إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي أبي إسحاق عماد الدين

تاريخ الولادة543 هـ
تاريخ الوفاة614 هـ
العمر71 سنة
مكان الولادةجماعيل - فلسطين
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • الموصل - العراق
  • بغداد - العراق
  • دمشق - سوريا

نبذة

الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الزَّاهِدُ القُدْوَةُ الفَقِيْهُ بَرَكَةُ الوَقْتِ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ المَقْدِسِيُّ الجَمَّاعِيْليُّ، نَزِيْلُ سَفْحِ قَاسِيُوْنَ، وَأَخُو الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ. وُلِدَ بِجَمَّاعِيْلَ، سَنَةَ 543. وَهَاجَرُوا بِهِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانِ سِنِيْنَ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ.

الترجمة

الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الزَّاهِدُ القُدْوَةُ الفَقِيْهُ بَرَكَةُ الوَقْتِ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ المَقْدِسِيُّ الجَمَّاعِيْليُّ، نَزِيْلُ سَفْحِ قَاسِيُوْنَ، وَأَخُو الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ.
وُلِدَ بِجَمَّاعِيْلَ، سَنَةَ 543. وَهَاجَرُوا بِهِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانِ سِنِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنِ عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ، وَارْتَحَلَ فَسَمِعَ مِنْ: صَالِحِ ابْن الرّخلَةِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَشُهْدَةَ، وَعَبْدِ الحَقِّ، وَعِدَّةٍ، وَبِالمَوْصِلِ مِنْ أَبِي الفَضْلِ الخَطِيْبِ. وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى: ابْنِ المَنِّيِّ، وَتبصَّرَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
حَدَّثَ عَنْهُ البرزالي، والضياء، وابن خليل، والمنذري، والقوصي، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالتَّاجُ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ زَيْنِ الأُمَنَاءِ، وَوَلَدُهُ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ العِمَادِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ وَالشَّمْسُ مُحَمَّدُ ابْنُ الكَمَالِ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: كَانَ لَيْسَ بِالآدَمِ كَثِيْراً، وَلاَ بِالطَّوِيْلِ، وَلاَ بِالقَصِيْرِ، وَاسِعَ الجَبْهَةِ، مَعرُوْقَ الجَبِيْنِ، أَشهَلَ العَيْنِ، قَائِمَ الأَنْفِ، يَقُصُّ شَعْرَهُ، وَكَانَ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ. سَافَرَ إِلَى بَغْدَادَ مَرَّتَيْنِ، وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَ"غَرِيْبَ" العُزَيْرِيِّ -فِيْمَا قِيْلَ- وَحَفِظَ الخِرَقِيَّ، وَأَلقَى الدَّرسَ مِنَ "التَّفْسِيْرِ"، وَمِنَ "الهِدَايَةِ"، وَاشْتَغَلَ فِي الخِلاَفِ، شَاهَدتُهُ يُنَاظِرُ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَكَانَ عَالِماً بِالقِرَاءاتِ وَالنَّحْوِ وَالفَرَائِضِ، قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيِّ، وَأَقرَأ بِهَا، وَصَنَّفَ "الفُرُوْقَ فِي المَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ"، وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الأَحكَامِ لَمْ يُتِمَّهُ، وَلاَ كَانَ يَتفرَّغُ لِلتَّصْنِيفِ مِنْ كَثْرَةِ اشتِغَالِهِ وَإِشْغَالِهِ. أَقَامَ بِحَرَّانَ مُدَّةً فَانْتَفَعُوا بِهِ، وكان يشغل الجبل إِذَا كَانَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ بِالمَدِيْنَةِ، فَإِذَا صَعِدَ المُوَفَّقُ، نَزَلَ هُوَ وَأَشْغَلَ، فَسَمِعْتُ الشَّيْخَ المُوَفَّقَ يَقُوْلُ: مَا نَقدِرُ نَعمَلُ مِثْلَ العِمَادِ، كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ، وَرُبَّمَا كَرَّرَ عَلَى الطَّالِبِ مِنْ سَحَرٍ إِلَى الفَجْرِ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ يَجلِسُ فِي جَامِعِ البَلَدِ مِنَ الفَجْرِ إِلَى العشاء، ولا يخرج إلَّا لحاجة، يُقْرِئُ القُرْآنَ وَالعِلْمَ، فَإِذَا فَرَغُوا اشْتَغَلَ بِالصَّلاَة، فَسَأَلْتُ الشَّيْخَ مُوَفَّقَ الدِّيْنِ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ من خيار أصحابنا، وأعظمهم نَفْعاً، وَأَشَدِّهِم وَرَعاً، وَأَكْثَرِهِم صَبْراً عَلَى التَّعْلِيْمِ، وَكَانَ دَاعِيَةً إِلَى السُّنَّةِ، أَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً يُعلِّمُ الفُقَرَاءَ وَيُقْرِئُهُم، وَيُطْعِمُهُم، وَيَتَوَاضَعُ لَهُم، كَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ تَوَاضُعاً، وَاحْتِقَاراً لِنَفْسِهِ، وَخَوْفاً مِنَ اللهِ، مَا أَعْلَمُ أَنَّنِي رَأَيْتُ أَشدَّ خَوْفاً مِنْهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ للهِ، يُطِيلُ السُّجُوْدَ وَالرُّكُوْعَ، وَلاَ يَقبَلُ مِمَّنْ يَعْذُلُهُ، وَنُقِلَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ.
ثُمَّ قَالَ الضِّيَاءُ: لَمْ أر أحدًا أحسن صلاة من وَلاَ أَتَمَّ، بِخُشُوْعٍ وَخُضُوْعٍ، قِيْلَ: كَانَ يُسبِّحُ عَشْراً يَتَأَنَّى فِيْهَا، وَرُبَّمَا قَضَى فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ صَلَوَاتٍ عِدَّةٍ، وَكَانَ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِر يومًا، وكان إذا دعا كان يَشْهَدُ بِإِجَابَة دُعَائِهِ مِنْ كَثْرَةِ ابْتِهَالِهِ وَإِخْلاَصِهِ، وَكَانَ يَمضِي يَوْمَ الأَرْبعَاءِ إِلَى مَقَابِرِ بَابِ الصغير عند الشهداء، فيدعو وَيَجْتَهِدُ سَاعَةً طَوِيْلَةً.
وَمِنْ دُعَائِهِ المَشْهُوْرِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَقْسَانَا قَلْباً، وَأَكْبَرِنَا ذَنْباً، وَأَثْقَلِنَا ظَهْراً، وَأَعْظَمِنَا جُرْماً".
وَكَانَ يَدْعُو: "يَا دَلِيلَ الحَيَارَى، دُلَّنَا عَلَى طَرِيْقِ الصَّادِقِيْنَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِيْنَ".
وَكَانَ إِذَا أَفْتَى فِي مَسْأَلَة، يَحتَرِزُ فِيْهَا احتِرَازاً كَثِيْراً.
قَالَ: وَأَمَّا زُهْدُهُ، فَمَا أَعْلَم أَنَّهُ أَدخَلَ نَفْسَه فِي شَيْءٍ مِنْ أَمر الدُّنْيَا، وَلاَ تَعرَّضَ لَهَا، وَلاَ نَافَسَ فِيْهَا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى سُلْطَانٍ وَلاَ وَالٍ، وَكَانَ قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللهِ، ضَعِيْفاً فِي بدنه، لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم، أَمَّاراً بِالمَعْرُوف، لاَ يَرَى أَحَداً يسيء صلاته، إلَّا قال له وعلمه.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَتَى فُسَّاقاً، فَكَسَرَ مَا مَعَهُم، فَضَرَبُوهُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ الوَالِي ضَرْبَهُم، فَقَالَ: إِنْ تَابُوا وَلاَزمُوا الصَّلاَةَ، فَلاَ تُؤْذِهِم، وَهُم فِي حِلٍّ، فَتَابُوا.
قَالَ الضِّيَاءُ: سَمِعْتُ خَالِي مُوَفَّقَ الدِّيْنِ يَقُوْلُ: مِنْ عُمُرِي أَعْرِفُهُ -يَعْنِي: العِمَادَ- مَا عَرَفْتُ أَنَّهُ عَصَى اللهَ مَعْصِيَةً.
وَسَمِعْتُ الإِمَامَ مَحَاسِنَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ يَقُوْلُ: كَانَ الشَّيْخُ العِمَادُ جَوْهَرَةَ العَصرِ.
ثُمَّ قَالَ الضِّيَاءُ: أَعْرفُ وَأَنَا صَغِيْرٌ أَنَّ جَمِيْعَ مَنْ كَانَ فِي الجَبَلِ يَتَعَلَّمُ القُرْآنَ كَانَ يَقرَأُ عَلَى العِمَادِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَكَانَ يَبعثُ بِالنَّفَقَةِ سِرّاً إِلَى النَّاسِ، وَيَأْخُذُ بِقَلْبِ الطَّالِبِ، وَلَهُ بِشْرٌ دَائِمٌ.
وَحَدَّثَنِي الشَّيْخُ المُقْرِئُ عَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنٍ الهَكَّارِيُّ بِحَرَّانَ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ قَائِلاً يَقُوْلُ لِي: العِمَادُ مِنَ الأَبْدَالِ، فَرَأَيْتُ خَمْسَ لَيَالٍ كَذَلِكَ.
وَسَمِعْتُ التَّقِيَّ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ ابْن الحَافِظِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الشَّيْخَ العِمَادَ فِي النَّوْمِ عَلَى حِصَانٍ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي الشَّيْخَ، إِلَى أَيْنَ? قَالَ: أَزُورُ الجَبَّارَ -عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ فِي "المِرْآةِ": كَانَ الشَّيْخُ العماد يحضر مجلسي دَائِماً، وَيَقُوْلُ: صَلاَحُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ فَتَحَ السَّاحِلَ، وَأَظهَرَ الإِسْلاَمَ، وَأَنْتَ يُوْسُفُ أَحيَيتَ السُّنَّةَ بِالشَّامِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: يُشير أَبُو المُظَفَّرِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يُورد فِي الوَعْظِ كَثِيْراً مِنْ كَلاَمِ جَدِّهِ وَمِنْ خُطَبِهِ مَا يَتَضمَّنُ إِمْرَارَ الصِّفَاتِ وَمَا صَحَّ مِنَ الأَحَادِيْثِ عَلَى مَا وَردَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى تَأْوِيْلٍ وَلاَ تَشْبِيهٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمَشَايِخُ الحَنَابِلَةِ العُلَمَاءُ هَذَا مُخْتَارُهُم، وَهُوَ جَيِّدٌ، وَشَاهَدتُ العِمَادَ مُصَلِّياً فِي حَلْقَةِ الحَنَابِلَةِ مِرَاراً وَكَانَ مُطِيلاً لأَرْكَانِ الصَّلاَةِ قِيَاماً وَرُكُوْعاً وَسُجُوداً، كَانَ يُصَلِّي إِلَى جُرَانتين، ثُمَّ عَمِلَ المِحْرَابَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: تُوُفِّيَ العِمَادُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- لَيْلَةَ الخَمِيْسِ، سَابِعَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَشَاءَ الآخِرَةِ، فَجْأَةً وَكَانَ صَلَّى المَغْرِبَ بِالجَامِعِ وَكَانَ صَائِماً، فَذَهَبَ إِلَى البَيْتِ، وَأَفطَرَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ، وَلَمَّا أُخْرِجَتْ جِنَازَته، اجْتَمَعَ خَلْقٌ، فَمَا رَأَيْتُ الجامع إلَّا وكأنه يَوْمُ الجُمُعَةِ مِنْ كَثْرَةِ الخَلْقِ، وَكَانَ الوَالِي يَطْرُدُ الخَلْقَ عَنْهُ، وَازْدَحَمُوا حَتَّى كَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَهْلِكَ، وَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَكْثَرَ خَلْقاً مِنْهَا.
وَحُكِي عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا جَاءهُ المَوْتُ جَعَلَ يَقُوْلُ: يَا حَيُّ يَا قَيُّوْمُ، لاَ إِلَهَ إلَّا أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيْثُ، واستقبل القبلة، وتشهد.
قَالَ: وَزَوْجَاتُهُ أَرْبَعٌ، مِنْهُنَّ غَزِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ البَاقِي، وَلَدَتْ لَهُ: قَاضِي مِصْرَ شَمْسَ الدِّيْنِ، والعماد أحمد.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 


إبراهيم بن عبد الواحد أخو الحافظ عبد الغني الجماعيلي.
ولد سنة 543. وكان يقول: أخي عبد الغني أكبر مني بسنتين، برع وناظر وأفتى، وأقبل على نفع الناس، كان داعية إلى السنة وتعليم القرآن والدين، وكان يُقرىء الضعفاء القرآن، ويطعمهم، وكان من أكثر الناس تواضعًا، واحتقارًا لنفسه، وخوفًا من الله تعالى.
وما أعلم أنني رأيت أحدًا أشدَّ خوفًا منه، وكان كثير الدعاء، ويطيل الركوع والسجود، ويقصد أن يقتدي بصلاة رسول - صلى الله عليه وسلم -، ونقلت له كرامات كثيرة، ولقد صحبه جماعة من أنواع المذاهب، فرجعوا عن مذاهبهم لما شاهدوا منه، وكان لا يكاد يفتر عن الأشتغال إما بالقرآن أو بالحديث، وما أعلم أنه أدخل نفسه في شيء من أمر الدنيا، ولا تعرض له، ولا نافس فيها.
وكان كثير الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكان داعية إلى اتباع السنة.
ذكر له ابن رجب ترجمة حسنة طويلة مشتملة على سيره الجميلة. وذكره أبو المظفر سبطُ ابن الجوزي في "تاريخه"، وأثنى عليه ثناء كثيرًا، وقال: ما تحرك حركة ولا مشى خطوة ولا تكلم بكلمة إلا لله، وكان يحضر مجالسي، ويقول: صلاح الدين يوسف فتح الساحل، وأظهر الإسلام، أنت يوسف أحييت السنة بالشام - يشير إلى كلام جده في إمرار الصفات على ظاهرها، وإثباتها على ما جاءت. توفي سنة 614، ولما جاءه الموت، جعل يقول: يا حيُّ يا قيوم! قال الضياء: ما رأيت جنازة قط أكثرَ خلقًا منها. وقال سبط ابن الجوزي: وكان يومًا لم يُر في الإسلام مثله، ولما كان الليل، نمت - وأنا متفكر في جنازته -، وذكرت أبياتِ سفيان الثوري التي أنشدها في المنام:
نظرتُ إلى ربي كِفاحًا فقالَ لي ... هنيًا رضايَ عنك يا بنَ سعيدِ
فقد كنتَ قَوَّامًا إذا أقبل الدجى ... بعبرةِ مشتاقٍ وقلبِ عَميدِ
فدونَك فاختر أيَّ قصر أردتَه ... وزُرْني فإني منكَ غيرُ بعيدِ
وقلت: أرجو أن العماد - يعني: إبراهيم المترجَم له - يرى ربه كما رآه سفيان عند نزول حفرته، فنمت، فرأيت العماد في النوم عليه حلة خضراء، وعمامة خضراء، وهو في مكان متسع كأنه روضة، وهو يرقى في درج مرتفعة، فقلت: يا عماد الدين! كيف بت؟ فإني والله متفكر فيك، فنظر إليّ وتبسم على عادته، وقال:
رأيتُ إلهي حين أُنزلْتُ حفرتي ... وفارقتُ أصحابي وأَهلي وجِيرتي
فقالَ جُزيتَ الخيرَ عنَّي فإنني ... رضيتُ، فها عفوي لديكَ ورحمتي
وبتَّ زمانًا تامُلُ الفوزَ والرضا ... فَوُقَّيت نيراني ولُقَّيتَ جنتي
قال: فانتبهت مرعوبًا، وكتبت الأبيات. وأيضًا رئي في النوم على حصان، فقيل له: إلى أين؟ فقال: أزور الجبار - عز وجل -. ورآه آخر، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: 26، 27]، ورآه الإمام عثمان المقدسي يقول: رأيت الحق - عز وجل - في النوم، والشيخ عماد عن يمينه، ووجهُه مثل البدر، وعليه لباس ما رأيت مثله. وقال الإمام عبد الحميد المقدسي: شممت من قبره مرتين رائحة طيبة. وقد حدث بالكثير، وسمع منه خلق من الحفاظ والأئمة؛ كالضياء، والمنذري.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

 

إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد بن على بن سرُور المقدسى ثمَّ الدمشقى الْفَقِيه الزَّاهِد العابد الشَّيْخ عماد الدّين أبي إِسْحَاق أَخُو الْحَافِظ عبد الْغنى هَاجر إِلَى دمشق مَعَ الْجَمَاعَة حِين اسْتِيلَاء الفرنج على أَرضهم فَقَرَأَ الْقرَان وَسمع من أَبى المكارم بن هِلَال وَعبد الرَّحْمَن بن على الخرقى وَغَيرهمَا وَحفظ غَرِيب الْقرَان للعزيزى ومختصر الخرقى ثمَّ رَحل إِلَى بَغْدَاد مرَّتَيْنِ أولاهما مَعَ الشَّيْخ موفق الدّين فَقَرَأَ الْقُرْآن على أَبى الْحسن البطائحى وَسمع من أَبى مُحَمَّد الخشاب وشهدة الكاتبة وَغَيرهمَا وتفقه على أَبى الْفَتْح ابْن المنى حَتَّى برع وناظر وَأفْتى ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق فَأقبل على أشغال النَّاس ونفعهم
وَقَالَ الشَّيْخ موفق الدّين لما سُئِلَ عَن الْعِمَاد كَانَ من خِيَار أَصْحَابنَا وأعظمهم نفعا وأشدهم ورعا وَأَكْثَرهم صبرا على تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْفِقْه وَكَانَ دَاعِيَة إِلَى السّنة وَإِلَى تَعْلِيم الْعلم وَكَانَ يقرى الضُّعَفَاء والفقراء ويطعمهم ويبذل لَهُم نَفسه.
وَكَانَ من أكبر النَّاس تواضعا واحتقارا لنَفسِهِ وخوفا من الله وَكَانَ كثير الدُّعَاء وَالسُّؤَال لله تَعَالَى وَكَانَ يُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود فى الصَّلَاة بِقصد أَن يقْتَدى بِصَلَاة رَسُول الله
وَلَا يقبل من أحد يعدله
ونقلت لَهُ كرامات كَثِيرَة وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن محَاسِن بن عبد الْملك التنوخى كَانَ الشَّيْخ الْعِمَاد جَوْهَرَة الْعَصْر وَذَلِكَ أَن وَاحِدًا يصاحب شخصا مُدَّة رُبمَا تغير عَلَيْهِ وَكَانَ الشَّيْخ الْعِمَاد من صَاحبه لَا يرى مِنْهُ شَيْئا يكرههُ قطّ كلما طَالَتْ صحبته إزداد بشره وَرَأى مِنْهُ مَا يسر وَهَذَا شَيْء عَظِيم وَلَيْسَ يكون كَرَامَة أعظم من هَذَا
وَقد روى أَن عَائِشَة بنت خلف بن رَاجِح قَالَت رَأَيْت فى الْمَنَام قَائِلا يَقُول قُولُوا للعماد يَدْعُو لكم فَإِنَّهُ من السَّبْعَة الَّتِي تقوم بهم الأَرْض
وَقَالَ أبي شامة هُوَ الَّذِي سنّ الْجَمَاعَة فى الصَّلَوَات المقضية وَكَانَ يصلى بِالْجَمَاعَة بحلقتهم بَين الْمغرب وَالْعشَاء مَا قدره الله تَعَالَى وبقى ذَلِك بعده مُدَّة
وَحكى عَنهُ أَنه لما جَاءَهُ الْمَوْت جعل يَقُول يَا حى يَا قيوم بِرَحْمَتك استغيث فأغثنى واستقبل الْقبْلَة وَتشهد وَمَات
قَالَ الْحَافِظ الضياء تِلْمِيذه توفى لَيْلَة الْخَمِيس سادس عشر ذى الْقعدَة سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة وَصلى عَلَيْهِ غير مرّة
قَالَ سبط ابْن الجوزى غسل وَقت السحر وأخرجت جنَازَته إِلَى جَامع دمشق فَمَا وسع النَّاس الْجَامِع وَصلى عَلَيْهِ الْمُوفق بِحَلقَة الْحَنَابِلَة بعد جهد جهيد وَكَانَ يَوْمًا لم ير فى الْإِسْلَام مثله
كَانَ أول النَّاس عِنْد مغارة الدَّم وَرَأس الْجَبَل واخرهم بِبَاب الفراديس وَلَوْلَا المبارز الْمُعْتَمد وَأَصْحَابه لقطعوا أَكْفَانه وَمَا وصل إِلَى الْجَبَل إِلَّا اخر النَّهَار قَالَ فتأملت النَّاس من أَعلَى قاسيون إِلَى الْكَهْف إِلَى قريب الميطور لَو رمى الْإِنْسَان عَلَيْهِم إبرة لما ضَاعَت فَلَمَّا كَانَ فى اللَّيْل نمت وَأَنا متفكر فى جنَازَته وَذكرت أَبْيَات سُفْيَان الثورى الَّتِى أنشدها فى الْمَنَام
(نظرت إِلَى ربى كفاحا فَقَالَ لى ... هَنِيئًا رضائى عَنْك يَا ابْن سعيد)
(فقد كنت قواما إِذا أقبل الدجى ... بعبرة مشتاق وقلب عميد)
(فدونك فاختر أى قصر أردته ... وزرنى فإنى مِنْك غير بعيد)
وَقلت أَرْجُو أَن الْعِمَاد يرى ربه كَمَا رَآهُ سُفْيَان عِنْد نزُول حفرته
ونمت فَرَأَيْت الْعِمَاد فى النّوم وَعَلِيهِ حلَّة خضراء وَهُوَ فى مَكَان متسع كَأَنَّهُ رَوْضَة وَهُوَ يرقى فى درج مُرْتَفعَة فَقلت يَا عماد الدّين كَيفَ بت فإنى وَالله متفكر فِيك فَنظر إِلَى وَتَبَسم على عَادَته وَقَالَ
(رَأَيْت إلهى حِين أنزلت حفرتى ... وَفَارَقت أصحابى وأهلى وجيرتى)
(فَقَالَ جزيت الْخَيْر عَنى فإننى ... رضيت فها عفوى لديك ورحمتى)
(دأبت زَمَانا تَأمل الْفَوْز والرضى ... فوقيت نيرانى وَلَقِيت جنتى)
قَالَ فانتبهت مَرْعُوبًا وكتبت الأبيات
وَقد سمع مِنْهُ جمَاعَة من الْحفاظ كالضياء والمنذرى
وروى عَنهُ ابْن خَلِيل وَابْن البخارى
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.