محمد كامل القصاب
رئيس جمعية علماء الشام ، أحد زعماء الحركة الوطنية ، العالم المربي . محمد كامل بن أحمد بن عبد الله آغا ، القصاب .
ولد بحي العقيبة بدمشق سنة 1290ه تقريبا ، ويرجع أصله إلى حمص . استوطنت أسرته دمشق منذ أقل من قرنين ، وعملت بالتجارة . نشأ يتيما ، توفي والده وهو في السابعة ؛ فكفله جده لأمه المشهور بأبي علي کريم .
قرأ في بعض المكاتب ( الكتاتيب ) ، ثم حفظ القرآن الكريم وجوده - ولا يجاوز العشرين - على المقرئ الشيخ عبد الرحيم دبس وزيت . بعدئذ تاقت نفسه الطلب العلم ؛ فتلقى مبادئ العلوم العربية والفقهية عن شيوخ عصره ؛ فلازم الشيخ عبد الحكيم الأفغاني ؛ قرأ عليه الفقه حتى برع فيه ، وسمع الحديث من المحدث الشيخ بدر الدين الحسني وتضلع فيه ، وأخذ عن الشيخ أمين الأرناؤوط وغيره علوم العربية بفروعها .
ولما بلغ الخامسة والعشرين سافر إلى مصر؛ فالتحق بالجامع الأزهر ، وحصل على الشهادة العالمية ، وخلال ذلك تلقي علم التفسير عن الشيخ محمد عبده ، وتلقى عن الشيخ محمد بخيت مفتي مصر ، وعن أمثالها .
كان ذا عمل دؤوب . غرف في حال صباه بالفتوة والمروءة والغيرة على أهل حيه مما يذكر له بالحمد والثناء . كريم الأخلاق ، ناضج الرأي برا بأصدقائه ، معرضا عن أعدائه ، عزيز النفس جدا ، لا يألو جهده فيما فيه صلاح أمته ، دائم التفكير بها ، يحب العلماء .
اشتغل بالتعليم في مدارس ابتدائية أهلية مدة يسيرة ، ثم أسس ( المدرسة العثمانية ) صارف عليها من ماله ووقته في سبيل إنشائها ؛ وهي مدرسة أهلية في حي البزورية عرفت باسمه ( المدرسة الكاملية )) وتولى إدارتها ما يقرب من ربع قرن ، وتخرج بها رجال بارزون ، وغدت مفخرة البلاد ، وقدرتها الدولة العثمانية كل التقدير ؛ فقبلت من يحمل شهادتها في كليتي الطب والحقوق وغيرهما دون فحص ولا اختبار ، وكان يختارها أساتذة من الاختصاصيين في شتى العلوم ، واشتهر بحزمه وجده في إدارته .
توفي في سنة 1373.
من كتاب تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري لمحمد مطيع الحافظ ونزار أباظة.
يوجد له ترجمة أوسع في الكتاب.
(1290 - 1373 ه = 1873 - 1954 م) محمد كامل بن أحمد بن عبد القادر القصاب: من زعماء الحركة الاستقلالية أيام الاحتلالين التركي والفرنسي في سورية. أصله من حمص، انتقل أبوه إلى دمشق، فولد بها، وعُرف في صباه بكامل كريم (بصيغة التصغير) وهو لقب أسرة والدته ونشأ متصرفا إلى (الفتوة) وعجب أهل (العقيبة) وهو من سكانها، بدمشق، إذ رأوه يدخل مسجدها فجأة ويحتل غرفة فيه وينقطع إلى العلم.
وأمضى في اعتكافه أعواما تفقه فيها وبرع في علوم العربية والقراآت وخرج إنسانا آخر. وأنشأ (المدرسة الكاملية) وهي من أوائل العوامل في بعث الروح القومية العربية بدمشق، تطوع للتدريس بها عَبْد الوَهَّاب الإنكِلِيزي (لقبا) وعارف الشهابي، وعبد الرحمن شهبندر، وأسعد الحكيم، وآخرون كنتُ (المؤلف) واحدا منهم. ولما نشبت الحرب العامة الأولى (1914) كان صاحب الترجمة من أعضاء الجمعية (العربية الفتاة) السرية، فانتدب للسفر إلى مصر، ومقابلة القائلين فيها بتحرير البلاد العربية من سلطان الترك، والاتفاق معهم على خطط العمل. فدخلها مُظهراً أنه يريد شراء كتب لمدرسته وعاد فاعتقله الترك (العثمانيون) فحدثهم عن كتب المدرسة، فأفرجوا عنه. وظل يعمل في الخفاء إلى أن قامت (الثورة) في الحجاز، فتوجه متخفيا إلى مكة. ورجع بعد الحرب إلى دمشق، فكان أبرز العاملين في (لجنتها) الوطنية. واحتل الفرنسيون (سورية) فغادرها، فافتتحوا قائمة (أحكام الإعدام) باسمه. وولاه الملك عبد العزيز آل سعود إدارة (المعارف) في الحجاز، فأقام قليلا، واستعفى. ثم استقر في حيفا (بفلسطين) وأنشأ (مدرسة) وألف بالاشتراك مع الشهيد محمد عز الدين القسام، كتاب (النقد والبيان - ط) في البدع المنهيّ عنها والرد على أحد القائلين بها. ومحيت أحكام الإعدام في دمشق، فعاد إليها، وفترت عزيمته في أعوامه الأخيرة، فعُين رئيساً للجنة (العلماء) مدة، واستقال. وانزوى في بيته إلى أن توفي .
-الاعلام للزركلي-
المرحوم الشيخ كامل القصاب
(1873 ـ 1954م)
أصله ومولده: هو الخطيب المصقع والمنشئ البليغ، وأحد أعلام العرب البارزين، والزعيم الشعبي المخلص الذي قاد الفكر والنهضة الوطنية والعلمية، والثائر العربي والرائد الوطني الذي ضحى بأمواله وراحته في سبيل قوميته العربية، المرحوم الشيخ كامل بن أحمد بن عبد الله آغا القصاب الحمصي الأصل، وقد استوطنت أسرته دمشق منذ قرن ونصف قرن، وتعاطت التجارة بدمشق.
ولد المترجم نحي العقيبة بدمشق سنة 1873م، وتوفي والده وهو في السابعة من عمره، فكلفه جده لأمه المشهور بأبي علي كريم، كان ذكيًّا، فحفظ القرآن عن ظهر قلبه وجوده على الأستاذ المقرئ الشيخ عبد الرحيم دبس وزيت.
دراسته العلمية: أخذ بدمشق علم الحديث عن المرحوم الشيخ بدر الدين الحسني المحدث الأشهر، والفقه والأصول عن المرحوم العلامة المحقق الشيخ عبد الحكيم الأفغاني، وعلوم اللغة العربية بفروعها عن الأستاذ الشيخ أمين الأرناؤوط وغيره من الأعلام، وبعد أن أتم دراسته سافر إلى مصر وهو في سن الخامسة والعشرين والتحق بالجامع الأزهر، وبقي هناك إلى أن أخذ الشهادة العالمية، وقد تلقى التفسير عن الإمام الشيخ محمد عبده.
مراحل حياته: عاد إلى دمشق فرأى الدولة العثمانية تنهار، فأحب أن يجعل لوطنه كياناً، فأسس مع الشهداء عبد الغني العريسي وتوفيق البساط وعارف الشهابي ورشدي الشمعة وغيرهم من رجالات العرب جمعية (الفتاة)، ثم وجه عنايته نحو الثقافة فاهتم بقضية المدارس، فأسس المدرسة العثمانية، وهي مدرسة أهلية كانت في حي البزورية، وكان المترجم مديرها، ودام عهدها ما يقرب من ربع قرن، وتخرج منها عناصر بارزة.
سفره إلى مصر: ولما رأى الوطنيون أن الوطن ينهار انتدبوه للسفر إلى مصـر، فسافـر واجتمـع بأقطاب اللامركزيـة كالشيخ رشيد رضا ورفيق العظم ـ رحمهما الله ـ وغيرهما، وسألهم عن الخطط التي وضعوها للسير عليها فيما لو انهارت الدولة العثمانية، ولما رأى أنه ليس هناك تشكيلات دولة عربية عاد إلى دمشق على باخرة إيطالية من الإسكندرية، فمرت على سواحل فلسطين وبيروت وطرابلس، وقد منع من النزول إلى البر بأمر من جمال باشا السفاح، ثم توجهت الباخرة إلى مرسين وفيها تمكن من النزول إلى البر، وعاد إلى دمشق عن طريق الأناضول بعد أن قطع ذلك البر الواسع بمشقة زائدة متحملاً الأخطار في سبيل إنقاذ رفاقه في الجهاد من الوقوع في قبضة الأتراك، فوصل دمشق متنكراً، وأبلغ زعماء الحركة الوطنية حقيقة الموقف في مصر.
محنته الأولى: وبعد وصوله إلى دمشق بشهر قبض عليه وأرسل إلى عاليه، ومنع من مخالطة أي كان، ولبث في سجن عاليه أربعين يوماً، وفي ذلك الحين وصل جمال باشا إلى عاليه وحاكمه بنفسه بعد منتصف الليل، وسأله عن سبب سفره إلى مصر، فأجابه بأن السفر كان لأسباب ثقافية من أجل المدرسة، ولما كانت التحقيقات الجارية بحقه غير كافية لإدانته حيث نفى عن نفسه الاشتغال بالسياسةـ والحقيقة أنه نجا من فتك جمال باشا السفاح واستطاع بجرأته وبلاغته إقناع جمال باشا ـ؛ أطلق سراحه، ثم عاد إلى دمشق.
سفره إلى الحجاز: ولما استفحل أمر الأتراك بالبطش بزعماء الوطن خشي على نفسه منهم، فتوجه إلى الحجاز وحلّ ضيفاً على الملك حسين إلى أن اندلعت نار الثورة العربية، وقد بقي في الحجاز سنة ونصف يغدو ويروح بين مكة والوجه ووادي العيس مركز الجيوش العربية، وقد حكم الأتراك عليه بالإعدام غياباً.
في مصر: ولما رأى المترجم أن العمل السياسي في مصر أوسع مجالاً منه في الحجاز انتقل إلى مصر، وأسس فيها حزب الاتحاد السوري، ولبث فيها حتى وضعت الحرب أوزارها يكافح ويناضل في سبيل القضية الوطنية، ثم أسس اللجنة الوطنية العليا بدمشق لتدافع عن حقوق البلاد.
الحكم عليه بالإعدام: ثم وقع الاحتلال الفرنسي، فكان نشاطه وما يلقيه من خطب ثورية قد أقضت مضاجع الفرنسيين، فحكم عليه بالإعدام غياباً، وقد أقام في البلاد العربية متنقلاً بين فلسطين ومصر يعمل للقضية الوطنية، وسافر إلى اليمن وقابل الإمام يحيى حميد الدين سنة 1922م لجمع كيان العرب، ولم يتمكن من الوصول إلى ما يصبو إليه من أهداف قومية لاختلاف آراء زعماء العرب وتطاحنهم على العروش الوهمية.
سفره إلى الحجاز مرة ثانية: لما دخل الملك ابن سعود الحجاز استدعاه إلى مكة، وعهد إليه بمديرية معارف الحجاز، وذلك سنة 1925م، فأكمل ما بدأ به من نشر الثقافة في تلك الربوع، وأسس ما يقرب من ثلاثين مدرسة في شتى أنحاء الحجاز، وبقي يعمل في رفع المستوى العلمي والثقافي مدة سنة ونصف، ثم أصيب بمرض الزحار حتى كاد يشرف على الهلاك، فاستأذن الملك وقفل راجعاً إلى فلسطين بقصد التداوي، فشفي من مرضه بعد معالجة طويلة استمرت عشر سنوات.
عودته إلى دمشق: وفي سنة 1937م أصدر الفرنسيون العفو العام، فعاد إلى دمشق، ورأى أن يخدم البلاد عن طريق نهضة العلماء بعد أن فشلت مساعيه مع ساسة العرب، فأسس جمعية العلماء ومؤتمر العلماءالذي نجح نجاحاً باهراً بمقرراته، ومن الأعمال التي قام بها إسقاطه وزارة جميل مردم بك بسبب توقيعه على قانون الطوائف .
كان ثريًّا عن طريق التجارة، وقد أسس شركة تجارية في مصر تتعاطى مال القبان، وكان تاجراً جريئاً يضارب في أمواله، ويملك عقارات في حيفا استولى عليها الصهيونيون.
وفاته: وفي الساعة الواحدة بعد ظهر يوم السبت السابع والعشرين من شهر شباط سنة 1954م أصيب بسكتة دماغية لم تمهله سوى ثلاثين ساعة، ثم دعاه ربه إلى منازله العلية، وقد أوصى أن تشيع جنازته وفق الشريعة المحمدية، وهو لعمري أحد أعلام حملتها وأحق العلماء بتطبيقها، وصدف يوم وفاته أن قامت مظاهرات عدائية ضد عهد الشيشكلي، فبينما كان الرصاص يلعلع والجيشيقاوم المتظاهرين، صلى عليه بضعة أفراد في بيته وتسللوا به بين الأزقة، وألحد الثرى في مقبرة باب الصغير بدمشق بجوار مقام الصحابي بلال الحبشي.
وأنجب من الأولاد محمد أبا الطيب وقد توفي في حياة والده عقيماً، والأستاذ أحمد أبا الحسن المدرس في الثانوية الشرعية الإسلامية ومدير المدرسة الكاملة المسماة باسم مؤسسها والده رحمه الله.
له ترجمة في الكتاب المرفق: أعلام الأدب والفن – لأدهم الجندي – الجزء 2 ص ٧٧.