مصطفى بن محيي الدين بن مصطفى بن محمد عَبْد القَادِر نجا:
مفتي بيروت (سنة 1327 هـ إلى أن توفي) مولده ووفاته فيها.
له كتب، منها (نصيحة الإيمان في التربية والتعليم - ط) و (كشف الأسرار - ط) تصوف، و (أرجوزة في التربية والتعليم - ط) وثلاثة موالد. و (تفسير جزء عم - خ) و (إرشاد المريد - خ) في التجويد. وله نظم جمع في (ديوان - خ) .
-الاعلام للزركلي-
الشيخ مصطفى بن محيي الدين بن مصطفى نجا الشافعي الشاذلي
شاب نشأ عل كمال الطاعة، وعالم قد اعتزل عن الابتداع والإضاعة، فلا ريب أنه البحر الزاخر والحبر الباهي الباهر، شمس فضائله لم يصبها كسوف، وقمر معارفه لم تلمسه يد خسوف، إن نثر فما أزاهر الرياض غب المزن الهاطل، أو نظم فما جواهر العقود تحلت بها الأجياد العواطل.
ولد ليلة السابع والعشرين من رمضان المبارك سنة تسع وستين ومائتين وألف، وبعد سن التمييز أخذ في تعلم القرآن العزيز، ثم طلب العلم في بيروت البهية، على جماعة من العلماء ذوي مقامات سنية، فاجتهد في الطلب وجد في نوال الأرب، إلى أن فاق أمثاله ونال آماله، ثم توجه إلى مصر بقصد المجاورة في أزهرها الشريف فلم يتيسر له ذلك، بل عاد إلى وظنه بيروت وانكب على الطلب والتحصيل مع الجد والاجتهاد والتفرغ للعبادة حسب المراد، ولم يزل على هذا الحال سالكاً مسلك الفضل والكمال، إلى أن توفي والده وذهب عنه مساعده، فاحتاج إلى تعاطي الأسباب، فتعاطى التجارة بالعطارة، وأخذ الطريقة الشاذلية عن المرشد الكامل والهمام الفاضل، الشيخ علي نور الدين بن يشرط المغربي التونسي، أدام الله وجوده وأغدق علينا وعليه إحسانه وجوده، فاشتغل بالطريق فوق العادة وبذل في الطاعة جده واجتهاده، ولازم الإخوان في مسائه وصباحه، وسلك مسالك نجحه وفلاحه، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخدمه المريدين بالحظ الأوفر. وفي سنة أربع وثلاثمائة وألف أجازه إجازة عامة، وأذن له بتلقين الذكر وهو لهذا العهد يقيم الحضر في داره، وقد أخذ عنه كثيرون فأوضح لهم الطريقة وعلمهم كيفية السلوك إلى الحقيقة، ودعاهم إلى التمسك بالسنة والكتاب وعرفهم الفرق بين الخطأ والصواب، ومن نظمه يرد على من زعم أن التمسك بالحقيقة يغني عن اتباع الشريعة قوله:
عجباً لمن يعصي أوامر ربه ... ويقول لست بمذنب من عجبه
ويرى خلاف الشرع تحقيقاً ولا ... ينقاد جهلاً بالطريق لحزبه
ويقول إني مطلق من قيده ... فدع المقيد هائماً في حجبه
ويظن مع أهل الضلال بأنه ... عرف الهدى ودرى نهاية دربه
وبأنه ممن يحب الله قد ... فازوا وقد سلكوا مسالك قربه
هيهات هيهات المحب حقيقة ... والله لا يعصي أوامر حبه
والمهتدون العارفون بربهم ... لا يجهلون وليس فيهم ما به
فاترك مصاحبة الذي هو مثله ... تلقي الأمان من الزمان وحربه
واصحب إذا رمت الهدى من يقتدي ... بالمصطفى هادي الورى وبصحبه
فالأجرب المغرور تلتزم النهي ... عنه التجنب خيفة من خطبه
وأخو الفطانة ليس يسلك مسلكا ... حتى يميز سهله. من صعبه
وله أبيات لطيفة وقصائد طريقه، وموشحات حسنة وتوسلات مستحسنة، وقدود تقال على الأذكار، ألطف من نسمات الأسحار، وله شرح على الصلاة الجليلة الممزوجة المنسوبة إلى القطب الكبير، سيدي العارف بالله عبد السلام بن بشيش سماه كشف الأسرار، لتنوير الأفكار، وله منظومة سماها الاستغاثة السنية برجال أهل سلسلة الطريق الشاذلية العلية، وأولها قوله:
بك يستجير العبد من هفواته ... يا واحداً في ذاته وصفاته
حفظنا الله وإياه من الآثام، ورزقنا وإياه حسن الختام.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.
الشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت الأكبر
(1852 ـ 1932م)
مولده ونشأته: هو العلامة العامل الكامل المرحوم الشيخ مصطفى بن محي الدين بن مصطفى بن عبد القادر بن محمد نجا، والأسرة من أقدم الأسر الإسلامية البيرونية العريقة في المجد والشرف.
ولد في بيروت فجر يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 1269ﻫ وتموز 1852م، وبها نشأ، فقرأ القرآن العظيم، وتلقى العقائد الدينية والحديث والفقه والعلوم الشرعية والأدبية على علماء عصره، منهم الشيخ يوسف الأسير والشيخ إبراهيم الأحدب الطرابلسي والشيخ قاسم أبي الحسن الكستي، وإجازة من علماء دمشق الشيخ عبد الرزاق البيطار، والشيخ محمد بدر الدين محدث الديار الشامية، وأخذ الطريقة الشاذلية عن المرشد الشيخ علي نور الدين اليشرطي الحسني التونسي نزيل عكا، وأذن له بالإرشاد واستنابة عنه في بيروت، فانتفع به كثير من المريدين، وساروا بإرشاده في طريقة مثلى ونحج قويم.
خدماته الاجتماعية: ترأس لجنة مدرسة ثمرة الإحسان التي أنشئت في بيروت لتعليم بنات الفقراء وغيرهم، وظل قائماً يرعى شؤونها بعناية مدة سبع سنين، وكان يعلم بذاته المعلمات ترتيل آيات الكتاب المبين وعلوم الدين، وينفث في روعهن روح الفضيلة، وتخرج منها فتيات مهذبات متعلمات، وكان له الفضل في خلق نشء جديد أصبح منهن مديرات ومعلمات في بيروت، وثابر على خدمة العلم ومؤازرة أهله في كل ناد والدعوة إلى الخير والإحسان إلى أن انتخب لمنصب الإفتاء.
المفتي الأكبر: في عام 1909م عهد إليه بمنصب الإفتاء الجليل في بيروت، فاشتهر بخدمة المجتمع والإنسانية، وخفف من ويلات المجاعة خلال الحرب العالمية الأولى بفضل نفوذه الواسع لدى جمال باشا السفاح، فقد كان هذا الطاغية يقبل يديه أمام الناس إعجاباً بمواهبه وإجلالاً لقدره ونزاهته وعزة نفسه، وله حوادث شهيرة معه لا مجال لذكرها الآن، وهي تدل على سمو مكانته لدى السفاح المطلق الصلاحية آنئذٍ.
ومن مآثره الخالدة أنه انتخب أربعاً وعشرين وجيهاً مسلماً، وجعل منهم أعضاء لجمعية المقاصد الخيرية، فولوه رئاسة الجمعية فعمل مع هؤلاء الأجلاء على إنماء موارد الجمعية، فشيدوا المدارس والكليات للبنين والبنات، ولم يكتف بهذا بل نشر الدعوة فأسست ما يزيد عن سبعين مدرسة منتشرة في جميع قرى لبنان باسم مدارس تعليم فقراء المسلمين، وهي تابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وقـد ازدان صـدره بأوسـمة عثمانيـة وعربيـة رفيعـة تقديـراً لجهوده الاجتماعية والإنسانية الجليلة.
مؤلفاته: 1 ـ كشف الأسرار لتنوير الأفكار. 2 ـ مظهر السعود في مولد سيد الوجود. 3 ـ رسائل في التربية والتعليم، سماها نصيحة الإخوان بلسان الإيمان. 4 ـ مورد الصفا في مولد المصطفى. 5 ـ فرائد المواهب الدينية في مولد خير البرية. 6 ـ أرجوزة في التربية التعليم. 7 ـ رسالة بمشروعية الحجاب.
وله مؤلفات مخطوطة لم تنشر.
شعره: كان شاعراً مكيناً، وناثراً بليغاً، وخطيباً مفوهاً، وقد أدى فريضة الحج سنة 1895م، وزار الرسول الأعظم، فنظم قصيدة ابتهاليه نقتطف منها بعض أبياتها:
لبيك يا مولاي جئتك خاضعا
وبنيل عفوك من ذنوبي طامعاً
شكراً لك اللهم أنت سترتني
كهلاً كما يسرت أمري يافعاً
شكراً لك اللهم أنت جعلتني
في رحب بيتك ساجداً لك راكعاً
لا شيء موجود سواك ومن يرا
ك يرى جميع الكون برقاً لامعاً
ومن روائع قصيدة رثى بها أستاذه الشيخ يوسف الأسير ضمنها بقوله:
ولو يفدى لكان له فداء
بما قد عز من نفس ومال
ولكن كل من في الكون يفنى
ويبقى وجه ربك ذو الجلال
ومن تشطيره البديع قوله:
(فوالله ما أدري أنفسي ألومها)
وما لومها من شية المغرم الصب
أم الفكر مني وهو أكبر باعث
(على الحب أم عيني القريحة أم قلبي)
(فإن لمت قلبي قال لي العين أبصرت)
محاسن من تهوى فاقصر عن العتب
على أنني إن قلت كفي تمنعت
(وإن لمتها قالت خذ القلب يالذنب)
(فعيني وقلبي في دمي قد تشاركا)
وقد ساقني فكري إلى الموقف الصعب
ولكن هما أصل الهوى وهو فرعه
(فيارب كن عوني على العين والقلب)
وله في ميدان الغزال جولات بديعة، منها قوله:
لا وعينيك يا بديع الجمال
عنك لا يخطر السلو ببالي
إن قلبي يزداد في كل يوم
بك وجداً وأنت أدرى بحالي
لك وجه كأنه البدر لكن
ليس للبدر مثل جيد الغزال
أنت أبهى منه جمالاً وأشهى
لفؤادي من رشف صافي الزلال
ومنها:
حرس الله وجنتيك وأبقى
شمس مجلاها بغير زوال
وعذاراً في عارضيك تحلى
بشقيق قد عمه مسك خال
كل شيء أراه فيك مليحا
وتجنيك وهو مر حلا لي
ومن غزله البديع قوله:
يا لها من غادة في خدها
روض أنس منه طيب الورد فاح
كلما رمت الجنى عارضني
حارس من جفنها شاكي السلاح
ومنها:
اتخذ الوجد بقلبي مسكنا
وبه قد طار من غير جناح
يا لقومي هل وجدتم طائراً
عشه طار به شوقاً وراح
ومنها:
صدم الشوق اصطباري صدمة
لم يطق معها برازاً أو كفاح
فتلاشى عزمه حتى غدا
كهشيم راح تذروه الرياح
وفاته: وفي صباح يوم الأحد الثالث والعشرين من شهر رمضان 1350ﻫ و31 كانون الثاني 1932م دعاه ربه إلى منازله الخالدة، واعتبر المصاب بفقده مأتماً وطنيًّا، ودفن في اليوم الثاني بمقبرة الباشورة في بيروت، وأطلق اسمه على الشارع المجاور لسكنه في محلة برج أبي حيدر، وتباري الخطباء والشعراء في تعداد منافيه ومآثره الحميدة في حفلتي الأربعين والذكرى السنوية، وجمعت أقوالهم في كتاب طبعه آل الفقيد الكريم.
وأرخ الشاعر الملهم الأستاذ عبد الرحمن المجذوب وفاته، فقال:
ولى الإمام مصطفى من بعد ما
للدين منه أشرقت آيات
وختمها مؤرخاً:
ومصطفى آل النجا إن يرتحل
أرخ فمثوى المصطفى جنات
وأنجب السيد محمد نجا وثلاث كرائم متزوجات. 150 ه
أعلام الأدب والفن لأدهم الجندي ج 2 ص 343