يحيى بن أبي الْخَيْر بن سَالم بن سعيد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عمرَان العمراني الْيَمَانِيّ الشَّيْخ الْجَلِيل أَبُو الْحُسَيْن
شيخ الشافعيين بإقليم الْيمن صَاحب الْبَيَان وَغَيره من المصنفات الشهيرة
سَاق ابْن سَمُرَة فِي تَارِيخ اليمنيين نِسْبَة إِلَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام
ولد سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة
تفقه على جماعات مِنْهُم خَالَة الإِمَام أَبُو الْفتُوح بن عُثْمَان العمراني وَمِنْهُم الإِمَام زيد ابْن عبد الله اليفاعي وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة من أهل الْيمن
وَكَانَ إِمَام زاهدا ورعا عَالما خيرا مَشْهُور الِاسْم بعيد الصيت عَارِفًا بالفقه وَالْأُصُول وَالْكَلَام والنحو أعرف أهل الأَرْض بتصانيف أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الْفِقْه وَالْأُصُول وَالْخلاف يحفظ الْمُهَذّب عَن ظهر قلب وَقيل كَانَ يَقْرَؤُهُ فِي لَيْلَة وَاحِدَة
قَالَ ابْن سَمُرَة وَكَانَ ورده فِي اللَّيْلَة أَكثر من مائَة رَكْعَة بِسبع من الْقُرْآن الْعَظِيم
وانتقل إِلَى ذِي أشرق فِي سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة وَتزَوج بهَا أم وَلَده القَاضِي طَاهِر وابتدأ بتصنيف الْبَيَان فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَفرغ من تصنيفه سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وابتدأ بتصنيف الزَّوَائِد فِي سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة فَمَكثَ فِيهَا أَربع سِنِين إِلَّا قَلِيلا وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ بِإِشَارَة شَيْخه زيد اليفاعي وَحج من ذِي أشرق وناظر بِمَكَّة الشريف مُحَمَّد بن أَحْمد العثماني فِي مسَائِل من علمي الْفِقْه وَالْكَلَام ثمَّ زار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن
وَهَذَا الشريف العثماني نقل عَنهُ فِي الْبَيَان فِي مَوَاضِع وَهِي غَرِيبَة
وَأقَام بِذِي أشرق يدرس الْمَذْهَب وينشر الْعلم إِلَى سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
وَكَانَ من أحسن الْعلمَاء تَعْلِيما قيل كَانَ يُقرر للطَّالِب الْفَصْل من الْمُهَذّب ثمَّ يُعِيدهُ هُوَ على الطَّالِب حفظا ثمَّ ينبهه على خلاف مَالك وَأبي حنيفَة خَاصَّة وَقد يذكر مَعَهُمَا غَيرهمَا ثمَّ يذكر احترازات الْمُهَذّب ثمَّ يذكر الْأَدِلَّة ويقرر الأقيسة بأوضح عبارَة ويكررها بعبارات مُخْتَلفَة إِلَى أَن ترسخ فِي ذهن الطَّالِب
ثمَّ فِي أخر سنة تسع وَأَرْبَعين تعذر سكناهُ بالبلدة الَّتِي كَانَ فِيهَا أَظن أَن اسْمهَا سير لفتن وحروب اتّفقت هُنَاكَ وانتقل إِلَى ذِي السفال ثمَّ إِلَى ذِي أشرق فَأَقَامَ بِذِي أشرق سبع سِنِين
قَالَ ابْن سَمُرَة فَجرى فِي السّنة الرَّابِعَة من هَذِه السَّبع بَين الْفُقَهَاء تباغض وتحاسد وتكفير من فُقَهَاء ذِي أشرق لفقهاء زبيد حكى ابْن سَمُرَة بَعْضهَا ثمَّ ذكر أَن صَاحب الْبَيَان انْتقل إِلَى ذِي السفال فَمَاتَ بهَا مبطونا شَهِيدا فِي ربيع الآخر قبل الْفجْر من لَيْلَة الْأَحَد سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة وَلم يتْرك صَلَاة فِي مرض مَوته وَكَانَ نَزعه لَيْلَتَيْنِ وَيَوْما بَينهمَا يسْأَل عَن كل وَقت صَلَاة وَيُصلي بِالْإِيمَاءِ
وَفِيه يَقُول بَعضهم
(لله شيخ من بني عمرَان ... قد سادنا بِالْعلمِ بالأركان)
(يحيى لقد أَحْيَا الشَّرِيعَة هاديا ... بفوائد وغرائب وَبَيَان)
(هُوَ درة الْيمن الَّذِي مَا مثله ... من أول فِي عمرنا أَو ثَانِي)
وَمن تصانيفه الْبَيَان والزوائد والاحترازات وغرائب الْوَسِيط ومختصر الْإِحْيَاء وَله فِي علم الْكَلَام كتاب الِانْتِصَار فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي
العِمْراني
(489 - 558 هـ = 1096 - 1163 م)
يحيى بن سالم (أبي الخير) بن أسعد ابن يحيى، أبو الحسين العمراني:
فقيه. كان شيخ الشافعية في بلاد اليمن.
له تصانيف، منها " البيان" في فروع الشافعية، تسع مجلدات، في دار الكتب (25 فقه شافعيّ) و " الزوائد " و " الأحداث " و " شرح الوسائل " للغزالي، و " غرائب الوسيط " للغزالي، كلها في الفروع، و " مناقب الإمام الشافعيّ " و " الانتصار (خ " بدار الكتب، نسختان (818 و 835، علم الكلام) في الرد على القدرية، و " مختصر الإحياء " و " مقاصد اللمع ". توفي بذي سفال باليمن .
-الاعلام للزركلي-
الشيخ الإمام أبي الحسين الذي انتشر عنه الفقه في البلدان، وجاوز علمه البحر مع السودان، وسارت بتصانيفه الركبان، في اليمن والشام، وهو الفقيه الإمام جمال الإسلام شمس الشريعة يحيى بن أبي الخير بن سالم بن أسعد بن عبد الله بن محمد بن موسى ابن عمران العِمراني، المنتسب إلى عمران بن ربيعة بن عبس بن زهرة بن غالب ابن عبد الله بن عَك بن عدنان بن أدد بن يجثوم بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أَرفَخْشَذ ابن سام بن نوح عليه السلام بن لَمَك بن مَتَّوْشَلَخ بن إدريس عليه السلام بن يَرْد بن مَهلائيل بن قَيْنان بن أنُوش بن شيث بن آدم عليه السلام.
ولد رحمه الله في مَصْنُعَة سَيْر، سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ومات رحمه الله في ذي السُّفال في ربيع الآخر لست وعشرين ليلة خلت منه سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وهو ابن تسع وستين سنة تفقه بجماعة:
أولهم خاله أبو الفتوح بن عثمان بن أسعد بن عبد الله بن محمد بن موسى ابن عمران، تفقه به «بكافي الفرائض» في المواريث للصَّرْدَفي لا غير، بروايتها له عن مصنفه الشيخ إسحاق بن يوسف بن يعقوب الصردفي، وبموسى بن علي الصَّعبي في ذي الحَفر في نَعيمَةٍ «بالتنبيه» ثم يسر الله سبحانه استدعاء الفقيه العالم الحافظ لمذهب الشافعي، عبد الله بن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله الهمداني من زبران - بادية الجند - إلى سَيْر فحفظ عنه «المهذب» و «اللمع» لأبي إسحاق و «الملخص» و «إرشاد بن عبدويه» و «كافي الفرائض» للصردفي أيضاً.
ثم ارتحل إلى الإمام زيد بن الحسن الفايشي بأُحاظة، وأعاد عنده «المهذب» وأخذ عنه «تعليق» الشيخ أبي إسحاق في أصول الفقه، مع «ملخصه» أيضاً، وفي اللغة «غريب الحديث» لأبي عبيد و «مختصر العين» للخوافي و «نظام الغريب» للرَّبعي، وغير ذلك من مسائل الدوْر والخلاف.
ومن مشايخه في الدور، خاصة الفقيه عمر بن بيش، قدم من الحج سنة ثلاثين وخمسمائة. وكان تِرْبَه وخَبِيرَه في هذه الرحلة المباركة، الفقيه الزاهد عمر بن إسماعيل بن علقمة، فعادا جميعاً وتدارسا في ذي السُّفال، فأخذ الإمام يحيى عن هذا الفقيه عمر «كافي النحو» لأبي جعفر الصفار و «الجُمَل» للزجاجي. وبعد هذا وصل الفقيه الإمام زيد بن عبد الله اليفاعي، فارتحل إليه هو وأكثر أصحابه والفقهاء من المخلاف واليمن، وقد كان صحبه جماعة يقرأون عليه الفقه، فانتقلوا معه إلى الجَنَد، وسمع «النكت» وكان يناظر بين يدي هذا الفقيه كثيراً من جِلّة الفقهاء المدرّسة، ثم انتقل إلى سهفنه بعد موت الفقيه زيد ابن عبد الله اليفاعي، فقرأ عند القاضي مسلم بن أبي بكر بن أحمد الصعبي، كتاب «الحروف السبعة» في علم الكلام والتوحيد وأصول الدين، تأليف الشيخ الحسين بن جعفر المراغي، ونقله من خط تلميذه، الإمام القاسم بن محمد القرشي.
ثم انتقل إلى ذي أشرق، في سنة سبع عشرة وخمسمائة، فسمع «الجامع للسنن» تصنيف الترمذي، على الشيخ سالم بن عبد الله بن محمد بن سالم بن عبد الله ابن يزيد، وتزوج في هذه السنة أم القاضي طاهر، وكان قد تسرّى قبلها جارية حبشية.
وفيها ابتدأ مطالعة شروح المزني وكتب أخرى «كالمجموع» للمحاملي «والشامل» لابن الصّباغ وكتاب «الفروع» لسليم و «شرح المولّدات» للقاضي أبي الطيب «والعدّة» للقاضي حسين بن علي الطبري، و «الإبانة» و «شرح التلخيص» لأبي علي السِّنْجّ، وقد كان يقرأ بعضها في مدرسة الإمام اليفاعي، فسمع فيها ما يزيد على «المهذب» فاستشار فيها شيخه هذا، زيد بن عبد الله في أنها تكون أجمع لما شذّ عن «المهذب» لينسخه، فأشار عليه بجمعها كلّها، ومطالعتها وتعليق ما زاد على «المهذب» منها، فابتدأ بتعليق كتاب «الزوائد» سنة سبع عشرة وخمسمائة، ووُلد ابنه طاهر في سنة ثماني عشرة وخمسمائة، وهو مستقيم على المطالعة والتعليق، وكمّل كتاب «الزوائد» في آخر سنة عشرين وخمسمائة، وحج وزار قبر النبي ﷺ، في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، ولقي الفقيه الإمام الواعظ الشريف، محمد بن أحمد العثماني الديباجيّ في مكة، فتناظرا وتذاكرا في مسائل الفقه والأصول، وكان الإمام يحيى قد سمع في مدرستي الشيخين الإمامين: زيد بن الحسن الفايشي وزيد اليفاعي، كتاب «التبصرة» في علم الكلام في أصول الدين، تصنيف أبي الفتوح، على مذهب مذهب السلف الصالح، وهما ينقلانها جميعاً عن الشيخ أبي نصر البندنيجيّ، مصنف «المعتمد» في الخلاف، فإنهما صحباه جميعاً في مكة.
وعن الإمام يحيى، أخذ مشايخنا «التبصرة» في أصول الدين، ورويناها عنهم.
وكان رحمه الله يُسمعها في مدرسته، ويُعلمها من طلبها، فناظر الشريف العثماني، وهو أشعري، ونصر مذهب الحنابلة أهل السنة، في أن القراءة هي المقروء.
واحتج على الشريف بقوله تعالى {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} الآية. وأن الإشارة بهذا إلى المتلوّ المقروء، إلى أن سكب الشريف العَرَق عن وجه، ثم راح رحمه الله، فاستخرج كتابه المؤلف في الدور، من كتاب ابن اللبان وغيره، ثم نظر في كتابه «الزوائد» فإذا هو قد رتبه على ترتيب شروح «مختصر المزني» وأغفل الدور وأقوال الأئمة فيه، فطالع وراجع.
وابتدأ رحمه الله بتصنيف كتابه «البيان» من سنة ثماني وعشرين وخمسمائة، وفرغ منه سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، فرتبه على ترتيب محفوظه، وهو «المهذب» فجمعُ «البيان» في ست سنين غير قليل، وجمع «الزوائد» في أربع سنين إلا قليل.
وَذَكَر في «البيان» عن الشريف العثماني مسائل، تدل على علمه وفضله، وجواز الأخذ باجتهاده ونقله.
قال القاضي طاهر بن يحيى: قال له والده رحمه الله: إنه لم يعلّق «الزوائد» إلا بعد حفظه «للمهذب» ونقله غيباً، في ابتداء درسه له، على الإمام الفقيه عبد الله بن أحمد، ثم أعاده في أُحاظة، ثم طالعه بعد ذلك كله قبل التصنيف، أربعين مرة أو أكثر.
وكان رحمه الله يطالع الجزء من تجزئة أحدٍ وأربعين من «المهذب» في اليوم والليلة، أربعة عشر مرة، لكل فصل منه.
وكان رحمه الله إذا درّس من يُعلّم فهّمه، فإنه بعد فراغ القارئ من الفصل يعيده عليه هو حفظاً، مع تنبيه له على خلاف الإمام مالك وأبي حنيفة خاصة، وقد يذكر معهما غيرهما في بعض المسائل، ثم يذاكره باحتراز الأقيسة والوجوه في أصولها، لِمَ خُصت بجعلها أصولاً؟
وذلك إما من جهة النص عليها في الكتاب والسنة، أو تسليم المخالف في حكم المسألة المَقيِسة، وإن كان في عبارة الكتاب استغلاق، أو قَصُر فهم القارى أبدلها له بعبارة أخرى إلى أن يتصور القارئ الفصل ويفهمه. ومن كان من الطلبة غير فاهم، لم يسلك به هذا المسلك، بل يجيبه عما سأل عنه لا غير، مع رده عليه التصحيف.
ولما فرغ رحمه الله من تأليف «البيان» سأله الفقيه محمد بن مفلح الحضرمي استخراج المسائل المشكلة في «المهذب» وكان هذا الفقيه من جِلة أصحابه، فصنفه له، ثم انتُسخ منه، وأقام رحمه الله في سَيْرٍ، على التدريس بعد ذلك، إلى آخر سنة تسع وأربعين وخمسمائة. ثم تعذّر سكنَى سّيْرٍ على أهلها، لحروب جرت بينهم وفتن، فخربت بعد خروجهم منها، ثم انتقل إلى ذى السَّفال، ثم إلى ذي أشرق، فأقام بذي أشرق سبع سنين وكسراً يدَرّس ويقرى، فجرت فِتَنٌ في السنة الرابعة من هذه السبع، بين الفقهاء، تباغض وتحاسد وتكفير، من فقهاء ذي أشرق لفقهاء زبيد، بعد خروجهم من تهامة، وقت فتحُ ابن مهدي لها، وكان فتح ابن مهدي لزبيد، آخر ساعة من يوم الجمعة، آخر يوم من رجب، سنة أربع وخمسين وخمسمائة، ثم قويت شوكت ولده مهدي بن علي، بعد موت أبيه، فأغار على الجَنَد وبواديها، وقتل أهل الذَّنَبَتَيْن، ثم قتل أهل العَربَة، في شوال سنة سبع وخمسين وخمسمائة، فجعل الإمام يحيى بن أبي الخير رحمه الله، خوف ابن مهدي سبيلاً إلى خروجه من ذي أشرق، فخرج عنها إلى ضراس، ثم إلى ذي السُّفال. وفيها مات رحمة الله عليه مبطوناً شهيدا، في ربيع الآخر قبيل الفجر من ليلة الأحد من سنة ثماني وخمسين وخمسمائة، ما ترك صلاة في مرض موته، وكان نزْعه في مرضه ليلتين ويوماً بينهما، يسأل عن وقت كل صلاة، بالإيماء، لأنه أعْتُقِل لسانه، وكان كثير التهليل، يعرف منه بالإشارة، بالمسبحة.
وكان وِرْدَه أكثر زمانه في صلاة الليل بسُبع القرآن، وكان رحمه الله يحبُ طلبة العلم والفقه واجتماعهم، ويكره لهم الخوض في علم الكلام.
ثم صنف رحمه الله في خلال هذه المدة، كتاب «الإنتصار في الرّد على القَدَرية الأشرار» وذلك سبب فتنة أثارها قاضي الزيدية، وهو جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى المعتزليّ، في مدينة إبّ، ويقال أنه سأل المناظرة، فبعث إليه الإمام يحيى بن أبي الخير، الفقيه الفاضل المشهور عليّ بن عبد الله ابن عيسى بن أيمن الهرمي، فاجتمعوا في حصن شَواحط، حماه الله وعمره بالصالحين من عباده، وكان لهم فيه محفل عظيم مشهور، سنة أربع وخمسين وخمسمائة وأضاف رحمه الله إلى ما ذكره في «الإنتصار» من مسائل القَدَريّة، مذهب الأشعرية والرد عليهم، فأجحف فيه على الأشعرية، وقطع حلوقهم، وأفحمهم، خصوصاً بذلك من يقول {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} ففرح الفقهاء بكتاب «الإنتصار» وانتسخوه، ودانوا الله به واعتقدوه، وصنّف بذي أشرق، كتابه المشهور «بغرائب الوسيط» و «مختصراً من إحياء علوم الدين» للإمام الغزالي رحمه الله، وسمع هو وأصحابه «صحيح البخاري» و «سنن أبي داود» بذي أشرق، سنة خمس وخمسين وخمسمائة، على الشيخ الحافظ علي بن أبي بكر ابن حمير بن تبّع بن فضل الهمداني، بقراءة ولده القاضي الأجل طاهر بن يحيى، والفقهاء الفضلاء: أحمد بن إسماعيل بن حسين المأربي، وعبد الله بن عمر التباعي، وسليمان بن فتح بن مفتاح.
وفي الإمام يحيى بن أبي الخير يقول الشاعر:
لله شيخ من بني عمرانِ … مذ كان شاد العلم بالأركان
يحيى لقد أحيا الشريعة هادياً … بزوائدٍ وغرائبٍ وبيان
هو درة اليمن الذي ما مثله … من أولٍ في عصرنا أو ثانِ
فأيد الله سبحانه وتعالى بهذ الشيخ الإمام يحيى بن أبي الخير الإسلام والدين ونفع الله تعالى به المسلمين، فكان كتابه «البيان» كاسمه بياناً، وللعلماء هدى وتبيانا، وأنبأ به رحمه الله البُعداء، وانتشر علمه في الأجانب والقُرباء، وأجاب عن المعضلات، وأوضح المشكلات، وقسم الأوصاف والاحترازات، وطبق الأرض بالأصحاب، فما أعلم في أكثر هذا المخلاف فقيهاً مجوداً ومناظراً مجتهداً، إلا من أصحابه أو أصحاب أصحابه، لأنه رحمه الله انتحل الشروح الكثيرة، والدلائل المشهورة، والمسائل المفيدة والأقيسة السديدة إلى بيانه، وضمّنه النكت الحسنة، والمعاني المتقنة، جمع فيه بين تحقيق البغداديين، وتدقيق الخرسانيين، فإذا تأمله الحاذق الناظر، وكدّ في جواهره الخاطر، إلى أن يستدر الناظر، وسعه وكفاه، واستغنى به عما سواه، فرحم الله مثواه وبل ثراه، وجعل الجنة محله ومأواه، ونفع به وبعلومه المسلمين آمين.
وفي شهر شوال من السنة التي مات فيها الإمام يحيى بن أبي الخير، أخذ ابن مهديّ الجَنَد، فقتل فيها قتلاً ذريعاً، وحرّق مسجدها في يوم الإثنين الثامن من شهر شوال، واستولى على حصون السلطان علي بن أبي الفتوح الوليدي، وهي الحُرَيْم وَحَلَمة وريشان، سنة ست وخمسين وخمسمائة.
ويقال: أن الإمام يحيى بن أبي الخير، قدم على الحرة السيدة بنت أحمد الصليحي في شأن أيتام كانوا تحت يده من أصحابه، وعلى أراضيهم خَراج، فأسقطته بجاه الإمام يحيى، واعتذر الوزراء إليه. وكان له في اليمن جاه كبير.
وقيل: أن الفقيه النسابة أحمد بن محمد الأشعري، جعله من أعظم مناقب الشيخ محمد بن علي من مشعل العمراني، وأكبر مفاخره، حين امتدحه ونعم الفخار يحيى بن أبي الخير.
طبقات فقهاء اليمن، تأليف: عمر بن علي بن سمرة الجعدي من ص: 174 وحتى ص: 185