محمد بن يوسف بن عبد الرحمن المغربي المراكشي البيباني

بدر الدين الحسني

تاريخ الولادة1267 هـ
تاريخ الوفاة1354 هـ
العمر87 سنة
مكان الولادةدمشق - سوريا
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • سبتة - الأندلس
  • مراكش - المغرب
  • دمشق - سوريا

نبذة

الشّيخ بدر الدّين الحسني المحدّث الأكبر علّامة الشّام، وشيخ علمائها في عصره  هو محمّد بن يوسف بن عبد الرّحمن بن عبد الوهّاب بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الغني المغربي المراكشي البيباني، وينتهي نسبه إلى الشّيخ الجزولي صاحب كتاب دلائل الخيرات الذي ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسن سبط النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ولد الشّيخ بدر الدّين الحسني رحمه الله تعالى في دمشق سنة 1267هـ وكانت ولادته في داره الملاصقة لدار الحديث الأشرفية التي كانت مقرّه ومقرّ أئمة الحديث الشّريف من قبله، وولادته هذه من أبوين فاضلين تقيين ورعين.

الترجمة

الشّيخ بدر الدّين الحسني
المحدّث الأكبر علّامة الشّام ،
وشيخ علمائها في عصره 
 1267-1354 هـ =1850-1935م

اسمه وولادته ونسبه:
هو محمّد بن يوسف بن عبد الرّحمن بن عبد الوهّاب بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الغني المغربي المراكشي البيباني، وينتهي نسبه إلى الشّيخ الجزولي صاحب كتاب دلائل الخيرات الذي ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسن سبط النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ولد الشّيخ بدر الدّين الحسني رحمه الله تعالى في دمشق سنة 1267هـ وكانت ولادته في داره الملاصقة لدار الحديث الأشرفية التي كانت مقرّه ومقرّ أئمة الحديث الشّريف من قبله، وولادته هذه من أبوين فاضلين تقيين ورعين.

مشايخه رحمه الله تعالى:
والده الشّيخ يوسف المتوفى سنة 1279هـ، والشّيخ عبد القادر بن صالح بن عبد الرّحيم الخطيب الدّمشقي المتوفى سنة 1288هـ، والشّيخ أبو الخير الخطيب بن الشّيخ عبد القادر الخطيب المتقدم المتوفى سنة 1311هـ، والشّيخ إبراهيم السّقا المصري المتوفّى سنة 1298هـ، وغيرهم.

حياته العلميّة: 
انقسمت الحياة العلميّة للشّيخ بدر الدّين إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: 
تعهده والده بالرّعاية والتّهذيب والتّعليم، فتعلّم عليه مبادئ العلوم والكتابة والحساب، وأتمَّ حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، ثمّ رغب والده في إلحاقه بدار الخلافة في إستانبول للدّراسة العالية ليكون من رجال الدّولة في كبره، ثمّ أحجم عن ذلك، ولما توفّي والده كان له من العمر اثنتا عشرة سنة فتولّت والدته وخاله الشّيخ صالح الكزبري رعايته، ومكث في غرفة والده بدار الحديث، يطالع الكتب الّتي خلَّفها والده بهمّة عظيمة، وحفظ من المتون المختلفة ما يقرب من اثني عشر ألف بيت بتوجيه من شيخه الشّيخ أبي الخير الخطيب رحمه الله تعالى، ثمّ اشتغل بقراءة شروحها وفهمها، يساعده على ذلك ذكاء وقّاد، وحافظة عجيبة، ممّا حدا بأستاذه إلى أن يجيزه في التّدريس العام، ولكن لحداثة سنّه ولأسباب أخرى ترك التّدريس العام وانقطع إلى العلم والعبادة في غرفته بدار الحديث. 
القسم الثاني: 
اعتزل في غرفته في مدرسة دار الحديث الأشرفية، وأكبّ على المطالعة والحفظ، وأقبل بكلّيّته على علم الحديث، حتّى صار فيه الحجّة البالغة والمرجع الأوحد للعامّ والخاصّ، ودامت خلوته هذه قرابة عشر سنين، حتّى حفظ الصّحيحين بأسانيدهما، وطائفة كبيرة من كتب الأسانيد والسنن.
القسم الثّالث:
 وهي من ابتداء درسه في الجامع الأموي، وذلك بعد انتهاء خلوته الّتي أشرنا إليها، شرع الشّيخ في الدّرس العام في جامع السّادات، فقرأ درسا عامّاً عن ظهر قلبه من صحيح البخاري، وقد أعجبت النّاس بفصاحته وعلمه، فلمّا كثر الخلق عليه وضاق بهم الجامع انتقل الى جامع سنان باشا، فكان يقرأ ليلة الجمعة والاثنين من المغرب إلى العشاء، فلمّا ضاق المسجد بالنّاس انتقل الى الجامع الأموي، وابتدأ فيه درسه الأوّل بالحديث الأوّل من صحيح البخاري، فأجاد وأفاد حتّى أخذ بمجامع قلوب السّامعين من ولاة وحكّام وعلماء وخطباء وأدباء وحكماء وعامّة النّاس. 

دروسه: 
انقسمت دروسه إلى عدّة أنواع:
النّوع الأوّل: كان يدرّس في دار الحديث العلوم الرّياضيّة على اختلاف فروعها، مثل عمليات الحساب، ونظريات الهندسة المسطحة والمجسّمة (الفراغيّة) ومعادلات الجبر، كما كان يدرّس الحديث، والتّفسير وغيرهما من العلوم الشّرعية والعربيّة، وكان يضع إلى جانب المجلدات الضّخمة عدداً من الأشكال الهندسيّة، كالكرة، والأسطوانة، والمخروط، والموشور، وسواها من الأدوات.
النّوع الثّاني: هو درسه في المسجد الأموي تحت قبّة النّسر كلّ يوم جمعة، من بعد صلاة الجمعة إلى العصر، وقد كان هذا الدّرس آية الآيات، وأعجوبة الأعاجيب في تنوّع موضوعاته، وتشعّب أغراضه، وتسلسل أحاديثه، وغزارة مادته، وجليل فوائده، كان الشّيخ يستفتحه بحديث يسرده بسنده ومتنه، ثمّ يشرحه، ويبيّن هدفه وما يستنبط منه من الأحكام، وما يتّصل به من شتَّى الموضوعات، مستنداً في كلّ ما يورده من المعاني والأفكار والأحكام إلى الأحاديث الّتي يعزوها إلى مراجعها، مع ذكر سندها ورواتها، وهو في كلّ ذلك لا يعتمد على ورقة أو كتاب، مع فصاحة وبلاغة وحسن بيان، بصوت جهوري يملأ فضاء الأموي، وتتردد أصداؤه في جنباته، فيسمعه ويعيه سائر مستمعيه، وقد كان الشّيخ يذكر في هذا الدّرس ما يتصل  بأحوال النّاس وما يشغل بالهم، وما يرى وجوب تنبيههم إليه، فيجمع في درسه بين العلم والتّوجيه، بأسلوب يفهمه العامّي ويعجب به أهل العلم والاختصاص. 
النّوع الثّالث: يكون في داره الواسعة الّتي تُفتح لقاصدي درسه من بعد صلاة المغرب، فيدخلها من شاء، ليجلس أنّى شاء، ثمّ يأتي الشّيخ ويجلس إلى جانب الباب، ولا يسمح بقيام أحد لمجيئه، ثمّ يأمر المعيد بالقراءة، فيقرأ إلى أن يشير إليه الشّيخ بالتّوقّف، أو تشكل على أحد مشكلة، فيقف ليسمعوا جميعاً حلّ الإشكال، بإيجاز أو إسهاب، وربما أفاض الشّيخ في الكلام، وقد تُوجَّه إليه أسئلة كثيرة، فيجيب عليها، وربما أعرض عن بعضها، وخاصة إذا كان خارج الموضوع الذي هو فيه، وربما أجاب بقوله: لا أعلم، وهذا الجواب من أعظم ميّزاتـه، ودليل على تواضعه وصراحته. 

نموذج يومه: 
لبث سبعين سنة يستيقظ للتهجّد، فيصلّي ما شاء الله أن يصلي، ثمّ يمضي إلى الجامع الأموي فيصلّي الصّبح مع الجماعة، فإذا قضيت الصّلاة عاد إلى غرفته ليتمّ بقية أوراده ثمّ يصلي صلاة الضّحى ثمّ يغفي إغفاءة وبعدها يبدأ دروسه الّتي تمتد إلى المغرب، فإذا صلّى المغرب جماعة أفطر ثمّ جلس للدّرس في بيته ويؤخّر صلاة العشاء لأجله، فإذا صلّاها مع الجماعة ذهب فوراً إلى مضجعه من غير أن يكلّم بعدها أحداً، فينام وهو ذاكر لله تعالى، ثمّ يقوم للتهجّد حتّى يقرب الفجر فيأتي الجامع الأموي فيصلّي فيه الفجر، لا يخالف هذا السّير ولا يتركه، وكان من برامجه تفقد أحوال النّاس، وتقديم ما يستطيع لهم من مساعدة وإعانة لمحتاج أو شفاعة لدى حاكم أو نصيحة له، وترحيب بزائر وصلة للأرحام وعيادة للمرضى ودعوة إلى الله تعالى، وكان يرغب كثيراً في زيارة الطّاعنين في السّن وإن نأت بهم الدّار وبعد بهم المزار طالباً الدّعاء من الجميع.

أخلاقه وصفاته:
كان رحمه الله تعالى له الباع الطّويل والقدم الرّاسخة في كافّة العلوم، وكان مع ذلك عظيماً في تواضعه، لا يرى لنفسه فضلاً على أحد، في علم أو صلاح أو غير ذلك، وكان يقول: (التّواضع أن ترى نفسك دون كلّ جليس) وكان لا يسمح لأحد أن يقبّل يده، وكان كريم النّفس حسن الأخلاق سهل المقابلة ليّن الجانب، لم يكن يشتم رجلاً أو يغتابه، ولم يكن يدع أحداً يغتاب في مجلسه، وكان غاية تأنيبه إذا غضب أن يقول: (يابا -وكانت تلك كلمته -لماذا أنتم هكذا؟) وكان مع أهله كما قال الرّسول العظيم صلّى الله عليه وسلّم: «خيركم خيركم لأهله» يرشدهم برفق ولين، ويأكل ممّا يشتهون، ويوسّع عليهم، ويلبّي رغباتهم، وإذا غضب لشيء قطّب جبينه، وبيّن رأي الشّرع في ذلك الأمر، دون ضرب أو شتم، أو صياح.
وكان رحمه الله تعالى صاحب ورع كبير، ومن ورعه عدم الفتيا بل يحيلها على أحد العلماء في مدرسته أو على المفتي العام، وإذا ثمّة مسألة مشكلة ولم يفد أحد عنها من أهل العلم أمر أحد طلّابه أن يكتب جوابها وهو يملي على الكاتب عن ظهر قلب مع استيفاء أدلّتها، وقد يحيل بعض ما في المسألة إلى محالّها فيقول: هي في كتاب كذا في صفحة كذا، ومن ورعه: لا يؤم في صلاة، ومن ورعه: أنّه إذا كان في المسجد لا يكلّم أحداً فيه، ومن ورعه: أنّه كان يكره أن يقرأ التّلميذ أمامه عبارة رد بعض العلماء على غيرهم بما يفهم التّنقيص كقولهم: (ذكر فلان كذا وقد أخطأ) بل يقول: (انظر إليها ولا تقرأها) وكان رحمه الله صاحب رحمة كبيرة بخلق الله تعالى، فقد كان يتوجّه لزيارة الفقراء ويزور مدارس الأولاد الصّغار، ويطلب الدّعاء منهم ومن معلميهم، ويمسح رؤوس الأيتام منهم، ويأتي السّجون فيسلّم عليهم وينصحهم ويتلطّف معهم ويطلب دعاءهم، وكان رحمه الله تعالى كثير الصّوم وكثير الذّكر فلا يفتر لسانه عن ذكر الله والصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان لا يرفع لقمة الى فيه إلّا قال: (بسم الله) ولا أساغها إلّا قال: (الحمد الله) متمسّكاً بكافّة السّنن المحمّدية، مصلّياً أوقاته كلّها مع الجماعة، مكثراً لتلاوة كتاب الله تعالى، وكان عظيم الاعتناء بالمواظبة على جميع السّنن الرّواتب والوتر والضّحى وصلاة التّسابيح ونحوها من سائر النوافل.

مكانته:
احتلّ الشّيخ مكانة عالية لدى العامّة والخاصّة من المشايخ والعلماء والوجهاء، وكانت له هيبة في نفوس الحكّام، فكانوا يقبلون عليه وهو زاهد بهم، لا يسعى إليهم، ولا يرغب في زيارتهم إيّاه، وإذا دعوه ليكرموه اعتذر وأبى، وكان يكاتب الملوك والأمراء والحكّام في سائر الأقطار العربيّة والإسلاميّة، يحثّهم على العدل، وإحقاق الحقّ، ويبيّن لهم سوء العاقبة بترك الشريعة، واتّباع الأهواء، والظّلم.

شهادة العلماء فيه: 
كثيراً ما كان يحضر دروسه أجلّة علماء دمشق، ومَن يزورها من علماء الأقطار الإسلاميّة الأخرى، فكانوا يخرجون معجبين به: 
قال الشّيخ رشيد رضا من علماء الأزهر يصف درس الشّيخ بدر الدّين:(إنّه دائرة معارف) 
قال الشّيخ محمود العطّار أحد كبار علماء دمشق وتلميذ الشّيخ:(لو كُتب درسه بالحرف الواحد لبلغ جزءً لطيفاً بلا شك). 
قال الشّيخ محمّد بخيت مفتي مصر عن الشّيخ بدر الدّين: (لو كان عندنا في مصر لم تحمله العلماء إلّا فوق رؤوسهم).
وقال السّيد الكتّاني المغربي عنه: (إنّه منذ خمسمائة سنة لم يوجد له نظير.)
وقال المحدث الكبير الشّيخ عبد الواسع اليماني عنه: (السّيد العلّامة المحدّث علّامة الدّنيا، إمام التّحقيق والتّدقيق، وروح جسم العبادة وحليف التّقوى والزّهادة، لقد سمعت المدرّسين والوعّاظ في بلدان كثيرة، فما رأيت مثله قطّ، محققاً في جميع العلوم العقليّة والنّقليّة).
قال الشّيخ محمّد عبد الجواد القاياني المصري عنه: (الشيخ بدر الدّين بن الشّيخ يوسف المغربي هو من نوادر هذا الزّمان)
وقال عنه شيخ الإسلام في الأستانة موسى كاظم أفندي:(إنّه قطب العالم الإسلامي).
قال عنه الشّيخ عليّ الطّنطاوي رحمه الله: (آخر علماء السّلف الصّالح رضي الله عنهم، سرّ قوّة دمشق، رمز العصور الذّهبية الأولى، وصفحة حيّة من تاريخ المجد الإسلامي، نسيج وحده في هذا العصر، وآية من آيات الله قامت في هذه الأيّام المظلمة لتنيرها بنور الصّدر الأول، كما ينير البدر اللّيل الدّاجي بنور الشّمس المشرقة، ولكن ذاك بدر الدّنيا، وهذا (بدر الدّين)! 

من كراماته :
إنّ أعظم الكرامات وأجلّها هي الاستقامة على الشّريعة، ولو لم يكن للشّيخ شيء من الكرامات إلّا كرامة استقامته على الشّريعة وحفظ مجالسه حتّى من لغو الكلام لكفاه، وينقل لنا الشّيخ محمود الرنكوسي رحمه الله الكثير من كرامات الشّيخ بدر الدين الحسني رحمه الله ومنها أنّ الشيخ كان يقول لهم: أتسمعون ردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في التّشهد حينما تقولون: السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته؟
فقال الشّيخ محمود: وهل أحد يسمع ذلك!؟
فيجيب: (هناك أناس لو غاب عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحظة لماتوا).
ويقول الشّيخ محمود: كنت مع آخرين نقرأ شرح الرضي على الكافية في النّحو: فقال لي بعض الأساتذة قل للشّيخ هذا الكتاب طويل ولا ينتهي فليبدله لنا بغيره أخصر-وإنما قال لي: قل للشيخ، لأنّني كنت أصغرهم سناً ولي دالة عليه-فقلت له: يا مولانا هذا الكتاب نموت ولا ينتهي، لو بدلته لنا بغيره، فقال: من قال لك هذا؟ فقلت: فلاناً، فأجاب بقوله: ((أنا آخر من يُقرىء هذا الكتاب في الدّنيا، وأنت يا محمود آخر من يتمّه علي)) وقد صدق الشّيخ في كلامه فأنا الوحيد الّذي أتممت قراءة هذا الكتاب على الشّيخ في مدّة أربع سنوات.

من تلاميذه: 
أمّا تلاميذه فيتعذّر إحصاء مشاهيرهم فضلاً عن جميعهم ونذكر منهم:الشّيخ عبد القادر القصّاب، الشّيخ طاهر الأتاسي، والشّيخ محمد المبارك،ومسند حلب الشّيخ محمّد كامل الهبراوي، والشّيخ محمّد رضا الزّعيم، والشّيخ محمّد راغب الطّباخ والشّيخ محمّد بن جعفر الكتّاني الكبير، والشّيخ جمال الدّين القاسمي، والشّيخ عليّ الدّقر، والشّيخ هاشم الخطيب، والشّيخ محمود العطّار، والشّيخ أمين سويد، والشّيخ بهجة البيطار والشّيخ محمود الرّنكوسي، والشّيخ عبد الرّزّاق الحمصي، والشّيخ حسن حبنكة الميداني، والشّيخ مكي الكتّاني والشّيخ عبد الكريم الرّفاعي وغيرهم كثير رحمهم الله تعالى.

مؤلّفاته:
يقول عنه الزّركلي في الأعلام: " كان يأبى الإفتاء ولا يرغب في التّصنيف، فلم نعرف له غير رسالتين مطبوعتين: إحداهما في سنده لصحيح البخاري، والثّانية في شرح قصيدة (غرامي صحيح) في مصطلح الحديث، وله ثالثة مخطوطة سمّاها (الدّرر البهية في شرح المنظومة البيقونيّة) خ في خزانة الرّباط (1295 كتاني) جاء اسمه عليها (محمّد بدر الدّين بن يوسف بن بدر الدّين) -وقد طبع هذا الكتاب- ويقول من قرأوا عليه مدّة طويلة: إنّه ألّف نحو أربعين كتاباً قبل أن يبلغ الثّلاثين من عمره، ولا أعلم أين ذهبت! كتبتُ إلى السّيّد محمّد سعيد الحمزاوي، نقيب الأشراف في دمشق، أسأله في تأليف الشّيخ بدر الدّين، فبعث إليّ بقصيدة من نظم الشّيخ طاهر الأتاسي، يمدح فيها الشّيخ ويذكر كتبه منها: 
له تـآلـيـف فـي نـهـج الـهـدايـة قـد                 أضحت من الفضل تتلو أبلغ السّور
عـلـى الـجلالين في التفسير حاشية                أرقّ من دمع صب لـج في السّـحـر
ومـعـرب جـاء لـلـقــرآن، تــبـيـنـة                عـلـيـك فـيـه ولـيـس الـخـبر كالخبر
ثمّ يعدّد من تآليفه: (شرح البخاري) و(شرح الشّمائل) و(شرح الشّفا) و(شرح البيقونيّة) في المصطلح، وحاشية على (شرح مختصر ابن الحاجب) في الأصول، وحاشية على (عقائد النسفي)، وشرح (نظم السنوسية) وشرح (الخلاصة) في الحساب، وحواشي على شرح الشّذور والقطر والجامي في النحو، و(شرح مغني اللبيب) و (شرح لامية الأفعال)، و(شرح السلَّم) في المنطق، و(حاشية على المطول) وكتباً أخرى." 

من أسرار نجاح الشّيخ: 
الفضل أوّلاً وأخيراً من الله تعالى، وقد جعل الله لكلّ شيء سبباً، ومن أسباب نجاح الشيخ بدر الدّين رحمه الله تعالىإيمانه العظيم وحسن ظنّه بالله تعالى، ومراقبته له في كلّ أمر من أموره.
همّته العالية وتنظيمه الدّقيق فكان يداوم على جميع ما يفعله بنظام دقيق وكأنّه ساعة لا تتوقف فقد لبث سبعين سنة على خطة معروفة وسُنّة مألوفة، ما تبدّلت  يوماً ولا تغيّرت، إلّا لمرض مقعد، أو أمر قاهر، أو سفر لازم، فهو منظم؛ ينظّم عمله، ويرتّب أوقاته، فلا يغيّر منها شيئاً، ولا يقدّم ولا يؤخّر، فكان من الممكن معرفة الوقت الّذي يمّر به من الطّريق الفلاني، والوقت الّذي ينزل فيه من غرفته  في أثناء النّهار، وهكذا سائر أعماله وأوقاته.
خدمته للخلق، والسّعي في حاجات النّاس، واهتمامه بالشّأن العام، وكان يقول:(قضاء حاجات النّاس لا يجوز التّأخّر فيها) 
تواضعه: لا يرى لنفسه فضلاً على أحد في علم أو خلق، وكان يقول «أقرب أبواب الوصول إلى الله: التواضع» و «من رأى نفسه خيراً من أحد، فليس بمتخلّص من الكِبْر». 

جهاده: 
عاصر الشّيخ أواخر العهد العثماني، وعندما تغلّب الفرنسيون على البلاد، واحتلوها، أعلن الشّيخ الجهاد المقدّس، حتّى جلاء آخر جندي فرنسي عن البلاد، وحضّ النّاس على عدم دفع الضّرائب للفرنسيين، وعدم التّعامل معهم، وكان يعلن في دروسه العامّة فضلاً عن الخاصّة أنّ الجهاد صار فرض عين على كلّ من يستطيع حمل السّلاح واستعماله.
واجتمع الشّيخ بعلماء الشّام وتمّ التّنسيق معهم على أمر الثّورة على الفرنسيين وقد ذكر ذلك الشّيخ محمود الرّنكوسي فقال: "وممّا حدّثني به الشّيخ يوسف حيدر (مفتي القلمون) أنّه قال: أرسل إليّ الشّيخ بدر الدّين بأن أحضر إلى دمشق إلى مدرسة دار الحديث النّبوي الشّريف الّتي هي مقرّ الشّيخ فحضرت، وإذا بالمدرسة جميع مفاتي سوريا، فجعل يسأل بعضنا بعضاً أتدري لماذا طلبنا الشّيخ؟ فيقول كلّ للآخر لا أدري! ثمّ دعا الشّيخ كلّ مفت منّا إلى غرفته على انفراد، ولمّا دعاني قال لي: يا شيخ يوسف، كم عدد الفرنسيين في جبل القلمون عندكم؟ 
فقلت له: لا يتجاوزون المئة، فقال: كم عدد نفوس الجبل عندكم؟ فقلت له: كثير يتجاوزون المئة ألف، فقال الشّيخ: هذا العدد الكثير ألا يستطيع قتل الفرنسيين المئة الّذين عندكم! ثمّ قال لي: أيّ مكان عندكم يصلح لقيام الثّوار فيه؟ فجعلت أذكر له بعض الأمكنة، والشّيخ لا يرضى بها، ويقول لي: لا تصلح، ثمّ شرع الشّيخ يصف لي جبلاً هناك، وقال بأنّه يصلح لهذا الغرض، وكأنّ الشّيخ قد عاش في ذلك المكان ويعرفه أكثر منّي ومن أهل يبرود."
وسافر الشّيخ في حملة «جهاديّة ضد الفرنسيين»، وجاب الولايات الشّامية من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشّرق، برفقة تلميذيه العالمين القديرين الشّيخ عليّ الدّقر، والشّيخ هاشم الخطيب، داعياً إلى الثّورة على الاحتلال ومحرّضاً على الجهاد والقتال، بحماس منقطع النّظير، فما لبث أن اندلعت الثّورة السّورية الكبرى، والّتي اعتبر منذ ذلك الوقت أباها.

كان الشّيخ كثير الاهتمام بالثّورة والمجاهدين، ودائم الاتّصال بزعمائهم، إذ كان المجاهدان حسن الخرَّاط، والشّيخ محمّد الأشمر (من أشهر قادة المجاهدين) يأتيان كلّ صباح قبيل الفجر ليقابلا الشّيخ بدار الحديث، فيوجّههما التّوجيه المفيد، ويربط قلبيهما بالله، فيزدادان ثقة بالله واتّكالاً عليه، وكان الشّيخ يمدّهما بالذّخيرة والمؤن، وما يحتاجان إليه عن طريق بعض طلّابه المخلصين، وقد جعل الشّيخ من يكون همزة وصل بينه وبين الثّوار فيقدّم له بياناً يوميّاً عن الثّورة ومعارك الثّوار.كانت رمزيّة الشّيخ بدر الدّين وحضوره عند الثّوار عظيماً، ومن ذلك كانت المحكمة العسكرية الّتي يقيمها حسن الخرّاط من علماء مجاهدين لكي يقضي بالشريعة يُصدِّر حكمها باسم إمام المسلمين المحدِّث الشّيخ محمّد بدر الدّين الحسني.

أثارت دعوة الشّيخ للجهاد نقمة الفرنسيين، فجاؤوا إلى دار الحديث ممثَّلين بالمندوب السّامي الفرنسي ليثنوه عن دعوته، فقال الشّيخ له: لا تهدأ هذه الثّورة إلاّ بخروجكم. فغضب المندوب السّامي وخرج.


وصيّته قبل الوفاة:
توفي الشّيخ مريضاً قبل أن يتمّ طرد آخر جندي فرنسي محتلّ من سوريا وقبل أن يكحل عينه بيوم الجلاء.
وقبيل وفاته حضر علماء الشّام ومحبّوه إلى بيت الشّيخ، فأوصاهم قائلاً: «السّلام على أمّة النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ونستغفر الله ما صدر منّا حال وجودنا في الدّنيا مع الأمّة الإسلامية من التّقصير في حقّهم والإساءة إليهم، بل في حقّ عموم الخلق، ونسأل الله أن يستعملهم فيما يرضيه، ويصرف عنهم كيد الأشرار والفجار، ونستودعهم الله عزّ وجلّ في دينهم ودنياهم، ونسأل الله تعالى أن يعينهم على أمر دينهم ودنياهم، ونسأل الله تعالى أن يعينهم على أمر دينهم الذي فيه صلاحهم، وعلى دنياهم الّتي فيها معاشهم، وعلى آخرتهم التي فيها معادهم ومصيرهم، وأوصيهم بالانكباب على طلب العلم لصيانته من الضّياع، واحترام العلماء، والسّلام على أهل السّلام وكافة النّاس من أوّلهم إلى آخرهم».


وفاته رحمه الله تعالى: 
بعد أن صلّى الشّيخ صلاة الضّحى، وفي السّاعة التّاسعة صباح يوم الجمعة توفي رحمه الله تعالى، وكان ذلك في 27 من شهر ربيع الأوّل سنة 1354هـ الموافق 28 من شهر حزيران سنة 1935م وقد أعلن المؤذنون وفاته بجميع المآذن فارتاعت المدينة ارتياعاً عجيباً، وحزنت حزناً شديداً على وفاته، وأقبلت النّاس إلى بيت الشّيخ وكانت الطرق تعجّ بهم، ثم خرجت جنازته إلى الجامع الأموي، وتعددت الصّلاة عليه لكثرة النّاس، ثمّ دفن في مقبرة الباب الصّغير رحمه الله تعالى.

 

من موقع رابطة علماء الشام.    https://www.rocham.org/site/article/348

 

محمد بن يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الغني المغربي المراكشي البيباني، بدر الدين الحسني:
محدّث الشام في عصره. أصله من مراكش، من ذرية الشيخ الجرولي صاحب دلائل الخيرات. انتقل أحد أسلافه الى الديار المصرية، فولد فيها أبوه بقرية بيبان (من البحيرة) ورحل إلى تونس فقرأ في جامع الزيتونة وعاد إلى الشرق فأقام بدمشق واشتهر بالمغربي. وولد صاحب الترجمة في دمشق، فحفظ الصحيحين غيبا بأسانيدهما ونحو 20 ألف بيت من متون العلوم المختلفة، وانقطع للعبادة والتدريس. وكان ورعا صوّاما بعيدا عن الدنيا، ارتفعت مكانته عند الحكام وأهل الشام، حتى أن بعض العامة من أهل دمشق حين اشتد بغي (الاتحاديين) من رجال الترك، في خلال الحرب العامة الأولى، عرضوا عليه البيعة بالخلافة، والثورة معه، فزجرهم، وزاد في انزوائه واعتكافه، وكان يأبى الإفتاء ولا يرغب في التصنيف، فلم نعرف له غير رسالتين مطبوعتين: إحداهما في سنده لصحيح البخاري والثانية في شرح قصيدة (غرامي صحيح) في مصطلح الحديث. وله ثالثة مخطوطة سماها (الدرر البهية في شرح المنظومة البيقونية - خ) في خزانة الرباط (1295 كتاني) جاء اسمه عليها (محمد بدر الدين بن يوسف بن بدر الدين) . ويقول من قرأوا عليه مدة طويلة إنه ألف نحو (أربعين) كتابا قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره، ولا أعلم أين ذهبت. وكتبت إلى السيد محمد سعيد الحمزاوي، نقيب الأشراف بدمشق، أسأله عن تآليف الشيخ بدر الدين، فبعث إليّ بقصيدة من نظم طاهر الا تاسى (المتقدمة ترجمته) يمدح بها الشيخ، ويذكر كتبه، منها:
له تآليف في نهج الهداية ... قد أضحت من الفضل تتلو أبلغ السور
على الجلالين في التفسير حاشية ... أرق من دمع صب لج في السحر
ومعرب جاء للقرآن، تبينه ... عليك فيه، وليس الخبر كالخبر
ثم يعدّد من تآليفه: (شرح البخاري) و (شرح الشمائل) و (شرح الشفا) و (شرح البيقونية) في المصطلح، و (حاشية على شرح مختصر ابن الحاجب) في الأصول، و (حاشية على عقائد النسفي) و (شرح نظم السنوسية) و (شرح الخلاصة) في الحساب، وحواشي على شروح الشذور والقطر والجامي، في النحو و (شرح مغني اللبيب) و (شرح لامية الأفعال) و (شرح السلم) في المنطق، و (حاشية على المطول) وكتبا أخرى. وذكر الحمزاوي أنه انتهى، بعد طول البحث، إلى رؤية اثنتي عشرة رسالة، مما بقي لصاحب الترجمة، في الحديث والتوحيد والتفسير. وفي ترجمة ضافية له، كتبها السيد الحمزاوي، أنه، لما قامت الثورة على الاحتلال الفرنسي في سورية: (كان الشيخ يطوف المدن السورية، متنقلا من بلدة إلى أخرى، حاثا على الجهاد، وحاضا عليه، يقابل الثائرين، ويغذيهم برأيه وينصح لهم بالخطط الحكيمة، فكان أبا روحيا للثورة والثائرين المجاهدين) وتوفي بدمشق .

-الاعلام للزركلي-

 

 

الشيخ بدر الدين بن الشيخ يوسف بن عبد الرحمن ابن عبد الوهاب بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الغني المراكشي السبتي المالكي المغربي أصلاً الدمشقي مولداً
عالم إلا أنه عامل، وفاضل غير أنه كامل، قد اعتصم بحبل السنة والكتاب، وانتظم في سلك المتمسكين بأقوال الصحاب، واختار مذهب السلف الأعلى، ورأى سلوكه أروح لنفسه وأولى، لاتفاق الكل عليه بأنه أسلم، وحيث كان كذلك فهو أولى من غيره وأقوم، لا يخالف صحيح النص وإن خالفته نصوص المتون، وكيف يتبع الرأي ويترك قول الصادق المأمون، فلله دره من عالم عابد، ناسك متصف لا معاند، قد جمع الفصاحة في برود كلماته، والنباهة في مطاوي مبدعاته، إذا أخذ في إلقاء الأخبار وجدته بحراً عجاجا، وإن تكلم في أنواع العلوم أبدع تقريراً وإنتاجاً، كأنما الأحكام في صدره مرقومة، وعوارف المعارف في خياله مصورة وفي لسانة منظومة، وله حافظة تحصي له كل ما يسمع، وإدراك هو أخف من مر النسيم وأسرع.
يقرأ في كل يوم جمعة بعد الصلاة صحيح البخاري في جامع بني أمية، ويزدحم الناس على درسه ازدحام الطالبين على العطية، غير أنه يسرد ما علقه في ذهنه ولا سؤال من أحد ولا جواب، ومن رام إبداء إشكال فلا يجد لدخول حله من باب.
وله حجرة في مدرسة دار الحديث قريبة من مقام ابن أبي عصرون، لا تكاد تجدها في وقت خالية من درس في فن من الفنون، وهو لا ينفك في يومه عن صيامه، ولا في ليله عن قيامه، كثير الذكر قليل الكلام، دائم الصلاة على النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. وقد عينت له الدولة في كل شهر ألفاً ومائتي قرش صاغاً.

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.