عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي التميمي الموصلي أبي سعد شرف الدين

ابن أبي عصرون ابن أبي السري

تاريخ الولادة493 هـ
تاريخ الوفاة585 هـ
العمر92 سنة
مكان الولادةالموصل - العراق
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • الموصل - العراق
  • بغداد - العراق
  • سنجار - العراق
  • واسط - العراق
  • حران - تركيا
  • حلب - سوريا
  • دمشق - سوريا

نبذة

عبد الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن عَليّ بن المطهر بن أبي عصرون ابْن أبي السّري. القَاضِي الإِمَام أَبُو سعد التَّمِيمِي الْموصِلِي قَاضِي الْقُضَاة الشَّيْخ شرف الدّين نزيل دمشق وقاضي الْقُضَاة بهَا وعالمها ورئيسها مولده فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة.

الترجمة

عبد الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن عَليّ بن المطهر بن أبي عصرون ابْن أبي السّري
القَاضِي الإِمَام أَبُو سعد التَّمِيمِي الْموصِلِي قَاضِي الْقُضَاة الشَّيْخ شرف الدّين
نزيل دمشق وقاضي الْقُضَاة بهَا وعالمها ورئيسها
مولده فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
تفقه أَولا على القَاضِي المرتضى ابْن الشهرزوري وَأبي عبد الله الْحُسَيْن بن خَمِيس الْموصِلِي وتلقن على الْمُسلم السرُوجِي
وَقَرَأَ بِبَغْدَاد بالسبع على أبي عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد البارع وبالعشر على أبي بكر المزرقي ودعوان وسبط الْخياط
وَتوجه إِلَى وَاسِط فتفقه بهَا على القَاضِي أبي عَليّ الفارقي ولازمه وَعرف بِهِ وعلق بِبَغْدَاد عَن أسعد الميهني وَأخذ الْأُصُول عَن أبي الْفَتْح بن برهَان وَسمع من أبي الْقَاسِم ابْن الْحصين وَأبي البركات ابْن البُخَارِيّ وَإِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن وَسمع قَدِيما فِي سنة ثَمَان وَخَمْسمِائة من أبي الْحسن بن طوق
روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن صصري وَأَبُو نصر ابْن الشِّيرَازِيّ وَأَبُو مُحَمَّد بن قدامَة وَخلق آخِرهم موتا الْعِمَاد أَبُو بكر عبد الله بن النّحاس وَعَاد من بَغْدَاد إِلَى بَلَده الْموصل بِعلم كثير فدرس بالموصل سنة ثَلَاث وَعشْرين وَخَمْسمِائة ثمَّ أَقَامَ بسنجار مُدَّة وَدخل حلب فِي سنة خمس وَأَرْبَعين ودرس بهَا وَأَقْبل عَلَيْهِ صَاحبهَا إِذْ ذَاك الْملك نور الدّين الشَّهِيد فَلَمَّا انْتقل إِلَى دمشق سنة تسع وَأَرْبَعين استصحبه مَعَه ودرس بالغزالية وَولى نظر الْأَوْقَاف ثمَّ ارتحل إِلَى حلب ثمَّ ولى قَضَاء سنجار وحران وديار ربيعَة وتفقه عَلَيْهِ هُنَاكَ خلائق ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فِي سنة سبعين فولى بهَا الْقَضَاء سنة ثَلَاث وَسبعين وعظمت رياسته ومكانته ونفذت كَلمته وَألقى بهَا عَصا السّفر وَاسْتقر مستوطنا
وَكَانَ من أَعْيَان الْأمة وأعلامها عَارِفًا بِالْمذهبِ وَالْأُصُول وَالْخلاف مشارا إِلَيْهِ فِي تحقيقات الْفِقْه دينا خيرا متواضعا سعيد الطلعة مَيْمُون النقيبة مَلأ الْبِلَاد تصانيف وتلامذة وَعنهُ أَخذ الْفِقْه شيخ الْإِسْلَام فَخر الدّين ابْن عَسَاكِر وَغَيره وَبنى لَهُ الْملك نور الدّين الْمدَارِس بحلب وحماة وحمص وبعلبك وَبنى هُوَ لنَفسِهِ مدرستين بِدِمَشْق وبحلب
وَمن تصانيفه صفوة الْمَذْهَب على نِهَايَة الْمطلب فِي سبع مجلدات وَكتاب الِانْتِصَار فِي أَربع مجلدات وَكتاب المرشد فِي مجلدين وَكتاب الذريعة فِي معرفَة الشَّرِيعَة وَكتاب التَّيْسِير فِي الْخلاف وَكتاب مَأْخَذ النّظر ومختصر فِي الْفَرَائِض وَله كتاب الْإِرْشَاد فِي نصْرَة الْمَذْهَب لم يكمله وَذهب فِيمَا نهب لَهُ بحلب وَله أَيْضا فَوَائِد الْمَذْهَب والتنبيه فِي معرفَة الْأَحْكَام وَكتاب الْمُوَافق والمخالف مذعنا لدينِهِ وورعه وسعة علمه وَكَثْرَة رياسته وسؤدده
قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَقد سُئِلَ عَنهُ الشَّيْخ الْمُوفق فَقَالَ كَانَ إِمَام أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي عصره وَكَانَ يذكر الدَّرْس فِي زَاوِيَة الدولعي وَيُصلي صَلَاة حَسَنَة وَيتم الرُّكُوع وَالسُّجُود ثمَّ تولى الْقَضَاء فِي آخر عمره وَعمي وَسَمعنَا درسه مَعَ أخي أبي عمر وانقطعنا عَنهُ فَسمِعت أخي يَقُول دخلت عَلَيْهِ بعد انقطاعنا فَقَالَ لم انقطعتم عني فَقلت إِن أُنَاسًا يَقُولُونَ إِنَّك أشعري فَقَالَ وَالله مَا أَنا بأشعري هَذَا معنى الْحِكَايَة
انْتهى كَلَام الذَّهَبِيّ نقلته من خطه وأخشى أَن تكون الْحِكَايَة مَوْضُوعَة للْقطع بِأَن ابْن أبي عصرون أشعري العقيدة وَغَلَبَة الظَّن بِأَن أَبَا عمر لَا يجتريء أَن يذكر هَذَا القَوْل وَلَا أحد يتجرأ فِي ذَلِك الزَّمَان على إِنْكَار مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ لِأَنَّهُ جادة الطَّرِيق وَلَا أَظن أَن ابْن أبي عصرون يفتخر إِذْ ذَاك بهما ويعاتبهما على الِانْقِطَاع وَلَيْسَ فِي الْحِكَايَة من قَوْله فَسمِعت أخي إِلَى آخرهَا مَا يقرب عِنْدِي صِحَّته غير أَنَّهُمَا انقطعا عَنهُ لكَونه مُخَالفا لَهما فِي العقيدة وَالله يعلم سَبَب الِانْقِطَاع
وَكَانَ الْمُوفق وَأَبُو عمر من أهل الْعلم وَالدّين لَا ننكر ذَلِك وَلَا ندفعه وَإِنَّمَا ننكر وندفع من شَيخنَا تعرضه كل وَقت لذكر العقائد وفتحه لأبواب مقفلة وَكَلَامه فِيمَا لَا يدريه وَكَانَ السُّكُوت عَن مثل هَذَا خيرا لَهُ فِي قَبره وآخرته وَلَكِن إِذا أَرَادَ الله أمرا بلغه
وَيُقَال إِن القَاضِي ابْن أبي عصرون لما عمي اسْتمرّ على الْقَضَاء وصنف فِي جَوَاز قَضَاء الْأَعْمَى
وَمن شعره
(أومل أَن أَحْيَا وَفِي كل سَاعَة ... تمر بِي الْمَوْتَى تهز نعوشها)
(وَمَا أَنا إِلَّا مِنْهُم غير أَن لي ... بقايا لَيَال فِي الزَّمَان أعيشها)
وَمن شعره
(كل جمع إِلَى الشتات يصير ... أَي صفو مَا شانه تكدير)
(أَنْت فِي اللَّهْو والأماني مُقيم ... والمنايا فِي كل وَقت تسير)
(وَالَّذِي غره بُلُوغ الْأَمَانِي ... بسراب وخلب مغرور)
(ويك يَا نفس أخلصي إِن رَبِّي ... بِالَّذِي أخفت الصُّدُور بَصِير)
ذكر فَوَائِد ومسائل عَن ابْن أبي عصرون
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب نقل الْجُوَيْنِيّ فِي الفروق نَص الشَّافِعِي على أَن الْجَمَاعَة إِذا اغتسلوا فِي قُلَّتَيْنِ لَا يصير مُسْتَعْملا وَصرح بِهِ خلائق وَإِنَّمَا نبهت عَلَيْهِ لِأَن فِي الِانْتِصَار لِابْنِ أبي عصرون أَنه لَو اغْتسل جمَاعَة فِي مَاء لَو فرق على قدر كفايتهم استوعبوه أَو ظهر تغيره لَو خَالفه صَار مُسْتَعْملا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا شَاذ مُنكر وَنَحْوه نقل صَاحب الْبَيَان عَن الشَّامِل أَنه لَو انغمس جنب فِي قُلَّتَيْنِ أَو أَدخل يَده فِيهِ بنية غسل الْجَنَابَة فَفِيهِ وَجْهَان وَهَذَا غلط من صَاحب الْبَيَان وَلم يذكر صَاحب الشَّامِل هَذَا وَإِنَّمَا فِي عِبَارَته بعض الخفاء فأوقع صَاحب الْبَيَان
ثمَّ بَين النَّوَوِيّ رَحمَه الله الْحَامِل لصَاحب الْبَيَان على الْغَلَط وَلم يزدْ ابْن الرّفْعَة على أَن نصر مقَالَة ابْن أبي عصرون بالبحث لَا بِالنَّقْلِ فِي حَالَة انغماسهم دفْعَة وَاحِدَة بنيه رفع الْجَنَابَة قَالَ لأَنا نقدر أَن مالاقي كل وَاحِد مِنْهُم من المَاء كالمنفصل عَن بَاقِيه الَّذِي لَاقَى غَيره على القَوْل الْأَصَح فِيمَا إِذا انغمسوا دفْعَة وَاحِدَة فِي المَاء الْقَلِيل فَلذَلِك جعل مُسْتَعْملا حَتَّى لَا يحصل بِهِ تَطْهِير بَاقِي بدن كل مِنْهُم وَإِن كَانَ الْوَاحِد يطهر جَمِيع بدنه وَإِذا كَانَ كَذَلِك اتجه القَوْل بِمثلِهِ فِي الْقلَّتَيْنِ فَيكون الصَّحِيح أَنه لَا يطهر بَاقِي أبدانهم وَيَأْتِي فِيهِ وَجه مستمد من تَقْدِير عدم الِانْفِصَال وتنزيله منزلَة الِاتِّصَال
قلت والبحث جيد وَرَأَيْت الْجُوَيْنِيّ نَفسه فِي كِتَابه التَّبْصِرَة قَالَ فِيمَا إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ وَالِاحْتِيَاط أَن تغترف مِنْهُ فَيحصل لَك الْغسْل بِالْإِجْمَاع فَإِن انغمست فِيهِ فَفِي صِحَة الْغسْل خلاف بَين مَشَايِخنَا هَذَا كَلَامه وَفِيه تأييد لِابْنِ أبي عصرون وَابْن أبي عصرون إِنَّمَا تلقى مَا ذكره من شَيْخه القَاضِي أبي عَليّ الفارقي فَإِنَّهُ جزم بِهَذَا الشاذ الْمُنكر وَلَعَلَّ أَصله مَا وَقع فِي كتاب التَّبْصِرَة
ذهب أَبُو إِسْحَاق إِلَى حل وَطْء الرَّاهِن لِلْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَة إِذا كَانَت مِمَّن لَا تحبل وَخَالفهُ ابْن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ الْمُصَحح فِي الْمَذْهَب وَقيد ابْن أبي عصرون مَحل الْخلاف بِمن لَهَا تسع سِنِين فَمَا زَاد أما من دونهَا قَالَ فَيجوز وَطْؤُهَا إِذا لم يضر بهَا قطعا
قَالَ الْوَالِد فِي تَكْمِلَة شرح الْمُهَذّب وَهُوَ فقه من عِنْد نَفسه وَلَيْسَ نقلا قَالَ وَهُوَ جيد
قلت أما إِنَّه تفقه وَلَيْسَ مَنْقُولًا فَالْأَمْر كَذَلِك فقد تصفحت كتب الْمَذْهَب فَلم أر من قيد الْخلاف بل كلهم مُصَرح حَتَّى الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي تعليقته فِي بَابي الرَّهْن والاستبراء صرح بِأَنَّهُ لافرق بَين من لَا تحبل لصِغَر أَو إِيَاس أَو غير ذَلِك وَإِنَّمَا نصصت على الشَّيْخ أبي حَامِد لِأَن بعض النَّاس قَالَ إِنَّه وجد فِي بَاب الِاسْتِبْرَاء من تعليقته مَا نَصه إِن الِاسْتِمْتَاع بالمرهونة حَلَال لِأَن لَهُ أَن يقبلهَا أَو يلمسها بِشَهْوَة حَتَّى قَالَ أَصْحَابنَا إِن كَانَ صَغِيرَة لَا يحمل مثلهَا فَلهُ أَن يَطَأهَا
انْتهى
فَكشفت تَعْلِيقه الشَّيْخ أبي حَامِد من خزانَة الناصرية بِدِمَشْق وَمن نسخه الشَّيْخ فَخر الدّين الْمصْرِيّ وَكِلَاهُمَا قديم فَلم أجد فِي بَاب الِاسْتِبْرَاء من نُسْخَة الناصرية إِلَّا مَا نَصه أَلا ترى أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِن الْمَرْهُونَة إِذا كَانَت مِمَّن لَا تحبل صَغِيرَة أَو كَبِيرَة جَازَ للرَّاهِن وَطْؤُهَا انْتهى
وَكَذَا فِي نُسْخَة الْفَخر الْمصْرِيّ سَوَاء بِسَوَاء وَهِي نُسْخَة قديمَة فِي بعض مجلداتها تعليقة الْبَنْدَنِيجِيّ عَن الشَّيْخ أبي حَامِد وَبَعضهَا بِخَط سليم
وَمرَاده قَول أبي إِسْحَاق قطعا بل الَّذِي فِي تعليقة الشَّيْخ أبي حَامِد فِي بَاب الرَّهْن أَنه وضع الْوَجْهَيْنِ فِي الِاسْتِخْدَام فَقَالَ فِي وَجه لَا يستخدمها مَخَافَة أَن يطَأ وَفِي وَجه يستخدمها وَلَا يضر الْوَطْء إِذا بعد حبلها وَلم يقل إِذا تعذر هَذَا مَا فِيهِ مُلَخصا
اخْتِلَاف حرفي الإِمَام وَالْمَأْمُوم قَالَ فِي الِانْتِصَار وَلَا تبطل الصَّلَاة باخْتلَاف حرفي الإِمَام وَالْمَأْمُوم على أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَن الْجَمِيع قُرْآن انْتهى
وَهُوَ كَلَام مظلم لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ فَلَا يَقُول أحد من الْمُسلمين فِيمَا أَحسب بِاشْتِرَاط توَافق حرفي الإِمَام وَالْمَأْمُوم بل إِذا كَانَ كل حرف مِنْهُمَا متواترا بالقراءات الْعشْر صَحَّ اقْتِدَاء أَحدهمَا بِالْآخرِ إِجْمَاعًا فِيمَا لَا أَشك فِيهِ فَلَعَلَّ مَحل الْوَجْهَيْنِ إِن صَحَّ لَهما وجود فِيمَا إِذا كَانَ كل وَاحِد لَا يرى الْقِرَاءَة بِحرف الآخر أَو قَرَأَ أَحدهمَا بالشاذ المغير للمعنى وَمَسْأَلَة الشاذ مَعْرُوفَة
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ البَارِعُ، المُقْرِئُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، قَاضِي القُضَاةِ، شَرَفُ الدِّيْنِ، عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ محمد بن هبة الله ابن المُطَهِّرِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ بنِ أبي السري التَّمِيْمِيُّ الحَدِيْثِيُّ الأَصْل، المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ اثنتين وتسعين وأربع مائة.
وَتَفَقَّهَ عَلَى المُرْتَضَى الشَّهْرُزُوْرِيّ وَالِد القَاضِي كَمَال الدِّيْنِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن خَمِيْس المَوْصِلِيّ، وَتلقن عَلَى المُسَلَّمِ السَّرُوْجِيِّ.
وَتَلاَ بِالسَّبْع عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ البارع، وبالعشر على أبي بكر المزرفي، وَدعوَان بن عَلِيٍّ، وَسِبْط الخَيَّاط.
وَتَفَقَّهَ بِوَاسِط مُدَّة عَلَى القَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ، وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى أَبِي العِزِّ القَلاَنسِيّ، قَالَهُ ابْنُ النَّجَّارِ.
وَعلّق بِبَغْدَادَ عَنْ أَسْعَد المِيْهَنِيّ، وَأَخَذَ الأُصُوْل عَنْ أَبِي الفَتْحِ أَحْمَد بن بَرْهَان، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي البَرَكَات ابْن البُخَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ، وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ طَوْقٍ، وَحصّل عِلْماً جَمّاً.
وَرجع إِلَى بَلَده، فَدرّس بِالمَوْصِل فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ثُمَّ سَكَنَ سِنْجَار مُدَّة، وَقَدِمَ حلب سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ فَدرّس بِهَا، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ صَاحِبهَا نُوْر الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن زَنْكِي، ثُمَّ قَدِمَ مَعَهُ دِمَشْق إِذْ تَملّكهَا، وَدرّس بِالغزَالية، وَوَلِيَ نَظَرَ الأَوقَاف، ثُمَّ رَجَعَ إلى حلب، ثم ولي قَضَاء حرَّان وَسِنْجَار وَديَار رَبِيْعَة، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَئِمَّة، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ سَنَة سَبْعِيْنَ، ثُمَّ وَلِي قَضَاءهَا سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَأَقرَأَ القِرَاءات وَالفِقْه، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ، وَعظم قدره.
أَلّف كِتَاب "صفوَة المَذْهَب فِي نِهَايَة الْمطلب" وَهُوَ سَبْع مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَاب "الانْتِصَار" فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَاب "الْمُرشد" فِي مُجَلَّدين، وَكِتَاب "الذّرِيعَة فِي مَعْرِفَةِ الشّرِيعَة"، وَكِتَاب "التَّيْسِيْر فِي الخلاَف" أَرْبَعَة أَجزَاء، وَكِتَاب "مَآخِذ النَّظَر"، وَكِتَاب "الفَرَائِض"، وَكِتَاب "الإِرشَاد" فِي نُصْرَة المَذْهَب، وَمَا كَمُلَ.
وَبَنَى لَهُ نُوْر الدِّيْنِ مدَارس بِحَلَبَ وَحَمَاة وَحِمْص وَبَعْلَبَكَّ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ مَدْرَسَة بِحَلَبَ وَمَدْرَسَة بِدِمَشْقَ، وَقَبْره بِهَا.
مِنْ تآلِيفه: كِتَاب "التَّنْبِيه فِي مَعْرِفَةِ الأَحكَام"، وَكِتَاب "فَوَائِد المُهَذَّب" مُجَلَّدَان، وَصَنَّفَ جُزْءاً فِي صِحَّة قَضَاء الأَعْمَى لَمَّا أَضر، وَهُوَ خِلاَف المَذْهَب، وَفِي ذَلِكَ وَجه قوِيّ.
وَلَمَّا وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْق، نَاب عَنْهُ القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّد ابْنُ الزَّكِيِّ، وَأَوْحَد الدِّيْنِ دَاوُد، وَكُتِبَ لَهُمَا تَقليد مِنَ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ بِالنِيَابَة، وَلَمَّا فَقَد بَصَره، قلّد السُّلْطَان القَضَاء وَلده مُحْيِي الدِّيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعزل الوَالِد، وَاسْتقلَّ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُه إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ، ثُمَّ صُرف بمحيي الدين ابن الزكي.
حَدَّثَ عَنْ أَبِي سَعْدٍ جَمَاعَة، مِنْهُم: الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ صَصْرَى، وَالقَاضِي أَبُو نَصْرٍ بنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَعَبْد اللطيف ابن سِيَّمَا، وَمَحْمُوْد بن عَلِيِّ بنِ قَرقِين، وَصدّيق بن رَمَضَان، وَالعِمَاد أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ النَّحَّاسِ، وَالإِمَام بَهَاء الدِّيْنِ ابْن الجُمَّيْزِيّ.
وَلأَبِي سَعْدٍ نَظم جَيِّد، مِنْهُ:
أَمُسْتَخْبِرِي عَنْ حَنِينِي إِلَيْهِ ... وَعَنْ زَفَرَاتِي وَفرْطِ اشتيَاقِي
لَكَ الخَيْرُ إِنَّ بِقَلْبِي إِلَيْك ... ظَماً لاَ يُرَوِّيْهِ إلَّا التَّلاَقِي
وَلَهُ:
يَا سَائِلِي كَيْفَ حَالِي بَعْد فُرْقَته ... حَاشَاكَ مِمَّا بِقَلْبِي مِنْ تَنَائِيكَا
قَدْ أَقسَمَ الدَّمعُ لاَ يَجفو الجُفُوْنَ أَسَىً ... وَالنومُ لاَ زَارهَا حَتَّى أُلاقيكا
وَقَرَأْت بِخَطِّ الشَّيْخ المُوَفَّق، قَالَ: سَمِعْنَا درْسَه مَعَ أَخِي أَبِي عُمَرَ وَانقطعنَا، فَسَمِعْتُ أَخِي يَقُوْلُ: دَخَلت عَلَيْهِ بَعْد، فَقَالَ: لِمَ انْقَطَعتم عَنِّي? قُلْتُ: إِنَّ نَاساً يَقُوْلُوْنَ: إِنَّك أَشعرِيّ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَنَا أَشعرِيّ. هَذَا مَعْنَى الحِكَايَة.
وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالعَشْرِ ابْن الجُمَّيْزِيّ.
تُوُفِّيَ فِي حَادِي عَشَر رَمَضَان سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

عبد الله بن محمد بن هبة الله التميمي، شرف الدين أبو سعد، ابن أبي عصرون:
فقيه شافعيّ، من أعيانهم. ولد بالموصل. وانتقل إلى بغداد. واستقر في دمشق، فتولى بها القضاء سنة 573 هـ
وعمي قبل موته بعشر سنين. وإليه تنسب المدرسة " العصرونية " في دمشق.
من كتبه " صفوة المذهب، على نهاية المطلب " سبع مجلدات، و " الانتصار لما جرد في المذهب من الأخبار والاختيار - خ " أربعة أجزاء، مصور في دار الكتب، ومنه المجلد الأول في استمبول باسم " الانتصار لما جرد في المذهب من أخبار " و " المرشد " مجلدان، و " الذريعة، في معرفة الشريعة " و " التيسير " في الخلاف  .
-الاعلام للزركلي-

 

 

عبد الله بن مُحَمَّد [493 - 585] )
ابْن هبة الله بن عَليّ بن المطهر ابْن أبي عصرون، أَبُو سعد التَّمِيمِي الْموصِلِي نزيل دمشق.
كَانَ من أفقه أهل عصره، وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَام.
تفقه على أبي مُحَمَّد عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري، وَالْقَاضِي أبي عَليّ الْحسن بن إِبْرَاهِيم الفارقي، وَغَيرهمَا.
وَقَرَأَ الْأُصُول على أبي الْفَتْح ابْن برهَان.
وصنف كتبا فِي مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله، وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِدِمَشْق زَمَانا إِلَى أَن كف بَصَره، فَتَركه واشتغل بالتدريس وإفادة الْعلم، وانتفع بِهِ النَّاس.
وتفقه عَلَيْهِ خلق كثير.
وَكَانَ مولده فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مئة.
وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة.
وَله تصانيف عديدة، مِنْهَا: " صفوة الْمَذْهَب فِي تَهْذِيب نِهَايَة الْمطلب " فِي نَحْو ثَمَانِي مجلدات، وقفت على شَيْء مِنْهُ، فَوَجَدته قد استدرك على الإِمَام أَشْيَاء لم ارتض مَا وَقع لَهُ فِيهَا؛ مِنْهَا: قَول الإِمَام فِي الْمُشرك إِذا أسلم على أَربع فَحسب ثَبت نِكَاحهنَّ، وَلَا مساغ للتَّخْيِير، لِأَن إمْسَاك الْعدَد الْمَشْرُوع وَاجِب.
استدرك هَذَا أَبُو سعد ذَاكِرًا أَنه مُخَالف لأصولنا، وَأَنه لَا يجب عَلَيْهِ اسْتِدَامَة نِكَاحهنَّ، وَله طلاقهن كَمَا لَو تزوجهن فِي الْإِسْلَام، وَلم يرد الإِمَام بِوُجُوب الْإِمْسَاك مَا توهمه من وجوب اسْتِدَامَة النِّكَاح، إِنَّمَا مُرَاده بالإمساك مَا هُوَ المُرَاد مِنْهُ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أمسك أَرْبعا "، أَي: لَا فسخ لَك، ونكاحهن ثَابت متقرر، فَالْمَعْنى إِذا نفي الْفَسْخ الْوَاقِع للْعقد، لَا نفي الطَّلَاق، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرَفْع للْعقد، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون بعد عقد مُقَرر، فَكيف يرفعهُ، وَإِنَّمَا أَثَره قطع العقد، وَهُوَ ملك الْبضْع، كالتحرير فِي الرَّقِيق لَيْسَ رفعا للْعقد بل قطعا لأثره وَمُقْتَضَاهُ.
واستدرك الْفرق بَين الْإِيلَاء وَالظِّهَار وَالطَّلَاق فِيمَا إِذا أسلم على نسْوَة فآلى مِنْهُنَّ، أَو ظَاهر، أَو طلق؛ فِي أَن الْإِيلَاء وَالظِّهَار لَا يجعلان اخْتِيَار الْيَمين، وَالطَّلَاق يَجْعَل اخْتِيَارا، لِأَن الْإِيلَاء يَمِين على الِامْتِنَاع عَن الْوَطْء، وَذَلِكَ يلائم الْأَجْنَبِيَّة، بِخِلَاف الطَّلَاق فَإِنَّهُ حل بعد سوء، فَقَالَ: لَا فرق وَقرن بِأَن الْإِيلَاء يَمِين على الِامْتِنَاع من وَطْء الزَّوْجَة خَاصَّة، فَإِن يَمِينه على الِامْتِنَاع من وَطْء الْأَجْنَبِيَّة لَا يثبت لَهُ أَحْكَام الْإِيلَاء، وَكَذَلِكَ الظِّهَار يخْتَص بِالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ تَحْرِيم، والأجنبية مُحرمَة من غير ظِهَار، وَالْمحرم لَا يحرم، فَيَنْبَغِي أَن يسوى بَينهمَا، وَيُقَال: إِن قصد بِالطَّلَاق أَو الْإِيلَاء أَو الظِّهَار مَعْنَاهُ فِي النِّكَاح كَانَ اخْتِيَارا فِي الْجَمِيع، وَإِن لم يقْصد بهَا ذَلِك لم يكن اخْتِيَارا فِي الْجَمِيع، وَهَذَا لِأَن الطَّلَاق قد يسْتَعْمل فِي غير قيد النِّكَاح.
قلت: لَا اخْتِصَاص لهَذَا الِاسْتِدْرَاك بِالْإِمَامِ أبي الْمَعَالِي، بل هُوَ مُسْتَدْرك على " الْمُهَذّب "، فَإِن الْفرق هُوَ الْمَنْقُول أَيْضا فِي " الْمُهَذّب " وَغَيره، وَهُوَ اسْتِدْرَاك مضمحل، لِأَن نفس الْإِيلَاء لَا يخْتَص بالمنكوحة لَا وضعا وَلَا عرفا، لِأَنَّهُ قَول الْقَائِل: وَالله لَا أطؤك. وَلَا اخْتِصَاص لهَذَا بالمنكوحة فِي وَضعه، وَلَا عرف غَيره عَن أَصله وَأسْقط الْأَحْكَام. والأجنبية لَا تبقى على انْتِفَاء الْإِيلَاء، لِأَنَّهَا لَيست أَحْكَام نفس الْإِيلَاء، بل أَحْكَام الْإِيلَاء فِي النِّكَاح، فانتفاؤها لانْتِفَاء هَذَا الْخُصُوص لَا انْتِفَاء نَفسه.
وَكَذَا قَوْله: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي يَنْتَظِم وضعا وَعرفا مُخَاطبَة الْأَجْنَبِيَّة بِهِ، وَقَوله: إِنَّه تَحْرِيم، والأجنبية مُحرمَة؛ لَيْسَ بإنصاف، لِأَنَّهُ مُبَالغَة فِي التَّحْرِيم زَائِدَة على تَحْرِيم الْأَجْنَبِيَّة الْحَاصِل، وَلَيْسَ كَذَلِك الطَّلَاق، فَإِنَّهُ عرفا مَخْصُوص بِإِزَالَة قيد النِّكَاح، وَإِن كَانَ يسْتَعْمل فِي غَيره، وَلَكِن على خلاف الظَّاهِر وَالْعرْف، وَالله أعلم.
وَقَالَ فِي قَوْله: يثبت للسُّلْطَان حق الْإِجْبَار فِي الْمَجْنُونَة الْبَالِغَة، لَا يَصح بِصِحَّة تَزْوِيجهَا إجبارا، لِأَن الْأَحْبَار لمن يكون لَهُ اخْتِيَار.
وَقَالَ الإِمَام رَحمَه الله: مَا شاع وَلم يجر لَهُ ذكر فِي الشَّرْع فَفِي إِلْحَاقه بالصرائح وَجْهَان، كَقَوْل الزَّوْج: أَنْت عَليّ حرَام.
قَالَ أَبُو سعيد: وَالْعجب من إِنْكَار وُرُود الشَّرْع بِالتَّحْرِيمِ، وَقد قَالَ سُبْحَانَهُ: {لم تحرم مَا أحل الله لَك} [التَّحْرِيم: 1] .
قلت: بل الْعجب مِنْهُ كَيفَ يغْفل عَن الْمَقَاصِد، إِنَّمَا أَرَادَ وُرُود الشَّرْع فِي التَّحْرِيم بِمَعْنى الطَّلَاق كَمَا هُوَ شَائِع فِي أَلْسِنَة الْعَامَّة، وَالْآيَة لم ترد فِي هَذَا الْمَعْنى، بل فِي تَحْرِيم الْعين، وَالله أعلم
-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

 

عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن المطهر بن أبي عصرون – ولد في ربيع الأول سنة: 493 ه ، ت في رمضان سنة: 585 ه - من شيوخه: القاضي المرتضى ابن الشهرزوري ، أبي علي الفارقي – من تلاميذه: أبي القاسم بن صصري ، فخر الدين ابن عساكر – من مصنفاته: المرشد ، والانتصار –طبقات الشافعية الكبرى – 7 / 132 ، 133 .  طبقات الشافعيين – 718 .

 

 

له ترجمة في كتاب التأويلات النجمية.