الإمام العروسي.
هو الإمام محمد بن الإمام الشيخ أحمد بن موسى بن داود أبو الصلاح العروسي الشافعي، وأبوه هو الإمام الشيخ أحمد العروسي الشيخ الحادي عشر للجامع الأزهر.
تعلم الإمام محمد العروسي على يد والده الذي أعطاه جل ما عنده من علمه الفياض، وثقافته الواسعة الجامعة، وكان الإمام محمد العروسي ذكياً نجيباً، ظهرت براعته في تلقى العلوم، كما ظهرت بعد ذلك في تدريسها، وظل يتلقى العلم على والده وشيوخ عصره الكبار، فلما مات والده حل مكانه في التدريس لمكانته العلمية الكبيرة، فجمع عدداً كبيراً من الطلبة حوله أضافهم إلى تلاميذ أبيه الذى أخذ مكانه في تعليمهم، وكان محباً لعلمه، ولمهنة التدريس، شغوفاً بها لدرجة جعلته يواصل التدريس طيلة حياته من الصباح حتى المساء، ولهذا الأمر أثره على التأليف والكتابة في حياته.
امتاز الإمام محمد العروسي بالمرونة واللباقة والذكاء، فكان لذلك محلاً للثقة والتوسط في الخلافات.
ولي مشيخة الأزهر عقب وفاة الشيخ الشنواني بإجماع العلماء، وموافقة محمد علي والي مصر الذي لم يجد للإمام العروسي بديلاً يتقلد عنه هذا المنصب وللإمام العروسي مواقف فريدة أثبت فيها لباقته، يحكي الجبرتي عن ذلك في كتابه عجائب الآثار فيقول: إن الشيخ إبراهيم المالكي الشهير بإبراهيم باشا قرأ في درس الفقه أن ذبيحة أهل الكتاب في حكم الميتة لا يجوز أكلها، فلما سمع الفقهاء ذلك أنكروه، ثم تكلموا مع الشيخ إبراهيم وعارضوا فقال: أنا لم أذكر ذلك بفهمي وعلمي وإنما تلقيته عن الشيخ علي الميلي المغربي وهو رجل عالم متورع موثوق بعلمه، وانتهى الأمر إلى الباشا - بعد أن حدثت ضجة كبرى - بسبب هذا، فأمر الباشا كتخدا بك بأن يجمع كبار المشايخ والعلماء للنظر في هذا الموضوع وأحضر كتخدا بك المشايخ وعرض عليهم الأمر، وطلب رأيهم، وهنا يظهر الشيخ الإمام محمد العروسي ويتدخل بلباقته وحسن حضوره ويقول: إن الشيخ علي الميلي رجل من العلماء تلقى العلم على علمائنا ومشايخنا، ومشايخهم - ويقصد المشايخ المغاربة - ولا ينكر علمه وفضله، ولكنه حاد المزاج، لذا فالأولى أن يُجتمع به أولاً ونتدارس في مجلس غير هذا، وننهي الأمر في هذه المسألة.
واجتمع العلماء في اليوم التالي وأرسلوا للشيخ على المغربي لكنه رفض الحضور وقال: لا أجلس مع الغوغاء، ومن الممكن أن أقبل الحضور بشرط أن يكون المجلس خاصاً يحضره حسن القويسني، والشيخ حسن العطار فقط وهنا ثار العلماء وطلبوا من الآغا أن يذهب إلى بيت الشيخ المغربي ويرغمه على حضور مجلس العلماء، فلما شعر الشيخ المغربي بذلك اختفى، واضطر الآغا إلى إخراج أهل بيته من بيتهم وإغلاقه ليتسنى له العثور على الشيخ المغربي، ولكن الشيخ علي المغربي ظل مختفياً، وعلم الوالي بذلك فأصدر قراراً بنفي الشيخ إبراهيم تلميذ الشيخ المغربي إلى بنغازي.
وعمل الشيخ العروسي على تهدئة العلماء، وتخفيف الأمر عند الوالي، ليجنب الشيخ المغربي الانتقام الذي كان ينتظره سواء من العلماء أو من الوالي، وأيضاً ليجعل الأمر بعيداً عن الانتقامات الشخصي، ويكون الأمر من أجل إظهار الحقيقة بالبحث العلمي الموضوعي.
كان الشيخ العروسي موضع احترام العلماء والطلاب، والوالي، والأمراء، كما كان موضع تكريمهم، وإجلالهم، وذلك لفضله وعلمه، وعراقة أصله وأنه من بيت علم رفيع المستوى.
لم يترك الشيخ مصنفات خاصة به لانشغاله بالتدريس وشغفه به طول الوقت، وظل على حبه للتدريس إلى أن وافاه أجله عام 1245هـ، تاركاً خلفه جموعاً تلهث باسمه وتتحاكى في ثراء علمه وأخلاقه ولباقته.
شيوخ الأزهر تأليف أشرف فوزي صالح ج/2 – ص27-28.