محمد بن حسن وادي بن خزام الرفاعي الخالدي الصيادي أبي الهدى

تاريخ الولادة1266 هـ
تاريخ الوفاة1327 هـ
العمر61 سنة
مكان الولادةخان شيخون - سوريا
مكان الوفاةاستانبول - تركيا
أماكن الإقامة
  • استانبول - تركيا
  • حلب - سوريا

نبذة

الشريف السيد الأستاذ أبي الهدى بن السيد حسن وادي بن السيد خزام ابن السيد علي الخزام بن السيد حسين برهان الدين الرفاعي الخالدي الصيادي قطب مدار الفضائل، ومجمع أسنى الشمائل، مصباح ذوي العرفان، ومفتاح غيب كعبة الوجدان، الحسيب الذي علا حسبه ذروة العلا.

الترجمة

الشريف السيد الأستاذ أبي الهدى بن السيد حسن وادي بن السيد خزام ابن السيد علي الخزام بن السيد حسين برهان الدين الرفاعي الخالدي الصيادي
قطب مدار الفضائل، ومجمع أسنى الشمائل، مصباح ذوي العرفان، ومفتاح غيب كعبة الوجدان، الحسيب الذي علا حسبه ذروة العلا، والنسيب الذي اشتهر نسبه بين الملا، من سراة لهم السر الأعلى، وحماة لهم القدر الأجلى، وأفاضل استوى فضلهم على عرش الكمال، وأماثل قد طار ذكرهم في الآفاق وجال كل مجال، وطاول شرفهم الحمل والميزان، وحاول الترقي إلى ذروة اليمن والإيمان، وهو ممن تأثل مجده في بحبوحة ذلك الشرف، وتبوأ من السيادة أسنى الغرف، مرتوية أفياؤه بماء النبوة، متأرجة أرجاؤه بعبير الفتوة، مع مهارة في العلوم، ومحاضرة فاض فيضها من فضل سيبه الموسوم، وأخلاق تألق جمالها الوضاح، وأوصاف تأنق عبير روضها الفواح، وأدب تردى بالبراعة وتوشح، وشعر ترنح للقبول وترشح، وحسن تلاعب بأطراف الكلام، وتناسب فيما تنشره ألسنة الأقلام، وجمال ألبسه الكمال إهابه، وجلال لو رآه الغضنفر الكاسر في غابه هابه.
فطن له علم يفيض ومنسب ... من ضرعه در النبوة يرشح
فرع زكا من دوحة الشرف التي ... من فوقها ورق السيادة تصدح
هذا ملخص نسخة السادات من ... يثني عليه كأنما هو يقدح
انظر جميع خصاله وفعاله ... فجميعها عبر لمن يتصفح
عجباً لقوم يكفرون بها ولو ... عقلوا وما عقلوا الصواب لسبحوا
يحق لعصره به الفخار، ولمصره أن يتيه به على سائر الأمصار، فهو إمام الكل في الكل، لو حاول اللسان حصر أوصافه لعجز وكل، كيف لا وهو إمام وابن إمام، وهمام وابن همام، وهلم جراً لا تقف عند حد، حتى تنتهي إلى أشرف جد، فليس في نسبه إلا ذ فضل وحلم، حتى تقف على باب مدينة العلم، وهذا فرع طابق أصله، ومتأخر ولكن فاق من قبله، طلع في جبهة الدهر غرة، فكان للعيون مسرة وقرة، وما قارن هلاله إبداره، حتى أحاطت به العلا داره، فلا غرو إن ألقت إليه الرياسة قيادها، وجعلت إليه السيادة استنادها، فأصبح ومرتبته العليا، وعبده الزمان وأمته الدنيا، ولله دره من عالم بهرت حجته، وبحر زخرت لجته، فقذف لؤلؤاً ودرا، وعم الأنام إحساناً وبرا، وناهيك به من ذي منطق فصل، وفضل قد تأثل في الزيادة والوصل، ولما ضاع أرج ذكره نشرا، وتهلل محيا الوجود بسناه بشرا، وانتشر صيته انتشار الصباح، وتعطرت بعبير ثناه الفيافي والبطاح، وعشقت أوصافه الأسماع، وأسرع إليه طلاب المعالي للأخذ والسماع، دعاه مولانا السلطان، الغازي عبد الحميد خان، إلى حضرته العالية الشريفة، واستبقاه في بحبوحة نعمته المنيفة، ونظر إليه بعين عنايته، وأسبل عليه ستر رعايته، فهناك امتد في الدنيا باعه، وعمرت بكمال الإقبال عليه رباعه، وقصده الغادي والرائح، وخدمته القرائح بالمدائح:
هذا الهمام ابن الهمام أبي الهدى ... كنز الندى نجل النبي المجتبى
هذا وحيد الدهر قطب أولي العلا ... شمس الملا شرقاً بدت أو مغربا
ألف الندى ورأى السخاء فريضة ... فاعتاد بذل المال من زمن الصبا
إن تدن آمل بره ونواله ... لاقاك بالوجه البشوش ورحبا
ذا البحر إن يممته تظفر بما ... أملته جرب ترى صدق النبا
قد قر في عرش الكمال سموه ... فلذا تراه على البرية كوكبا
من آل بيت قد علت أركانه ... وله العلا قد قال أهلاً مرحبا
أبقاه ربي للأنام مدى المدى ... ما أشرقت شمس وما هبت صبا
هذا وإني بحمد الله قد اجتمعت بهذا المترجم الفريد، حينما تشرفت به دمشق الشام وكان قد قصدها على قدم السياحة والتجريد، مريداً بعد زيارة ساداتها زيارة أقربائه بني الصياد، فحصل لي بالاجتماع بحضرته غاية المنى والإسعاد، غير أن الحصة كانت قصيرة، وكانت المذاكرة بيننا يسيرة، فلم تحصل المعرفة المقتضية للتذكار، وعلى كل حال فإني أعدّها من النعم الكبار، وقد وعيت من بديع محاضرته ما أدهش، ورويت من أحاديث شعره ما أطرب وأنعش، وكان كثيراً ما ترد عليه أحوال، دالة على استشرافه على مقام الكمال، وإني لأرجو من واهب العطية، أن يمتع بصري برؤية حضرته على أحسن حال قبل حلول المنية، إنه كريم وهاب، إذا دعاه العبد أجاب، ثم إنني أيام رقمي لهذا التاريخ طلبت من حضرة المترجم ترجمته بالمراسلة، لتكون لكتابي حلية لطيفة ولذاتي من جملة المواصلة، فأرسل لي حفظه الله من تأليفاته الشريفة جملة ومنها كتابه المسمى بقلائد الزبرجد، على حكم مولانا الغوث الشريف الرفاعي أحمد، مذيلاً هذا الكتاب بترجمة هذا الأستاذ، والعمدة الشهم الملاذ، وهذه الترجمة من إنشاء العالم الفاضل، والجهبذ السميدع الكامل، السيد محمد بن السيد عمر الحريري الرفاعي شيخ السجادة الرفاعية، في مدينة حماة المحمية، فنقلتها بحروفها من غير تغيير ولا تبديل، كما هي مرقومة لتكون نسبتها إلى حضرة منشيها باقية ومعلومة، فقال بعد خطبة دخل بها على المرام، وقد حذفتها لاقتضاء المقام، هو العالم المحقق والفاضل المدقق، شيخ الطريقة، وكشاف كل حقيقة، فرع الزاوية الهاشمية، ويتيمة قلادة السادة الأحمدية، مجدد طريقة جده أبي العلمين، وناشر أعلام فضله في المغربين والمشرقين، المالك زمام الفضائل والمعالي في كل نادي، صاحب السماحة والسيادة السيد الشيخ محمد أبي الهدى أفندي ابن شيخ المقام العالي الصيادي، العارف الكبير، الهمام الشهير السيد الشيخ حسن وادي، بن السيد علي بن السيد خزام، بن السيد الشيخ علي الخزام، دفين حيش الولي المقدام، ابن الولي العارف العالم المرشد الكامل السيد الشيخ حسين برهان الدين، بن السيد عبد العلام، بن السيد عبد الله شهاب الدين المبارك الزبيدي البصري الرفاعي، بن السيد محمد الصوفي، ابن السيد محمد برهان، بن السيد حسن الغواص، بن السيد الحاج محمد شاه، بن السيد محمد خزام دفين الموصل، بن السيد نور الدين، بن السيد عبد الواحد، بن السيد محمود الأسمر، بن السيد حسين العراقي، ابن السيد إبراهيم العربي، بن السيد محمود، بن السيد عبد الرحمن شمس الدين ابن السيد عبد الله قاسم نجم الدين المبارك، بن السيد محمد خزام السليم، ابن السيد شمس الدين عبد الكريم، بن السيد صالح عبد الرزاق، بن السيد شمس الدين محمد، بن السيد صدر الدين علي، بن القطب الجواد السيد عز الدين أحمد الصياد، بن السيد ممهد الدولة والدين عبد الرحيم الرفاعي، بن الإمام ولي الرحمن السيد عثمان، بن السيد حسن، بن السيد عسله، بن السيد الحازم، بن السيد أحمد، بن السيد علي مكي، بن السيد رفاعه، ويقال له الحسن نزيل المغرب، بن السيد المهدي، بن السيد أبي القاسم محمد، بن السيد الحسن، بن السيد الحسين، بن السيد أحمد، بن السيد موسى الثاني، بن السيد إبراهيم المرتضى، بن الإمام موسى الكاظم، ابن الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمد الباقر، بن الإمام زين العابدين علي الأصغر السجاد، بن الإمام الهمام علم الإسلام عين أئمة الأعلام، سبط الرسول عليه الصلاة والسلام، الذي امتحن بأناع البلاء أمير المؤمنين مولانا أبي عبد الله الحسين الشهيد بكربلا، ابن إمام الأئمة وأمير نحل هذه الأمة سيد الأولياء، وقائد أزمة الأصفياء، أمير المؤمنين مولانا الإمام علي رزقه من زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين بنت سيد المخلوقين عليه أفضل صلوات رب العالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولد حفظه الله وحماه سنة ألف ومائتين وست وستين لثلاثة أيام خلت من شهر رمضان المبارك بشيخون من أعمال معرة النعمان، وقرأ القرآن وهو ابن سبع سنين، ثم شرع في الكتاب فمهر، وأخذ يتلقى العلوم العقلية والنقلية عن أفاضل الرجال الأعيان فأتقن وأحسن، ثم تشرف بلبس الخرقة والخلافة الرفاعية من يد والده المتقدم ذكره صاحب الأنفاس الزكية، وله إجازتان أيضاً بطريقتهم العلية الرفاعية الصيادية، الأولى من شيخه وابن عمه أحد مشاهير أولياء الله السيد الشيخ علي خير الله الرفاعي الصيادي شيخ المشايخ بحلب الشهباء، لبس منه الخرقة الرفاعية بإذن والده، وأقام عنده بحلب مدة ولا زال بعدها يتردد لزيارته في أغلب أوقاته، مستمداً فيوضات نفحاته، وصالح دعواته، حتى حاز بحمد الله منه على تمام رضاه، وآذنه بما لديه ففاز به محفوظاً بعناية الله، والثانية من حضرة شيخه الأجل الولي الأكمل، غوث زمانه وشيخ أهل عصره وأوانه، طاهر الأنفاس المستأنس بربه المستوحش من الناس، مولانا السيد الشيخ محمد بهاء الدين مهدي الشيوخي الصيادي الرواس، لبس منه الخرقة عام تشريفه بغداد دار السلام، وتمم السلوك على يديه، وأخذ عنه العلوم الشرعية والتصوفية، وحفظ جميع كلامه المنظوم بعد الوقوف على كنوز حقائقه الدرية، ورموز معاني دقائقه الخفية، ولما استوفى سلوكه في الطريقة، وملك زمام الكشف عن مضرات كل حقيقة، آذنه بالرجوع لوطنه ودياره لنشر الطريق المبارك وقال له يوم وداعه:
دخلت لحاننا فاشطح وغني ... فأنت وحقنا عنا تنوب
فعاد مصحوباً بالسلامة للديار الحلبية، وعمتها بسببه بركة الحضرة الرفاعية وبعد رجوعه ببرهة يسيرة، خطر دار السعادة مركز الخلافة الإسلامية، فنشر بها علم الطريقة العلية، وانتسب له أفاضل الناس، لعلمهم أن طريقه المبارك قام على أساس من العرفان والشرع وأي أساس، وعاد منها بنقابة أشراف جسر الشغور من أعمال حلب، فانعطفت له الأنظار والقلوب بحسن الطلب، ثم بعد برهة يسيرة ولي نقابة الأشراف بحلب الشهباء، وأقبل على تعظيمه واحترامه بها الفقهاء والفقراء، وفي هذه الأثناء لا زال يخطر اسلامبول المحروسة، ذات الأطلال المأنوسة، ويترقى في المراتب العلمية، ويعظم اشتهاره لدى رجال الدولة العلية، حتى بلغ أمره الخليفة المعظم ظل الله في العالم، وارث سرير خلافة سيد المخلوقين نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ناصر الشريعة الغراء، وناشر ألوية الطريقة السمحاء، خادم الحرمين الشريفين إمام المشرقين والمغربين، السلطان ابن السلطان السلطان الغازي عبد الحميد خان، ابن السلطان الغازي عبد المجيد خان، خلد الله خلافته بالتوفيق إلى آخر الدوران، آمين.
فأحضره لديه، وعطف بكليته عليه، وقلده مشيخة المشايخ في دار الخلافة العلية، وألحقه إلى رتبة قضاء العسكر التي هي منتهى المراتب العلمية، ومع كل هذا ما برح منعكفاً على خدمة الطريق الشريف، مشتغلاً بفضل الله بإعلاء منار الشرع العالي بالتصنيف والتأليف، حتى ألف الكتب الجليلة الكثيرة، والرسائل الظريفة الوفيرة، وقد حرر أكثرها الطبع، بأحسن شكل وأجمل وضع، وها هي بحمد الله بأيدي المسلمين ينتفع بها العوام والخواص من الموحدين، لأنها مشحونة بالأصل الديني المتين، محفوظة مصونة من شبه أرباب الغلو في الدين، مرفوعة القواعد على أساس الكتاب والسنة السنية، رافعة أعلام المجد والمفخرة لعامة الملة الإسلامية، ولخاصة الفرقة الزكية الرفاعية، منها كتاب ضوء الشمس في قوله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس، وقلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر، وسلسلة الإسعاد في تاريخ بني الصياد، وداعي الرشاد إلى سبيل الاتحاد، وهداية الساعي في سلوك طريقة الغوث الرفاعي، ورسالة في التواتر والفجر المنير في ورد شيخ الأولياء السيد أحمد الرفاعي الكبير، وديوانه الفيض المحمدي والمدد الأحمدي، وكتاب الصراط المستقيم في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم، والحقيقة المحمدية في شأن سيد البرية، والمدد النبوي في بيان حكم العهد العلوي، وروح الحكمة فيما يجب من الأخلاق على هذه الأمة، والمدنية الإسلامية في الحكمة الشرعية، وتطبيق حكم الطريقة العلية على أحكام الشريعة النبوية، وسياحة القلم في الحكم، والواعظ المعرب عن حقيقة المسلم المتأدب، والسهم الصائب لكبد من آذى أبا طالب، وتاريخ الخلفا وراث النبي المصطفى، والكوكب الزاهر في مناقب الغوث عبد القادر، والعناية الربانية في ملخص الطريقة الرفاعية، وديوانه الثاني الجامع لأشتات درر غرر المعاني، وحضرة الإطلاق في مكارم الأخلاق، وقرة العين في مدح الإمام أبي العلمين، وطريق الصواب في الصلاة على النبي الأواب، وغير ذلك من المآثر التي سارت بها الركبان، وملأ شعاع فضلها النواحي والبلدان.
وقد امتدحه البلغاء وأثنى عليه فضلاء الشعراء لما من الله به عليه من الأخلاق، الشاهدة له بصحة النسب المحمدي وطهارة الأعراق، منها:
يا ساري البرق بل يا سائق السحب ... حي المنازل بين البان فالكثب
أنخ هناك مطايا الغيث مثقلة ... من كل منهمر بالقطر منسكب
وقف على الدار وسط الحي منتسباً ... لثغر ساكنها وافخر بذا النسب
قرب لها خبري يا برق محتسباً ... فذاك والله عندي أفضل القرب
واستعمل الرفق في التبليغ إن لها ... بقصتي طرباً ناهيك من طرب
ما الدار يا برق في المعنى سوى صدف ... ودرة الخدر فيها منتهى أربي
موهت بالدار والمعني ربتها ... كذكرنا الكأس والقصد ابنة العنب
فاذكر لها عجباً من أمر مدنفها ... دان على البعد لم يحضر ولم يغب
زفيره من أواز الوجد في صعد ... ودمعه من مجاري الخد في صبب
عدمت من عذلوني في الهوى سفهاً ... وحاربوني أو ناديت واحربي
ولو رأوا ما رأت عيني وكان لهم ... قلبي ولاموا لكان اللوم أجدر بي
لكن أخالهم خشباً مسندة ... وهل يؤثر داعي الحب بالخشب
عاشوا خليين من عشق يؤرقهم ... فطاب عيشهم وهماً ولم يطب
يا عاذلي خل عذلي مشفقاً فلقد ... أخطأت والله في عذلي ولم تصب
جسمي بدار اغترابي لا يفيق ولي ... قلب شجٍ عن دياري غير منقلب
يا لهف قلبي على تلك الديار ويا ... شوقي إليها ويا وجدي ويا وصبي
علمت أني إن لازمت تربتها ... لم أبرح الدهر في هم وفي ترب
فاخترت فرقتها لا عن كراهتها ... ولا غراماً بسير الأينق النجب
لكنما الهمم العليا روت خبراً ... العز مرتبط بالوجد والخبب
فكان ذاك علينا موجباً سفراً ... لولا الأماني لم يندب ولم يجب
لم أنس ما وجدت بالبيد أينقنا ... من الوجى ونفاد الماء والعشب
والركب في سكرة هزته سورتها ... لا سكرة الراح لكن سكرة التعب
في مهمه طامس الأعلام مشتبه ... سهل خلي من الحصباء والحصب
يرى الدليل به حرباً لناظره ... لا يستغيث بغير الويل والحرب
والليل ملقٍ خياماً من غياهبه ... قامت بلا عمد فيها ولا طنب
حتى إذا احتبكت في الأرض ظلمته ... وأنجم الأفق في حجب من السحب
حرنا فلما هتفنا باسم سيدنا ... أبي الهدى ضاء نور السبعة الشهب
محمد خلف الصياد صفوته ... الهاشمي الرفاعي الفتى العربي
أبي السراج أخو النورين حيدرة ... أجل عصبة طه وابنه العصبي
الطاهر النسب ابن الطاهر النسب ... ابن الطاهر النسبين الطاهر النسب
هادي الخليقة مهدي الطريقة ... كشاف الحقيقة جالي ظلمة الريب
مجدد لربوع الفضل حين حكت ... نهى أعاديه من واه ومن خرب
أنى ومن كل علمٍ حزن ثاكلة ... فما استراح إلى أن قال واطربي
ذو فكرة فعلت بالمشكلات على ... جهابذ الدهر فعل النار بالحطب
آراؤه أنجم في الخطب مشرقة ... وعقله لرحى التدبير كالقطب
ترى بصيرته الأزمان حاضرة ... ما كان مقترباً أو غير مقترب
وتشهد الكرة الأرضية اجتمعت ... كأنها وضعت للهو واللعب
يا دولة اتخذت منه لها ولداً ... يهنيك خير أخ يهنيك خير أب
يهنيك ذو الحزم والتدبير والأدب ... المطبوع والنسب المرفوع والحسب
يهنيك مولى على الأعداء فكرته ... أشد من حملات الجحفل اللجب
عقل ينوب عن الكشف الجلي وندى ... لله ما فعلت جدواه بالنوب
أحرزت يا دولة الإسلام منه فتى ... ساد الورى وهو حاشاه الصغار صبي
إن المقادير قد خطت يراعتها ... على محياه هذا سيد العرب
من معشر أرفع الأشياخ منزلة ... إمام طفلهم يجثو على الركب
صيد صناديد أشراف جهابذة ... نجب جحاجحة من سادة نجب
آل الرسول خيار الناس قاطبة ... خلاصة الخلق طراً نخبة النخب
لو نبأ الله بعد المصطفى أحداً ... لكان منهم لعمر الله ألف نبي
شرف وعظم ومجد ما استطعت ولا ... تطلب لبكر القوافي غير مطلبي
وإن حظيت بحبر من أئمتهم ... فامدحه محتسباً أو غير محتسب
وخص منهم فتى الفتيان سيدهم ... شيخ المشايخ كهل الفضل والأدب
أبا الهدى من إذا يممت ساحته ... أتاك معروفه عفواً بلا سبب
هذي الأقاليم فاطلب من يماثله ... فيها ندى واحتكم إن فزت بالطلب
شبه به البحر إن البحر يشبهه ... لكنه العذب مأمون من العطب
وانسب إليه جميع المكرمات ولا ... تنسب إليه ادخار المال والنشب
يرى رؤوس اليتامى إذ يقبلها ... أشهى له من خدود الخرد العرب
أما العفاة فلو شاهدت قربهم ... منه لحققتهم من أقرب النسب
أرضاه أن جيوش الحمد هاجمة ... عليه والمال من كفيه في هرب
للجمع بين الدجا والصبح في قرن ... أدنى من الجمع بين الحمد والذهب
شكراً لما نلته من صفو نعمته ... الحب والقرب والترتيب والرتب
كم كربة أثقلت ظهري ففرجها ... بهمة سميت فراجة الكرب
وكم أيادٍ له عندي مؤيدة ... لها دليلان من لحمي ومن عصبي
مدحته عاجزاً عن درك غايته ... مع انتخابي القوافي خير منتخب
وليس في العجز عن إدراكها عجب ... صفاته حصرتها من أعجب العجب
يجوز صدقي وكذبي في سواه وإن ... أمدحه يوماً فمعصوم من الكذب
أبا السراج وأنت المصقع اللسن ... الشهم البليغ إمام النظم والخطب
خذ مدحة من لباب الشعر لو تليت ... في منتهى الشرق كان الغرب في طرب
أقسمت لهي على الأعداء لو فهموا ... أشد وقعاً من الهندية القضب
ودونك العيد فاستبشر بزورته ... أنالك الله فيه منتهى الأرب
ومنها:
إن شيخي أبا الهدى لحسام ... سله الله والرسول الإمام
فهو بالله واثق خصام ... رجل لا تريعه الأيام
وله عند كرها إقدام
طود حلم من الزلازل ما ارتج ... وصبور على البلا قط ما لج
ببيت عز كل الكمال له حج ... وإمام قامت به دولة المج
د بطور به تباهى الإمام
قرشي مهذب علوي ... هاشمي مقرب أريحي
علم مفرد تقي نقي ... ونسيب وسيد أحمدي
خالدي شهم كريم همام
مرشد العصر بالجلال توشح ... وعن الرشد والهداية أوضح
عارف عرب العلوم فأفصح ... كم له في الورى لعمرك من أح
وال فضل حارت بها الأفهام
ومعال فوق السهى ثابتات ... وجياد تحت النهى صافنات
كم أرتنا في السبق من آيات ... ولكم من مكارم بينات
شهدت في علوها الأيام
وأياد جزيلة وهبات ... تتوالى كأبحر زاخرات
وسمات عن أصله باسمات ... ولكم من عزائم صارمات
عقدها لا يحله الإبرام
ولكم من مآثر طيبات ... وصلات منه لنا واصلات
وفعال عن حكمة صادرات ... ولكم من مناقب باهرات
دون مرقى سنامها الأوهام
ماجد حاز همة إن تزنها ... بعظيم الجبال ينحط عنها
كم فقير نال الغنى من لدنها ... ولكم من مواهب رد منها
عارض المزن وانقضى الانسجام
بهداه أحيا القلوب وأنعش ... وبساط المنى لراجيه يفرش
وهو في دولة إذا الخطب أدهش ... أسد من عصابة كللتها الش
هب في ضوئها وصح النظام
جل بين الأنام أمراً ونهياً ... وبفعل الخيرات أحسن سعيا
ألمعي به الفضائل تحيا ... وفتى من عشيرة عرش عليا
هم رفيع وعبدهم لا يضام
ضيفه يستقر في خير منزل ... وصروف الزمان عنه بمعزل
سيد ملجأ لكل مؤمل ... وكريم به تفاخر في سل
ك التدلي أهل كرام عظام
عارف قد أتى بأوثق حزم ... كان من بعضه علوم ابن حزم
ضيغم لم يزل بصحة جزم ... يقرع الحادث المبهم بعزم
حيدري في طيه إقدام
وهو ما زال للبرية غوثا ... من يديه يستمطر الجود غيثا
وذراع دعا الأعادي حوثا ... وتراه في حومة الحرب ليثا
بارزاً ما التوت له أقدام
لعروس الكمال أصبح بعلا ... ولها دون غيره كان أهلا
فيصل لا يزال قولاً وفعلا ... بالغاً من مراتب العز أعلى
رتبة في أساسها الأحكام
ذكرها يطرب النفوس ويرقص ... فعليها يا دهر حافظ أو احرص
يا لها رتبة إلى خير مخلص ... نظمتها من الشريعة أيدي الص
دق واستحكمت بها الأحكام
صبح هدي عن الهداية أسفر ... وبه باطن المريد تنور
علم عيلم همام غضنفر ... كيف لا وهو صاحب القدم الفر
د الرفاعي أبي الهدى المقدام
كم بنشر العلوم أحسن صنعا ... وأفاد العموم خيراً ونفعا
هاشمي قد طاب أصلاً وفرعا ... من حسين بقية النسب العا
لي المباني وعضبه الصمصام
ذو يراع جواده ليس يسقط ... في مداه ولا بعشواء يخبط
وبما شاء لا يريد التوسط ... وارث المرتضى وقرة عين الط
هر والغوث إن عدا الأخصام
تاج هام العلا وجوهر نصل ... أحمدي نضته أشرف أهل
عين آل الصياد أطيب نسل ... شبل أهل العبا ذوآبة أصل
بعلاهم تشيد الإسلام
بحلى رفده العفاة تحلوا ... وبوجه السرور منه تملوا
حاتمي ما قال ليت ولا لو ... وابن آل فيهم أضاء سما الكو
ن بهدي وزاح عنه الظلام
كوكب في ذرى العلا يتوقد ... وعلى فضله الخناصر تعقد
وهو للسالكين أعظم فرقد ... وسليل الغوث الرفاعي من قد
رفعت عزة له الأعلام
لذ بأعتابه الشريفة وادخل ... لحماه وارو المحامد وانقل
وبأفعاله وأقواله قل ... أعظم الأولياء قدراً وشيخ ال
كل إن شد في الخطوب حزام
من يساويه سؤدداً وفخاراً ... وعلواً ورفعة واقتدارا
أي غوث سواه كان نهاراً ... لائماً راحة الرسول جهارا
بعد عصر والأربعون قيام
فبروحي دون الورى أفديه ... من ولي بنى جدار بنيه
فهو في الأوليا وحق أبيه ... كنز سر تطلسم البأس فيه
وثوى في وحيده الضرغام
ما سواه يوم الشدائد يرجى ... بعد طه الرسول حصناً وملجا
كم وقعنا بالمهلكات فأنجى ... ولنا بابنه أبي الهدى للجا
هل ذاك الدليل والالزام
حجة القوم شيخهم في الأنام ... مرشد الوقت بهجة الأيام
قطبه الهاشمي شبل ضرام ... فرخه حافظ الوراثة حامي
ركنها أن تجز حماه اللئام
للمريدين في الحقيقة منجد ... ولهم في منازل القرب مسعد
ومن الكشف حين فاز بمقصد ... أخمرته من السراج سراج الد
ين كأس مدامه الإلهام
فتراءى في عالم النشر والطي ... فجر صدق يمحو الضلالة والغي
وتبدى في هيكل مفرد الزي ... وعليه من مجد سيدنا الصي
ياد درع طرازه الاحترام
بشذا رشده الزمان تعطر ... فروى للأنام عنه وأخبر
وبدا ينجلي بأحسن مظهر ... وله نسبة حسينية الطر
ز جلاها شيخ العراق خزام
آل بيت مقدس قد كساهم ... خلع المجد ربهم واصطفاهم
وهداهم بفضله واجتباهم ... رضي الله عنهم وحباهم
صولة ينجلي عليها الدوام
ومقاماً من الكواكب أعلى ... واحتراماً بين الأنام وفضلا
وحماهم من كل ماساء فعلا ... وعليهم أزكى التحيات من الل
هـ تعالى مدى المدى والسلام
ومن نظم صاحب الترجمة الذي فاق نظم الدرر قصيدته التي تخلص بها لمدح جده النبي المفتخر وهي:
هل منقذ لأخي النوى مما به ... قطعته أيدي الحظ عن أحبابه
كالظل أضحى قائماً شبحاً بلا ... جرم يلجلج في رسيس ثيابه
ما فيه إلا الروح تخبر أنه ... حي ولا رسم بطي نقابه
كمد تلهب ناره ودموعه ... كالغيث لا ينفك وبل سحابه
فالوجد هد وجوده بزفيره ... والصد حارب قلبه بحرابه
يا للرجال لحائر أسبابه ... قطعت وأين الوصل من أسبابه
أوزاره قد أثقلته وعرقت ... أسفاره الآثام عن آرابه
وطغت عليه الحادثات وما له ... إلا الذي لاذ الورى بجنابه
محبوب رب العالمين نبيه ... ورسوله وأمين سر كتابه
سيف الرسالة صاحب الحكم الذي ... أحيا رسوم العدل فصل خطابه
مصباح فرقان المثاني من بدت ... حكم الكتاب تضيء في محرابه
فلك المعاني الخافيات بمشهد ... ما الرسل إلا من نجوم قبابه
سير الهلال سرى بليل عروجه ... وسرت ملائكة العلا بركابه
وطوائف النور المضيء تحفه ... شرفاً له بذهابه وإيابه
حتى دنا بعد التدلي صاعداً ... بهبوطه السامي لبرج رحابه
فتمثل الأملاك بين يديه في ... مغناه يستسقون من ميزابه
والدين أشرق وجهه متهللاً ... في أفق وادي يثرب وشعابه
فلذاك رصع أرضه شهب السما ... والمسك غلغل في غبار ترابه
والبدر قلب وجهه متململاً ... يرجو القبول على أريكة بابه
لله ركن عز من ذاك الحمى ... أضحى أمين الوحي من حجابه
خضعت ملوك العالمين لمجده ... وتمثلوا رهباً لدى أعتابه
ومن انتمى لرفيع سدة جاهه ... لم يفترسه زمانه بمصابه
وعبيده مهما تدنس بالخطا ... هو في أمان الله يوم حسابه
وتحفه من ذيله نفحاته ... في هينات زمانه وصعابه
هو روح هذا الكون قرة عينه ... ومدار رمز سؤاله وجوابه
هو كنز علم الله صاحب أمره ... هو سيفه والكون نوع قرابه
هو مظهر السر الخفي عن السوى ... والمحضر المطوي في جلبابه
هو حجة الرسل الكرام أمامهم ... هو شيخهم بمشيبه وشبابه
ما الأولياء العارفون بربهم ... إلا الذين حسوا لذيذ شرابه
ما الكون إلا نقطة هو أصلها ... أو طلسم هو شكل حرف صوابه
ما الحلم إلا ما إليه رجوعه ... والعلم إلا مذهب من دابه
والجود إلا نسمة من طبعه ... والمجد إلا من سنا آدابه
لمعت براهين الهدى بظهوره ... ودجى الضلال محاه نور شهابه
والحق أقبل والفتوح أمامه ... والغي ولى مدغماً بضبابه
أدعوه للكرب الملح وأين من ... عزماته ليث الثرى في غابه
فلكم حللت به وعزة قدره ... عقد الزمان ولان صلد صلابه
ولكم لجأت له بقلب خاشع ... فحماه بالإحسان من أتعابه
أنا عبده والعبد مهما زل عن ... طرق الرضا ساداته أولى به
صلى عليه الله ما لمع الضحى ... ولآله يهدي الثنا وصحابه
ومن نظم هذا الهمام في مدح سيد الأنام
اعجز المنقبض المنبسط ... بمعان شط منها الخطط
وبدا من جامع الشأنين في ... طالع الكونين طور وسط
وانجلى في الأفق البحت سنا ... صحف صفت عليها النقط
وبدوح الغيب قامت حكم ... صحة ما قام فيها الغلط
وبآيات المثاني جوهر ... بأكف الوهم لا يلتقط
فوقها منك حبيبي أسدلت ... حجب للحشر لا تنكشط
أنت سر الكل والكل له ... منك حبل عاصم مرتبط
حار في درك معانيك الورى ... والمدى المقصود عنهم شطط
شأنك السيار فيه درر ... لمعانيها البرايا سفط
جل من جلل مجلاك ضيا ... بحواشيه البها يختبط
جمع هذا الفرق فرق جمعه ... منه قد دل عليك النمط
ومنه قوله يمدح سلطان الرجال وكعبة أهل الوجد والحال جده الإمام الرفاعي الكبير لا زال رمسه الأعطر مهبط مدد الخالق القدير.
قلب المحب بحبه مشغول ... وله عليه تلهف وعويل
لا زال يطويه الهيام على لظى ... وجد وينشره ضنى وذبول
يا لائمي واللوم ليس بنافع ... أيصد عن طلب الحبيب عذول
دع لوم أهل العشق واطرح عذلهم ... إن العذول بشأنه مخجول
ولقد تزيا بالغرام وأهله ... ذو ريبة في زيه مخذول
ردته بينة المحبة خاسئاً ... وشهود أحكام الغرام عدول
ذو الصدق في سوح المحبة ثابت ... وأخو الرياء من الظلال يميل
يلهو إذا خشع المحب وإنما ... مجلى الخشوع على الفؤاد دليل
متن الهوى تحت الضلوع وشرحه ... بشروط حال العارفين طويل
قد يدعي الحب الملح كواذب ... والعاشقون الصادقون قليل
ولكم تباكى المدعون وما بكوا ... ودموع أصحاب الولوع سيول
ولربما سكت المحب لفكرة ... فيمن يحب وعقله مذهول
يا من ولعت بهم وطبت لذكرهم ... رفقاً فقلبي للصدود عليل
لو زال رضوى وانتحى عن أرضه ... حاشاي عنكم يا كرام أحول
ما قلت أصحو من سلافة حبكم ... إلا اعتراني سكرة وخبول
لكم التحكم في القلوب ولم تزل ... تسري إليكم أنفس وعقول
قد حرت في تعريفكم لجلالكم ... لم أدر يال الحي كيف أقول
أيطول فهمي سر رفعة قدركم ... ومقامكم هام الفخار يطول
ولكم بصف العاشقين مشاهد ... غرر لها بين الورى وحجول
وغداة كل قبيلة بإمامها ... تدعى ويبدو المضمر المجهول
ويرى هناك الحق والدعوى ويظهر ... للعيان فضيلة وفضول
فأمامكم يا أهل أم عبيدة ... علم الرجال السيد المقبول
شمس الحمى الغوث الرفاعي الذي ... في الفضل صح حديثه المنقول
سلطان أقطاب الرجال وشيخهم ... وشجاعهم حيث القلوب تزول
ذو السيرة النبوية العليا التي ... فيها انطوى المنقول والمعقول
شبل الحسين سليل أصحاب العبا ... سيف الرسول الصارم المسلول
كم مرة نصر الضعيف بنظرة ... وعلا وعز برمشتيه ذليل
غوث إذا لجأ الكسير لبابه ... طرف الزمان يراه وهو كليل
توراة عنوان الزبور نصوصه ... وبسره الفرقان والإنجيل
ناب النبي فعلمه من علمه ... وطريقه بطريقه موصول
ذو همة برهانها متواتر ... كالفجر لكن ما اعتراه أفول
وكفاه أن مد النبي يمينه ... لجنابه والحي فيه قفول
خرجت من القبر الشريف كأنها ... عضب من النور الجلي صقيل
سارت بها الركبان تنقل نصها ... مسكاً بأقطار الوجود يجول
هذا أبي العلمين ذو الكف الذي ... من راحه بحر الفيوض يسيل
أخذ الخضوع كشأن طه مذهباً ... فطريقه للمكرمات سبيل
إن قال عن دعوى قؤول شاطح ... سكراً فهذا بالخشوع فعول
لله خارقة بطي وجوده ... معها كثير الخارقات قليل
خشعت لديه الأولياء وكلهم ... سامي المهابة عارف وجليل
وكأنه دون الجميع لعقله ... طود من العلم الصحيح ثقيل
لا يستفز بوارد عن شأنه ... وبربه عن غيره مشغول
يجري له الإحسان بحر الامتنا ... ن وذيله من دمعه مبلول
هذا هو الفحل المكين بطوره ... الله ما كل الرجال فحول
وقفت رجال الله تحت لوائه ... ونواله لصروفهم مبذول
وسرى على أثر الرسول وما له ... في السائرين مماثل وعديل
شيخ بتولي المقام وسيد ... حمل الضعاف ببابه محمول
مأوى صنوف العاجزين رحابه ... ما خاب في ذاك الرحاب نزيل
هو كعبة يحمي الطريح بركنها العالي ... ويأمن خائف ودخيل
نفحات فضل الله في ذاك الحمى ... فياضها متواصل وهطول
ولشيخ ذياك الرحاب عوارف ... حزب العفاة بمنحها مشمول
من لاذ فيه بصدق قلب خالص ... ما فاته المسؤول والمأمول
لا زال أصحاب القبول ببابه ... ولهم تدق من الفتوح طبول
فعليه لا برحت ميازيب السلا ... م تسح ما ذكر الخليل خليل
أو قام منه على سرير صفاته ... ملك عليه من الرضا اكليل
أو ثبت القلب الخفوق بحبه ... صبر من الود القديم جميل
ومنه قوله يمدح شيخه القطب الأعظم السيد محمد مهدي الصيادي الرفاعي الرواس قدس الله سره ونفعنا به آمين
لربي مني الشكر شيخي ومرشدي ... إمام الزمان الغوث قطب رحى المجد
غدا وحده ركن المعالي وإنني ... عرفت به ما بين أهل الحمى وحدي
ومن شعره في النسيب والغزل لا زال محط رحال أهل الأهل
تندب الأطلال روحي كلما ... هب في الأرجاء ريح السحر
ويفيض الدمع من عيني دماً ... ركب قوم سار سير القمر
واختباط البرق من نحو الحمى ... يخطف القلب لجيران التلال
فعلام كل هذا ولما ... هاهم مروا كلمح البصر
يا رعى الله أويقات غضاض ... قنع البشر بها هام السرور
مع خلان مضت بين الرياض ... وبنا دنيا رحى الوصل تدور
راح هذا وكأن الدهر ما ... أغمض العين ولا نلنا الوصال
فاقض يا دهر بنا ما أنت قاض ... قد رضينا باختيار القدر
آه لو عادت ليالينا القدام دور ... لشفينا غلة تحت الضلوع
وروينا من أحاديث الغرام ... مرسلات من أساطير الدموع
ووصلنا في الهوى ما انصرما ... ورأينا ما تعاناه الخيال
لكن الأمر خيال والسلام ... خطرات من قبيل السمر
قسماً بالعهد والود القديم دور ... كل آن وجدهم عندي جديد
هم سروا والوجد في سري مقيم ... يفعل الله تعالى ما يريد
ما زهى الروض أو الودق همى ... غدوة غلا ومني الدمع سال
وعلى نهج الصراط المستقيم ... ثابت في الحب طول العمر
كلما العتم انجلى قلبي يطير دور ... وإلى أنوارهم آهي يطول
وإذا ما الشمس جدت بالمسير ... ذكرت نفسي لهم تلك القفول
وإذا موج الظلام التطما ... خلته من شعرهم بعض الحبال
وعلى كل قليل وكثير ... شكلهم منطبع في نظري
يا نسيم الصبح خذ قلبي لمن دور ... أقلقوه يوم بانوا بالفراق
وإذا ما عدت بالذكر الحسن ... هات ما عندك من طيب التلاق
وأعد روحاً بها البين رمى ... لجج الحين وألقاها وشال
وارحمنها فهي خنساء الحزن ... وافتقاد الإلف طبع البشر
ليت خلاني بذياك اللوى دور ... ذكروا خلاً لهم خلوه ليت
ذا حنين من تباريح النوى ... صار لا در النوى حيا كميت
نظم الشعر لهم إذ نظما ... وطوى أحشاءه ضمن المقال
وعلى عرش الإشارات استوى ... فكره ثم أتى بالدرر
هذه يا حسرتي قصة من دور ... مسه الضر وأفناه الجزع
دنف مذ أزمع القوم وهن ... واصل الحزن وللحزن انقطع
كم يناجي الطيف فيهم كلما ... رام أن يبدي لهم قصة حال
قائلاً بالله يا طيف الوسن ... عطفوا أم قلبهم من حجر
وعبير فاح من تلك الخيام دور ... يوم زمت عيسهم قبل الصباح
أنا مفتون بهم حتى القيام ... ولهذا طال ندبي والصياح
أسأل البرق إذا ما اضطرما ... عنهم يا لهف قلبي والغزال
فعلى أرجائهم مسك الختام ... ينشر الدهر فتيت العنبر
وقال أطال بقاه وأعلى مرتقاه
أي غصين الياسيمن انتبه ... واتركن بالله ما أنت به
هزك الريح فقلدت لذا ... خصر ريم ما له من شبه
حدك القطع لهذا فاعتذر ... عل أن تدرأه بالشبه
وقال
لي بالأبيرق فتية خلفتهم ... وطرحت بين خيامهم أحشائي
منهم لظى ناري وماء مدامعي ... يا لوعتي من نارهم والماء
وقال
لي في العراق أحبة ملكتهم ... قلباً عليهم يوم بانوا ذابا
ذاق العذيب بقربهم لكنه ... لما أطالوا البعد ذاق عذابا
وقال
والذاريات من الدموع تلهفاً ... يوم النوى والمرسلات سيولا
ما كنت أعلم أن غزلان الحمى ... يصلتن من ريش الجفون نصولا
وقال
أيها البرق الذي تلوى به ... قادحات من زناد الولع
ما رأيت العيس لما أزمعت ... وتوارت عن زوايا لعلع
عجباً تلويك أخبار اللوى ... لظبا روض النقا والأجرع
إنني المضنى الذي فارقتهم ... كيف يا بارق لو كنت معي
أنت حيناً تتلوى وأنا ... زفرتي ما عشت لم تنقطع
ومن لطائف شعره قوله
ألا فرج من حضرة الله محكم ... يؤيد إيماناً تحكم في السر
فيا نفحة البشرى من الله سرعة ... ويا غارة الجبار من حيث لا ندري
وهذه النبذة من ترجمة هذا الإمام مغنية عن الإكثار توفي رحمه الله تعالى في الآستانة في العشر الأول من شهر ربيع الأول سنة ألف وثلاثمائة وسبع وعشرين والحمد لله والصلاة على رسوله في البدء والختام.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.

 

 

محمد بن حسن وادي بن علي بن خزام الصيادي الرفاعيّ الحسيني، أبو الهدى:
أشهر علماء الدين في عصره. ولد في خان شيخون (من أعمال المعرة) وتعلم بحلب وولي نقابة الأشراف فيها. ثم سكن الآستانة، واتصل بالسلطان عبد الحميد الثاني العثماني، فقلده مشيخة المشايخ. وحظي عنده فكان من كبار ثقاته. واستمر في خدمته زهاء ثلاثين سنة. ولما خلع عبد الحميد، نفي أبو الهدى إلى جزيرة الأمراء في (رينكيبو) فمات فيها. كان من أذكى الناس، وله إلمام بالعلوم الإسلامية، ومعرفة بالأدب، وظرف وتصوف. وصنف كتبا كثيرة أشك في نسبتها إليه، فلعله كان يشير بالبحث أو يملي جانبا منه فيكتبه له أحد العلماء ممن كانوا لا يفارقون مجلسه، وكانت له الكلمة العليا عند عبد الحميد في نصب القضاة والمفتين. فمن كتبه (ضوء الشمس في قوله، صلّى الله عليه وسلم، بني الإسلام على خمس - ط) و (قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعيّ وأتباعه الأكابر - ط) و (فرحة الأحباب في أخبار الأربعة الأقطاب - ط) و (الجوهر الشفاف في طبقات السادة الأشراف - ط) و (تنوير الأبصار في طبقات السادة الرفاعية الأخيار - ط) و (السهم الصائب لكبد من آذى أبا طالب - ط) و (ذخيرة المعاد في ذكر السادة بني الصياد - ط) و (الفجر المنير - ط) من كلام الرفاعيّ.
وله شعر ربما كان بعضه أو كثير منه لغيره، جمع في (دواوين) مطبوعة. ولشعراء عصره أماديح كثيرة فيه. وهجاه بعضهم .
-الاعلام للزركلي-