محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المنفلوطي تقي الدين أبي الفتح

ابن دقيق العيد

تاريخ الولادة625 هـ
تاريخ الوفاة702 هـ
العمر77 سنة
مكان الولادةينبع - الحجاز
مكان الوفاةالقاهرة - مصر
أماكن الإقامة
  • الحجاز - الحجاز
  • دمشق - سوريا
  • القاهرة - مصر
  • قوص - مصر

نبذة

مُمُحَمَّد بن علي بن وهب بن مُطِيع بن أَبى الطَّاعَة تقي الدَّين القشيري المنفلوطي الأَصْل المصري القوصي المنشأ المالكي ثمَّ الشافعي نزيل الْقَاهِرَة الْمَعْرُوف بِابْن دَقِيق الْعِيد الإِمَام الْكَبِير صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة ولد فِي شعْبَان سنة 625 خمس وَعشْرين وسِتمِائَة بِنَاحِيَة يَنْبع فِي الْبَحْر وَسمع بِمصْر من جمَاعَة ورحل إِلَى دمشق فَسمع من أَحْمد بن عبد الدَّائِم والزين خَالِد وَغَيرهمَا وَأخذ أَيْضا عَن الرشيد الْعَطَّار والزكى والمنذرى وَابْن عبد السَّلَام وتبحر فِي جَمِيع الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة

الترجمة

أبو الفتح محمد ابن الأمام أبي الحسن علي بن أبي العطاء: المعروف بتقي الدين بن دقيق العيد المالكي الشافعي الإِمام المفتي في المذهبين الفقيه الأصولي العالم المفرد بمعرفة العلوم في زمانه والرسوخ فيها اشتغل بمذهب مالك ثم بمذهب الشافعي سمع كثيراً من شيوخ الحجاز ودمشق والشام ومصر وغيرها، سمع من والده وحدّث وسمع منه الناس منهم أبو يحيى بن جماعة الهواري التونسي له تآليف منها شرح قطعة من مختصر ابن الحاجب الفرعي وصل فيه باب الحج وشرح العمدة في الأحكام أبان فيه عن علم واسع وذهن ثاقب ورسوخ في العلم والإلمام في أحاديث الأحكام وشرحه لم يتم والاقتراح في بيان الإصلاح وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث الصحاح وله ديوان خطب وأربعون حديثاً سباعية ولي قضاء الشافعية في الديار المصرية. مولده سنة 625 هـ وتوفي سنة 702 هـ[1302م]، ودفن بالقرافة ووالده مجد الدين الفاضل شيخ المالكية في وقته، توفي سنة 667 هـ عن 86 سنة، روى عن المفضل أبي الحسن المقدسي.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف

 

محمد بن علي بن وهب، المعروف بابن دقيق العيد، الإمامُ الكبيرُ.
ولد في شعبان سنة 625، بناحية ينبع في البحر، تبحر في جميع العلوم الشرعية، وخضع له أكابر الزمان، وطار صيته، واشتهر ذكره، وأخذ عنه الطلبة، وصنف التصانيف الفائقة، منها: "الإلمام في أحاديث الأحكام"، وشرع في شرحه، أتى فيهما - كما قال ابن حجر - بالعجائب الدالة على سعة دائرته في العلوم، خصوصًا في الاستنباط، وصنف "الاقتراح في علوم الحديث"، ومن مصنفاته "شرح العمدة"، قال الصلاح الكتبي: كان إمامًا متفننًا محدِّثًا مجوِّدًا فقيهًا مدققًا أصوليًا أديبًا شاعرًا نحويًا ذكيًا، غواصًا عَلى المعاني مجتهدًا، وافرَ العقل، كثيرَ السكينة، بخيلاً بالكلام، تامَّ الورع، شديدَ التدين، مُديمَ السهر، مُكِبًا على المطالعة والجمع، قلَّ أن ترى العيونُ مثله، وقد كان قهره الوسواس في أمر المياه، انتهى. قال في "آثار الأدهار": سمع جماعة، وسمع منه غير واحد، وعكف مكبًا على المطالعة، فجمع الكثير، ومن شعره:
لم يَبْقَ لي أَمَلٌ سواكَ فإنْ يَفُتْ ... وَدَّعْتَ أيامَ الحياةِ وداعا
لا أستلذُّ بغيرِ وجهِك منظَرًا ... وسِوى حديثِك لا أُريدُ سَماعا
وله - رح -:
تمنيتُ أن الشيبَ عاجَلَ لِمَّتي ... وقَرَّبَ مِنِّي في صِبايَ مَزَارَهُ
فآخُذَ من عصرِ الشبابِ نشاطَهُ ... وآخذَ من عصرِ المشيبِ وقارَهُ
انتهى.

قال الذهبي: غلب عليه الوسواس في المياه والنجاسة، وله في ذلك حكايات وأخبار تخرج بها أئمة، وكان لا يسلك المراء في بحثه، بل يتكلم بكلمات يسيرة بسكينة، ولا يراجع. قال الحلبي: كان حافظًا للحديث وعلومه، يُضرب به المثل في ذلك، وكان آية في الإتقان. قال ابن الزملكاني: إمامُ الأئمة في فنه، وعلامةُ العلماء في عصره، بل ولم يكن من قبله من سنين مثلُه في العلم والدين، والزهد والورع، تفرد في علوم كثيرة، وكان يعرف التفسير والحديث، ويحقق المذهبين - يعني: مذهب مالك، والشافعي -، ويعرف الأصلَين، وكان السلطان لاجين ينزل له عن سريره، ويقبل يديه. قال ابن سيد الناس: له تخلق وبكرامات الصالحين تحقق، وبعلامات العارفين تعلق، ولو لم يدخل في القضاء، لكان ثوريَّ زمانه، وأوازعيَّ أوانه. قال ابن حجر: واستمر فيه إلى أن مات سنة 704 - رحمه الله تعالى -.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

 

مُحَمَّد بن علي بن وهب بن مُطِيع بن أَبى الطَّاعَة تقي الدَّين القشيري المنفلوطي الأَصْل المصري
القوصي المنشأ المالكي ثمَّ الشافعي نزيل الْقَاهِرَة الْمَعْرُوف بِابْن دَقِيق الْعِيد الإِمَام الْكَبِير صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة ولد فِي شعْبَان سنة 625 خمس وَعشْرين وسِتمِائَة بِنَاحِيَة يَنْبع فِي الْبَحْر وَسمع بِمصْر من جمَاعَة ورحل إِلَى دمشق فَسمع من أَحْمد بن عبد الدَّائِم والزين خَالِد وَغَيرهمَا وَأخذ أَيْضا عَن الرشيد الْعَطَّار والزكى والمنذرى وَابْن عبد السَّلَام وتبحر فِي جَمِيع الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وفَاق الأقران وخضع لَهُ أكَابِر الزَّمَان وطار صيته واشتهر ذكره وَأخذ عَنهُ الطّلبَة وصنف التصانيف الفائقة فَمِنْهَا الْإِلْمَام فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام وَشرع فِي شَرحه فَخرج مِنْهُ أَحَادِيث يسيرَة فِي مجلدين أَتَى فِيهَا كَمَا قَالَ الْحَافِظ بن حجر بالعجائب الدَّالَّة على سَعَة دائرته فِي الْعُلُوم خُصُوصا فِي الاستنباط وَجمع كتاب الإِمَام فِي عشْرين مجلدا قَالَ ابْن حجر عدم أَكْثَره بعده
وصنف الاقتراح فِي عُلُوم الحَدِيث وَمن مصنفاته شرح الْعُمْدَة الْمَشْهُور
وَشرح مُقَدّمَة المطرزي فِي أصُول الْفِقْه وَشرح بعض مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي الْفِقْه قَالَ الذهبي كَانَ إِمَامًا متفننا مدققا أصوليا مدْركا أديبا نحويا ذكيا غواصا على الْمعَانى وافر الْعقل كثير السكينَة تَامّ الْوَرع مديم السّنَن مكبا على المطالعة وَالْجمع سَمحا جوادا ذكي النَّفس نزر الْكَلَام عديم الدَّعْوَى لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول بَصيرًا بِعلم الْمَنْقُول والمعقول وَغلب عَلَيْهِ الوسواس فِي الْمِيَاه والنجاسة وَله فِي ذَلِك أَخْبَار قَالَ واشتهر اسْمه فِي حَيَاة مشايخه وشاع ذكره وَتخرج بِهِ أَئِمَّة وَكَانَ لَا يسْلك المراء فِي بَحثه بل يتَكَلَّم بِكَلِمَات يسيرَة وَلَا يُرَاجع حَتَّى حكي

عَنهُ أَنه قَالَ لكاتب الشمَال سِنِين لم يكْتب علي شَيْئا
وَقَالَ قطب الدَّين الحلبي كَانَ مِمَّن فاق بِالْعلمِ والزهد عَارِفًا بالمذهبين إِمَامًا فِي الْأَصْلَيْنِ حَافِظًا فِي الحَدِيث وعلومه يضْرب بِهِ الْمثل فِي ذَلِك وَكَانَ آيَة فِي الإتقان والتحري شَدِيد الْخَوْف دَائِم الذكر لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا يقطعهُ مطالعة وذكرا وتهجدا وَكَانَت أوقاته كلهَا معمورة وَكَانَ شفوقاً على المشتغلين وَكثير الْبر لَهُم قَالَ أَتَيْته بِجُزْء سَمعه من ابْن رواح والطبقة بِخَطِّهِ فَقَالَ حَتَّى أنظر فِيهِ ثمَّ عدت إِلَيْهِ فَقَالَ هُوَ خطي لَكِن مَا أحقق سَمَاعه وَلَا أذكرهُ وَلم يحدث بِهِ وَكَذَلِكَ لم يحدث عَن ابْن الْمُنِير مَعَ صِحَة سَمَاعه مِنْهُ قَالَ الذهبي بلغني أَن السُّلْطَان لاجين لما طلع إِلَيْهِ الشَّيْخ قَامَ لَهُ وخطا من مرتبته وَقَالَ البرزالى مجمع على غزارة علمه وجودة ذهنه وتفننه فِي الْعُلُوم واشتغاله بِنَفسِهِ وَقلة مخالطته مَعَ الدَّين المتين وَالْعقل الرصين قَرَأَ مَذْهَب مَالك ثمَّ مَذْهَب الشافعي ودرس فيهمَا وَهُوَ خَبِير بصناعة الحَدِيث عَالم بالأسماء والمتون واللغات وَالرِّجَال وَله الْيَد الطُّولى فِي الْأَصْلَيْنِ والعربية وَالْأَدب نَشأ بقوص وَتردد إِلَى الْقَاهِرَة وَكَانَ شيخ الْبِلَاد وعالم الْعَصْر فِي آخر عمره وَيذكر أَنه من ذُرِّيَّة بهر بن حَكِيم القشيري وَكَانَ لَا يُجِيز إِلَّا بِمَا يحدث بِهِ
وَقَالَ ابْن الزملكاني إمام الْأَئِمَّة فِي فنه وعلامة الْعلمَاء فِي عصره بل وَلم يكن من قبله سِنِين مثله فِي الْعلم وَالدّين والزهد والورع تفرد فِي عُلُوم كَثِيرَة وَكَانَ يعرف التَّفْسِير والْحَدِيث ويحقق المذهبين تَحْقِيقا عَظِيما وَيعرف الْأَصْلَيْنِ والنحو واللغة وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي التَّحْقِيق والتدقيق والغوص على الْمعَانى أقر لَهُ الْمُوَافق والمخالف وعظمته الْمُلُوك وَكَانَ السُّلْطَان لاجين ينزل عَن سَرِيره وَيقبل يَده قَالَ ابْن سيد النَّاس لم أر مثله فِي من رَأَيْت وَلَا حملت عَن أجل مِنْهُ فِيمَن رويت وَكَانَ للعلوم جَامعا وَفِي فنونها بارعا وَلم يزل حَافِظًا لِلِسَانِهِ مُقبلا على شَأْنه وَلَو شَاءَ الْعَاد أَن يحصر كَلِمَاته لحصرها وَله تخلق وبكرامات الصَّالِحين تحقق وعلامات العارفين تعلق وَله فِي الْأَدَب بَاعَ وساع وكرم طباع وَحسن انطباع حَتَّى لقد كَانَ الشهَاب مَحْمُود يَقُول لم تَرَ عيني آدب مِنْهُ وَلَو لم يدْخل فِي الْقَضَاء لَكَانَ ثوري زَمَانه وأوزعي أَوَانه انْتهى كَلَام ابْن سيد النَّاس قَالَ البرزالى وَفِي يَوْم السبت الثَّامِن عشر من جُمَادَى الأولى سنة 695 ولي الْقَضَاء بالديار المصرية قَالَ ابْن حجر وَاسْتمرّ فِيهِ إِلَى أن مَاتَ فِي صفر سنة 702 اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة قَالَ الصاحب شمس الدَّين سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام شهَاب الدَّين أَحْمد بن إِدْرِيس القرافي المالكي يَقُول أَقَامَ الشَّيْخ تقي الدَّين أَرْبَعِينَ سنة لَا ينَام اللَّيْل إلا أَنه إِذا كَانَ صلى الصُّبْح اضْطجع على جنبه إِلَى حِين يضحى النَّهَار قَالَ زكي الدَّين عبد الْعَظِيم بن أَبى الْأَصْبَغ صَاحب البديع ذكرت للشَّيْخ تقي الدَّين بن دَقِيق الْعِيد وُجُوه الْمُبَالغَة فِي قَوْله تَعَالَى {أيود أحدكُم أَن تكون لَهُ جنَّة من نخيل وأعناب} الْآيَة وهي عشرَة وَلم أذكر لَهُ مفصلا وغبت عَنهُ قَلِيلا ثمَّ اجْتمعت بِهِ فَذكر لي أَنه استنبط مِنْهَا أَرْبَعَة وَعشْرين وَجها من الْمُبَالغَة فَسَأَلته أَن يَكْتُبهَا لي فكتبها بِخَطِّهِ وَسمعتهَا مِنْهُ بقرَاءَته وَاعْتَرَفت لَهُ بِالْفَضْلِ فِي ذَلِك انْتهى
وَقد عَاشَ تقي الدَّين بعد ابْن الْأَصْبَغ زِيَادَة على أَرْبَعِينَ سنة قَالَ ابْن حجر قَرَأت بِخَط مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم العثماني قاضي صفد أخبرني الْأَمِير سيف الدَّين الحسامي قَالَ خرجت يَوْمًا إِلَى الصَّحرَاء فَوجدت ابْن دَقِيق الْعِيد وَاقِفًا فِي الْجَبانَة يقْرَأ وَيَدْعُو ويبكي فَسَأَلته فَقَالَ صَاحب هَذَا الْقَبْر كَانَ من أصحابي وَكَانَ يقْرَأ علي فَمَاتَ فرأيته البارحة فَسَأَلته عَن حَاله فَقَالَ لما وضعتموني فِي الْقَبْر جاءني كلب أنقط كالسبع وَجعل يروعني فارتعت فجَاء شخص لطيف فِي هَيْئَة حَسَنَة فطرده وَجلسَ عندي يؤنسني فَقلت من أَنْت فَقَالَ أَنا ثَوَاب قراءتك الْكَهْف يَوْم الْجُمُعَة انْتهى
وَله أشعار حَسَنَة محكمَة قَوِيَّة الْمعَانِي جَيِّدَة المباني قد أورد مِنْهَا جملَة نافعة من تَرْجمهُ من الأدباء وَغَيرهم وَبِالْجُمْلَةِ فقد اعْترف لَهُ أَئِمَّة كل فن بفنهم رَحمَه الله تَعَالَى

البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني

 

 

ابْن دَقِيق الْعِيد الإِمَام الْفَقِيه الْحَافِظ الْمُحدث الْعَلامَة الْمُجْتَهد شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب بن مُطِيع الْقشيرِي المنفلوطي
صَاحب التصانيف ولد فِي شعْبَان سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة وَحدث عَن ابْن الجميزي وسبط السلَفِي وعدة
وصنف شرح الْعُمْدَة وَالْإِمَام فِي الْأَحْكَام والإلمام والاقتراح فِي عُلُوم الحَدِيث وَالْأَرْبَعِينَ التساعية
وَكَانَ من أذكياء زَمَانه وَاسع الْعلم مديماً للسهر مكبا على الِاشْتِغَال سَاكِنا وقوراً ورعاً إِمَام أهل زَمَانه حَافِظًا متقناً قل أَن ترى الْعُيُون مثله وَله يَد طولى فِي الْأُصُول والمعقول ولي قَضَاء الديار المصرية وَتخرج بِهِ أَئِمَّة
مَاتَ فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

 مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب بن مُطِيع بن أبي الطَّاعَة الْقشيرِي أَبُي الْفَتْح تَقِيّ الدّين ولد الشَّيْخ الإِمَام الْقدْوَة مجد الدّين بن دَقِيق الْعِيد
الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ الزَّاهِد الْوَرع الناسك الْمُجْتَهد الْمُطلق ذُو الْخِبْرَة التَّامَّة بعلوم الشَّرِيعَة الْجَامِع بَين الْعلم وَالدّين والسالك سَبِيل السَّادة الأقدمين أكمل الْمُتَأَخِّرين وبحر الْعلم الَّذِي لَا تكدره الدلاء ومعدن الْفضل الَّذِي لقاصده مِنْهُ مَا يَشَاء وَإِمَام الْمُتَأَخِّرين كلمة لَا يجحدونها وَشَهَادَة على أنفسهم يؤدونها مَعَ وقار عَلَيْهِ سِيمَا الْجلَال وهيبة لَا يقوم الضرغام عِنْدهَا لنزال هَذَا مَعَ مَا أضيف إِلَيْهِ من

أدب أزهى من الأزهار وألعب بالعقول لَا أَدْرِي بَين يَدي هَذَا الشَّيْخ مَا أَقُول أسْتَغْفر الله من الْعقار
قَالَ أَبُو الْفَتْح ابْن سيد النَّاس الْيَعْمرِي الْحَافِظ لم أر مثله فِيمَن رَأَيْت وَلَا حملت عَن أجل مِنْهُ فِيمَا رَأَيْت وَرويت وَكَانَ للعلوم جَامعا وَفِي فنونها بارعا مقدما فِي معرفَة علل الحَدِيث على أقرانه مُنْفَردا بِهَذَا الْفَنّ النفيس فِي زَمَانه بَصيرًا بذلك سديد النّظر فِي تِلْكَ المسالك أذكى ألمعية وأزكى لوذعية لَا يشق لَهُ غُبَار وَلَا يجْرِي مَعَه سواهُ فِي مضمار
(إِذا قَالَ لم يتْرك مقَالا لقَائِل ... مُصِيب وَلم يثن اللِّسَان على هجر)
وَكَانَ حسن الاستنباط للْأَحْكَام والمعاني من السّنة وَالْكتاب بلب يسحر الْأَلْبَاب وفكر يستفتح لَهُ مَا يستغلق على غَيره من الْأَبْوَاب مستعينا على ذَلِك بِمَا رَوَاهُ من الْعُلُوم مستبينا مَا هُنَالك بِمَا حواه من مدارك الفهوم مبرزا فِي الْعُلُوم النقلية والعقلية والمسالك الأثرية والمدارك النظرية
(وَكَانَ من الْعُلُوم بِحَيْثُ يقْضى ... لَهُ من كل علم بِالْجَمِيعِ)
وَسمع بِمصْر وَالشَّام والحجاز على تحر فِي ذَلِك واحتراز

وَلم يزل حَافِظًا لِلِسَانِهِ مُقبلا على شانه وقف نَفسه على الْعُلُوم وقصرها وَلَو شَاءَ الْعَاد أَن يحصر كَلِمَاته لحصرها وَمَعَ ذَلِك فَلهُ بالتجريد تخلق وبكرامات الصَّالِحين تحقق وَله مَعَ ذَلِك فِي الْأَدَب بَاعَ وساع وكرم طباع لم يخل فِي بَعْضهَا من حسن انطباع حَتَّى لقد كَانَ الشهَاب مَحْمُود الْكَاتِب الْمَحْمُود فِي تِلْكَ الْمذَاهب يَقُول لم تَرَ عَيْني آدب مِنْهُ
انْتهى
قلت وَلم ندرك أحدا من مَشَايِخنَا يخْتَلف فِي أَن ابْن دَقِيق الْعِيد هُوَ الْعَالم الْمَبْعُوث على رَأس السبعمائة الْمشَار إِلَيْهِ فِي الحَدِيث المصطفوي النَّبَوِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِله وَسلم وَأَنه أستاذ زَمَانه علما ودينا
سمع الحَدِيث من وَالِده وَأبي الْحسن بن الجميزي الْفَقِيه وَعبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ الْحَافِظ وَجَمَاعَة
حَدثنَا عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة الْمُحدث وَغَيرهمَا
ولد فِي الْبَحْر المالح وَكَانَ وَالِده مُتَوَجها من قوص إِلَى مَكَّة لِلْحَجِّ فِي الْبَحْر فولد لَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي يَوْم السبت الْخَامِس وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة وَلذَلِك رُبمَا كتب بِخَطِّهِ الثبجي ثمَّ أَخذه وَالِده على يَده وَطَاف بِهِ بِالْكَعْبَةِ وَجعل يَدْعُو الله أَن يَجعله عَالما عَاملا

ويحكى أَنه قَرَأَ على وَالِده الحَدِيث المسلسل يَقُول وَأَنا دَعَوْت فاستجيب لي فَسئلَ مَا الَّذِي دَعَوْت بِهِ فَقَالَ أَن ينشئ الله وَلَدي مُحَمَّدًا عَالما عَاملا فَنَشَأَ الشَّيْخ بقوص على أزكى قدم من العفاف والمواظبة على الِاشْتِغَال والتحرز فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال والتشدد فِي الْبعد عَن النَّجَاسَة حَتَّى حكت زَوْجَة وَالِده قَالَت لما بنى عَليّ أَبوهُ كَانَ ابْن عشر سِنِين فرأيته وَمَعَهُ هاون وَهُوَ يغسلهُ مَرَّات زَمنا طَويلا فَقلت لِأَبِيهِ مَا هَذَا الصَّغِير يفعل فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّد مَا تفعل فَقَالَ أُرِيد أَن أركب حبرًا وَأَنا أغسل هَذَا الهاون
وَكَانَت والدته بنت الشَّيْخ المقترح ووالده الشَّيْخ الْبركَة مجد الدّين فأصلاه كريمان
تفقه بقوص على وَالِده وَكَانَ وَالِده مالكي الْمَذْهَب ثمَّ تفقه على شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام فحقق المذهبين وَلذَلِك يَقُول فِيهِ الإِمَام الْعَلامَة النظار ركن الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن التّونسِيّ الْمَعْرُوف بِابْن القوبع من قصيدة
(صبا للْعلم صبا فِي صباه ... فأعل بهمة الصب الصَّبِي)
(وأتقن والشباب لَهُ لِبَاس ... أدله مَالك وَالشَّافِعِيّ)

وَمن كراماته أَنه لما جَاءَت التتار ورد مرسوم السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة بعد خُرُوجه مِنْهَا للقائهم على أهل مصر أَن يجْتَمع الْعلمَاء ويقرءوا البُخَارِيّ قَالَ الحاكي فقرأنا البُخَارِيّ إِلَى أَن بَقِي ميعاد وأخرناه لنختمه يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة رَأينَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الْجَامِع فَقَالَ مَا فَعلْتُمْ ببخاريكم فَقُلْنَا بَقِي ميعاد أخرناه لنختمه الْيَوْم قَالَ انْفَصل الْحَال من أمس الْعَصْر وَبَات الْمُسلمُونَ على كَذَا فَقُلْنَا نخبر عَنْك فَقَالَ نعم فجَاء الْخَبَر بعد أَيَّام بذلك وَذَلِكَ فِي سنة ثَمَانِينَ عِنْد دُخُول التتار الْبِلَاد
وَقَالَ عَن بعض الْأُمَرَاء وَقد خرج من الْقَاهِرَة إِنَّه لَا يرجع فَلم يرجع
وأساء شخص عَلَيْهِ الْأَدَب فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ نعيت لي فِي هَذَا الْمجْلس ثَلَاث مَرَّات فَمَاتَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام
وَتوجه فِي شخص آذَى أَخَاهُ فَسمع الْخطاب أَنه يهْلك وَكَانَ كَذَلِك وكراماته كَثِيرَة
وَأما دأبه فِي اللَّيْل علما وَعبادَة فَأمر عُجاب رُبمَا استوعب اللَّيْلَة فطالع فِيهَا المجلد أَو المجلدين وَرُبمَا تَلا آيَة وَاحِدَة فكررها إِلَى مطلع الْفجْر اسْتمع لَهُ بعض أَصْحَابه لَيْلَة وَهُوَ يقْرَأ فوصل إِلَى قَوْله {فَإِذا نفخ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} قَالَ فَمَا زَالَ يكررها إِلَى طُلُوع الْفجْر

وَكَانَ يَقُول مَا تَكَلَّمت كلمة وَلَا فعلت فعلا إِلَّا وأعددت لَهُ جَوَابا بَين يَدي الله عز وَجل
وَكَانَ يُخَاطب عَامَّة النَّاس السُّلْطَان فَمن دونه بقوله يَا إِنْسَان وَإِن كَانَ الْمُخَاطب فَقِيها كَبِيرا قَالَ يَا فَقِيه وَتلك كلمة لَا يسمح بهَا إِلَّا لِابْنِ الرّفْعَة وَنَحْوه وَكَانَ يَقُول للشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ يَا إِمَام ويخصه بهَا
توفّي فِي حادي عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة
وَمن مصنفاته كتاب الإِمَام فِي الحَدِيث وَهُوَ جليل حافل لم يصنف مثله
وَكتاب الْإِلْمَام وَشَرحه وَلم يكمل شَرحه
وأملى شرحا على عُمْدَة عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي فِي الحَدِيث وعَلى العنوان فِي أصُول الْفِقْه
وَله تصنيف فِي أصُول الدّين
وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي فقه الْمَالِكِيَّة وَلم يكمله
وعلق شرحا على مُخْتَصر التبريزي فِي فقه الشَّافِعِيَّة
وَولي قَضَاء الْقُضَاة على مَذْهَب الشَّافِعِي بعد إباء شَدِيد وعزل نَفسه غير مرّة ثمَّ يُعَاد
وَكَانَ حَافِظًا مكثرا إِلَّا أَن الرِّوَايَة عسرت عَلَيْهِ لقلَّة تحديثه فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيد التَّحَرِّي فِي ذَلِك
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ حَدثنِي مُحَمَّد بن عَليّ الْحَافِظ أَنه قَرَأَ على أبي الْحسن عَليّ بن هبة الله الشَّافِعِي أَن أَبَا طَاهِر السلَفِي أخْبرهُم أخبرنَا الْقَاسِم ابْن الْفضل حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد أخبرنَا إِسْمَاعِيل الصفار حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك

حَدثنَا يزِيد بن هَارُون أخبرنَا عَاصِم قَالَ سَأَلت أنسا أحرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَقَالَ نعم هِيَ حرَام حرمهَا الله وَرَسُوله لَا يخْتَلى خَلاهَا فَمن لم يعْمل بذلك فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ
سَمِعت الشَّيْخ عليا الهجار المكشوف الرَّأْس وَهُوَ رجل صَالح يَقُول مر أَبُو الْعَبَّاس المرسي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَاهِرَة بأناس يزدحمون على دكان الخباز فِي سنة الغلاء فرق عَلَيْهِم فَوَقع فِي نَفسه لَو كَانَ معي دَرَاهِم لآثرت هَؤُلَاءِ بهَا فأحس بثقل فِي جبته فَأدْخل يَدَيْهِ فواجد دَرَاهِم جملَة فَدَفعهَا إِلَى الخباز وَأخذ بهَا خبْزًا فرقه عَلَيْهِم فَلَمَّا انْصَرف وجد الخباز الدَّرَاهِم زُيُوفًا فاستغاث بِهِ فَعَاد وَوَقع فِي نَفسه أَن مَا وَقع فِي نَفسِي أَولا من الرقة اعْتِرَاض على الله وَأَنا أسْتَغْفر الله مِنْهُ فَلَمَّا عَاد وجد الخباز الدَّرَاهِم جَيِّدَة فَانْصَرف أَبُو الْعَبَّاس وَجَاء إِلَى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَحكى لَهُ الْحِكَايَة فَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد لَهُ يَا أستاذ أَنْتُم إِذا رقيتم على أحد تزندقتم وَنحن إِذا لم نرق على النَّاس تزندقنا
قلت تَأمل أَيهَا المسترشد مَا تَحت هَذَا الْجَواب من الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فقد أَشَارَ الشَّيْخ بِهِ وَالله أعلم إِلَى أَن الْفَقِير يطلع على الْأَسْرَار فَكيف يرق وَلَا يَقع شَيْء فِي الْوُجُود إِلَّا لحكمة اقتضته وَمن اطلع على الذَّنب لم يرق للعقوبة وَقد قَالَ تَعَالَى {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} والفقيه لَا اطلَاع لَهُ على ذَلِك فيرق ديانَة ورأفة وَلِهَذَا الْكَلَام شرح طَوِيل لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه فلنمسك الْعَنَان

أنشدنا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أنشدنا شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين لنَفسِهِ إجَازَة
(تمنيت أَن الشيب عَاجل لمتى ... وَقرب مني فِي صباي مزاره)
(لآخذ من عصر الشَّبَاب نشاطه ... وآخذ من عصر المشيب وقاره)
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُور
(كم لَيْلَة فِيك وصلنا السرى ... لَا نَعْرِف الغمض وَلَا نستريح)
(وَاخْتلف الْأَصْحَاب مَاذَا الَّذِي ... يزِيل من شكواهم أَو يرِيح)
(فَقيل تعريسهم سَاعَة ... وَقيل بل ذكراك وَهُوَ الصَّحِيح)
وَبِه
(قَالُوا فلَان عَالم فَاضل ... وأكرموه مثل مَا يرتضي)
(فَقلت لما لم يكن ذَا تقى ... تعَارض الْمَانِع والمقتضي)
وَبِه
(أَتعبت نَفسك بَين ذلة كَادِح ... طلب الْحَيَاة وَبَين حرص مُؤَمل)
(وأضعت نَفسك لَا خلاعة ماجن ... حصلت فِيهِ وَلَا وقار مبجل)
(وَتركت حَظّ النَّفس فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُخْرَى ... ورحت عَن الْجَمِيع بمعزل)

وَمن شعر الشَّيْخ مِمَّا لَا رِوَايَة لي بِهِ بِالسَّمَاعِ
(أهل المناصب فِي الدُّنْيَا ورفعتها ... أهل الْفَضَائِل مرذولون بَينهم)
(قد أنزلونا لأَنا غير جنسهم ... منَازِل الْوَحْش فِي الإهمال عِنْدهم
(فَمَا لَهُم فِي توقي ضرنا نظر ... وَلَا لَهُم فِي ترقي قَدرنَا همم)
(فليتنا لَو قَدرنَا أَن نعرفهم ... مقدارهم عندنَا أَو لَو دروه هم)
(لَهُم مريحان من جهل وفرط غنى ... وَعِنْدنَا المتعبان الْعلم والعدم)
وَقد ناقضه الْفَتْح البققي الْمَنْسُوب إِلَى الزندقة فَقَالَ وأجاد
(أَيْن الْمَرَاتِب وَالدُّنْيَا ورفعتها ... عِنْد الَّذِي حَاز علما لَيْسَ عِنْدهم)
(لَا شكّ أَن لنا قدرا رَأَوْهُ وَمَا ... لقدرهم عندنَا قدر وَلَا لَهُم)
(هم الوحوش وَنحن الْإِنْس حكمتنا ... تقودهم حَيْثُ مَا شِئْنَا وهم نعم)
(وَلَيْسَ شَيْء سوى الإهمال يقطعنا ... عَنْهُم لأَنهم وجدانهم عدم)
(لنا المريحان من علم وَمن عدم ... وَفِيهِمْ المتعبان الْجَهْل والحشم)

وَقَالَ بَقِيَّة الْمُجْتَهدين أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي
(ذَروا فِي السرى نَحْو الجناب الممنع ... لذيذ الْكرَى واجفوا لَهُ كل مَضْجَع)
(واهدوا إِذا جئْتُمْ إِلَى خير مربع ... تَحِيَّة مضنى هائم الْقلب موجع)
(سريع إِلَى دَاعِي الصبابة طيع ... )
(يقوم بِأَحْكَام الْهوى ويقيمها ... فكم لَيْلَة قد نازلته همومها)
(يسامرها حَتَّى تولت نجومها ... لَهُ فكرة فِيمَن يحب نديمها)
(وطرف إِلَى اللقيا كثير التطلع ... )
(وَكم ذاق فِي أَحْوَاله طعم محنة ... وَكم عارضته فِي مَوَاقِف فتْنَة)
(وَكم آيَة تَأتي لَهُ بعد آيَة ... تنم على سر لَهُ فِي أكنة)
(وتخبر عَن قلب لَهُ متقطع ... )
(وَفِي صبرَة شوق أَقَامَ ملازما ... وَحب يحاشي أَن يُطِيع اللوائما)

 (وجفن يرى أَن لَا يرى الدَّهْر نَائِما ... وعقل ثوى فِي سكرة الْحبّ دَائِما)
(وَأقسم أَن لَا يستفيق وَلَا يعي ... )
(أَقَامَ على بعد المزار متيما ... وأبكاه برق بالحجاز تبسما)
(وشوقه أحبابه نظر الْحمى ... دَعوه لأمر دونه تقطر الدما)
(فيا وَيْح نفس الصب مَاذَا لَهُ دعِي ... )
(لَهُ عِنْد ذكر المنحنى سفح عِبْرَة ... وَبَين الرجا وَالْخَوْف موقف عِبْرَة)
(فحينا يوافيه النَّعيم بنظرة ... وحينا ترى فِي قلبه نَار حسرة)
(تَجِيء لَهُ بِالْمَوْتِ من كل مَوضِع ... )
(سَلام على صفو الْحَيَاة وطيبها ... إِذا لم تفز عَيْني بلقيا حبيبها)

 (وَلم تحظ من إقباله بنصيبها ... وَلَا استعطفته مقلتي بصبيبها)
(وَلَا وَقعت شكواي مِنْهُ بموقع ... )
(مُوكل طرفِي بالسهاد المؤرق ... ومجرى دمعي كالحيا المتدفق)
(وملهب وجد فِي فُؤَادِي محرق ... بِعَيْنَيْك مَا يلقى الْفُؤَاد وَمَا لَقِي)
(وعندك مَا تحوي وتخفيه أضلعي ... )
(أضرّ بِي الْبلوى وَذُو الْحبّ مبتلى ... يعالج دَاء بَين جَنْبَيْهِ معضلا)
(ويثقله من وجده مَا تحملا ... وتبعثه الشكوى فيشتاق منزلا)
(بِهِ يتلَقَّى رَاحَة المتودع ... )
(مَحل الَّذِي دلّ الْأَنَام بشرعه ... على أصل دين الله حَقًا وفرعه)
(بِهِ انْضَمَّ شَمل الدّين من بعد صدعه ... لنا مَذْهَب العشاق فِي قصد ربعه)
(نُقِيم بِهِ رسم البكا والتضرع ... )
(مَحل بِهِ الْأَنْوَار ملْء رحابه ... ومستودع الْأَسْرَار عِنْد صحابه)

 (هِدَايَة من يحتار تأميل بَابه ... وتشريف من يخْتَار قصد جنابه)
(بتقبيله وَجه الثرى المتضوع ... )
(أَقَامَ لنا شرع الْهدى ومناره ... وألبسنا ثوب التقى وشعاره)
(وجنبنا جور الْعَمى وعثاره ... سقى الله عهد الْهَاشِمِي ودراه)
(سحابا من الرضْوَان لَيْسَ بمقلع ... )
(بنى الْعِزّ والتوحيد من بعد هده ... وَأوجب ذل الْمُشْركين بجده)
(عَزِيز قضى رب السَّمَاء بسعده ... وأيده عِنْد اللِّقَاء بجنده)
(فأورد نصر الله أعذب مشرع ... )
(أَقُول لركب سائرين ليثرب ... ظفرتم بتقريب النَّبِي المقرب)
(فبثوا إِلَيْهِ كل شكوى ومتعب ... وقصوا عَلَيْهِ كل سؤل ومطلب)
(وَأَنْتُم بمرأى للرسول ومسمع ... )
(ستحمون فِي مغناه خير حماية ... وتكفون مَا تخشون أَي كِفَايَة)
(وتبدو لكم من عِنْده كل آيَة ... فحلوا من التَّعْظِيم أبعد غَايَة)
(فَحق رَسُول الله أكبر مَا رعى ... )

 (أما وَالَّذِي آتَاهُ مجدا مؤثلا ... لقد قَامَ كهفا للعفاة ومعقلا)
(يبوئهم سترا من الْحلم مسبلا ... ويمطرهم عينا من الْجُود سلسلا)
(ويترع فِي إكرامهم كل مترع ... )
(تعبنا بعيش مَا هُنَا فِي وُرُوده ... وضر ثقيل الْوَطْء فِيهِ شديده)
(فرحنا إِلَى رب الندى وعميده ... وَلما قصدناه وقفنا بجوده)
(وَلم نخش ريب الْحَادِث المتوقع ... )
(لقد شرف الدُّنْيَا قدوم مُحَمَّد ... وَأبقى لَهَا أنوار حق مؤيد)
(تزين بِهِ وراثه كل مشْهد ... فهم بَين هاد للأنام ومهتد)
(ومثبت أصل للهدى ومفرع ... )
(سَلام على من شرف الله قدره ... سَلام محب عمر الْحبّ سره)

 (لَهُ مطلب أفنى تمنيه عمره ... وحاجات نفس لَا تجَاوز صَدره)
(أعد لَهَا جاه الشَّفِيع المشفع ... )
وَقَالَ
(لله در الفئة الأمجاد ... السالكين مسالك الْأَفْرَاد)
(عرفُوا وهم بالغور من وَادي الغضا ... أَن رحلوا لمبارك الْعباد)
(فسروا لنجد لَا يملون السرى ... أَو يظفروا مِنْهَا بِكُل مُرَاد)
(لَا يقطعون من المناهل معلما ... إِلَّا ولاح سواهُ بالمرصاد)
(لم يثنهم طول الطَّرِيق لَهُم وَلَا ... عدم الرفيث وَلَا نَفاذ الزَّاد)
(سقتهم مس النعاس جفونهم ... كأسا تميلهم على الأعواد)
(وتكاد أنفسهم تفيظ وتحتبي ... بنسيم نجد أَو غناء الْحَادِي)
(نادتهم النجب الركائب عِنْدَمَا ... أطت بِوَقع السَّوْط والإجهاد)
(طيب الحاية بِنَجْد إِلَّا أَنه ... من دون ذَاك تفتت الأكباد)
(فأجابها صدق الْعَزِيمَة إِنَّمَا ... نَحن الْمَعَالِي أنفس الأجواد)
(لله دِرْهَم فقد وصلوا إِلَى ... ظلّ النَّعيم وَبرد حر الصادي)

 (وَلَقَد يعز عَليّ أَنهم غدوا ... وَالدَّار قفرا مِنْهُم ببعاد)
(فلأنهضن إِلَى الْحمى مُتَوَجها ... بَين اعْتِرَاض عواتق وغوادي)
(ولأقطعن عَلَيْهِ كل مفازة ... تدني الْهَلَاك وَلَو عدمت الْهَادِي)
وَقَالَ
(يَقُولُونَ لي هلا نهضت إِلَى الْعلَا ... فَمَا لذ عَيْش الصابر المتقنع)
(وهلا شددت العيس حَتَّى تحلها ... بِمصْر إِلَى ذَاك الجناب المرفع)
(فَفِيهَا من الْأَعْيَان من فيض كَفه ... إِذا شَاءَ روى سيله كل بلقع)
(وفيهَا قُضَاة لَيْسَ يخفى عَلَيْهِم ... تعين كَون الْعلم غير مضيع)
(وفيهَا شُيُوخ الدّين وَالْفضل والألى ... يُشِير إِلَيْهِم بالعلى كل أصْبع)
(وفيهَا وفيهَا والمهانة ذلة ... فَقُمْ وَاسع واقصد بَاب رزقك واقرع)
(فَقلت نعم أسعى إِذا شِئْت أَن أرى ... ذليلا مهانا مستخفا بموضعي)
(وأسعى إِذا مَا لذ لي طول موقفي ... على بَاب مَحْجُوب اللِّقَاء ممنع)
(وأسعى إِذا كَانَ النِّفَاق طريقتي ... أروح وأغدو فِي ثِيَاب التصنع)
(وأسعى إِذا لم يبْق فِي بَقِيَّة ... أراعي بهَا حق التقى والتورع)
(فكم بَين أَرْبَاب الصُّدُور مجَالِس ... يشب لَهَا نَار الغضا بَين أضلعي)
(وَكم بَين أَرْبَاب الْعُلُوم وَأَهْلهَا ... إِذا بحثوا فِي المشكلات بمجمع)

 (مناظرة تَحْمِي النُّفُوس فتنتهي ... وَقد شرعوا فِيهَا إِلَى شَرّ مشرع)
(من السَّفه المزري بِمنْصب أَهله ... أَو الصمت عَن حق هُنَاكَ مضيع)
(فإمَّا توقي مَسْلَك الدّين والنهى ... وَإِمَّا تلقي غُصَّة المتجرع)
وَقَالَ
(نزهونا عَن اسْتِمَاع الملام ... مَا لنا قرعَة لغير الغرام)
(لَيْسَ فِي الْوَقْت وصلَة لحَدِيث ... عَن سوى رامة وَأهل الْخيام)
(يَا خليلي دُعَاء صب قريح ... لَيْسَ إسعاد مثله بِحرَام)
(لست أقوى على النهوض بنفسي ... لأرى برق أَرضهم من قيام)
وَقَالَ
(دمع عَيْني على الغرام دليلي ... وسبيل السلو غير سبيلي)
(لَا تخافا عَليّ من كثر عذلي ... لَيْسَ لي التفاتة لعذولي)
(كل مَا لَاحَ بارق ذبت شوقا ... نَحْو نجد وهاج مني عليلي)
(وترددت بَين وجد جَدِيد ... وَفَوق وجدي وَبَين خد عسيل)

وَقَالَ
(دقَّتْ مَعَاني حسنكم فِي الملاح ... عَن نظر الواشي وَفهم اللواح)
(لله أَيَّام مَضَت لي بكم ... بَين رَبًّا نجد وَتلك البطاح)
(أَيَّام وصل نلْت فِيهَا الَّذِي ... أَهْوى وَأَكْثَرت من الإقتراح)
(وَقد بقيت الْيَوْم من بعْدهَا ... كطائر قد قصّ مِنْهُ الْجنَاح)
(مَا قُوَّة من قد طَار من وَكره ... وَلَا على من سلا فاستراح)
(أَبيت أرعى من نُجُوم الدجا ... أَسِير ليل مَاله من براح)
(علمت يَا ظَالِم بعد اللقا ... وقسوة الْقلب أَخَاك الصَّباح)
وَقَالَ
(يفنى الزَّمَان ومحنتي ... بك كل يَوْم فِي زياده)
(بالغت فِي طلبي وصالك ... لَو تواتيني السعاده)
(تنأى وتدنو دَائِما ... لم يَنْتَظِم لي فِيك عَادَة)
(أفنيت عمري فِي الْجِهَاد ... وأرتجي نيل الشهاده)
وَقَالَ
(سر فكفي بفيض دمعي تبلى ... وَأَحَادِيث صبوتي فِيك تتلى)
(أَكثر العاذلون فِيك وَلَكِن ... لم يجد عذلهم بقلبي محلا)
(وقفت همتي عَلَيْك وقوفا ... لَيْسَ تبغي سواك فِي النَّاس خلا)

 (غبت عني فَغَاب أنسي ورشدي ... وَأَرَدْت البعاد فازددت ذلا)
(إِن صبري يلقى الشدائد لَكِن ... حِين لَاقَى جمالك الْفَرد ولى)
وَقَالَ يَسْتَدْعِي من انبساط بعض إخوانه
(طَال عهدي بِرُؤْيَة الرَّوْض فَابْعَثْ ... لي روحا قد نمقته يَمِينك)
(أَنْت خدن الْعلَا فَلَا ذاق يَوْمًا ... مر طعم الْفِرَاق مِنْك خدينك)
(قلت للمقسم الْمُؤَكّد للأيمان ... أَن لَيْسَ فِي الْبِلَاد قرينك)
(قلت صدقا وَجئْت حَقًا وَلَو قلت ... وكافى الدُّنْيَا لبرت يَمِينك)
وَقَالَ
(يَا بديع الْحسن مَا أحلى ... بقلبي خطراتك)
(فِيك سر سحر الْأَلْبَاب ... فِي اسْتِحْسَان ذاتك)
(مَا فهمنا عَنْك إِلَّا ... أَنه فِي لحظاتك)
(أَنا أرجوك وأخشى ... سطوة من سطواتك)
(فبمَا فِيك من اللطف ... وَمن حسن صفاتك)
(لَا تدع هجرك لي ... تلف روحي بحياتك)

وَقَالَ
(بِالَّذِي استبعد أَرْوَاح ... المحبين لذاتك)
(وبلطف من معانيك ... يرى من حركاتك)
(وبنور الْحسن إِذْ يحويك ... من كل جهاتك)
(وَبسر فَوق مَا يدْرك ... من حسن صفاتك)
(لَا تذقني الْمَوْت فِي ... صدك عني بحياتك)
وَقَالَ
(جمالكم لَا يحصر ... ومثلكم لَا يهجر)
(وحبكم بَين الحشا ... مستودع لَا يظْهر)
(نَارِي بكم لَا تنطفي ... ولوعتي لَا تفتر)
(إِذا أَتَى اللَّيْل أَتَى الْهم ... بكم والفكر)
(فَإِن أكن وذكركم ... طَابَ ولذ السهر)
(ولي عذول فِيكُم ... يقلقني وَيكثر)
(يَقُول لي تقل من ... ذكرهم وتقصر)
(وَتحمل الشوق الَّذِي ... حَملته وتصبر)
(وَالله مَا أُطِيقهُ ... هَل أَنا إِلَّا بشر)

وَقَالَ
(لقد بَعدت ليلى وَعز وصالها ... كَمَا عز بَين الْعَالمين مثالها)
(فَمن لي بِنُوق لَا تزَال تمدها ... قواها وَلَا يدنو إِلَيْهَا كلالها)
(وَلكنهَا جسم يذوب وَصَبره ... يحول وأرواح يخَاف زَوَالهَا)
(لعمري لقد كلفتها فِي مسيرها ... بُلُوغ مدى قد قل فِيهِ احتمالها)
(وتشكي لي التسويف وَالسَّوْط والبرى ... وَلَو خف من شوقي أُجِيب سؤالها)
(وتسألني رفقا بهَا وبضعفها ... وَلَو خف من سوقي أُجِيب سؤالها)
(وللعيس آمال بليلى تعلّقت ... أَخَاف المنايا قبل كوني أنالها)
(يقرب عِنْدِي وَصلهَا حسن لطفها ... ويبعدها استغناؤها ودلالها)
(وَإِنِّي لأرضى الْيَوْم بعد تشوقي ... إِلَى أَن أَرَاهَا أَن يزور خيالها)
(فبادر إِلَى نجد ولذ بنسيمها ... وَبرد جناها ثمَّ طيب ظلالها)
(وفاح نسيم الرَّوْض حَتَّى تعطرت ... رباك برياه ورق جمَالهَا)
(وغنت لَك الأطيار من كل جَانب ... فأطرب أهل الْحَيّ مِنْهَا مآلها)
(فَلَا تبخلي أَن ترسلي لي نسمَة ... تبل عَلَيْك الشوق مني بلالها)

 (فيا حبذا برق بِأَرْض مَسَرَّة ... ونفحة ريح من هُنَاكَ انتقالها)
(عقدت على حبي لذكرك عقدَة ... عسير على مر الزَّمَان انحلالها)
وَقَالَ
(أَلا إِن بنت الْكَرم أغلي مهرهَا ... فيا خسر من أضحى لذَلِك باذلا)
(تزوج بِالْعقلِ المكرم عَاجلا ... وبالنار والغسلين والمهل آجلا)
وَقَالَ
(بعض أخلاي صَار مَيتا ... وَبَعْضهمْ فِي الْبلَاء غَائِب)
(وَبَعْضهمْ حَاضر وَلَكِن ... يُحْصى ويقصى وَلَا يُقَارب)
(وصرت بَين الورى وحيدا ... فَلَا قريب وَلَا مُنَاسِب)
(فَلَا تلمني على اكتئابي ... سرُور مثلي من الْعَجَائِب)
وَقَالَ
(قد جرحتنا يَد أيامنا ... وَلَيْسَ غير الله من آسي)
(فَلَا ترج النَّاس فِي حَاجَة ... لَيْسُوا بِأَهْل لسوى الياس)

 (وَلَا ترد شكوى إِلَيْهِم فَلَا ... معنى لشكواك إِلَى قَاس)
(وَلَا تقس بِالْعقلِ أفعالهم ... مَا مَذْهَب الْقَوْم بمنقاس)
(لَا يعْدم الْآتِي لأموالهم ... من ذلة الْكَلْب سوى الحاس)
(وَإِن تجَالس مِنْهُم معشرا ... هويت فِي الذَّنب على الراس)
(يَأْكُل بعض لحم بعض وَلَا ... يحْسب فِي الْغَيْبَة من باس)
(لَا رَغْبَة فِي الدّين تحميهم ... عَنْهُم وَلَا حشمة جلاس)
(فاهرب من الْخلق إِلَى رَبهم ... لَا خير فِي الْخلطَة بِالنَّاسِ)
وَقَالَ
(إِذا كنت فِي نجد وَطيب نسيمها ... تذكرت أَهلِي باللوى فمحجر)
(فَإِن كنت فيهم ذبت شوقا ولوعة ... على سَاكِني نجد وَعيلَ تصبري)
(وَقد طَال مَا بَين الْفَرِيقَيْنِ قصتي ... فَمن لي بِنَجْد بَين قومِي ومعشري)
وَقَالَ
(فِي أَرض نجد منزل لفؤادي ... عمرته شوقي وَصدق ودادي)
(مَا كَانَ أقربه على من رامه ... بمسرة لَوْلَا اعْتِرَاض عواد)
(أصبو إِلَيْهِ مَعَ الزَّمَان فَكيف لَا ... أصبو وَتلك منازلي وبلادي)

 (أَرض بهَا الشّرف الرفيع وَغَايَة الْعِزّ ... المنيع ومسكن الأجواد)
(أوطنتها فَخرجت مِنْهَا عنْوَة ... بمكائد الْأَعْدَاء والحساد)
وَقَالَ
(يَا منيتي أملي ببابك وَاقِف ... والجود يَأْبَى أَن يكون مضاعا)
(أَشْكُو إِلَيْك صبَابَة قد أترعت ... لي كأس وجد فِي الْهوى إتراعا)
(ونزاع شوق لم تزل أَيدي النَّوَى ... تنمي بِهِ حَتَّى اسْتَحَالَ نزاعا)
(لم يبْق لي أمل سواك فَإِن تفت ... ودعت أَيَّام الْحَيَاة وداعا)
(لم أستلذ بِغَيْر وَجهك منْظرًا ... وَسوى حَدِيثك لَا أحب سَمَاعا)
وَقَالَ
(من عذيري من معشر هجروا الْعقل ... وحادوا عَن طرقه المستقيمه)
(لَا يرَوْنَ الإسنان قد نَالَ حظا ... من صَلَاح حَتَّى يكون بهيمه)
فصل فِي شَيْء من نثره وَهُوَ كثير
وَله ديوَان خطب مُفْرد مَعْرُوف وَنحن نذْكر هُنَا مَا هُوَ بَالغ فِي الإجادة مِمَّا خرج عَن ديوانه فَمن ذَلِك قَوْله فِي خطْبَة شرح الْإِلْمَام
أما بعد حمد الله فَإِن الْفِقْه فِي الدّين منزلَة لَا يخفى شرفها وعلاؤها

وَلَا تحتجب عَن الْعُقُول طوالعها وأضواؤها وأرفعها بعد فهم كتاب الله الْمنزل الْبَحْث عَن مَعَاني حَدِيث نبيه الْمُرْسل إِذْ بِذَاكَ تثبت الْقَوَاعِد ويستقر الأساس
وَعنهُ يقوم الْإِجْمَاع ويصدر الْقيَاس وَمَا تعين شرعا تعين تَقْدِيمه شروعا وَمَا يكون مَحْمُولا على الرَّأْس لَا يحسن أَن يَجْعَل مَوْضُوعا لَكِن شَرط ذَلِك عندنَا أَن يحفظ هَذَا النظام وَيجْعَل الرَّأْي هُوَ الْمَأْمُوم وَالنَّص هُوَ الإِمَام وَترد الْمذَاهب إِلَيْهِ وَترد الآراء المنتشرة حَتَّى تقف بَين يَدَيْهِ وَأما أَن يَجْعَل الْفَرْع أصلا وَيرد النَّص إِلَيْهِ بالتكلف والتحيل وَيحمل على أبعد المحامل بلطافة الْوَهم وسعة التخيل ويرتكب فِي تَقْرِير الآراء الصعب والذلول وَيحْتَمل من التأويلات مَا تنفر مِنْهُ النُّفُوس وتستنكره الْعُقُول فَلذَلِك عندنَا من أردإ مَذْهَب وأسوإ طَريقَة وَلَا تعتقد أَنه يحصل مَعَه النَّصِيحَة للدّين على الْحَقِيقَة وَكَيف يَقع أَمر مَعَ رُجْحَان منافيه وأنى يَصح الْوَزْن بميزان مَال أحد الْجَانِبَيْنِ فِيهِ وَمَتى ينصف حَاكم ملكته غضبية العصبية وَأَيْنَ يَقع الْحق من خاطر أَخَذته الْعِزَّة بالحمية
ثمَّ أَخذ فِي ذَلِك إِلَى مُنْتَهى الْخطْبَة
وَمن ذَلِك خطْبَة شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب
الْحَمد لله منزل الْكتاب ومفصل الْخطاب وفاتح أَبْوَاب الصَّوَاب ومانح أَسبَاب الثَّوَاب
أَحْمَده وهباته تنزل بِغَيْر حِسَاب وأعبده وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب وأرجوه وأخافه فبيده الثَّوَاب وَالْعِقَاب
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَى الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مُقَدمَات دلائلها مبينَة الْأَسْبَاب ونتيجة اعتقادها جنَّة مفتحة الْأَبْوَاب

قَالَ اللص لعمري لقد حسنت عبارتك ونمقتها وَحسنت إشارتك وطبقتها وَنَثَرت خيرك على فخ ضيرك وَقد قيل فِي الْمثل السائر على أَلْسِنَة الْعَرَب أنْجز حر مَا وعد أدْرك الْأسد قبل أَن يلتقي على الفريسة لحياه وَلَا يُعْجِبك من عَدو حسن محياه وَأنْشد
(لَا تخدش وَجه الحبيب فَإنَّا ... قد كشفناه قبل كشفك عَنهُ)
(واطلعنا عَلَيْهِ وَالْمُتوَلِّيّ ... قطع أذن الْعيار أعير مِنْهُ)
ألم يزْعم القَاضِي أَنه كتب الحَدِيث زَمَانا وَلَقي فِيهِ كهولا وشبانا حَتَّى فَازَ ببكره وعونه وَحَازَ مِنْهُ فقر متونه وعيونه
قَالَ القَاضِي أجل
قَالَ اللص فَأَي شَيْء كتبت فِي هَذَا الْمثل الَّذِي ضربت لَك فِيهِ الْمثل وأعملت الْحِيَل
قَالَ القَاضِي مَا يحضرني فِي هَذَا الْمقَام الْحَرج حَدِيث أسْندهُ وَلَا خبر أوردهُ فقد قطعت هيبتك كَلَامي وصدعت قبضتك عِظَامِي فلساني كليل وجناني عليل وخاطري نافر ولبي طَائِر
قَالَ اللص فليسكن لبك وليطمئن قَلْبك اسْمَع مَا أَقُول وَتَكون بثيابك حَتَّى لَا تذْهب ثِيَابك إِلَّا بالفوائد
قَالَ القَاضِي هَات
قَالَ اللص حَدثنِي أبي عَن جدي عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَمِين الْمُكْره لَا تلْزمهُ فَإِن حلف وَحنث فَلَا شَيْء عَلَيْهِ) وَأَنت إِن حَلَفت حَلَفت مكْرها وَإِن حنثت فَلَا شَيْء عَلَيْك انْزعْ ثِيَابك

وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عبد وَرَسُوله أرْسلهُ وَقد طَال زمن الفترة ونسيت الْآدَاب وَبعد عهد النُّبُوَّة فَزَالَ الْحق وانجاب فمنازل الْهدى خراب ومعاهده لَا تعتاد وَلَا تنتاب وَلِلنَّاسِ بالشهوات والشبهات إعجاب حَتَّى أفرد النّظر بالدنيا وادعي تعدد الأرباب فَاخْتَارَ الله مُحَمَّدًا فِي أشرف الْأَنْسَاب وخيرة الأحساب نذيرا بَين يَدي الْعَذَاب وبشيرا لمن أطَاع الْحق وَأجَاب وأيده بمعجزات تدفع عَارض الارتياب وَتكشف أنوار الْيَقِين لَيْسَ دونهَا حجاب وَتَدَع الْقُلُوب مطمئنة لَا ترتاع من جَانب الشُّبُهَات وَلَا ترتاب فصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد صَلَاة وَسلَامًا يدْخل فيهمَا الْآل وَالْأَصْحَاب
أما بعد فَإِن التصنيف فِي علم الْأَحْكَام وتبيين الْحَلَال من الْحَرَام وَإِن كَانَت شدَّة الْحَاجة إِلَيْهِ توجب وقف الهمم عَلَيْهِ ووقوف الْإِمْكَان بَين يَدَيْهِ فَإِن شدَّة خطره وعظيم غرره مِمَّا يُوجب مهابة الشُّرُوع فِي تِلْكَ المشارع والتوقف عَن الحكم على مَقَاصِد الشَّارِع
مَا هِيَ إِلَّا أَعْرَاض تنتهك وأجسام تنتهك وأعمال يتعب لَهَا وَينصب وأموال يثبت ملكهَا ويسلب وَدِمَاء تعصم وتسفح وأبضاع تحرم أَو تنْكح
هَذَا مَعَ تشعب مواقع النّظر وتعارض مسالك العبر وملال يعتري الأذهان وتقصير جبل عَلَيْهِ طبع الْإِنْسَان
فالطريق خَفِي المسارب والغاية مخوفة العواقب وَمَا قل من ذَلِك يتقوى الخاطر الرادع ويتوقى الرَّأْي الخادع وَيخَاف الآمن ويقلق الرادع

وَلَقَد كَانَ سلفنا الصَّالح رضوَان الله عَلَيْهِم لطريق هَذَا الْخَوْف سالكين ولأزمة الْوَرع والخشية مالكين فتدافعوا الْفَتْوَى لشدَّة التَّقْوَى وَأَجَابُوا عَن الْيَسِير عِنْدَمَا سئلوا عَن الْكثير وأجروا الدُّمُوع فرقا وجروا إِلَى غَايَة التَّحَرِّي طلقا
ثمَّ آل الْأَمر إِلَى التسامح والتساهل والغفلة والتغافل فأطلقت أَعِنَّة الأقلام وَأرْسلت بَوَادِر الْكَلَام وطوي بِسَاط التورع راسا وعد التَّوَقُّف جَهَالَة أَو وسواسا وتوهموا التسرع دَلِيلا على كَثْرَة الْحَاصِل والإحجام عَلامَة على قلَّة الْوَاصِل وَأحد الْأَمريْنِ لَازم لَهُم إِمَّا أَن يدعوا أَنهم أعلم مِمَّن سبق أَو يسلمُوا أَنهم مَا طرق قُلُوبهم من مَخَافَة الله مَا ألم بقلوب العارفين وطرق هَذَا مَا يتَعَلَّق بغرور الْأُخْرَى
وَأما فِي الدُّنْيَا وَإِن كَانَ يعم كل تصنيف فَإِن الْمَرْء يتعب أفكاره ويكد ليله ونهاره ويقدح زناد القريحة حَتَّى يرى قدحه ويرقب فجر الْحَقَائِق حَتَّى يتبلج صبحه ويروض مصاعب النّظر حَتَّى يصحب جامحها ويستدني شوارد العبر حَتَّى يقرب نازحها فَإِذا ينجلي لَهُ من ذَلِك نادرة أبداها وَتَأمل أَن يودع بالفكر خاتمتها ويتلقى بالشكر مبداها قَامَ الْحَاسِد فقبح تِلْكَ الصُّورَة الْحَسَنَة وشانها وحقر تِلْكَ الْجُمْلَة الجميلة وشانها وَقَالَ بِلِسَان الْحَال أَو الْمقَال لقد دلاك أَيهَا المُصَنّف الْغرُور واستهواك الْغرُور وخاب العنا وصفر الإنا وطاش السهْم وَطَالَ الْوَهم وطاح الْفَهم فالروض هشيم والمرتع وخيم والمورد وشل وَإِن ظن أَنه جميم إِلَى أَمْثَال ذَلِك

من أثر الْحَسَد الَّذِي يدع الخواطر فِي كمد والنفوس فِي مجاهدتها فِي كبد ويكسف البال ويقلص الآمال ويكدر من المشرب العذب الزلَال وَيحرم من الأحالة السحر الْحَلَال ويقبح من الْإِحْسَان أجمل الْجلَال حَتَّى إِن الْكتاب الَّذِي صنفه الإِمَام الْعَلامَة الْأَفْضَل أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عمر بن أبي بكر الدويني الأَصْل الصعيدي المولد الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاجِب رَحمَه الله وَسَماهُ الْجَامِع بَين الْأُمَّهَات أَتَى فِيهِ بالعجب العجاب ودعا قصي الإجادة فَكَانَ المجاب وراض عصي المُرَاد فَزَالَ شماسه وانجاب وَأبْدى مَا حَقه أَن تصرف أَعِنَّة الشُّكْر إِلَيْهِ وتلقى مقاليد الِاسْتِحْسَان بَين يَدَيْهِ وَأَن يُبَالغ فِي استحسانه ويشكر نفحات خاطره ونفثات لِسَانه فَإِنَّهُ رَحمَه الله تيسرت لَهُ البلاغة فتفيأ ظلها الظليل وتفجرت ينابيع الْحِكْمَة فَكَانَ خاطره بِبَطن المسيل وَقرب المرمى فَخفف الْحمل الثقيل وَقَامَ بوظيفة الإيجاز فناداه لِسَان الْإِنْصَاف مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل
وَمَعَ ذَلِك فَلم يعْدم الذام حسناؤه وَلَا روعي اجْتِهَاده فِي خدمَة الْعلم واعتناؤه بل أنحي على مقاصده فذمت أنحاؤه وَقصد أَن يستكفأ من الإحسانه صَحِيفَته

وإناؤه فَتَارَة يعاب لَفظه بالتعقيد وطورا يُقَال لقد رمى الْمَعْنى من أمد بعيد وَمرَّة ينْسب إِلَى السَّهْو والغلط وَأُخْرَى رجح غير الْمَشْهُور وَذَلِكَ مَعْدُود من السقط وَجعل ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى التنفير عَن كِتَابه والتزهيد فِيهِ والغض مِمَّن يتبع أثر سلوكه ويقتفيه وَهَذَا عندنَا من الْجور الْبَين وَالطَّرِيق الَّذِي سلوك سواهُ والعدول عَنهُ مُتَعَيّن
فَأَما الِاعْتِرَاض بالتعقيد والإغماض فَرُبمَا كَانَ سَببه بعد الْفَهم ويعد الذَّنب هُنَاكَ للطرف لَا للنجم وَإِنَّمَا وضعت هَذِه المختصرات لقرائح غير قرائح وخواطر إِذا اسْتَسْقَيْت كَانَت مواطر وأذهان يتقد أوارها وأفكار إِذا رامت الْغَايَة قصر مضمارها فَرُبمَا أَخذهَا الْقَاصِر ذهنا فَمَا فك لَهَا لفظا وَلَا طرق معنى فَإِن وقف هُنَاكَ وَسلم سلم وَإِن أنف بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّقْصِير فَأطلق لِسَانه أَثم وَهُوَ مُخطئ فِي أول سلوك الطَّرِيق وظالم لنَفسِهِ حَيْثُ حملهَا مَالا تطِيق
وسبيل هَذِه الطَّبَقَة أَن تطلب المبسوطات الَّتِي تفردت فِي إيضاحها وأبرزت مَعَانِيهَا سافرة عَن نقابها مَشْهُورَة بغررها وأوضاحها
والحكيم من يقر الْأُمُور فِي نصابها وَيُعْطِي كل طبقَة مَالا يَلِيق إِلَّا بهَا
وَأما السَّهْو والغلط فَمَا أمكن تَأْوِيله على شَيْء يتَأَوَّل وَمَا وجد سَبِيل وَاضح إِلَى تَوْجِيه حمل على أحسن محمل وَمَا استدت فِيهِ الطّرق الْوَاضِحَة وتؤملت أَسبَاب حسنه أَو صِحَّته فَلم تكن لائحة فلسنا ندعي لغير مَعْصُوم عصمه وَلَا نتكلف تَقْدِير مَا نعتقده غَلطا بِأَن ذَلِك أبهج وصمه فَالْحق أولى مَا رفع علمه وروعيت ذممه ووفيت من الْعِنَايَة قسمه وَأقسم الْمُحَقق أَن لَا يعافه فبر قسمه وعزم النّظر أَن يلْزم موقفه فثبتت قدمه

وَلَكِن لَا نجْعَل ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى ترك الصَّوَاب الجم وَلَا نستحل أَن نُقِيم فِي حق المُصَنّف شَيْئا إِلَى ارْتِكَاب مركب الذَّم والذنب الْوَاحِد لَا يهجر لَهُ الحبيب وَالرَّوْضَة الْحَسْنَاء لَا تتْرك لموْضِع قبر جديب والحسنات يذْهبن السَّيِّئَات وَترك الْمصَالح الراجحة للمفاسد المرجوحة من أعظم المباآت وَالْكَلَام يحمل بعضه بَعْضًا وَمن أسخطه تَقْصِير يسير فسيقف على إِحْسَان كَبِير فيرضى
وَلَو ذَهَبْنَا نَتْرُك كل كتاب وَقع فِيهِ غلط أَو فرط من مُصَنفه سَهْو أَو سقط لضاق علينا المجال وَقصر السجال وجحدنا فَضَائِل الرِّجَال وفاتنا فَوَائِد تكاثر عديد الْحَصَا وفقدنا عوائد هِيَ أجدى علينا من تفاريق الْعَصَا
وَلَقَد نفع الله الْأمة بكتب طارت كل المطار وَجَازَت أجواز الفلوات وأثباج الْبحار وَمَا فِيهَا إِلَّا مَا وَقع فِيهِ عيب وَعرف مِنْهُ غلط بِغَيْر شكّ وَلَا ريب وَلم يَجعله النَّاس سَببا لرفضها وهجرها وَلَا توقفوا عَن الاستضاءة بأنوار الْهِدَايَة من أفق فجرها

وسلكنا عِنْد الْإِنْصَاف تِلْكَ السَّبِيل وَلَا بدع فِي أَن يعْطى الشَّخْص حكم السغب والتبتيل
(يَا ابْن الأعارب مَا علينا باس ... لم نأب إِلَّا مَا أَبَاهُ النَّاس)
على أَنه لما طَال الزَّمَان قَلِيلا عَاد جد ذَلِك السغب قَلِيلا فحفظ هَذَا الْكتاب الْحفاظ واعتني مِنْهُ بالمعاني والألفاظ وشدت عَلَيْهِ يَد الضنانة والحفاظ وَقَامَت لَهُ سوق لَا يدعيها ذُو الْمجَاز وَلَا عكاظ فوكلت بِهِ الأسماع والأبصار وَكَثُرت لَهُ الأعوان وَالْأَنْصَار وسكنت الدهماء فَحَمدَ ذَلِك النَّقْع المثار وَأسسَ بِنَاء الْإِنْصَاف على التَّقْوَى فهدم مَسْجِد الضرار فابيضت تِلْكَ اللَّيَالِي السود وَمَات الْحَسَد أَو مَاتَ الْمَحْسُود فَكَانَ كَمَا قلت
(ادأب على جمع الْفَضَائِل جاهدا ... وأدم لَهَا تَعب القريحة والجسد)
(واقصد بهَا وَجه الْإِلَه ونفع من ... بلغته مِمَّن جد فِيهَا واجتهد)
(واترك كَلَام الحاسدين وبغيهم ... هملا فَبعد الْمَوْت يَنْقَطِع الْحَسَد)
فقد آن إِذن وَحقّ أَن نشرح هَذَا الْكتاب شرحا يعين النَّاظر يه على فك لَفظه وَفهم مَعَانِيه على وَجه يسهل للماهر مساغه وذوقه وَيرْفَع القاصد فيلحقه بِدَرَجَة من هُوَ فَوْقه ويسلك سَبِيل مَعْرفَته ذللا وَيدْرك بِهِ ناظره من وضوحه أملا

فاستخرت الله تَعَالَى فِي وضع هَذَا الشَّرْح قَاصِدا فِيهِ لعشرة أُمُور
الأول التَّعَرُّض لبسط أَلْفَاظه المقفلة وإيضاح مَعَانِيه المشكلة وَإِظْهَار مضمراته الْمُهْملَة فأذكر الْمسَائِل أَو المسئلة أبسط الْعبارَة فِيهَا وأقتصر على ذَلِك إِن رَأَيْت أَنه يكفيها وَإِلَّا رجعت إِلَى تَنْزِيل أَلْفَاظ الْكتاب على ذَلِك الَّذِي بسطته موضعا موضعا لأجمع بَين الْبَيَان الإجمالي والتفصيلي مَعًا اللَّهُمَّ إِلَّا مَوَاضِع يسيرَة أَخذ الْإِشْكَال بخنقها ورامت الأذهان الرائقة سلوكها فَالْتبسَ عَلَيْهَا جَمِيع طرقها فَإنَّا نطوي تِلْكَ على غرها ونربأ بِأَنْفُسِنَا عَن ركُوب مراكب العسف مستعيذين بِاللَّه من شَرها والعاقل يخْتَار السُّكُوت على التَّخْلِيط وَإِذا لم يكن بُد من أحد الحملين فجيء هَذَا بالبسيط
على أَنِّي لَا أَجْزم بِالصِّحَّةِ لتِلْك الْمَوَاضِع وَلَا أعتقد الْعِصْمَة إِلَّا لمن يشْهد لَهُ بهَا القواطع وَلَقَد سَمِعت أبي رَحمَه الله يَحْكِي مَا مَعْنَاهُ أَو قريب مِنْهُ أَن المُصَنّف سُئِلَ عَن شَيْء من هَذَا الْكتاب فَلم يَأْتِ مِنْهُ بِجَوَاب وَذكر أَنه إِنَّمَا وَضعه على الصِّحَّة
الثَّانِي تَفْسِير أَلْفَاظه الغريبة واللغوية وَكَيْفِيَّة النُّطْق بهَا على مُقْتَضى الْعَرَبيَّة وَذكر شَيْء من الاشتقاقات الأدبية والتحرز مِمَّا يعد من لحن الْعَوام والتحفظ من التَّصْحِيف الَّذِي هُوَ إِحْدَى القوام وَلَقَد بلي بذلك من ضعفة الْفُقَهَاء من

صفر من الْأَدَب مزاده وَقل فِي طَرِيق الْعَرَبيَّة زَاده وَخفت عَن تِلْكَ اللطائف طباعه وتناءت عَن تِلْكَ المناهل رباعه
الثَّالِث أنسب الْأَقْوَال الْمُهْملَة إِلَى أَرْبَابهَا إِذا أطلقت وأميز أَقْوَال الإِمَام من أَقْوَال الصَّحَابَة إِذا علمت الْمُخَالفَة بَينهم تحققت وَأبين الْأَصَح من الْقَوْلَيْنِ إِذا لم يبين وأعين الْأَشْهر من الْخلاف إِذا لم يعين كل ذَلِك بِحَسب مَا انْتهى علمي إِلَيْهِ ووقف بحثي بِحَسب الْحَال الْحَاضِر عَلَيْهِ
الرَّابِع أراعي فِي الْمسَائِل المذهبية التَّوْجِيه وَالتَّعْلِيل وَلَا أدعها تَتَرَدَّد بَين أنحاء التَّعْلِيل فَمَا قويت فِي الِاعْتِبَار منته ومبانيه ورجحت عِنْد النظار رتبته ودرايته أوضحت الطَّرِيق إِلَيْهِ أَي إِيضَاح وجلوت الْحق هُنَالك كَالْقَمَرِ اللياح وَمَا ضعفت من الْقَوَاعِد مادته وخفيت على التَّحْقِيق جادته اكتفيت فِيهِ بالميسور من التَّعْلِيل أَو أخذت على غَيْرِي فحكيت مَا قيل فَمَا كل مسك يصلح وعَاء للمسك وَلَا كل ضَعِيف يوسم بسمة التّرْك

الْخَامِس أحكم من صناعَة الحَدِيث مَا أوردهُ وأتقن مَا أنص فِيهِ وأسرده فَإِن حكمت بِصِحَّة حَدِيث بِإِسْنَاد ذَلِك إِلَيّ فَبعد أَن أنزع رِدَاء التعصب عَن مَنْكِبي وأؤدي حق النَّصِيحَة للسّنة كَمَا يتَعَيَّن وأحترز من الْميل إِلَى نصر مَذْهَب معِين فَإِن وجد الْمُسْتَدلّ مَطْلُوبه بنى على أوثق أساس وَإِلَّا فليعدل إِلَى غير النَّص من أَنْوَاع الِاسْتِدْلَال وَالْقِيَاس
وَإِن حكيت الصِّحَّة عَن غَيْرِي فَعَن حق لَا تمتد يَد الشَّك إِلَى لبسه وَقد قيل من أحَال على غَيره فقد احتاط لنَفسِهِ وَمَا عزوته إِلَى الْكتب الْمَشْهُورَة فَهُوَ فِيهَا عِنْد الْمُرَاجَعَة مَوْجُود فَإِن وجد فِي مظنته وَإِلَّا فَعِنْدَ التتبع يحصد الْمَقْصُود
وَقد وَقع لجَماعَة من الْفُقَهَاء وَغَيرهم فِي ذَلِك خلل وأقدم بَعضهم على أَمر ليته عَنهُ نكل
وَقد حكيت فِي هَذَا الْكتاب من غرائب الْأَخْبَار وشوارد الْآثَار مَا يعز وجوده عِنْد الْفُقَهَاء الَّذين خصوا الْفِقْه بالعناية وحصوا جنَاح الْمسير إِلَى الرِّوَايَة
السَّادِس مَا جزمت بنقله عَن أَئِمَّة الِاجْتِهَاد تحريت فِيهِ ومنحته من طَرِيق الِاحْتِيَاط مَا يَكْفِيهِ فَإِن كَانَ من أحد الْمذَاهب الْأَرْبَعَة نقلته من كتب أَصْحَاب وأخذته عَن الْمَتْن فَأتيت الْأَمر من بَابه وَلم أعتبر حِكَايَة الْغَيْر عَنْهُم فَإِنَّهُ طَرِيق وَقع فِيهِ الْخلَل وتعدد من جمَاعَة من النقلَة فِيهِ الزلل وَحكى المخالفون للمذاهب عَنْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا
وَمَا كَانَ من الْأَقْوَال للْمُتَقَدِّمين للصاحبة وَمن شَذَّ عَمَّن ذَكرْنَاهُ من الْمُخَالفين فاعتمادي فِيهِ على كتاب الإشراف لِلْحَافِظِ أبي بكر بن الْمُنْذر رَحمَه الله فبأنواره اهتديت وبطريقه

إِلَى تِلْكَ الْغَايَة اقتديت فَإِن لم يكن فِيهِ ذَلِك النَّقْل وَلم أره فِيهِ نقلت من غَيره بِعِبَارَة ملخصة فَقلت وَحكي عَن فلَان كَذَا أَو عَن فلَان كَذَا إِلَّا مَا جزمت بِصِحَّتِهِ فَإِنِّي أقطع القَوْل بنسبته إِلَيْهِ
وَلما كنت لَا أرى لأحد قولا إِلَّا مَا نَص عَلَيْهِ وَتعذر عَليّ فِي كثير من الْمسَائِل معرفَة نَص صَاحبه الْمَذْهَب لكَون المسئلة مُتَّفقا عَلَيْهَا عِنْد ناقلته رَأَيْت أَن أَقُول فِي مثل ذَلِك قَالَت الْحَنَفِيَّة أَو الشَّافِعِيَّة أَو الحنبلية أَو قَالَ الْحَنَفِيّ أَو الْحَنْبَلِيّ وَمَا قلت قد نقل عَن فلَان أَو اشْتهر عَنهُ فَلَا ألزم نَقله عَن كتب أَصْحَاب ذَلِك الإِمَام لصدق اللَّفْظ الْمَذْكُور وَإِن لم ينْقل من كتبهمْ
السَّابِع أذكر فِي الْمسَائِل الخلافية الْمَعْرُوفَة بمسائل الطَّرِيقَة مواد أصل الِاجْتِهَاد فَإِن تعدّدت اخْتَرْت الأمتن وقصدت الْأَحْسَن لَا على وَجه الإطالة الْمُوجبَة للملالة وَلَا على طَريقَة الْإِجْمَال المفضي إِلَى الْإِخْلَال
ثمَّ إِن لأهل عصرنا وَمَا واتاه نكتا رشيقة وطرقا روضاتها أنيقة أخذُوا فِيهَا مَأْخَذ الْإِعْرَاب وأبدوا عرائسها كالكواكب الأتراب وأملوا الإبداع فأدركوا التأميل وظفروا فِيهِ بالمعلى لما أرْسلُوا أقداح المجيل إِلَّا أَن أَكْثَرهم أولع

من تَعْبِير الْمُبين وَبَالغ فِي إغلاقها حَتَّى لَا تكَاد تبين إِنَّمَا هُوَ جِدَال كالجلاد وخيال تزخرفه الْأَلْسِنَة الْحداد فَلم أر إخلاء هَذَا الْكتاب عَن شَيْء مِنْهَا وَلَا استحسنت مَعَ ظرافها أَن أعرض بِالْكُلِّيَّةِ عَنْهَا فكسوت بعض الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة ذَلِك الوشي المرقوم وأنفت أَن يُضحي صَاحب هَذِه الصَّنْعَة بأثر من رزقها محروم وَلم أبالغ فِي الإغلاق والإبهام وَلَا أكثرت من هَذَا النَّوْع فَإِنَّهُ خُرُوج عَن المصطلح فِي كتب الْأَحْكَام
الثَّامِن مَا أسلكه من الطّرق فِي الْحجَّاج لَا أروغ فِيهِ روغان الثعالب وَلَا أرجح من جَانب مَا ضعفته فِي جَانب وَلَا ألتزم فَسَاد الذَّم عِنْد الْمُخَالفَة بِمثلِهِ وَلَا أَضَع شخصا تقدم مني ذكر فَضله وَلَا أسلك طَرِيق الْيمن فَإِن رضيت مدحت وَإِن سخطت قدحت وَلَا أتهافت فَإِن فعلت فَمَا أنصفت نَفسِي وَلَا نصحت فَلَقَد فعل ذَلِك قوم أوجبوا السَّبِيل إِلَى ذمهم فأقروا عِنْد ذكر الْعُيُوب عين خصمهم فَأطَال عَلَيْهِم فِي التشنيع وبدد بِسوء ذَلِك الصَّنِيع وَنسب إِلَيْهِم مجاولة تغليط النَّاظر وتوهم فيهم أَن الْمَقْصُود المغالبة فِي الْوَقْت الْحَاضِر وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك وَلَا حَاجَة إِلَى سلوك هَذِه المسالك

التَّاسِع لست بالراغب فِي جلب زَوَائِد الْفُرُوع المسطورة وَحصر شوارد الْمسَائِل الْمَذْكُورَة مَا لم يتضمنه هَذَا الْمَجْمُوع وَلَا رفع ذكر هَذَا الْمَوْضُوع فَإِن الْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ الشَّرْح فليتوقف الْغَرَض عَلَيْهِ ولتتوجه الدَّوَاعِي والهمم إِلَيْهِ واللائق بذلك الْغَرَض كتب الْمسَائِل الَّتِي قصد إِلَى جمعهَا واستقل أَصْحَاب التصانيف بوضعها وَلكُل غَايَة طَرِيق قَاصد يُنَاسِبهَا وَلكُل عَزمَة مَأْخَذ من نَحْو مَا يصاحبها
فَأَما الْأَقْوَال الْمُتَّصِلَة بِمَا وَضعه المُصَنّف وَذكره وَالْفُرُوع الْمُقَارنَة لما نظمه وسطره فَإِنِّي أمنحها طرفا من الْعِنَايَة وأوليها جَانب الْولَايَة
الْعَاشِر أذكر الاستشكالات فِي مبَاحث أنبه فِيهَا فهم الباحث وأرسلها إرْسَالًا وَلَا أدعها تسير أَرْسَالًا وأوسع للنَّاظِر فِيهِ مجالا حَتَّى إِذا خرج من السعَة للضيق وتبارز فِي ميدان التسابق فرسَان التَّحْقِيق وأخرجت أَحْكَام النُّفُوس من السّير وَكَانَ الطَّرِيق ميتاء ينفذها الْبَصَر ويستسير فِيهَا العير وسلمت الممادح من القوادح وَوَقع الْإِنْصَاف فَرُبمَا فضل الْجذع على القارح فهناك تنكشف الأستار عَن الْحَقَائِق وَتبين الْفَضِيلَة لسيل الْوَجِيه وَلَا حق

فَهَذِهِ الطّرق الَّتِي أقصدها والأنحاء الَّتِي أعتمدها وَمن الله أعْتَمد العون وَمن الخسارة فِيمَا نرجو ربحه أسأله الصون فبه الْقُوَّة والحول وَمِنْه الْإِحْسَان والطول فَإِن لم تفض من رَحمته سِجَال ويتسع لمسامحته مجَال فالتباب والخسار والتنائي عَن منَازِل الْأَبْرَار ونعوذ بِاللَّه من عمر وَعمل تقتحمهما النَّار
وَهَذَا حِين الشُّرُوع فِي المُرَاد وَالله ولي التَّوْفِيق والإرشاد إِنَّه على مَا يَشَاء قدير وبالإجابة جدير
آخر الْخطْبَة الْمشَار إِلَيْهَا فرحم الله منشيها وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
فَوَائِد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ومباحثه
أَكثر من أَن تحصر وَلكنهَا غَالِبا مُتَعَلقَة بِالْعلمِ من حَيْثُ هُوَ حَدِيثا وأصولا وقواعد كُلية كَمَا يَرَاهَا النَّاظر فِي مصنفاته وَلَا سِيمَا فقه الحَدِيث والاستنباط مِنْهُ فقد كَانَ إِمَام الدُّنْيَا فِي ذَلِك فَلَا معنى للتطويل بذكرها ولكننا نذْكر بعض مَا بلغنَا عَنهُ مِمَّا هُوَ مُخْتَصّ بِالْمذهبِ
خِيَار التصرية هَل مُسْتَنده التَّدْلِيس الصَّادِر من البَائِع أَو الضَّرَر الْحَاصِل للْمُشْتَرِي وَقد يعبر بِعِبَارَة أُخْرَى فَيُقَال هَل مُسْتَنده التَّغْرِير أَو الْغرُور فِيهِ وَجْهَان مشهوران يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا مَا لَو تحفلت بِنَفسِهَا بِأَن ترك الحلاب أَيَّامًا نَاسِيا لشغل عرض أَو صراها غَيره بِغَيْر إِذْنه وَالأَصَح عِنْد صَاحب التَّهْذِيب وَبِه قطع القَاضِي الْحُسَيْن ثُبُوت الْخِيَار خلافًا للغزالي
وَلَو صراها لَا لأجل الخديعة ثمَّ نَسِيَهَا فقد حكى ابْن دَقِيق الْعِيد عَن أَصْحَابنَا فِيهِ خلافًا وَلم نر ذَلِك فِي كَلَامهم صَرِيحًا لكنه يتَخَرَّج على أَن المأخذ التَّدْلِيس أَو ظن المُشْتَرِي فعلى الأول لَا يثبت لِأَنَّهُ لم يقْصد الخديعة وعَلى الثَّانِي يثبت لحُصُول الظَّن

وَلَو شدّ أخلافها قصدا لصيانة لَبنهَا عَن وَلَدهَا فَقَط قَالَ ابْن الرّفْعَة فَهُوَ كَمَا لَو تحفلت بِنَفسِهَا
قلت وَهِي كالمسئلة الَّتِي حَكَاهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لَكِن فِي تِلْكَ زِيَادَة النسْيَان وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْط فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الْقَصْد صَحِيحا لم يحصل تَدْلِيس وخديعة وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول إِن التَّدْلِيس حَاصِل بعد تبيينه وَقت البيع وَهُوَ عَالم بِهِ لِأَن هَذَا الْمَعْنى حَاصِل فِيمَا إِذا تحفلت بِنَفسِهَا وباعها وَهُوَ عَالم بِالْحَال
وَابْن الرّفْعَة سقط عَلَيْهِ من كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لَفْظَة لَا فَنقل المسئلة عَنهُ على أَنه صراها لأجل الخديعة ثمَّ نَسِيَهَا ثمَّ اعْترض بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن تكون هَذِه من صور الْوِفَاق وَهَذَا اعْتِرَاض صَحِيح لَو كَانَ الْأَمر كَمَا نَقله لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون قد حصل التَّدْلِيس وَالظَّن وَلَا يُفِيد توَسط النسْيَان
فَإِذا المسئلة الَّتِي ذكرهَا ابْن الرّفْعَة وخرجها على مَا إِذا تحفلت بِنَفسِهَا هِيَ مسئلة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين والمسئلة الَّتِي نقلهَا ابْن الرّفْعَة عَن الشَّيْخ بِحَسب النُّسْخَة الَّتِي وَقعت لَهُ غَلطا مسئلة أُخْرَى يَنْبَغِي الْجَزْم فِيهَا بِالْخِيَارِ نبه على ذَلِك وَالِدي أَطَالَ الله بقاه فِي شرح الْمُهَذّب
صحّح الشَّيْخ تَقِيّ الدّين حَدِيث الْقلَّتَيْنِ وَاخْتَارَ ترك الْعَمَل بِهِ لَا لمعارض أرجح بل لِأَنَّهُ لم يثبت عِنْده بطرِيق يجب الرُّجُوع إِلَيْهِ شرعا تعْيين لمقدار الْقلَّتَيْنِ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ذكر بَعضهم أَن المسئلة السريجية إِذا عكست انْحَلَّت وتقريرها أَن صُورَة المسئلة مَتى وَقع عَلَيْك طَلَاقي فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا أَو مَتى

طَلقتك
فَوجه الدّور أَنه مَتى طَلقهَا الْآن وَقع قبله ثَلَاثًا وَمَتى وَقع قبله ثَلَاثًا لم يَقع فَيُؤَدِّي إثْبَاته إِلَى نَفْيه فَانْتفى وَعكس هَذَا أَن يَقُول مَتى طَلقتك أَو مَتى أوقع طَلَاقي عَلَيْك فَلم يَقع فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ مَتى طَلقهَا وَجب أَن يَقع الثَّلَاث الْقَبِيلَة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون الطَّلَاق القبلي بَائِنا على النقيضين أَعنِي وُقُوع الْمُنجز وَعدم وُقُوعه وَمَا يثبت على النقيضين فَهُوَ ثَابت فِي الْوَاقِع قطعا لِأَن أَحدهمَا وَقع قطعا فالمعلق بِهِ وَاقع قطعا
وَهَذِه مُقَدّمَة ضَرُورِيَّة عقلية لَا تقبل الْمَنْع بِوَجْه من الْوُجُوه وأصل المسئلة الْوكَالَة
قَالَ وَالِدي رَحمَه الله وَهَذَا فِيهِ نظر وَإِنَّمَا يلْزم وُقُوع الطَّلَاق الْمُعَلق بالنقيضين الْمَذْكُورين لَو قَالَ إِن طَلقتك فَوَقع عَلَيْك طَلَاقي أَو لم يَقع فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ يَقُول لَهَا أَنْت طَالِق فَحِينَئِذٍ يحكم بِأَنَّهَا طلقت قبل ذَلِك التَّطْلِيق ثَلَاثًا عملا بِالشّرطِ الثَّانِي وَهُوَ عدم الْوُقُوع لِأَن الطَّلَاق الْمُعَلق مَشْرُوط بِأحد أَمريْن إِمَّا الْوُقُوع وَإِمَّا عَدمه فِي زمن وَاحِد مُسْتَند إِلَى زمن قبلي وَلَا يُمكن الحكم بالوقوع القبلي استنادا إِلَى الشَّرْط الأول وَهُوَ الْوُقُوع للُزُوم الدّور
وَأما الْوُقُوع فِي ذَلِك الزَّمن القبلي مُسْتَندا إِلَى عدم الْوُقُوع فَلَا مجَال فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يُقَال لَو وَقع فِيهِ لوقع قبله لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يحمل الْقبلية على الْقبلية المتسعة الَّتِي أَولهَا عقب التَّعْلِيق أَو على الْقبلية الَّتِي تستعقب التَّطْلِيق فَإِن كَانَ الأول لم يكن وُقُوع الطَّلَاق قبله لِأَنَّهُ يكون سَابِقًا على التَّعْلِيق وَحكم التَّعْلِيق لَا يسْبقهُ وَهَذَا فَائِدَة فَرضنَا التَّعْلِيق على
وَاعْلَم أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَضِي الله عَنهُ توفّي وَلم يبيض كِتَابه الْإِلْمَام فَلذَلِك وَقعت فِيهِ أَمَاكِن على وَجه الْوَهم وَسبق الْكَلَام

مِنْهَا قَالَ فِي حَدِيث مطرف عَن أَبِيه رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَفِي صَدره أزيز كأزيز الْمرجل من الْبكاء إِن مُسلما أخرجه وَلَيْسَ هُوَ فِي مُسلم وَإِنَّمَا أخرجه النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَلأبي دَاوُد كأزيز الرَّحَى
وَمِنْهَا قَالَ فِي بَاب صفة الصَّلَاة وَعَن وَائِل بن حجر قَالَ صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ يسلم عَن يَمِينه السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته حَتَّى يرى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن وَعَن يسَاره السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته حَتَّى يرى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر إِن أَبَا دَاوُد خرجه وَلَيْسَ فِي كتاب أبي دَاوُد وَلَا فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة هَذِه الزِّيَادَة من طَرِيق وَائِل وَهِي حَتَّى يرى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن وَحَتَّى يرى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر وَهُوَ من طَرِيق ابْن مَسْعُود فِي النَّسَائِيّ وَفِي أبي دَاوُد وَلَيْسَ عِنْده الْأَيْمن والأيسر
وَمِنْهَا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي السَّهْو جعل لفظ مُسلم لفظ أبي دَاوُد وَلَفظ أبي دَاوُد لفظ مُسلم
وَمِنْهَا فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأولى سبعا) الحَدِيث ذكر أَن التِّرْمِذِيّ أخرجه وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ كثير بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيّ هَكَذَا

وَمِنْهَا فِي الْكَفَن وروى النَّسَائِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ حَدِيثا فِيهِ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا ولي أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه) ثمَّ قَالَ وَأخرجه أَبُو دَاوُد
وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ هُوَ عَن أبي سعيد وَلَا أخرج هَذَا أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد وَإِنَّمَا هَذَا اللَّفْظ فِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي قَتَادَة وَالَّذِي فِي أبي دَاوُد من حَدِيث جَابر وَلَفظه (إِذا كفن أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه) وَنَحْو هَذَا اللَّفْظ فِي مُسلم وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر لَا من حَدِيث أبي سعيد
وَمِنْهَا فِي فصل فِي حمل الْجِنَازَة وَعَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كسر عظم الْمَيِّت ككسره حَيا) ذكر أَن مُسلما خرجه وَإِنَّمَا خرجه أَبُو دَاوُد
وَمِنْهَا حَدِيث بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده فِي السَّائِمَة فِي الزَّكَاة وَذكر أَن التِّرْمِذِيّ خرجه وَلَيْسَ فِيهِ
وَمِنْهَا فِي أَوَاخِر فصل فِي شُرُوط الصَّوْم أخرجه الْأَرْبَعَة وَهَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ ثمَّ قَالَ حسن غَرِيب ثمَّ قَالَ وَلَا أرَاهُ مَحْفُوظًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَن قَوْله وَلَا أرَاهُ مَحْفُوظًا من كَلَام التِّرْمِذِيّ وَالَّذِي فِي التِّرْمِذِيّ وَقَالَ مُحَمَّد وَلَا أرَاهُ مَحْفُوظًا
وَمِنْهَا حَدِيث الصعب بن جثامة لَا حمى إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ ذكر أَنه مُتَّفق عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي مُسلم وَإِنَّمَا هُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ

وَمِنْهَا فِي بَاب الْوَلِيّ ذكر أَن رِوَايَة زِيَاد بن سعد عَن عبد الله عَن الدَّارَقُطْنِيّ الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا وَرِوَايَة زِيَاد بن سعد عَن عبد الله فِي مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ فإضافته إِلَى مُسلم أولى وَهَذَا لَيْسَ باعتراض وَلكنه فَائِدَة جليلة
وَمِنْهَا مَوَاضِع كَثِيرَة نبه عَلَيْهَا الْحَافِظ قطب الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور بن مُنِير الْحلَبِي رَحمَه الله ولخص كتاب الْإِلْمَام فِي كتاب سَمَّاهُ الاهتمام حسن خَال عَن الاعتراضات الْوَارِدَة على الْإِلْمَام مَعَ الْإِثْبَات لما فِيهِ

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

محمد بن علي بن وهب بن مطيع، أبو الفتح، تقيّ الدين القشيري، المعروف كأبيه وجده بابن دقيق العيد:
قاض، من أكابر العلماء بالأصول، مجتهد. أصل أبيه من منفلوط (بمصر) انتقل إلى قوص، وولد له صاحب الترجمة في ينبع (على ساحل البحر الأحمر) فنشأ بقوص، وتعلم بدمشق والإسكندرية ثم بالقاهرة. وولي قضاء الديار المصرية سنة 695 هـ فاستمر الى أن توفي (بالقاهرة) .
له تصانيف، منها (إحكام الأحكام - ط) مجلدان، في الحديث، و (الإلمام بأحاديث الأحكام - ط) صغير، و (الإمام في شرح الإلمام - خ) الجزء الأول منه، في الأزهرية، من نحو 20 جزءا، ويقال أنه لم يتمه، وله (الاقتراح في بيان الاصطلاح - خ) و (تحفة اللبيب في شرح التقريب - ط) و (شرح الأربعين حديثا للنووي - خ) و (اقتناص السوانح) فوائد ومباحث مختلفة، و (شرح مقدمة المطرزي) في أصول الفقه، وكتاب في (أصول الدين) . وكان مع غزارة علمه، ظريفا، له أشعار وملح وأخبار .

-الاعلام للزركلي-

 

 

محمد بن الإمام أبى الحسن:
علىّ بن وهب القشيرى الشهير بابن دقيق العيد: تقيّ الدين أبو الفتح.
ولد بساحل ينبع-من أرض الحجاز-وتوفّى بمصر، ودفن بالقرافة سنة 702.
وله مؤلفات مشهورة. أخذ عنه ابن رشيد، وأجاز له كل ما رواه. وشهرته تعنى عن تعريفه رحمة الله تعالى عليه.

قال ابن كثير عنه: هو الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ قاضى القضاة تقى الدين ابن دقيق العبد العشيرى المصرى. ولد يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة. . . سمع الكثير، ورحل فى طلب الحديث وخرّج وصف فيه إسادا؟ ؟ ؟ ومتنا مصنفات عديدة، وانتهت إليه رياسة العلم فى زمانه، وفاق أقرانه. ورحل إليه الطلبة، ودرس فى أماكن كثيرة، ثم ولى قضاء الديار المصرية فى سنة خمس وتسعين وسبعمائة، ومشيخة دار الحديث الكاملية. . . وكان وقورا قليل الكلام، غزيز الفوائد، كثير العلوم فى ديانة ونزاهة، وله شعر رائق. وقال ابن السبكى: ولم أر أحدا من أشياحنا يختلف فى أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس المائة السابعة، المشار إليه فى الحديث، فإنه أستاذ زمانه علما ودينا وقال ابن سيد الناس: لم أر مثله فيمن رأيت، ولا حملت عن أجلّ منه فيمن رويت.! وقال ابن فرحون: من ذرية بهز بن حكيم القشيرى. . . اشتغل بمذهب مالك وأنقنه. ثم اشتغل بمذهب الشافعى، وأفتى فى المذهبين، وله يد طولى فى علم الحديث، وعلم الأصول والعربية وسائر الفنون، سمع كثيرا، ورحل إلى الحجاز والشام وسمع بدمشق وغيرها من جماعة يطول تعدادهم. . . وحدّث وألّف وشرح قطعة من مختصر ابن الحاجب. . . وشرح «العمدة، فى الأحكام». أملاه إملاء على ابن الأثير، وألف كتاب «الإلمام فى أحاديث الأحكام» وشرحه شرحا عظما، لم يكمل، ومن تآليفه «الاقتراح فى بيان الاصطلاح، وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث الصحاح» وله ديوان خطب، وله أربعون حديثا تساعية وله غير ذلك اه‍. راجع ترجمته فى البداية والنهاية 14/ 27، وطبقات الشافعية 6/ 2 - 22 والنجوم الزاهرة 8/ 206 - 207، وشذرات الذهب 6/ 5 - 6، والديباج للذهب ص 324 - 325، وحسن المحاضرة 1/ 317 - 320 و 2/ 168 - 171، وشجرة النور الزكية 1/ 189، والدرر الكامنة 4/ 91

ذيل وفيات الأعيان المسمى «درّة الحجال في أسماء الرّجال» المؤلف: أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى (960 - 1025 هـ‍)