العلامة المدقق الأديب التقي الصالح الشيخ يوسف بن السيد عبد القادر بن محمد الحسيني الأسير الأزهري الشافعي، الصيداوي ثم البيروتي ، والأسير لقب جد له، كان الإفرنج قد أسروه بمالطة. ولما عاد إلى صيدا عرف بالأسير .
ولد سنة 1230ه، الموافق سنة 1815م بمدينة صيدا من ثغور سوريا، على شطوط بر الشام، وحفظ القرآن في السابعة ، ولما بلغ الثامنة عشرة من العمر شخص إلى الديار المصرية، وأقام مجاورا في الجامع الأزهر سبع سنوات ، يأخذ العلم عن أعلامه، كالعلامة حسن القويسني ، ومحمد الدمنهوري ، ومحمد عياد الطنطاوي، ومحمد الشبيني ، فنبغ في العلوم العقلية والنقلية ، وصار إماما كاملا يرجع إليه ويعول عليه.
ثم عاد إلى سوريا فتقلب في خدمة الدولة العثمانية العلية ثم انتقل إلى القسطنطينية حيث صار رئيسا للمصححين في دائرة نظارة المعارف ، ورحل إلى القسطنطينية ، وتولى وظيفة أستاذ العربية في دار المعلمين الكبرى، وتولى رئاسة التصحيح في دائرة نظارة المعارف.
ورجع إلى بيروت ، فعكف على تدريس الفقه وقوانين الدولة العثمانية في مدرسة الحكمة المارونية مدة سنتين ، وكان من أصدقاء کرنیلیوس فنديك ومرشديه في اللغة العربية .
ومن تصانيفه: (رد الشهم ، للسهم)، رد على كتاب السهم الصائب ، لسعيد الشرتوني ، وله: (رائض الفرائض) في الميراث ، طبع سنة 1318ه في بيروت مع شرح له أيضا، (شرح أطواق الذهب ، في المواعظ والخطب) للزمخشري ط في بيروت سنة 1293ه، (ديوان شعر) ط في بيروت سنة 1306ه فيه بعض قصائده ورسائله، (هدية الإخوان، في تفسير ما أبهم على العامة من ألفاظ القرآن)، وهو تفسير للألفاظ اللغوية الواردة في القرآن ، مرتب على حسب ترتيب السور طبع في بيروت - وقيل: بل هو لابنه مصطفی الأسير ، كما في معجم المطبوعات -، وله من التأليف أيضا: (إرشاد الورى ، في نقد کتاب «نار القرى) الناصیف الیازجی).
قال القاباتي في (نفحة البشام): (وله كتابة في الرد على «جوف الفرا»، وشرحه «نار القرى» ، أخمد بها اتقاده بذهنه الوقاد ، وجعله غرضا لتصویب سهام الانتقاد) ، إلى أن قال: (ولقد تخرج عليه كثير من أهالي لبنان في فنون الأدب من نحو وصرف وبيان).
وكان على جانب عظيم من الرقة والدعة ، وحسن العشرة ، زاهدا في الدنيا ، وقد توفي إلى رحمة الله تعالى سنة 1307ه الموافق سنة 1889م، ودفن في مقبرة الباشورة).
أنظر كامل الترجمة في كتاب : جمهرة أعلام الأزهر الشريف في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين للشيخ أسامة الأزهري.
الشيخ يوسف بن عبد القادر بن محمد المشهور بالأسير
شيخ فاضل، وعالم كامل، ذو أسلوب حسن، وبلاغة ولسن، وقريحة جيدة، وفكرة لما تبديه مجودة، قد سار ذكره مسير المثل، واشتهر أمره اشتهار الأثل، وانتفع به عدد وافر، وأذعن بفضله أعيان الأكابر، ولد في مدينة صيدا في حدود سنة ألف ومائتين واثنتين وثلاثين، وتعلم القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، على الشيخ إبراهيم عارفة، وجوده على الشيخ علي الديربي، ثم شرع في طلب العلم، فقرأ على الشيخ محمد الشرنبالي نحو خمس سنين، ثم توجه إلى دمشق الشام، فحضر على أعيان علمائها الأعلام، وأقام في المدرسة المرادية ستة أشهر، وذلك سنة سبع وأربعين بعد المائتين وألف، ثم بلغه وفاة والده فعاد إلى وطنه وبلده، وأقام بها نحو ثلاث سنين يتعاطى التجارة في مكان أبيه، ويربي إخوته مع عدم تركه لطلب العلم، ثم توجه إلى الأزهر الشريف فأقام به سبع سنين، وقرأ فيه على جملة من العلماء الأعلام، منهم الشيخ محمد الشبيني والشيخ محمد الطنتدائي والشيخ محمد الدمنهوري والشيخ إبراهيم الباجوري والشيخ أحمد الدمياطي وغيرهم، ثم عاد إلى بلده صيدا وقرأ بها الفقه للعموم، ثم توجه إلى طرابلس الشام وأقام بها نحو ثلاث سنين، فحضر عليه بها جماعة من أفاضلها، ثم تقلد القضاء في لبنان نحو سبع سنين، ثم صار معاوناً لقاضي بيروت، ولم يزل يتعاطى التدريس للعموم والخصوص، وقد ألف جملة من الكتب، منها رائض الفرائض، ومنها شرح أطواق الذهب، وغيرهما، ومن نظمه:
لطيبة الغراء ذات النور ... سر بي أسر
فإن بي لتربها الكافور ... شوقاً أسر
أبقى إذا ما لاح للبرق ابتسام ... من نحوها أو فاح لي عرف انتسام
أو مر بي ذكر لتلك الدرو ... كالمحتضر
قد جد بي وجدي وأغراني الغرام ... إلى مقام المصطفى خير الأنام
من جاء كالمصباح في الديجور ... يهدي البشر
وقام يسعى في صلاح المهتدين ... ثم انتحى للماردين المعتدين
مثل انتحاء الباز للعصفور ... حتى قهر
وجاء للخلق بقرآن مجيد ... في الدين والدنيا بلا شك مفيد
ألفاظه كاللؤلؤ المنثور ... فصح غرر
حلو المعاني لذة للسامعين ... يا حبذا هاد إلى الحق المبين
به انمحت آثار كل زور ... لما ظهر
كم من براهين على صدق الرسول ... فيه وكم داع لأرباب العقول
إلى الهدى والعمل المبرور ... وكم عبر
محمد رسول رب العالمين ... بر رؤوف راحم بالمؤمنين
وقد غزا بجيشه المنصور ... من قد كفر
وعنه قد أخبرنا موسى الكليم ... بأنه رسول مولانا الكريم
وخط في كتابه المسفور ... هذا الخبر
كذاك روح الله عيسى عنه قال ... بأنه ليس لشرعه زوال
وذاك في إنجيله المسطور ... قد انسطر
يا ربنا احشرنا جميعاً آمنين ... ومن نحب من خيار المسلمين
تحت لواء عزه المنشود ... يوم الحذر
عليه من رب الصلاة والسلام ... وآله وصحبه الغر الكرام
ما انتظم الورد مع المنثور ... غب المطر
وغرد القمري مع الشحرور ... فوق الشجر
ومن موشحاته التي عارض بها الأندلسيين قوله:
يا بريقاً من ربى نجد بدا ... حي عني حي ذاك الوطن
لست أنسى حسن أنس أبدا ... كان كالعروس بذاك المسكن
دور
شهد الله شجاني ذكره ... لأريج جاء من أرجائه
فعلي اليوم حقاً شكره ... والثنا مني على أثنائه
لا تلم صبا تبدى سكره ... إن تلا الأنباء عن أبنائه
هم بدور الدور أرباب الندى ... وأولو الحسن وأهل اللسن
سكنوا الوادي دهراً فغدا ... كسما الدنيا كذا في حضن
دور
بينهم لي فرقد قد أشرقا ... ورعى مني الحشا لا ذممي
يتهادى بين غزلان النقا ... كتهادي البدر بين الأنجم
مفرد العصر جمالاً مطلقا ... فلذا أسري إليه ينتمي
منجد لكنه ما أنجدا ... متهما في وصله من شجن
مخلف وعد وصالي سرمدا ... وإذا أوعدني لم يخن
دور
يا له ظبياً بعقلي لعبا ... طلق الوجه وقيد الناظر
فاق إن قيس ببلقيس سبا ... مع سنا بحسن باهر
نونه أبدى سبيلاً عجبا ... صيده الصيد بجفن فاتر
ومن الشام له خال شدا ... بلبلاً في مصر حسن الحسن
ومن الحور له القلب فدا ... طرفه الهندي اليماني اليزني
دور
كنز در ثغره قد حرسا ... بارق رطب أنيق منتظم
عجباً كيف به قد غرسا ... في عقيق وبياقوت ختم
يا حريقي لو أسا مني الأسى ... برحيق فيه بالريق وسم
كنت أروي القلب من حر الصدى ... وأرى طرفي لذيذ الوسن
وأصوغ الشعر شفعا مفردا ... في حلى الشهم الزكي الفطن
دور
هو ذو الفضل سليم سلما ... من عدو وظلوم وحسود
طلب العلم فأمسى حلما ... فيه وازداد ارتقاء في السعود
وهو من قوم فخام كرما ... زانهم مجد وأفضال وجود
فهو في تلك المزيات اقتدى ... بأبيه ذي العلا عبد الغني
من لأهل الفقر أضحى سنداً ... ودواماً عنده الفضل عني
دور
باسم شهر الصوم في القوم اشتهر ... وهو ذو فضل على باقي السنه
وهو في الأعيان ذاك المعتبر ... مدحته في الصدور الألسنه
ذو أياد بهرت جود المطر ... وهو في تلك الوجوه الحسنه
كعبة للجود ركن للجدا ... محمل المدح لكل الألسن
فهو في عصر سعيد وجدا ... ثم لا زال بطول الزمن
دور
ملتقى الأبحر تلقى داره ... وبها المجد ينادي بالفصيح
أبشروا بالسعد يا أقماره ... واهنأوا بالمنزل العالي الفسيح
وتلا بشر بها آثاره ... وبها رونقه زاه صريح
فهي صرح بالمعالي مردا ... والمعالي وعلى التقوى بني
مد باليمن وفيه شيدا ... قصرها دام بذاك المأمن
دور
وبنوا بانيه أبناء العلا ... كنجوم في سماء بل بدور
قصروا الجهد على نيل العلا ... فاستطالوا وسواهم في قصور
واستووا في أوجها حيث علا ... وعلى الأوجه منهم كل نور
عندهم سوق المعالي والهدى ... نافق والكل بالعلم غني
فهم الغر الكرام السعدا ... والثنا منهم عليهم ينثني
دور
لسليم الطبع أهدي جملا ... ذاك من حلفي ويا نعم الرفيق
هو ممدوحي لدى كل الملا ... وهو حقا كامل حر رقيق
فهو لا زال كريماً مفضلاً ... لذوي الحب ومسرور الصديق
فأهنيه وأهدي منشدا ... بهداء شاديا في العلن
فهنيئاً تم تاريخ بدا ... جليت شمس إلى البدر السني
وله نظم كثير، ونثر بديع شهير، وقد نعاه الناعي ليلة السبت خامس ربيع الثاني سنة سبع وثلاثمائة وألف، فندبه كماله وفضله، وبكاه العلم وأهله، وحزن له البعيد والقريب، وأسف لفقده النسيب والغريب، وانفتح للتعازي والمراثي باب المقال، وانفسح للنوادب في تعداد محاسنه المجال، وعظم الكرب والهم، واشتد الخطب والغم، وقد ألبس الحزن بلدته لباس البوس، ووجه نحوها وجهه العبوس، وفي صباح ذلك اليوم حشر الناس لحضور مناحته، وشهود تشييع جنازته، وبعد تجهيزه والصلاة عليه وتوجيه أعالي الدعوات إليه، سار الناس بنعشه والنوح يحدوه، وصياح اللوعة لا يعدوه، إلى أن دفنوه، في مقبرة البشورة، ولا غرو فإنهم فقدوا من بلدهم فاضلاً عالماً عاملاً كاملاً، كان خير جليس مفيد، وملجأ للمتعلم والمستفيد، وما أحسن ما قيل من بديع الأقاويل:
إلا إنما الدنيا نظارة أيكة ... إذا اخضر منها جانب جف جانب
هي الدار ما الآمال إلا فجائع ... عليها ولا اللذات إلا مصائب
فلا تكتحل عيناك فيها بعبرة ... على ذاهب منها فإنك ذاهب
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.
ابن الأَسِير
(1232 - 1307 هـ = 1817 - 1889 م)
يوسف بن عبد القادر بن محمد الحسيني، الأزهري، من بني الأسير: كاتب، فرضي، فقيه، شاعر. ولد في " صيدا " وانتقل إلى " دمشق، " سنة 1247 هـ ثم عاد إلى صيدا، فتعاطى التجارة. وتوجه إلى الأزهر (بمصر) فأقام سبع سنين، ورجع إلى بلده. ثم قصد طرابلس الشام، فأقام ثلاث سنوات، تولى في خلالها رئاسة كتاب محكمتها الشرعية، وأخذ العربية عنه بعض المستشرقين، ومنهم الدكتور فان ديك. ثم تولى منصب الإفتاء في عكا، وعين مدعيا عاما مدة أربع سنين في جبل لبنان. وسافر إلى الآستانة، فتولى رئاسة تصحيح الكتب، في نظارة المعارف، وتدريس العربية في " دار المعلمين ". وعاد إلى بيروت، فكان معاونا لقاضيها ومدرسا في بعض مدارسها، كمدرسة الحكمة والكلية الأميركية. ونشر أبحاثا. كثيرة في الصحف، وتولى رياسة التحرير لجريدتي " ثمرات الفنون " و " لسان الحال " مدة. وكانت له منزلة رفيعة في أيامه. والأسير لقب جدّ له كان الإفرنج قد أسروه بمالطة. ولما عاد إلى صيدا عرف بالأسير.
من كتبه " رائض الفرائض - ط " و " شرح أطواق الذهب - ط " و " إرشاد الورى - ط " في نقد كتاب نار القرى لناصيف اليازجي، و " رد الشهم للسهم - ط " في الرد على السهم الصائب لسعيد الشرتوني، و " سيف النصر - ط " قصة، و " ديوان شعر - ط " يشتمل على بعض منظوماته. توفي ببيروت. وللشيخ قاسم الكستي: " مجموعة رثاء الشيخ يوسف الأسير - ط " رسالة .
-الاعلام للزركلي-
الشيخ يوسف الأسير
الشيخ يوسف الأسير ١٢٣٠ﻫ–١٣٠٧ﻫ.
هو الشيخ يوسف بن السيد عبد القادر الحسيني الأسير، وُلد في مدينة صيدا من أعمال سوريا سنة ١٢٣٠ﻫ، ورُبِّي في حجر والده، وتلقَّى مبادئ العلوم فختم القرآن وهو في السابعة من عمره، وكان أبوه تاجرًا، فلم يمِلْ هو إلى التجارة، بل عكف على العلم، فدرس شيئًا على الشيخ أحمد الشرمبالي، وكان ميالًا منذ نعومة أظفاره إلى العلم، فلما بلغ السابعة عشرة شخص إلى دمشق ومكث في مدرستها المرادية نحو سنة، فأخذ شيئًا من العلم عن علمائها، ثم بلغه خبر وفاة والده فعاد إلى صيدا ودبَّر أحوال إخوته، ومهَّد لهم سبيل المعيشة. ونظرًا لتعلُّقه بالعلم لم تطِبْ له الإقامة في صيدا؛ فشخص إلى الديار المصرية وأقام في الجامع الأزهر سبع سنين يتبحَّر في العلوم، وفيه إذ ذاك جماعة من فطاحل العلماء، كالشيخ حسن القويسني والشيخ محمد الدمنهوري والشيخ محمد الطندتاوي والشيخ محمد الشبيني وغيرهم، فنبغ في جميع العلوم العقلية والنقلية، كاللغة والفقه والحديث والتفسير، وصار إماما يُرجع بها إليه، حتى أُعجب به أساتيذه، فكتب إليه الشيخ محمد الطندتاوي (وكان إذ ذاك في بطرسبورج) قصيدة يمدحه فيها ويُثني على علمه وفضله.
وكان في أثناء إقامته بمصر يجالس أكابر علمائها، وكثيرًا ما كان يحضر الامتحانات العمومية التي كانت تجري بحضور عزيز مصر إذ ذاك في المدارس العمومية، فيقترح أكثر المسائل على التلاميذ بإشارة مشائخه.
ثم اعتراه مرض الكبد فعاد إلى صيدا، ولكنه لم يرتَح إلى الإقامة فيها؛ إذ لم يجد فيها مجالًا لنشر فضله، فسافر إلى طرابلس الشام فلاقى من علمائها ووجهائها حُسن الوفادة والرعاية، فقضى بينهم ثلاث سنوات لم يخلُ مقامه يومًا من جماعةٍ منهم، وأخذ عنه العلم كثير من أفاضلهم، وأخيرًا اختار الإقامة في بيروت لجودة هوائها، فهُرعت إليه الطلبة، وكثر مريدوه، وتولى في أثناء ذلك رئاسة كتابة محكمة بيروت الشرعية في أيام قاضيها مصطفى عاشر أفندي، ثم تولى الفتوى في مدينة عكا، ثم تعيَّن مدَّعيًا عموميًّا في جبل لبنان على عهد متصرفه داود باشا، ثم انتقل إلى الآستانة العلية وتولى رئاسة التصحيح في دائرة نظارة المعارف، وتعيَّن في الوقت نفسه أستاذًا للغة العربية في دار المعلمين الكبرى. ونال في أثناء إقامته بالآستانة مقامًا رفيعًا بين رجال الآستانة، وعرضوا عليه منصبًا من المناصب الرفيعة براتبٍ جزيلٍ على وعد الترقِّي، فأبى رغبةً في مواصلة خطته العلمية، ثم ثقلت عليه وطأة البرد في الآستانة وهمَّ بالرجوع إلى بيروت، فأسف وزير المعارف إذ ذاك على خسارته، وماطله في قَبول استعفائه على أمل استبقائه لما آنس من سعة علمه وعاين من رواج الكتب التي صححها، ولكنه أصرَّ على النزوح إلى ربوع الشام، فعاد إليها وأقام في بيروت، وأخذ يبث العلم بين طلبتها، وأكبَّ على التأليف والتصنيف، وكان اشتغاله غالبًا في الفقه واللغة، فألَّف كتابًا في الفقه سمَّاه رائض الفرائض، وشرح كتاب أطواق الذهب تأليف الزمخشري، ونظم كثيرًا من القصائد الرنانة، طُبع منها جانب كبير في ديوان يُعرف باسمه.
وكان على جانب عظيم من الرقة والدعة ولين الجانب وحُسن المعاشرة، يحب العلم والعلماء، ويأخذ بناصرهم، وكان شافعي المذهب، سالكًا مسلك الأقدمين في حب العلم والرغبة في نشره ابتغاء الفائدة العامة، وكان لحسن عقيدته راغبًا عن الدنيا زاهدًا فيها ثابتًا في اتباع فروض الدين، لا يستنكف من حمل حاجيات بيته الضرورية بنفسه، وكان كثير الشغف بتلاوة القرآن الكريم أو سماعه كل يوم.
وكان رَبْع القامة، معتدل الجسم، أسمر اللون، أسود الشعر، كثَّ اللحية، صادق الوعد، قوي الذاكرة، إذا سُئل أجاب في أي موضوعٍ كان مع تقريب الموضوع من ذهن السامع ببسيط العبارة.
تُوفِّي سنة ١٣٠٧ﻫ وله من العمر سبعٌ وسبعون سنة، ودُفن في مقبرة الباشورة ببيروت، وترك خمسة ذكور وبنتين، ولم يترك لهم شيئًا سوى الذِّكر الحسن، وقد أسف أهل بيروت وسائر أهل الشام على فقده؛ لأن جماعة كبيرة منهم أخذوا العلم عنه، وما برح مرجعًا للفائدة علمًا وعملًا حتى توفاه الله.
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، تأليف جُرجي زيدان، ج/2 – ص: 205 – 207.
الشيخ يوسف الأسير
(1815 ـ 1889م)
مولده ونشأته: هو أحد أعلام العرب الذي نبغ في العلوم الفقهية واللغة والحديث والتوحيد والتفسير والشعر والمنطق، فكان إماماً يرجع إليه في المعضلات العلمية.
ولد الشيخ يوسف بن عبد القادر الأسير في صيدا سنة 1815م، وقد أسر جده في أحد الحروب وأقام في مالطة فلقب ونسله (بالأسير)، والأسرة حسينية النسب، تعلم أولاً عند الشيخ أحمد الشرمبالي المصري نزيل صيدا، ثم قصد المدرسة المرادية في دمشق، ولازم حلقات الدراسة فيها.
سفره إلى مصر: ودفعه طموحه العلمي، فسافر إلى مصر واستكمل العلوم في الجامع الأزهر مدة سبع سنين، ثم علم في القاهرة أولاد بعض الأعيان، وامتحن تلاميذ المدارس العليا، وذاعت شهرته في الأوساط العلمية.
عودته إلى وطنه: عاد إلى بلده صيدا وأقام فيها مدة، ثم توجه إلى طرابلس وقضى فيها ثلاث سنين، وهناك درس عليه الكثيرون في حلقته المشهورة بالمسجد المنصوري الكبير، وأخذ عليه العلم كثير من فضلاء سكانها، ومن تلاميذه فيها مارونيان: البطريرك يوحنا الحاج، والمطران يوحنا الحبيب، وكانا يدرسان عليه اللغة العربية والعلوم الإسلامية ويبادلانه حبًّا بحب لسمو تفكيره ورقته في الحديث وبعده عن التعصب الأعمى، وبعدها عاد يعلم في بلده، فقصده التلاميذ من جميع الأنحاء مستفيدين من علمه.
سفره إلى الأستانة: سافر إلى الأستانة ورشحه شيخ الإسلام ليكون قاضياً في إحدى الولايات، فاكتفى بمعاش ألف غرش شهريًّا يقتصر على التعليم دون سواه، وعاد فولي القضاء في المتن وكسروان في عهد الأمير حيدر أبي اللمع أربع سنوات، وترأس كتاب محكمة الشرع في بيروت أعواماً.
في عكا: وعهد إليه بمنصب الإفتاء في عكا، ثم صار نائباً عامًّا للقضاء في جبل لبنان زمن المتصرف داود باشا مدة أربع أعوام.
عودته إلى الأستانة: اختارته وزارة المعارف لتدريس اللغة العربية في دار المعلمين بالأستانة، وعين عضواً في مجلس الشورى فاعتذر، وكان أستاذاً لعدة وزراء عثمانيين وبعض سفراء الدول، ولما عاد إلى بيروت مستقراً فيها علم اللغة والفقه والحقوق في المدرسة الوطنية للبستاني، وفي الكلية السورية الإنجيلية للمرسلين الأميركان، وفي مدرستي الثلاثة أقمار للروم الأرثوذكس، والحكمة المارونية، وتلاميذه الخصوصيون في منزله عديدون من أبناء الوطن والأجانب إكليروس وعلمانيين، وتخرج على يديه علماء أفادوا المجتمع بعلومهم وفضائلهم أمثال المستشرق مرتين هرغان الألماني، وغبطة البطريرك غريغوريوس الرابع البطريرك الأنطاكي للروم الأرثوذكس.
مؤلفاته: 1 ـ ألف كتاباً في الفقه سماه (شرح رائض الفرائض) 2 ـ وشرح كتاب أطواق الذهب للزمخشري 3 ـ ووضع رواية تمثيلية أسماها (سيف النصر) 4 ـرسالة دعاها (إرشاد الورى لنار القرى) انتقد فيها كتاب نار القرى في شرح جوف الفرا لليازجي، 5 ـ كتاب رد الشهم للسهم رداً على كتاب الشيخ سعيد الشرتوني، وخطأ الدكتور بشارة زلزل في وصفه كتاب العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب المتنبي لليازجي ناصيف وولده إبراهيم، 6 ـ حجج كليات أبي البقاء الحسيني الحنفي 7 ـ ألف كتاباً مهمًّا على نسق المعاجم من الإنسان والحيوان والنبات والأرض والجو، وقد فقد بعد مماته 8 ـ رسالة شعرية بأسماء الجراد، أصلح ترجمة المجلة العثمانية في القوانين الشرعية والأحكام العدلية مرتين.
عاون الدكتور فانديك والشيخ ناصيف اليازجي في تعريب الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل)، ونظم ترانيم روحية مسيحية يترنم بها الإنجيليون في المعابد والمنازل على الدوام، حوتها كتب ترانيمهم.
وتولى تحريـر جريدتي ثمرات الفنـون ولسان الحال مـدة من الزمن، وله مقالات ورسائل وعدة كتب احترق بعضها والبعض بقي مخطوطاً بعثرتها الأيام.
كان واسع الرواية، دقيق الانتقاد، ثقة في العلوم العربية والفقهية، ومن أكبر المحدثين على الاطلاق الذين تفخر بهم العروبة، ويعده العلماء المعاصرون بأنه من الأئمة الذين قل نظيرهم في العلوم، وقد مدحه صديقه الشيخ ناصيف اليازجي ببيت هو من غرر الشعر، ويمثل أخلاق العلامة الأسير خير تمثيل، قال:
يقلب في المسائل كل طرف
ويلقي الناس بالطرف الغضيض
شعره: لقد نبغ في اللغة والمنطق والشعر نبوغاً نادراً، وكان ذا ذاكرة غريبة يحفظ أشعار العرب وأخبارهم، وكان من العلماء الذين يصعب التغلب عليهم بغير الحجة والبرهان، إنشاؤه عربي صميم، غيور على اللغة صرفاً ونحواً وإعراباً، يرمي البيان بذوقه الخاص، ولو ساعدته الفرص على تدوين معارفه من العلوم لزاد نفعه أضعافاً، ومن آثاره الشعرية 9 ـ ديوان شعر مطبوع عنوانه (الروض الأريض) 10 ـ نظم أرجوزة (رائض الفرائض) وهي مؤلفة من (520) بيتاً على مذهب النعمان أبي حنيفة، وشرحها كتاباً في ثلاث مئة صفحة، طبعها مرتين، وهذا نموذج من روائع شعره:
إذا ابتسم البرق الحجازي في الفجر
أقول لدمعي حان وقت البكا فاجر
أخال سليمى بالثنايا تبسمت
فأومض ذاك البرق من ذلك الثغر
فرفقاً رفاقي بالذي عمه الضنا
فلست بخال مثلكم فالهوى عذري
وكونوا معي وارثوا لسائل مدمعي
فإني إذا أمسيت أصبح كالنهر
وأمر الهوى عند الذي لم يقاسه
غريب وقيسٌ قاس ذلك بالسحر
وشرع الهوى صعب فيعسر شرحه
وسلطانه في عرشه غالب الأمر
وما كل حب يمكن الصب كتمه
إذا مدّ ماء النهر فاض على الجسر
وحاولت كتمان الهوى فوجدته
محالاً على مثلي وفضح الهوى قهري
أوراي أوراي والدموع تذيعه
ومارجهُ في القلب يسطع كالجمر
ومن قوله في الوجد وقد أبدع:
خليليَّ سيرا بي فقد أشرق الشرق
وهبت صبا نجد فهاج بي العشق
رفيقيَّ جدّا بي لنجدٍ فلي به
مقر الهوى والطرف والجد بي رفق
وإن لم تسيرا بي دجًىخيفة الوجى
أجنّ الجوى قلبي وأرقني الخفق
وما بكما وجدي فإن لم تبقيا هنا
ولم تنجدا أنجد ولو طالت الطرق
نعم في فراق الألف والأهل كلنا
ولكنما بيني وبينكما فرق
فإن التي قد ودعتني ودعتها
وفي طرفها ودق وفي كبدي حرق
وإني لأرضى أن أكون أسيرها
مدى الدهر مالي من يدي أسرها عتق
أحواله الخاصة: تزوج ابنة عمته كريمة الشيخ محمد النقيب الحسني النسب، ورزق خمسة صبيان وابنتين، ومن أولاده الدكتور حسن مدير صحة ولاية بيروت ورئيس جمعية الأطباء في لبنان، ومصطفى مؤلف كتاب النبراس ومآثر دين الإسلام، وحفيده الأستاذ الشاعر الموهوب صلاح الأسير، وهو أديب معاصر، يحمل مشعل آل الأسير العلمي، وقد ذاع صيته.
وفاته: وفي 6 ربيع الأول 1307ﻫ و28 تشرين الثاني 1889م انتقل إلى عالم الخلود، ونعته عشر جرائد وعدة مجلات ورثاه عشرون شاعراً من جملة مذاهب، وجع مراثيه الشيخان إبراهيم الأحدب وأبو حسن الكستي في كراس عام وفاته، ودفن في بيروت.
أعلام الأدب والفن لأدهم الجندي ج 2 ص 325