محمود الخفاجي شهاب الدين

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاةغير معروف
الفترة الزمنيةبين 950 و 1050 هـ
أماكن الإقامة
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • استانبول - تركيا

نبذة

الشيخ الفاضل، والأديب الكامل، شهابُ الدين، محمود الخفاجي. حامل عَلَمِ العلم وناشرُه، وجالب متاع الفضل وتاجرُه. كان ممن شُدت إليه مسألة الكمال رحالَها؛ إذ ورث من سماء المعالي بدرها وهلالها، وحوى طارفها وتليدها، وأرضعَ من در الفنون كهلَها ووليدها، وسفرت له خرائد العلوم رافعة النُّقُب، وتزينت بمنظومه ومنثوره صدورُ المجالس والكُتب.

الترجمة

الشيخ الفاضل، والأديب الكامل، شهابُ الدين، محمود الخفاجي.
صاحب "ريحانة الألباء وزهرة الحيوة الدنيا"، حامل عَلَمِ العلم وناشرُه، وجالب متاع الفضل وتاجرُه. كان ممن شُدت إليه مسألة الكمال رحالَها؛ إذ ورث من سماء المعالي بدرها وهلالها، وحوى طارفها وتليدها، وأرضعَ من در الفنون كهلَها ووليدها، وسفرت له خرائد العلوم رافعة النُّقُب، وتزينت بمنظومه ومنثوره صدورُ المجالس والكُتب.
حرر لنفسه ترجمة في كتابه "الريحانة"، وقال ما ملخصه: كنت بعد سن التمييز في مغرس طيبِ النبات، عزيزًا في حَجْر والدي، ممتعًا بذخائر طريفي وتالدي، مربًّى بغذاء على الظاهر والباطن، في النعيم المقيم بأرفع المساكن، فلما درجتُ من عُشِّي، قرأت على خالي علوم العربية، ثم ترقيت فقرأت المعاني والمنطق وبقية علوم الأدب الاثني عشر، ونظرت كتب المذهبين - مذهب أبي حنيفة والشافعي - مؤسسًا على الأصلين من مشايخ العصر، ومن أجل من أخذت عنه: شيخ الإسلام الشمس الرملي، حضرت دروسه الفرعية، وقرأت عليه شيئًا من "مسلم"، فأجازني بذلك، وبجميع مؤلفاته ومروياته بروايته عن شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري، وعن والده، ومنهم: العارف بالله الشيخ نور الدين الزيادي - زاد الله حسناته -، حضرت دروسه زمانًا طويلاً، ومنهم: العلامة علي بن غانم المقدسي الحنفي، قرأت عليه الحديث، وكتبَ لي إجازة بخطه، ومنهم: العلامة الفهامة خاتمةُ حفاظ المحدثين إبراهيمُ العلقمي، قرأت عليه "الشفاء" بتمامه، وأجازني به وبغيره، وشملني نظره وبركة دعائه، وممن أخذت عنه الأدب والشعر: شيخنا العلامة أحمد العلقمي، وممن أخذت عنه العروض: الشيخ محمد المغربي - المعروف بركروك -، وممن أخذت عنه الطب: الشيخ داود البصير، ثم ارتحلت مع والدي للحرمين الشريفين، وقرأت ثمة على الشيخ علي بن جاد الله، وعلى حفيد العصام، وغيره، ثم ارتحلت إلى قسطنطينية، واستفدت ممن بها؛ كابن عبد الغني، ومصطفى بن عربي، والحبر داود، وهو ممن أخذتُ عنه الرياضيات، وقرأت عليه إقليدس وغيره، وأجلهم إذ ذاك أستاذي سعدُ الدين بنُ حسن، وعدت إليها ثانيًا بعد ما توليت قضاء العساكر بمصر، فإن أردتَ ما لي من المآثر، فمن تآليفي: "الرسائل الأربعون"، و"حاشية تفسير البيضاوي" في مجلدات، و"حاشية شرح الفرائض"، و"شرح الدرة"، و"طراز المجالس"، و"حديقة السحر"، وكتاب "السوامج والرحلة"، و"حواشي الرضى والجامي"، و"شرح الشفاء"، وغير ذلك، ولي من النظم ما هو مسطور في ديواني، فلا حاجة لذكره. ومن المنثور رسائل ومكاتيب لم أجمعها، انتهى حاصله.
ومن مؤلفاته: كتاب "الريحانة": وفيها مقاماته، يزري عَرْفُه عَرْفَ الجل والجادي، ويشدو بحداه الحادي، لم تر عين الزمان مثلَه في الكتب، ولا مثل أدبه وبلاغة كلامه في حسن البلاغة وتمام الفصاحة ومحاسن الخطب.
وكان - رحمه الله - أديبًا علامة في العربية ولسان العرب، حاشيتُه على "تفسير البيضاوي" تدل على علو علمه، وسعة فضله، وكمال ذكائه، وغاية اطلاعه، ونهاية تحقيقه، لم يقم في الحنفية مثله في الزمان، ولم يساوه في فضائله ومناقبه إنسان، ذكر له مدير مطابع مصر ترجمة حافلة في أول تلك الحاشية، ويا لها من ترجمة أنوارها فاشية!
قال الخفاجي في "الريحانة": وقد جعلوا خضرةَ العِمامة، علامةً للسيادة المستلزمة للتقدم والإمامة، وربما جعلوا فيها شطفة، تدل على أن فيهم من النبوة والرسالة نطفة، وقد يفرقون بين أولاد البنين والبنات، ولم يفهموا مشاركة حطب الأغصان لهم والنبات.
كأنَّ الله لم يخلُقْه إلا ... لتنعطفَ القلوبُ على يزيد
وقد قال أصحاب التواريخ: إن أول حدوث هذه العلامة كان في سنة 773، لما أمر الملك الأشرف بمصر أن يميز الأشراف عن الناس بعصائب خضر على العمائم، وفي "الطبقات الكبرى" للسبكي: أن من أئمة الشافعية أحمدَ بن عيسى - شارح "التنبيه" - استنبط من قوله تعالِى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] أن ما يفعله علماء هذا الزمان، في ملابسهم من سعة الأكمام والعِمَّة ولبسِ الطيلسان، حسن وإن لم يفعله السلف؛ لأن فيه تمييزًا لهم، وبذلك يُعرفون، فيُلتفت إلى فتاواهم وأقوالهم، انتهى. ومنه يعلم أن تمييز الأشراف بعلامة أمر مشروع أيضًا لما سمعته آنفًا.
أقول: فيه أمران: الأول: إن قولهم: كان ذلك أولاً بأمر الملك الأشرف يرد عليه ما نقله السخاوي في كتابه "مناقب العباس": أن عليًا الرضا بن موسى الكاظم عهد له الخليفة العباسي، وجعله وليَّ عهده بعده، وبويع، فغير لباس العباسيين - وهو السواد - بلبس الأخضر، فساء ذلك العباسيين، ولكنه عوجل؛ فإنه مات سنة 203 في حياة المأمون وعد ذلك من الألطاف؛ لما فيه من سد باب الفتنة، انتهى.
الثاني: ما نقل من أن زِيَّ العلماء والأشراف سنة، رده ابن الحاج في "المدخل" بأنه مخالف لزيهم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزمن الخلفاء الراشدين ومَنْ بعدهم من خير القرون، فإن قيل: إنهم به يعرفون، قيل: إنهم لو بقوا على الزي الأول، عرفوا به أيضًا؛ لمخالفة ما عليه غيرهم الآن، وأطال في إنكار ما قالوه، وقد يجاب عنه، فتأمل فيه، انتهى. قال: لم يزل الناس على وضع الريحان - ونحوِه من الخضر - على القبور، وقد ورد هذا في الحديث وفي الأشعار، وعليه عملُ الناس إلى الآن، حتى وقفوا لذلك أوقافًا، وأنكره ابن الحاج في "المدخل"، والخطابي، فقال: شقُّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - له، وإلقاؤه على القبر، وقوله: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" - كما في البخاري وغيره، إنما هو ببركة مس يده له، وجعل بقاء الرطوبة حدًّا لما وقع به من المسألة من تخفيف العذاب؛ لأن في الجريد الرطب معنًى ليس في اليابس، والعامة يفرشون الخُوص على القبور، فكأنهم ذهبوا إلى [أن] هذا ليس له وجه، انتهى. ورده العلامة ابن حجر - في "شرح البخاري" -، فقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ جريدة رطبة، فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة إلى آخره، وأنكره الخطابي وغيره، ولا يلزم من كوننا لا نعلم تعذيبه وغيره أنا لا نتسبب في أمر يخفف عذابه كما ندعو له بالرحمة، ولم يصرح في الحديث بمسه له، وقد تأسى به بريدة الصحابي، فأوصى بوضع الجريدة على قبره، وهو أولى أن يتأسى به، انتهى.
قلت - عفا الله عني -: الذي وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القبر هو الجريد، لا الريحانُ، ولا غيره، وهذا فعله - صلى الله عليه وسلم - مرة واحدة، ولا عموم للفعل، وفعلُ الصحابي لا يصلح للحجة، فالذي ذهب إليه ابن الحاج وغيره لعله هو الصواب - إن شاء الله تعالى -.
قال: اعلم أن معجزة كل نبي على وفق زمانه وقومه، ولما كان أشرف الخلق العرب، وأعظم ما عندهم الشجاعة والفصاحة والكرم، كان أعظم معجزات نبينا - صلى الله عليه وسلم - القرآن المعجز بفصاحته وبلاغته، ولما كان خاتم الرسل، ولا نبي بعده، جعل له معجزة باقية إلى القيامة لا تزال تتلى، وجديدةً على كثرة الترداد لا تَخْلَق ولا تَبْلى، انتهى. قلت: ومن هنا طالت يد سلف هذه الأمة وأئمتها إلى تعلم العربية حتى ملكوا ناصيتها، وبلغوا قاصيتها، وهذا اللسان العربي المبين هو لغة شريعتنا الحقة، فكان من الواجب علينا أخذه على وجهه، ولكن تقاعدت همم الخلف عن بلوغ ذروته حتى بقوا غير عارفين به وبمحاورته وصلاته، وحيث عاد بهم الحال إلى هذا المقام، فمن أين رجاءُ فهم معاني الكتاب والسنة لهم؟ قال: وعلى ذكر الهدية، نهدي إليك فائدة سنية: كان - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية، ولا يقبل الصدقة، وأهدى إليه أعرابي هدية، فقبلها، فجاءه، وقال: يا رسول الله! إني كنت أهديت هدية، فأعطاه عطية، فذهب، ثم أتاه مرة أخرى فأعطاه، ثم أتى مرة أخرى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني عزمتُ ألا أقبلَ هديةً إلا من قرشيٍّ أو ثقفيٍّ"، فقال حسان:
إِنَّ الهدايا تجاراتُ اللئامِ، وما ... يرجو الكرامُ لِما يهُدون من ثَمَنِ
وكان عمر - رضي الله عنه - لا يقبل هدية العمال، وإذا قبلها، وضعها في بيت المال، فقيل له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل الهدية، فقال: إنها كانت هدية، وهي الآن رشوة، ولذا قال الزاهد ابن عمران:
تَوَقَّ وحاذِرْ من قَبولِ هديَّةٍ ... وإنْ جاءنا فيه حديثٌ مُرَغِّبُ
فقد حدثَتْ بعدَ الرسولِ حوادثٌ ... تحذَّرُنا عنها وعَنْها تُرَغَّبُ
وكانَتْ هدايا في الأوائلِ قبلَنا ... تؤلِّفُ فيما بينَهم وتُحَبِّبُ
فعادَتْ بلايا يسرعُ المَنُّ بعدَها ... تُفَرَّقُ فيما بينَنا وتُجَنِّبُ
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.