الإمام الزاهد جعفر بن عبد الرحيم المَحَابي، أخذ الفقه وأصوله عن الإمام القاسم بن محمد، وكان فقيهاً ورعاً زاهداً، سأله زيدُ بن المُعَمِّر بن جدّ القاضي زيد بن عبد الله، وهو والي الجَنَد للكرندي الانتقال من الظُرافة إلى الجَنَد للفتوى والتدريس، فساعده بشرطين، أحدهما: إعفاؤه عن الحكم والثاني: إعفاؤه عن أن يأكل طعام هذا الوالي، فذُكر أنه لما طالت المدة، حضر يوماً دار الوالي في عقدٍ، ثم أُحضر الطعام للحاضرين فأكلوا، ثم خَصّ الوالي هذا الإمام الفقيه جعفر بن عبد الرحيم بموز، وسأله أن يأكل منه، وذكر أنه أهداه إليه فلان ممن تطيب به نفس الفقيه بكونه حلالاً، فأكل الفقيه جعفر موزتين، ثم خرج فتقيأهما في دهليز الوالي. ثم أقام على بليغ الورع والزهد، إلى أن دخل الصليحي الجند (إلى الظُرافة) فسأله أن يلي القضاء له: فقال له: لست أصلح للقضاء، فأعرض عنه الصليحي مُغْضَباً، ثم افتُقِد في المجلس فلم يوجد (بل قد خرج من ساعته) فأدركه جلاوزة الأمير خمسة عشر رجلاً، فأدركوه طالعاً عقبة الظُرافة، فاستلوا سيوفهم وضربوه بها، فلم تقطع شيئاً. فكرروا عليه الضرب، إلى أن مَلَت أيديَهم ويَبِسَت على قوائم سيوفهم، ثم أنصرفوا عنه وهو مغشي عليه، فلما عادوا إلى الصليحي وأخبروه، أمَرَهم بكتم ذلك، ثم جاء إلى الفقيه من رآهم يضربونه، فحملوه إلى بيته مغشياً عليه، فلما أفاق سُئل عن خبره، فأخبرهم بما قاله الصليحي وبما أجابه.
قال: وتبعني قوم لم أدْرِ ما عملوا (بي)، بل كنت أقرأ سورة يس، فقيل له: إنهم ضربوك بسيوفهم، قال لا أدري. وحكى بعض أهله أنه لما رآهم، قام يصلي فضربوه، فلم تؤثر سيوفهم فيه، وكانت حوائجه من الصليحي مقضية، وجاهه منه مستقيما، يصون له أصحابه ويشفّعه فيهم، ويسقط الخراج عن أراضيهم.
وله كتاب مصنف في الخلاف سماه «الجامع» وسمع أيضاً من الإمام أبي الفتوح يحيى بن ملامس، وأخذ عنه وتفقه عليه بشئ من مسموعاته ومحفوظاته، وكان مع ذلك يتقي من الصليحي، وهو شيوخ أهل السنة. ومات رحمه الله سنة ستين وأربعمائة.
طبقات فقهاء اليمن، تأليف: عمر بن علي بن سمرة الجعدي ص: 94-95