زيد بن عبد الله بن جَعْفَر بن إِبْرَاهِيم اليفاعي شيخ صَاحب الْبَيَان وَقد ذكره فِي أَوَائِل بَاب الْهِبَة وَأَصله من المعافر ثمَّ سكن الْجند
تخرج فِي الْفَرَائِض والحساب بصهره إِسْحَاق الصردفي ثمَّ بِأبي بكر بن جَعْفَر فِي الْفِقْه ثمَّ ارتحل إِلَى مَكَّة فلقي بهَا الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ صَاحب الْعدة وَأَبا نصر الْبَنْدَنِيجِيّ صَاحب الْمُعْتَمد فَقَرَأَ عَلَيْهِمَا ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن ودرس فِي حَيَاة شَيْخه أبي بكر بالجند فَاجْتمع عَلَيْهِ بهَا أَكثر من مِائَتي طَالب فَخرج هُوَ وَأَصْحَابه لدفن ميت عَلَيْهِم الثِّيَاب الْبيض فَرَآهُمْ الْمفضل بن أبي البركات بن الْوَلِيد الْحِمْيَرِي من فَوق سطح لَهُ فخشي مِنْهُم وَذكر خُرُوج الْفَقِيه عبد الله بن عمر المصوع على المكرم وَقَتله لِأَخِيهِ خَالِد بن أبي البركات مَعَ مَا فِي بَاطِنه من الْعَدَاوَة للسّنة فكادهم بِأَن عزل قَاضِي الْجند فتحزبوا حزبين الْفَقِيه زيد وَالْقَاضِي الْمَعْزُول مُسلم بن أبي بكر بن أَحْمد
ابْن عبد الله الصعبي ووالداه مُحَمَّد وأسعد وَإِمَام الْمَسْجِد حسان بن أَحْمد بن عمر حزب فَصَارَ يُولى أحد الحزبين شهرا ويعزله بِالْآخرِ وحصلت الْفِتْنَة بَين الفقيهين فَخرج زيد اليفاعي إِلَى مَكَّة وجاور بهَا اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَله نَفَقَة تَأتيه من أطيان لَهُ بِالْيمن فاتجر وَحصل مَالا كثيرا بالمقارضة حَتَّى كَانَ لَهُ بضعَة عشر مقارضا
وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْفَتْوَى بِمَكَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَقيل ثَلَاث عشرَة وَقد مَاتَ الْمفضل فعلا شَأْنه وارتحل إِلَيْهِ النَّاس فِي طلب الْعلم
وَمَات بالجند سنة أَربع عشرَة وَقيل خمس عشرَة وَخَمْسمِائة
أفادنا هَذِه التَّرْجَمَة عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد المطري نقلا عَن الْحَافِظ قطب الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور الْحلَبِي عَن الشَّيْخ قطب الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الْقُسْطَلَانِيّ فِيمَا علقه من تَارِيخ الْيمن
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي
أستاذ الأستاذين، وشيخ المصنفين، الإمام زيد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم اليفاعي، نفع الله به، تفقه بصهره الشيخ إسحاق بن يوسف بن يعقوب الصَّرْدَفي، فإنه قرأ عليه علم الفرائض والمواريث والحساب فيها، وكان علَّامة في ذلك، ثم بالإمام أبي بكر ابن جعفر، قرأ عليه كتاب «الفروع» لسليم بن أيوب الرازي، وغيره.
ثم ارتحل إلى مكة في المرة الأولى، فأدرك فيها تلميذَي الشيخ الإمام أبي إسحاق الشيرازي مصنف «المهذب» وهما الحسين بن علي الشيباني الطبري، مصنف «العدة» وأبو نصر محمد بن هبة الله بن ثابت البندنيجي مصنف «المعتمد في الخلاف»
فقرأ عليهما جميعاً، وطريقته في «المهذب» وكتاب «التبصرة» في علم الكلام في أصول الدين، إلى أبي نصر البندنيجي.
ثم رجع إلى اليمن، فاجتمع الناس إليه للتدريس، في حياة الإمام أبي بكر بن جعفر، لأنه كان يُقرئ كل واحد طَلَبَ القراءة، ولا يسأل عن نسبه وحسبه ومنصبه، والفقيه أبو بكر لا يُقرئ إلا من له منصب وحسب ونسب، وكان ذلك في دولة الأمير مفضل بن أبي البركات ابن الوليد الحميري، وأصل الفقيه زيد من المعافر، ثم سكن الجَنَد وكانت مدرسته فيها، فاجتمع عنده من الطلبة والأصحاب قريب من مائتي رجل، فخرج يوماً في قُبرانِ ميّتٍ في الجند، فخرج معه أصحابُه وعليهم الثياب البيض، لسنّة المؤمنين والحواريين، من أصحاب عيسى عليه السلام، وكان هذا الأمير على سقف دار الجَنَد، فرأى الفقيه وأصحابه فاستكثرهم، وخاف خروج الرعايا عليه من جهتهم، وذَكَر خروج الفقيه عبد الله بن عمر بن المُصَوّع على المُكَرّم، وقتله لأخيه خالد ابن أبي البركات، مع عداوته لهم بالسمعلة، فأمر خاصته بتفريقهم على وجه اللطف والكيد، فلم يجدوا مكيدة أكثر من العزل لقاضي الجند وإمام مسجدها الوالي لصداقته، فتحزب القوم حزبين، الفقيه الإمام زيد ابن عبد الله اليفاعي، وقاضيه القاضي مسلم بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الله الصَّعْبي، وولداه محمد وأسعد أبنا مسلم بن أبي بكر، وإمام المسجد الشيخ حسَّان ابن محمد بن زيد بن عمر، وأتباع لهم كثير حزب. والفقيه الإمام أبو بكر بن جعفر بن عبد الرحيم المخائي، وقاضيه القاضي محمد بن عبد الله بن إبراهيم اليافعي، وإمام المسجد الشيخ الزاهد يحيى بن عبد العليم، وأتباع لهم حزب.
فلما تكرر من الأمير المفضّل تولية أحد الحزبين شهراً وعزله، وتولية الحزب الثاني في الشهر بعده، وحصلت الفتن بين الإمامين والمدرسين، تشتّت أتباعهما لذلك. ثم هاجر الإمام زيد اليفاعي إلى مكة، وجاور فيها إثنتى عشرة سنة.
وكان خفيف المؤنة زاهداً متورعاً، وكان له أطيان في اليمن، تأتيه ثمارها متوفرة المنافع، فيقارض فيما فَضَلَ في يده منها أقواماً من تجّار مكة.
أخبرني شيخي ابن بنته، الفقيه محمد بن عبد الله بن سالم أنه كان يقال: إن مال الفقيه زيد جدّه، قد بلغ في التجارة أربعةَ عشرَ ألف مثقال، وكان له بضعة عشر مُقارضاً، مع كل واحد ألف مثقال، منهم من يسافر إلى عدن، ومنهم من يسافر إلى زبيد، ومنهم من يسافر إلى مصر، ومنهم من يسافر إلى العراق، فتوفرت لديه أموال كثيرة، وكان قد توفي في خلال مجاورته، هذان الفقيهان: الطبري والبندنيجي. فلم يبق من أصحاب الشافعي في الحرم مدرس ولا مُفتٍ أعلى رتبه ولا درجة منه ويقال: إنه كان يحفظ ثلاثمائة مسألة في الخلاف، بأدلتها وعللها عن ظهر غيب، أخبرني بهذا شيخي، زيد بن عبد الله بن أحمد الهمداني.
فجرت فتنة في القضاء والفتوى بين المتقدمين، وبين الفقيه الطبري، القاضي الحسين بن علي، لأهواء سلاطينٍ.
فعاد الفقيه زيد بن عبد الله إلى اليمن، في سنة اثنتى عشرة، وقيل: ثلاث عشرة وخمسمائة بعد هلاك الأمير المفضل بن أبي البركات، وقد مضى تأريخه.
<تتمة>: ولما رجع الفقيه زيد بن عبد الله اليفاعي من مكة إلى الجَنَد، سنة ثنتي عشرة بعد انقضاء المائة الخامسة، وحصول جزء من المائة السادسة، اجتمع عنده في الجَنَد ما يزيد على مائتي رجل، من جلّة الفقهاء، من تهامة وأبين وحضرموت والسَّحول والشام وغير ذلك، فقرأ الإمام يحيى بن أبي الخير عليه «النكت» في الخلاف، تصنيف الشيخ أبي إسحاق الشيرازي مع سماعه «لمنهاج» القاضي أبي الطيب الطبري، بقراءة القاضي أبي بكر بن محمد اليفاعي، والفقيه أبي حامد بن أبي بكر وكانا شريكين في درسه و «لتعليق الخلاف» للشيخ أبي إسحاق، بقراءة الفقيهين الإمامين عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله الهمداني، وعبد الله بن يحيى الصعبي وكانا مشتركين في قراءته، ولغير ذلك من التأليف في الفقه والخلاف، المقروءة على هذا الشيخ زيد بن عبد الله اليفاعي، وكان هذا في دولة السلطان أسعد بن أبي الفتوح بن العلاء بن الوليد الحميري، فعظم حال الفقيه وجَمُل أمره، واجتمع المؤالف والمخالف، على تطييب نفس الفقيه، وكان بعد رجوعه من مكة لا يصلي في الجامع إلا الجمعة في آخر المسجد، والقاضي فيه يومئذ أبو بكر اليافعي وإمامه الشيخ يحيى بن عبد العليم، ومات الفقيه زيد بن عبد الله في الجَنَد في شهر ربيع من سنة أربع عشرة وخمسمائة، وقيل سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وأخبرني الشيخ منصور بن أحمد أبو تراب العَوْدَرِي قال: دخلت الجَنَد إلى الفقيه زيد اليفاعي، أستفتيه عن مسألة في الفرائض، وكان صغير الخَلْق دقيق الجسم، فوجدته يدرس أصحابه في دهليز بيته، فَهِبْتُهُ هيبة عظيمة واستنكرت مقامه، فغلطت في سؤالي، ثم رددت كلامي، فآنَسَني بكلامه، وأجابني عن سؤالي بأحسن جواب رحمه الله.
طبقات فقهاء اليمن، تأليف: عمر بن علي بن سمرة الجعدي ص: 119-120-121-122 والتتمة ص: 152-153