محمد (بيرم الخامس) ابن مصطفى ابن محمد (الثالث) من بني بيرم:
عالم رحالة مؤرخ من علماء تونس. ولد بها وولي بعض المناصب، وسافر إلى أوربة. ولما استولى الفرنسيس على تونس (سنة 1298 هـ هجر بلاده وأخذ يجاهد فيهم بقلمه، فمكث في الآستانة مدة. وانتقل إلى مصر (سنة 1302 هـ فأنشأ جريدة (الأعلام) يومية، ثم أسبوعية استمرت نحو أربعة أعوام، واحتجبت بتوليه منصب القضاء في محكمة مصر الابتدائية الأهلية (سنة 1306) وتوفي بحلوان، ودفن بالقاهرة. أشهر آثاره كتاب رحلته (صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار - ط) خمسة أجزاء. ومن كتبه (تحفة الخواص في حل صيد بندق الرصاص - ط) و (التحقيق في مسألة الرقيق - ط) و (الروضة السنية في الفتاوى البيرمية - ط) .
-الاعلام للزركلي-
الاسم الكامل والنسب والمولد والوفاة
محمد بيرم الخامس بن مصطفى بن محمد بيرم الثالث، الفقيه الرحالة المؤرخ الصحفي من نبغاء خريجي جامع الزيتونة
(1255 - 1307 هـ / 1840 - 1889 م)
ولد بتونس في محرم / 1255 مارس 1840
النشأة العلمية والتعليم
أشرف والده على تربيته، وكذلك عمه بيرم الرابع، وهما اللذان وجهاه إلى طلب العلم بجامع الزيتونة
بعد اجتيازه لمرحلة التعليم الابتدائي، دخل جامع الزيتونة، وقرأ على أعلامه:
سالم بو حاجب
الشاذلي بن صالح
علي العفيف
محمد الطاهر بن عاشور
كان الشيخ محمود قابادو يزور والده وعمه في بيتهما، وكان المترجم له يحضر مجالسه، ويستمع إلى حديثه
فتكوّن لديه إعجاب واحترام ما زادته الأيام رسوخًا، وكان يستنير بتوجيهاته حتى بعد تخرّجه
قال الأستاذ عمر بن سالم:
«وتأثر بأفكار قابادو التقدمية ونظرياته الإصلاحية تأثرًا كبيرًا، فقد أخذ عنه رأيه في إحياء العلوم الصحيحة والاعتماد عليها لنهضة البلاد»
استكمل تعلمه بجامع الزيتونة ولم يتجاوز سنه سبعة عشر عامًا، وتخرج منه محرِزًا شهادة التطويع
اجتاز بنجاح مناظرة التدريس من الطبقة الثانية سنة 1278 / 1861
وتولى مشيخة المدرسة العنقية في 6 جمادى الأولى 1278 / 1861 ← وهي خطة كانت وراثية في الأسرة
ثم اجتاز بنجاح مناظرة التدريس من الطبقة الأولى في 15 رجب 1284
المشايخ والأساتذة الذين أخذ عنهم، مع تحديد البلدان
سالم بو حاجب
الشاذلي بن صالح
علي العفيف
محمد الطاهر بن عاشور
محمود قابادو ← عبر المجالس الخاصة بدار والده وعمه
الطلاب الذين تخرّجوا على يديه أو تأثروا به، بأسمائهم وبلدانهم
ابنه الأكبر مصطفى ← سجل في المدرسة الصادقية، وأصبح لاحقًا رئيسًا لمجلس الاستئناف بالقاهرة
النشاط الدعوي والتربوي
درّس بالمدرسة العنقية والمدرسة الباشية وجامع الزيتونة
تولى مشيخة المدرسة العنقية
سُمي ناظرًا على المطبعة الرسمية ومشرفًا على تحرير جريدة «الرائد» سنة 1292 / 1874
عُيّن عضوًا في لجنة برنامج التعليم للمدرسة الصادقية
تولى تأسيس المكتبة الصادقية (العبدلية) الزيتونية
أُسندت إليه لاحقًا مهمة تنظيم مستشفى العاصمة ← الذي دشّنه الأمير محمد الصادق باي رسميًا في 10 فيفري 1894
سُمي لاحقًا قاضيًا بمحكمة القاهرة الابتدائية
وكلّفته وزارة العدل المصرية بكتابة ملاحظات حول القضاء الشرعي ← نظرًا لعلمه الواسع
أخلاقه وسلوكه مع الطلاب والعامة والمحتاجين
نشأ ابنَ ملاك أراضٍ، وشاهد واقع العمال الفلاحيين والخماسة
دوّن أوامر محمد باي الخاصة بهم في دفتر خاص ← ملتزمًا بالدفاع عنهم
نحيف البنية، مصاب بمرض عصبي بين المعدة والقلب، مع فقر في الدم
استعمل المورفين لتسكين الآلام ← مما أثّر في صحته
لا يحتمل الضغط على حريته ولا السكوت على آرائه
مواقفه السياسية وخطبه
ميوله السياسية والأدبية كانت أظهر من الفقهية
بعد ثورة 1281 / 1864 وتعطيل دستور عهد الأمان، رحل إلى أوروبا للمعالجة ولزيارة المغتربين
زار الجنرال حسين في إيطاليا، وخير الدين في فرنسا
بعد وفاة والده، ورث قسطًا من العقارات، وفكّر في مغادرة تونس نهائيًا، لكن ظروف البلاد حالت دون ذلك
عند عزل مصطفى خزنه دار سنة 1291 / 1873، ساند الوزير خير الدين باشا جهارًا
كتب في جريدة «الرائد التونسي» مقالات سياسية علنية ← أول من تجاسر على ذلك
كتب كذلك في جريدة «الجوائب» بإستانبول ← أيام حرب تركيا واليونان
عينَه خير الدين منظّمًا لجمعية الأوقاف ← مع عدلين تختارهما الطبقة التجارية
وخلال رئاسته لها، وقع نزاع حول أرض بسيدي ثابت مع الكونت الفرنسي دوسانسي
منحها له خير الدين بشروط للإصلاح، فأخلّ بها الكونت
رفض تسليم الأرض وانقلب خصمًا لخير الدين ← عين صاحب الترجمة عضوًا بلجنة التحكيم ← واستمر النزاع حتى عهد مصطفى بن إسماعيل
الصحافة الفرنسية شنّت حملات على خير الدين بتأثير من أنصار خزنه دار في باريس
المترجم له مرض بفعل الضغط ← فتوجّه إلى باريس للعلاج وبدأ كتابة «صفوة الاعتبار»
سنة 1294 / 1877، قرّر التخلي عن وظائفه ← أسوة برفاق الإصلاح
تدخل الباي وألزمه بالبقاء ← لكنه استغل المعرض العالمي بباريس سنة 1878 للسفر
زار باريس، لندن، الجزائر ← ودوّن ملاحظات ثرية أكملت أجزاء «صفوة الاعتبار»
بعد عودته، عين عضوًا بلجنة تنظيم مستشفى العاصمة ← الذي افتتح رسميًا في 1894
المحافظون انتقدوا المشروع بشدة ← منهم القنصل الفرنسي روسطان
ارتبط بعناصر من السفارة الإيطالية ← شاركوا في دعاية مضادة لفرنسا ← لكنه لم ينتبه لمحاولات إيطاليا للهيمنة
الوزير مصطفى بن إسماعيل سعى لإقصائه ← لا يحتمل الضغط، فطلب إذنًا بالحج
حصل عليه بعد وساطات، وبارح تونس سنة 1296 / 1879
مرّ بمصر، ثم الحرمين، ثم سوريا، ثم إسطنبول ← حيث استقبله خير الدين
لكن إسماعيل اتّهمه باختلاس أموال جمعية الأوقاف ← وجرّده من ألقابه ← خير الدين انتصر له
غادر إسطنبول لاحقًا إلى فيينا، بودابست، بلغراد
عاد إلى إسطنبول فحُيكت ضده تهم بالمشاركة في ثورة عرابي ← غادر إسطنبول إلى القاهرة
استُقبل استقبالًا حافلًا ← وأصدر جريدة «الإعلام» ← كانت يومية ثم صارت كل ثلاثة أسابيع
صدرت منها 269 عددًا بين 1885 و1889 ← وكان لها دوي في المشرق والمغرب
قال خير الدين: «إن هذه الصحيفة يمكن أن تصبح (تيمس الشرق الأدنى)»
خطة الصحيفة: ملاينة الإنكليز ← أثارت انتقادات، لأنها خالفت موقفه السابق ضد الاستعمار
قال فيليب دي طرازي في كتاب «تاريخ الصحافة العربية»:
«وكانت خطتها محاسنة الإنجليز والاستفادة منهم... فانتقد البعض عليه هذه الخطة لأنها تخالف ما كان عليه في تونس، وإنه هاجر فرارًا من الحكم الأجنبي فكيف يُكلف المصريين بعكس ذلك؟
...ولكن الذين يرون رأيه كانوا يعتذرون بأنه إنما حث على محاسنة الإنجليز والاستفادة منهم، لأن معاكستهم وأمر البلاد في أيديهم لا يجدي نفعًا، وإن مفاجأة الفرنسيين أوجدت أسبابًا ساعدتهم على ضمّ تونس، وقد التجأ إلى هذا المسلك لما قاساه من الحكم الاستبدادي في تونس، وما آنسه من عوامل التحريض في مصر من بعض الأجانب».
وفي سنة 1887 عطّل مؤقتًا صدور جريدة الإعلام للسفر إلى معرض باريس ← زار لندن وفلورنسة
بعد العودة إلى القاهرة، أسندت إليه مهمة تأسيس جمعية الأوقاف ← وعيّن قاضيًا بمحكمة القاهرة الابتدائية
كلفته وزارة العدل بكتابة ملاحظات حول القضاء الشرعي ← نظراً لعلمه وخبرته
المؤلفات والرسائل
تحفة الخواص في حل صيد بندق الرصاص
قال فيها:
«قد تقرر في الناس منذ أزمان، غير أنه لما كان من المستحدثات بعد الصدر الأول اختلفت فيه أنظار المتأخرين، وقد شاع تحريم ما مات من صيده على مذهب أبي حنيفة، فأحببت أن أجمع فيه رسالة أحرر منها الشأن»
طُبع بالمطبعة الإعلامية، القاهرة 1303 هـ، في 28 صفحة
التحقيق في مسألة الرقيق
رسالة بحث فيها عن كيفية معاملة الرقيق، وإن منع الحكومات الإسلامية التجارة بالرقيق شرعي
مطبوعة
رسالة في أحكام الأشراف آل بيت رسول الله
طُبعت بمطبعة الإعلام سنة 1302 هـ، في 16 صفحة
الروضة السنية في الفتاوي البيرمية ← مطبوعة
سكنى دار الحرب
صفوة الاعتبار لمستودع الأمصار والأقطار
دوّن فيها رحلته إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا
وتضمّن تاريخ القطر التونسي من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال الفرنسي، وتاريخ القطر الجزائري وحرب الاحتلال الفرنسي فيه، وتاريخ مصر والثورة العرابية
احتوى على كثير من الحقائق التاريخية والاجتماعية التي يعز العثور عليها في غيره
طُبع منه أربعة أجزاء بمطبعة الإعلام سنة 1302 هـ، وطُبع الجزء الخامس والأخير بعد وفاته بمطبعة مجلة المقتطف بالقاهرة سنة 1311 هـ
مختصر في العروض
ملاحظات سياسية حول التنظيمات اللازمة للدولة العلية
انتهى منها سنة 1298 هـ
وقدّمها للسلطان عبد الحميد الثاني
طُبعت في مصر بلا تاريخ، في 48 صفحة
ثناء العلماء عليه
قال جرجي زيدان:
«ويُؤخذ من مجملها أن صاحب الترجمة كان من محبّي الإصلاح، وتقريب المسلمين من عوامل التمدن الحديث، وإزالة ما قد يعترضهم من الموانع الدينية، نحو ما كان يفعله الشيخ محمد عبده»
قال خير الدين:
«إن هذه الصحيفة (الإعلام) يمكن أن تصبح تيمس الشرق الأدنى»
الوفاة والتفاصيل الأخيرة قبلها
توفي بحلوان في 25 ربيع الثاني سنة 1307 / 18 ديسمبر 1889، مساء الأربعاء
ودُفن بالقاهرة قرب ضريح الإمام الشافعي
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الأول - صفحة 143 - للكاتب محمد محفوظ