سليم الآمدي البخاري
1268 - 1347هـ.
وقفت له على ترجمة بخط الشيخ سعيد الباني أحد مريديه، قال: هو الشيخ سليم الآمدي أصلا، البخاري شهرة، نسبة إلى بخاری بلدة أمه، ولد في دمشق سنة 1268ه ونشأ على حب العلم منذ نعومة أظفاره، فكان نابغة في العلوم التي حلها في الآداب العربية واللغة والفقه والأصول والحديث، وألم ببعض العلوم، واقتنى مكتبة نفيسة، وقد تخرج في المدارس التحضيرية كأمثاله في زمانه، ثم تولى شئون تربيته العلمية الشيخ محمد البرهاني خال والدته، وكان من فقهاء الحنفية بدمشق، فلقنه العلوم الدينية من فقه وغيره، ووكل إلى العلامة الشيخ عمر الأصفهاني حفيد الشهاب العطار تعليمه العلوم العقلية من منطق وحكمة، وعلوم العربية من صرف ونحو ووضع ومعان وبیان وبديع.
ثم لزم المترجم له بعد ذلك العلامتين الجليلين: أستاذنا الشيخ بكري العطار، ومنلا طه الكردي، للتزود من علوم العربية والعلوم العقلية، وتلقى الحديث الشريف، رواية ودراية، من علامة دمشق ومحدثها الجليل الشيخ سليم العطار، كما أنه لزم علامة دمشق النحرير الشيخ محمد الجوخدار، والشيخ محمد الجزائري مفتي السادة المالكية بدمشق، وأجازه فقية الديار الشامية السيد محمود أفندي الحمزاوي مفتي دمشق الأسبق بعد أن لزم مجالسه العلمية واقتبس منه كثيرا من الفوائد والقواعد.
وحينما سافر إلى الديار الحجازية للحج وزيارة الروضة النبوية الشريفة، مكث بمكة المكرمة ستة أشهر، تلقى خلالها متن «الشمسية» في المنطق و«الربع المجيب» من الشيخ رحمة الله الهندي صاحب كتاب «إظهار الحق»، ودرس «إحياء علوم الدين» للإمام الغزالي على السيد أحمد الدهان من علماء مكة، كما لزم دروس السيد زيني دحلان مفتي مكة المكرمة.
وعقب الانقلاب العثماني، طلب أن يحال إلى التقاعد فأجيب طلبه ولزم بيته، وعكف على مطالعة كتبه ومزاولة درسه وبحثه، ثم ألح عليه إسماعيل فاضل باشا أحد ولاة سوريا في قبول عضوية لجنة الأوقاف فقبل بعد أخذ ورد طويلين.
ولما ذهب الحكم التركي، عين عضوا في مجلس الشورى، وانتخب عضوا في المجمع العلمي العربي، وعضوا في مجلس المعارف الكبير، إلى أن أسندت إلى عهدته رياسة العلماء في دمشق.
وكانت وفاته في جمادى الأولى سنة 1347ه بدمشق رحمه الله.
مقتطفات من كتاب: أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث، تأليف: أحمد تيمور باشا.
سليم البخاري الدمشقيّ:
من طلائع الإصلاح الديني واليقظة الحديثة في سورية. مولده ووفاته في دمشق. كان أبوه من ضباط الدرك، يعرف بالداية الصغير. وتعلم صاحب الترجمة في المدارس التركية. ثم قرأ علوم الدين واللغة والأدب على بعض علماء عصره. وتولى منصب الإفتاء في الفيلق الخامس، من فيالق الجيش العثماني، واستمر نحو ربع قرن. وجاهر بآرائه في الإصلاح الديني والسياسي. وكان مهيبا وقورا. وألف كتاب (حل الرموز في عقائد الدروز - خ) ورسالة في (آداب البحث والمناظرة) وجمع مكتبة حافلة بالمخطوطات النادرة. ولقي أشد أنواع الأذى في أواخر العهد العثماني التركي فسجن، وسيق إلى ديوان الحرب العرفي في عاليه. وألحق به أحب أبنائه إليه (جلال الدين) ثم انتزع من بين يديه إلى ساحة الإعدام حيث قتل، شنقا (سنة 1334 هـ - 1916 م) ونفي الشيخ وأسرته إلى أقصى الأناضول. وبعد انقضاء الحرب العامة، وزوال حكم العثمانيين، جعلته الحكومة العربية في سورية، من أعضاء مجلس الشورى، ثم من أعضاء مجلس المعارف الكبير. وهو من أوائل أعضاء المجمع العلمي العربي. وتولى بعد ذلك منصب رياسة العلماء. ثم اعتزل معتكفا إلى أن توفي .
-الاعلام للزركلي-
الشيخ سليم البخاري
(1848 ـ 1928م)
لقـد طـوى الدهـر صفحـة ماجـدة وضاءة من صفحات العلم والوطنية والإخلاص، ألا وهو العلامة المرحوم الشيخ سليم البخاري والد الشهيد البطل المرحوم جلال الدين البخاري الذي حكم عليه الديوان العرفي بالإعدام خلال الحرب العالمية الأولى في عهد جمال باشا السفاح بتهمة فراره مع الشهيد توفيق البساط من الفيلق العسكري واشتراكه معه في أعماله الوطنية، ومن أولاده صاحب الدولة السيد نصوحي البخاري رئيس الوزراء الأسبق وأحد كبار قادة الجيش التركي.
مولده ونشأته: هو المرحوم الشيخ سليم بن إسماعيل الآمدي نسبة إلى مدينة آمد مركز ولاية ديار بكر، والبخاري لقباً بالنسبة إلى أمه وخاله السيد عبد الله البخاري المستوطن دمشق، ولد بدمشق سنة 1848م وتلقى علومه على أعلام عصره.
مصائبه: هو والد الشهيد المرحوم جلال الدين البخاري، وصاحب الدولة السيد نصوحي البخاري رئيس الوزارة السورية السابق، وقد نفي خلال الحرب العالمية الأولى، وتشفع به ولده دولة السيد نصوحي، وكان من كبار ضباط الجيش التركي لدى طلعة باشا وزير الداخلية آنئذ، فخابر هذا جمال باشا السفاح بأمره، فأجابه ببرقية إن المترجم يستحق الإعدام، ثم لمناوئته السياسة التركية، وهم ينظرون لمن يتعصب لقوميته خائناً، وأن لابد من نفيه من دمشق إلى الأناضول، وزاره ولده نصوحي بك في منفاه، وكان يقيم في غرفة واحدة مع الشيخ سعيد الباني الدمشقي المنفي.
علمه: كان لغويًّا كبيراً وعالماً جليلاً في الأدب والمنطق والفلسفة الإسلامية، ذا ولع شديد بجميع آثار السلف، واقتفاء أثر المخطوطات النادرة والحرص عليها، وكان مثال النزاهة والعفة وصورة الأخلاق الفاضلة الكريمة، ومن أركان النهضتين الوطنية والعلمية والنافخ في بوق التجديد، والعامل الفذ على استئصال شأفة البدع والخرافات لتنزيه الإسلام مما يدسه الأغرار في الدين وهو ليس منه في شيء وقطع السبيل على المرتزقة من الأشياخ الجهلة الأغرار، ومن مآثره أنه سن قانوناً خاصًّاً للتدريس في المساجد إبان وجوده في رئاسة العلماء حظر فيه القيام بالنصح والإرشاد وإلقاء الدروس الدينية في المساجد على غير العلماء المعروفين المشهود لهم برسوخ أقدامهم في علوم الدين، ولكن هذا القانون قد درست معالمه وألقي بسلة المهملات بعد أن غادر رئاسة العلماء مستقيلاً إثر ما جرى من تدخل في شؤون الدين يوم أعلنت خلافة الحسين بن علي ملك الحجاز السابق، فآثر اعتزال المنصب على أن يقر هذا التدخل ويحول بين المسلمين وبين المبايعة، سيما وأنه بايع وأمضى صك البيعة، وهذا دليل ناهض وحجة دامغة على مقدار صلابته في مبدئه.
كان مجلسه مجلس علم وأدب، ويأبى أن يذكر في حضرته إنسان بسوء، وهو من أصحاب العلامة المرحوم الشيخ طاهر الجزائري والمحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني، كان عضواً لمجلس الشورى من تاريخ 2 تشرين الأول سنة 1918م لغاية تشرين الثاني 1919م وكان رئيساً للعلماء من 20 كانون الأول سنة 1920م إلى 10 آذار سنة 1924م حيث ألغيت وظيفته.
وفاته: وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من تشرين الأول سنة 1928م انتقل إلى رحمة ربه.
أعلام الأدب والفن – لأدهم الجندي – الجزء 2 ص 118.