أحمد بن موسى بن داود العروسي، شهاب الدين:
فاضل مصري. ولد بمنية عروس (من ملحقات المنوفية بمصر) وتعلم في الأزهر. من (كتبه شرح على نظم التنوير في إسقاط التدبير) و (حاشية على الملوي على السمرقندية) .
-الاعلام للزركلي-
الشيخ أحمد بن موسى بن داود أبي الصلاح العروسي الشافعي المصري الأزهري
علامة العلوم والمعارف، وروضة الآداب الوريقة وظلها الوارف، جامع المزايا والمناقب، شهاب الفضل الثاقب، ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف، وقدم الأزهر فسمع على الشيخ أحمد الملوي الصحيح بالمشهد الحسيني، وعلى الشيخ عبد الله الشبراوي الصحيح والبيضاوي والجلالين، وعلى السيد البليدي البيضاوي في الأشرفية، وعلى الشمس الحفني الصحيح مع شرحه للقسطلاني، ومختصر ابن أبي جمرة، والشمائل، وابن حجر على الأربعين، والجامع الصغير، وتفقه على كل من الشبراوي والعزيزي والحفني والشيخ علي قايتباي الأطفيحي والشيخ حسن المدابغي والشيخ سابق والشيخ عيسى البراوي والشيخ عطية الأجهوري، وتلقى بقية الفنون عن الشيخ علي الصعيدي لازمه السنين العديدة، وكان معيداً لدروسه، وسمع عليه الصحيح بجامع مرزة ببولاق، وسمع من الشيخ أبي طالب الشمائل لما ورد مصر متوجهاً إلى الروم، وحضر دروس الشيخ يوسف الحفني والشيخ إبراهيم الحلبي وإبراهيم بن محمد الدلجي، ولازم الشيخ حسن الجبرتي وأخذ عنه وقرأ عليه في الرياضيات والجبر والمقابلة وكتاب الرقايق للسبط وقوللي زاده على المجيب وكفاية القنوع والهداية وقاضي زاده وغير ذلك، وتلقن الذكر والطريقة عن السيد مصطفى البكري ولازمه كثيراً، واجتمع بعد ذلك على ولي عصره الشيخ أحمد العريان، فأحبه ولازمه واعتنى به الشيخ وزوجه إحدى بناته وبشره بأنه سيسود ويكون شيخ الجامع الأزهر، فظهر ذلك بعد وفاته بمدة لما توفي شيخنا الشيخ أحمد الدمنهوري، واختلفوا في تعيين الشيخ فوقعت الإشارة عليه، واجتمعوا بمقام الإمام الشافعي رضي الله عنه واختاروه لهذه الخطة العظيمة فكان كذلك، واستمر شيخ الجامع على الإدلاق، ورئيسهم بالاتفاق، يدرس ويعيد، ويملي ويفيد، وقال الجبرتي: وكان يرعى حق الصحبة القديمة والمحبة الأكيدة، وسمعت من فوائده كثيراً، ولازمت دروسه في المغني لابن هشام بتمامه، وشرح جمع الجوامع للجلال المحلي والمطول وعصام على السمرقندية وشرح رسالة الوضع وشرح الورقات وغير ذلك، وكان رقيق الطباع، مليح الأوضاع، لطيفاً مهذباً إذا تحدث نفث الدر، وإذا لقيته لقيت من لطفه ما ينعش ويسر، وقد مدحه شعراء عصره بقصائد طنانة.
ومن كلامه ما كتبه مقرظاً على رياض الصفا لشيخنا السيد العيدروس هذان البيتان:
أخي طالعن في رياض الصفا ... وكن وارداً في مياه الوفا
وقل يا إلهي سلم لنا ... وجيهاً حباه كمال اصطفا
وكتب على تنميق السفر له مضمناً ما نصه:
كتاب على السحر البيان قد انطوى ... وحكمة شعر منه تبدو فضائله
وتنسيق أسفار لحضرة سيد ... هو البحر علماً وافر العقل كامله
إذا رمت أسرار البلاغة فهو في ... قصائده الحسنى التي لا تماثله
عرائس أفراح وعقد جمانها ... بمختصر المدح المطول قائله
وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه أوائله
وكتب على النفحة ما نصه:
نفحة المولى الوجيه العيدروس ... نشرها يحيا به موت النفوس
عطرها باهي وذاك عرفه ... ذكر الأرواح عهداً قد تنوسي
جمعت من غرر العرفان ما ... فاق أبهى درر العقد النفيس
وله أيضاً وقد كتب على تنميق الأسفار له:
ألاح ضوء المنى عن برق أسفار ... أم أشرق الكون من تنميق أسفار
أم اليواقيت قد جاءت منظمة ... في عقد در بدا في بعض أسفار؟
إني لأقسم بالرحمن مدحي عبده ... الذي سره بين الورى ساري
العيدروسي ذو الفضل الجليل وذو ... المجد العلي وسر الخالق الباري
إن الذي صاغه من نور تكرمة ... من جوهر عزلاً من نظم أشعار
وله أيضاً عليه:
أسر لائح ساري ... سرى في نوره الساري
ونور باهر باه ... به زند الهوى واري
وبدر سره زاه ... بدا في حسن أسفار
وعقد الجوهر المكنو ... ن أم تنميق أسفار
كتاب بل عباب فيه ... فلك للهوى جاري
ومن كلامه يمدح الأستاذ عبد الخالق بن وفا:
شموس لها أفق السعادة مطلع ... أبت في سوى برج السعادة تطلع
معارج فضل ليس يرقى سنامها ... سوى مفرد في عزه ليس يشفع
سما أفقها السامي أولو المجد والوفا ... وصد سواهم عن سناها وصدعوا
كواكب هدي قد أضاء بنورهم ... سبيل لمن يبغي الرشاد ومهيع
هم السادة الأمجاد والقادة الألى ... بكل كمال جلببوا وتدرعوا
هم الشاربو راح التقرب والصفا ... وكأسهم الأصفى مدى الدهر مترع
وهي طويلة، ولم تزل كؤوس فضله على الطلبة مجلوة، حتى ورد موارد الموت فبدلت بالكدر صفوه، وأي صفاه لا يكدره الدهر، ولم يرشقه بسهام فصم العمر، فدعاه الله تعالى إلى الجنان، وتلقاه جيش الرحمة والرضوان، وذلك في حادي وعشرين من شعبان سنة ثمان ومائتين وألف ودفن بمدفن عمه الشيخ العريان، تغمدهما الله بالرحمة والرضوان. ومن تآليفه شرح على نظم التنوير، في إسقاط التدبير للشيخ الملوي، وحاشية علي الملوي على السمرقندية وغير ذلك. ورثاء الشيخ إسماعيل الخشاب بقوله:
تغير وجه الدهر وازور جانبه ... وجاءت بأشراط المعاد عجائبه
وكدر صفو العيش وقع خطوبه ... وقد كان ورداً صافيات مشاربه
فما لي لا أذري المدامع حسرة ... وافق سماء المجد تهوي كواكبه
وما لي لا أبكي على فقد ذاهب ... موصلة لله كانت مذاهبه
إمام هدى للهدى كان انتدابه ... فلا كان يوم فيه قامت نوادبه
أغرسني شمس الضحى دون وجهه ... وفوق مناط الفرقدين مراتبه
حليف ندى كالسيل سيب يمينه ... وكالبحر تجري للعفاة مواهبه
أخو ثقة بالله في كل موطن ... على أنه ما انفك خوفاً يراقبه
له عفو ذي حلم ورأي أخي نهى ... يضيء لدى محلولك الخطب ثاقبه
على نهج أهل الرشد عاش وقد مضى ... مطهرة أردانه وجلاببه
فمن ذا الذي ندعو لكل ملمة ... ونرجو إذا ما الأمر خيف عواقبه
ومن ذا لإيضاح المسائل بعده ... وحل عرى ما قبل أعيت مطالبه
لقد هد ركن الدين حادث فقده ... وشابت له من كل طفل ذوائبه
وصدع أركان العلا وتقوضت ... لذاك عروش الغير ثم جوانبه
وغادر ضوء الصبح أسود حالكاً ... كأن الدجى ليست تزول غياهبه
ألم تر أن الأرض مادت بأهلها ... وإن الفرات العذب قد غص شاربه
سطت نوب الأيام بالعلم الذي ... تزال به عن كل شخص نوائبه
عجبت لهم أنى أقلوا سريره ... وقد ضم طوداً أي طود يقاربه
وكيف ثوى البحر الخضم بحفرة ... وضاق بجدواه الفضا وسباسبه
خليلي قوما فابكيا لمصابهبمتهل مع ليس ترقا سواكبه
لقد آد إذ أودى وأعقب مذ مضى ... أسى يجعل الأحشا جذاذاً تعاقبه
وأي شهاب ليس يخبو ضياؤه ... وأي حسام لا تفل مضاربه
وأي فتى أيدي المنية أفلتت ... وأي فتى وافته يوماً مآربه
وماذا عسى تبغي من الدهر بعدما ... أصمت وأصمت كل قلب مصائبه
يعز علينا أن نراه ببرزخ ... تمازج ترب الأرض فيه ترائبه
سقى قبره الغيث الملث وأمطرت ... عليه من الرضوان سحاً سحائبه
وحل بفردوس الجنان منعماً ... ولاقته فيه حوره وكواعبه
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.
الشيخ العروسي
هو الإمام الشيخ أحمد بن موسى بن داود أبو الصلاح العروسي الشافعي، ولد بقرية منية عروس التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية، وكان مولده عام 1133هـ = 1720م، وينسب الشيخ إلى قريته التي نشأ فيها محباً لشتى المعارف والعلوم.
وكانت عائلة الشيخ العروسي ذات شهرة واسعة، ونفوذ قوي، ومكانة رفيعة، وكان رجالها من أهل الحل والعقد في البلاد.
وقد ظل الشيخ في قريته صدراً من شبابه ودرس العلوم الدينية واللغوية كما درس العلوم الرياضية، وأخذ الطريقة الصوفية عن السيد مصطفى البكري ولازمه، وتلقن منه الذكر ثم وفد إلى الأزهر، وتلقى العلوم على كبار شيوخه فسمع البخاري بالمشهد الحسيني من الشيخ أحمد الملوي، ودرس تفسير الجلالين والبيضاوي على يد الشيخ عبد الله الشبراوي، ثم سمع من الشيخ الحفني البخاري وشرحه للقسطلاني - مرة ثانية - ومختصر ابن أبي جمرة، والشمائل النبوية للترمذي، وشرح ابن حجر للأربعين النووية، والجامع للسيوطي، كما تفقه وتعلم على الشيخ النبراوي، والشيخ العزيزي، والشيخ علي قايتباي الأطفيحي، والشيخ حسن المدباغي، والشيخ سابق، والشيخ عيسى البراوي، والشيخ عطية الأجهوري.
كما تلقى سائر العلوم على الشيخ علي بن أحمد الصعيدي، ولازمه سنوات عديدة وكان معيداً لدروسه، وأفادوا منه كثيراً، وسمع من الشيخ ابن الطيب، والشيخ يوسف الحفني، والشيخ إبراهيم الحلبي، والشيخ إبراهيم بن محمد الدلجي، كما لازم الشيخ حسن الجبرتي - والد المؤرخ الكبير الشيخ عبد الرحمن الجبرتي - وقرأ عليه في الرياضيات، والجبر، والمقابلة، وكتاب الرقائق للسبط، وكفاية القنوع والهداية، وقاضي زاده وغيرها، ثم اتصل بالعلامة الشيخ أحمد العريان الذى أحبه واعتنى به وزوجه إحدى بناته، وبشره بالسيادة، وبأنه سيصبح شيخاً للجامع الأزهر، وتحققت هذه البشارة بعد وفاته.
وجد الشيخ العروسي في تحصيل العلم حتى احتل الصدارة بين علماء عصره، وصار من كبار علماء الشافعية في وقته عانى الشيخ العروسي كثيراً في حياته، مثلما حدث حينما مرض الشيخ الدمنهوري مرض الموت، وتطلع الشيخ عبد الرحمن العريشي شيخ الحنفية لمشيخة الأزهر وزعم أن الشيخ الدمنهوري جعله وكيلاً عنه وتقرب إلى الأمراء، وأعلن نفسه شيخاً للأزهر عقب وفاة الشيخ الدمنهوري، وكاد يتم الأمر له لولا أن علماء الشافعية ثاروا وتصدوا لذلك، واتفقوا على اختيار الشيخ العروسي لهذا المنصب، وعارضهم إبراهيم بك شيخ البلد، فثار العلماء لذلك واعتصموا بمسجد الإمام الشافعي وتجمع معهم عامة الشعب والتفوا حولهم وكادت الفتنة تندلع، وحدثت مشاغبات كثيرة استمرت سبعة أشهر استقر الأمر بعدها للشيخ العروسي، ولزم الشيخ العريشي بيته حتى مات.
كان الشيخ معروفاً بالإقدام والجرأة على الأمراء والحكام خاصة فيما يتصل بأمور الناس والصالح العام، وكان مع ذلك رقيق الطبع هادئاً، مهذباً، لطيفاً، متواضعاً، كثير الرفق بالناس، وكان قوالاً للحق ملتزماً به، وأصبحت له منزلة عظيمة بعلمه وتسامحه وتقواه، وكان كثيراً ما يتدخل لتصفية الخلافات بين المتنازعين وكان الأمراء يستشيرونه ويستفتونه في أمورهم، وكان لا يتردد في نصيحتهم، ولومهم أحيانا وقد كان يعطف على الطلبة لدرجة جعلت الجبرتي يقول: ولم تزل كؤوس فضله مجلوة حتى ورد موارد الموات.
وللشيخ العروسي مواقف رائعة ضد الأمراء دفاعاً عن مصلحة الشعب فقد حدث أن اشتد الغلاء واشتكى الناس من الجوع والفقر، فذهب الشيخ إلى الوالي حسن باشا وقال له: في زمن العصاة كان الأمراء ينهبون ويأخذون الأشياء من غير ثمن، والحمد لله ارتفع هذا الأمر من مصر بوجودكم، وما عرفنا أي شيء يستوجب هذا الغلاء...وحدث أن تشاور الوالي معه ومع بعض الأمراء واتفقوا على وضع تسعيرة للخبز واللحم والسمن وغيرها من أقوات الشعب، وأعلنوا التسعيرة الجديدة تخفيفاً للمعاناة واحتراماً لمكانة الشيخ الذي تصدى للفساد وظل الشيخ مع مسئولياته العديدة يدرس لطلبته ويفيدهم.
ويقول الجبرتي في ذلك: رقيق الطباع، مليح الأوضاع، لطيفا، مهذبا، إذا تحدث نفث الدر، وإذا الفتنة اشتعلت لقيت من لطفه ما ينعش ويسر، ولم يشتغل بالتأليف إلا قليلاً لاشتغاله بالتدريس، ولازمت - أي الجبرتي - دروسه في المغني لابن هشام بتمامه - وشرح جمع الجوامع للجلال المحلى والمطول وعصام على السمرقندية، وشرح رسالة الوضع، وشرح الورقات وغير ذلك وكان الشيخ يدرس النحو، وأصول الفقه، والبلاغة، والوضع، وكان ينظم الشعر وله موشحات رقيقة مثل:
ماشي غصن البان زاهي الخد بين أفنان النقا والورد وأثيلات الربا
خلت بدراً فوق غصن مائس قد أمالته نسيمـات الصبـــــا
وقد مدح الشيخ العروسي الكثيرون في حياته، وحينما تصدر للتدريس جلس إليه الكثير من طلاب العلم، وتخرجوا على يديه، وكان لهم مثلاً أعلى في الأخلاق والعلم والسماحة، ورقة الطبع ومن مؤلفات الشيخ تذكر:
- شرح على نظم التنوير في إسقاط التدبير للشيخ الملوي في التصوف.
- حاشية على الملوى على السمرقندية في البلاغة.
وقد توفى الشيخ الإمام أحمد بن موسى العروسي في اليوم الحادي والعشرين من شهر شعبان سنة، 1208هـ = 1794م، وصلى عليه بالجامع الأزهر في مشهد حافل عظيم يليق بما كان له، ودفن بمدفن صهره الورع الشيخ العريان، وقد أعقب أبناء سادة أصبح لكل منهم شأنه وهم:
الشيخ محمد الذي جلس مكان أبيه في الأزهر للتدريس، واختير بعد ذلك شيخاً للأزهر عام1234هـ = 1818م والسيد أحمد والسيد مصطفى.
وقد رثاه الشعراء والعلماء والشيوخ، وكان على رأسهم شاعر عصره السيد اسماعيل الشهير بالخشاب الذي صاغ قصيدة طويلة في رثاء الشيخ العروسي يقول فيها
تغير وجه الدهر وازور جانبه وجاءت بأشراط المعاد عجائبه
فما لى لا أذري المداع حسرة وأفق سماء المجد تهوى كواكبه
****
إمام هدى للهدى كان انتدابـــــــــه فلا كان يوم فيه قامت نــواد به
حليف ندى كالسيل سيب يمينه وكالبحر تجرى للعفاة مواهبه
أخو ثقة بالله في كل موطن على أنه ما أنفك – خوفا - يراقبه
له عفو ذي حلم، ورأى أخر نهى يضيء لدى محلولك الخطب ثاقبه
على نهج أهل الرشد عاش وقد مضى مطهرة أردنه وجلاببه
فمن ذا الذي ندعو لكل ملمة ونرجو إذا ما الأمر خفيت عواقبه
ومن ذا الإيضاح المسائل بعــــــــــده وجل عرا ما قيل أعيت مطالبه
شيوخ الأزهر تأليف أشرف فوزي صالح ج/2 – ص5