زين الإسلام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري

تاريخ الولادة377 هـ
تاريخ الوفاة465 هـ
العمر88 سنة
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةنيسابور - إيران
أماكن الإقامة
  • خراسان - إيران
  • طوس-خراسان - إيران
  • نيسابور - إيران
  • الحجاز - الحجاز
  • بغداد - العراق

نبذة

عبد الْكَرِيم بن هوَازن بن عبد الْملك بن طَلْحَة بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي الْأُسْتَاذ أَبُي الْقَاسِم الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي الملقب زين الْإِسْلَام الإِمَام مُطلقًا وَصَاحب الرسَالَة الَّتِي سَارَتْ مغربا ومشرقا والبسالة الَّتِي أصبح بهَا نجم سعادته مشرقا والأصالة الَّتِي تجَاوز بهَا فَوق الفرقد ورقىأحد أَئِمَّة الْمُسلمين علما وَعَملا وأركان الْملَّة فعلا ومقولا إِمَام الْأَئِمَّة ومجلي ظلمات الضلال المدلهمة أحد من يقْتَدى بِهِ فِي السّنة ويتوضح بِكَلَامِهِ طرق النَّار وطرق الْجنَّة شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم الطَّائِفَة الْجَامِع بَين أشتات الْعُلُوم ولد فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وثلاثمائة

الترجمة

أبو القاسم القشيرى 377 - 465 للهجرة
عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيرى أبو القاسم؛ صاحب " الرسالة " و " التفسير " وغيرهما، الجامع بين الشريعة والحقيقة.
صحب أبا على الدقاق، وغيره. وأصله من " أستواى "، من العرب الذين قدموا خراسان.

توفي أبوه وهو صغير، وقرأ الأدب في صباه. حضر إلى نيسأبور ليتعلم الحساب، لأجل قريته، فاتفق حضوره مجلس الدقاق، فأعجبه كلامه، ووقع في قلبه، فرجع عن ذلك لعزم، وسلك طريق الإرادة، فقبله الدقاق، وأقبل عليه، وتفرس فيه فجذبه أخذ الفقه فأتقنه، ثم الأصول، على ابن فورك، والأستاذ أبى إسحاق، وجمع بين طريقتهما. ونظر في كتب ابن الباقلاني.
وزوجه الدقاق ابنته مع كثرة أقاربها. وحج في رفقة فيها الجوينى، والد الأمام، والبيهقى، وغيرهما، وسمع ببغداد والحجاز، وكانت له فراسة، وفروسية.

وأما مجلس التذكير فهو إمامه.
عقد له مجلس الوعظ ببغداد، فروى في أول مجلس منه الحديث المشهور:) السفر قطعة من العذاب. الحديث (، فقام شخص وقال: " لم سمى عذابا؟ فقال: " لأنه سبب فرقة الأحباب! ". فاضطرب الناس وتواجدوا، وما أمكنه أن يتم المجلس، فنزل.
ومن إنشاداته:
إلا حي بالدمع أطلالها ... وعرج لتعرف أحوالها
وهل نسيتنا بحمي عهدنا ... وهل مثل ما نالني نالها
وهل يرجى لزمان النوى ... ذهاب يقصر أذيالها
سقى الله أيامنا بالحمى ... وأيام سعدي، وأطلالها

وأنشد لنفسه:
سقى الله وقتاً كنت أخلو بوجهكم ... وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحك
أقمنا زمأنا، والعيون قريرة ... وأصبحت يوماً، والجفون سوافك
وكان كثيراً ما ينشد:
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... وشهدت حين نكرر التوديعا
لعلمت أن من الدموع محدثاً ... وعلمت أن من الحديث دموعا
ولد سنة سبع وسبعين وثلثمائة، ومات سنة خمس وستين والأبعمائة، بنيسأبور. ودفن بالمدرسة، تحت شيخه أبى على الدقاق.
وولده أبو نصر عبد الرحيم كان أيضاً إماماً كبيراً، " ومن شابه أباه فما ظلم ". واظب على دروس إمام الحرمين، فحصل طريقته في المذهب والخلاف، وحج وعقد المجلس ببغداد، وحصل له القبول التام،

وحضر الشيخ أبو إسحاق الشيرازى مجلسه. وأطبق علماء بغداد على أنهم لم يروا مثله.
ومن أنشاداته:
ليالي الوصل قد مضين كأنها ... لآلى عقود في نحور الكواعب
وأيام هجر أعقبتها، كأنها ... بياض مشيب في السواد الذوائب
وكان يعظ في " النظامية " ورباط شيخ الشيوخ. ثم رجع إلى نيسأبور، فلزم الدرس والوعظ، إلى أن قارب انتهاء أمره، فأصابه ضعف في أعضائه.
ثم مات سنة أربع عشرة وخمسمائة، ودفن بمشهدهم.
وقد ذكرت اخوته في " طبقات الفقهاء " فليراجع منها.

طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.

 

 

عبد الْكَرِيم بن هوَازن [376 - 465]
ابْن عبد الْملك بن طَلْحَة بن مُحَمَّد، الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي.
الْفَقِيه الصُّوفِي، المفتن فِي الْعُلُوم، صَاحب " الرسَالَة إِلَى الصُّوفِيَّة " السائرة فِي أقطار الأَرْض.
ذكر أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي الْخَطِيب الأديب، ثمَّ غَيره، من خَبره مَا اختصاره، أَنه كَانَ إِمَامًا، فَقِيها، متكلماً، أصولياً، مُفَسرًا، مُحدثا، أديباً، نحوياً، كتابا، شَاعِرًا، وَكَانَ لِسَان عصره، وَسيد وقته، شيخ الْمَشَايِخ، وأستاذ الْجَمَاعَة، ومقصود سالكي الطَّرِيقَة، بنْدَار الْحَقِيقَة، وقطب السَّادة، حَقِيقَة الملاحة، جمع بَين عُلُوم الشَّرِيعَة والحقيقة، وَشرح أحسن الشَّرْح أصُول الطَّرِيقَة.

أَصله من أستوا من عمل نيسابور، من الْعَرَب الَّذين وردوا خُرَاسَان، وَسَكنُوا الرساتيق، وَهُوَ قشيري الْأَب، سلمى الْأُم، وخاله أَبُو عقيل السّلمِيّ، كَانَ من وُجُوه دهاقين أستوا، توفى أَبوهُ وَهُوَ طِفْل، فَوَقع إِلَى أبي الْقَاسِم الأليماني الأديب، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْأَدَب والعربية، بِسَبَب اتِّصَاله بِهِ، وعَلى غَيره أَيْضا، فَعلم اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَتخرج، وَكَانَت لَهُ ضَيْعَة ثَقيلَة الْخراج بِنَاحِيَة أستوا، فَرَأى فِي عنفوان شبابه أَن يدْخل الْبَلَد - وَهُوَ نيسابور - ويتعلم صناعَة الِاسْتِيفَاء ويتقلد الْعَمَل، لَعَلَّه يصون بذلك ضيعته، فَدَخلَهَا على هَذِه الْعَزِيمَة، فاتفق حُضُوره مجْلِس الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، وَكَانَ لِسَان وقته، مهذباً حَالا ومقالاً، فَاسْتحْسن كَلَامه، وَوَقع مِنْهُ موقعاً لفهم الْعَرَبيَّة، وَإِذا بِهِ قد أَرَادَ أمرا، وَأَرَادَ الله غَيره، فَوَقع فِي شبكة الدقاق، وسلك طَرِيق الْإِرَادَة، طلب القباء، فرزق العباء، وَقَبله الدقاق وَأَقْبل عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ تفرس فِيهِ، فَجَذَبَهُ بهمته، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بتَعَلُّم الْعلم، فَذهب إِلَى درس الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن بكر الطوسي، وَشرع فِي الْفِقْه، ودوام حَتَّى فرغ من التَّعْلِيق، ثمَّ اخْتلف بإشارته إِلَى الْأُسْتَاذ أبي بكر ابْن فورك، وَكَانَ الْمُقدم فِي علم الْكَلَام، فحصله وبرع فِيهِ، وَصَارَ من أوجه تلامذته،، وأشدهم تَحْقِيقا وضبطاً، وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَيْضا علم أصُول الْفِقْه وفروعه، وَلما توفّي الْأُسْتَاذ ابْن فورك ذهب إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ وَقعد يسمع جَمِيع درسه أَيَّامًا، فَقَالَ لَهُ الْأُسْتَاذ: هَذَا الْعلم لَا يحصل بِالسَّمَاعِ. وَمَا توهم فِيهِ ضبط مَا يسمع، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَا سَمعه مِنْهُ، وَقَررهُ أحسن تَقْرِير من غير إخلال بِشَيْء، فتعجب مِنْهُ، وَعرف مَحَله، فَأكْرمه، وَقَالَ: مَا كنت أَدْرِي أَنَّك بلغت هَذَا الْمحل، فلست تحْتَاج إِلَى درس، بل يَكْفِيك أَن تطالع مصنفاتي، وَتنظر فِي طريقتي، وَإِن أشكل عَلَيْك شَيْء طالعتني بِهِ، فَفعل ذَلِك، وَجمع بَين طَرِيقَته وَطَرِيقَة ابْن فورك، ثمَّ نظر فِي كتب القَاضِي أبي بكر ابْن الطّيب ابْن الباقلاني، وَهُوَ مَعَ ذَلِك يحضر مجْلِس الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، ثمَّ إِنَّه اخْتَارَهُ لكريمته فَزَوجهَا مِنْهُ، مَعَ كَثْرَة أقاربها.

وَلما توفّي ابو عَليّ عَاشر أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، وَصَارَ أستاذ خُرَاسَان، وَأخذ فِي التصنيف، وصنف " التَّفْسِير الْكَبِير " قبل الْعشْر وَأَرْبع مئة، وَخرج إِلَى الْحَج فِي رفْقَة فِيهَا الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ، وَالشَّيْخ أَحْمد الْبَيْهَقِيّ، وَجَمَاعَة من الْمَشَاهِير، فَسمع مَعَهم الحَدِيث بِبَغْدَاد وبالحجاز من مَشَايِخ الْعَصْر.
وَكَانَ فِي علم الفروسية وَاسْتِعْمَال الأسلحة وَمَا يتَعَلَّق بِهِ أحد أَفْرَاد عصره، وَله فِي ذَلِك دقائق وعلوم انْفَرد بهَا، وَأما الْجُلُوس للتذكير والوعظ، وَالْقعُود بَين المريدين، وَالْجَوَاب عَن أسولتهم عَن الوقائع، فَمِنْهُ وَإِلَيْهِ، أجمع أهل عصره على أَنه عديم النظير فِيهَا، غير مشارك فِي أساليب التَّكَلُّم على الْمسَائِل، وَفِي تطبيب الْقُلُوب، وَفِي الإشارات اللطيفة المستنبطة من الْآيَات وَالْأَخْبَار من كَلَام الْمَشَايِخ، وَفِي الرموز الدقيقة، وتصانيفه فِيهَا مَشْهُورَة، وَكَانَ ينظم الْأَشْعَار اللطيفة على لِسَان أهل الطَّرِيقَة، وَعقد لنَفسِهِ مجْلِس إملاء الحَدِيث سنة سبع وَثَلَاثِينَ واربع مئة، فَكَانَ يملي إِلَى سنة خمس وَسِتِّينَ، ويذنب أَمَالِيهِ بأشعاره، وَرُبمَا تكلم على الْأَحَادِيث بإشاراته ولطائفه، وَكَانَ لَهُ فِي الْكِتَابَة طَريقَة أنيقة رشيقة تبر على نظمه.

أَخذ طَريقَة التصوف عَن الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، وَأَخذهَا هُوَ عَن أبي الْقَاسِم النصراباذي، وَهُوَ عَن الشبلي، عَن الْجُنَيْد، ن السّري، عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي، عَن دَاوُد الطَّائِي، وَدَاوُد لَقِي التَّابِعين، هَكَذَا كَانَ يذكر إِسْنَاد طَرِيقَته.
وَقَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كل من أَتَى بعده بنكتة وأعجوبة فِي علم التصوف فَهُوَ مَسْرُوق من كَلَامه، يُوجد مُتَفَرقًا فِي أَطْرَاف كَلَامه.
سمع الحَدِيث من جمَاعَة من الرفعاء: السَّيِّد أبي الْحسن الْعلوِي، وَالْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ، والأمام أبي الطّيب سهل الصعلوكي، وَالْإِمَام أبي طَاهِر الزيَادي، وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، وَالْقَاضِي أبي زيد ابْن حبيب، وَأبي الْقَاسِم ابْن حبيب الْمُفَسّر، وَالْقَاضِي أبي بكر الْحِيرِي، وَأبي الْحُسَيْن الْخفاف صَاحب أبي الْعَبَّاس السراج.
وَسمع بالعراق، والحجاز فِي حجَّته الأولى: أَبَا الْحُسَيْن ابْن بَشرَان، وأخاه أَبَا الْقَاسِم، وَأَبا الْحُسَيْن ابْن الْفضل الْبَغْدَادِيّ، وَالْقَاضِي جنَاح بن نَذِير الْكُوفِي، وَابْن نظيف الْفراء الْمصْرِيّ، وَسمع غير من ذكرنَا.

روى عَنهُ الْخَطِيب الْحَافِظ فَمن دونه.
وَذكره عَليّ بن الْحسن الباخرزي فِي كِتَابه " دمية الْقصر " فَقَالَ: الإِمَام، زين الْإِسْلَام، أَبُو الْقَاسِم، جَامع لأنواع المحاسن، تنقاد لَهُ صعابها ذلل المراسن، فَلَو قرع الصخر بِسَوْط تحذيره لذاب، وَلَو ربط إِبْلِيس فِي مجْلِس تذكيره لتاب، وَله فصل الْخطاب فِي فضل النُّطْق المستطاب، ماهر فِي التَّكَلُّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ، خَارج فِي إحاطته بالعلوم عَن الْحَد البشري، كَلِمَاته للمستفيدين فَوَائِد وفرائد، وعتبات منبره للعارفين وسائد، ثمَّ إِذا عقد بَين مَشَايِخ الصُّوفِيَّة حبوته، وَرَأَوا قربته من الْحق وحظوته، تضاءلوا بَين يَدَيْهِ، وتلاشوا بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ، وطواهم بساطه فِي حَوَاشِيه، وانقسموا بَين النّظر إِلَيْهِ والتفكير فِيهِ، وَله شعر يتبوج رُؤُوس معاليه، إِذا ختمت بِهِ أَذْنَاب أَمَالِيهِ.
وَقَالَ الْحَاكِم عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري ببيهق مذاكرة: سَمِعت الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي بنيسابور يَقُول فِي مَجْلِسه: البغداديون يَقُولُونَ: كن يَهُودِيّا صرفا، وَإِلَّا فَلَا تلعب التَّوْرَاة.

وَقَالَ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل النَّيْسَابُورِي: من أَفْرَاد الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي الْقَاسِم قَوْله:
(قَالُوا تهن بِيَوْم الْعِيد قلت لَهُم ... لي كل يَوْم بلقيا سَيِّدي عيد)

(الْوَقْت روح وَعِيد إِن شهدتهم ... وَإِن فقدتهم نوح وتعديد)

قَالَ: وَقَوله:
(جنباني المدام يَا صاحبيا ... واتلوا سُورَة الصّلاح عليا)

(استجبنا لزاجر الشَّرْع طَوْعًا ... وَتَركنَا حَدِيث سلمى وريا)

(واتحنا لموجب الشَّرْع نشرا ... ومنحنا لموجب اللَّهْو طيا)

(وَوجدنَا إِلَى القناعة بَابا ... فَوَضَعْنَا على المطامع كيا)

(إِن من مَاتَ نَفسه عَن هَواهَا ... أصبح الْقلب مِنْهُ بِاللَّه حَيا)

(نلْت روح الْحَيَاة بعد زمَان ... قد تعنيت بِالَّتِي واللتيا)

(كنت فِي حر وحشتي لاختياري ... فتعوضت بالرضى مِنْهُ فيا)

(وتحررت بعد رق وذل ... حِين لم أدخر لنَفْسي شيا)

(سمح الْوَقْت بِالَّذِي رمت مِنْهُ ... بَعْدَمَا قد أَطَالَ مطلا وليا)

(فَالَّذِي يَهْتَدِي لقطع هَوَاهُ ... فَهُوَ فِي الْعِزّ حَاز حد الثريا)

(وَالَّذين ارتووا بكأس مُنَاهُمْ ... فعلة العَبْد سَوف يلقون غيا)

وَقَالَ أَيْضا أَبُو الْحسن عبد الغافر، وَهُوَ سبط الْأُسْتَاذ: توفّي الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد قبل طُلُوع الشَّمْس السَّادِس عشر من شهر ربيع الآخر من سنة خمس وَسِتِّينَ أَربع مئة، وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الْأَكْبَر أَبُو سعد عبد الله مَعَ الْخلق الْكثير، وَمَا عهد قبلهم اجْتِمَاع مثله، وَدفن فِي الْمدرسَة بِجَانِب شَيْخه الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، وَلزِمَ الْأَئِمَّة الْأَحْوَال رَأس تربته لَيْلًا وَنَهَارًا، وَكَانُوا يبيتُونَ عِنْدهَا، وَلم يدْخل أحد مِنْهُم بَيته، وَلَا مس ثِيَابه وَلَا كتبه وَلَا أجزاءه إِلَّا بعد سِنِين احتراماً وتعظيماً لَهُ، وَمن عجائب مَا وَقع أَن الْفرس الَّتِي كَانَ يركبهَا وَكَانَت مَكَّة أهديت لَهُ من قريب من عشْرين سنة مَا كَانَ يركب غَيرهَا، مَا ركبهَا أحد بعده، وَحكي أَنَّهَا لم تعتلف بعد وَفَاته حَتَّى نفقت يَوْم الْجُمُعَة سادس يَوْم وَفَاته، انصرفنا من الْجُمُعَة فَأخْبرنَا أَنَّهَا سَقَطت فِي الإصطبل، وَكَانَ ذَلِك من نَوَادِر مَا رَأَيْنَاهُ.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: لَهُ تصانيف كَثِيرَة فِي فنون، وَلَا يَخْلُو كَلَامه نظماً ونثراً من عجمة ظَاهِرَة، فَمِنْهَا فِي الْكَلَام: كتاب " مَفَاتِيح الْحجَج "،و " مُخْتَصر جَامع النكت "، وَمِنْهَا فِي أصُول الْفِقْه: كتاب " الْوَاسِطَة ".

قَالَ الْخَطِيب: حدث أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي بِبَغْدَاد، وكتبنا عَنهُ، وَكَانَ ثقه، وَكَانَ يقص، وَكَانَ حسن الموعظة، مليح الْإِشَارَة، وَكَانَ يعرف الْأُصُول على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ، وَالْفُرُوع على مَذْهَب الشَّافِعِي.
وَقَالَ: سَأَلت الْقشيرِي عَن مولده فَقَالَ: فِي ربيع الأول، من سنة سِتّ وَسبعين وَثَلَاث مئة.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

 

عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك ابن طلحة النيسابورىّ القشيري، من بني قشير ابن كعب، أبو القاسم، زين الإسلام: شيخ خراسان في عصره، زهدا وعلما بالدين. كانت إقامته بنيسابور وتوفي فيها. وكان السلطان ألب أرسلان يقدمه ويكرمه. من كتبه " التيسير في التفسير - خ " ويقال له " التفسير الكبير " و " لطائف الإشارات - ط " ثلاثة أجزاء منه، في التفسير أيضا، و " الرسالة القشيرية - ط " .

-الاعلام للزركلي-

 

 

 عبد الْكَرِيم بن هوَازن بن عبد الْملك بن طَلْحَة بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي الْأُسْتَاذ أَبُي الْقَاسِم الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي الملقب زين الْإِسْلَام

الإِمَام مُطلقًا وَصَاحب الرسَالَة الَّتِي سَارَتْ مغربا ومشرقا والبسالة الَّتِي أصبح بهَا نجم سعادته مشرقا والأصالة الَّتِي تجَاوز بهَا فَوق الفرقد ورقى
أحد أَئِمَّة الْمُسلمين علما وَعَملا وأركان الْملَّة فعلا ومقولا إِمَام الْأَئِمَّة ومجلي ظلمات الضلال المدلهمة
أحد من يقْتَدى بِهِ فِي السّنة ويتوضح بِكَلَامِهِ طرق النَّار وطرق الْجنَّة شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم الطَّائِفَة الْجَامِع بَين أشتات الْعُلُوم
ولد فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وثلاثمائة
وَسمع الحَدِيث من أبي الْحُسَيْن الْخفاف وَأبي نعيم الإسفرايني وَأبي بكر بن عَبدُوس الْمُزَكي وَأبي نعيم أَحْمد بن مُحَمَّد المهرجاني وَعلي بن أَحْمد الْأَهْوَازِي وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَابْن باكوية الشِّيرَازِيّ وَالْحَاكِم وَابْن فورك وَأبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَغَيرهم

روى عَنهُ ابْنه عبد الْمُنعم وَابْن ابْنه أَبُو الأسعد هبة الرَّحْمَن وَأَبُو عبد الله الفراوي وزاهر الشحامي وَعبد الْوَهَّاب بن شاه الشاذياخي ووجيه الشحامي وَعبد الْجَبَّار الخواري وَخلق
وروى عَنهُ من القدماء أَبُو بكر الْخَطِيب وَغَيره
وَوَقع لنا الْكثير من حَدِيثه
وَأخذ الْفِقْه عَن أبي بكر مُحَمَّد بن بكر الطوسي وَعلم الْكَلَام عَن الْأُسْتَاذ أبي بكر بن فورك
وَاخْتلف أَيْضا يَسِيرا إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق
وَأخذ التصوف عَن أستاذه أبي عَليّ الدقاق
وَكَانَ فَقِيها بارعا أصوليا محققا متكلما سنيا مُحدثا حَافِظًا مُفَسرًا متفننا نحويا لغويا أديبا كَاتبا شَاعِرًا مليح الْخط جدا شجاعا بطلا لَهُ فِي الفروسية وَاسْتِعْمَال السِّلَاح الْآثَار الجميلة
أجمع أهل عصره على أَنه سيد زَمَانه وقدوة وقته وبركة الْمُسلمين فِي ذَلِك الْعَصْر
قَالَ الْخَطِيب حدث بِبَغْدَاد وكتبنا عَنهُ وَكَانَ ثِقَة وَكَانَ يعظ وَكَانَ حسن المواعظة مليح الْإِشَارَة وَكَانَ يعرف الْأُصُول على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَالْفُرُوع على مَذْهَب الشَّافِعِي
وَقَالَ عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل فِيهِ الإِمَام مُطلقًا الْفَقِيه الْمُتَكَلّم الأصولي الْمُفَسّر الأديب النَّحْوِيّ الْكَاتِب الشَّاعِر لِسَان عصره وَسيد وقته وسر الله بَين خلقه شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم الطَّائِفَة ومقصود سالكي الطَّرِيقَة وَبُنْدَار الْحَقِيقَة وَعين السَّعَادَة وَحَقِيقَة الملاحة لم ير مثل نَفسه وَلَا رأى الراءون مثله فِي كَمَاله وبراعته جمع بَين علم الشَّرِيعَة والحقيقة وَشرح أحسن الشَّرْح أصُول الطَّرِيقَة
أَصله من نَاحيَة أستوا من الْعَرَب الَّذين وردوا خُرَاسَان وَسَكنُوا النواحي فَهُوَ قشيري الْأَب سلمي الْأُم وخاله أَبُو عقيل السّلمِيّ من وُجُوه دهاقين نَاحيَة أستوا
توفّي أَبوهُ وَهُوَ طِفْل فَوَقع إِلَى أبي الْقَاسِم الأليماني فَقَرَأَ الْأَدَب والعربية عَلَيْهِ بِسَبَب اتِّصَاله بهم وَقَرَأَ على غَيره وَحضر الْبَلَد وَاتفقَ حُضُوره مجْلِس الْأُسْتَاذ الشَّهِيد أبي عَليّ الْحسن بن عَليّ الدقاق وَكَانَ لِسَان وقته فَاسْتحْسن كَلَامه وسلك طَرِيق الْإِرَادَة فَقبله الْأُسْتَاذ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بتَعَلُّم الْعلم فَخرج إِلَى درس الشَّيْخ الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن بكر الطوسي وَشرع فِي الْفِقْه حَتَّى فرغ من التَّعْلِيق ثمَّ اخْتلف بإشارته إِلَى الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي بكر بن فورك وَكَانَ الْمُقدم فِي الْأُصُول حَتَّى حصلها وبرع فِيهَا وَصَارَ من أوجه تلامذته وأشدهم تَحْقِيقا وضبطا وَقَرَأَ عَلَيْهِ أصُول الْفِقْه وَفرغ مِنْهُ ثمَّ بعد وَفَاة الْأُسْتَاذ أبي بكر اخْتلف إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإسفرايني وَقعد يسمع جَمِيع دروسه وأتى عَلَيْهِ أَيَّام فَقَالَ لَهُ الْأُسْتَاذ هَذَا الْعلم لَا يحصل بِالسَّمَاعِ وَمَا توهم فِيهِ ضبط مَا يسمع فَأَعَادَ عِنْده مَا سَمعه مِنْهُ وَقَررهُ أحسن تَقْرِير من غير إخلال بِشَيْء فتعجب مِنْهُ وَعرف مَحَله فَأكْرمه وَقَالَ مَا كنت أَدْرِي أَنَّك بلغت هَذَا الْمحل فلست تحْتَاج إِلَى درسي يَكْفِيك أَن تطالع مصنفاتي وَتنظر فِي طريقي وَإِن أشكل عَلَيْك شَيْء طالعتني بِهِ فَفعل ذَلِك وَجَمِيع بَين طَرِيقَته وَطَرِيقَة ابْن فورك ثمَّ نظر بعد ذَلِك فِي كتب القَاضِي أبي بكر ابْن الطّيب وَهُوَ مَعَ ذَلِك يحضر مجْلِس الْأُسْتَاذ أبي عَليّ إِلَى أَن اخْتَارَهُ لكريمته فَزَوجهَا مِنْهُ
وَبعد وَفَاة الْأُسْتَاذ عَاشر أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ إِلَى أَن صَار أستاذ خُرَاسَان وَأخذ فِي التصنيف فصنف التَّفْسِير الْكَبِير قبل الْعشْر وَأَرْبَعمِائَة ورتب الْمجَالِس وَخرج إِلَى الْحَج فِي رفْقَة فِيهَا أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالشَّيْخ أَحْمد الْبَيْهَقِيّ وَجَمَاعَة من الْمَشَاهِير فَسمع مَعَهم الحَدِيث بِبَغْدَاد والحجاز من مَشَايِخ عصره
وَكَانَ فِي علم الفروسية وَاسْتِعْمَال السِّلَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من أَفْرَاد الْعَصْر وَله فِي ذَلِك الْفَنّ دقائق وعلوم انْفَرد بهَا
وَأما الْمجَالِس فِي التَّذْكِير وَالْقعُود فِيمَا بَين المريدين وأسئلتهم عَن الوقائع وخوضه فِي الْأَجْوِبَة وجريان الْأَحْوَال العجيبة فَكلهَا مِنْهُ وَإِلَيْهِ
أجمع أهل الْعَصْر على أَنه عديم النظير فِيهَا غير مشارك فِي أساليب الْكَلَام على الْمسَائِل وتطييب الْقُلُوب والإشارات اللطيفة المستنبطة من الْآيَات وَالْأَخْبَار من كَلَام الْمَشَايِخ والرموز الدقيقة وتصانيفه فِيهَا الْمَشْهُورَة إِلَى غير ذَلِك من نظم الْأَشْعَار اللطيفة على لِسَان الطَّرِيقَة
وَلَقَد عقد لنَفسِهِ مجْلِس الْإِمْلَاء فِي الحَدِيث سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ يملي إِلَى سنة خمس وَسِتِّينَ يُذنب أَمَالِيهِ بأبياته وَرُبمَا كَانَ يتَكَلَّم على الحَدِيث بإشاراته ولطائفه
وَله فِي الْكِتَابَة طَريقَة أنيقة رشيقة تبري على النّظم
وَلَقَد قَرَأت فصلا ذكره عَليّ بن الْحسن فِي دمية الْقصر وَهُوَ أَن قَالَ الإِمَام زين الْإِسْلَام أَبُو الْقَاسِم جَامع لأنواع المحاسن تنقاد لَهُ صعابها ذلل المراسن فَلَو قرع الصخر بِسَوْط تحذيره لذاب وَلَو ربط إِبْلِيس فِي مجْلِس تذكيره لتاب وَله فصل الْخطاب فِي فضل النُّطْق المستطاب ماهر فِي التَّكَلُّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ خَارج فِي إحاطته بالعلوم على الْحَد البشري كَلِمَاته للمستفيدين فَوَائِد وفرائد وعتبات منبره للعارفين وسائد وَله شعر يتوج بِهِ رُؤُوس معاليه إِذا ختمت بِهِ أَذْنَاب أَمَالِيهِ

قَالَ عبد الغافر وَقد أَخذ طَرِيق التصوف من الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق وَأَخذهَا أَبُو عَليّ عَن أبي الْقَاسِم النصراباذي والنصراباذي عَن الشبلي والشبلي عَن الْجُنَيْد والجنيد عَن السّري السَّقطِي وَالسري عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي ومعروف عَن دَاوُد الطَّائِي وَدَاوُد لَقِي التَّابِعين
هَكَذَا كَانَ يذكر إِسْنَاد طَرِيقَته
وَمن جملَة أَحْوَاله مَا خص بِهِ من المحنة فِي الدّين والاعتقاد وَظُهُور التعصب بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي عشر سنة أَرْبَعِينَ إِلَى خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وميل بعض الْوُلَاة إِلَى الْأَهْوَاء وسعى بعض الرؤساء والقضاة إِلَيْهِ بالتخليط حَتَّى أدّى ذَلِك إِلَى رفع الْمجَالِس وتفرق شَمل الْأَصْحَاب وَكَانَ هُوَ الْمَقْصُود من بَينهم حسدا حَتَّى اضطرته الْحَال إِلَى مُفَارقَة الأوطان وامتد فِي أثْنَاء ذَلِك إِلَى بَغْدَاد وَورد على أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله ولقى فِيهَا قبولا وَعقد لَهُ الْمجْلس فِي مَنَازِله المختصة بِهِ وَكَانَ ذَلِك بِمحضر ومرأى مِنْهُ وَوَقع كَلَامه فِي مَجْلِسه الْموقع وَخرج الْأَمر بإعزازه وإكرامه وَعَاد إِلَى نيسابور وَكَانَ يخْتَلف مِنْهَا إِلَى طوس بأَهْله وَبَعض أَوْلَاده حَتَّى طلع صبح النّوبَة الْمُبَارَكَة دولة السُّلْطَان ألب أرسلان فِي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فَبَقيَ عشر سِنِين فِي آخر عمره مرفها مُحْتَرما مُطَاعًا مُعظما وَأكْثر صَفوه فِي آخر أَيَّامه الَّتِي شَاهَدْنَاهُ فِيهَا أخيرا إِلَى أَن تقْرَأ عَلَيْهِ كتبه وتصانيفه وَالْأَحَادِيث المسموعة لَهُ وَمَا يؤول إِلَى نصْرَة الْمَذْهَب

بلغ المنتمون إِلَيْهِ الافا فأملوا بِذكرِهِ وتصانيفه أطرافا
انْتهى كَلَام عبد الغافر
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت أَبَا بشر مُصعب بن عبد الرَّزَّاق بن مُصعب المصعبي بمرو يَقُول حضر الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم مجْلِس بعض الْأَئِمَّة الْكِبَار وَكَانَ قَاضِيا بمرو وَأَظنهُ قَالَ القَاضِي عَليّ الدهْقَان وَقت قدومه علينا فَلَمَّا دخل الْأُسْتَاذ قَامَ القَاضِي على رَأس السرير وَأخذ مخدة كَانَ يسْتَند عَلَيْهَا على السرير وَقَالَ لبَعض من كَانَ قَاعِدا على دَرَجَة الْمِنْبَر احملها إِلَى الْأُسْتَاذ الإِمَام ليقعد عَلَيْهَا
ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس حججْت سنة من السنين وَكَانَ قد اتّفق أَن حج تِلْكَ السّنة هَذَا الإِمَام الْكَبِير وَأَشَارَ إِلَى الْأُسْتَاذ وَكَانَ يُقَال لتِلْك السّنة سنة الْقُضَاة وَكَانَ حج تِلْكَ السّنة أَرْبَعمِائَة نفس من قُضَاة الْمُسلمين وأئمتهم من أقطار الْبلدَانِ وأقاصي الأَرْض وَأَرَادُوا أَن يتَكَلَّم وَاحِد مِنْهُم فِي حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فاتفق الْكل على الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم فَتكلم هُوَ بِاتِّفَاق مِنْهُم
قلت من سمع هَذِه الْحِكَايَة لم يستنكر مَا ذكره الْغَزالِيّ فِي بَاب الْوَلَاء فِي مَسْأَلَة أَرْبَعمِائَة قَاض
وبلغنا أَنه مرض للأستاذ أبي الْقَاسِم ولد مَرضا شَدِيدا بِحَيْثُ أيس مِنْهُ فشق ذَلِك على الْأُسْتَاذ فَرَأى الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمَنَام فَشكى إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اجْمَعْ آيَات الشِّفَاء واقرأها عَلَيْهِ واكتبها فِي إِنَاء وَاجعَل فِيهِ مشروبا واسقه إِيَّاه فَفعل ذَلِك فَعُوفِيَ الْوَلَد
وآيات الشِّفَاء فِي الْقُرْآن سِتّ

{ويشف صُدُور قوم مُؤمنين} {وشفاء لما فِي الصُّدُور} {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} {وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين} {وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين} {قل هُوَ للَّذين آمنُوا هدى وشفاء} وَرَأَيْت كثيرا من الْمَشَايِخ يَكْتُبُونَ هَذِه الْآيَات للْمَرِيض ويسقاها فِي الْإِنَاء طلبا للعافية
وَمن تصانيف الْأُسْتَاذ التَّفْسِير الْكَبِير وَهُوَ من أَجود التفاسير وأوضحها والرسالة الْمَشْهُورَة الْمُبَارَكَة الَّتِي قيل مَا تكون فِي بَيت وينكب والتحبير فِي التَّذْكِير وآداب الصُّوفِيَّة ولطائف الإشارات وَكتاب الْجَوَاهِر وعيون الْأَجْوِبَة فِي فنون الأسئلة وَكتاب الْمُنَاجَاة وَكتاب نكت أولي النهى وَكتاب نَحْو الْقُلُوب الْكَبِير وَكتاب نَحْو الْقُلُوب الصَّغِير وَكتاب أَحْكَام السماع وَكتاب الْأَرْبَعين فِي الحَدِيث وَقع لنا بِالسَّمَاعِ الْمُتَّصِل وَغير ذَلِك
وَخلف من الْبَنِينَ سِتَّة ذَكَرْنَاهُمْ فِي هَذِه الطَّبَقَات عبادلة كلهم من السيدة الجليلة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق
قَالَ النقلَة وَلما مرض لم تفته وَلَا رَكْعَة قَائِما بل كَانَ يُصَلِّي قَائِما إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله فِي صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد السَّادِس عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن فِي الْمدرسَة إِلَى جَانب أستاذه أبي عَليّ الدقاق

قَالَ أَبُو تُرَاب المراغي رَأَيْته فِي النّوم فَقَالَ أَنا فِي أطيب عَيْش وأكمل رَاحَة
وَقَالَ غَيره كَانَت للأستاذ فرس يركبهَا فَلَمَّا مَاتَ امْتنعت عَن الْعلف وَلم تطعم شَيْئا وَلم تمكن رَاكِبًا من ركُوبهَا وَمَكَثت أَيَّامًا قَلَائِل على هَذَا بعده إِلَى أَن مَاتَت
وَمن رَشِيق كَلَامه ومليح شعره وجليل الْفَوَائِد عَنهُ
قَالَ عبد الْمُنعم بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم سَمِعت وَالِدي يَقُول المريد لَا يفتر آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار فَهُوَ فِي الظَّاهِر بنعت المجاهدات وَفِي الْبَاطِن بِوَصْف المكابدات فَارق الْفراش ولازم الانكماش وَتحمل المصاعب وَركب المتاعب وعالج الْأَخْلَاق ومارس المشاق وَعَانَقَ الْأَهْوَال وَفَارق الأشكال كَمَا قيل
(ثمَّ قطعت اللَّيْل فِي مهمة ... لَا أسدا أخْشَى وَلَا ذيبا)
(يغلبني شوقي فأطوي السرى ... وَلم يزل ذُو الشوق مَغْلُوبًا)
وَمن شعر الْأُسْتَاذ
(يَا من تقاصر شكري عَن أياديه ... وكل كل لِسَان عَن معاليه)
(وجوده لم يزل فَردا بِلَا شبه ... علا عَن الْوَقْت ماضيه وآتيه)
(لَا دهر يخلقه لَا قهر يلْحقهُ ... لَا كشف يظهره لَا ستر يخفيه)
(لَا عد يجمعه لَا ضد يمنعهُ ... لَا حد يقطعهُ لَا قطر يحويه)
(لَا كَون يحصره لَا عون ينصره ... وَلَيْسَ فِي الْوَهم مَعْلُوم يضاهيه)
(جَلَاله أزلي لَا زَوَال لَهُ ... وَملكه دَائِم لَا شَيْء يفنيه)

وَقَالَ أَيْضا
(لَو كنت سَاعَة بَيْننَا مَا بَيْننَا ... وَشهِدت حِين نكرر التوديعا)
(أيقنت أَن من الدُّمُوع مُحدثا ... وَعلمت أَن من الحَدِيث دموعا)
وَقَالَ أَيْضا
(وَإِذا سقيت من الْمحبَّة مصة ... ألقيت من فرط الْخمار خماري)
(كم تبت قصدا ثمَّ لَاحَ عذاره ... فخلعت من ذَاك العذار عِذَارَيْ)
وَقَالَ أَيْضا
(أَيهَا الباحث عَن دين الْهدى ... طَالبا حجَّة مَا يَعْتَقِدهُ)
(إِن مَا تطلبه مُجْتَهدا ... غير دين الشَّافِعِي لَا تَجدهُ)
وَقَالَ أَيْضا
(لَا تدع خدمَة الأكابر وَاعْلَم ... أَن فِي عشرَة الصغار صغَارًا)
(وابغ من فِي يَمِينه لَك يمن ... وَترى فِي الْيَسَار مِنْهُ اليسارا)
قلت ذكرت هُنَا قولي قَدِيما
(قَبِيح بِي وَرب الْعَرْش رَبِّي ... أَخَاف الضّر أَو أخْشَى افتقارا)
(وَكَيف وَإِن أمد لَهُ يَمِينا ... لتدعو ظلّ يمنحها اليسارا)
وَقَالَ أَيْضا
(جنباني المجون يَا صاحبيا ... واتلوا سُورَة الصَّلَاة عليا)

 (قد أجبنا لزاجر الْعقل طَوْعًا ... وَتَركنَا حَدِيث سلمى وميا)
(ومنحنا لموجب الشَّرْع نشرا ... وشرعنا لموجب اللَّهْو طيا)
(وَوجدنَا إِلَى القناعة بَابا ... فَوَضَعْنَا على المطامع كيا)
(كنت فِي حر وحشتي لاختياري ... فتعوضت بالرضى مِنْهُ فيا)
(إِن من يَهْتَدِي لقطع هَوَاهُ ... فَهُوَ فِي الْعِزّ حَاز أوج الثريا)
(وَالَّذين ارتووا بكأس مُنَاهُمْ ... فعلى الصد سَوف يلقون غيا)
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

الإِمَامُ الزَّاهِدُ القُدْوَةُ الأُسْتَاذُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ هَوَازِن بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ طَلْحَةَ القُشَيْرِيُّ الخُرَاسَانِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ الشَّافِعِيُّ الصُّوْفِيُّ المُفَسِّرُ صَاحِبُ "الرِّسَالَةِ".
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَتعَانَى الفُروسيَّة وَالعَمَل بِالسِّلاَح حَتَّى بَرَعَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ تَعَلَّم الكِتَابَة وَالعَرَبِيَّة وَجَوَّد.
ثُمَّ سَمِعَ الحَدِيْث مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الخَفَّاف؛ صَاحِب أَبِي العَبَّاسِ الثَّقَفِيّ وَمِنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَبْدِ الْملك بن الحَسَنِ الاسفراييني وأبي الحَسَن العَلَوِيّ وَعبدِ الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ وَأَبِي بَكْرٍ بنِ فُورك وَأَبِي نُعَيْمٍ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدُوْس وَالسُّلَمِيّ وَابْن بَاكُويه وَعِدَّة.
وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بن أَبِي بَكْرٍ الطُّوْسِيّ، وَالأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الإِسفرَايينِي وَابْن فُورك. وَتَقدم فِي الأُصُوْل وَالفروع، وَصَحِبَ العَارِف أَبَا عليّ الدَّقَّاق، وَتَزَوَّجَ بابْنته، وَجَاءهُ مِنْهَا أَوْلاَد نُجبَاء.
قَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ أَبُو القَاسِمِ عَلاَّمَةً فِي الفِقْه وَالتَّفْسِيْر وَالحَدِيْث والأصول وَالأَدب وَالشّعر وَالكِتَابَة. صَنَّف التَّفْسِيْر الكَبِيْر وَهُوَ مِنْ أَجْوَد التَّفَاسير وَصَنَّفَ الرِّسَالَة فِي رِجَال الطّرِيقَة وَحَجَّ مَعَ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ والحافظ أبي بكر البيهقي. وسمع: وا بِبَغْدَادَ وَالحِجَاز.
قُلْتُ: سَمِعُوا مِنْ هِلاَل الحَفَّار وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان وَطَبَقَتِهمَا.
قَالَ: وَذكره أَبُو الحَسَنِ البَاخَرْزِي فِي كِتَاب دمِيَة الْقصر وَقَالَ: لَوْ قَرَعَ الصَّخْرَ بِسَوْطِ تَحذِيرهِ لذَاب، وَلَوْ رُبِطَ إِبليسُ فِي مَجْلِسِهِ، لِتَاب.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ أَوْلاَدُهُ، عَبْدُ اللهِ وَعبدُ الوَاحِد وأبو نصر عبد الرَّحِيْم وَعبدُ الْمُنعم وَزَاهِر الشَّحَّامِيّ وَأَخُوْهُ وَجيه وَمُحَمَّد بن الفَضْلِ الفَرَاوِي وَعَبْدُ الوَهَّابِ بن شَاه وَعبدُ الجَبَّار بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِي وَعبدُ الرَّحْمَن بن عَبْدِ اللهِ البَحيرِيّ وَحَفِيْدُه أَبُو الأَسْعَد هِبَة الرَّحْمَن وَآخَرُوْنَ.
وَمَاتَ أَبُوْهُ وَهُوَ طِفْل، فَدُفِعَ إِلَى الأَدِيْب أَبِي القَاسِمِ اليَمنِي، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الآدَاب وَكَانَتْ لِلقُشيرِي ضَيْعَة مُثْقَلَة بِالخَرَاج بِأُسْتُوا فَتعلَّم طَرَفاً مِنَ الحسَاب وَعَمِلَ قَلِيْلاً ديوَاناً ثُمَّ دَخَلَ نَيْسَابُوْر مِنْ قرِيته فَاتَّفَقَ حُضُوْره مَجْلِسَ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق فَوَقَعَ فِي شَبكَته وَقَصُرَ أَملُه وَطَلَبَ القَبا فَوَجَد العَبَا فَأَقْبَل عَلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِطَلَب العِلْم فَمَضَى إِلَى حَلْقَة الطُّوْسِيّ وَعَلَّق التَّعليقَة وَبَرَعَ وَانْتَقَلَ إِلَى ابْنِ فُوْرَك فَتَقَدَّم فِي الكَلاَم وَلاَزَمَ أَيْضاً أَبَا إِسْحَاقَ وَنظر في تصانيف ابن الباقلاني وَلَمَّا تُوُفِّيَ حَمُوْهُ أَبُو عَلِيٍّ تردَّد إِلَى السُّلَمِيّ وَعَاشره وَكَتَبَ المَنْسُوْب وَصَارَ شَيْخ خُرَاسَان فِي التَّصُوْف وَلَزِمَ المُجَاهِدَات وَتَخَرَّج بِهِ المرِيْدُوْنَ.
وَكَانَ عَديم النّظير فِي السّلوك وَالتَّذكير لطيفَ العبَارَة طَيِّبَ الأَخلاَقِ غوَّاصاً عَلَى المَعَانِي صَنَّف كِتَاب نَحْو القُلُوْب وَكِتَاب لطَائِف الإِشَارَات وَكِتَاب الجَوَاهِر وَكِتَاب أَحكَام السَّمَاع وَكِتَاب عُيُون الأَجوبَة في فنون الأسولة وكتاب المناجاة وكتاب المُنْتَهَى فِي نَكت أُوْلِي النُّهَى.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: لَمْ يَرَ الأُسْتَاذ أَبُو القَاسِمِ مِثْلَ نَفْسه فِي كَمَاله وَبرَاعته جَمَعَ بَيْنَ الشَّرِيعَة وَالحقيقَة أَصلُه مِنْ نَاحِيَة أُسْتُوَاءة وَهُوَ قُشَيْرِيُّ الأَب سُلَمِيُّ الأُمّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كتبْنَا عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً وَكَانَ حَسَنَ الْوَعْظ مَليحَ الإِشَارَةِ، يَعرِف الأُصُوْلَ عَلَى مَذْهَب الأَشْعَرِيّ، وَالفروعَ عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ قَالَ لِي: وُلِدَتُ فِي ربيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هبَةِ اللهِ بن تَاجِ الأُمَنَاءِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ عَن، أُمّ المُؤَيَّد زَيْنَب بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفتُوح عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ شَاه الشَّاذْيَاخِيّ، أَخْبَرَنَا زِينُ الإِسْلاَم أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بن هَوَازِن، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْملك، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عبد الأعلى، أَخْبَرْنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ، عَنِ ابْنِ شهابن حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوْق بقرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: إِنِّيْ لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "آمَنْتُ بهذا أنا وأبو بكر وعمر" 
وَبِهِ إِلَى عَبْد الكَرِيْمِ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ سَمِعْتُ الحُسَيْن بن يَحْيَى سَمِعْتُ جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ نُصَيْر سَمِعْتُ الجُنَيْد يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِي: رُبَّمَا تَقَعُ فِي قَلْبِي النُّكْتَةُ مِنْ نُكَتِ القَوْمِ أَيَّاماً فَلاَ أَقْبَل مِنْهُ إلَّا شَاهِدين عَدْلَيْنِ مِنَ الكِتَاب وَالسُّنَّة.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ البَاخَرْزِي: وَلأَبِي القَاسِمِ "فَضل النُّطْق المُسْتطَاب" مَاهرٌ فِي التَّكلّم عَلَى مَذْهَب أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيّ خَارِجٌ فِي إِحَاطته بِالعلُوْم، عَنِ الحَدِّ البشرِي كَلِمَاتُهُ لِلمُسْتفِيدين فَرَائِد وَعَتبَات مِنْبَره لِلعَارِفِيْن وَسَائِد وَلَهُ نَظْمٌ تُتَوَّجُ بِهِ رُؤُوْس معَاليه إِذَا خُتِمَتْ بِهِ أَذنَابُ أَمَاليه.
قَالَ عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: وَمِنْ جُمْلَةً أَحْوَال أَبِي القَاسِمِ مَا خُصَّ بِهِ مِنَ المِحنَة فِي الدِّين وَظُهُوْرِ التعصُّب بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ فِي عَشْرِ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة إِلَى سَنَة خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمَيْلِ بَعْضِ الوُلاَة إِلَى الأَهوَاء وَسَعِي بَعْض الرُّؤَسَاء إِلَيْهِ بِالتَّخليط حَتَّى أَدَّى ذَلِكَ إِلَى رَفْعِ المَجَالِس وَتَفرُّقِ شَمْلِ الأَصْحَاب وَكَانَ هُوَ المقصودَ مِنْ بَيْنهِم حَسَداً حَتَّى اضْطر إِلَى مفَارقَةَ الْوَطَن وَامتدّ فِي أَثْنَاء ذَلِكَ إِلَى بَغْدَادَ فَوَرَدَ على القائم بأمر الله ولقي قبولاً وَعُقِدَ لَهُ المَجْلِسُ فِي مَجَالِسه المُخْتصَّة بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ بِمحضرٍ وَمرَأَى مِنْهُ وَخَرَجَ الأَمْر بِإِعزَازِهِ وَإِكرَامه فَعَاد إِلَى نَيْسَابُوْرَ وَكَانَ يَخْتَلِفُ مِنْهَا إِلَى طُوْس بِأَهْلِهِ حَتَّى طلع صُبْحُ الدَّوْلَة أَلبآرسلاَنِيَّة فَبقِي عشر سِنِيْنَ مُحتَرماً مُطَاعاً مُعَظَّماً.
وَمِنْ نَظْمِهِ:
سَقَى اللهُ وَقْتاً كُنْتُ أَخْلُو بِوَجْهِكُمْ ... وَثَغْرُ الهَوَى فِي رَوْضَةِ الأُنس ضَاحِكُ
أَقَمْتُ زَمَاناً وَالعُيُونُ قريرةٌ ... وَأَصْبَحْتُ يومًا والجفون سوافك
أَنشدنَا أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ أَخْبَرَنَا، جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا، السِّلَفِيُّ أَخْبَرَنَا، القَاضِي حسنُ بنُ نَصْر بِنُهَاوند أَنشدنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ لِنَفْسِهِ:
البَدْرُ مِنْ وَجْهِكَ مَخْلُوْقُ ... وَالسِّحْرُ مِنْ طَرْفِكَ مَسْرُوْقُ
يَا سَيِّداً تَيَّمَنِي حُبُّهُ ... عَبْدُكَ مِنْ صَدِّكَ مَرْزُوْقُ
وَلأَبِي القَاسِمِ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً مِنْ تخريجه سمع: ناها عَالِيَة.
قَالَ عبدُ الغَافِر: تُوُفِّيَ الأُسْتَاذ أَبُو القَاسِمِ صَبِيْحَةَ يَوْمِ الأَحَد السَّادِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ربيعٍ الآخر سَنَة خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قلت: عاش تسعين سنة.
وَقَالَ المُؤَيَّد فِي تَارِيْخِهِ: أُهدي لِلشَّيْخِ أَبِي القَاسِمِ فَرَسٌ فَرَكبه نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً فَلَمَّا مَاتَ الشَّيْخُ لَمْ يَأْكُلِ الفرسُ شَيْئاً ومات بعد أسبوع.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

أبو القاسم، عبد الكريم بن هوازن القشيري، الفقيه الشافعي.
كان علامة في الفقه والتفسير والحديث والأصول، والأدب والشعر والكتابة، وعلمِ التصوف، جمع بين الشريعة والحقيقة، خرج إلى الحج في رُفقة فيها: الشيخ أبو محمد الجويني والدُ إمام الحرمين، وأحمدُ بن حسين البيهقي، وجماعة من المشاهير، فسمع منهم الحديثَ ببغداد والحجاز، وعقدَ لنفسه مجلسَ الإملاء في الحديث. وذكره الخطيب في "تاريخه"، وقال: قدم علينا - يعني: إلى بغداد في سنة 448، وحدَّث ببغداد، وكتبنا عنه، وكان ثقة، حسن الوعظ، مليح الإشارة. قال أبو الفتح محمد بن محمد الفراوي: كان أبو القاسم القشيري كثيرًا ما ينشد لبعضهم؛ وهذان البيتان لذي القرنين بن حمدان.
لو كنتَ ساعةَ بَيْنِنا ما بيننا ... وشهدْتَ كيف نكرِّرُ التَّوديعا
أيقنتَ أنَّ من الدموع محدِّثًا ... وعلمت أن من الحديث دموعا
ولد في سنة 376، وتوفي يوم الأحد قبل طلوع الشمس سادس عشر ربيع الأول سنة 465 بمدينة نيسابور، ودفن بالمدرسة تحت قبر شيخه أبي على الدقاق.
وكان ولده أبو نصر، عبد الرحيم إمامًا كبيرًا أشبهَ أباه في علومه ومجالسه، ورأيت له في بعض المجاميع هذه الأبيات، وذكرها السمعاني في الذيل أيضًا:
القلبُ نحوَكَ نازعُ ... والدَّهرُ فيكَ منازِعُ
جرتِ القضيةُ بالنوى ... ما للقضية وازِعُ
الله يعلمُ أنني ... لفراقِ وجهِكَ جازعُ
توفي سنة 514 بنيسابور - رحمه الله تعالى -
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.