سعيد الخالدي الدمشقي الشاذلي
تاريخ الولادة | 1221 هـ |
تاريخ الوفاة | 1294 هـ |
العمر | 73 سنة |
مكان الوفاة | دمشق - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
- أبي بكر بن أحمد بن داود الكلالي الكردي الدمشقي "الملا أبي بكر"
- إبراهيم بن محمود بن أحمد العطار
- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الكزبري
- محمد سليم بن ياسين بن حامد العطار "الشيخ سليم العطار"
- حامد بن أحمد بن عبيد العطار الأشعري الدمشقي
- حسن بن إبراهيم بن حسن البيطار
- عبد الغني بن حسن بن إبراهيم البيطار
- محمد بن مصطفى بن يوسف بن علي الطنطاوي
نبذة
الترجمة
الشيخ سعيد الخالدي الدمشقي الشاذلي الترشيحي اليشرطي الشافعي
ولد سنة إحدى وعشرين بعد المائتين والألف ونشأ من أول عمره في العبادة، والطاعة والزهادة، وزيارة الأولياء والجلوس في مجالس العلماء، وقد أطلعني ولده على نسبه فأحببت ذكره حفظاً لسلسلته فهو أي المترجم سعيد بن شاكر بن سعيد بن سعد الله بن سعيد بن قاسم بن أحمد بن محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن جابر بن علي بن علي بن أحمد بن محمد بن علي بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله بن سالم بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جبران بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن جابر بن سالم بن سليمان ابن الصحابي الجليل سيدي خالد بن الوليد قدس الله سره، ورفع في الدارين قدره، وقد بدأ المترجم بتعلم ما لا بد منه، وما لا يستغني المكلف عنه، ثم التفت إلى التعلم، والاستفادة والتفهم، فلازم الشيخ العلامة وهو ملا أبي بكر الكردي مدة وكان من قبله قد حضر دروس والدي المرحوم الشيخ حسن البيطار مدة طويلة، وحضر دروس أخي الشيخ عبد الغني أفندي في تحفة ابن حجر الهيتمي، ودروس الشيخ عبد الرحمن الكزبري والشيخ حامد العطار ثم الشيخ سليم العطار والشيخ إبراهيم العطار ثم لازم شيخنا الفاضل الشيخ محمد بن مصطفى الطنطاوي فقرأ عليه أنواعاً من العلوم وصار عنده ملكة عظيمة، وقوة جسيمة، وكان حسن العشرة، طيب النشرة، نطوقاً في الكلام جميل المقال، لا يمل حديثه وإن طال، ممدوح المجالسة لطيف المؤانسة.
له في الحكايات الأدبية حافظة قوية، وعلى حكاياته طلاوة وعذوبة وحلاوة، رقيق الحاشية لطافته في الناس فاشية، فقير الحال زاهد في الجاه والمال، له في العلوم همة تقتضي أن يصير من أفراد الأمة، مواظب على ديانته غير ناظر معها إلى راحته، آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر، آخذ بالعظائم لا تأخذه في الله لومة لائم، جسور في الجواب لا يخاف ولا يهاب، لا يمشي إلى دعوة إو إلى أهل أو صاحب أو جليس إلا ومعه من الكتب عدة كراريس، لا يخلو مجلسه من نصيحة أو موعظة أو جواب أو سؤال، أو حكاية تكسو المجلس حلة الجمال، فاشتهر وفاق وانعقد على كمال لطفه وأدبه الاتفاق، وصار له قدر مديد خصوصاً وهو من ذرية سيدنا خالد بن الوليد، كأنما لسان حاله يقول لمريد الترقي للوصول:
من يطلب العز يتعب في مدارجه ... فالعز طود وأرض الذل ميدان
لولا المشقة ما فاق الورى بشر ... ولا سيما في الدنا بالمجد إنسان
ومن هذا المعنى قول من قال وأحسن في المقال:
لا تدرك العلياء دون مشقة ... كلا ولا الحسنى بلا تهذيب
فالعز في كلف الرجال ولم ينل ... عز بلا كلف ولا تعذيب
ولم يزل مستقيماً على حاله متخلصاً من أوحاله، إلى أن حضر إلى داريا خليفة من خلفاء الشيخ علي المغربي اليشرطي الشاذلي وكان قد أرسله من عكا، واسمه الشيخ أحمد البقاعي، فأخذ المترجم عنه الطريق، ثم بعد ذلك ذهب إلى زيارة الشيخ في عكا فحضر من عنده وقد انعكست حالته، وانقلبت إلى ضدها في الظاهر طاعته، وعلاه طيش وجنون، ومن المعلوم أن الجنون فنون، فذهب رونقه، وبان نورقه، واستثقل أمره وانخفض قدره، فترك الفقه والأصول والمعقول والمنقول، واستخف بالعلماء، وجحد فضيلة الفضلاء، وأنكر العلم والعمل، وعن كثير من التكليفات اعتزل، وقال هذه واجبة على المحجوبين لا على المحبوبين؟! وكان كثيراً ما يتكلم بالكلام، الذي لا يرتضيه من في قلبه ذرة من الإسلام، وصار لا يقول بواجب ولا مسنون، ويقول إن التمسك بذلك محض جنون، ومن دخل في الطريق وترقى في المقامات صارت ذاته عين الذات، وصفاته عين الصفات، وهل يجب على الله صلاة أو صيام بحال، وهل يقال في حقه عن شيء حرام أو حلال وأمثال ذلك كثير لا يرام، ولو أردنا أن نطيل به لخرجنا عما يقتضيه المقام. وقد وافقه على ذلك عدة أشخاص، قد خرجوا من الدين ولات حين مناص، فتجاهروا بالآثام، ولم يتقيدوا بحلال أو حرام مع أن شيخهم الأستاذ قد أنكر عليهم، ووجه أشد الملام إليهم، وكتب لهم ينهاهم عن ذلك، ويزجرهم عن هذه المسالك، وهم يؤولون كلامه، حتى صاروا فرقة ذات متانة وحمية، وفي يد كل واحد منهم عكاز، في أسفلها حربة يتوكؤون عليها في المجاز، وما زال يفاقم أمرهم، ويكثر جمعهم، إلى أن نفى الحاكم بسببهم أستاذهم إلى جزيرة قبرص، ناسباً القصور إليه، ومعه المترجم وجملة أنفار يعتمدون عليه.
وكان المترجم خطيباً في قرية كفرسوسيا وهي قرية من الشام تبعد قيد ميل، وكان منها معاشه، مع التعظيم والتبجيل، فحينما ذهب منفياً مع الشيخ وضعوا عنه وكيلاَ، ولم يسلكوا إلى الاستغناء عنه سبيلا، وكان الشيخ يقول لهم ما صدر علينا هذا التضييق، إلا من تكلمكم بما لا يليق، ثم بعد مدة طويلة عفت الحكومة عنهم على أنهم لا يعودون إلى أمثال هذه الرذيلة، ولا إلى الملابس البذيلة، فعاد المترجم إلى قريته، ومحل إقامته وخدمته، ورجع إلى حاله الأول وما يرجع عن زيغه ولا تحول، فأعرض عنه أهل البلد ونصبوا له شرك النكد، إلى أن فصلوه، ووضعوا مكانه تلميذه وبمصلحته وصلوه، فعاد المترجم بعياله إلى الشام، وتزايد أمره بما يقتضي الاعتراض والملام، إلا أنه قد ضاقت يده، وهبط قدره وسؤدده، وذهب جماله وسقط كماله، فذهب إلى داريا يقري الأولاد، ودنياه تعامله بعكس المراد، وذلك كله لاتباعه الباطل، وتمسكه بما ليس تحته سوى الشقاء من طائل، وكنت أنصحه بالرجوع إلى المطلوب، فيقول لي أنت عن الحقيقة محجوب، لو قطع رأسي وتفصلت أوصالي لا رجعت عن طريقي وحالي. فمرة كنت أمشي وإياه في الصحراء فرأى امرأة قروية قد لبست لباساً أحمر فقال لها يا حبيبي عملت نفسك امرأة ولَبِسْتَ اللباس الأحمر! ومرة رأى هراً فصرخ وقال له عملت نفسك هراً وتظن أني ما عرفتك. وكان يقول عن إبليس إنسان كامل. وأمثال هذا كثير، مما لا يقول به جليل ولا حقير، ويقول للائمين أنتم أهل الرسوم، المتمسكون بظاهر العلوم، ونحن الصوفية أهل الطريقة، والوجدان والحقيقة. وما علم أن ذلك من أكبر الغلط، ومن قال به فقد سلك مسلك الشطط، وهل تجدي من غير شريعة طريقة، أو تصلح بما لا تمسك له بالقرآن والسنة حقيقة. قال صاحب الأسفار في شرحه على رسالة الخلوة للشيخ الأكبر قدس الله سرهما: وصية يا أخي رحمك الله قد سافرت إلى أقصى البلاد، وعاشرت أصناف العباد، فما رأت عيني، ولا سمعت أذني، أشر ولا أقبح ولا أبعد عن جناب الله من طائفة تدعي أنها من كمل الصوفية وتنسب نفسها إلى الكمال، وتظهر بصورتهم، ومع هذا لا تؤمن بالله ورسله ولا باليوم الآخر ولا تتقيد بالتكاليف الشرعية، وتقرر أحوال الرسل وما جاءوا به بوجه لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، فكيف من وصل إلى مراتب أهل الكشف والعيان، ورأينا منهم جماعة كثيرة من أكابرهم في بلاد أذربيجان وشيروان وجيلان وخراسان لعن الله جميعهم فالله الله يا أخي لا تسكن في قرية فيها واحد من هذه الطائفة، لقوله تعالى " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " وإن لم يتيسر لك ذلك فاجهد أن لا تراهم ولا تجاورهم فكيف إن تعاشرهم وتخالطهم؟ وإن لم تفعل فما نصحت نفسك والله الهادي انتهى وما زال المترجم على حاله خائضاً في أوحاله، إلى أن تمرض وتوفي رابع عشر جمادى الأولى سنة ألف ومائتين وأربع وتسعين. ودفن في جوار سيدنا بلال الحبشي نسأل الله أن يكون رجع عما كان عليه وتاب إلى الله وآب إليه.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.