وجيه الدين أبي محمد عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيباني
ابن الديبع عبد الرحمن
تاريخ الولادة | 866 هـ |
تاريخ الوفاة | 944 هـ |
العمر | 78 سنة |
مكان الولادة | زبيد - اليمن |
مكان الوفاة | زبيد - اليمن |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
وفيهَا فِي ضحى يَوْم الْجُمُعَة السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر رَجَب توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ الْحجَّة المتقن شيخ الْإِسْلَام عَلامَة الْأَنَام الجهبذ الإِمَام مُسْند الدُّنْيَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي حَدِيث سيد الْمُرْسلين خَاتِمَة الْمُحَقِّقين شيخ مَشَايِخنَا المبروزين أَبُو مُحَمَّد عبد الله الرَّحْمَن بن عَليّ الديبع الشَّيْبَانِيّ الْعَبدَرِي وجيه الدّين الشَّافِعِي الْعَالم الْفَاضِل مُلْحق الْأَوَاخِر بالأوائل قَالَ رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ فِي آخر كِتَابه بغية المستفيد بأخبار زبيد كَانَ مولدِي بِمَدِينَة زبيد المحروسة فِي يَوْم الْخَمِيس الرَّابِع من شهر الله الْحَرَام الْحرم أول سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بمنزل وَالِدي مِنْهَا وَغَابَ وَالِدي عَن مَدِينَة زبيد فِي آخر السّنة الَّتِي ولدت فِيهَا وَلم تره عَيْني قطّ ونشأت فِي حجر جدي لأمي الْعَلامَة الصَّالح الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى شرف الدّين أبي الْمَعْرُوف إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد مبارز الشَّافِعِي رَحمَه الله وانتفعت بدعائه لي فِي أَوْقَات الْإِجَابَة وَغَيرهَا وَهُوَ الَّذِي حدب عَليّ ورباني وأطعمني وسقاني وكساني وواساني وعليني وأوصاني جزاه الله عني بِالْإِحْسَانِ وقابله بِالرَّحْمَةِ والرضوان وَكَانَ الْمَذْكُور على قدم فِي عبَادَة الله عز وَجل محافظاً على قيام اللَّيْل واحياء مَا بَين العشائين وملازمة الْجَمَاعَة فِي الصَّلَوَات المفروضات تالياً لكتاب الله تَعَالَى عَارِفًا بِسنة رَسُول الله صلَة الله عَلَيْهِ وَسلم
أَخذ الْعلم عَن غير وَاحِد من أَشْيَاخ قطره وَغَيرهم كالعلامة نور الدّين الفخري والخطيب كَمَال الدّين الضجامي والنفيس الْعلوِي وَالشَّيْخ أبي الْفَتْح المارفي والمقري شمس الدّين الجزوي وَالْقَاضِي زين الدّين مكي وَغَيرهم رَحْمَة الله عَلَيْهِم وَصَحب الشَّيْخ الصَّالح شرف الدّين أَبَا الْمَعْرُوف واسماعيل بن أبي بكر الجبرتي الصُّوفِي نفع الله بِهِ وَقَرَأَ كتب الْقَوْم وحفظها وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي فتح مغلقها وَكَانَ رَحْمَة الله تَعَالَى يؤثرني حَتَّى على أَوْلَاده الَّذين لصلبه آثر الله بحبه وقربه ثمَّ إِنِّي تعملت الْقُرْآن الْكَرِيم عِنْد سَيِّدي الْفَقِيه نور الدّين عَليّ بن أبي بكر خطاب كَانَ الله لَهُ حَتَّى بلغت سُورَة يس وانتفعت بِهِ كثيرا وَظَهَرت نجابتي عِنْده ثمَّ انْتَقَلت إِلَى سَيِّدي وخالي الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين أَبُو النجباء مُحَمَّد الطّيب بن اسماعيل مبارز جزاه الله عني خيرا فَلَمَّا رأى نجابتي أَمرنِي بِنَقْل الْقُرْآن الْعَظِيم من أول سُورَة الْبَقَرَة إِلَى آخر فقرآته عِنْده شرفاً وَاحِدًا حَتَّى ختمته وحفظته بذلك الشّرف عَن ظهر الْقلب وَأَنا ابْن عشر سِنِين وَالله الْحَمد ثمَّ توفى الله وَالِدي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى ببندر الديو من بِلَاد الْهِنْد فِي أَوَاخِر سنة سِتّ وَسبعين وَلم يحصل لي من مِيرَاثه سوى ثَمَانِيَة دَنَانِير ذَهَبا ثمَّ أخذت بعد ختم الْقُرْآن على خَالِي الْمَذْكُور فِي علم الْقرَاءَات السَّبع فنقلت الشاطبية ثمَّ قَرَأت الْقرَاءَات عِنْده مُفْردَة ومجموعة وَتمّ لي ذَلِك بِحَمْد الله وعوني ثمَّ أخذت فِي علم الْعَرَبيَّة على خَالِي الْمَذْكُور وعَلى غَيره وَأخذت عَلَيْهِ خُصُوصا فِي علم الْحساب والجبر والمقابلة والمساحة والفرائض وَالْفِقْه حَتَّى انتفعت من كل علم مِنْهَا ثمَّ قَرَأت كتاب الزّبد فِي الْفِقْه للْإِمَام شرف الدّين البازري على شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة الصَّالح المعمر تَقِيّ الدّين مفتي الْمُسلمين أ [ي حَفْص عمر بن مُحَمَّد الْفَتى بن معيبد الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله قِرَاءَة بحث وَتَحْقِيق وَفهم وتدقيق فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ حججْت إِلَى بَيت الله الْحَرَام فِي آخرهَا وانفقت الثَّمَانِية الدَّنَانِير الَّتِي ورثتها من وَالِدي رَحمَه الله فِي تِلْكَ الْحجَّة ثمَّ تقدّمت بعد الْحَج إِلَى مَدِينَة زبيد وَقد توفّي بهَا جدي الْمَذْكُور فِي حَال غيبتي وَكَانَت وَفَاته ضحى يَوْم الْأَرْبَعَاء منتصف الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة عَن ثَمَانِينَ سنة غير أَرْبَعَة أشهر رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ قدومي يَوْم رَابِع مَوته فأقمت بزبيدعند خَالِي الْمَذْكُور فِي أطيب عَيْش وَأتم سرُور وَلم أزل عِنْده حَتَّى ذهبت إِلَى الْحجَّة الثَّانِيَة فِي أَوَاخِر سنة خمس وَثَمَانِينَ فَرَجَعت إِلَى مَدِينَة زبيد سالما غانماً ثمَّ مَنَّ الله عَليّ بِصُحْبَتِهِ شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة الْمُحدث بَقِيَّة أهل الْيمن زين الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أَحْمد بن عيد اللَّطِيف الشرجي كَانَ الله لَهُ فَأخذت عَلَيْهِ فِي علم حَدِيث سَوَّلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ هُوَ المرشد لي إِلَى ذَلِك جزاه الله عني أحسن الْجَزَاء فَقَرَأت عِنْده صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وموطأ الإِمَام مَالك والشفاء للْقَاضِي عِيَاض وَعمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة لِابْنِ السّني وَالشَّمَائِل لِلتِّرْمِذِي والرسالة للقشيري وَجَمِيع مؤلفاته ومصنفاته وَمَا لَا يُحْصى من الْأَجْزَاء والكتب اللطيفة وَبِه تخرجت وانتفعت وألفت فِي حَياتِي كتابي المسمي بغاية الْمَطْلُوب وَأعظم الْمِنَّة فِيمَا يغْفر الله بِهِ الذُّنُوب وَيُوجب بِهِ الْجنَّة وَهُوَ الَّذِي تعلمت مِنْهُ صنعه التَّأْلِيف والتصنيف وَارْتَحَلت فِي حَيَاته بإشارته إِلَى بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل لزيارة الْفُقَهَاء بني جغمان فَأخذت فِي الْفِقْه بهَا على شَيخنَا الإِمَام الصَّالح الْمقري ولي الله تَعَالَى جمال الدّين أبي أَحْمد الطَّاهِر بن أَحْمد عمر بن جغمان فَقَرَأت عَلَيْهِ منهاج الطالبين للنووي وَمن الْحَاوِي الصَّغِير وتيسيره للبارزي ونظمه لِابْنِ الوردي إِلَى ثلث كل كتاب مِنْهَا وَأخذت فِي الحَدِيث بهَا على شَيخنَا الإِمَام الأوحد الصَّالح ذِي الْفُنُون العديدة والمآثر الحميدة برهَان الدّين أبي اسحاق إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم بن جغمان فَقَرَأت عَلَيْهِ كتاب الْأَذْكَار للْإِمَام النَّوَوِيّ وَالشَّمَائِل لِلتِّرْمِذِي وعدة الْحصن الْحصين للجزري وَغير ذَلِك وَسمعت عِنْده بِقِرَاءَة غَيْرِي مجَالِس من صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم وبعضاً من كتاب الْإِرْشَاد مُخْتَصر الْحَاوِي للعلامة شرف الدّين ابْن الْمقري وَغير ذَلِك وانتفعت بِدُعَاء كل وَاحِد من مشايخي الْمَذْكُورين ومحبتهم لي رحم الله جَمِيعهم وشكر صنعهم
ثمَّ حججْت الْحجَّة الثَّالِثَة فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وزرت بعد الْحَج قبر سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة مِنْهَا ثمَّ رجعت إِلَى مَكَّة المشرفة فِي الْمحرم من سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فمنَّ الله عَليّ بلقاء الشَّيْخ الإِمَام حَافظ الْعَصْر مُسْند الدُّنْيَا فريد الْوَقْت شمس الدّين أبي الْخَيْر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السخاوي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي فِيهَا فصحبته وانتفعت بِهِ وَأخذت عَلَيْهِ فِي علم الحَدِيث النَّبَوِيّ وَسمعت عِنْده كثيرا من صحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم وَمن كتاب مشكاة المصابيح للتبريزي وَجُمْلَة من الفية الحَدِيث وقرأت عَلَيْهِ كتاب بُلُوغ المرام من أَدِلَّة الْأَحْكَام لِلْحَافِظِ أبي الْفضل بن حجر وبعضاً من كتاب سيرة ابْن سيد النَّاس الْيَعْمرِي الْمُسَمَّاة بعيون الْأَثر وبعضاً من كتاب رياض الصَّالِحين للنووي وثلاثيات البُخَارِيّ وَمَا لَا يُحْصى من الْأَجْزَاء والمسلسلات وَكَانَ يجلني وَيُشِير إِلَيّ ويعظني ويقدمني على سَائِر الطّلبَة ويؤثرني وَأحسن إِلَيّ كثيرا جزاه الله عني خيرا ثمَّ لما رجعت من الْحَج إِلَى وطني وألفت كتابي المسمي كشف الْكُرْبَة فِي شرح دُعَاء الإِمَام أبي حوبة ثمَّ ألفت بعده كتابي هَذَا بغية المستفيد فِي أَخْبَار مَدِينَة زبيد وَلما وقف عَلَيْهِ مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الظافر عَامر بن عبد الْوَهَّاب بن دَاوُد طَاهِر جدد الله سعوده ونضر جُنُوده طلبني إِلَى مَجْلِسه الشريف العالي المنيف واستجاده وَاسْتَحْسنهُ وَدَعَانِي ونبهني على إِلْحَاق أَشْيَاء فِيهِ كنت أغفلتها واستدراك فَوَائِد شوارد لم اكن ذكرتها ثمَّ اختصرت مِنْهُ كتابي الْمُسَمّى بِالْعقدِ الباهر فِي تَارِيخ دولة بني طَاهِر ذكرت فِيهِ دوله جديه بني طَاهِر ووالده ومآثرهم الحميدة ودلته الْمُبَارَكَة الميمونة السعيدة فَلَمَّا وقف عَلَيْهِ مَوْلَانَا السُّلْطَان أضَاف عَليّ مواهب الْجُود والاحسان وأجازني من مواهبه الهنية بجائزة مَيْمُونَة سنية ثمَّ حصل هَذَا التَّارِيخ تحصيلا عظميا وَتَقَدَّمت بِهِ إِلَى مَوْلَانَا السُّلْطَان وَهُوَ إِذْ ذَاك بمحروسته المقرانة مُقيما وقدمت إِلَيْهِ فأثابني بِثَوَاب عَلَيْهِ وأفاض عَليّ من مواهبه وَكَرمه مَا يقصر صوب الْغَمَام عَن غزير ديمه وَلم أزل عِنْده فِي روض اريض وجود فياض عريض حَتَّى أذن لي فِي الرُّجُوع إِلَى وطني وخلع عَليّ خلعة نفيسة وأكرمني وتصديق عَليّ بَيْتا مِنْهُ سلطانية بمدنية زبيد للسُّكْنَى وَأَعْطَانِي قِطْعَة نخل بوادي زبيد وصيرني إحسانه قِنَا وتلافاني بعد الضعْف وتدارك وَجعل لي قِرَاءَة الحَدِيث بِجَامِع زبيد عَليّ الْمِنْبَر الْمُبَارك فَرَجَعت مَسْرُورا إِلَى الوطن فِي نعْمَة وافرة وَحَال حسن شاكرا لجوده وإحسانه معترفا بفضله وامتنانه سَائِلًا الله تَعَالَى أَن يجمع الْخلق على طَاعَته وَأَن يمد فِي أَيَّام دولته وَأَن يعز بمتابعته كل صبار شكور ويذل بمخالفته كل ختار كفور وَيجمع لَهُ بَين نَصره الْعَزِيز وفتحه الْمُبين وَيجْعَل كلمة الْحق بَاقِيَة فِيهِ عقبَة إِلَى يَوْم الدّين آمين
آمين آمين لَا أرْضى بِوَاحِدَة ... حَتَّى أضيف إِلَيْهَا ألف آمينا ...
وَهَذَا مُحَصل خبر مبتداه إِلَى منتهاه رَحمَه الله تَعَالَى أَخذ عَنهُ الأكابر كالعلامة بن زِيَاد وَالسَّيِّد الْحَافِظ بن حُسَيْن الأهدل وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ المزجاجي وَغَيرهم وَأَجَازَ لمن أدْرك حَيَاته أَن يروي عَنهُ فَقَالَ
أجزت المدركي وقتي وعصري ... رِوَايَة مَا تجوز روايتي لَهُ ... من المقروء والسموع طرا ... وَمَا ألفت من كتب قَليلَة ... وَمَا لي من مجَاز من شيوخي ... من الْكتب القصيرة والطويلة ... وأجو الله يخْتم لي بِخَير ... ويرحمني برحمته الجزيله ...
وَسمعت صاحبنا الْعَلامَة الْفَقِيه مُحَمَّد بن أَحْمد الجابري رَحمَه الله يَقُول أخبرنَا شَيخنَا السَّيِّد الطَّاهِر بن عبد الرَّحْمَن بن الأهدل قَالَ أخبرنَا شَيخنَا الضياء وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الديبع بِمَا لَفظه قَالَ أَخْبرنِي شَيخنَا القَاضِي الْعَلامَة الْعدْل الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد السَّلَام النَّاشِرِيّ كَانَ الله لَهُ وَزَاد فَضله قَالَ اخبرني الْفَقِيه كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله فقيش وَهُوَ رجل ثِقَة صَالح قَالَ أَخْبرنِي الْفَقِيه عمر بن مُحَمَّد الملاح وَهُوَ ثِقَة صَالح قَالَ تزوجت امْرَأَة شَابة وَأَنا رجل كَبِير وَكَانَ أَهلهَا يحبوني ويعتقدوني وَهِي كارهة بباطنها لصحبتي من حَيْثُ كبري وَتظهر الود من أجل أَهلهَا فاتفق أَن امْرَأَة دخلت عَلَيْهَا خُفْيَة مني وَأَنا أسمع وَهِي لَا تشعر بِي وَكَانَت كلما تَكَلَّمت كلمة كتبتها فِي ورقة عِنْدِي ثمَّ أَن الْمَرْأَة أَرَادَت أَن تخرج فَقَالَت لَهَا زَوْجَتي أصبري نقرا الْفَاتِحَة كَمَا يفعل الْفَقِيه وَأَصْحَابه فَقَرَأت هِيَ وَالْمَرْأَة فَكتبت أَيْضا قراءتهما الْفَاتِحَة ثمَّ ذكرت لأخوتها وَقلت لَهُم لَا تكرهوها وَأَرَدْت أَن أفارقها فكرهوا ذَلِك وعتبوا عَلَيْهَا فأنكرت جَمِيع مَا صدر عَنْهَا فَقلت لَهُم قد كتبت كَلَامهَا فِي ورقة ثمَّ جِئْت بِالْوَرَقَةِ لأريهم كَلَامهَا فَلم أجد فِي الورقة شَيْئا سوى الْفَاتِحَة وَهَذَا من بَرَكَات الْفَاتِحَة
قَالَ الْحَافِظ الديبع قَالَ شَيخنَا جمال الدّين هَذَا مَا أَخْبرنِي بِهِ الْفَقِيه مُحَمَّد فقيش ولعمري أَن هَذَا من فَضلهَا قَلِيل وَقد قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا رقية وَذَلِكَ حَقِيقَة أَنَّهَا رقية الظَّاهِر وَالْبَاطِن قَالَ الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وَلَقَد أَخْبرنِي الْفَقِيه مُحَمَّد بن عطيف أَيَّام وصل إِلَيْنَا زبيد أَن رجلا رأى أَن الْقِيَامَة قَامَت وَأَن منادياً يُنَادي يَا أهل الْيمن قومُوا ادخُلُوا الْجنَّة فَقيل للمنادي بِمَا أعْطوا هَذِه الْمنزلَة قَالَ لقراءتهم الْفَاتِحَة وَكَانَ اخباره لي بذلك إِنَّا كُنَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ نتحدث عِنْده سَاعَة فَإِذا أردنَا الْخُرُوج طلب منا قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَكَذَا كل من دخل عَلَيْهِ من أهل زبيد يعجب من هَذِه الْقَاعِدَة وَذكر هَذِه الْقِصَّة وَالْحَمْد الله الَّذِي ألهمنا ذَلِك وتفضل علينا بفضله سُبْحَانَهُ
وَوجدت بِخَط شَيخنَا الشَّيْخ أبي السعادات الفاكهي الملكي قَالَ وجدت بِخَط شَيخنَا الْحَافِظ وحيد الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الديبع مَا لَفظه الْحَمد الله مُصَنف كتاب مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المفتتح بِالْحَمْد لله الَّذِي شرف الْأَنَام بِصَاحِب الْمقَام الْأَعْلَى هُوَ الشَّيْخ الامهام شهَاب الدّين أَحْمد ابْن عَليّ بن قَاسم الْمَالِكِي الأندلسي المرسي اللَّخْمِيّ الشهير بالحريري وَهَذَا المولد هُوَ الْفَصْل التَّاسِع من كِتَابه الَّذِي صنفه فِي الْوَعْظ وَالرَّقَائِق ووقفت على الْجُزْء الأول مِنْهُ يشْتَمل على خَمْسَة وَعشْرين فصلا بعد طول الْبَحْث عَن مؤلف هَذَا الْكتاب وَعدم مَعْرفَته عِنْد أَكثر الْعلمَاء وَهَذِه فَائِدَة تَسَاوِي رحْلَة انْتهى مَا وجدته
قلت وَبِذَلِك بِعلم عدم صِحَة نِسْبَة هَذَا المولد إِلَى ابْن الْجَوْزِيّ فَإِنِّي سَمِعت كثيرا من النَّاس بنسبونه إِلَيْهِ وَالله أعلم وَمن شعره فِي اللُّغَات الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن
نزل الْقُرْآن بِلَفْظ سبع قبائل ... وَهُوَ قُرَيْش مَعَ خُزَاعَة واليمن ... وَتَمِيم ثمَّ هُذَيْل والسعدان ... سعد هزيم مَعَ سعد بن بكر فاعلمن ...
وَله فِي مصنفات النَّوَوِيّ
أَيهَا السالك نهج الْمُصْطَفى ... تَابعا سنته فِي كل حِين ... غير كتب النَّوَوِيّ لَا تعتمد ... وتنزه فِي رياض الصَّالِحين ...
وَله فِي الْأَرْبَعين النَّوَوِيّ
أَيهَا الطالبون علم حَدِيث ... هَذِه أَرْبَعُونَ حَقًا صَحِيحَة ... كلهَا غير سَبْعَة فحسان ... فاعتمدها فَأَنَّهَا لصحيحة ...
وَمِنْه فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم
تنَازع قوم البُخَارِيّ وَمُسلم ... لدي وَقَالُوا أَي ذين يقدم ... فَقلت لقد فاق البُخَارِيّ صِحَة ... كَمَا فاق فِي حسن الصِّنَاعَة مُسلم ...
وَمِنْه أَيْضا فيهمَا
قَالُوا لمُسلم سبق ... قلت البُخَارِيّ جلا ... قَالُوا تكَرر فِيهِ ... قلت المكرر أحلا ...
وَمن شعره
كفاني من عجزي وفخري أَنِّي ... جبلت على التَّوْحِيد واخترته طبعا ... وَأَنِّي لم أُشرك بربي غَيره ... وَأَنِّي للرحمن عبد لَهُ أدعا ... وَمِنْه قَوْله
يارب كم أَنْعَمت من نعْمَة ... عَليّ مَعَ عجزي وتقصيري ... إِن لم تقبل عَمَلي لم يكن ... بنافعي جدي وتشميري ...
وَمِنْه قَوْله
أذنبت والرحمن ذُو منَّة ... بِالْعَفو والغفران للمذنبين ... أوقعني فِي الذَّنب تَقْدِيره وَهُوَ تَعَالَى أرْحم الرَّاحِمِينَ ...
وَمِنْه قَوْله
أَعْضَاء ابْن آدم فِيهَا مَا ... بأوله كَاف وعدتها عشر هِيَ الْكُوع ... كف وكتف وكبد كَاهِل ... وكلا وكمرة كفل كَعْب وكرسوع ...
وَمِنْه
قَالَت لي النَّفس أما تَسْتَحي ... فَقلت توفقي على خالقي ... قد أحسن الرَّحْمَن فِيمَا مضى ... لَا بُد أَن يحسن فِيمَا بَقِي ...
وَله وَقد أشترى جَارِيَة أسمها حَرِير
حَرِير لعمري جنَّة ولي وجنة ... بهَا الله أغناني وَكنت فَقِيرا ... صبرت فساق الله لي أحسن الجزا ... على حسن صبري جنَّة وَحَرِيرًا ...
وَله فِي الزَّبِيب الرازقي
يَا أهل صنعاء قد رزقم جنَّة ... أنهارها حفت بلطف الْخَالِق ... ورزقم فِيهَا زبيباً ابيضا ... وَبلا نوى فتنعموا بالرازق ...
وَمِنْه فِي مقامات الحريري أحب مقامات الحريري لِأَنَّهَا ... لَدَى مسمعي أحلى من الْمَنّ والسلوى ... وَلست بِهَذَا القَوْل أول قَائِل ... بريت إِلَى الرَّحْمَن من كذب الدَّعْوَى ... فقد قَالَ قبلي ابْن العجيل لصحبه ... بِغَيْر تحاش هَذِه طبق الْحَلْوَى ... وَكَانَ إِمَامًا لايجازف فِي الَّذِي يفوه ... بِهِ فوه وحاشاه أَن يغوى ... وَمَا قَالَ إِلَّا الْحق وَالله أَنَّهَا ... لأحلى من الْحَلْوَى وَمن وصع من أَهْوى ...
وَبَلغت من فضلاء عصره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خضب لحيته فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ وَكتب بِهَذِهِ الأبيات وَالله مَا وقر الْمُخْتَار من مُضر ... من أدعى أَنه للشيب قد خضبا ... لم يبلغ الخضب فِيمَا قَالَه أنس ... وَهُوَ الْخَبِير بِهِ من دون من صحبا ... إِذْ كَانَ خادمه دهرا ملازمه ... لَيْلًا وصبحا مُقيما عِنْده حقبا ... قَالُوا احمر مِنْهُ الشّعْر قَالَ نعم ... من كَثْرَة الطّيب تِلْكَ الْحمرَة اكتسبا ... مَا شَاب شيباً إِلَى فَفعل الخضاب دعى ... بل كَانَ يدْخل تَحت الْحصْر لوحسبا ... إِذْ تدهن وارى الدّهن ذَاك فَلم ... ير لَهُ اثراً من رام أَو طلبا ... وَمن يقل قد أرتني أم سَلمَة مخضوبا ... من الشّعْر أَي من طيبه أنخضبا ... إِذْ لم يُقَال أَنَّهَا لَهُ خضب النَّبِي ... هَذَا مقَال الْحق قد وجبا ... وَمن روى صبغة بالصفرة اعتبروا ... مَا قَالَ فِي ثَوْبه أَو فعله أدبا ... لَا فِي الشُّعُور وَقس مَا قيل فِيهِ على ... مَا قيل أَن رَسُول الله قد كتبا ...
وَكَانَ ثِقَة صَالحا حَافِظًا للْأَخْبَار والْآثَار متوضعا انْتَهَت اليه رئاسة الرحلة فِي علم الحَدِيث وقصده الطّلبَة من نواحي الأَرْض
وَمن مصنفاته تيسير الْوُصُول إِلَى جَامع الْأُصُول مجلدين مِصْبَاح الْمشكاة وَشرح دُعَاء ابْن أبي حربه وَكتاب غَايَة الْمَطْلُوب وَأعظم الْمِنَّة فِيمَا يغْفر الله بِهِ الذُّنُوب وتوجب بِهِ الْجنَّة وَله كتاب بغية المستفيد فِي أَخْبَار مَدِينَة زبيد وَكتاب قُرَّة الْعُيُون فِي أَخْبَار الْيمن الميمون وَله مولد شرِيف نبوي وَله كتاب الْمِعْرَاج إِلَى غير ذَلِك من المؤلفات وَلم يزل على الإفادة وملازمة بَيته ومسجده لتدريس الحَدِيث وَالْعِبَادَة واشتغاله بخصوصيته عَمَّا لَا يعنيه إِلَى أَن توفّي رجمه الله وَاجْتمعَ بِهِ سَيِّدي الْوَالِد بزبيد سنة اثْنَتَيْنِ وأبعين وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَنهُ رَحِمهم الله الْجَمِيع آمين
-النور السافر عن أخبار القرن العاشر-لمحي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس.
(866 - 944 هـ = 1461 - 1537 م) عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيبانيّ الزبيدي الشافعيّ، وجيه الدين، المعروف بابن الديبع: مؤرخ محدّث من أهل زبيد (في اليمن) مولده ووفاته فيها. مات أبوه في الهند، ولم يره. ورباه جده لأمه.
له (بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد - ط) قسم منه، و (الفضل المزيد في تاريخ زبيد - خ) ذيل للأول، و (قرة العيون في أخبار اليمن - ط) اختصره من العسجد المسبوك، للخزرجي، وبلغ فيه حوادث سنة 923 هـ و (تيسير الوصول، إلى جامع الأصول، من حديث الرسول - ط) ثلاثة أجزاء، و (أحسن السلوك في من ولي زبيد من الملوك - خ) أرجوزة، و (تمييز الطيب من الخبيث - ط) في الحديث. ومعنى الديبع بلغة السودان الأبيض، وهو لقب لجده الأعلى علي بن يوسف .
-الاعلام للزركلي-
عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن يُوسُف بن أَحْمد ابْن عمر الشَّيْبَانِيّ الزبيدِيّ الشَّافِعِي سبط اسماعيل بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مبارز / الْآتِي وَيعرف بِابْن الديبع بِمُهْملَة مَفْتُوحَة بعْدهَا تَحْتَانِيَّة ثمَّ مُوَحدَة مَفْتُوحَة وَآخره مُهْملَة وَهُوَ لقب لجده الْأَعْلَى عَليّ بن يُوسُف وَمَعْنَاهُ بلغَة النّوبَة الْأَبْيَض. ولد فِي عصر يَوْم الْخَمِيس رَابِع الْمحرم سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بزبيد وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وتلاه بالسبع إفرادا وجمعا على خَاله الْعَلامَة فَرضِي زبيد أبي النجا مُحَمَّد الطَّبِيب والشاطبية والزبد للبارزي وَبَعض الْبَهْجَة واشتغل فِي علم الْحساب والجبر والمقابلة والهندسة والفرائض وَالْفِقْه والعربية على خَاله الْمشَار إِلَيْهِ وَفِي الْفِقْه والعربية على الْفَقِيه ابراهيم بن أبي الْقسم بن ابراهيم بن عبد الله بن جعمان وخاله الْجمال مُحَمَّد الطَّاهِر بن أَحْمد بن عمر بن جعمان وَفِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير عَن الزين أَحْمد بن أَحْمد بن عبد اللَّطِيف الشرجي وَأخذ اليمير عَن جده لأمه والمعمر اسماعيل بن ابراهيم بن بكر الشويري، وَحج مرَارًا أَولهَا فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وزار فِي سنة سِتّ وَتِسْعين ولقيني فِي أول الَّتِي تَلِيهَا فَقَرَأَ على بُلُوغ المرام وَغَيره وَأنْشد الْجَمَاعَة بحضرتي قَوْله مِمَّا كتبه بِخَطِّهِ:
(إِن امْرأ بَاعَ أخراه بِفَاحِشَة ... من الْفَوَاحِش يَأْتِيهَا لمغبون)
(وَمن تشاغل بالدنيا وزخرفها ... عَن جنَّة مَالهَا مثل لمفتون)
(فَكل من يَدعِي عقلا وهمته ... فِيمَا يبعد عَن مَوْلَاهُ مَجْنُون)
وَقَوله:
(أحبابنا إِن لكم سَوَّلت ... أَنفسكُم أمرا فَصَبر جميل)
(وَإِن أردتم هجرنا والقلى ... فحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل)
وَقَوله:
(قَالَ النصيح أما تخَاف غَدا إِذا ... حشر الورى شُؤْم الْمعاصِي والجرم)
(قلت اسْتمع مني مقالي يَا أخي ... أبشر يكون من الْكَرِيم سوى الْكَرم)
وَقَوله:
(إِلَى علم الحَدِيث لي ارتياح ... وَهَا أَنا فِيهِ مُجْتَهد وراوي)
(لعَلي أَن أكون بِهِ اماما ... أرويه على قدم السخاوي)
وَهُوَ فَاضل يقظ رَاغِب فِي التَّحْصِيل والاستفادة نفع الله بِهِ.
ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع.
عبد الرَّحْمَن بن علي بن مُحَمَّد بن عمر بن على بن يُوسُف ابْن أَحْمد بن عمر الشَّيْبَانِيّ الزبيدي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن الديبع
وَهُوَ لقب لجده الأعلى علي بن يُوسُف وَمَعْنَاهُ بلغَة النوبية الأبيض
ولد في عصر يَوْم الْخَمِيس رَابِع الْمحرم سنة 866 سِتّ وَسِتِّينَ وثمان مائَة بزبيد وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وتلاه للسبع على خَاله أَبى النجا والشاطبية والزبد للبارزي وَبَعض الْبَهْجَة واستغل فى علم الْحساب والجبر والمقابلة والهندسة والفرايض وَالْفِقْه والعربية على خَاله الْمشَار إليه وعَلى إبراهيم بن جعمان وَفِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير على الزين احْمَد الشرحى وَحج مرَارًا أَولهَا فِي سنة 883 وَقَرَأَ بِمَكَّة على السخاوي ثمَّ برع لاسيما في فن الحَدِيث واشتهر ذكره وَبعد صيته وصنّف التصانيف مِنْهَا تيسير الْوُصُول إِلَى جَامع الْأُصُول اخْتَصَرَهُ اختصاراً حسناً وتداوله الطّلبَة وانتفعوا بِهِ وفي التَّارِيخ قُرَّة الْعُيُون بأخبار الْيمن الميمون وبغية المستفيد بأخبار مَدِينَة زبيد وَكَانَ السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب قد عظمه وولاه تداريس وَله أشعار في مسَائِل علمية وضوابط وتحصيلات وَله شهرة في الْيمن طايلة إِلَى الآن
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني