أحمد بن عمر بن سريج البغدادي أبي العباس

باز أشهب أحمد

تاريخ الولادة249 هـ
تاريخ الوفاة306 هـ
العمر57 سنة
مكان الولادةبغداد - العراق
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • شيراز - إيران
  • بغداد - العراق

نبذة

أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، أبو العباس: فقيه الشافعية في عصره. مولده ووفاته في بغداد. له نحو 400 مصنف، وكان يلقب بالباز الأشهب. ولي القضاء بشيراز، وقام بنصرة المذهب الشافعيّ فنشره في أكثر الآفاق، حتى قيل: (بعث الله عمر بن عبد العزيز على رأس المئة من الهجرة فأظهر السنة وأمات البدعة، ومن الله في المئة الثانية بالإمام الشافعيّ فأحيى السنة وأخفى البدعة، ومن بابن سريج في المئة الثالثة فنصر السنن وخذل البدع .

الترجمة

أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، أبو العباس: فقيه الشافعية في عصره. مولده ووفاته في بغداد. له نحو 400 مصنف، منها (الأقسام والخصال - خ) في شستربتي (5115) و (الودائع لمنصوص الشرائع - خ) جزء لطيف في ابتداء المجموعة 250 كتاني، في خزانة الرباط. وكان يلقب بالباز الأشهب. ولي القضاء بشيراز، وقام بنصرة المذهب الشافعيّ فنشره في أكثر الآفاق، حتى قيل: بعث الله عمر بن عبد العزيز على رأس المئة من الهجرة فأظهر السنة وأمات البدعة، ومن الله في المئة الثانية بالإمام الشافعيّ فأحيى السنة وأخفى البدعة، ومن بابن سريج في المئة الثالثة فنصر السنن وخذل البدع. وكان حاضر الجواب له مناظرات ومساجلات مع محمد بن داود الظاهري. وله نظم حسن .

-الاعلام للزركلي-

 

 

القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج: مات ببغداد سنة ست وثلاثمائة ، وكان من عظماء الشافعيين وأئمة المسلمين وكان يقال له الباز الأشهب، وولي القضاء بشيراز وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني. وسمعت شيخنا أبا الحسن الشيرجي الفرضي صاحب أبي الحسين ابن اللبان الفرضي يقول: إن فهرست كتب أبي العباس يشتمل على أربعمائة مصنف، وقام بنصرة  هذا المذهب ورد على المخالفين وفرع على كتب محمد بن الحسن. وكان الشيخ أبو حامد يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون الدقائق.

وأخذ العلم عن أبي القاسم الأنماطي، وأخذ عنه فقهاء الإسلام وعن انتشر فقه الشافعي في أكثر الآفاق وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود، وحكى أنه قال له أبو بكر يوماً: أبلعني ريقي، فقال له أبو العباس: أبعلتك دجلة؛ وقال له يوماً: أمهلني ساعة، فقال: أمهلتك من الساعة إلى أن تقوم الساعة؛ وقال له يوماً: أكلمك من الرجل وتجيبني من الرأس؟ فقال له أبو العباس: هكذا البقر إذا حفيت أظلافها دهت قرونها.

- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

 

ابن سريج
أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، الفقيه الشافعي؛ قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في حقه في كتاب الطبقات: كان من عظماء الشافعيين، وأئمة المسلمين، وكان يقال له: الباز الأشهب، ولي القضاء بشيراز، وكان يفضل على جميع أصحاب الإمام الشافعي، حتى على المزني، وإن فهرست كتبه كانت تشتمل على أربعمائة مصنف، وقام بنصرة مذهب الشافعي ورد على المخالفين، وفرع على كتب محمد بن الحسن الحنفي.
وكان الشيخ أبو حامد الإسفرايني يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون دقائقه، وأخذ الفقه عن أبي القاسم الأنماطي، وعنه أخذ فقهاء الإسلام، ومنه انتشر مذهب الشافعي في أكثر الآفاق.
وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود الظاهري، وحكي أنه قال له أبو بكر يوماً أنت تقول بالظاهر، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، فمن يعمل نصف مثقال فسكت محمد طويلا، فقال له أبو العباس لم لا تجيب فقال أبلعني ريقي، فقال له أبو العباس: أبلعتك دجلة، وقال له يوماً: أمهلني ساعة، فقال: أمهلتك من الساعة إلى أن تقوم الساعة، وقال له يوماً: أكلمك من الرجل فتجيبني من الرأس، فقال له: هكذا البقر، إذا حفيت أظلافها دهنت قرونها.
وكان يقال له في عصره: إن الله بعث عمر بن عبد العزيز على رأس المائة من الهجرة، أظهر كل سنة وأمات كل بدعه، ومن الله تعالى على رأس المائتين بالإمام الشافعي حتى أظهر السنة وأخفى البدعة، ومن الله تعالى بك على رأس الثلثمائة حتى قويت كل سنة وضعفت كل بدعة، وكان له مع فضائله نظم حسن.
وتوفي لخمس بقين من جمادى الأولى سنة ست وثلثمائة، وقيل: يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول ببغداد، ودفن في حجرته بسويقة غالب بالجانب الغربي بالقرب من محلة الكرخ، وعمره سبع وخمسون سنة وستة أشهر، رحمه الله تعالى. وقبره ظاهر في موضعه يزار، ولم يبق عنده عمارة ولا قبر، بل هو منفرد هناك.
رأى أبو العباس المذكور في مرضه الذي مات فيه كأن القيامة قد قامت وإذا الجبار سبحانه يقول: أين العلماء فجاءوا؛ فقال: ماذا عملتم في ما عملتم فقالوا: يارب قصرنا وأسأنا، فأعاد السؤال كأنه لم يرضى به، وأراد جوابا آخر، فقلت: أما أنا فليس في صحيفتي الشرك وقد وعدت أن تغفر ما دونه، فقال: اذهبوا فقد غفرت لكم؛ ومات بعد ذلك بثلاثة أيام، رحمه الله تعالى .
وكان جده سريج رجلاً مشهوراً بالصلاح الوافر - وهو بضم السين المهملة وفتح الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها والجيم - ورأيت في بعض الأجزاء أنه كان أعجمياً لايعرف بالعربية شيئاً، وأنه رأى الباري سبحانه وتعالى في النوم وحادثه وقال له في الآخر: ياسريج طلب كن، فقال: ياخدا سر بسر، قالها ثلاثا، وهذا لفظ عجمي معناه بالعربية: ياسريج اطلب، فقال: يارب رأس برأس، كما يقال: رضيت أن أخلص رأسا برأس، ثم وجدت في تاريخ بغداد أن صاحب المنام المذكورهو سريج بن يونس بن إبراهيم بن الحارث المروزي الزاهد العابد صاحب الكرامات، وكانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة خمس وثلاثين ومائتين ببغداد، رحمه الله تعالى، ورأيت بالمنام جزءا منفردا متصل السماع بالإسناد إلى سريج المذكور، والقول الأول كنت سمعته من بعض المشايخ. والله أعلم

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

أَحْمد بن عمر بن سُرَيج القاضي أَبِي الْعَبَّاس البغدادي
الباز الْأَشْهب والأسد الضارى على خصوم الْمَذْهَب شيخ الْمَذْهَب وحامل لوائه والبدر الْمشرق فى سمائه والغيث المغدق بروائه لَيْسَ من الْأَصْحَاب إِلَّا من هُوَ حائم على معينه هائم من جَوْهَر بحره بثمينه انْتَهَت إِلَيْهِ الرحلة فَضربت الْإِبِل نَحوه آباطها وعلقت بِهِ العزائم مناطها وأتته أَفْوَاج الطّلبَة لَا تعرف إِلَّا نمارق البيد بساطها
تفقه على أَبى الْقَاسِم الأنماطى
وَسمع الْحسن بن مُحَمَّد الزعفرانى وعباس بن مُحَمَّد الدورى وَأَبا دَاوُد السجستانى وعَلى بن إشكاب وَغَيرهم

روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم الطبرانى الْحَافِظ وَأَبُو الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْفَقِيه وَأَبُو أَحْمد الغطريفى وَغَيرهم
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ يُقَال لَهُ الباز الْأَشْهب وَولى الْقَضَاء بشيراز
قَالَ وَكَانَ يفضل على جَمِيع أَصْحَاب الشافعى رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِم حَتَّى على المزنى
قلت أَحسب أَن ولَايَته الْقَضَاء كَانَت فى مبادى شَأْنه وَأما بِالآخِرَة فقد سمر على بَابه ليلى قَضَاء الْقُضَاة فَامْتنعَ كَمَا سنحكى ذَلِك فى فصل الْفَوَائِد عَنهُ
وَمن كَلَام الشَّيْخ أَبى حَامِد الإسفراينى نَحن نجرى مَعَ أَبى الْعَبَّاس فى ظواهر الْفِقْه دون دقائقه
وَقَالَ أَبُو عَاصِم العبادى ابْن سُرَيج شيخ الْأَصْحَاب وَمَالك الْمعَانى وَصَاحب الْأُصُول وَالْفُرُوع والحساب
وَقَالَ أَبُو حَفْص المطوعى ابْن سُرَيج سيد طبقته بإطباق الْفُقَهَاء وأجمعهم للمحاسن باجتماع الْعلمَاء ثمَّ هُوَ الصَّدْر الْكَبِير والشافعى الصَّغِير وَالْإِمَام الْمُطلق والسباق الذى لَا يلْحق وَأول من فتح بَاب النّظر وَعلم النَّاس طَرِيق الجدل
وَقَالَ الإِمَام الضياء الْخَطِيب وَالِد الإِمَام فَخر الدّين فى كِتَابه غَايَة المرام إِن أَبَا الْعَبَّاس كَانَ أبرع أَصْحَاب الشافعى فى علم الْكَلَام كَمَا هُوَ أبرعهم فى الْفِقْه
وَقَالَ أَبُو على بن خيران سَمِعت ابْن سُرَيج يَقُول رَأَيْت كَأَنَّمَا مُطِرْنَا كبريتا أَحْمَر فملأت أكمامى وحجرى فَعبر لى أَن أرزق علما عَزِيزًا كعزة الكبريت الْأَحْمَر وَعَن ابْن سُرَيج يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بالشافعى وَقد تعلق بالمزنى يَقُول رب هَذَا قد أفسد علومى فَأَقُول أَنا مهلا بأبى إِبْرَاهِيم فإنى لم أزل فى إصْلَاح مَا أفْسدهُ
وروى الْخَطِيب أَن أَبَا الْعَبَّاس قَالَ فى علته الَّتِى مَاتَ فِيهَا أريت البارحة فى الْمَنَام كَأَن قَائِلا يَقُول لى هَذَا رَبك تَعَالَى يخاطبك قَالَ فَسمِعت الْخطاب ب {مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين} فَقلت بِالْإِيمَان والتصديق قَالَ فَقيل ب {مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين} قَالَ فَوَقع فى قلبى أَنه يُرَاد منى زِيَادَة فى الْجَواب فَقلت بِالْإِيمَان والتصديق غير أَنا أصبْنَا من هَذِه الذُّنُوب فَقَالَ أما إنى سَأَغْفِرُ لَك
وفى رِوَايَة رَوَاهَا التنوخى عَن بعض أَصْحَاب ابْن سُرَيج قَالَ لنا ابْن سُرَيج يَوْمًا أَحسب أَن الْمنية قد قربت فَقُلْنَا وَكَيف قَالَ رَأَيْت البارحة كَأَن الْقِيَامَة قَامَت وَالنَّاس قد حشروا وَكَأن مناديا يُنَادى بِمَ أجبتم الْمُرْسلين فَقلت بِالْإِيمَان والتصديق فَقَالَ مَا سئلتم عَن الْأَقْوَال بل سئلتم عَن الْأَعْمَال فَقلت أما الْكَبَائِر فقد اجتنبناها وَأما الصَّغَائِر فعولنا فِيهَا على عَفْو الله وَرَحمته فَقُلْنَا لَهُ مَا فى هَذَا مَا يقتضى سرعَة الْمَوْت فَقَالَ أما سَمِعْتُمْ قَوْله {اقْترب للنَّاس حسابهم} قَالَ فَمَاتَ بعد ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا
وَمِمَّنْ سمع هَذَا الْمَنَام من ابْن سُرَيج أَبُو بكر الفارسى صَاحب عُيُون الْمسَائِل وَرَوَاهُ عَنهُ
ولأبى الْعَبَّاس مصنفات كَثِيرَة يُقَال إِنَّهَا بلغت أَرْبَعمِائَة مُصَنف وَلم نقف إِلَّا على الْيَسِير مِنْهَا وقفت لَهُ على كتاب فى الرَّد على ابْن دَاوُد فى الْقيَاس وَآخر فى الرَّد عَلَيْهِ فى مسَائِل اعْترض بهَا الشافعى وَهُوَ حافل نَفِيس وَأما كتاب الْخِصَال الْمَنْسُوب إِلَيْهِ فقليل الجدوى وعندى أَنه لِابْنِهِ أَبى حَفْص عمر بن أَبى الْعَبَّاس
وَقد نَاظر أَبُو الْعَبَّاس الإِمَام دَاوُد الظاهرى وَأما ابْنه مُحَمَّد بن دَاوُد فلأبى الْعَبَّاس مَعَه المناظرات الْمَشْهُورَة والمجالس المروية وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس يستظهر عَلَيْهِ
وَحكى أَن ابْن دَاوُد قَالَ لَهُ يَوْمًا أبلعنى ريقى فَقَالَ أبلعتك دجلة
وَأَنه قَالَ لَهُ يَوْمًا أمهلنى سَاعَة فَقَالَ أمهلتك من السَّاعَة إِلَى قيام السَّاعَة
وَمَات مُحَمَّد بن دَاوُد قبله فيحكى أَن أَبَا الْعَبَّاس نحى مخادة ومساوره وَجلسَ للتعزية عِنْد مَوته وَقَالَ مَا آسى إِلَّا على تُرَاب أكل لِسَان مُحَمَّد بن دَاوُد
قلت كَذَا لفظ الْحِكَايَة وَلَعَلَّه من المقلوب وَالْمعْنَى إِلَّا على لِسَان مُحَمَّد بن دَاوُد كَيفَ أكله التُّرَاب وَقد جوزت النُّحَاة رفع الْمَفْعُول بِهِ وَنصب الْفَاعِل عِنْد أَمن اللّبْس وأنشدوا عَلَيْهِ
(مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نَجْرَان أَو بلغت سوآتهم هجر)
رفع الْمَفْعُول وَهُوَ هجر لِأَنَّهَا المبلوغة وَنصب الْفَاعِل وَهُوَ السوآت لِأَنَّهَا الْبَالِغَة لأمن اللّبْس
وَمن هَذَا قَول الشَّاعِر أَيْضا
(إِن سِرَاجًا لكريم مفخره ... تحلى بِهِ الْعين إِذا مَا تجهره)
أى تحلى الْعين بِهِ

قَالُوا وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى {مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة} وَقَول الْعَرَب خرق الثَّوْب المسمار
وَيحْتَمل أَن تكون على فى الْحِكَايَة حرف تَعْلِيل وَالْمعْنَى بِسَبَب تُرَاب أكل لِسَان ابْن دَاوُد على حد قَول الشَّاعِر
(علام تَقول الرمْح أثقل عاتقى ... إِذا أَنا لم أطعن إِذا الْخَيل كرت)
وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} أى لهدايته إيَّاكُمْ
قَالَ بَعضهم اجْتمع ابْن سُرَيج وَمُحَمّد بن دَاوُد فاحتج ابْن دَاوُد على أَن أم الْوَلَد تبَاع قَالَ أجمعنا أَنَّهَا كَانَت أمة تبَاع فَمن ادّعى أَن هَذَا الحكم يَزُول بولادتها فَعَلَيهِ الدَّلِيل
فَقَالَ لَهُ ابْن سُرَيج وأجمعنا على أَنَّهَا لما كَانَت حَامِلا لَا تبَاع فَمن ادّعى أَنَّهَا تبَاع إِذا انْفَصل الْحمل فَعَلَيهِ الدَّلِيل فبهت أَبُو بكر
قَالَ أَبُو الْوَلِيد النيسابورى الْفَقِيه سَمِعت ابْن سُرَيج يَقُول قل مَا رَأَيْت من المتفقهة من اشْتغل بالْكلَام فأفلح يفوتهُ الْفِقْه وَلَا يصل إِلَى معرفَة الْكَلَام
وَقدمنَا فى خطْبَة هَذَا الْكتاب الْحِكَايَة الْمَشْهُورَة عَن ابْن سُرَيج وَأَن شَيخنَا قَامَ فى مَجْلِسه وَقَالَ أبشر أَيهَا القاضى. . الْحِكَايَة وفيهَا أَن ذَلِك كَانَ سنة ثَلَاث وثلاثمائة
وَاعْلَم أَن وَفَاة ابْن سُرَيج كَانَت سنة سِتّ وثلاثمائة بِإِجْمَاع وَهُوَ عَالم ذَلِك الْقرن فِيمَا قَالَه جمَاعَة وَقد تقدم فى الْخطْبَة اسْتِيعَاب القَوْل فى ذَلِك وَكَانَ شَيخنَا الذهبى يَقُول الذى أعتقده فى حَدِيث يبْعَث الله من يجدد أَن من للْجمع لَا للمفرد
وَيَقُول مثلا على رَأس الثلاثمائة ابْن سُرَيج فى الْفِقْه والأشعرى فى أصُول الدّين والنسائى فى الحَدِيث وعَلى الستمائة مثلا الْحَافِظ عبد الْغنى فى الحَدِيث وَالْإِمَام فَخر الدّين فى الْكَلَام وَنَحْو هَذَا
قَالَ الْخَطِيب بلغ سنّ ابْن سُرَيج فِيمَا بلغنى سبعا وَخمسين سنة وَسِتَّة أشهر
أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الْمُسلم بن مُحَمَّد ابْن عَلان القيسى إجَازَة أخبرنَا زيد بن الْحسن أَبُو الْيمن الكندى أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ أخبرنَا على بن المحسن التنوخى أخبرنَا أَبى حَدثنِي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن البخترى القاضى الداوودى حَدَّثَنى أَبُو الْحسن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْمُغلس الداوودى قَالَ كَانَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن دَاوُد وَأَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج إِذا حضرا مجْلِس القاضى أَبى عمر يعْنى مُحَمَّد بن يُوسُف لم يجر بَين اثْنَيْنِ فِيمَا يتفاوضانه أحسن مِمَّا يجرى بَينهمَا وَكَانَ ابْن سُرَيج كثيرا مَا يتَقَدَّم أَبَا بكر فى الْحُضُور فى الْمجْلس فتقدمه أَبُو بكر يَوْمًا فَسَأَلَهُ حدث من الشافعيين عَن الْعود الْمُوجب لِلْكَفَّارَةِ فى الظِّهَار مَا هُوَ فَقَالَ إِنَّه إِعَادَة القَوْل ثَانِيًا وَهُوَ مذْهبه وَمذهب دَاوُد فطالبه بِالدَّلِيلِ فشرع فِيهِ وَدخل ابْن سُرَيج فاستشرحهم مَا جرى فشرحوه فَقَالَ ابْن سُرَيج لِابْنِ دَاوُد أَولا يَا أَبَا بكر أعزّك الله هَذَا قَول من من الْمُسلمين تقدمكم فِيهِ فاستشاط أَبُو بكر من ذَلِك وَقَالَ أتقدر أَن من اعتقدت أَن قَوْلهم إِجْمَاع فى هَذِه الْمَسْأَلَة إِجْمَاع عندى أحسن أَحْوَالهم أَن أعدهم خلافًا وهيهات أَن يَكُونُوا كَذَلِك فَغَضب ابْن سُرَيج وَقَالَ أَنْت يَا أَبَا بكر بِكِتَاب الزهرة أمهر مِنْك فى هَذِه الطَّرِيقَة فَقَالَ أَبُو بكر وبكتاب الزهرة تعيرنى وَالله مَا تحسن تستتم قِرَاءَته قِرَاءَة من يفهم وَإنَّهُ لمن أحد المناقب إِذْ كنت أَقُول فِيهِ
(أكرر فى روض المحاسن مقلتى ... وَأَمْنَع نفسى أَن تنَال محرما)
(وينطق سرى عَن مترجم خاطرى ... فلولا اختلاسى رده لتكلما)
(رَأَيْت الْهوى دَعْوَى من النَّاس كلهم ... فَمَا إِن أرى حبا صَحِيحا مُسلما)
فَقَالَ لَهُ ابْن سُرَيج أَو على تَفْخَر بِهَذَا القَوْل وَأَنا الذى أَقُول
(ومساهر بالغنج من لحظاته ... قد بت أمْنَعهُ لذيذ سناته)
(ضنا بِحسن حَدِيثه وعتابه ... وأكرر اللحظات فى وجناته)
(حَتَّى إِذا مَا الصُّبْح لَاحَ عموده ... ولى بِخَاتم ربه وبراته)
فَقَالَ ابْن دَاوُد لأبى عمر أيد الله القاضى قد أقرّ بالمبيت على الْحَال الَّتِى ذكرهَا وَادّعى الْبَرَاءَة مِمَّا يُوجِبهُ فَعَلَيهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة
فَقَالَ ابْن سُرَيج من مذهبى أَن الْمقر إِذا أقرّ إِقْرَارا وناطه بِصفة كَانَ إِقْرَاره موكولا إِلَى صفته
فَقَالَ ابْن دَاوُد للشافعى فى هَذِه الْمَسْأَلَة قَولَانِ
فَقَالَ ابْن سُرَيج فَهَذَا القَوْل الذى قلته اختيارى السَّاعَة
أخبرنَا جدى القاضى أَبُو مُحَمَّد عبد الكافى بن على بن تَمام السبكى تغمده الله برحمته بِقِرَاءَة أَبى رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَأَنا حَاضر أسمع أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحِيم بن يُوسُف ابْن خطيب المزة سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا عمر بن طبرزد حضورا فى الْخَامِسَة أخبرنَا أَبُو الْمَوَاهِب أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُلُوك الْوراق والقاضى أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الباقى بن مُحَمَّد الأنصارى قَالَا أخبرنَا القاضى الْجَلِيل أَبُو الطّيب طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر الطبرى الشافعى حَدثنَا أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الغطريف الغطريفى بجرجان سنة إِحْدَى وَسبعين وثلاثمائة حَدثنَا الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر بن سُرَيج حَدثنَا أَبُو يحيى الضَّرِير مُحَمَّد بن سعيد الْعَطَّار حَدثنَا عُبَيْدَة بن حميد حَدثنَا الْأَعْمَش عَن حبيب بن أَبى ثَابت عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا عَن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ قَالَ كنت رجلا مذاء وَكنت أَكثر الِاغْتِسَال فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (يَكْفِيك مِنْهُ الْوضُوء)
ذكر نخب وفوائد عَن أَبى الْعَبَّاس رضى الله عَنهُ
قَالَ شَيخنَا أَبُو حَيَّان رَحمَه الله فى الارتشاف ركب أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج مَا دخلت عَلَيْهِ لَو تركيبا غير عربى فَقَالَ
(وَلَو كلما كلب عوى ملت نَحوه ... أجاوبه إِن الْكلاب كثير)
(وَلَكِن مبالاتى بِمن صَاح أَو عوى ... قَلِيل فإنى بالكلاب بَصِير)
انْتهى
وَلم يبين وَجه خُرُوج أَبى الْعَبَّاس عَن اللِّسَان فى هَذَا فَإِن أَرَادَ تسليطه حرف لَو على الْجُمْلَة الإسمية فَهُوَ مَذْهَب كثير من النُّحَاة مِنْهُم الشَّيْخ جمال الدّين بن مَالك جوزوا أَن يَليهَا اسْم وَيكون مَعْمُول فعل مُضْمر مُفَسّر بِظَاهِر بعد الِاسْم
قَالَ فى التسهيل وَإِن وَليهَا اسْم فَهُوَ مَعْمُول فعل مُضْمر مُفَسّر بِظَاهِر بعد الِاسْم وَرُبمَا وَليهَا اسمان مرفوعان انْتهى
وَمِثَال مَا إِذا وَليهَا اسْم مَا روى فى الْمثل مثل قَوْلهم لَو ذَات سوار لطمتنى وَقَول عمر رضى الله عَنهُ لَو غَيْرك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة وَقَالَ الشَّاعِر
(أخلاى لَو غير الْحمام أَصَابَكُم ... عتبت وَلَكِن مَا على الدَّهْر معتب)

وَقَالَ آخر
(لَو غَيْركُمْ علق الزبير بحبله ... أدنى الْجوَار إِلَى بنى الْعَوام)
وَقَالَ آخر
(فَلَو غير أخوالى أَرَادوا نقيصتى ... جعلت لَهُم فَوق العرانين ميسما)
فالأسماء الَّتِى وليت لَو فى هَذَا كُله معمولة لفعل مُضْمر يفسره مَا بعده كَأَنَّهُ قَالَ وَلَو لطمتنى ذَات سوار لطمتنى وَكَذَا نقُول فى قَول ابْن سُرَيج وَلَو كلما كلب الْمَعْنى وَلَو كَانَ كلما كلب عوى وَيدل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {قل لَو أَنْتُم تَمْلِكُونَ خَزَائِن رَحْمَة رَبِّي إِذا لأمسكتم خشيَة الْإِنْفَاق}
وَلَا يلْزم من رد أَبى حَيَّان لهَذَا الْمَذْهَب ودعواه أَنه غير مَذْهَب الْبَصرِيين أَن يكون مردودا فى نَفسه
وَإِن أَرَادَ حذف الْجَواب إِذْ التَّقْدِير وَلَو كَانَ كلما عوى كلب ملت نَحوه كى أجاوبه لسئمت أَو تعبت أَو نَحْو ذَلِك لِأَن الْكلاب كثير فقد نَص هُوَ وَغَيره على جَوَاز حذف جَوَاب لَو لدلَالَة الْمَعْنى عَلَيْهِ وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على النَّار} وشواهده كَثِيرَة
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد النيسابورى يَقُول سَأَلت ابْن سُرَيج مَا معنى قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قل هُوَ الله أحد تعدل ثلث الْقُرْآن فَقَالَ إِن الْقُرْآن أنزل ثلثا مِنْهُ أَحْكَام وَثلثا مِنْهُ وعد ووعيد وَثلثا أَسمَاء وصفات وَقد جمع فِي {قل هُوَ الله أحد} الْأَسْمَاء وَالصِّفَات

قَالَ القاضى أَبُو على البندنيجى فى الذَّخِيرَة حكى عَن أَبى الْعَبَّاس ابْن سُرَيج أَنه كَانَ يُوصل المَاء إِلَى أُذُنَيْهِ تسع مَرَّات يغسلهما ثَلَاثًا مَعَ الْوَجْه وَيمْسَح عَلَيْهِمَا ثَلَاثًا مَعَ الرَّأْس ويفردهما بِالْمَسْحِ ثَلَاثًا
قلت وَقد اسْتحْسنَ النووى فى الرَّوْضَة صنع ابْن سُرَيج هَذَا وَغلط من غلطه فِيهِ وَنَظِيره مَا حَكَاهُ القاضى الْحُسَيْن فى تَعْلِيقه فى بَاب صَلَاة الْمُسَافِر عَنهُ ضمن فرع حسن
قَالَ القاضى رَحمَه الله بعد تعديد مسَائِل يسْتَحبّ فِيهَا الْخُرُوج من الْخلاف مَا نَصه فى الفصد والحجامة يسْتَحبّ لَهُ أَن يتَوَضَّأ إِذا صَار وضوءه خلقا بِأَن أدّى بِهِ فرضا أَو نَافِلَة فَأَما إِذا لم يؤد بِهِ شَيْئا فَلَا يسْتَحبّ لِأَن تَجْدِيد الْوضُوء مَكْرُوه قبل أَن يُؤدى بِالْأولِ صَلَاة مَا لِأَنَّهُ يُؤدى إِلَى الزِّيَادَة على الْأَرْبَع
ويحكى عَن ابْن سُرَيج أَنه كَانَ بعد مَا افتصد مس ذكره ثمَّ تَوَضَّأ وَهَذَا لَيْسَ بقوى لِأَنَّهُ لَا فرق عندنَا بَين مَا لَو أحدث أَو مس ذكره انْتهى
وَمَا ذكره من عدم اسْتِحْبَاب التَّجْدِيد إِذا لم يؤد بِهِ صَلَاة لِأَن الغسلة تصير رَابِعَة حكم ظَاهر وتعليل حسن
وَنَظِيره قَول الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد فى الفروق مَا نَصه إِذا تَوَضَّأ فَغسل وَجهه مرّة وَيَديه مرّة وَمسح رَأسه مرّة وَغسل رجلَيْهِ مرّة ثمَّ عَاد فَغسل وَجهه ثَانِيَة وَيَديه ثَانِيَة إِلَى آخرهَا ثمَّ فعل ذَلِك مرّة ثَالِثَة لم تجز انْتهى
وسنعيد للفرع ذكرا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فى تَرْجَمَة الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد
قَالَ أَبُو حَفْص المطوعى كَانَ على بن عِيسَى الْوَزير منحرفا عَن أَبى الْعَبَّاس لفضل ترفعه وتقاعده عَن زيارته منصبا بالميل إِلَى أَبى عمر المالكى القاضى لمواظبته على خدمته وَلذَلِك كَانَ مَا قَلّدهُ من الْقَضَاء وَكَانَت فى أَبى عمر نخوة على أكفائه من فُقَهَاء بَغْدَاد لعلو مرتبته فَحمل ذَلِك جمَاعَة من الْفُقَهَاء على تتبع فَتَاوِيهِ حَتَّى ظفروا لَهُ بفتوى خَالف فِيهَا الْجَمَاعَة وخرق الْإِجْمَاع وانهى ذَلِك إِلَى الْخَلِيفَة والوزير فعقدوا مَجْلِسا لذَلِك وَكَانَ خُذ أَبى عمر فِيهِ الأضرع وفيمن حضر أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج فَلم يزدْ على السُّكُوت فَقَالَ لَهُ الْوَزير فى ذَلِك فَقَالَ مَا أكاد أَقُول فيهم وَقد ادعوا عَلَيْهِ خرق بِالْإِجْمَاع وأعياه الِانْفِصَال عَمَّا اعْترضُوا بِهِ عَلَيْهِ ثمَّ إِن مَا أفتى بِهِ قَول عدَّة من الْعلمَاء وأعجب مَا فى الْبَاب انه قَول صَاحبه مَالك وَهُوَ مسطور فى كِتَابه الفلانى فَأمر الْوَزير بإحضار ذَلِك الْكتاب فَكَانَ الْأَمر على مَا قَالَه فأعجب بِهِ غَايَة الْإِعْجَاب وتعجب من حفظه لخلاف مذْهبه وغفلة أَبى عمر عَن مَذْهَب صَاحبه وَصَارَ هَذَا من أوكد أَسبَاب الصداقة بَينه وَبَين الْوَزير وَمَا زَالَت عناية الْوَزير بِهِ حَتَّى رشحه للْقَضَاء فَامْتنعَ أَشد الِامْتِنَاع فَقَالَ إِن امتثلت مَا مثلته لَك وَإِلَّا أجبرتك عَلَيْهِ قَالَ افْعَل مَا بدا لَك فَأمر الْوَزير حَتَّى سمر عَلَيْهِ بَابه وعاتبه النَّاس على ذَلِك فَقَالَ أردْت أَن يتسامع النَّاس أَن رجلا من أَصْحَاب الشافعى عومل على تقلد الْقَضَاء بِهَذِهِ الْمُعَامَلَة وَهُوَ مصر على إبائه زهدا فى الدُّنْيَا
قلت كَانَ هَذَا فى آخر حَال ابْن سُرَيج وَكَانَ المسؤول عَلَيْهِ قَضَاء بَغْدَاد وَأما فى أول أمره فقد قدمنَا عَن الشَّيْخ أَبى إِسْحَاق أَنه ولى الْقَضَاء بِمَدِينَة شيراز
وَمن شعر أَبى الْعَبَّاس ابْن سُرَيج فى مُخْتَصر المزنى
(لصيق فؤادى مُنْذُ عشْرين حجَّة ... وصيقل ذهنى والمفرج عَن همى)
(عَزِيز على مثلى إِعَارَة مثله ... لما فِيهِ من علم لطيف وَمن نظم)
(جموع لأصناف الْعُلُوم بأسرها ... فأخلق بِهِ أَن لَا يُفَارِقهُ كمى)
قَالَ القاضى أَبُو عَاصِم استدرك أَبُو الْعَبَّاس على مُحَمَّد بن الْحسن مَسْأَلَة فى الْحساب وَهِي إِذا خلف ابْنَيْنِ وَأوصى لرجل بِمثل نصيب أحد ابنيه إِلَّا ثلث جَمِيع المَال فَإِن مُحَمَّدًا قَالَ الْمَسْأَلَة محَال لِأَنَّهُ اسْتثْنى ثلث المَال فَسقط
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمَسْأَلَة من تِسْعَة لأحد ابنيه أَرْبَعَة والثانى مثله وَوَاحِد للْمُوصى لَهُ وَهُوَ نصيب أحد ابنيه إِلَّا ثلث جَمِيع المَال لِأَن ثلث جَمِيع المَال إِذا ضم إِلَى نصيب الْمُوصى لَهُ صَار أَرْبَعَة
قلت وَهَذَا حسن بَالغ وسواه غلط وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ أَبُو الْعَبَّاس ذَلِك فِيمَا نحسب من كَلَام الشافعى رضى الله عَنهُ فى مَسْأَلَة إِن كَانَ فى كمى دَرَاهِم أَكثر من ثَلَاثَة وفى كمة أَرْبَعَة وهى الْمَسْأَلَة الَّتِى ذَكرنَاهَا فى تَرْجَمَة البوشنجى أَبى عبد الله فقد سلك أَبُو الْعَبَّاس فى هَذِه الْمَسْأَلَة مَا سلكه الشافعى فى تِلْكَ كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ فى تَرْجَمَة البوشنجى وَوَجهه أَن أَبَا الْعَبَّاس جعل إِلَّا ثلث جَمِيع المَال قيدا فى مثل النَّصِيب يعْنى مثل النَّصِيب خَارِجا مِنْهُ ثلث الأَصْل كَمَا جعل الشافعى دَرَاهِم قيدا فى الزَّائِد على الثَّلَاثَة
وَأما قَول أَبى الْعَبَّاس إِن الْمَسْأَلَة تصح من تِسْعَة فَظَاهر وَقد يُقَال هُوَ اسْتثِْنَاء مُسْتَغْرق وَكَأَنَّهُ اسْتثْنى ثلثا من ثلث فَتَصِح من ثَلَاثَة لكل وَاحِد سهم
قَالَ ابْن الْقَاص فى كتاب أدب الْقَضَاء سَمِعت أَحْمد بن عمر بن سُرَيج ينْزع الحكم بِشَاهِد وَيَمِين من كتاب الله عز وَجل من قَوْله تَعَالَى {أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَإِن عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا فآخران يقومان مقامهما من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان فيقسمان بِاللَّه} وسأحكى معانى مَا انتزع بِهِ وَإِن لم أجد أَلْفَاظه قَالَ رَحمَه الله لما قَالَ تَعَالَى {فَإِن عثر} يعْنى تبين {على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا} يعْنى بذلك الْوَصِيّين {فآخران يقومان مقامهما من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان فيقسمان} الْآيَة فيحلفان بِاللَّه يعْنى وارثى الْمَيِّت اللَّذين كَانَ الوصيان حلفا أَن مافى أَيْدِيهِمَا من الْوَصِيَّة غير مَا زَاد عَلَيْهِمَا
قَالَ ابْن سُرَيج فالبيان الذى عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا بِهِ لَا يَخْلُو من أحد أَرْبَعَة معَان إِمَّا أَن يكون إِقْرَارا مِنْهُمَا بعد إنكارهما أَو يكون شاهدى عدل أَو شَاهدا وَامْرَأَتَيْنِ أَو شَاهدا وَاحِدًا وَقد أجمعنا على أَن الْإِقْرَار بعد الْإِنْكَار لَا يُوجب يَمِينا على الطالبين وَكَذَلِكَ لَو قَامَ شَاهِدَانِ أَو شَاهد وَامْرَأَتَانِ فَلم يبْق إِلَّا شَاهد وَاحِد وَكَذَلِكَ استحلاف الطالبين
قَالَ ابْن الْقَاص وَقد رويت الْقِصَّة الَّتِى نزلت فِيهَا هَذِه الْآيَة بِنَحْوِ مَا فَسرهَا ابْن سُرَيج
ثمَّ روى ابْن الْقَاص بِإِسْنَادِهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن تَمِيم الدارى فى هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم} الْآيَة قَالَ برىء النَّاس مِنْهَا غيرى وَغير عدى ابْن بداء وَكَانَا نَصْرَانِيين يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّام قبل الْإِسْلَام فَأتيَا الشَّام لِتِجَارَتِهِمَا وَقدم عَلَيْهِمَا مولى لبنى سهم يُقَال لَهُ بديل بن أَبى مَرْيَم بِالتِّجَارَة وَمَعَهُ جَام من فضَّة يُرِيد بِهِ الْملك وَهُوَ عَظِيم تِجَارَته فَمَرض فأوصى إِلَيْهِمَا وَأَمرهمَا أَن يبلغَا مَا ترك أَهله
قَالَ تَمِيم فَلَمَّا مَاتَ أَخذنَا الْجَام فَبِعْنَاهُ بِأَلف دِرْهَم ثمَّ اقتسمناها أَنا وعدى بن بداء فَمَا جِئْنَا إِلَى أَهله دفعنَا إِلَيْهِم مَا كَانَ مَعنا وَفقدُوا الْجَام فسألوا عَنهُ فَقُلْنَا مَا ترك غير هَذَا

قَالَ تَمِيم فَلَمَّا أسلمت بعد قدوم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة تَأَثَّمت من ذَلِك فَأتيت أَهله فَأَخْبَرتهمْ الْخَبَر وَأديت إِلَيْهِم خَمْسمِائَة دِرْهَم وَأَخْبَرتهمْ أَن عِنْد صاحبى مثلهَا فَوَثَبُوا عَلَيْهِ فَأتوا بِهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَة فَلم يَجدوا فَأَمرهمْ أَن يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يعظم على أهل دينه فَحلف فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَى قَوْله {أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم} فَقَامَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَرجل آخر مِنْهُم فَحَلفا فنزعت الْخَمْسمِائَةِ من عدى بن بداء
وَهَذَا الحَدِيث هَكَذَا أخرجه الترمذى وَقَالَ غَرِيب وَقَالَ لَيْسَ إِسْنَاده بِصَحِيح
وَأخرج البخارى وَأَبُو دَاوُد والترمذى أَيْضا أصل الحَدِيث من غير ذكر الْقِصَّة بِتَمَامِهَا
وَفِيه إِشْكَال لِأَن أهل الْحَرْب إِذا أتلف بَعضهم على بعض مَالا لم يلْزمه ضَمَانه وَإِن أسلم وَقَضِيَّة هَذَا أَلا يلْزم تميما وَلَا عديا شىء وَبِتَقْدِير اللُّزُوم فاللازم قيمَة الْجَام بَالِغَة مَا بلغت لَا الثّمن الَّذِي بيع بِهِ
وَقد يُجَاب عَن الأول بِأَنَّهُ إِنَّمَا ضمن لِأَنَّهُ مَقْبُوض بِعقد لِأَنَّهُ كَانَ فى يدهما إِمَّا بالوديعة أَو بِالْوَصِيَّةِ وَكِلَاهُمَا عقد وَأهل الْحَرْب لَا يسْقط عَنْهُم بِالْإِسْلَامِ قرض اقترضوه وَلَا مُعَاملَة تعاملوا بهَا بِخِلَاف مَحْض الْإِتْلَاف
وَعَن الثانى بِأَن الْجَام لَعَلَّ قِيمَته ألف كَمَا بيع
وَقد يعْتَرض على أصل اسْتِدْلَال ابْن سُرَيج بِأَن الْيَمين فى الْآيَة لَيست مَعَ شَاهد وَاحِد كَمَا هُوَ مَحل النزاع بل مَعَ شَاهِدين وَيُجَاب بِأَن معنى {لَشَهَادَتنَا} كَشَهَادَة شاهدنا وَمَا هُوَ إِلَّا وَاحِد نعم الْمُدعى اثْنَان تَسْمِيَة الْحَاكِم الشُّهُود
كَانَ ابْن سُرَيج يذهب كَمَا حَكَاهُ الماوردى فى الحاوى فى بَاب مَا على القاضى فى الْخُصُوم وَالشُّهُود إِلَى رَأْي أهل الْكُوفَة أَن الأولى للْحَاكِم إِذا ثَبت الْحق أَلا يُسمى فى سجله الشُّهُود بل يَقُول ثَبت عندى بِشَهَادَة من رَأَيْت قبُول قَوْلهمَا احْتِيَاطًا للمحكوم لَهُ فَإِنَّهُ مَتى سماهما فتح بَاب الطعْن والقدح عَلَيْهِ
وَالْمَعْرُوف عَن الشَّافِعِيَّة قاطبة عَكسه احْتِيَاطًا للمحكوم عَلَيْهِ وَأَنه يَقُول ثَبت عندى بِشَهَادَة فلَان وَفُلَان
وَالْمَسْأَلَة على علو شَأْنهَا غير مُصَرح بهَا فى شرح الرافعى وَلَا كتب الْمُتَأَخِّرين وَالْخلاف فِيهَا فِي الْأَوْلَوِيَّة وأى الْأَمريْنِ فعل كَانَ سائغا
كَذَا ذكر الماوردى فى بَاب مَا على القاضى فى الْخُصُوم وَالشُّهُود وَلَكِن رَأَيْت الدبيلى صرح فى كتاب أدب الْقَضَاء بِأَن الْخلاف فى الْوُجُوب وَهَذِه عِبَارَته اخْتلف أَصْحَابنَا هَل يجب ذكر أسامى الشُّهُود أم لَا على وَجْهَيْن مِنْهُم من قَالَ يجب أَن يذكر وَهُوَ أولى لطلب الْمَشْهُود عَلَيْهِ جرحهم وَذكرهمْ خير لَهُ وَمِنْهُم من قَالَ إِذا قَالَ الْحَاكِم شهد عندى جمَاعَة عدُول أرضاهم وعرفتهم أَو قَالَ سَأَلت عَن عدالتهم فَرَجَعت الْمَسْأَلَة إِلَى تزكيتهم وعدالتهم فَقبلت شَهَادَتهم جَازَ وَإِن لم يذكر أسامى الشُّهُود انْتهى
وَصرح الرويانى فى الْبَحْر بِالْوَجْهَيْنِ أَيْضا وَأَنه لَا يجوز إِبْهَام الْحجَّة على أَحدهمَا وَإِلَى وَجه الْمَنْع أَشَارَ إِلَيْهِ الرافعى بقوله وفى فحوى كَلَام الْأَصْحَاب إِشَارَة إِلَى وَجه مَانع من إِبْهَام الْحجَّة ذكره عِنْد الْكَلَام فى الْقَضَاء بِالْعلمِ وَقد تعانى الشروطيون الْمُتَأَخّرُونَ أَن يجمعوا بَين الْأَمريْنِ فَيَقُولُونَ بِشَهَادَة فلَان وَفُلَان وَبِمَا يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة وَبعد اعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا وَهُوَ عندى غير حسن فَإِنَّهُ إِن لم يكن للْحَاكِم مُسْتَند إِلَّا مَا صرح بِهِ وَهُوَ الْغَالِب فَذكر هَذِه الزِّيَادَة يُوهم أَن هُنَاكَ شَيْئا آخر ويسد الْبَاب على من لَعَلَّه محق فَهُوَ كذب وظلم وَإِن كَانَ لَهُ مُسْتَند آخر طواه فَلَا هُوَ الذى أبداه تتميما لرعاية الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَلَا الذى طوى غَيره مَعَه تتميما لرعاية الْمَحْكُوم لَهُ ففى هَذَا خُرُوج عَن سَبِيل الْفَرِيقَيْنِ
وَالْأولَى عندنَا مُخَالفَة ابْن سُرَيج والجريان على قَول عُلَمَائِنَا فى التَّصْرِيح بالمستند إِلَّا إِن كَانَ يخَاف مجادلة من يُجَادِل بِالْبَاطِلِ فَإِن استبان للقاضى وَجه الصَّوَاب فى وَاقعَة بطرِيق الْقطع أَو الظَّن الْغَالِب وخشى إِن هُوَ صرح بالمستند أَن يُجَادِل بِالْبَاطِلِ وَيبْطل الْحق فَالْأولى كتمان الْمُسْتَند وَإِلَّا فَالصَّوَاب ذكره فَإِنَّهُ أدفَع للتُّهمَةِ وأنفى للريبة وأصون للدّين
والرافعى اقْتصر على قَوْله وَيجوز أَن لَا يتَعَرَّض لأصل الشَّهَادَة فَيكْتب حكمت بِكَذَا لحجة أوجبت الحكم لِأَنَّهُ قد يحكم بِشَاهِد وَيَمِين وَقد يحكم بِعِلْمِهِ إِذا جَوَّزنَا الْقَضَاء بِالْعلمِ وَهَذِه حِيلَة يدْفع بهَا القاضى قدح أَصْحَاب الرأى إِذا حكم بِشَاهِد وَيَمِين وفى فحوى كَلَام الْأَصْحَاب وَجه مَانع من إِبْهَام الْحجَّة انْتهى
وَهَذَا الْوَجْه الْمَانِع قد يرجح ذكر الْحجَّة لِئَلَّا ينْقض عَلَيْهِ قَضَاهُ إِذا لم يذكرهَا إِن كَانَ فى النَّاس من ينْقض قَضَاهُ من يبهم الْحجَّة فليحترز الْحَاكِم فى ذَلِك وَالضَّابِط أَن إبداء الْحجَّة أولى إِلَّا أَن يخَاف فَوَات حق فليحتط الْحَاكِم وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح وسنعيد فِي تَرْجَمَة الماوردى ذكر الْمَسْأَلَة وَطَرِيق الشَّافِعِيَّة وتقديمهم الدَّاخِل على الْخَارِج وتبقيتهم الْأُمُور على مَا هى عَلَيْهِ حَتَّى يتَبَيَّن خِلَافه كل ذَلِك يقتضى توقفهم فى الْأَحْكَام ومراعاتهم جَانب من يحكم عَلَيْهِ وَطَرِيق من يقدم بَينه الْخَارِج بِالْعَكْسِ فرع مستغرب ضمن فرع عَن أَبى الْعَبَّاس
نقل الرافعى فى الْبَاب الثانى من كتاب اللَّقِيط عَن ابْن سُرَيج فِيمَن أقرّ بِالرّقِّ لزيد فكذبه فَأقر لعَمْرو تَخْرِيج الْقبُول كَمَا لَو أقرّ بِمَال لزيد فكذبه فَأقر بِهِ لعَمْرو والمقيس مُشكل ومستدرك على أَبى الْعَبَّاس فَإِن الْمَنْصُوص خِلَافه
وَقد قَالَ الرافعى قبل هَذَا بِقَلِيل مَا نَصه الْحَالة الرَّابِعَة أَن يقر على نَفسه بِالرّقِّ وَهُوَ عَاقل بَالغ فَينْظر إِن كذبه الْمقر لَهُ لم يثبت الرّقّ وَلَو عَاد بعد ذَلِك فَصدقهُ لم يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لما كذبه ثبتَتْ حُرِّيَّته بِالْأَصْلِ فَلَا يعود رَقِيقا وَلم يحك فِيهِ خلافًا فَإِن كَانَ ابْن سُرَيج يُوَافق عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْهُ تنَاقض
لَكِن حكى الرافعى بعد ذَلِك قبل الْفَرْع وَجْهَيْن فَقَالَ وَلَو ادّعى إِنْسَان رقة فَأنكرهُ ثمَّ أقرّ لَهُ فَفِي قبُوله وَجْهَان وَأما الْمَقِيس عَلَيْهِ وَهُوَ غرضنا بِالذكر فأغرب وَلم يذكروه فى مظنته فى بَاب الْإِقْرَار فى مَسْأَلَة مَا إِذا أقرّ لمنكر فَرُبمَا وَقع ذكره فى بَاب اللَّقِيط اسْتِطْرَادًا كَمَا ترى فرع اخْتلف فِيهِ على أَبى الْعَبَّاس
إِذا بلغ الصبى فى أثْنَاء الصَّلَاة فالمحكى فى الرافعى وَأكْثر الْكتب عَن ابْن سُرَيج أَنه يسْتَحبّ الْإِتْمَام وَتجب الْإِعَادَة عكس الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَلَكِن ذكر صَاحب الْبَيَان أَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد رَحمَه الله قَالَ رَأَيْت فى كتاب الِانْتِصَار لأبى الْعَبَّاس وجوب الْإِتْمَام واستحباب الْإِعَادَة وَحكى عَن أَبى الْعَبَّاس عَكسه
الْمَشْهُور عَن مَالك رَحمَه الله أَن من علق الطَّلَاق بِمَا يتَحَقَّق وجوده وَقع فى الْحَال احتجاجا بِأَنَّهُ إِذا أجل صَار ناكحا إِلَى مُدَّة وَهُوَ بَاطِل كالمتعة
قَالَ ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب فى شرح الْمِفْتَاح لِابْنِ الْقَاص إِن أَبَا الْعَبَّاس ابْن سُرَيج قَالَ بِمثل قَوْله فِيمَا إِذا قَالَ إِن طلعت الشَّمْس فَأَنت طَالِق وَلَيْسَ الْمَشْهُور عَنهُ بل الْمَشْهُور عَنهُ فى قَوْله إِن لم أطلقك الْيَوْم فَأَنت طَالِق الْيَوْم ينافى ذَلِك

طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي



ابْن سُرَيج الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن عمربن سُرَيج الْبَغْدَادِيّ

قدوة الشَّافِعِيَّة
سمع أَبَا دَاوُد وَالْحسن الزَّعْفَرَانِي وَمِنْه الطَّبَرَانِيّ
قَالَ الذَّهَبِيّ رَأَيْت لَهُ تصانيف يحْتَج فِيهَا بالأحاديث ويطرقها عمل من يفهم هَذَا الشَّأْن وَأما الْفِقْه فَهُوَ حَامِل لوائه مَاتَ فِي جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وثلاثمائة عَن سبع وَخمسين سنة وَله أَرْبَعمِائَة مُصَنف
وَمن كَلَامه مَا رَأَيْت من المتفقهين من اشْتغل بالْكلَام فأفلح يفوتهُ الْفِقْه وَلَا يصل إِلَى معرفَة الْكَلَام

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

الإمام أبو العباس أحمد بن عمر بن سُرَيج الشافعي البغدادي، الملقب بباز أشهب، المتوفى بها سنة ست وثلاثمائة عن سبع وخمسين سنة.
كان من كبار الشافعية يفضّل على جميع أصحابه حتى على المزني. تفقَّه على الأنماطي. وروى عن الزعفراني وأبي داود السجستاني. وعنه الطبراني وأبو أحمد الغطريفي. وبه انتشر مذهب الشافعي في العراق وقام بنصرته. وكان يناظر محمد بن داود الظاهري ويفرع على كتب محمد بن الحسن، فصنّف في الرّد على مخالفي مذهبه. وفهرس كتبه يشتمل على أربعمائة مصنّف، منها الموجود في هذا الوقت "كتاب الودايع", "كتاب الدين في الوصايا" و"تعليقة على مختصر المزني" و"شرح المهذب" وملخصه و"الرد على ابن داود في مسائل" و"كتاب الخصال" وغير ذلك. وكان قد ولي القضاء بشيراز وكان يجالس الجنيد ويصحبه. وله نظم حسن وولد يقال له أبو حفص عمر صنف مختصراً في الفقه وسماه "تذكرة العالم".

سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.

 

أحْمَد بْن عُمَر بْن سريج، أَبُو الْعَبَّاس الْقَاضِي:
إمام أصحاب الشَّافِعِيّ فِي وقته، شرح المذهب ولخصه، وعمل المسائل فِي الفروع.
وصنف الكتب فِي الرد على المخالفين من أهل الرأي، وأصحاب الظاهر، وَحَدَّثَ شيئا يسيرا عَنِ الْحَسَن بْن مُحَمَّد الزعفراني، وعباس بن محمد الدوري. ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وأبي دَاوُد السجستاني، ونحوهم. رَوَى عَنْهُ سُلَيْمَان بْن أَحْمَدَ الطبراني، وَأَبُو أَحْمَد الغطريفي.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَهْرَيَارَ الأَصْبَهَانِيُّ بِهَا، أخبرنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سُرَيْجٍ الْقَاضِي- أبو العبّاس-، حدّثنا العبّاس بن محمّد بن حاتم، حَدَّثَنَا سَوْرَةَ بْنِ الْحَكَمِ الْقَاضِي قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاثَةُ يُؤْتُونَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ ثُمَّ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَأَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، وَعَبْدٌ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَ مَوَالِيَهُ». قَالَ سُلَيْمَان: لم يروه عَنِ ابن حَبِيب إلا سورة، تفرد بِهِ الْعَبَّاس.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطّبريّ، حدّثنا محمّد بن الغطريف- بجرجان- حَدَّثَنَا الأَمِيرُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الضَّرِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ العطار، حدّثنا عبيدة بن حميد، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كُنْتُ رَجُلا مَذَّاءً وَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْهُ الاغْتِسَالَ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: «يَكْفِيكَ منه الوضوء».

أنبأنا أبو سعيد الماليني، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْن عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيّ بْن خيران يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاس بْن سريج يَقُولُ: رأيت فِي المنام كأنا مطرنا كبريتا أحمر، فملأت أكمامي وجيبي وحجري، فعبر لي أني أرزق علما عزيزا كعزة الكبريت الأحمر.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء الواسطي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر بْن مُحَمَّد التميمي-- بالكوفة- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الدارمي. قَالَ: تناظر ابن سريج وابن الأصبهاني- يَعْنِي مُحَمَّد بْن دَاوُد فِي مسألة- فطال بينهما الكلام واتسع فَقَالَ أحدهما لصاحبه: ترضى بأول من يطلع؟ قَالَ: نعم. فإذا هم بابن الرومي قد أقبل، فتحاكما إليه، ففكر ساعة ثم قَالَ:
غموض الحق حين تذب عَنْهُ ... يقلل ناصر الخصم المحق
تجل عَنِ الدقيق فهوم قوم ... فتقضي للمجل على المدق
أنشدنا الْحَسَن بْن أَبِي طالب قَالَ: أنشدني بعض أصحابنا لأبي العبّاس بن سريج:

ولو كلما كلب عوى ملت نحوه ... أجاوبه إن الكلاب كثير
ولكن مبالاتي بمن صاح أو عوى ... قليل لأني بالكلام بصير
أَخْبَرَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ الهرويّ في كتابه، حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحُسَيْن الليثي بمصر، حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن الفتح. قَالَ: كَانَ بِبَغْدَادَ جمع للقضاة والمعدلين والفقهاء، فقاموا ليمضوا إِلَى موضع فاتفقوا على أن يتقدمهم أَبُو الْعَبَّاس بْن سريج، ومنهم من هو فِي سن أَبِيهِ. فَقَالَ لهم: ما أتقدم إلا على شريطة، إن تقدمت فمطرق، وإن تأخرت فمبذرق.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْد إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن بندار بْن المثنى الإستراباذي- ببيت المقدس- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ- بِنَيْسَابُورَ- قَالَ: أَخْبَرَنَا حسان بْن مُحَمَّد، قَالَ: قَالَ شيخ من أهل العلم لأبي الْعَبَّاس بْن سريج: أبشر أيها الْقَاضِي فإن اللَّه بعث عُمَر بْن عَبْد العزيز عَلِيّ رأس المائة، فأظهر كل سنة، وأمات كل بدعة، ومن اللَّه على رأس المائتين بالشافعي حتى أظهر السنة وأخفى البدعة، ومنَّ اللَّه عَلَيْنَا على رأس الثلاثمائة بك حتى قويت كل سنة، وضعفت كل بدعة، وقد قيل فِي ذلك:
اثنان قد مضيا فبورك فيهما ... عُمَر الخليفة ثم حلف السؤدد
الشَّافِعِيّ الألمعي المرتضى ... خير البرية وابن عم مُحَمَّد
أرجو أَبَا الْعَبَّاس أنك ثالث ... من بعدهم سقيا لتربة أَحْمَد
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أحمد بن يعقوب، أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَدَ العروضي الْفَقِيه يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن السنجاني قاضيها يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاس بْن سريج يَقُولُ: يؤتى يوم القيامة بالشافعي وقد تعلق بالمزني يَقُولُ: رب هَذَا أفسد علومي، فأقول أنا: مهلا يا أبا إِبْرَاهِيم فإني لم أزل فِي إصلاح ما أفسدته.
حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن عَبْد العزيز الهمذاني- بها- قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن خيران يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عبيد الْفَقِيه- بِبَغْدَادَ- يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمَان بن السندي- أَبَا الْحَسَن- يَقُولُ: قَالَ لي أَبُو الْعَبَّاس بْن سريج فِي علته التي مات فيها: أريت البارحة فِي المنام كَانَ قائلا يقول لي: هَذَا ربك تعالى يخاطبك، قَالَ فسمعت: بماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص 65] قال: فقلت: بالإيمان والتصديق. قال فقيل: بماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ
قَالَ: فوقع فِي قلبي أنه يراد مني زيادة فِي الجواب فقلت: بالإيمان والتصديق، غير أنا قد أصبنا من هَذِهِ الذنوب، فَقَالَ: أما إني سأغفر لك.
أَخْبَرَنَا عُبَيْد الله بن أبي الفتح، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن الدارقطني قَالَ: أَبُو الْعَبَّاس أحمد ابن عُمَر بْن سريج الْقَاضِي الْفَقِيه الشَّافِعِيّ سمع الحسن بن محمّد الزّعفرانيّ، وأحمد ابن مَنْصُور الرمادي والناس بعد. وجالس دَاوُد الأصبهاني وناظره، وَكَانَ يحضر مع ابنه مُحَمَّد بْن دَاوُد فِي مجالس النظر فيناظره ويستظهر عَلَيْهِ. لَهُ مصنفات فِي الفقه على مذهب الشَّافِعِيّ، وله ردود على المخالفين والمتكلمين، وله رد على عِيسَى بْن أبان العراقي فِي الفقه توفي سنة ست وثلاثمائة.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر التاودي قَالَ: قَالَ لنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الشاهد قَالَ: قَالَ لنا إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ الخطبي: توفي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن عُمَر بْن سُرَيْجٍ الْقَاضِي بِبَغْدَادَ لخمس بقين من جمادى الأولى سنة ست وثلاثمائة.
قلت: وبلغت سنه فيما بلغني سبعا وخمسين سنة وستة أشهر ودفن فِي حجرة بسويقة غالب

ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

أحمد بن عمر بن سريج البغدادي القاضي الشافعي ، الملقب بالباز الأشهب ، أبي العباس ، فقيه الشافعية في عصره ، ولد سنة : 249ه ، سمع من : الحسن بن محمد الزعفراني ، وأبي داود السجستاني ، وغيرهما ، وروى عنه : أبي القاسم الطبراني ، وأبي أحمد بن الغطريف الجرجاني ، وغيرهما ، له من المصنفات : الأقسام والخصال ، والودائع لمنصوص الشرائع ، وغيرهما ، قال الإمام الضياء الخطيب عنه : إن أبا العباس كان أبرع أصحاب الشافعي في علم الكلام ، كما هو أبرعهم في الفقه ، وقال أبي الوليد الفقيه : سمعت ابن سريج يقول : قلما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح ، يفوته الفقه ولا يصل إلى معرفة الكلام . توفي سنة : 306ه . ينظر : تاريخ بغداد ، للخطيب البغدادي : 5/471 ، وطبقات الفقهاء ، للشيرازي : 1/108 ، وسير أعلام النبلاء ، للذهبي : 14/ 201 ، وطبقات الشافعية ، للسبكي : 3/22 ، والبداية والنهاية لابن كثير : 14/808

 

 

أحمد بن عمر بن سريج، أبي العباس البغدادي، كان يلقب بالباز الأشهب، ولد سنة: (249هـ)، عاش سبعة وخمسين سنة وستة أشهر، مولده ووفاته ببغداد، فقيه الشافعية في عصره، ولي القضاء بشيراز ثم اعتزل، أخذ عن: أبي قاسم الأنماطي، والمزني وغيرهما، له نحو 400 مصنف، منها: في الرد على ابن داود فى القياس، وفي الرد على ابن داود فى مسائل اعترض بها الشافعى، توفي رحمه الله في جمادى الأولى سنة: (306هـ).  ينظر: طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي: 3/21 وما يليها، البداية والنهاية لابن كثير: 11/147.

توجد له ترجمة في كتاب : إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الحافظ أبي القاسم الطبراني- للمنصوري.