنه خمسة دنانير. قال بن القاسم: مات مالك عن مائة عمامة فضلاً عن سواها.
قال بن أبي أويس: بيع ما في منزل مالك يوم مات رحمه الله تعالى من مصنفات وبرادع وبسط ومخاد محشوة بريش وغير ذلك ما ينيف على خمسمائة دينار. وقال غيره: خلف مالك خمسمائة زوج نعل. ولقد اشتهى يوماً كساء قرمزيا فما بات إلا وعنده منها سبعة بعثت إليه.

وأهدى له يحيى بن يحيى النيسأبيري هدية وجدت بخط بعض مشايخنا الثقات أنه باع من فضلها بثمانين ألفاً.
قال أبي عمر: ترك من الناض ألفي دينار وستمائة دينار وتسعة وعشرين ديناراً وألف درهم فاجتمع من تركته ثلاثة آلاف دينار وستمائة دينار ونيف.
وأنشد الزبير لأبي المعافى أو بن المعافى يرثي مالكاً رحمه الله تعالى ورضي عنه:
ألا قل لقوم سرهم فقد مالك ... ألا إن فقد العلم إذ مات مالك
ومالي لا أبكي على فقد مالك ... إذ أعز مفقود من الناس مالك
ومالي لا أبكي على فقد مالك ... وفي فقده سدت علي المسالك

في مشاهير الرواة عن مالك رحمة الله تعالى عليه من شيوخه الذين تعلم منهم وروى عنهم

وأفردنا هذا الباب لتبيين عظيم منزلته في وقته وعند تمام هذا الباب نرجع إلى ذكر الطبقات المقصودة على ما شرطناه في أول الكتاب والذي عند القاضي عياض من مشاهير من روى عنه وصحت روايته واشتهرت من شيوخه ثم من أقرانه الذين شاركوه في شيوخه ثم ممن صغرت أسنانهم عنهم نيفاً على ألف اسم وصورة ما ذكر بعد أن فرغ من عدتهم فهذه نيف على ألف اسم وتركنا كثيراً ممن لم يشتهر بذلك أو من جهل ولم يعرف من هو أو لم يذكر له رواية إلا حكاية حاله أو وصف قصة أو ذكر في رواية ولم تصح روايته عنه.

فممن روى عنه من شيوخه من التابعين: محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري مات قبل مالك بخمس وخمسين سنة.
أبي الأسود يتيم عروة مات قريباً من وفاة الزهري.
أيوب بن أبي تميمة السختياني توفي قبل مالك بتسع وأربعين سنة.
ربيعة بن أبي عبد الرحمن. توفي قبل مالك بست وثلاثين سنة.
يحيى بن سعيد الأنصاري توفي قبل مالك بست وثلاثين سنة.
موسى بن عقبة توفي قبل بثمان وثلاثين سنة.

وذكر أبي محمد الضراب أن ممن روى عن مالك من شيوخه التابعين: هشام بن عروة.
من غير التابعين: نافع بن أبي نعيم القارئ محمد بن عجلان سالم بن أبي أمية: أبي النضر مولى عمر بن عبد الله وجماعة من غير هؤلاء.
من أكابر التابعين من متأخري شيوخه: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عبد الملك بن جريج محمد بن إسحاق صاحب المغازي توفي قبله بثلاثين سنة وذكر أبي محمد الصواف أن مالكاً روى عنه وفيه نظر. سليمان بن مهران الأعمش وخلق غير هؤلاء.
ومن أقرانه من الأئمة المشاهير: سفيان بن سعيد الثوري الليث بن سعد المصري الأوزاعي أبي إسحاق الفزاري حماد بن سلمة بصري حماد بن زيد بصري سفيان بن عيينة مكي الإمام أبي حنيفة كوفي توفي قبله بثلاثين سنة

ابنه حماد أبي يوسف القاضي الحنفي شريك بن عبد الله القاضي بن لهيعة المصري محمد بن الحسن التل إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الفارضي مدني. وتركت من هؤلاء خلقاً كثيراً لعدم التطويل.
ومن طبقه أخرى بعد هؤلاء: المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي مدني الإمام محمد بن إدريس الشافعي عبد الله بن المبارك عراقي محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة عراقي أبي قرة: موسى بن طارق القاضي من الحجاز الوليد بن مسلم.
فهذه نبذة ذكرتها من ألف راو ذكرهم القاضي عياض قال: وإنما ذكرت المشاهير وتركت من الرواة كثيراً وبهذا يتبين عظيم قدره رحمه الله تعالى ورضي عنه آمين.

الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - ابن فرحون، برهان الدين اليعمري.

 

 

الإِمَام مَالك بن أنس بن مَالك بن أبي عَامر بن عَمْرو بن الْحَارِث الأصبحي الْحِمْيَرِي أَبُو عبد الله الْمدنِي
شيخ الْأَئِمَّة وَإِمَام دَار الْهِجْرَة
روى عَن نَافِع وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وجعفر الصَّادِق وَحميد الطَّوِيل وَخلق
وَعنهُ الشَّافِعِي وخلائق جمعهم الْخَطِيب فِي مُجَلد
وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ لَهُ نَحْو ألف حَدِيث
وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد قلت لأبي من أثبت أَصْحَاب الزُّهْرِيّ قَالَ مَالك أثبت فِي كل شَيْء
وَقَالَ البُخَارِيّ أصح الْأَسَانِيد مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا جَاءَ الْأَثر فمالك النَّجْم مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة تسع وَسبعين وَمِائَة وَهُوَ ابْن تسعين سنة وَحمل بِهِ ثَلَاث سِنِين

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

مَالكُ بنُ أَنَس بن مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمرو بْنِ حارث بْنِ غَيْمان بْنِ خُثَيل بْنِ عَمرو بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ ذُو أَصْبح بْنِ حِمْيَر، وَعِدَادُهُ فِي بَنِي تَيْمِ بْنِ مرَّة مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ الله التيمي.

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: "سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: قَدْ يَكُونُ الْحَمْلُ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَقَدْ حُمل بِبَعْضِ النَّاسِ ثَلَاثَ سنين -يعني نفسه-".
قال: "سمعت غَيْرَ وَاحِدٍ يَقُولُ: حُمِل بِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ثَلَاثَ سِنِينَ".
قَالَ: أَخْبَرَنَا مطرَّف بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَسَارِيُّ، قَالَ: "كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ طَوِيلًا عَظِيمَ الْهَامَةِ أَصْلَعَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، أَبْيَضَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ إِلَى الشُقرة وَكَانَ لِبَاسُهُ الثِّيَابُ الْعَدَنِيَّةُ الْجِيَادُ. وَكَانَ يَكْرَهُ حَلْقَ الشَّارِبِ ويعبيه، وَيَرَاهُ مِنَ الْمَثَلِ، كَأَنَّهُ مَثَّلَ بِنَفْسِهِ".
قَالَ: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أُوَيْسٍ، قَالَ: "كَانَ خَاتَمُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الَّذِي مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَصُه حَجَرٌ أَسْوَدُ مُجْسَد نَقْشُهُ شَطْرَانِ {حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} . وَكَانَ يَتَخَتَّمُ بِهِ فِي يَسَارِهِ وَرُبَّمَا رَأَيْتُ خَاتَمَهُ كَثِيرًا فِي يَمِينِهِ، فَلَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ يُحَوِّلَهُ مِنْ يَسَارِهِ إِلَى يَمِينِهِ حين يتوظأ مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ. وَكَانَ مَالِكٌ يَعْمَلُ فِي نَفْسِهِ مَا لَا يُلْزِمُهُ النَّاسُ. وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَكُونُ الْعَالِمُ عَالِمًا حَتَّى يَعْمَلُ فِي نَفْسِهِ بِمَا لَا يُفْتِي بِهِ النَّاسَ، يَحْتَاطُ لنفسه ما لو تركه لم  يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ إِثْمٌ".
قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: "رَأَيْتُ مَالِكًا متختَّمًا فِي يَسَارِهِ".
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ مَالِكٌ لَا يُغَيرَّ شَيْبَهُ".
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطرَّف بن عيد اللَّهِ الْيَسَارِيُّ، قَالَ قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ يوماً:"مَا نَقْشُ خَاتَمِكَ؟ قَالَ: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الوكيل" الآية قلت فَلِم نقشته هَذَا النَّقْشَ مِنْ بَيْنِ مَا يَنْقُشُ النَّاسُ الْخَوَاتِيمَ؟ " قَالَ: "إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِقَوْمٍ قَالُوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء}. فقال مطرَّف: فَمَحَوْتُ نَقْشَ خَاتَمِي وَنَقَشْتُهُ (حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) .
(قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَسَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: "كُنْتُ آتِي نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ نِصْفَ النَّهَارِ، مَا يُظلني شَيْءٌ مِنَ الشَّمْسِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بالنَّقِيع { النقيع: بالنون المفتوحة سمي بذلك لتجمع الماء فيه. وهو موضع قرب المدينة من الناحية الجنوبية الغربية بجانب وادي العقيق يبعد عن المدينة أربعة بُرد} بالصُوريْن { والصَوران: تثنية صور، وهما موضعان بالنقيع }، وَكَانَ حدَّاً، فَأَتَحَيَّنُ خُرُوجَهُ فَيَخْرُجُ فَأَدَعُهُ سَاعَةً، وأُريه أَنِّي لَمْ أُرده، ثُمَّ أَعْرِضُ لَهُ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَدَعُهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ البِلاط" {. هو موضع بين سوق المدينة والمسجد النبوي من ناحيته الشرقية امتد فيما بعد حتى أحاط بالحرم بمساحات مختلفة من جهة إلى أخرى، متشعباً نوعاً ما بين بعض المنازل }، أَقُولُ: "كَيْفَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ قال: كذا وكذا فَأَخْنس عنه") { أخْنَس عنه: أتخلف وأتورى عنه}.قَالَ: أَخْبَرَنَا مطرَّف بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَسَارِيُّ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: "وَكُنْتُ آتِي ابْنَ هُرْمُز بُكرةً، فيما أَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى اللَّيْلَ، وَكَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ".
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال: أخبرنا  زَيْدُ بْنُ دَاوُدَ-رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ أَفْضَلِهِمْ- قَالَ: "رَأَيْتُ فِيَ الْمَنَامِ كَأَنَّ الْقَبْرَ انْفَرَجَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم قَاعِدٌ، وَإِذَا النَّاسُ مُنْفَصِمون { منفصمون: ذاهبون، أرادوا الخروج }، فَصَاحَ صَائِحٌ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ فَرَأَيْتُ مَالِكًا جَاءَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَأَعْطَاهُ شَيْئًا، فَقَالَ: "اقْسِمْ هَذَا عَلَى النَّاسِ، فَخَرَجَ بِهِ مَالِكٌ يُقَسِّمُهُ عَلَى النَّاسِ، فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ يُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ".
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: "أُراني فِي الْمَنَامِ وَرَجُلٌ يَسْأَلُنِي مَا يَقُولُ مَالِكٌ فِي كَذَا وَكَذَا؟ "قال: قلت: "اأَدْرِي إِلَّا أَنَّهُ قُلَّ مَا يُسْأَلُ عَنْ شيء إلا قال أَنْ يَتَكَلَّمَ: مَا شَاءَ اللَّهُ" قَالَ فَقَالَ: "وقَالَ هَذَا فِي أَخْفَى مِنَ الشَّعْرِ لُهدي مِنْهُ إِلَى الصَّوَابِ"
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عبد الله، قال: "ان مَالِكٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَأَدْخَلَ رِجْلَهُ قَالَ: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}  فَقِيلَ لَهُ: "إِنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْتَكَ قُلْتَ: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} قَالَ: "إِنِّي سَمِعْتُ الله قال فِي كِتَابِهِ: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} وَجَنَّتُهُ بَيْتُهُ".
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: "سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ حَدِيثِهِ، أَسْمَاعٌ هُوَ؟ فَقَالَ: مِنْهُ سَمَاعٌ، ومنه عرض، وليس العرض عندنا بأدنى من السماع".

قَالَ: أَخْبَرَنَا مطرَّف بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ لِبَعْضِ مَنِ يحتج عَلَيْهِ فِي الْعَرْضِ: إِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فِيهِ إِلَّا الْمُشَافَهَةُ فَيَأْبَى مَالِكٌ ذَلِكَ عَلَيْهِ أشدَّ الْإِبَاءِ، وَيَحْتَجُّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِذَا قَرَأْتَ عَلَى الْقَارِئِ الْقُرْآنَ، فَسُئِلْتَ مَنْ أقرأك؟ أليس تقول: فلان ابن فُلَانٍ، وَفُلَانٌ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْكَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا فَهُوَ إِذَا قَرَأْتَ أَنْتَ عَلَيْهِ أَجْزَأَكَ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَلَا تَرَى أَنْ يُجْزِئَكَ الْحَدِيثُ! فَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ مِنَ الْحَدِيثِ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَرَّف بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "صَحِبْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَرَأَ مَالِكٌ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكُتُبِ -يَعْنِي الموطأ-".{ الموطأ: كتاب في الحديث رتَّبه الإمام مالك على أبواب الفقه}

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: "عَجَبًا لِمَنْ يُرِيدُ المحدِّث عَلَى أَنْ يُحَدِّثَهُ مُشَافَهَةً، وَذَلِكَ إِنَّمَا أَخَذَ حَدِيثَهُ عَرْضًا فَكَيْفَ جوَّز ذَلِكَ للمحدِّث، وَلَا يُجَوِّزُ هُوَ لِنَفْسِهِ أَنْ يُعْرَض عَلَيْهِ كَمَا عَرَضَ هُوَ".
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْعُمَرِيَّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَبْدَ الْحَكِيمِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرة، عَنْ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ على المحدِّث أو حديثه هو به فقالوا: "هو سواء، وهوعلم بَلَدِنَا".
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكٍ: "قَدْ سَمِعْتَ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ". فَقَالَ مَالِكٌ: "مِائَةُ أَلْفِ حَدِيثٍ! أَنْتَ حَاطِبُ لَيْلٍ تَجْمَعُ القَشعَة" فَقَالَ: "مَا القشعة؟ " قال: "الحطب يجمعه الإنسان بالليل، فربما أخذ معه أفعى فَتَنْهَشَهُ".
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي أويس، قال: "سئل مالك عن الإيمان، يزيد وينقص؟ " فَقَالَ: "يَزِيدُ، وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَقِيلَ لَهُ: وَيَنْقُصُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: ولا أريد أن أبلغ هذا".

قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "سُئل مَالِكٌ مَا كُنْيَةُ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: أبو القاسم كأنه لم يرى بِذَلِكَ بَأْسًا".
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: "لَمَّا خَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ بِالْمَدِينَةِ لَزِمَ مَالِكٌ بَيْتَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ حَتَّى قُتل مُحَمَّدٌ".
(قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: "لَمَّا حجَّ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ دَعَانِي، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَحَادَثْتُهُ، وَسَأَلَنِي فَأَجَبْتُهُ"، فَقَالَ: "إِنِّي قَدْ عَزَمْتُ أَنْ، آمُرَ بِكُتُبِكَ هَذِهِ الَّتِي وَضَعْتَهَا -يَعْنِي الْمُوَطَّأَ- فتُنسخ نُسَخًا، ثُمَّ أبعث إلى كل مصر من الأمصار المسلمين منها بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بِمَا فِيهَا لَا يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ، ويدَعوا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ المحدَث، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَصْلَ الْعِلْمِ رِوَايَةَ الْمَدِينَةِ وَعِلْمِهِمْ. قَالَ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ هَذَا، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ سَبَقَتْ إِلَيْهِمْ أَقَاوِيلُ، وَسَمَعُوا أَحَادِيثَ، وَرَوَوْا رِوَايَاتٍ، وَأَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ بما سبق إليهم، وعملوا بِهِ. وَدَانُوا بِهِ مِنِ اخْتِلَافِ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، وإنَّ رَدَّهُمْ عَمَّا قَدِ اعْتَقَدُوهُ شَدِيدٌ، فَدَعِ الناس وما هم عليه، ومااختار كُلُّ أَهْلِ بَلَدٍ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ" فَقَالَ: "لَعَمْرِي لَوْ طَاوَعْتَنِي عَلَى ذَلِكَ لَأَمَرْتُ بِهِ") .

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: "لَمَّا دُعي مالك بن أنس وشُوور وسُمع جعفر وقُبل قول، شَنِف { شَنِف: تنبه } النَّاسُ لَهُ وَحَسَدُوهُ وَبَغَوْهُ بِكُلِّ شَيْءٍ. فلما ولي جعفر ابن سليمان بن عَلَى الْمَدِينَةِ سَعَوْا بِهِ إِلَيْهِ، وَكَثُرُوا عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَقَالُوا لَا يَرَى أَيْمَانَ بِيعَتِكُمْ هَذِهِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ يَأْخُذُ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ الْأَحْنَفِ، فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَغَضِبَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، فَدَعَا بِمَالِكٍ، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا رُقي إِلَيْهِ عَنْهُ، ثُمَّ جرَّده ومدَّه وَضَرَبَهُ بِالسِّيَاطِ، ومُدت يَدُهُ حَتَّى انْخَلَعَ كتفاه وارتُكب منه أمر عظيم فَوَاللَّهِ مَا زَالَ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّرْبِ فِي رِفعة عِنْدَ النَّاسِ وَعُلُوٍّ مِنْ أَمْرِهِ وَإِعِظَامِ النَّاسِ لَهُ، وَكَأَنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ السِّيَاطُ الَّتِي ضَرَبَهَا حليَّا حُلَّى بِهَا".

(قَالَ: "وَكَانَ مَالِكٌ يَأْتِي الْمَسْجِدَ وَيَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ وَالْجُمُعَةَ وَالْجَنَائِزَ وَيَعُودُ المرضى، ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد، ويجتمع إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ تَرَكَ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ يُصَلِّي ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَتَرَكَ شُهُودَ الْجَنَائِزَ، فَكَانَ يَأْتِي أَصْحَابُهَا فَيُعَزِّيهِمْ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَلَمْ يَكُنْ يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا الْجُمُعَةَ، وَلَا يَأْتِي أَحَدًا يُعَزِّيهِ وَلَا يَقْضِي لَهُ حَقًّا، وَاحْتَمَلَ النَّاسُ ذَلِكَ كُلَّهُ لَهُ، وَكَانُوا أَرْغَبَ مَا كَانُوا فِيهِ وَأَشَدَّهُ لَهُ تَعْظِيمًا حَتَّى مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ رُبَّمَا كُلم فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ: "لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِعُذْرِهِ") .
(قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يَجْلِسُ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى ضِجَاعٍ { الضجاع: فراش يضطجع عليه} لَهُ وَنَمَارِقٍ { نمارق: جمع نُمرُق. وهي وسادة جمعها وسائد} مُطَّرحة يُمْنَةً وَيُسْرَةً فِي سَائِرِ الْبَيْتِ، لِمَنْ يَأْتِيهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَالنَّاسِ، وَكَانَ مَجْلِسُهُ مَجْلِسَ وَقَارٍ وَحِلْمٍ، وَكَانَ مَالِكٌ رَجُلًا مُهِيبًا نَبِيلًا لَيْسَ فِي مَجْلِسِهِ شيء من المراء واللغظ { اللغظ: إذا تكلم القوم كلاماً مبهمًا لا يفهم من اختلاط أصواتهم} ولا رفع صوت وَكَانَ الْغُرَبَاءُ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْحَدِيثِ، وَلَا يُجِيبُ إِلَّا الْحَدِيثَ بَعْدَ الْحَدِيثِ، وَرُبَّمَا أَذِنَ لِبَعْضِهِمْ فَقَرَأَ عَلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ كَاتِبٌ قَدْ نَسَخَ كُتُبَهُ يُقَالُ لَهُ: حَبيب يَقْرَأُ لِلْجَمَاعَةِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ يَدْنُو وَلَا يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ وَلَا يَسْتَفْهِمُ هَيْبَةً لِمَالِكٍ وَإِجْلَالًا، وَكَانَ حَبِيبٌ إِذَا قَرَأَ فَأَخْطَأَ فَتَحَ عَلَيْهِ مَالِكٌ) . وَكَانَ ذَلِكَ قَلِيلًا.

قَالَ: أَخْبَرَنَا مطرَّف بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَحْتَجِمُ إِلَّا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ، يُنكر الْحَدِيثَ الَّذِي رُوي فِي ذَلِكَ { ويفيدان: اجتناب الحجامة يوم الأربعاء، والجمعة، والسبت، والأحد}.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: "اشْتَكَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَيَّامًا يَسِيرَةً، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا عَمَّا قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ تشهَّد ثُمَّ قَالَ: {لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}  وتُوفي صَبِيحَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ" فِي خِلَافَةِ هَارُونَ وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ ابْنُ زَيْنَبَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ، بأمه كان يُعرف، يُقال: عبد الله بن زينب، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ وَالِيًا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَصَلَّى عَلَى مَالِكٍ فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ ودُفن بِالْبَقِيعِ وَكَانَ يَوْمَ مَاتَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً.

(قَالَ محمد بْنُ سَعْدٍ: "فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ الله الزبيري" فقال: "أَنَا أَحْفَظُ النَّاسِ لِمَوْتِ مَالِكٍ، مَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ) .
قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: "رَأَيْتُ الفُسطاط { الفُسطاط: بيت من الشَعْر والمراد من ذلك" أنه رأى الفُسطاط على قبره أثناء الدفن، اتقاء الحر ولم يكن ذلك بعد دفنه} عَلَى قَبْرِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ (وَكَانَ مَالِكٌ ثِقَةً مأموناً ثبتاً ورعاً فقيهاً عالماً حجةً) { مجمع على توثيقه وتثبته وإمامته في الحديث والفقه والاحتجاج به، وقد أخرج له الجماعة}.

-الطبقات الكبرى لابن سعد البصري-


 

مَالك بن أنس بن مَالك بن أبي عَامر الأصبحي حَلِيف عُثْمَان بن عبيد الله التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي كنيته أَبُو عبد الله كَانَ مولده سنة ثَلَاث أَو أَربع وَتِسْعين وَمَات سنة تسع وَسبعين وَمِائَة وَدفن بِالبَقِيعِ وَكَانَ أول من انتقى الرِّجَال من الْفُقَهَاء بِالْمَدِينَةِ وَأعْرض عَمَّن لَيْسَ ثِقَة فِي الحَدِيث وَلم يكن يروي إِلَّا مَا صَحَّ وَلَا يحدث إِلَّا عَن ثِقَة مَعَ الْفِقْه وَالدّين وَالْعقل والنسك رَضِي الله عَنهُ
روى عَن أبي سُهَيْل فِي الْإِيمَان وَأبي الزِّنَاد وَصَالح بن كيسَان وَنَافِع وَالزهْرِيّ وَعَمْرو بن يحيى بن عمَارَة وَسُهيْل فِي الْوضُوء وَالْحج وَغَيرهمَا والْعَلَاء بن عبد الرحمن وَأبي بكر بن نَافِع وَهِشَام بن عُرْوَة وعبد الله بن دِينَار وَأبي النَّضر سَالم وعبد الرحمن بن الْقَاسِم ونعيم المجمر فِي الصَّلَاة وَالْحج وعبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم وَسمي وَأبي حَازِم وَزيد بن أسلم وعامر بن عبد الله بن الزبير وَدَاوُد بن الْحصين وعبد الله بن يزِيد مولى الْأسود بن سُفْيَان وَسلم بن أبي مَرْيَم وَأبي الزبير وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر وَسَعِيد المَقْبُري ومخرمة بن سُلَيْمَان فِي الصَّلَاة وَمُحَمّد بن يحيى بن حبَان وَيزِيد بن رُومَان وَصَفوَان بن سليم فِي الصَّلَاة وَحَمْزَة بن سعيد فِي الصَّلَاة وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ فِي الْجَنَائِز وَمُحَمّد بن عَمْرو بن حلحلة وَمُحَمّد بن أبي بكر الثَّقَفِيّ وحبِيب بن عبد الرحمن فِي الزَّكَاة وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرحمن فِي الزَّكَاة وَالْعِتْق وَغَيرهَا وعبد الله بن سعيد فِي الصَّوْم ومُوسَى بن عقبَة فِي الْحَج وَأبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن نَوْفَل فِي الْحَج وَالنِّكَاح وجعفر بن مُحَمَّد فِي الْحَج وقطن بن وهب وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر فِي الْحَج والطب وعبد الله بن الْفضل فِي النِّكَاح وَحميد الطَّوِيل فِي الْبيُوع وَيزِيد بن خصيفَة فِي الْبيُوع وَكَفَّارَة المرضى ومُوسَى بن أبي تَمِيم فِي الْبيُوع وعبد المجيد بن سُهَيْل فِي الْبيُوع والفضيل بن أبي عبد الله فِي الْجِهَاد وَإِسْمَاعِيل بن أبي حَكِيم فِي الصَّيْد وَأبي نعيم وهب بن كيسَان فِي الصَّيْد وَعَمْرو بن مُسلم وَيُقَال عمر فِي الضَّحَايَا وَصَيْفِي مولى ابْن أَفْلح فِي ذكر الجان وعبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أَبُو طوالة فِي الْبر وَزِيَاد بن سعد فِي الْقدر
روى عَنهُ قُتَيْبَة بن سعيد وَيحيى بن يحيى وَجُوَيْرِية وَابْن وهب ومعن بن عِيسَى وسُويد بن سعيد فِي الْوضُوء وعبيد الله بن نَافِع فِي الصَّلَاة وروح بن عبَادَة والقعنبي فِي الصَّلَاة وَالزَّكَاة وعبد الله بن الْمُبَارك وَإِسْحَاق بن عِيسَى فِي الصَّلَاة وَالصَّوْم وَإِسْحَاق بن سُلَيْمَان الرَّازِيّ فِي الزَّكَاة وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس وخَالِد بن مخلد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَخلف بن هِشَام وعبد الرحمن بن مهْدي وَبشر بن عمر وَأَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ وَمَنْصُور بن أبي مُزَاحم وَيحيى بن ابي عمر وشبعة وَأَبُو عَليّ الْحَنَفِيّ وعبد الأعلى بن حَمَّاد.
رجال صحيح مسلم - لأحمد بن علي بن محمد بن إبراهيم، أبو بكر ابن مَنْجُويَه.

 

 

 

الإمام مالك هو مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري ولد سنة (93ه) في عام موت الصحابي الجليل أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وسلم أمام دار الهجرة طلب العلم وهو حدث فأخذ عن نافع وسعيد المقبري وعامر بن عبدالله بن الزبير وغيرهم، ولمْ يكن بالمدينة المنورة عالم من بعد التابعين يشبه مالكاً في العلم والفقه والجلالة والحفظ أشهر تلاميذه الإمام الشافعي ومحمد بن الحسن أشهر كتبه الموطأ مات- رحمه الله- سنة (179ه) ودفن في المدينة المنور. ينظر: سير أعلام النبلاء ط الرسالة (8/ 48).

 

 


مالك بن أنس، ولد بالمدينة المنورة (93 هـ)، وبها توفي (179 هـ)، وهو مستغن بشهرته عن التعريف به، وقد أورد القاضي عياض في "المدارك"، والسيوطي في "تزيين المسالك"، والزواوي في "مناقب مالك" وغيرهم، من ثناء الأئمة عليه علما، ودينا، وورعا، وثباتا .. ما فيه كفاية.
وقد انتشر مذهبه في الحجاز، ومصر، والسودان، والكويت، والبحرين، وتونس، والجزائر، والأندلس، والمغرب الأقصى - البلد الوحيد الذي أضحى فيه بدون منافس، وله أتباع في جل البلدان الإسلامية الأخرى....

من الكتاب: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك (مع دراسة لحياة المؤلف وآثاره وعصره)- المؤلف: أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسى.- المحقق: أحمد بو طاهر الخطابي.

 

 

مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله: إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، مولده ووفاته في المدينة. كان صلبا في دينه، بعيدا عن الأمراء والملوك، وشي به فضربه سياطا انخلعت لها كتفه. ووجه إليه الرشيد العباسي ليأتيه فيحدثه، فقال: العلم يؤتى، فقصد الرشيد منزله واستند إلى الجدار، فقال مالك: يا أمير المؤمنين من إجلال رسول الله إجلال العلم، فجلس بين يديه، فحدثه. وسأله المنصور أن يضع كتابا للناس يحملهم على العمل به، فصنف " الموطأ - ط ". وله رسالة في " الوعظ - ظ " وكتاب في " المسائل - خ " ورسالة في " الرد على القدرية " وكتاب في " النجوم " و " تفسير غريب القرآن " وأخباره كثيرة. ولجلال الدين السيوطي " تزيين الممالك بمناقب الإمام مالك - ط " ولمحمد أبي زهرة كتاب " مالك ابن أنس: حياته، عصره إلخ - ط " ولأمين الخولي " ترجمة محررة لمالك ابن أنس - ط "

-الاعلام للزركلي-

 

 

أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي

أمام دار الهجرة رضي الله عنه. ولد سنة خمس وتسعين من الهجرة ومات سنة تسع وسبعين ومائة وله أربع وثمانون سنة، قال الواقدي: مات وهو ابن تسعين سنة، وأخذ العلم عن ربيعة ثم أفتى معه عند السلطان. وقال مالك: قل رجل كنت أتعلم منه ما مات حتى يجيئني ويستفتيني. وقال ابن وهب: سمعت منادياً ينادي بالمدينة، ألا لا يفتي الناس إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب.
وقال الشافعي: قال لي محمد بن الحسن: أيهما أعلم: صاحبكم أو صاحبنا، يعني أبا حنيفة ومالكاً، قال: قلت: على الإنصاف؟ قال: نعم، قلت: فأنشدك الله من أعلم بالقرآن: صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قال: فأنشدك الله من أعلم بالسنة: صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قال: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدمين: صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قال الشافعي: فلم يبق إلا القياس، والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء، فعلى أي شيء يقيس؟
وقال بكر بن عبد الله الصنعاني: أتينا مالك بن انس فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي فكنا نستزيده من حديث ربيعة، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة وهو نائم في ذاك الطاق، فأتينا ربيعة فأنبهناه وقلنا له: أنت ربيعة؟ قال: نعم، قلنا: أنت الذي يحدث عنك مالك بن انس؟ قال: نعم، فقلنا: كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟ قال: أما علمتم أن مثقالاً من دولة خير من حمل علم.

- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

 

 

مالك بن أنس: إمام دار الهجرة رضي الله عنه انتشر مذهبه بالحجاز والبصرة وما والاها وبإفريقية والمغرب والأندلس ومصر وأتباعه كثيرون جداً

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية

 

 

مَالك بن أنس
مَاتَ سنة تسع وَسبعين وَمِائَة.
تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم-لأبو المحاسن المفضل التنوخي المعري.

الإمام أبو عبد اللَّه، مالكُ بنُ أبي عامرِ بنِ عمرِو بنِ الحارث، الأَصْبَحيُّ، المَدَنيُّ، إمامُ دار الهجرة، وأحدُ الأئمة الأعلام.
أخذ القراءة عرضًا عن نافع بن أبي نعيم، وسمع الزهري، ونافعًا مولى ابن عمر، وروى عنه: الأوزاعي، ويحيى بن سعيد، وأخذ العلم عن ربيعة الرأي، وأفتى معه عند السلطان، وقال مالك: قلَّ رجلٌ كنت أتعلَّمُ منه ما مات حتى يجيئني ويستفتيني.
وكان مالك إذا أراد أن يحدث: توضأ، وجلس على صدر فراشه، وسرَّحَ لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، ثم حدَّث، فقيل له في ذلك، فقال: أحبُّ أن أُعَظِّم حديثَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحدث به إلا متمكنًا على طهارة.
وكان يكره أن يحدث على الطريق، أو قائمًا، أو مستعجلًا، ويقول: أحبُّ أن أتفهم ما أحدِّثُ به عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
وكان لا يركب في المدينة، مع ضعفه وكبر سنه، ويقول: لا أركب في مدينة فيها جثةُ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مدفونة.
وكان يأتي المسجدَ ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد، ويجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد، فكان يصلي وينصرف إلى مجلسه، وترك حضورَ الجنائز، فكان يأتي أهلها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله، فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد، ولا الجمعة، ولا يأتي أحدًا يعزيه، ولا يقضي له حقًا، واحتمل الناس له ذلك حتى مات.
وكان ربما قيل له في ذلك، فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره. وسعي به إلى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد اللَّه بن عباس - رضي اللَّه عنهما -، وهو عم أبي جعفر المنصور، وقالوا له: لا يرى أيمانَ بيعتِكم هذه بشيء، فغضب جعفر، ودعا به وجرده، وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت كتفه، وارتكب منه أمرًا عظيمًا، فلم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة، وكأنما كانت تلك السياط حليًا حُلِّي به.

وذكر ابن الجوزي في "شذور العقود"، في سنة 147: وفيها ضُرب مالك بن أنس سبعين سوطًا؛ لأجل فتوى لم توافق غرضَ السلطان، واللَّه أعلم.
كانت ولادته في سنة خمس وتسعين للهجرة، وحُمل به ثلاث سنين، وتوفي في شهر ربيع الأول سنة 179 - رضي الله عنه -، فعاش أربعًا وثمانين سنة.
قال الواقدي: مات وله تسعون سنة. وقال ابن الفرات في "تاريخه" المرتب على السنين: توفي مالك بن أنس الأصبحي لعشر مضين من ربيع الأول سنة 179.
وقيل: إنه توفي في سنة 178، وقيل: إن مولده سنة تسعين للهجرة. وقال السمعاني في كتاب "الأنساب": إنه ولد في سنة ثلاث، أو أربع وتسعين، واللَّه أعلم.
وحكى الحافظ أبو عبد اللَّه الحميدي في كتاب "جذوة المقتبس"، قال: حدث القَعْنبيُّ، قال: دخلتُ على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه، فسلمتُ عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت: يا أبا عبد اللَّه! ما الذي يُبكيك؟ فقال لي: يا بن قعنب! وما لي لا أبكي؟ ومن أحقُّ بالبكاء مني؟ واللَّه! لوددتُ أني ضُربت بكل مسألة أفتيت فيها برأيي بسوط سوط، وقد كانت لي السعة فيما قد سبقت إليه، وليتني لم أفت برأيي، أو كما قال.
وكانت وفاته بالمدينة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - ودفن بالبقيع.
وكان شديدَ البياض إلى الشقرة، طويلًا، عظيمَ الهامة، أصلعَ، يلبس الثياب العدنيةَ الجيادَ، ويكره حلقَ الشارب، ويعيبه، ويراه من المُثْلَة، ولا يغير شيبه.
ورثاه أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج، بقوله:
سقى جَدَثًا ضَمَّ البقيع لمالك ... مِنَ المُزْنِ مِرْعادُ السَّحائِبِ مِبْراقُ
إمامٌ مُوَطَّاهُ الذي طبقتْ به ... أقاليمُ في الدنيا، فِساحٌ وآفاقُ
أقامَ به شرعَ النبيِّ محمدٍ ... له حذرٌ من أن يُضام وإشفاقُ
له سَنَدٌ عالٍ صحيحٌ وهيبةٌ ... فللكلِّ منه حينَ يرويه إطراقُ

وأصحابُ صدقٍ كلهم عَلَمَ، فَسَلْ ... بهمْ إنهم إنْ أنتَ ساءلت حُذَّاقُ
ولو لم يكنْ إلا ابنُ إدريس وحدَه ... كفاهُ، ألا إنَّ السعادةَ أرزاقُ
والأصبحيُّ: نسبة إلى ذي أصبح، واسمُه الحارثُ بن عوف بن مالك، إلخ.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.