الشيخ الفقيه الفرضي، إسحاق بن يوسف بن يعقوب بن عبد الصمد الصَّرْدَفِيُ
تفقه بجعفر بن عبد الرحيم، وبإسحاق العُشاري، وكان علامة في علم المواريث، والحساب، والفرائض، وكافِيَهُ دالٌ على علمه. ويقال: إن أصله من المعافر، ثم سكن السُّلَفَ في قرية حِكِرْمِدْ، والَّصَّرْدَف وسَيْر، وصنف كتابه «الكافي في الفرائض» بقرية سَيْر، وكان هارباً فيها، فاستغنى بكتابه كافة أهل عصرنا، عن الكتب القديمة في المواريث، وكان له طِينٌ في مَعْبَر والجاهلية، وفي محارث الظفر. وكان فقهاء هذه البلاد قبل تأليفة لكتابه، يتفقهون في الفرائض، بكتاب أبي بقية محمد بن أحمد الفرضي، وبكفاية المبتدئ، لمحمد بن يحيى بن سُراقة العامري، وكان له ابنتان، فتزوج أحدهما، وهي التي اسمها مَلِكَةَ بنت إسحاق، الفقيه الإمام زيد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم اليفاعي فأولدها بنتاً اسمها هِنْدة بنت زيد وهي أم بني محمد بن سالم بن عبد الله الإمام بجامع ذي أشْرَق، وبذلك صارت كتب الفقيه، زيد بن عبد الله اليفاعي بأيديهم، لأنه لم يرثه غير أمهم هذه، وأصله من المعافر، وتزوج الأخرى إمام مسجد الجَنَد في وقته، حسان بن محمد ابن زيد بن عمرو بن جد القاضي زيد بن عبد الله، فاستولد منها أب القاضي زيد، وهو عبد الله بن حسان، وكان ابن خالة بني محمد بن سالم، وصار إليه من كتب الفقيه إسحاق شئ، منها نسختان من الكافي، وكان للصردفي أخت، فتزوجها الفقيه أسعد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم السلالي، ثم الكناني، فأولدها إبنه علياً، فعلَّمه خاله الصردفي القرآن، وحفَّظه إياه، وهو أب الفقيه الفاضل عمر بن علي السلالي. (هكذا أخبرني الفقيه أحمد بن عمر السلالي) عن الفقيه عبد الله بن محمد بن سالم، وكانت مدرسته بجامع الصَّردف. ومات بها.
وقبره هنالك مشهور، يزوره الأخيار والصالحون، وأظن وفاته بعد الخمسمائة أو على رأسها، والله أعلم.
وأخبرني الفقيه الفاضل عبد الله بن محمد بن سالم في منزله بذي أشرق، عن شيوخه عن الشيخ إسحاق الصردفي بثلاثة أشياء، أحدهما: أنه ضرب بميلٍ حديد في الهندي، حتى أفناه (أراد أنه لم يلتزم بين أصابعه بعد).
الثاني: أنه سقط في بئر زمزم في مسجد الجند، فعلم بحاله فنزعه قوم، فلم صار على شفيرها، انقطع الحبل فعاد فيها.
الثالث: أنه كان يقرأ عليه رجل من الجن شَخْتُ الخَلْق، فلما كان ذات يوم أتاهم رجل مُحَنِّش، وهو الذي يلزم الحيات بيده ولا تضره، فقال الجني للشيخ إسحاق: أتمثلُ لهذا الشخص ثعباناً وانظر ما يكون منه، فكره الشيخ ذلك له، فلم يقبل منه، فتصور له الجني ثعباناً، فعزم عليه الراقي حتى حَصّله في جُونتِهِ، فطلبه الشيخ منه فداءً فتعسر عليه ساعة، ثم ساعده فأطلقه من جونته فراح الجني ومكث خمس عشرة يوماً، ثم عاد إليه وفيه أثر من نارٍ، فسأله الشيخ عن ذلك فقال: إنه لما عزم عليَّ الراقي، أردت أن أخرج، فكانت نار تلفحني من كل جهة، ولا أدري موضعاً خالياً من النار إلا جونته، فدخلتها كارهاً، فهذه الأثار من تلك النار.
أخبرني الشيخ عيسى بن عامر العَوْدَري، عن أبيه عامر بن إبراهيم بن محمد، وهو ممن أدرك الشيخ إسحاق بالصردف، أن الشيخ إسحاق ذهب يوماً إلى بعض شركائه، فسأله أن يَجْهَش لهم، فقام الشريك يجمع الحطب ليوقد النار، فلزمه ثعبان بفقار ظهره، وجذبه إلى جحر في ضاحة، والشريك يصيح إلى الشيخ. أولادي يافقيه، أولادي، فضاق الجحر عن جثة الآدمي، فقصمه الثعبان نصفين ثم مات الرجل.
هكذا أخبرني الشيخ عيسى، وهو من بلاد العوادر.
وأخبرني الشيخ محمد بن منصور بن الحسين العمراني بمَصْنُعَةِ سَيْرٍ: أن الشيخ إسحاق الصَّردفي: راح يوماً من سَيْر إلى الصردف، فوجد لصوصاً معهم ثور قد لحقتهم الغارة عليه، فقالوا يا شيخ: سُق لنا هذا الثور إلى أن نقضي حاجة لنا، ففعل ولا علم له بخبرهم، فلحقه سَرَعان الناس ممن يجهل حاله، فزبروه بالكلام وأساؤوا إليه في القول والفعل، إلى أن وصل من يعرفه، فعظَّموه وكبَّروا حاله، واعتذر إليه الأولون، وسألوه الصفح عنهم ففعل.
طبقات فقهاء اليمن، تأليف: عمر بن علي بن سمرة الجعدي ص: 107-108-109-110