محمد بن عثمان الحشائشي الشريف:
فاضل، من أهل تونس. كان عمله تفقد خزائن الكتب العلمية بجامع الزيتونة.
له كتاب (جلاء الكرب عن طرابلس الغرب، أو النفحات المسكية في أخبار المملكة الطرابلسية - خ) و (رحلة - خ) إلى فزّان وجغبوب وكفرة (في جنوب برقة) وله كتب أخرى ما زالت في مسوداتها، منها ما هو في الصنائع والحرف الإسلامية بالبلاد التونسية .
-الاعلام للزركلي-
الحشائشي (1271 - 1330 هـ) (1855 - 1912 م)
محمد بن عثمان الحشائشي الشريف التونسي، المؤرخ، الرحالة، الأديب الشاعر ولد بتونس في 26 رمضان 1271/ 12 جويليه 1855، ونشأ في بيت علمي قديم، فجده الحاج محمد ابن الحاج قاسم تولى قضاء الفريضة (تحرير المواريث، وتقدير النفقات) في عهد حمودة باشا الحسيني، ووالده من شيوخ جامع الزيتونة ومتوظف بالديوان الشرعي.
وقد وجهه والده نحو التعليم حسب الطريقة المتبعة في ذلك العصر، فبعد استظهاره للقرآن الكريم دخل جامع الزيتونة وقرأ به على اعلامه كأحمد الورتاني الذي لازمه كثيرا، وسالم بو حاجب، وعمر بن الشيخ، ومحمد بيرم الخامس، ومحمود بن الخوجة، وغيرهم إلى أن أحرز على شهادة التطويع، وانتصب بعدها متطوعا بالتدريس والإفادة بجامع الزيتونة، وتولى خطة العدالة (التوثيق) في سنة 1293/ 1876.
كان قوي الذاكرة، واسع الحفظ، غزير الاطلاع، وكان محبا للترحال فجال في داخل البلاد متنقلا بين المدن والقرى والبوادي، وقد اكتسب من هذا التجول خبرة بالعادات والتقاليد وفنون الفلكلور، ولأجل هذه الخبرة ومعرفته الجيدة بالمخطوطات قصده مواطنوه والمستشرقون للاستفادة منه، ونشر انتاجه شعرا ونثرا في الصحف، وكان يميل إلى الدعابة والفكاهة.
وفي خلال سنة 1313/ 1896 رحل إلى ليبيا باقتراح من السياسي الفرنسي الثري المستكشف المركيز دي موراس Marquis de Mores ودامت الرحلة ما يقرب من سنة، ويبدو أن المركيز انفق على هذه الرحلة لأن الحشائشي لم يكن ثريا ولأنه بعد مقتل المركيز في الأراضي الليبية، نشبت نزاعات مالية مع أسرة دي موراس المذكور، وكيفية تعرف المترجم على هذه الشخصية هو أنه تأثر سابقا ببيان نشره القس لوزون Loyson عن تقارب المسيحية والاسلام، وقدر رأيه، وكان صديقا للمترجم الطاهر اللجمي الذي كان تعرف من قبل على المركيز إذ قدمه له دليله في الجنوب الجزائري صالح بالضياف الذي أتى إلى تونس للالتحاق بمخدومه من 28 مارس إلى 8 افريل 1896، وطلب الطاهر اللجمي من المترجم له أن يحرر لفائدة دي موراس رسالة وقصيدة يقدمان إلى المهدي السنوسي، ولاعجاب الحشائشي بشخصية المركيز وبعواطفه الإسلامية عقد له صلة مع التاجر الحاج علي بلقاسم التنبي الغدامسي الذي جعله المركيز يأمل في إنشاء ولاية بالجنوب التونسي يكون حاكمها قريبا له، وفي نهاية افريل اقترح موراس على الحشائشي أن يلتقي به في غات مرورا ببنغازي والكفرة، وحمل الحشائشي معه بضائع لدراسة الأسواق، وطلب منه أن يهيئ له مقابلة مع المهدي السنوسي لبعث أمله لانشاء زاوية في الجنوب التونسي تستخدم محطة للتجارة عبر الصحراء، وركب الحشائشي البحر متوجها إلى ليبيا بعد أربعة أيام من رحيل موراس اليها.
ولا بد أن نتعرض بإيجاز إلى مشاريع موراس وغرضه من الرحلة إلى ليبيا، وتكليفه للحشائشي للقيام بهذه الرحلة ومقابلته للمهدي السنوسي، ولموراس غايتان تحويل التجارة عبر الصحراء إلى المغرب الخاضع لفرنسا، وسبق الانكليز الدخول إلى التشاد والنيل الأعلى، وإلا طردهم منها، ويرى أن برنامجه يمكن تحقيقه في فترتين متواليتين، وتحمس بالخصوص للوضعية السياسية.
وهو يعتقد في حسن نية الطوارق والسنوسية، ما دامت ضرورة التحالف الفرنسي الإسلامي تبدو له بديهية، ولذا فكر في إقناع شيخ الكفرة بصدق النوايا الفرنسية والمبادرة مع مهدي السودان بالتحالف ضد البريطانيين، ولم ييأس من دعم هذا التحالف بواسطة قوات رباح.
نزل الحشائشي في بنغازي في 19 ماي 1896، وبعد شهر بارح هذا الميناء إلى الكفرة حيث استقبله المهدي السنوسي، وعند مبارحته الواحة في 30 جويليه علم بمقتل المركيز موراس، فاستراح بمرزق من 5 إلى 10 سبتمبر، ولم يذهب إلى غات، ومن مصراتة رجع إلى طرابلس حيث ركب البحر في 18 فيفري 1897، وشرع في تدوين رحلته بعد رجوعه الى قش في ذي القعدة /1313 مارس - أفريل 1897؛ ليس في هذه الرحلة ما هو جديد، والتفاصيل التجارية التي فيها توجد في تقارير قناصل ذلك العصر، ويرى الأستاذ اندري مارتال انه على كل حال يبرز منها عنصران أصيلان:
تأكيد ان المهدي ليست له ميول فرنسية، وعدم اهتمامه بالتجارة أو البحوث الاستكشافية، والتأكيد على أن الطوارق عاجزون عن صد تسرب عسكري فرنسي.
وبعد رجوعه من ليبيا سمي متفقدا لخزائن الكتب بجامع الزيتونة، وقد وجد في هذه الخطة ما يشبع ميوله واستفاد من المصادر العلمية والأدبية فاتسعت دائرة معارفه في سائر العلوم الإسلامية كالفقه، واللغة، والتاريخ، وكتب في الاجتماع والتاريخ عدة كتب.
ورحل إلى باريس سنة 1900 لمشاهدة معرضها العالمي، وكتب عنه وعن مشاهداته وانطباعاته.
مؤلفاته:
1) تاريخ جامع الزيتونة: حققه وقدم له الأستاذ الجيلاني بن الحاج يحيى، ونشره بالمعهد القومي للآثار، ط تونس سنة 1974.
2) ديوان شعر.
3) رحلة الشتاء أو العهد الوثيق في هناء الصديق، كتبها بمناسبة دعوة لحضور عرس صديقه الحاج محمد بن خليفة، وهي على شكل مقامة
مسجوعة، وحررها في 25 رجب سنة 1312/ 1895، ط بالمط الرسمية بتونس في 23 ص.
4) الصناعات والحرف والمهن.
5) العادات والتقاليد التونسية.
6) النفحات المسكية في أخبار المملكة الطرابلسية، وهي رحلة إلى ليبيا، ترجمها إلى الفرنسية ترجمة مختصرة فيكتور سار Victor Serres ومحمد الأصرم بعنوان
Voyage au pays des Senoussia a travers la tripoli taine et les pays Touaregs 1930 - باريس.
والمؤلف تكلم عن السنوسية بإطناب، وعن حركتها الإسلامية والعلمية لما هاجمت الجيوش الايطالية ليبيا سنة 1911 أدخل على رحلته زيادات كثيرة من الأخبار التاريخية، وبعد هذا التنقيح بالزيادة أطلق على الرحلة اسم «جلاء الكرب عن طرابلس الغرب» وكان إعادة كتابة الرحلة بما فيها من زيادات اخبارية قبل وفاته بأقل من عام.
وهذا النص النهائي للرحلة حققه ونشره الصديق الأستاذ علي مصطفى المصراتي، بدار لبنان للطباعة والنشر سنة 1965 بعنوان «رحلة الحشائشي إلى ليبيا، جلاء الكرب عن طرابلس الغرب» ولاحظ المحقق أن جلاء الكرب، سبق قلم أو خطأ من كاتب الآلة، وهو مجرد وهم، وقد اتضح وجه الحق قبل أسطر
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الثاني - صفحة 144 - للكاتب محمد محفوظ