أبي الحسين أحمد بن محمد النوري

ابن البغوي أحمد

تاريخ الوفاة295 هـ
مكان الولادةبغداد - العراق
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • البصرة - العراق
  • بغداد - العراق

نبذة

أبي الْحُسَيْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد النوري: بغدادي المولد والمنشأ بغوي الأصل صحب السري السقطي وابن أَبِي الحواري وَكَانَ من أقران الجنيد رحمه اللَّه مَات خمس وتسعين ومائتين وَكَانَ كبير الشأن حسن المعاملة واللسان. قَالَ النوري رحمه اللَّه التصوف ترك كُل حظ للنفس. وَقَالَ النوري أعز الأشياء فِي زمننا شيئان عالم يعمل بعلمه، وعارف ينطق عَن حقيقة.

الترجمة

أبي الْحُسَيْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد النوري: بغدادي المولد والمنشأ بغوي الأصل صحب السري السقطي وابن أَبِي الحواري وَكَانَ من أقران الجنيد رحمه اللَّه مَات خمس وتسعين ومائتين وَكَانَ كبير الشأن حسن المعاملة واللسان.
قَالَ النوري رحمه اللَّه التصوف ترك كُل حظ للنفس.
وَقَالَ النوري أعز الأشياء فِي زمننا شيئان عالم يعمل بعلمه، وعارف ينطق عَن حقيقة.
سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الصوفي يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن مُحَمَّد البردعي يَقُول: سمعت المرتعش يَقُول: سمعت النوري يَقُول: من رأيته يدعى مَعَ اللَّه حالة تخرجه عَن حد العلم الشرعي فلا تقربن منه.
سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس البغدادي يَقُول: سمعت الفرغاني يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول منذ مَات النوري لَمْ يخبر عَن حقيقة الصدق أحد.
وَقَالَ أبي أَحْمَد المغازلي: مَا رأيت أعبد من النوري قيل: ولا الجنيد قَالَ: ولا الجنيد.
وَقَالَ النوري: كانت المراقع غطاء عَلَى الدر فصارت اليوم مزابل عَلَى جيف.
وقيل: كَانَ يخرج كُل يَوْم من داره ويحمل الْخَبَر مَعَهُ ثُمَّ يتصدق بِهِ فِي الطريق ويدخل مسجدا يصلى فِيهِ إِلَى قريب من الظهر ثُمَّ يخرج ويفتح بَاب حانوته ويصوم فكان أهله يتوهمون أَنَّهُ يأكل فِي السوق وأهل السوق يتوهمون أَنَّهُ يأكل فِي بيته، بقى عَلَى هَذَا فِي ابتدائه عشرين سنة.

الرسالة القشيرية.   لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري.

 

 

أبي الحسين النورى - 295 للهجرة
أبي الحسين أحمد بن محمد النوري البغدادي. لم يكن في وقته أحسن طريقة منه، ولا ألطف كلاماً.
صحب السري وابن أبى الحواري. وكان من أقران الجنيد، كبير الشأن. مات قبل الجنيد، في سنة خمس وتسعين ومائتين.
والنورى نسبة إلى " نور "، بليدة بين بخاري وسمرقند؛ ويقال: لنور كان بوجهه فنسب اليه، وقيل: قيل له النوري لحسن وجهه.

سئل عن أدب المعرفة. فقال: " لا تصل إلى أول مبدأ حواشي المعرفة حتى تخوض إلى الله سبعة بحار من نيران، بحراً بعد بحر؛ فعسى بذلك يقع لك أوائل بدو علم المعرفة ".
وقال: " إذا امتزجت نار التعظيم مع نور الهيبة في السر هاجت ريح المحبة من حجب العطف على النار والنور، فيظهر فيه الاشتياق، وتتلاشى البشرية، فيتولد من ذلك المثابرة ".
ومن كلامه: " التصوف ترك كل حظ للنفس ".
وأنشد لنفسه:
إلى الله أشكو طول شوقي وحيرتي ... ووجدي بما طالت على مطالبه
ومن قد برى جسمى، وكدر عيشي ... ويمنعني الماء الذي أنا شاربه
فيا ليت شعري! ما الذي فيه راحتى؟! ... وما آخر الأمر الذي أنا طالبه؟!
وقال، في قوله تعالى:) وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم (: " أوفوا بعهدي في دار محبتي، على بساط خدمتى، بحفظ حرمتي، أوف بعهدكم

في دار نعمتي، على بساط قربتي، بسرور رؤيتي ".
ومكث عشرين سنة، يأخذ من بيته رغيفين. فيخرج إلى سوقه فيتصدق بهما، ويدخل إلى مسجده، فلا يزال يركع حتى يحيء وقت سوقه، فيذهب أليه. فيظن أهل سوقه أنه تغدى في منزله، وأهل بيته أنه اخذ معه غداءه، وهو صائم.
ودخل الماء ليغتسل، فجاء لص فأخذ ثيابه، فخرج فلم يجدها، فرجع إلى الماء. فلم يكن إلا قليلا حتى جاء بها، وقد جفت يده اليمنى، فلبسها وقال: " سيدي! قد رد ثيابي فرد عليه يده! " فردت ومضى.
ولما سعى بالصوفية إلى الخليفة، وأمر بضرب أعناقهم، تقدمهم النوري، وقد بسط النطع، فقال له السياف: " لا أدرى لماذا تبادر؟! وما الذي يعجلك؟ " قال: " أوتر أصحابي على بحياة ساعة! " فتحير السياف،

وأنهى خبرهم إلى الخليفة، فرد أمرهم إلى القاضي. فألقى القاضي يومئذ على أبى الحسين مسائل فقهية. فأجاب عنها، ثم قال: " وبعد! فان لله عباداً اذا قاموا قاموا بالله، واذا نطقوا نطقوا بالله! " وسرد ألفاظاً حتى أبكى القاضى. فأرسل إلى الخليفة، وقال: " إن كان هؤلاء زنادقة، فما على وجه الأرض موحد! " فخلى سبيلهم.
وقال: " حيل بيني وبين قلبي أربعين سنة، ما اشتهيت شيئاً، ولا تمنيت شيئاً، ولا استحسنت شيئاً منذ عرفت ربى ".
وأنشد لنفسه:
ذكرت ولم أذكر حقيقة ذكره ... ولكن بوادي الحق تبدو فأنطق
اذا ما بدا ذكر لذكر ذكرته ... يغيبني عن ذكر ذكرى فأغرق
وأغرق بالذكر الذي قد ذكرته ... عن الذكر، بالذكر الذي هو أسبق

وروى أن زيتونة، خادمة أبي الحسين، واسمها فاطمة - وكانت تخدم الجنيد وأبا حمزة - قالت: " جئت يوماً إلى النوري، وكان يوماً شديد البرد والريح، فوجدته في المسجد وحده جالساً. فأمرني بإحضار خبز ولبن، فأحضرته. وكان بين يديه قصعة فيها فحم، فقلبه بيده وهو مشتعل، ثم أخذ الخبز واللبن، فجعل اللبن يسيل على يديه، وفيها سواد الفحم، فقلت: " يا رب! ما أقذر أولياءك! ما فيهم أحد نظيف! ". قالت: " ثم خرجت من عنده، فتعلقت بى امرأة وقالت: " سرقت رزمة ثياب! ". وجروني إلى الشرطي. فأخبر النوري بذلك، فخرج وقال: " لا تتعرض لها، فأنها ولية من أولياء الله ". فقال الشرطي: " كيف أصنع والمرأة تدعى ذلك؟! ". قالت: " فجاءت جارية ومعها الرزمة المطلوبة ". وانطلق النوري بزيتونة، وقال لها: " تقولين - بعد هذا - يا رب! ما اقذر أولياءك؟! "، فقالت: " قد تبت ".
واعتل النوري، فبعث الجنيد بصرة فيها دراهم وعاده، فردها النوري. ثم اعتل الجنيد، فدخل عليه النوري عائداً، فقعد عند رأسه، ووضع

يده على جبهته، فعوفي في ساعته. فقال النورى للجنيد: " إذا زرت إخوانك فأرفقهم بهذا البر ".
وروى أنه أصابته علة، وأصابت الجنيد علة، فالجنيد أخبر عن حاله، والنورى كتم، فقيل له: " لم لم تخبر كما اخبر صاحبك؟ " فقال: ما كنا لنبتلى ببلوى فنوقع عليها اسم الشكوى؛ ثم أنشد:
أن كنت للسقم أهلا ... قد كنت للشكر أهلا
عذب فلم يبق قلب ... يقول للسقم: مهلا
فأعيد ذلك على الجنيد، فقال: " ما كنا شاكين، ولكنا أردنا أن نكشف عن عين القدر فينا ". ثم أنشد يقول:
أجل ما عنك يبدو ... لأنه عنك جلا
وأنت، يا أنس قلبي ... أجل من أن يجلا
أفنيتني عن جميعي ... فكيف أرعى المحلا
فبلغ ذلك الشبلى، فأنشأ يقول:
محنتي فيك أنني ... لا أبالي بمحنتي

يا شفائي من السقام، وان كنت على ... تبت دهراً، فمذ عرفتك ضيعت توبي
قربكم مثل بعدكم ... فمتى وقت راحتي؟!
وروى انه اجتمع الجنيد والنورى ورويم وابن وهب وغيرهم في سماع، فمضى بعض الليل وأكثره، فلم يتحرك أحد منهم، ولا أثر فيه القول. فقال النورى للجنيد: " يا أبا القاسم! هذا السماع يمر مراً ن ولا أرى وجداً يظهر! " فقال الجنيد: " يا أبا الحسين!) وتر الجبال الجبال يحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب (فأنت يا أبا الحسين، ما أثر عليك؟! ". فقال النورى: " ما بلغت مقامي في السماع ". فقال له الجنيد: " وما مقامك فيه؟ " فقال: " الرمز بالإشارة دون الإفصاح، والكناية دون الإيضاح ". ثم وثب وصفق بيديه، فقام جميع من حضر بقيامه ساعة.
وكان سبب وفاته أنه سمع هذا البيت:
لا زلت أنزل من ودادك منزلا ... تتحير الألباب دون نزوله
فتواجد وهام في الصحراء، فوقع في أجمة قصب قد قطع، وبقيت أصوله

مثل السيوف؛ وكان يمشى عليها ويعيد البيت إلى الغداة، والدم يسيل من رجليه، ثم وقع مثل السكران، فورمت قدماه ومات.
وقال الحسين بن الفضيل: " حضرت النوري، وهو في الموت؛ فقلت: " ألك حاجة؟ أو في نفسك شهوة؟ ". فرفع رأسه، وقد انكسر لسانه، وقال: " أي والله! أشتهى شهوة كبيرة! ". قلت: " وما هي؟ " قال: " أشتهي أن أرى الله! ". ثم تنفس ثلاثاً عالياً، كالواجد بحاله، وفارق الدنيا ".
وأنشد النورى:
كم حسرة لي قد غصت مرارتها ... جعلت قلبي لها وقفاً لبلواكا
وحق ما منك يبليني ويتلفني ... لأبكيك أو أحظى بلقياكا
قلت: وأستاذه بنان بن محمد الحمال - بالحاء المهملة - أبي الحسن. أصله من واسط، ونشأ ببغداد، وسمع الحديث: ثم استوطن مصر، ومات بها

في رمضان سنة ست عشرة وثلثمائة. وكان كبير الشأن صاحب كرامات.
ومن كلامه: " الحر عبد ما طمع، والحر حر ما قنع ".
وقال: " من أساء استوحش ".
وقال: " من كان يسره ما يضره متى يفلح؟ ".

طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.

 

أبي الْحُسَيْن النوري واسْمه أَحْمد بن مُحَمَّد وَقيل مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد وَأحمد أصح
بغدادي المنشأ والمولد خراساني الأَصْل يعرف بِابْن الْبَغَوِيّ
سَمِعت مُحَمَّد بن الْحسن بن خَالِد يَقُول سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول كَانَ أبي الْحُسَيْن النوري خراساني الأَصْل من قَرْيَة بَين هراة ومرو الروذ يُقَال لَهَا بغشور لذَلِك كَانَ يعرف بِابْن الْبَغَوِيّ

وَكَانَ من أجل مَشَايِخ الْقَوْم وعلمائهم لم يكن فِي وقته أحسن طَريقَة مِنْهُ وَلَا ألطف كلَاما
صحب سريا السَّقطِي وَمُحَمّد بن عَليّ القصاب وَرَأى أَحْمد بن أبي الْحوَاري توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ كَذَلِك سَمِعت مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عبد الْعَزِيز الطَّبَرِيّ يَقُول سَمِعت عَليّ بن عبد الرَّحِيم يَقُول ذَلِك وَأسْندَ الحَدِيث
أخبرنَا أبي الْقَاسِم عبد الرَّحِيم بن عَليّ الْبَزَّاز الْحَافِظ بِبَغْدَاد قَالَ حَدثنَا أبي عبد الله مُحَمَّد بن عمر بن الْفضل حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى الدهْقَان قَالَ كنت أَمْشِي مَعَ أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الْبَغَوِيّ الصُّوفِي فَقلت لَهُ مَا الَّذِي تحفظ عَن سري السَّقطِي فَقَالَ حَدثنَا السّري عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي عَن ابْن السماك عَن الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من قضى لِأَخِيهِ الْمُسلم حَاجَة كَانَ لَهُ من الْأجر كمن خدم الله عمره)
قَالَ مُحَمَّد بن عِيسَى الدهْقَان فَذَهَبت إِلَى سري السَّقطِي فَسَأَلته عَنهُ فَقَالَ سَمِعت مَعْرُوف بن فَيْرُوز الْكَرْخِي يَقُول خرجت من الْكُوفَة فَرَأَيْت رجلا من الزهاد يُقَال لَهُ ابْن السماك فتذاكرنا الْعلم فَقَالَ حَدثنِي الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش مثله
سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن شَاذان يَقُول سَمِعت جَعْفَر بن مُحَمَّد يُقَال قَالَ النوري الْجمع بِالْحَقِّ تَفْرِقَة عَن غَيره والتفرقة عَن غَيره جمع بِهِ
سَمِعت عبد الْوَاحِد بن بكر يَقُول سَمِعت عَليّ بن عبد الرَّحِيم يَقُول سَمِعت النوري يَقُول التصوف ترك كل حَظّ للنَّفس

قَالَ وَسمعت النوري يَقُول من وصل إِلَى وده انس بِقُرْبِهِ وَمن توسل بالوداد فقد اصطفاه من بَين الْعباد
أَنْشدني مَنْصُور بن عبد الله قَالَ سَمِعت الفرغاني ينشد لأبي الْحُسَيْن النوري
(كم حسرة لي قد غصت مرارتها ... جعلت قلبِي لَهَا وَقفا لبلواكا)
(وَحقّ مَا مِنْك يبليني ويتلفني ... لأبكينك أَو أحظى بلقياكا)
قَالَ وَسُئِلَ النوري عَن الحبيب والخليل فَقَالَ لَيْسَ من طُولِبَ بِالتَّسْلِيمِ كمن بَادر بِالتَّسْلِيمِ
سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله الرَّازِيّ يَقُول سَمِعت القناد يَقُول سَمِعت أَبَا الْحُسَيْن النوري يَقُول رَأَيْت غُلَاما جميلا بِبَغْدَاد فَنَظَرت إِلَيْهِ ثمَّ أردْت أَن أردد النّظر فَقلت لَهُ تلبسُونَ النِّعَال الصرارة وتمشون فِي الطرقات قَالَ أَحْسَنت أتجمش بِالْعلمِ ثمَّ أنشأ يَقُول
(تَأمل بِعَين الْحق إِن كنت نَاظرا ... إِلَى صفة فِيهَا بَدَائِع فاطر)
(وَلَا تعط حَظّ النَّفس مِنْهَا لما بهَا ... وَكن نَاظرا بِالْحَقِّ قدرَة قَادر)
قَالَ وَسُئِلَ النوري عَن التصوف فَقَالَ لَيْسَ التصوف رسوما وَلَا علوما وَلكنهَا أَخْلَاق
سَمِعت عبد الْوَاحِد بن بكر يَقُول سَمِعت عليا الْفَتى يَقُول سَمِعت أَبَا الْحُسَيْن النوري يَقُول أهل الدّيانَة موقوفون وَأهل التَّوْحِيد يَسِيرُونَ وَأهل الرِّضَا يستروحون وَأهل الِانْقِطَاع يتحيرون ثمَّ قَالَ إِن الْحق إِذا ظهر تلاشى كل مَا حجب وَستر

سَمِعت نصر بن أبي نصر الْعَطَّار يَقُول سَمِعت عَليّ بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ يَقُول سَمِعت فَارِسًا الْحمال يَقُول لحق أَبَا الْحُسَيْن النوري عِلّة والجنيد عِلّة فالجنيد أخبر عَن وجده والنوري كتم فَقيل لَهُ لم لم تخبر كَمَا أخبر صَاحبك فَقَالَ مَا كُنَّا لنبتلى ببلوى فتوقع عَلَيْهِ اسْم الشكوى ثمَّ أنشأ يَقُول
(إِن كنت للسقم أَهلا ... فَأَنت للشكر أَهلا)
(عذب فَلم يبْق قلب ... يَقُول للسقم مهلا)
فأعيد ذَلِك على الْجُنَيْد فَقَالَ مَا كُنَّا شاكين وَلَكِن أردنَا أَن نكشف عَن عين الْقُدْرَة فِينَا ثمَّ بَدَأَ يَقُول
(أجل مَا مِنْك يَبْدُو ... لِأَنَّهُ عَنْك جلا)
(وَأَنت يَا أنس قلبِي ... أجل من أَن تجلا)
(أفنيتني عَن جميعي ... فَكيف أرعى المحلا)
قَالَ فَبلغ ذَلِك الشبلي فَبَدَأَ يَقُول
(محنتي فِيك أَنِّي ... لَا أُبَالِي بمحنتي)
(يَا شفائي من السقام ... وَإِن كنت علتي)
(تبت دهرا فمذ عرفتك ... ضيعت تَوْبَتِي)
(قربكم مثل بعدكم ... فَمَتَى وَقت راحتي)

سَمِعت أَبَا الْحُسَيْن الْفَارِسِي يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بن فاتك يَقُول سَمِعت النوري يَقُول مقامات أهل النّظر فِي النّظر شَتَّى فَمنهمْ من كَانَ نظره نظر التسلي وَمِنْهُم من كَانَ نظره نظر استفادة وَمِنْهُم من كَانَ نظره نظر عيان المكاشفة وَمِنْهُم من كَانَ نظره نظر المنافسة فِي الْمُشَاهدَة وَمِنْهُم من كَانَ نظره نظر المشاكلة والمماثلة وَمِنْهُم من كَانَ نظره نظر طيبَة وملاحظة وَمِنْهُم من كَانَ نظره نظر إشراف ومطالعة وكل وَاحِد مِنْهُم أهل النّظر
قَالَ وَقَالَ النوري أعز الْأَشْيَاء فِي زَمَاننَا شَيْئَانِ عَالم يعْمل بِعِلْمِهِ وعارف ينْطق عَن حَقِيقَته
قَالَ وَقَالَ النوري من عقل الْأَشْيَاء بِاللَّه فرجوعه فِي كل شَيْء إِلَى الله
قَالَ وَسُئِلَ النوري عَن الْفَقِير الصَّادِق فَقَالَ الَّذِي لَا يتهم الله تَعَالَى فِي الْأَسْبَاب ويسكن إِلَيْهِ فِي كل حَال
قَالَ وأنشدنا النوري
(وَكم رمت أمرا خرت لي فِي انْصِرَافه ... فَلَا زلت بِي مني أبر وأرحما)
(عزمت على أَلا أحس بخاطر ... على الْقلب إِلَّا كنت أَنْت المقدما)
(وَألا تراني عِنْد مَا قد كرهته ... لِأَنَّك فِي قلبِي كَبِيرا مُعظما)
قَالَ وأحضر النوري مَجْلِسا للسُّلْطَان فَقَالَ لَهُ من أَيْن تَأْكُلُونَ فَقَالَ لسنا نَعْرِف الْأَسْبَاب الَّتِي تستجلب بهَا الأرزاق نَحن قوم مدبرون.

طبقات الصوفية - لأبي عبد الرحمن السلمي.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سيدي الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد النوري رحمه الله تعالى .

 

أبو الحسين أحمد بن محمد النوري بغدادي المولد والمنشأ، بغوي الأصل. مات سنة: خمس وتسعين ومائتين. الحقبة    ؟؟ - 295 هـ الإقامة ببغداد الوفاة 295 هـ تأثر بـ سري السقطي , أحمد بن أبي الحواري تأثر به ابن الفرغاني , أبو بكر بن أبي سعدان .

أبو الحسين أحمد بن محمد البغوي النوري، المعروف بـ "ابن البغوي"، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف في القرن الثالث الهجري، بغدادي المنشأ والمولد، خراساني الأصل من قرية بين هراة ومرو الروذ، يقال لها "بغشور". صحب سري السقطي، وأحمد بن أبي الحواري، ومحمد بن علي القصاب، وكان من أقران الجنيد. وصفه أبو عبد الرحمن السلمي بأنه «من أجل مشايخ القوم وعلمائهم، لم يكن في وقته أحسن طريقة منه، ولا ألطف كلاماً». وكان كبير الشأن، حسن المعاملة واللسان.

ولد أبو الحسين النوري في بغداد وبها نشأ، وكان دائم الذكر كثير الصلاة والصيام، ويجالس الصالحين، وأخذ عنهم آداب الذكر، والتجرد إلى الله، وأرتفع شأنه بين الناس وأحبوه.

قال الجنيد : منذ مات النوري لم يخْبِر عن حقيقة الصدق أحد.

وقال أبو أحمد المغازلي: مارأيت أعبد من النوري، قيل: ولا الجنيد. قال: ولا الجنيد.

وقيل: كان يخرج كلَّ يوم من داره، ويحمل الخبز معه. ثم يتصدق به في الطريق، ويدخل مسجداً يصلي

فيه إلى قريب من الظهر؛ ثم يخرج منه ويفتح باب حانوته، ويصوم. فكان أهله يتوهمون أنه يأكل في السوق، وأهل السوق يتوهمون أنه يأكل في بيته. وبقي على هذا في ابتدائه عشرين سنة.

كان جعفراً الدبيلي يقول: دخل النوري الماء فجاء لص فأخذ ثيابه، ثم إنه جاء ومعه الثياب وقد جفت يده؛ فقال النوري: قدر رد علينا الثياب فرد عليه يده. فعوفي.

قال الأستاذ أبا علي الدقاق: لما سعى غلام الخليل بالصوفية إلى الخليفة أمر بضرب أعناقهم؛ فأما الجنيد فإنه تستر بالفقر، وكان بفتى علي مذهب أبي ثور ، وأما الشحام، والرقام، والنوري، وجماعة، فقبض عليهم؛ فبسط النطع لضرب أعناقهم.. فتقدم النوري فقال له السياف: تدري الى ماذا تبادر؟. فقال: نعم. فقال وما يعجلك؟ فقال أوثر علي أصحابي بحياة ساعة. فتحير السياف، وأرسل الخبر إلى الخليفة، فردهم إلى القاضي؛ ليتعرف حالهم؛ فألقى القاضي على أبي الحسين النوري مسائل فقهية، فأجابه الكل، ثم أخذ يقول: وبعد؛ فإنه الله عباداً قاموا بالله، وإذا نطقوا نطقوا بالله، وسرد ألفاظاً أبكى القاضي فأرسل القاضي إلى الخليفة، وقال: إن كان هؤلاء زنادقة: فما على وجه الأرض مسلم.

وقال علي بن عبد الرحيم  : دخلت على النوري ، فرأيت رجليه منتفختين ، فسألته عن أمره ، فقال : طالبتني نفسي بأكل تمر ، فدافعتها ، فأبت علي فاشتريته ، فلما أكلت ، قلت : قومي فصلي ، فأبت ، فقلت : لله علي إن قعدت على الأرض أربعين يوما ، فما قعدت - يعني إلا في صلاة .

وقيل : إن الجنيد مرض مرة فعاده النوري ، فوضع يده عليه ، فعوفي لوقته .

من أقواله ( رحمه الله تعالى) :

  • نعت الصوفي: السكون عند العدم، والإيثار عند الوجود.
  • الخائف يهرب من ربه إلى ربه
  • الرضا: سرور القلب بمر القضاء.
  • التوبة أن تتوب من كل شيء سوى الله عز وجل.
  • التوحيد: كلُّ خاطر يشير إلى الله تعالى، بعد أن لا تزاحمه خواطر التشبيه.
  • شاهد الحق القلوب، فلم ير قلباً أشوق إليه من قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فأكرمه بالمعراج، تعجيلاً للرؤية والمكالمة.
  • كانت المواقع غطاءً على الدر، فصارت اليوم مزابل على جيف.
  • من رأيته يدعي مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربن منه.
  • التصوف: ترك كل حظ للنفس.
  • أعز الأشياء في زماننا شيئان: عالم يعمل بعلمه، وعارف ينطق عن حقيقة.
  • من رأيته يدعي مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربن منه
  • من عقل الأشياء بالله، فرجوعه في كل شيء إلى الله

توفي النوري سنة خمس وتسعين ومائتين فلما حملت جنازته نادى الشبلي خلفه بأعلى صوته: (أضربوا على الأرض المنابر فقد رفع العلم من الأرض)، ودفن في مقبرة الخيزران، وتوفي الجنيد البغدادي بعده بثلاث سنوات وكان قد أوصى الجنيد أصحابه أن يدفنوه عند موته بجنب أبي الحسين النوري فلم يفعلوا.

 

محمد بن محمد، أبو الحسين الصوفي، المعروف بالنوري:
كذا ورد اسمه في حديث أخبرنيه أبو سعد الماليني قراءة. أنبأنا أبو أحمد عبد الله ابن بكر حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن أبي معشر حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن أبي شيخ قَالَ سمعت أبا الحسين محمد بن محمد النوري يقول حدّثنا مجاهد بن موسى حَدَّثَنَا سفيان عن الزهري في قوله تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه 39] . قال: غنج في عينيه. والمحفوظ أن اسم النوري: أحمد بن محمد.

أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أَبُو الحسين النوري:
شيخ الصوفِية فِي وقته، كَانَ مذكورا بكثرة الاجتهاد وحسن العبادة، وقد رُوِيَ عنه عَن سري السقطي حَدِيث مسند.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد الحيري، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي قَالَ: أَحْمَد بْن مُحَمَّد النوري كنيته أَبُو الحسين، ويقال مُحَمَّد بْن مُحَمَّد- وأَحْمَد أصح- بغدادي المولد وَالمنشأ، كَانَ يعرف بابن البغوي قديما، وأصله من خراسان من ناحية بغ، كَانَ الجنيد يعظم شأنه. مات قبل الجنيد، ولما مات الجنيد أمر أن يدفن بجنبه فلم يفعل، وَهُوَ أعلم العراقيين بلطائف علم القوم.
سمعت أبا نعيم الحافظ يقول: النوري هو أَحْمَد بْن مُحَمَّد، بغدادي حدث عَن سري السقطي.
أَخْبَرَنِي أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ- قِرَاءَةً- أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ الْخُتُلِّيُّ قَالَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّهْقَانُ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَبِي الْحُسَيْنِ النُّورِيِّ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْبَغَوِيِّ الصُّوفِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا الَّذِي تَحْفَظُ عَنِ السَّرِيِّ السَّقَطِيِّ؟ فَقَالَ:
حَدَّثَنَا السَّرِيُّ عَنْ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ عَنِ ابْنِ السَّمَّاكِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَضَى لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ حَاجَةً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ كَمَنْ خَدَمَ اللَّهَ عُمْرَهُ».

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: فَذَهَبْتُ إِلَى سَرِيٍّ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ مَعْرُوفًا يَقُولُ:
خَرَجْتُ إِلَى الْكُوفَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلا مِنَ الزُّهَّادِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ السَّمَّاكِ، فَتَذَاكَرْنَا الْعِلْمَ فَقَالَ لِي: حدّثنا الثوري عن الأعمش مثله.

أخبرناه أحمد بن أبي جعفر القطيعيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمترفقِ الطَّرَسُوسِيُّ الصُّوفِيُّ- بِمِصْرَ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ أَحْمَدَ بن محمّد المالكي يقول: حدّثنا أبو الحسين أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّورِيُّ الْبَغْدَادِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْبَغَوِيِّ، حَدَّثَنَا سَرِيُّ بْنُ الْمُغَلِّسِ السَّقَطِيُّ أَبُو الْحَسَنِ، حدّثنا معروف الكرخي الزاهد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّمَّاكِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَضَى لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ حَاجَةً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ كَمَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ».

أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَضْل عَبْد الصمد بْن مُحَمَّد الخطيب، حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الحسين الهمذاني الفقيه قَالَ: سمعت جعفر الخالدي يقول: سمعت أبا أَحْمَد المغازلي يقول:
ما رأيت أعبد ولا أطوع لِلَّهِ من أَبِي الحسين النوري.
حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بْن عَلِيّ الوراق قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن جهضم الهمذاني- بمكة- يقول: حَدَّثَنِي عَبْد الكريم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الكريم البيع قَالَ: قَالَ أَبُو أَحْمَد المغازلي: ما رأيت أحدا قط أعبد من النوري. قيل: ولا جنيد؟
قَالَ: ولا جنيد. وكَانَت له قنينة تسع خمسة أرطال ماء يشربِهَا فِي خمسة أيام وقت إفطاره.
وَقَالَ عَبْد الكريم: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَر الفرغاني. قَالَ: مكث أَبُو الحسين النوري عشرين سنة يأخذ من بيته رغيفِين ويخرج ليمضي إِلَى السوق فِيتصدق بالرغيفِين، ويدخل إِلَى مسجد فلا يزال يركع حتى يجيء وقت سوقه، فإذا جَاءَ الوقت مضى إِلَى السوق، فِيظن أستاذه أنه قد تغدى فِي منزله ومن في بيته عندهم أنه أخذ معه غداءه، وَهُوَ صائم.
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ قَالَ: سمعت أبا الفرج الورثاني يقول: سمعت عَلِيّ بْن عَبْد الرحيم يقول: دخلت عَلَى النوري ذات يوم فرأيت رجليه منتفختين، فسألته عَن أمره فَقَالَ: طالبتني نفسي بأكل التمر، فجعلت أدافعها فتأبي عَلِيّ، فخرجت واشتريت، فلما أن أكلت قلت لها قومي حتى تصلي، فأبت عَلِيّ، فقلت: لِلَّهِ عَلِيّ إن قعدت عَلَى الأرض أربعين يوما فما قعدت.
أخبرني أحمد بن علي المحتسب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى الصُّوفِيُّ قَالَ: سمعت نصر بْن أَبِي نصر العطار يقول: سمعت عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ البغدادي يقول: سمعت فارسا الجمال يقول: لحق أبا الحسين النوري علة وَالجنيد علة، فالجنيد أخبر عَن وجده، وَالنوري كتم، فقيل له: لم لم تخبر كما أخبر صاحبك؟ فَقَالَ: ما كنا نبتلي ببلوى نوقع عليها الشكوى، ثم أنشأ يقول:
إن كنت للسقم أهلا ... فأَنْتَ للشكر أهلا
عذب فلم يبق قلب ... يقول للسقم مهلا
فأعيد عَلَى الجنيد ذلك فَقَالَ: ما كنا شاكين، ولكن أردنا أن نكشف غين القدرة فِينا.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن أحمد الحيري، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ البغدادي- بنيسابور- يقول: سمعت أبا عُمَر الأنماطي يقول: اعتل النوري فبعث إليه الجنيد بصرة فِيهَا دراهم، وعاده، فرده النوري، ثم اعتل الجنيد بعد ذلك، فدخل عليه النوري عائدا فقعد عنه رأسه، ووضع يده على جبهته، فعوفي في ساعته، فَقَالَ النوري للجنيد: إذا عدت إخوانك فارفقهم بمثل هذا البر.
أَخْبَرَنِي عَبْد الصمد بن محمّد الخطيب، حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الحسين الهمذاني قَالَ:
سمعت جعفر الخالدي يقول: سمعت الجنيد يقول: سمعت النوري يقول: كنت بالرقة فجاءني المريدون الَّذِين كَانُوا بِهَا وقالوا: نخرج ونصطاد السمك؟ فقالوا لي:
يا أبا الحسين، هات مع عبادتك واجتهادك وما أَنْتَ عَلَيْهِ من الاجتهاد سمكة يكون فِيهَا ثلاثة أرطال لا تزيد ولا تنقص! فقلت لمولاي: إن لم يخرج لي الساعة سمكة فيها ما قد ذكر وإلّا أرمين بنفسي فِي الفرات، فأخرجت سمكة فوزنتها فإذا فِيهَا ثلاثة أرطال لا زيادة ولا نقصان، قَالَ الجنيد: فقلت له: يا أبا الحسين، لو لم تخرج كنت ترمي بنفسك؟ قَالَ: نعم!.
حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بن عَلِيّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جهضم يقول: حَدَّثَنِي عُمَر النجار. قَالَ: دخل أَبُو الحسين النوري إلى الماء يغتسل فجاء لص فأخذ ثيابه، فخرج من الماء فلم يجد ثيابه، فرجع إِلَى الماء فلم يكن إلا قليل حتى جَاءَ اللص معه ثيابه فوضعها مكَانَها، وقد جفت يده اليمنى، فخرج أَبُو الحسين من الماء ولبس ثيابه وَقَالَ: سيدي، قد رد عَلِيّ ثيابي رد عَلَيْهِ يده، فرد اللَّه عَلَيْهِ يده ومضى.

أَخْبَرَنَا رضوان بن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَن الدينوري قال: سمعت معروف بن محمد بن معروف الصّوفيّ- بالري- يقول: سمعت الخالدي يقول: سئل النوري: كيف حالك؟
فَقَالَ: كيف حال من ليس معه من اللَّه إلا الله.
وقال الخالدي: أنشدني النوري لنفسه:
الذكر يقطعني وَالوجد يطلعني ... وَالحق يمنع عَن هذا وعن ذاك
فلا وجود ولا سر أسر بِهِ ... حسبي فؤادي إذا ناديت لباك
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ قَالَ: سمعت محمد بن الحسين النيسابوري يقول: سمعت أبا بكر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الرازي يقول: سمعت القناد يقول: سمعت أبا الحسين النوري يقول: رأيت غلاما جميلا ببغداد فنظرت إليه، ثم أردت أن أردد النظر فقلت له: تلبسون النعال الصرارة وتمشون فِي الطرقات. قال: أحسنت، أتجمش بالعلم؟
فأنشأ يقول:
تأمل بعين الحق إن كنت ناظرا ... إِلَى صفة فِيهَا بدائع فاطر
ولا تعط حظ النفس منها لما بِهَا ... وكن ناظرا بالحق قدرة قادر
وَأَخْبَرَنَا أَبُو نعيم قَالَ: سمعت عُمَر البناء البغدادي- بمكة- يحكي. قَالَ: لما كَانَت محنة غلام الخليل، ونسب الصوفِية إِلَى الزندقة، أمر الخليفة بالقبض عليهم، فأخذ فِي جملة من أخذ النوري فِي جماعة، فأدخلوا عَلِيّ الخليفة فأمر بضرب أعناقهم! فتقدم النوري مبتدرا إِلَى السياف ليضرب عنقه، فَقَالَ له السياف: ما دعاك إِلَى الابتدار إِلَى القتل من بين أصحابك؟ فَقَالَ: آثرت حياتهم عَلَى حياتي هذه اللحظة! فتوقف السياف عَن قتله، ورفع أمره إِلَى الخليفة فرد أمرهم إِلَى قاضي القضاة، وكَانَ يلي القضاء يومئذ إسماعيل بْن إِسْحَاق، فتقدم إليه النوري فسأله عَن مسائل فِي العبادات من الطهارة وَالصلاة، فأجابه. ثم قَالَ له: وبعد هذا لِلَّهِ عباد يسمعون بالله، وينطقون بالله، ويصدرون بالله، ويردون بالله، ويأكلون بالله، ويلبسون بالله. فلما سمع إسماعيل كلامه بكى بكاء طويلا ثم دخل عَلَى الخليفة فَقَالَ: إن كَانَ هؤلاء القوم زنادقة فليس فِي الأرض موحد، فأمر بتخليتهم، وسأله السلطان يومئذ من أين يأكلون؟ فَقَالَ: لسنا نعرف الأسباب التي يستجلب بِهَا الرزق، نحن قوم مدبرون.
وَقَالَ لي: من وصل إِلَى وده أنس بقربه، ومن توصل بالوداد اصطفاه من بين العباد.

حدّثنا عبد العزيز بن علي، حدّثنا علي بن عبد الله الهمذاني، حدثنا محمد بن علي بن المأمون قال: حَدَّثَتْنَا فاطمة- خادمة أَبِي حمزة مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم وَالجنيد بْن مُحَمَّد وأبي الحسين النوري- وكانت تلقب زيتونة- قَالَت: جئت ذات يوم إِلَى النوري وكَانَ يوما باردا شديد البرد وَالريح، فوجدته فِي المسجد وحده جالسا، فقلت له: أجيئك بشيء تأكله؟ فقال: نعم هاتي. قلت: إيش تشتهي أجيئك بِهِ؟ فَقَالَ:
خبز ولبن. فقلت: يوم مثل هذا بارد وأنت فقريب من المثلوج! أجيئك بغيره. فَقَالَ:
هذا فضول منك، هاتي ما أقوله لَكَ. فجئته بخبز ولبن فِي قدح ووضعته بين يديه، وجعلت بين يديه خفة فِيهَا نار، وَهُوَ يقلب النار بيده ويستدفِئ، ثم أخذ يأكل الخبز باللبن، وكَانَ إذا أخذ اللقمة يسيل اللبن عَلِيّ ذراعه، فِيغسل سواد الدخان من ذراعه، فقلت فِي نفسي: يا رب؟ ما أوضر أولياءك! ترى ما فِيهم واحد نظيف الثوب وَالبدن؟ فخرجت من عنده وجلست عَلَى دكَانَ بالقرب من مسجد إِبْرَاهِيم الخواص، وَإِلَى جانبه بالقرب منه مجلس صاحب الشرطة. فبينا أَنَا جالسة إذا بامرأة قد ضربت بيدها إلي وقالت: رزمتي أخذتها الساعة من بين يدي، وما أخذها غيرك. واجتمع عَلَيْنَا الناس- وَالمرأة تصيح- ما أخذ رزمتي غيرها، واتصل الكلام إِلَى صاحب الشرطة، فجاء أصحاب الشرطة وحملوني وَالمرأة معي متعلقة بي، فوجه بنا صاحب الشرطة إِلَى الوَالي- يَعْنِي الأمير- وبلغ ذلك النوري، فخرج من المسجد وجاء عَلَى أثرنا، فلحقنا ونحن بين يدي الوَالي، وَالمرأة تدعي عَلِيّ رزمتها، فدخل النوري وَقَالَ للوَالي: لا تتعرض لهذه المرأة فإنها بريئة، وعرف الوَالي بأبي الحسين النوري، فصاح الوَالي: ما حيلتي ومعها خصمها. فَقَالَ له النوري: قد عرفتك وَأَنْتَ أعلم وخرج، فبينما هم كذلك إذا بجارية سوداء قد أقبلت وقالت: يا أمرأة خلي عنها، فقد حملت أَنَا الرزمة إِلَى البيت، قَالَت: ومن أين أخذتها؟ قَالَت: من بين يديك! فأخذ النوري بيدي وَقَالَ: قولي أَنْتِ ما أوضر أولياءك.
حَدَّثَنَا عَبْد الكريم بْن هوازن القشيري النيسابوري قَالَ: سمعت أبا حاتم محمّد ابن أَحْمَد بْن يَحْيَى السجستاني يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا نصر السراج يقول: كَانَ سبب وفاة أَبِي الحسين النوري أنه سمع هذا البيت:
لا زلت أنزل من ودادك منزلا ... تتحير الألباب عند نزوله

فتواجد النوري وهام فِي الصحراء فوقع فِي أجمة قصب قد قطعت وبقى أصوله مثل السيوف، فكَانَ يمشي عليها ويعيد البيت إِلَى الغداة، وَالدم يسيل من رجليه ثم وقع مثل السكران، فورمت قدماه ومات.
حَدَّثَنَا أَبُو نصر إِبْرَاهِيم بْن هبة اللَّه بْن إبراهيم الجرباذقاني- بها- حَدَّثَنَا معمر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زياد الأصبهاني، أَخْبَرَنِي منصور بْن مُحَمَّد قَالَ: سمعت عَبْد الله ابن شنبذين يقول: سمعت أبا الْحَسَن القناد يقول: مات أَبُو الحسين النوري فِي مسجد الشونيزي مقفعا يَعْنِي جالسا- وبقي أربعة أيام لم يعلم بموته أحد، فلم يمكن مده عَلَى المغتسل، فلما حملت جنازته نادى الشبلي خلفه: اضربوا على الأرض المنابر فقد رفع العلم من الأرض.
حَدَّثَنَا إسماعيل بن أحمد الحيري، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي قَالَ: سَمِعْتُ أبا بكر الرازي يقول: سألت عَلِيّ بْن عَبْد الرحيم عَن موت النوري فَقَالَ: مات سنة خمسة وتسعين ومائتين

ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

النوري:
وَهُوَ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخُرَاسَانِيُّ، البَغَوِيُّ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ الطَّائِفَةِ بِالعِرَاقِ، وَأَحْذَقُهُم بِلَطَائِفِ الحَقَائِقِ، وَلَهُ عِبَارَاتٌ دَقِيْقَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَنِ انْحَرَفَ مِنَ الصُّوْفِيَّةِ، نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ.
صَحِبَ السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ، وَغَيْرَهُ، وَكَانَ الجُنَيْدُ يُعَظِّمُهُ، لَكِنَّهُ فِي الآخِرِ رق له وعذره، لما فسد دماغه.
وَقَدْ سَاحَ النُّوْرِيُّ إِلَى الشَّامِ، وَأَخَذَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَقَدْ جَرَتْ لَهُ مِحْنَةٌ، وَفَرَّ عَنْ بَغْدَادَ فِي قِيَامِ غُلاَمِ خَلِيْلٍ عَلَى الصُّوْفِيَّةِ، فَأَقَامَ بِالرَّقَّةِ مُدَّةً مُتَخَلِّياً مُنْعَزِلاً. حَكَى ذَلِكَ أبي سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، قَالَ: ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ وَقَدْ فَقَدَ جُلاَّسَهُ وَأُنَاسَهُ وَأَشْكَالَهُ، فَانْقَبَضَ لِضَعْفِ قُوَّتِهِ، وَضَعْفِ بَصَرِهِ.
وَقَالَ أبي نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ عُمَرَ البَنَّاءَ البَغْدَادِيَّ بِمَكَّةَ يَحكِي مِحْنَةَ غُلاَمِ خَلِيْلٍ، قَالَ: نَسَبُوا الصُّوْفِيَّةَ إِلَى الزَّنْدَقَةِ، فَأَمَرَ الخَلِيْفَةُ المُعْتَمِدُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ بِالقَبْضِ عَلَيْهِم، فَأَخَذَ فِي جُمْلَتِهِم النُّوْرِيَّ، فَأُدْخِلُوا عَلَى الخَلِيْفَةِ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِم، فَبَادَرَ النُّوْرِيُّ إِلَى السَّيَّافِ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: آثَرْتُ حَيَاتَهُم عَلَى نَفْسِي سَاعَةً. فَتَوَقَّفَ السَّيَّافُ عَنْ قَتْلِهِ، وَرَفَعَ أَمْرَهُ إِلَى الخَلِيْفَةِ، فَرَدَّ الخَلِيْفَةُ أَمْرَهُم إِلَى قَاضِي القُضَاةِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِسْحَاقَ، فَسَأَلَ أَبَا الحُسَيْنِ النُّوْرِيَّ عَنْ مَسَائِلَ فِي العِبَادَاتِ، فَأَجَابَ، ثُمَّ قَالَ: وَبَعْدَ هَذَا، فَلِلَّهِ عِبَادٌ يَنْطِقُوْنَ بِاللهِ، وَيَأْكلُوْنَ بِاللهِ، وَيَسْمَعُوْنَ بِاللهِ. فَبَكَى إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَقَالَ: إِنْ كَانَ هَؤُلاَءِ القَوْمُ زَنَادِقَةٌ، فَلَيْسَ فِي الأَرْضِ مُوَحِّدٌ. فَأَطْلَقُوْهُمُ.
أبي نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ أَبَا الفَرَجِ الوَرْثَانِيَّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى النُّوْرِيِّ، فَرَأَيْتُ رِجْلَيهِ مُنْتَفِخَتَينِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَمرِهِ، فَقَالَ: طَالَبَتْنِي نَفْسِي بِأَكْلِ تَمْرٍ، فَدَافَعْتُهَا، فَأَبَتْ عَلَيَّ، فَاشْتَرَيْتُهُ، فَلَمَّا أَكَلْتُ، قُلْتُ: قُومِي فَصَلِّي. فَأَبَتْ فَقُلْتُ: للهِ عَلَيَّ إِنْ قَعَدتِ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، فَمَا قَعَدْتُ، يَعْنِي: إلَّا فِي صلاة.
وَعَنِ النُّوْرِيِّ، قَالَ: مَنْ رَأَيْتَهُ يَدَّعِي مَعَ اللهِ حَالَةً تُخْرِجُ عَنِ الشَّرْعِ، فَلاَ تَقْرَبَنْ مِنْهُ.
قَالَ أبي العَبَّاسِ بنُ عَطَاءٍ: سَمِعْتُ أَبَا الحُسَيْنِ النُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ فِي نَفْسِي مِنْ هَذِهِ الكَرَامَاتِ، فَأَخَذْتُ مِنَ الصِّبْيَانِ قَصَبَةً، ثُمَّ قُمْتُ بَيْنَ زَوْرَقَينِ، وَقُلْتُ: وَعِزَّتِكَ، لَئِنْ لم تُخْرِجْ لِي سَمَكَةً فِيْهَا ثَلاَثَةُ أَرْطَالٍ، لأُغرِقَنَّ نَفْسِي. قَالَ: فَخَرَجَتْ لِي سَمَكَةٌ ثَلاَثَةُ أَرْطَالٍ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ الجُنَيْدَ، فَقَالَ: كَانَ حُكْمُهُ أَنْ تَخْرُجَ لَهُ أَفْعَى فَتَلْدَغُهُ.
وَعَنِ النُّوْرِيِّ، قَالَ: سَبِيْلُ الفَانِينَ الفَنَاءُ فِي مَحْبُوْبِهِم، وَسَبِيْلُ البَاقِيْنَ البَقَاءُ بِبَقَائِهِ، وَمَنِ ارْتَفَعَ عَنِ الفَنَاءِ وَالبَقَاءِ، فَحِيْنَئِذٍ لاَ فَنَاءَ وَلاَ بَقَاءَ.
عَنِ القَنَّادِ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى النُّوْرِيِّ وَأَنَا حَدَثٌ:
إِذَا كَانَ كُلُّ المَرْءِ فِي الكُلِّ فَانِياً ... أَبِنْ لِيَ عَنْ أَيِّ الوُجُودَيْنِ يُخْبِرُ
فَأَجَابَ لِوَقْتِهِ:
إِذَا كُنْتَ فِيْمَا لَيْسَ بِالوَصْفِ فَانِياً ... فَوَقْتُكَ فِي الأَوْصَافِ عِنْدِي تَحَيُّرُ
قُلْتُ: هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ طَوِيْلٍ، وَتَحُرُّزٍ عَنِ الفَنَاءِ الكُلِّيِّ، وَمُرَادُهُم بِالفَنَاءِ، فَنَاءُ الأَوْصَافِ النَّفْسَانِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَنِسْيَانُهَا بِالاشْتِغَالِ بِاللهِ -تَعَالَى- وَبِعِبَادَتِهِ، فَإِنَّ ذَاتَ العَارِفِ وَجَسَدَهُ لاَ يَنْعَدِمُ مَا عَاشَ، وَالكَونُ وَمَا حَوَى فَمَخْلُوْقٌ، وَاللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ومبدعه، أعاذنا الله وإياكم من قول الاتِّحَادِ فَإِنَّهُ زَنْدَقَةٌ.
قَالَ فَارِسٌ الحَمَّالُ: رَأَيْتُ النُّوْرِيَّ خَرَجَ مِنَ البَادِيَةِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا خَاطِرُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ يَلْحَقُ الأَسْرَارَ مَا يَلْحَقُ الصِّفَاتِ؟ -يُرِيْدُ الضَّنَا الَّذِي رَأَى بِهِ- فَقَالَ: إِنَّ اللهَ أَقْبَلَ عَلَى الأَسْرَارِ فَحَمَلَهَا، وَأَعْرَضَ عَنِ الصِّفَاتِ فَمَحَقَهَا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ:
أَهَكَذَا صَيَّرَنِي ... أَزْعَجَنِي عَنْ وَطَنِي!
حَتَّى إِذَا غِبْتُ بِهِ ... وَإِذْ بَدَا غَيَّبَنِي
وَاصَلَنِي.. حَتَّى إِذَا ... وَاصَلْتُهُ قَاطَعَنِي
يَقُوْلُ لاَ تَشْهَدُ مَا ... تَشْهَدُ أَوْ تَشْهَدُنِي
قَالَ وَلَمَّا مَاتَ النُّوْرِيُّ، قَالَ الجُنَيْدُ: ذَهَبَ نِصْفُ العِلْمِ بِمَوتِهِ.
وَقِيْلَ: قَالَ النُّوْرِيُّ لِلْجُنَيْدِ: غَشَشْتَهُمْ فَصَدَّرُوكَ، وَنَصَحْتُ لَهُمْ فَرَمَونِي بِالحِجَارَةِ.
قِيْلَ: كَانَ النُّوْرِيُّ يَلْهَجُ بِفَنَاءِ صِفَاتِ العَارِفِ، فَكَانَ ذَلِكَ أبي جَادَ فَنَاءِ ذَاتِ العَارِفِ كَمَا زَعَمَتِ الاتِّحَادِيَّةُ، فَقَالُوا بِتَعْمِيمِ فَنَاءِ السِّوَى، وَقَالُوا: مَا فِي الكَوْنِ سِوَى اللهِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ تَعَالَى اتَّحَدَ لخلقه، وأنت أنا، وأنا أنت، وأنشدوا:

وَأَلْتَذُّ إِنْ مَرَّتْ عَلَى جَسَدِي يَدِي ... لأَنِّي في التحقيق لست سواكم
فنعوذ ب الله مِنَ الضَّلاَلِ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: مَضَيْتُ يَوْماً أَنَا وَرُوَيْمٌ وَأبي بَكْرٍ العَطَّارُ نَمْشِي عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ فِي مَسْجِدٍ بِلاَ سَقْفٍ. فَقَالَ رُوَيْمٌ: مَا أَشْبَهَ هَذَا بِأَبِي الحُسَيْنِ النُّوْرِيِّ! فَمِلْنَا إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ هُوَ، فَسَلَّمْنَا وَعَرَفَنَا، وَذَكَرَ أَنَّهُ ضَجِرَ مِنَ الرَّقَّةِ فَانْحَدَرَ، وَأَنَّهُ الآنَ قَدِمَ وَلاَ يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، وَكَانَ قَدْ غَابَ عَنْ بَغْدَادَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَعَرَضْنَا عَلَيْهِ مَسْجِدَنَا، فَقَالَ: لاَ أُرِيدُ مَوْضِعاً فِيْهِ الصُّوْفِيَّةُ، قَدْ ضَجِرْتُ مِنْهُم. فَلَمْ نَزَلْ نَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ. وَكَانَتِ السَّوْدَاءُ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ، وَحَدِيْثُ النَّفْسِ، ثُمَّ ضَعُفَ بَصَرُهُ، وَانْكَسَرَ قَلْبُهُ، وَفَقَدَ إِخْوَانَهُ، فَاسْتَوْحَشَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ.
ثمَّ إِنَّهُ تَأَنَّسَ وَسَأَلَنَا عَنْ نَصْرِ بنِ رَجَاءَ وَعُثْمَانَ -وَكَانَا صَدِيْقَيْنِ لَهُ، إلَّا أَنَّ نَصْراً تَنَكَّرَ لَهُ- فَقَالَ: مَا أَخَافُ بَغْدَادَ إلَّا مِنْ نَصْرٍ. فَعَرَّفنَاهُ أَنَّهُ بِخِلاَفِ مَا فَارَقَهُ، فَجَاءَ مَعَنَا إِلَى نَصْرٍ، فَلَمَّا دَخَلَ مَسْجِدَهُ، قَامَ نَصْرٌ، وَمَا أَبْقَى فِي إِكرَامِهِ غَايَةً، وَبِتْنَا عِنْدَهُ، وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، رَكِبْنَا مَعَ نَصْرٍ زَوْرَقاً مِن زَوَارِقِهِ إِلَى مَكَانٍ، وَصَعَدْنَا إِلَى الجُنَيْدِ، فَقَامَ القَوْمُ وَفَرِحُوا، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الجُنَيْدُ، يُذَاكِرُهُ وَيُمَازِحُهُ، فَسَأَلَهُ ابْنُ مَسْرُوْقٍ مَسْأَلَةً، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِأَبِي القَاسِمِ. فَقَالَ الجُنَيْدُ: أَجِبْ يَا أَبَا الحُسَيْنِ، فَإِنَّ القَوْمَ أَحَبُّوا أَنْ يَسْمَعُوا جَوَابَكَ. قَالَ: أَنَا قَادِمٌ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ. فَتَكَلَّمَ الجُنَيْدُ وَالجَمَاعَةُ، وَالنُّوْرِيُّ سَاكِتٌ، فَعَرَّضُوا لَهُ لِيَتَكَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ لُقِّبْتُم أَلْقَاباً لاَ أَعْرِفُهَا، وَكَلاَماً غَيْرَ مَا كُنْتُ أَعْهَدُ، فَدَعُونِي حَتَّى أَسْمَعَ، وَأَقِفَ عَلَى مَقْصُودِكُمْ. فَسَأَلُوهُ عَنِ الفَرْقِ الَّذِي بَعْدَ الجَمْعِ: مَا عَلاَمَتُهُ؟ وَمَا الفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الفَرْقِ الأَوَّلِ؟ -لاَ أَدْرِي سَأَلُوهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ بِمَعْنَاهُ.
وكُنْتُ قَدْ لَقِيْتُهُ بِالرَّقَّةِ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَسَأَلَنِي عَنِ الجُنَيْدِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ يُشِيْرُونَ إِلَى شَيْءٍ يُسَمُّونَهُ الفَرْقَ الثَّانِي وَالصَّحْوَ. فَقَالَ: اذْكُر لِي شَيْئاً مِنْهُ. فَذَكَرْتُهَ، فَضَحِكَ، وَقَالَ: مَا يَقُوْلُ ابْنُ الخَلْنَجِيِّ؟ قُلْتُ: مَا يُجَالِسُهُم. قَالَ: فَأبي أَحْمَدَ القَلاَنِسِيُّ؟ قُلْتُ: مَرَّةً يُخَالِفُهُم، وَمَرَّةً يُوَافِقُهُم. قَالَ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مَا عَسَى أَنْ أَقُوْلَ أَنَا؟ ثُمَّ قُلْتُ: أَحْسِبُ أَنَّ هَذَا الَّذِي يُسَمُّونَهُ فَرْقاً ثَانِياً هُوَ عَيْنٌ مِنْ عُيُونِ الجَمْعِ، يَتَوَهَّمُوْنَ بِهِ أَنَّهُم قَدْ خَرَجُوا عَنِ الجَمْعِ فَقَالَ: هُوَ كَذَاكَ، أَنْتَ إِنَّمَا سَمِعْتَ هَذَا مِنَ القَلاَنِسِيِّ. فَقُلْتُ: لاَ.
فَلَمَّا قَدِمْتُ بَغْدَادَ، حَدَّثْتُ أَبَا أَحْمَدَ القَلاَنِسِيَّ بِذَلِكَ، فَأَعْجَبَهُ قَولُ النُّوْرِيِّ. وَأَمَّا أبي أَحْمَدَ فَكَانَ رُبَّمَا يَقُوْلُ: هُوَ صَحْوٌ وَخُرُوْجٌ عَنِ الجَمْعِ، وَرُبَّمَا قَالَ: بَلْ هُوَ شَيْءٌ مِنَ الجمع. ثم إِنَّ النُّوْرِيَّ شَاهَدَهُم، فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ عَيْنٌ مِنْ عُيُونِ الجَمْعِ، وَلاَ هُوَ صَحْوٌ مِنَ الجَمْعِ، وَلَكِنَّهُم رَجَعُوا إِلَى مَا يَعْرِفُونَ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ذَكَرَ رُوَيْمٌ وَابْنُ عَطَاءٍ: أَنَّ النُّوْرِيَّ يَقُوْلُ الشَّيْءَ وَضِدَّهُ، وَلاَ نَعْرِفُ هَذَا إلَّا قَوْلَ سُوْفَسْطَا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ. وَكَانَ بَيْنَهُم وَحْشَةٌ، وَكَانَ يُكْثِرُ مِنْهُمُ التَّعَجُّبَ، وَقَالُوا لِلْجُنَيْدِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِم، وَقَالَ: لاَ تَقُولُوا مِثْلَ هَذَا لأَبِي الحُسَيْنِ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ لَعَلَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ دِمَاغُهُ.
ثمَّ إِنَّ أَبَا الحُسَيْنِ انْقَبَضَ عَنْ جَمِيْعِهِم، وَجَفَاهُم، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ العِلَّةُ، وَعَمِيَ، وَلَزِمَ الصَّحَارَى وَالمَقَابِرَ، وَكَانَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ أَحْوَالٌ يَطُوْلُ شَرْحُهَا. وَسَمِعْتُ جَمَاعَةً يَقُوْلُوْنَ: مَنْ رَأَى النُّوْرِيَّ بَعْدَ قُدُومِهِ مِنَ الرَّقَّةِ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ قَبْلَهَا، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ لِتَغَيُّرِهِ، رحمه الله.
قَالَ ابْنُ جَهْضَمٍ: حَدَّثَنِي أبي بَكْرٍ الجَلاَّءُ، قَالَ: كَانَ النُّوْرِيُّ إِذَا رَأَى مُنْكراً، غَيَّرَه، وَلَوْ كَانَ فِيْهِ تَلَفُهُ، نَزَلَ يَوْماً، فَرَأَى زَوْرَقاً فِيْهِ ثَلاَثُوْنَ دَنّاً، فَقَالَ لِلْمَلاَّحِ: مَا هَذَا؟ قَالَ: مَا يَلْزَمُكَ؟ فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ -وَاللهِ- صُوْفِيٌّ كَثِيْرُ الفُضُولِ، هَذَا خَمْرٌ لِلْمُعْتَضِدِ. قَالَ: أَعْطِنِي ذَلِكَ المِدْرَى، فَاغْتَاظَ، وَقَالَ لأَجِيْرِهِ: نَاوِلْهُ حَتَّى أُبْصِرَ مَا يَصْنَعُ. فَأَخَذَهُ، وَنَزَلَ، فَكَسَّرَهَا كُلَّهَا غَيْرَ دَنٍّ، فَأُخِذَ، وَأُدْخِلَ إِلَى المُعْتَضِدِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ وَيْلَكَ؟! قَالَ: مُحْتَسِبٌ. قَالَ وَمَنْ وَلاَّكَ الحِسْبَةَ؟ قَالَ: الَّذِي وَلاَّكَ الإِمَامَةَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! فَأَطْرَقَ، وَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى فِعْلِكَ؟ قَالَ: شَفَقَةً مِنِّي عَلَيْكَ! قَالَ: كَيْفَ سَلِمَ هَذَا الدَّنُّ؟ فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْسِرُ الدِّنَانَ وَنَفْسُهُ مُخْلِصَةٌ خَاشِعَةٌ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى هَذَا الدَّنِّ، أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَارْتَابَ فِيْهَا، فَتَرَكَهُ.
عَنْ أَبِي أَحْمَدَ المَغَازِلِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ أَعْبَدَ مِنَ النُّوْرِيِّ! قِيْلَ: وَلاَ الجُنَيْدُ؟ قَالَ: وَلاَ الجُنَيْدُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الجُنَيْدَ مَرِضَ مَرَّةً، فَعَادَهُ النُّوْرِيُّ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَعُوفِيَ لِوَقْتِهِ.
تُوُفِّيَ النُّوْرِيُّ: قَبْلَ الجُنَيْدِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ شَاخَ، رَحِمَهُ اللهُ. وَقَدْ مَرَّ مَوتُ الجُنَيْدِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ.
قَالَ أبي بَكْرٍ العَطَوِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ الجُنَيْدِ لَمَّا احْتُضِرَ، فَخَتَمَ القُرْآنَ، ثُمَّ ابْتَدَأَ سُوْرَةَ البَقَرَةِ، فَتَلاَ سَبْعِيْنَ آيَةً وَمَاتَ.
قَالَ الخُلْدِيُّ: رَأَيْتُهُ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ فقال: طاحت تِلْكَ الإِشَارَاتُ، وَغَابَتْ تِلْكَ العِبَارَاتُ، وَفَنِيَتْ تِلْكَ العُلُوْمُ، وَنَفِدَتْ تِلْكَ الرُّسُوْمُ، وَمَا نَفَعَنَا إلَّا رَكَعَاتٌ كُنَّا نَرْكَعُهَا فِي الأَسْحَارِ.
قَالَ أبي الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: ذُكِرَ لِي أَنَّهُم حَزَرُوا الجَمْعَ يَوْمَ جَنَازَةِ الجُنَيْدِ الَّذِيْنَ صَلَّوْا عَلَيْهِ نَحْوَ سِتِّيْنَ أَلْفاً، وَمَا زَالُوا يَنْتَأبينَ قَبْرَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ نَحْوَ الشَّهْرِ، وَدُفِنَ عِنْدَ السَّرِيِّ السَّقَطِيِّ.
قُلْتُ: غَلِطَ مَنْ وَرَّخَهُ فِي سنة سبع وتسعين، والله أعلم.

سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايمازالذهبي

 

العارف بالله أبو الحسين أحمد بن محمد النُّوري البغدادي، المعروف بابن البَغَوِيّ، المتوفى بها سنة خمس وتسعين ومائتين، واختلف في اسمه فقيل: محمد بن أحمد وقيل: حسين بن أحمد، والأول أصح. كان في الطبقة الثانية من علماء القوم، صحب سريًا وأبا الحواري وكان من أقران جنيد ورأى ذا النُّون المصري.
قال التفليسي: كان النوري إذا دخل المسجد انقطع ضوء السِّرَاج من ضياء وجهه، فلذلك يسمى النُّوري.
وله مع المعتضد معارضة في كسر دنّه وإراقة خمره احتسابًا، ثم خرج إلى البصرة فأقام بها مختفيًا خشية أن يشق عليه أحد في حاجته عنده، فلما تُوفِّي المعتضد رجع إلى بغداد. ذكره الجامي والشعراني.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.