أحمد بن صالح المصري أبي جعفر
ابن الطبري أحمد
تاريخ الولادة | 170 هـ |
تاريخ الوفاة | 248 هـ |
العمر | 78 سنة |
مكان الولادة | القاهرة - مصر |
مكان الوفاة | مصر - مصر |
أماكن الإقامة |
|
- أحمد بن محمد بن حنبل أبي عبد الله الشيباني البغدادي "الإمام أحمد بن حنبل"
- سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي "سفيان بن عيينة"
- عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري أبي محمد "ابن وهب"
- عفان بن مسلم بن عبد الله الصفار البصري أبي عثمان
- أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي "أسد السنة أبي سعيد"
- عنبسة بن سعيد بن العاص أبي خالد "أبي أيوب"
- حرمي بن عمارة بن أبي حفصة الأزدي أبا روح
- محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك أبي إسماعيل "ابن أبي فديك"
- يحيى بن حسان بن حيان أبي زكريا "أبي زكريا التنيسي"
- إسماعيل بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك الأصبحي "أبي عبد الله"
- عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستانى
- محمد بن أحمد بن سعيد الواسطي "أبو عبد الله الواسطي البزاز"
- محمد بن الحسين ابن بنت رشدين "ابن سعد المصري"
- عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني أبي بكر "ابن أبي داود"
- الحسن بن أحمد بن سليمان بن ربيعة بن الصيقل حسنون
- أحمد بن محمد بن نافع أبي بكر الأصم الطحان المصري
- الحسين بن علي بن يزيد الصدائي
- إسحاق بن سيار بن محمد بن مسلم النصيبي أبي النصر "أبي يعقوب"
- علي بن الحسين بن الجنيد أبي الحسن الرازي "المالكي"
- أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين المصري المهري
- الحسن بن العباس بن أبي مهران الرازي أبي علي "الجمال"
- عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزار "أبي محمد"
نبذة
الترجمة
أحمد بن صالح المصري، أبي جعفر: مقرئ عالم بالحديث وعلله، حافظ ثقة لم يكن في أيامه بمصر مثله. كان أبيه من أجناد طبرستان وولد له أحمد بمصر. زار بغداد واجتمع بالإمام أحمد بن حنبل، وأخذ كلاهما عن الآخر. وحدّث بدمشق وبأنطاكيّة. ولم يصنف كتابا، لكنه يتردد ذكره عند أهل الحديث. توفي بمصر
.-الاعلام للزركلي-
أحمد بن صالح
الإِمَامُ الكَبِيْرُ, حَافِظُ زَمَانِهِ بِالدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ, أبي جَعْفَرٍ المِصْرِيُّ, المَعْرُوْفُ: بِابْنِ الطَّبَرِيِّ.
كَانَ أبيهُ جُنْدِيّاً مِنْ آمُلِ طَبَرِسْتَانَ.
وَكَانَ أبي جَعْفَرٍ رَأْساً فِي هَذَا الشَّأْنِ, قَلَّ أَنْ تَرَى العُيُوْنُ مِثْلَهُ مَعَ الثِّقَةِ وَالبَرَاعَةِ.
وُلِدَ بِمِصْرَ سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ, ضَبَطَهُ ابْنُ يُوْنُسَ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ وَهْبٍ -فَأَكْثَرَ- وَعَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ, ارْتَحَلَ إِلَيْهِ، وَحَجَّ، وَسَارَ إِلَى اليَمَنِ، فَأَكْثَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَرَوَى أَيْضاً، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَعَنْبَسَةَ بنِ خَالِدٍ الأَيْلِيِّ، وَحَرَمِيِّ بنِ عُمَارَةَ، وَأَسَدِ بنِ مُوْسَى، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذِّمَارِيِّ، وَيَحْيَى بنِ حَسَّانٍ، وَيَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ الجَارِي، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ، وَسَلاَمَةَ بنِ رَوْحٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأبي دَاوُدَ، وَأبي زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمُوْسَى بنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى الزَّمِنُ، وَهُوَ أكبر مِنْهُ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَمَاتَ قَبْلَهُ بِزَمَانٍ، وَأبي إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَأبي الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بنُ الهَيْثَمِ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمَّوَيهْ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأبي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، وَعُبَيْدُ بنُ رِجَالٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَافِعٍ الطَّحَّانُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ آخِرُهُمْ، وَفَاةً أبي بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ. وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ النَّسَائِيُّ، وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ, وَقَعَ بَينَهُمَا، وَآذَاهُ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، فَآذَى النَّسَائِيُّ نَفْسَهُ بِوُقُوْعِهِ فِي أَحْمَدَ.
رَوَى عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ, سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يقول: ما قدم علينا أحد بِحَدِيْثِ أَهْلِ الحِجَازِ مِنْ هَذَا الفَتَى -يُرِيْدُ: أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَاصِمٍ الأَقْرَعَ بِمِصْرَ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ العِرَاقَ، فَسَأَلَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَنْ خَلَّفْتَ بِمِصْرَ? قُلْتُ: أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ، فَسُرَّ بِذِكْرِهِ، وَذَكَرَ خَيْراً، وَدَعَا اللهَ لَهُ.
مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ بنِ خَالِدٍ النَّيْسَأبيرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ مَحْمُوْدٍ الهَرَوِيَّ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: من أعرف الناس بأحاديث ابْنِ شِهَابٍ? قَالَ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى النَّيْسَأبيرِيُّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلْفِ شَيْخٍ وَكَسْرٍ, كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَا أَحَدٌ أَتَّخِذُهُ عِنْدَ اللهِ حُجَّةً إِلاَّ رَجُلَيْنِ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بِمِصْرَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِالعِرَاقِ.
قُلْتُ: فِي صِحَّةِ هَذَا نَظَرٌ، فَإِنَّ يَعْقُوْبَ مَا كَتَبَ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ، وَلاَ شَطْرِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَشْيَخَتُهُ مَوْجُوْدَةٌ فِي مُجَلَّدٍ لَطِيفٍ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الأَحَمَدَيْنِ فِي سَعَةِ الرِّحْلَةِ، وَكَثْرَةِ المَشَايِخِ وَالجَلاَلَةِ وَالفَضْلِ.
قَالَ البُخَارِيُّ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ ثِقَةٌ صَدُوْقٌ مَا رَأَيْتُ أَحَداً يَتَكَلَّمُ فِيْهِ بِحُجَّةٍ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَغَيْرُهُم يُثنُوْنَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ كَانَ عَليٌّ يَقُوْلُ: سَلُوا أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ أَثْبَتُ.
خَلَفٌ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: كَانَ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ مائَةُ أَلْفِ حَدِيْثٍ كَتَبْتُ عَنْهُ خَمْسِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ صَالِحٌ: وَلَمْ يَكُنْ بِمِصْرَ أَحَدٌ يُحْسِنُ الحَدِيْثَ، وَلاَ يَحْفَظُ غَيْرَ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ كَانَ يَعْقِلُ الحَدِيْثَ، وَيُحْسِنُ أَنْ يَأْخُذَ، وَكَانَ رَجُلاً جَامِعاً يَعْرِفُ الفِقْهَ، وَالحَدِيْثَ، وَالنَّحْوَ، وَيَتَكَلَّمُ يَعْنِي: يَعْرِفُ، وَيُذَاكِرُ فِي حَدِيْثِ الثَوْرَيِّ، وَشُعْبَةَ، وَأَهْلِ العِرَاقِ أَيْ يُذَاكِرُ بِذَلِكَ قَالَ: وَكَانَ قَدِمَ العِرَاقَ، وَكَتَبَ عَنْ عَفَّانَ، وَهَؤُلاَءِ، وَكَانَ يُذَاكِرُ بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، وَيَحْفَظُهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: كَتَبْتُ عَنِ ابْنِ زَبَالَةَ يَعْنِي: مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ بنِ زَبَالَةَ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ، فَتَرَكْتُ حَدِيْثَهُ.
وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي الطَّاهِرِ بنِ السَّرْحِ وَيَقَعُ فِي حَرْمَلَةَ، وَيُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى الحَضْرَمِيَّ هُوَ أَخُو أَبِي عَجِيْبَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بَعْضَ مشَايِخِنَا يَقُوْلُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: صَنَّفَ ابْنُ وَهْبٍ مائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، فِعِندَ بَعْضِ النَّاسِ مِنْهَا الكُلُّ -يَعْنِي: حَرْمَلَةَ- وَعِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مِنْهَا النِّصْفُ -يُرِيْدُ نَفْسَهُ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الجُنَيْدِ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَإِذَا جَاوَزْتَ الفُرَاتَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِثْلَهُ.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُتَيْبَةَ سَمِعْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ، وَذكرَ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ، فَقَالَ: هُوَ وَاحِدُ النَّاسِ فِي عِلْمِ الحِجَازِ، وَالمَغْرِبِ فَهِمٌ، وَجَعَلَ يُعَظِّمُهُ، وَأَخْبَرَنَا عَنْهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ.
أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَأبيرِيُّ، عَنِ ابْنِ وَارَةَ قَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِبَغْدَادَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ بِالكُوْفَةِ، وَالنُّفَيْلِيُّ بِحَرَّانَ هَؤُلاَءِ أَرْكَانُ الدِّيْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ مِصْرِيٌّ ثِقَةٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ.
وَقَالَ أبي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ كَتَبْتُ عَنْهُ بِمِصْرَ، وبدمشق، وأنطاكية.
قَالَ أبي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: ذَاكَرْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ مَقْدَمَهُ دِمَشْقَ سنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ أبي عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَتَبَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ عَنْ سَلاَمَةَ بنِ رَوْحٍ، وَكَانَ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ: وَكَتَبَ عَنِ ابْنِ زَبَالَةَ بِخَمْسِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَكَانَ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ, وَحَدَّثَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الأَرْبَعِيْنَ، وَكَتَبَ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ عن رجل, عنه، وقال: كان أحمد ابن صَالِحٍ يُقَوِّمُ كُلَّ لَحْنٍ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أبي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سهل الغزال: أحمد بن صَالِحٍ طَبَرِيُّ الأَصْلِ كَانَ مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ، وَاعِياً, رَأْساً فِي عِلمِ الحَدِيْثِ وَعِلَلِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالآثَارِ مِنْهُ.
قَالَ أبي سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ أبيهُ مِنْ طَبَرِسْتَانَ جُنْدِيّاً مِنَ العَجَمِ، وَكَانَ أَحْمَدُ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ يَوْماً، فَرَمَاهُ وَأَسَاءَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ كَذَّابٌ يَتَفَلْسَفُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا بِحَمْدِ اللهِ كَمَا قَالَ النَّسَائِيُّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ آفَةٌ غَيْرَ الكِبْرِ.
وَقَالَ أبي أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَانَ الأَهْوَازِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا دُوَادَ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُوْلُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ لَيْسَ هُوَ كَمَا يَتَوَهَّمُونَ يَعْنِي: لَيْسَ بِذَاكَ فِي الجَلاَلَةِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَسَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يَسْتَعِيرُ مِنِّي كُلَّ جُمُعَةٍ الحِمَارَ، وَيَركَبُهُ إِلَى صَلاَةِ الجُمُعَةِ، وَكُنْتُ جَالِساً عِنْدَ حَرْمَلَةَ، فِي الجَامِعِ، فجَازَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ عَلَى بَابِ الجَامِعِ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، وَإِلَى حَرْمَلَةَ، وَلَمْ يُسَلِّمْ، فَقَالَ حَرْمَلَةُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا بِالأَمسِ يَحْمِلُ دَوَاتِي، وَاليومَ يَمُرُّ بِي فَلاَ يُسَلِّمُ.
وَقَالَ أَيْضاً: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَعْدٍ السَّعْدِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيَّ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ قال: سألت يحيى عن أحمد بن صَالِحٍ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ كَذَّاباً يَخْطِرُ فِي جَامِعِ مِصْرَ.
وَقَالَ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ النَّسَائِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلاَ مَأْمُوْنٍ تَرَكَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَرَمَاهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ بِالكَذِبِ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ النسائي سيئ الرَّأْيِ فِيْهِ، وَيُنْكِرُ عَلَيْهِ أَحَادِيْثَ مِنْهَا عَنِ ابن وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ".
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ، وَخَاصَّةً لِحَدِيْثِ الحِجَازِ، وَمِنَ المَشْهُوْرِينَ بِمَعرِفَتِهِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ مَعَ شِدَّةِ اسْتَقصَائِهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَاعتِمَادُهُمَا عَلَيْهِ، فِي كَثِيْرٍ مِنْ حَدِيْثِ الحِجَازِ، وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ مَنْ حَدَّثَ مِنَ الثِّقَاتِ، وَاعتَمَدُوهُ حِفْظاً، وَإِتقَاناً، وَكَلاَمُ ابْنِ مَعِيْنٍ، فِيْهِ تَحَامُلٌ، وَأَمَّا سُوءُ ثَنَاءِ النَّسَائِيِّ عَلَيْهِ، فَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ هَارُوْنَ بنِ حَسَّانٍ البَرْقِيَّ يَقُوْلُ: هَذَا الخُرَاسَانِيُّ يَتَكَلَّمُ، فِي أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ، وَحَضَرْتُ مَجْلِسَ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، وَطَرَدَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَحَمَلَهُ ذَلِكَ علَى أن تَكَلَّمَ فِيْهِ قَالَ: وَهَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ، فَالقَوْلُ مَا قَالَهُ أَحْمَدُ لا ما قاله غيره، وحديث: "الدين النَّصِيْحَةُ". الَّذِي أَنْكَرَهُ النَّسَائِيُّ قَدْ رَوَاهُ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى أَيْضاً، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ بنِ عَثْمَةَ. قَالَ: وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ مِنْ أَجِلَّةِ النَّاسِ، وَذَاكَ أَنِّي رَأَيْتُ جَمْعَ أَبِي مُوْسَى الزَّمِنِ، فِي عَامَّةِ مَا جَمَعَ مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ يَقُوْلُ: كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَوْلاَ أَنِّي شَرَطْتُ، فِي كِتَابِي هَذَا أَنْ أَذْكُرَ فِيْهِ كُلَّ مَنْ تَكَلَّمَ، فِيْهِ مُتَكَلِّمٌ لَكُنْتُ أُجِلُّ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ أَنْ أَذْكُرَهُ.
قَالَ أبي عَمْرٍو الدَّانِيُّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ القَاسِمِ: النَّاسُ مُجْمِعُونَ علَى ثِقَةِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ لِعِلمِهِ وَخَيْرِهِ وَفَضْلِهِ، وَإِنَّ أَحْمَدَ بن حنبل وغيره وكتبوا عَنْهُ، وَوثَّقَوهُ، وَكَانَ سَبَبُ تَضعِيفِ النَّسَائِيِّ لَهُ أَنَّ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ كَانَ لاَ يُحَدِّثُ أَحَداً حتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ وَالعَدَالَةِ، فَكَانَ يُحَدِّثُهُ وَيَبْذُلُ لَهُ عِلْمَهُ، وَكَانَ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ زَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، فَأَتَى النَّسَائِيُّ لِيَسمَعَ مِنْهُ، فَدَخَلَ بِلاَ إِذنٍ، وَلَمْ يَأْتِهِ بِرَجُلَينِ يَشْهَدَانِ لَهُ بِالعَدَالَةِ، فَلَمَّا رَآهُ فِي مَجْلِسِهِ, أَنْكَرَهُ، وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ، فَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ لِهَذَا.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: احْتَجَّ سَائِرُ الأَئِمَّةِ بِحَدِيْثِ ابْنِ صَالِحٍ سِوَى النَّسَائِيِّ، فَإِنَّهُ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، وَكَانَ يُطْلِقُ لِسَانَهُ فِيْهِ، وَلَيْسَ الأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَ النَّسَائِيُّ. وَيُقَالُ: كَانَ فِيْهِ الكِبْرُ، وَشَرَاسَةُ الخُلُقِ، وَنَالَ النَّسَائِيَّ مِنْهُ جَفَاءٌ فِي مَجْلِسِهِ، فذَلِكَ الَّذِي أَفسَدَ الحَالَ بَينَهُمَا.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ فِي الثِّقَاتِ، وَمَا أَورَدَهُ فِي الضُّعَفَاءِ فَأَحْسَنَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الضُّعَفَاءِ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ المَكِّيَّ الشَّمُوْمِيَّ، وَكَذَّبَهُ، وَادَّعَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَطَّ عَلَيْهِ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَقَصَدَ أَنْ يُنَزِّهَ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنِ الوَقِيْعَةِ فِي مِثْلِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ الطَّبَرِيِّ الحَافِظِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ: أَخْبَرَنَا بُنْدَارٌ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ بِخَمْسِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ -أَيْ إِجَازَةً- وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُجِيزَ لِي, أَوْ يَكْتُبَ إليَّ بِحَدِيْثِ مَخْرَمَةَ بنِ بُكَيْرٍ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ المُرُوءةِ مَا يَكْتُبُ بِذَلِكَ إليَّ.
قَالَ الخَطِيْبُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ كَانَ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ ذَا لِحْيَةٍ، وَلا يَترُكُ أَمرَدَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ، فَلَمَّا حَمَلَ أبي داود السجستاني إليه ابنه ليسمع منه -وكان إذا ذَاكَ أَمرَدَ- أَنكَرَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ عَلَى أبي داود إحضاره. فقال أبي دَاوُدَ: هُوَ -وَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ- أَحْفَظُ مِنْ أَصْحَابِ اللِّحَى، فَامْتَحِنْهُ بِمَا أَرَدْتَ. فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ أَجَابَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَمِيْعِهَا، فَحَدَّثَهُ حِيْنَئِذٍ، وَلَمْ يُحَدِّثْ أَمرَدَ غَيْرَهُ.
قَالَ: وَكَانَ أَحَدَ حُفَّاظِ الأَثَرِ, عَالِماً بِعِلَلِ الحَدِيْثِ, بَصِيْراً بِاخْتِلاَفِهِ، وَرَدَ بَغْدَادَ قَدِيْماً، وَجَالَسَ بِهَا الحُفَّاظَ، وَجَرَتْ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مُذَاكَرَاتٌ، وَكَانَ أبي عَبْدِ اللهِ يَذْكُرُهُ،وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَقِيْلَ: إِنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا كَتَبَ عَنْ صَاحِبِهِ فِي المُذَاكَرَةِ حَدِيْثاً ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ صَالِحٍ إِلَى مِصْرَ، وَانْتَشَرَ عِنْدَ أَهْلِهَا عِلْمُهُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ الأَئِمَّةُ.
أَنْبَأَنَا أبي الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا أبي اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أبي بَكْرٍ الحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنُ عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الخَلِيْلِ، أَخْبَرَنَا أبي أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ سَمِعْتُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ زَنْجَوَيْه يَقُوْلُ: قَدِمْتُ مِصْرَ، فَأَتَيتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ، فَسَأَلَنِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ? قُلْتُ: مِنْ بَغْدَادَ. قَالَ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ مِنْ مَنْزِلِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ? فَقُلْتُ: أَنَا مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ: تَكْتُبُ لِي مَوْضِعَ مَنْزِلِكَ? فَإِنِّي أُرِيْدُ أُوافِيَ العِرَاقِ حَتَّى تَجمَعَ بَيْنَنَا. فَكَتَبْتُ لَهُ، فَوَافَى أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ سنَةَ اثْنَتَي عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ إِلَى عَفَّانَ، فَسَأَلَ عَنِّي، فَلَقِيَنِي، فَقَالَ: المَوْعِدُ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ? فَذَهَبتُ بِهِ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَاسْتَأْذَنْتُ لَهُ، فَقُلْتُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بِالبَابِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ وَقَرَّبَهُ, ثُمَّ قَالَ لَهُ: بلغني أنك جمعت حَدِيْثَ الزُّهْرِيِّ، فَتَعَالَ حَتَّى نَذْكُرَ مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلاَ يَتَذَاكَرَانِ، وَلا يُغْرِبُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ حَتَّى فَرَغَا، فَمَا رَأَيْتُ أَحسَنَ مِنْ مُذَاكَرَتِهِمَا, ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: تَعَالَ حَتَّى نَذْكُرَ مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَوْلاَدِ الصَّحَابَةِ، فَجَعَلاَ يَتَذَاكَرَانِ، وَلا يُغْرِبُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ ... , إِلَى أَنْ قَالَ لأَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ: عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرِ بن مطعم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بنِ عَوْفٍ قَالَ: النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِيَ حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنَّ لِي حِلْفَ المُطَيَّبِين".
فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَنْتَ الأُسْتَاذُ، وَتَذْكُرُ مِثْلَ هَذَا. فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَتَبَسَّمُ، وَيَقُوْلُ: رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَجُلٌ مَقْبُوْلٌ أَوْ صَالِحٌ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: مَنْ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ? فَقَالَ: حَدَّثَنَاهُ ثِقَتَانِ: إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ. فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: سَأَلْتُكَ بِاللهِ إِلاَّ أَملَيْتَهُ عليَّ. فَقَالَ: أَحْمَدُ مِنَ الكِتَابِ، فَقَامَ، وَدَخَلَ، فَأَخْرَجَ الكِتَابَ، وَأَمْلَى عَلَيْهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: لَوْ لَمْ أَستَفِدْ بِالعِرَاقِ إِلاَّ هَذَا الحَدِيْثَ لَكَانَ كَثِيْراً ثُمَّ، وَدَّعَهُ، وَخَرَجَ.
وَهَذَا الحَدِيْثُ، فِي "مُسْنَدِ" الإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْهُمَا، وَلَفْظُهُ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شَهِدْتُ غُلاَماً مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ المُطَيَّبِيْنَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ حُمْرَ النَّعَمِ وَإِنِّي أَنْكُثُهُ". فَهَذَا لَفْظُ إِسْمَاعِيْلَ ثُمَّ رَوَاهُ ثَانِياً، فَقَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شَهِدْتُ حِلْفَ المُطَيَّبِيْنَ مَعَ عمومتي، وأنا غُلاَمٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَإِنِّي أَنْكُثُهُ".
قُلْتُ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا حَنْبَلٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنِي أَبِي بِهِمَا.
وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيْدِ مِنْ صَحِيْحِهِ: حَدَّثَنَا محمد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلاَلٍ أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ حَدَّثَهُ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ، وَكَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ، فِي صَلاَتِهِم، فَيَخْتِمُ بِـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "سَلُوْهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ"؟ فَسَأَلُوْهُ، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ" .
فَمُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ. قَالَ ذَلِكَ أبي عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ، فِي كِتَابِ "تَقْيِيْدِ المُهْمَلِ"، وَأَنَا إِلَى هذا أميل إن كانت النسخ متفقة في ذَلِكَ، فَإِنَّنِي أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ مُحَمَّدٌ هُوَ البُخَارِيُّ، فَإِنَّ كَثِيْراً مِنَ النُّسَخِ فِي أَوَّلِ كُلِّ حَدِيْثٍ مِنْهَا اسْمُ المُؤَلِّفِ, وَفِي بَعْضِهَا: مُحَمَّدٌ الفِرَبْرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، فَيُحَرَّرُ هَذَا.
قَالَ أبي زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ قال: حدثت أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ بِحَدِيْثِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ فِي بَيعِ الثِّمَارِ، فَأَعجَبَهُ، وَاسْتَزَادَنِي مِثْلَهُ، فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ مِثْلُهُ?!
قَالَ: صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ الحَافِظُ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، فَقَالَ: حَرَجٌ عَلَى كُلِّ مُبْتَدِعٍ وَمَاجِنٍ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسِي، فَقُلْتُ: أَمَّا المَاجِنُ، فَأَنَا هُوَ: وَذَاكَ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: صَالِحٌ المَاجِنُ قَدْ حضر مجلسك.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أبي حَامِدٍ السَّيَّارِيُّ، حَدَّثَنَا أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: ارْتَحَلْتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ صالح، فدخلت، فتذاكرانا إِلَى أَنْ ضَاقَ الوَقْتُ ثُمَّ أَخْرَجْتُ مِنْ كُمِّي أَطرَافاً فِيْهَا أَحَادِيْثُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ لِي: تَعُودُ. فَعُدْتُ مِنَ الغَدِ مَعَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَأَخْرَجْتُ الأَطرَافَ، وَسأَلْتُهُ، فَقَالَ: تَعُودُ. فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قُلْتَ لِي بِالأَمسِ: مَا عِنْدَكَ مَا يُكْتَبُ؟ أَوْرِدْ عَلَيَّ مُسْنَداً أَوْ مُرْسَلاً أَوْ حَرْفاً مِمَّا أَسْتَفِيْدُ، فَإِنْ لَمْ أُورِدْ ذَلِكَ عَمَّنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْكَ، فَلَسْتُ بِأَبِي زُرْعَةَ. ثم قمت، وقلت لأصحابنا: من ههنا مِمَّنْ نَكتُبُ عَنْهُ? قَالُوا: يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ، فَذَهَبتُ إِلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ قَدْ سَمِعَ فِي كُتُبِ حَرْمَلَةَ، فَمَنَعَهُ حَرْمَلَةُ مِنَ الكُتُبِ، وَلَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ إِلاَّ نِصْفَ الكُتُبِ، فَكَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بَعْدُ كُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنْ حَرْمَلَةَ، وَبَدَأَ بِهِ إِذَا وَافَى مِصْرَ لَمْ يُحَدِّثْهُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ المَقْدِسِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ مِصْرَ، فَبَدَأْتُ بِحَرْمَلَةَ، فَكَتَبْتُ عَنْهُ كِتَابَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَالفَوَائِدَ, ثُمَّ ذَهَبتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، فَلَمْ يُحَدِّثْنِي، فَحَمَلْتُ كِتَابَ يُوْنُسَ، فَخَرَّقْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أُرْضِيَهِ بِذَلِكَ، وليتني لم أخرقه، فلم يَرْضَ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي.
قُلْتُ: نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ هَذِهِ الأَخْلاَقِ صَدَقَ أبي سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ حَيْثُ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ آفَةٌ غَيْرَ الكِبْرِ، فَلَو قُدِحَ فِي عَدَالتِهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِثْمٌ كَبِيْرٌ.
أَخْبَرَنَا أبي المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِب الزَّاهِد، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بن علي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أبي بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أبي جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَأَنسَاهُ قَالَ: " ابْسُطْ رِدَاءكَ". فَبَسَطْتُهُ، فَغَرَفَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: "ضُمَّهُ". فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ حَدِيْثاً بَعْدُ.
رَوَاهُ البُخَارِيُّ، عَنِ الثِّقَةِ، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن أبي ذئب، عن شُرَحْبِيْلَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لأَنْ يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمائَةِ دِيْنَارٍ عِنْدَ مَوْتِهِ".
أَخْرَجَهُ أبي داود، عن أحمد، فوافقناه بعلو.
فَأَمَّا حَدِيْثُ بَيْعِ الثِّمَارِ، فَأَنْبَأَنَاهُ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أبي غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أبي جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أبي طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الزِّنَادِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَمَا يُذْكَرُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ، عَنْ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ، وَحَضَرَ تَقَاضِيهِم, قَالَ المُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثِّمَارَ الدَّمَانُ، وَأَصَابَهُ قُشَامٌ، وَأَصَابَهُ مُرَاضٌ عَاهَاتٌ يَحتَجُّوْنَ بِهَا، فَقَالَ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "فإما لا فلا تبيايعوا الثِّمَارَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا". كَالمَشُورَةِ يُشِيْرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِم2. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: إِنِّي شَاكٌّ لاَ أَدْرِي سَمِعْتُ هَذِهِ الكَلِمَةَ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ، وَهُوَ فِي كِتَابِي مُجَازٌ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَهُ أبي دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ.
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُم البُخَارِيُّ، وَابْنُ زَبْرٍ: مَاتَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ فِي شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ مِنْ جِلَّةِ المُقْرِئِينَ.
قَالَ أبي عَمْرٍو الدَّانِيُّ: أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً وَسَمَاعاً عَنْ ورش، وقالون، وإسماعيل بن أَبِي أُوَيْسٍ وَأَخِيْهِ؛ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ, كُلُّهُم عَنْ نَافِعٍ قَالَ: وَرَوَى حُرُوْفَ عَاصِمٍ عَنْ حَرَمِيِّ بنِ عُمَارَةَ.
روَى عَنْهُ القِرَاءةَ: حَجَّاجٌ الرُّشْدِيْنِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ أَبِي مِهْرَانَ الجَمَّالُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَالِكٍ الأُشْنَانِيُّ، وَحَسَنُ بنُ القَاسِمِ، وَالخَضِرُ بنُ الهَيْثَمِ الطُّوْسِيُّ، وَأبي إِسْحَاقَ الحَرَّانِيُّ، وَغَيْرُهُم.
قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ أَنْبَأَنَا أبي الحُسَيْنِ بنُ تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أبي مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الكَتَّانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُجَاهِدٍ فِي كِتَابِ "السَّبْعَةِ" لَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ عَنْ وَرْشٍ، وَقَالُوْنَ، وَأَبِي بكر، وإسماعيل عن نافع بالحروف.
قَالَ أبي دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ عَمَّنْ قَالَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَلاَ يَقُوْلُ: مَخْلُوْقٌ، وَلاَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَقَالَ: هَذَا شَاكٌّ، وَالشَّاكُّ كَافِرٌ.
قُلْتُ: بَلْ هَذَا سَاكِتٌ، وَمَنْ سَكَتَ تَوَرُّعاً لاَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ قَوْلٌ, وَمَنْ سَكَتَ شَاكّاً مُزْرِياً عَلَى السَّلَفِ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى المِصْرِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْماً يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ لَفْظَنَا بِالقُرْآنِ غَيْرُ المَلْفُوْظِ، فَقَالَ: لَفْظُنَا بِالقُرْآنِ هو الملفوظ، والحكاية هي المحكي، وهو كلام اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِهِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.
قُلْتُ: إِنْ قَالَ: لَفْظِي، وَعَنَى بِهِ القُرْآنَ، فَنَعَمْ، وَإِنْ قَالَ: لَفْظِي، وَقَصَدَ بِهِ تَلَفُّظِي وَصَوتِي وَفِعْلِي أَنَّهُ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُصِيبٌ، فَاللهُ تَعَالَى خَالِقُنَا، وَخَالِقُ أَفْعَالِنَا، وَأَدَوَاتِنَا، وَلَكِنَّ الكَفَّ عَنْ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ، وَيَكفِي المَرْءَ أَنْ يُؤمِنَ بِأَنَّ القُرْآنَ العَظِيْمَ كَلاَمُ اللهِ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيْلُهُ عَلَى قَلْبِ نَبِيِّهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَعْلُوْمٌ عِنْدَ كُلِّ ذِي ذهن سليم أن الجماعة إذا قرءوا السورة أنهم جميعهم قرءوا شَيْئاً، وَاحِداً، وَأَنَّ أَصْوَاتَهُم وَقِرَاءاتِهِم وَحَنَاجِرَهُمْ أَشْيَاءٌ
مُخْتَلِفَةٌ، فَالمَقرُوءُ كَلاَمُ رَبِّهِم، وَقِرَاءتُهُم وَتَلَفُّظُهُم وَنَغَمَاتُهُم مُتَبَايِنَةٌ، وَمَنْ لَمْ يَتَصَوَّرِ الفَرْقَ بَيْنَ التَّلَفُّظِ وبين الملفوظ، فدعه، وأعرض عنه.
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايمازالذهبي
أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ أَبُو جَعْفَر الْحَافِظ
وَيعرف بِابْن الطَّبَرِيّ
كَانَ أحد الْحفاظ المبرزين وَالْأَئِمَّة الْمَذْكُورين
روى عَن عَفَّان بن مُسلم وَعبد الرَّزَّاق وعدة
وَعنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنه أَبُو بكر وَهُوَ آخر من حدث عَنهُ
قَالَ الْفضل بن دُكَيْن مَا قدم علينا أحد أعلم بِحَدِيث أهل الْحجاز مِنْهُ
وَقَالَ أَحْمد هوأعرف النَّاس بِأَحَادِيث ابْن شهَاب
وَقَالَ صَالح بن مُحَمَّد بن حبيب لم يكن بِمصْر أحد يحسن الحَدِيث ويحفظه غَيره وَكَانَ يعقل الحَدِيث وَيعرف الْفِقْه والنحو وَيتَكَلَّم فِي حَدِيث الثَّوْريّ وَشعْبَة وَأهل الْعرَاق ويذاكر بِحَدِيث الزُّهْرِيّ ويحفظه
وَقَالَ ابْن نمير هُوَ وَاحِد النَّاس فِي علم الْحجاز وَالْمغْرب
وَقَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن وارة أَحْمد بن صَالح بِمصْر وَأحمد بن حَنْبَل بِبَغْدَاد وَابْن نمير بِالْكُوفَةِ والنفيلي بحران هَؤُلَاءِ أَرْكَان الدّين
وَقَالَ غَيره كَانَ من حفاظ الحَدِيث واعياً رَأْسا فِي الحَدِيث وَعلله تكلم فِيهِ النَّسَائِيّ بِلَا حجَّة
مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ ومولده سنة سبعين وَمِائَة
طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.
أحمدْ بن صَالح الْمصْرِيّ أَبُو جَعْفَر الطبرى الْحَافِظ أحد أَرْكَان الْعلم وجهابذة الْحفاظ.
قَالَ أَبُو سَعِيد بْن يُونُس كَانَ أَبوهُ جنديا من أجناد طبرستان فولد لَهُ أَحْمَد بِمصْر سنة سبعين وَمِائَة
قلت سمع سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَعبد اللَّه بْن وهب وحرمي بْن عمَارَة وعنبسة ابْن سَعِيد وَابْن أَبِي فديك وَعبد الرَّزَّاق وَعبد اللَّه بْن نَافِع وَالشَّافِعِيّ
وروى عَنهُ البُخَارِيّ وَرُبمَا رَوَى عَن رجل عَنهُ وروى عَنهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَعَمْرو النَّاقِد والذهلي ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نمير ومَحْمُود بْن غيلَان وَأَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَصَالح جزرة وَأَبُو إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ وَأَبُو بكر بْن أَبِي دَاوُد وَخلق
وَدخل بَغْدَاد وناظر بهَا أَحْمَد بْن حَنْبَل
قَالَ أَبُو زرْعَة سَأَلَني أَحْمَد بْن حَنْبَل من بِمصْر فَقلت أَحْمَد بْن صَالح
فسر بِذكرِهِ ودعا لَهُ
وَقَالَ البُخَارِيّ هُوَ ثِقَة مَا رَأَيْت أحدا يتَكَلَّم فِيهِ بِحجَّة
وَقَالَ يَعْقُوب الْفَسَوِي كتبت عَن ألف شيخ وَكسر حجتي فِيمَا بيني وَبَين اللَّه رجلَانِ أَحْمَد بْن حَنْبَل وأَحْمَد بْن صَالح
وَقَالَ ابْن وارة الْحَافِظ أَحْمَد بْن حَنْبَل بِبَغْدَاد وأَحْمَد بْن صَالح الْمصْرِيّ بِمصْر والنفيلي بحران وَابْن نمير بِالْكُوفَةِ هَؤُلَاءِ أَرْكَان الدّين
وَقد تكلم النَّسَائِيّ فِي أَحْمَد بْن صَالح فَقَالَ لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مَأْمُون تَركه مُحَمَّد بْن يَحْيَى ورماه يَحْيَى بْن معِين بِالْكَذِبِ
قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب يُقَال كَانَ آفَة أَحْمَد بْن صَالح الْكبر وشراسة الْخلق ونال النَّسَائِيّ مِنْهُ جفَاء فِي مَجْلِسه فَذَلِك الَّذِي أفسد بَينهمَا
قَالَ ابْن عدي سَمِعت مُحَمَّد بْن هَارُون البرقي يَقُول حضرت مجْلِس أَحْمَد بْن صَالح وطرد النَّسَائِيّ من مَجْلِسه فَحَمله عَلَى أَن تكلم فِيهِ
قَالَ ابْن عدي وَكَانَ النَّسَائِيّ يُنكر عَلَيْهِ أَحَادِيث مِنْهَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ
وَالْحَدِيثُ فَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ
قَالَ ابْن عدي وأَحْمَد من حفاظ الحَدِيث وَكَلَام ابْن معِين فِيهِ تحامل
وَأَرَادَ بِكَلَام ابْن معِين مَا ذكره مُعَاوِيَة بْن صَالح عَنهُ أَنه سَأَلَهُ عَن أَحْمَد بْن صَالح فَقَالَ رَأَيْته كذابا يخْطر فِي جَامع مصر
قلت وَقد ذكر أَن الَّذِي ذكر فِيهِ ابْن معِين هَذِهِ الْمقَالة هُوَ أَحْمَد بْن صَالح الشموني وَهُوَ شيخ بِمَكَّة كَانَ يضع الحَدِيث وَأَنه لم يعن أَحْمَد بْن صَالح هَذَا فَإِن هَذَا كَانَ من أقرانه فِي الْحِفْظ والإتقان ويترجح عَلَيْهِ فِي حَدِيث أهل مصر والحجاز وَذكر أَيْضًا أَنه كَانَت بَينه وَبَينه منافرة دنيوية
قَالَ ابْن عدي وَأما سوء ثَنَاء النَّسَائِيّ عَلَيْهِ فَلَمَّا تقدم
قَالَ وَلَوْلَا أَنِّي شرطت أَن أذكر فِي كتابي كل من تكلم فِيهِ مُتَكَلم لَكُنْت أجل أَحْمَد بْن صَالح أَن أذكرهُ
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يعلى الخليلي فِي كتاب الْإِرْشَاد ابْن صَالح ثِقَة حَافظ وَاتفقَ الْحفاظ عَلَى أَن كَلَام النَّسَائِيّ فِيهِ تحامل وَلَا يقْدَح كَلَام أَمْثَاله فِيهِ وَقد نقم عَلَى النَّسَائِيّ كَلَامه فِيهِ
وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي كتاب الأحوذي إِمَام ثِقَة من أَئِمَّة الملسمين لَا يُؤثر فِيهِ تجريح وَإِن هَذَا القَوْل يحط من النَّسَائِيّ أَكثر مِمَّا حط من ابْن صَالح
قلت وَكَذَا قَالَ الْبَاجِيّ
قلت أَحْمَد بْن صَالح ثِقَة إِمَام وَلَا الْتِفَات إِلَى كَلَام من تكلم فِيهِ
وَلَكنَّا ننبهك هُنَا على قَاعِدَة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل ضَرُورِيَّة نافعة لَا ترَاهَا فى شئ من كتب الْأُصُول فَإنَّك إِذا سَمِعت أَن الْجرْح مقدم عَلَى التَّعْدِيل وَرَأَيْت الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَكنت غرا بالأمور أَو فدما مُقْتَصرا عَلَى مَنْقُول الْأُصُول حسبت أَن الْعَمَل عَلَى جرحه فإياك ثمَّ إياك والحذر كل الحذر من هَذَا الحسبان بل الصَّوَاب عندنَا أَن من ثبتَتْ إِمَامَته وعدالته وَكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحه وَكَانَت هُنَاكَ قرينَة دَالَّة عَلَى سَبَب جرحه من تعصب مذهبي أَو غَيره فَإنَّا لَا نلتفت إِلَى الْجرْح فِيهِ ونعمل فِيهِ بِالْعَدَالَةِ وَإِلَّا فَلَو فتحنا هَذَا الْبَاب أَو أَخذنَا تَقْدِيم الْجرْح عَلَى إِطْلَاقه لما سلم لنا أحد من الْأَئِمَّة إِذْ مَا من إِمَام إِلَّا وَقد طعن فِيهِ طاعنون وَهلك فِيهِ هالكون وَقد عقد الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر فى الْكتاب الْعلم بَابا فِي حكم قَول الْعلمَاء بَعضهم فِي بعض بَدَأَ فِيهِ بِحَدِيث الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دب إِلَيْكُم دَاء الْأُمَم قبلكُمْ الْحَسَد والبغضاء الحَدِيث
وَرُوِيَ بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنه قَالَ اسْتَمعُوا علم الْعلمَاء وَلَا تصدقوا بَعضهم عَلَى بعض فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَهُم أَشد تغايرا من التيوس فِي زروبها
وَعَن مَالك بْن دِينَار يُؤْخَذ بقول الْعلمَاء والقراء فى كل شئ إِلَّا قَول بَعضهم فِي بعض
قلت وَرَأَيْت فِي كتاب معِين الْحُكَّام لِابْنِ عَبْد الرفيع من الْمَالِكِيَّة وَقع فِي المبسوطة من قَول عَبْد اللَّه بْن وهب أَنه لَا يجوز شَهَادَة الْقَارئ عَلَى الْقَارئ يَعْنِي الْعلمَاء لأَنهم أَشد النَّاس تحاسدا وتباغيا
وَقَالَهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك بْن دِينَار
انْتهى
وَلَعَلَّ ابْن عَبْد الْبر يرى هَذَا وَلَا بَأْس بِهِ غير أَنا لَا نَأْخُذ بِهِ عَلَى إِطْلَاقه وَلَكِن نرى أَن الضَّابِط مَا نقُوله من أَن ثَابت الْعَدَالَة لَا يلْتَفت فِيهِ إِلَى قَول من تشهد الْقَرَائِن بِأَنَّهُ مُتَحَامِل عَلَيْهِ إِمَّا لتعصب مذهبي أَو غَيره، ثمَّ قَالَ أَبُو عمر بعد ذَلِك الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب أَن من ثبتَتْ عَدَالَته وَصحت فِي الْعلم إِمَامَته وبالعلم عنايته لم يلْتَفت فِيهِ إِلَى قَول أحد إِلَّا أَن يَأْتِي فِي جرحته بِبَيِّنَة عادلة تصح بهَا جرحته عَلَى طَرِيق الشَّهَادَات
وَاسْتدلَّ بِأَن السّلف تكلم بَعضهم فِي بعض بِكَلَام مِنْهُ مَا حمل عَلَيْهِ الْغَضَب أَو الْحَسَد وَمِنْه مَا دَعَا إِلَيْهِ التَّأْوِيل وَاخْتِلَاف الِاجْتِهَاد فِيمَا لَا يلْزم الْمَقُول فِيهِ مَا قَالَ الْقَائِل فِيهِ وَقد حمل بَعضهم عَلَى بعض بِالسَّيْفِ تَأْوِيلا واجتهادا ثمَّ انْدفع ابْن عَبْد الْبر فِي ذكر كَلَام جمَاعَة من النظراء بَعضهم فِي بعض وَعدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ لذَلِك إِلَى أَن انْتهى إِلَى كَلَام ابْن معِين فِي الشَّافِعِي وَقَالَ إِنَّه مِمَّا نقم عَلَى ابْن معِين وعيب بِهِ وَذكر قَول أَحْمَد بْن حَنْبَل من أَيْن يعرف يَحْيَى بْن معِين الشَّافِعِي هُوَ لَا يعرف الشَّافِعِي وَلَا يعرف مَا يَقُوله الشَّافِعِي وَمن جهل شَيْئا عَادَاهُ
قلت وَقد قِيلَ إِن ابْن معِين لم يرد الشَّافِعِي وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْن عَمه كَمَا سنحكيه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ أَبِي مَنْصُور وَبِتَقْدِير إِرَادَته الشَّافِعِي فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَهُوَ عَار عَلَيْهِ وَقد كَانَ فِي بكاء ابْن معِين عَلَى إجَابَته الْمَأْمُون إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وتحسره عَلَى مَا فرط مِنْهُ مَا يَنْبَغِي أَن يكون شاغلا لَهُ عَن التَّعَرُّض إِلَى الإِمَام الشَّافِعِي إِمَام الْأَئِمَّة ابْن عَم الْمُصْطَفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثمَّ ذكر ابْن عَبْد الْبر كَلَام ابْن أَبِي ذيب وإِبْرَاهِيم بْن سعد فِي مَالك بْن أنس قَالَ وَقد تكلم أَيْضًا فِي مَالك عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلمَة وَعبد الرَّحْمَن بْن زيد بْن أسلم ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَابْن أَبِي يحيى وَابْن أَبِي الزِّنَاد وعابوا أَشْيَاء من مذْهبه وَقد برأَ اللَّه عز وَجل مَالِكًا عَمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد اللَّه وجيها
قَالَ وَمَا مثل من تكلم فِي مَالك وَالشَّافِعِيّ ونظائرهما إِلَّا كَمَا قَالَ الْأَعْشَى
(كناطح صَخْرَة يَوْمًا ليقلعها ... فَلم يَضرهَا وأوهى قرنه الوعل)
أَو كَمَا قَالَ الْحَسَن بْن حُمَيْد
(يَا ناطح الْجَبَل العالي ليُكْلِمَه ... أشفِقْ عَلَى الرَّأْس لَا تُشْفِق عَلَى الْجَبَل)
وَلَقَد أحسن أبوالعتاهية حَيْثُ يَقُول
(وَمن ذَا الَّذِي ينجو من النَّاس سالما ... وَلِلنَّاسِ قَالٌ بالظنون وَقيل)
وَقيل لِابْنِ الْمُبَارك فلَان يتَكَلَّم فِي أَبِي حنيفَة فَأَنْشد
(حسدوك أَن رأوك فضلك اللَّه ... بِمَا فضلت بِهِ النجباء)
وَقيل لأبي عَاصِم النَّبِيل فلَان يتَكَلَّم فِي أَبِي حنيفَة فَقَالَ هُوَ كَمَا قَالَ نصيب
(سلمت وَهل حَيّ عَلَى النَّاس يسلم ... )
وَقَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي
(حسدوا الْفَتى إِذْ لم ينالوا سَعْيه ... فالقوم أَعدَاء لَهُ وخصوم)
ثمَّ قَالَ ابْن عَبْد الْبر فَمن أَرَادَ قبُول قَول الْعلمَاء الثِّقَات بَعضهم فِي بعض فليقبل قَول الصَّحَابَة بَعضهم فِي بعض فَإِن فعل ذَلِك فقد ضل ضلالا بَعيدا
وخسر خسرانا مُبينًا
قَالَ وَإِن لم يفعل وَلنْ يفعل إِن هداه اللَّه وألهمه رشده فليقف عِنْدَمَا شرطناه فِي أَن لَا يقبل فِي صَحِيح الْعَدَالَة الْمَعْلُوم بِالْعلمِ عنايته قَول قَائِل لَا برهَان لَهُ
قلت هَذَا كَلَام ابْن عَبْد الْبر وَهُوَ عَلَى حسنه غير صَاف عَن القذى والكدر فَإِنَّهُ لم يزدْ فِيهِ عَلَى قَوْله إِن من ثبتَتْ عَدَالَته ومعرفته لَا يقبل قَول جارحه إِلَّا ببرهان وَهَذَا قد أَشَارَ إِلَيْهِ الْعلمَاء جَمِيعًا حَيْثُ قَالُوا لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا
فَمَا الَّذِي زَاده ابْن عَبْد الْبر عَلَيْهِم وَإِن أَوْمَأ إِلَى أَن كَلَام النظير فِي النظير وَالْعُلَمَاء بَعضهم فِي بعض مَرْدُود مُطلقًا كَمَا قدمْنَاهُ عَن المبسوطة فليفصح بِهِ ثمَّ هُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ هَذَا عَلَى إِطْلَاقه بل لابد من زِيَادَة عَلَى قَوْلهم إِن الْجرْح مقدم عَلَى التَّعْدِيل ونقصان من قَوْلهم كَلَام النظير فِي النظير مَرْدُود وَالْقَاعِدَة معقودة لهَذِهِ الْجُمْلَة وَلم ينح ابْن عَبْد الْبر فِيمَا يظْهر سواهَا وَإِلَّا لصرح بِأَن كَلَام الْعلمَاء بَعضهم فِي بعض مَرْدُود أَو لَكَانَ كَلَامه غير مُفِيد فَائِدَة زَائِدَة عَلَى مَا ذكره النَّاس وَلَكِن عِبَارَته كَمَا ترى قَاصِرَة عَن المُرَاد
فَإِن قلت فَمَا الْعبارَة الوافية بِمَا ترَوْنَ
قلت مَا عرفناك أَولا من أَن الْجَارِح لَا يقبل مِنْهُ الْجرْح وَإِن فسره فِي حق من غلبت طاعاته عَلَى مَعَاصيه ومادحوه عَلَى ذاميه ومزكوه عَلَى جارحيه إِذا كَانَت هُنَاكَ قرينَة يشْهد الْعقل بِأَن مثلهَا حَامِل عَلَى الوقيعة فِي الذى جرحه من تعصب مذهبي أَو مُنَافَسَة دنيوية كَمَا يكون من النظراء أَو غير ذَلِك فَنَقُول مثلا لَا يلْتَفت إِلَى كَلَام ابْن أَبِي ذيب فِي مَالك وَابْن معِين فِي الشَّافِعِي وَالنَّسَائِيّ فِي أَحْمَد بْن صَالح لِأَن هَؤُلَاءِ أَئِمَّة مَشْهُورُونَ صَار الْجَارِح لَهُم كالآتي بِخَبَر غَرِيب لَو صَحَّ لتوفرت الدَّوَاعِي عَلَى نَقله وَكَانَ الْقَاطِع قَائِما عَلَى كذبه
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد عِنْد الْجرْح حَال العقائد واختلافها بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَارِح والمجروح فَرُبمَا خَالف الْجَارِح الْمَجْرُوح فِي العقيدة فجرحه لذَلِك وَإِلَيْهِ أَشَارَ الرَّافِعِيّ بقوله وَيَنْبَغِي أَن يكون المزكون بُرَآء من الشحناء والعصبية فِي الْمَذْهَب خوفًا من أَن يحملهم ذَلِك عَلَى جرح عدل أَو تَزْكِيَة فَاسق وَقد وَقع هَذَا لكثير من الْأَئِمَّة جرحوا بِنَاء عَلَى معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مُصِيب وَقد أَشَارَ شيخ الْإِسْلَام سيد الْمُتَأَخِّرين تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فِي كِتَابه الاقتراح إِلَى هَذَا الْإِسْلَام سيد الْمُتَأَخِّرين تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فِي كِتَابه الاقتراح إِلَى هَذَا وَقَالَ أَعْرَاض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار وقف عَلَى شفيرها طَائِفَتَانِ من النَّاس المحدثون والحكام
قلت وَمن أَمْثِلَة مَا قدمنَا قَول بَعضهم فِي البُخَارِيّ تَركه أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم من أجل مَسْأَلَة اللَّفْظ فيالله وَالْمُسْلِمين أَيجوزُ لأحد أَن يَقُول البُخَارِيّ مَتْرُوك وَهُوَ حَامِل لِوَاء الصِّنَاعَة ومقدم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ثمَّ يالله وَالْمُسْلِمين أَتجْعَلُ ممادحه مذام فَإِن الْحق فِي مَسْأَلَة اللَّفْظ مَعَه إِذْ لَا يستريب عَاقل من المخلوقين فِي أَن تلفظه من أَفعاله الْحَادِثَة الَّتِي هِيَ مخلوقة لله تَعَالَى وَإِنَّمَا أنكرها الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لبشاعة لَفظهَا
وَمن ذَلِك قَول بعض المجسمة فِي أَبِي حَاتِم ابْن حبَان لم يكن لَهُ كَبِير دين نَحن أخرجناه من سجستان لِأَنَّهُ أنكر الْحَد لله فياليت شعري من أَحَق بِالْإِخْرَاجِ من يَجْعَل ربه محدودا أَو من ينزهه عَن الجسمية وأمثلة هَذَا تكْثر وَهَذَا شَيخنَا الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه من هَذَا الْقَبِيل لَهُ علم وديانة وَعِنْده عَلَى أهل السّنة تحمل مفرط فَلَا يجوز أَن يعْتَمد عَلَيْهِ
ونقلت من خطّ الْحَافِظ صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدى العلائي رَحمَه اللَّه مَا نَصه الشَّيْخ الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ لَا أَشك فِي دينه وورعه وتحريه فِيمَا يَقُوله النَّاس وَلكنه غلب عَلَيْهِ مَذْهَب الْإِثْبَات ومنافرة التَّأْوِيل والغفلة عَن التَّنْزِيه حَتَّى أثر ذَلِك فِي طبعه انحرافا شَدِيدا عَن أهل التَّنْزِيه وميلا قَوِيا إِلَى أهل الْإِثْبَات فَإِذا ترْجم وَاحِدًا مِنْهُم يطنب فِي وَصفه بِجَمِيعِ مَا قِيلَ فِيهِ من المحاسن ويبالغ فِي وَصفه ويتغافل عَن غلطاته ويتأول لَهُ مَا أمكن وَإِذا ذكر أحدا من الطّرف الآخر كإمام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَنَحْوهمَا لَا يُبَالغ فِي وَصفه وَيكثر من قَول من طعن فِيهِ وَيُعِيد ذَلِك ويبديه ويعتقده دينا وَهُوَ لَا يشْعر ويعرض عَن محاسنهم الطافحة فَلَا يستوعبها وَإِذا ظفر لأحد مِنْهُم بغلطة ذكرهَا وَكَذَلِكَ فعله فِي أهل عصرنا إِذا لم يقدر عَلَى أحد مِنْهُم بتصريح يَقُول فِي تَرْجَمته وَالله يصلحه وَنَحْو ذَلِك وَسَببه الْمُخَالفَة فِي العقائد
انْتهى
وَالْحَال فِي حق شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَزِيد مِمَّا وصف وَهُوَ شَيخنَا ومعلمنا غير أَن الْحق أَحَق أَن يتبع وَقد وصل من التعصب المفرط إِلَى حد يسخر مِنْهُ
وَأَنا أخْشَى عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة من غَالب عُلَمَاء الْمُسلمين وأئمتهم الَّذين حملُوا لنا الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة فَإِن غالبهم أشاعرة وَهُوَ إِذا وَقع بأشعري لَا يبقي وَلَا يذر
وَالَّذِي أعتقده أَنهم خصماؤه يَوْم الْقِيَامَة عِنْد من لَعَلَّ أَدْنَاهُم عِنْده أوجه مِنْهُ فَالله الْمَسْئُول أَن يُخَفف عَنهُ وَأَن يلهمهم الْعَفو عَنهُ وَأَن يشفعهم فِيهِ
وَالَّذِي أدركنا عَلَيْهِ الْمَشَايِخ النَّهْي عَن النّظر فِي كَلَامه وَعدم اعْتِبَار قَوْله وَلم يكن يستجري أَن يظْهر كتبه التاريخية إِلَّا لمن يغلب عَلَى ظَنّه أَنه لَا ينْقل عَنهُ مَا يعاب عَلَيْهِ
وَأما قَول العلائي رَحمَه اللَّه دينه وورعه وتحريه فِيمَا يَقُوله فقد كنت أعتقد ذَلِك وَأَقُول عِنْد هَذِهِ الْأَشْيَاء إِنَّه رُبمَا اعتقدها دينا وَمِنْهَا أُمُور أقطع بِأَنَّهُ يعرف بِأَنَّهَا كذب وأقطع بِأَنَّهُ لَا يختلقها وأقطع بِأَنَّهُ يحب وَضعهَا فِي كتبه لتنتشر وأقطع بِأَنَّهُ يحب أَن يعْتَقد سامعها صِحَّتهَا بغضا للمتحدث فِيهِ وتنفيرا للنَّاس عَنهُ مَعَ قلَّة مَعْرفَته بمدلولات الْأَلْفَاظ وَمَعَ اعْتِقَاده أَن هَذَا مِمَّا يُوجب نصر العقيدة الَّتِي يعتقدها هُوَ حَقًا وَمَعَ عدم ممارسته لعلوم الشَّرِيعَة غير أَنِّي لما أكثرت بعد مَوته النّظر فِي كَلَامه عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى النّظر فِيهِ توقفت فِي تحريه فِيمَا يَقُوله وَلَا أَزِيد عَلَى هَذَا غير الإحالة عَلَى كَلَامه فَلْينْظر كَلَامه من شَاءَ ثمَّ يبصر هَل الرجل متحر عِنْد غَضَبه أَو غير متحر وأعنى بغضبه وَقت تَرْجَمته لوَاحِد من عُلَمَاء الْمذَاهب الثَّلَاثَة الْمَشْهُورين من الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة فَإِنِّي أعتقد أَن الرجل كَانَ إِذا مد الْقَلَم لترجمة أحدهم غضب غَضبا مفرطا ثمَّ قرطم الْكَلَام ومزقه وَفعل من التعصب مَالا يخفى عَلَى ذِي بَصِيرَة ثمَّ هُوَ مَعَ ذَلِك غير خَبِير بمدلولات الْأَلْفَاظ كَمَا يَنْبَغِي فَرُبمَا ذكر لَفْظَة من الذَّم لَو عقل مَعْنَاهَا لما نطق بهَا ودائما أتعجب من ذكره الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِي كتاب الْمِيزَان فِي الضُّعَفَاء وَكَذَلِكَ السَّيْف الْآمِدِيّ وَأَقُول يالله الْعجب هَذَانِ لَا رِوَايَة لَهما وَلَا جرحهما أحد وَلَا سمع من أحد أَنه ضعفهما فِيمَا ينقلانه من علومهما فَأَي مدْخل لَهما فِي هَذَا الْكتاب ثمَّ إِنَّا لم نسْمع أحدا يُسَمِّي الإِمَام فَخر الدّين بالفخر بل إِمَّا الإِمَام وَإِمَّا ابْن الْخَطِيب وَإِذا ترْجم كَانَ فِي المُحَمَّدين فَجعله فِي حرف الْفَاء وَسَماهُ الْفَخر ثمَّ حلف فِي آخر الْكتاب أَنه لم يتَعَمَّد فِيهِ هوى نَفسه فَأَي هوى نفس أعظم من هَذَا فإمَّا أَن يكون ورى فِي يَمِينه أَو اسْتثْنى غير الروَاة فَيُقَال لَهُ فَلم ذكرت غَيرهم وَإِمَّا أَن يكون اعْتقد أَن هَذَا لَيْسَ هوى نفس وَإِذا وصل إِلَى هَذَا الْحَد وَالْعِيَاذ بِاللَّه فَهُوَ مطبوع عَلَى قلبه ولنعد إِلَى مَا كُنَّا بصدده فَنَقُول
فَإِن قلت قَوْلكُم لابد من تفقد حَال العقائد هَل تعنون بِهِ أَنه لَا يقبل قَول مُخَالف عقيدة فِيمَن خَالفه مُطلقًا سَوَاء السّني عَلَى المبتدع وَعَكسه أَو غير ذَلِك قلت هَذَا مَكَان معضل يجب عَلَى طَالب التَّحْقِيق التَّوَقُّف عِنْده لفهم مَا يلقى عَلَيْهِ وَأَن لَا يُبَادر لإنكار شَيْء قبل التَّأَمُّل فِيهِ
وَاعْلَم أَنا عنينا مَا هُوَ أَعم من ذَلِك ولسنا نقُول لَا تقبل شَهَادَة السّني عَن المبتدع مُطلقًا معَاذ اللَّه وَلَكِن نقُول من شهد عَلَى آخر وَهُوَ مُخَالف لَهُ فِي العقيدة أوجبت مُخَالفَته لَهُ فِي العقيدة رِيبَة عِنْد الْحَاكِم الْمُنْتَصر لَا يجدهَا إِذا كَانَت الشَّهَادَة صادرة من غير مُخَالف فِي العقيدة وَلَا يُنكر ذَلِك إِلَّا فدم أخرق
ثمَّ الْمَشْهُود بِهِ يخْتَلف باخْتلَاف الْأَحْوَال والأغراض فَرُبمَا وضح غَرَض الشَّاهِد عَلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ إيضاحا لَا يخفى عَلَى أحد وَذَلِكَ لقُرْبه من نصر معتقده أَو مَا أشبه ذَلِك وَرُبمَا دق وغمض بِحَيْثُ لَا يُدْرِكهُ إِلَّا الفطن من الْحُكَّام وَرب شَاهد من أهل السّنة ساذج قد مقت المبتدع مقتا زَائِدا عَلَى مَا يَطْلُبهُ اللَّه مِنْهُ وأساء الظَّن بِهِ إساءة أوجبت لَهُ تَصْدِيق مَا يبلغهُ عَنهُ فَبَلغهُ عَنهُ شئ فغلب عَلَى ظَنّه صدقه لما قدمْنَاهُ فَشهد بِهِ فسبيل الْحَاكِم التَّوَقُّف فِي مثل هَذَا إِلَى أَن يتَبَيَّن لَهُ الْحَال فِيهِ وسبيل الشَّاهِد الْوَرع وَلَو كَانَ من أَصْلَب أهل السّنة أَن يعرض عَلَى نَفسه مَا نقل لَهُ عَن هَذَا المبتدع وَقد صدقه وعزم عَلَى أَن شهد عَلَيْهِ بِهِ أَن يعرض عَلَى نَفسه مثل هَذَا الْخَبَر بِعَيْنِه وَهَذَا الْمخبر بِعَيْنِه لَو كَانَ عَن شخص من أهل عقيدته هَل كَانَ يصدقهُ وَبِتَقْدِير أَنه كَانَ يصدقهُ فَهَل كَانَ يُبَادر إِلَى الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِهِ وَبِتَقْدِير أَنه كَانَ يُبَادر فليوازن مَا بَين المبادرتين فَإِن وجدهما سَوَاء فدونه وَإِلَّا فَليعلم أَن حَظّ النَّفس دَاخله وأزيد من ذَلِك أَن الشَّيْطَان استولى عَلَيْهِ فخيل لَهُ أَن هَذِهِ قربَة وَقيام فِي نصر الْحق وليعلم من هَذِهِ سَبيله أَنه أَتَى من جهل وَقلة دين
وَهَذَا قَوْلنَا فِي سني يجرح مبتدعا فَمَا الظَّن بِمُبْتَدعٍ يجرح سنيا كَمَا قدمْنَاهُ
وَفِي المبتدعة لَا سِيمَا المجسمة زِيَادَة لَا تُوجد فِي غَيرهم وَهُوَ أَنهم يرَوْنَ الْكَذِب لنصرة مَذْهَبهم وَالشَّهَادَة عَلَى من يخالفهم فِي العقيدة بِمَا يسوءه فِي نَفسه وَمَاله بِالْكَذِبِ تأييدا لاعتقادهم ويزداد حنقهم وتقربهم إِلَى اللَّه بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ بِمِقْدَار زِيَادَته فِي النّيل مِنْهُم فَهَؤُلَاءِ لَا يحل لمُسلم أَن يعْتَبر كَلَامهم
فَإِن قلت أَلَيْسَ أَن الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب قبُول شَهَادَة المبتدع إِذا لم نكفره قلت قبُول شَهَادَته لَا يُوجب دفع الرِّيبَة عِنْد شَهَادَته عَلَى مخالفه فِي العقيدة والريبة توجب الفحص والتكشف والتثبت وَهَذِه أُمُور تظهر الْحق إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِذا اعتمدت عَلَى مَا يَنْبَغِي
وَفِي تعليقة القَاضِي الْحُسَيْن لَا يجوز أَن يبغض الرجل لِأَنَّهُ من مَذْهَب كَذَا فَإِن ذَلِك يُوجب رد الشَّهَادَة
انْتهى
وَمرَاده لِأَنَّهُ من مَذْهَب من الْمذَاهب المقبولة أما إِذا أبغضه لكَونه مبتدعا فَلَا ترد شَهَادَته
وَاعْلَم أَن مَا ذَكرْنَاهُ من قبُول شَهَادَة المبتدع هُوَ مَا صَححهُ النَّوَوِيّ وَهُوَ مصادم لنَصّ الشَّافِعِي عَلَى عدم قبُول الخطابية وَهِي طَريقَة الْأَصْحَاب وَأَصْحَاب هَذِهِ الطَّرِيقَة يَقُولُونَ لَو شهد خطابي وَذكر فِي شَهَادَته مَا يقطع احْتِمَال الِاعْتِمَاد عَلَى قَول الْمُدَّعِي بِأَن قَالَ سَمِعت فلَانا يقر بِكَذَا لفُلَان أَو رَأَيْته أقْرضهُ قبلت شَهَادَته وَهَذَا مِنْهُم بِنَاء عَلَى أَن الْخطابِيّ يرى جَوَاز الشَّهَادَة لصَاحبه إِذا سَمعه يَقُول لي عَلَى فلَان كَذَا فَصدقهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّافِعِي
وَقد تزايد الْحَال بالخطابية وهم المجسمة فِي زَمَاننَا هَذَا فصاروا يرَوْنَ الْكَذِب عَلَى مخالفيهم فِي العقيدة لَا سِيمَا الْقَائِم عَلَيْهِم بِكُل مَا يسوءه فِي نَفسه وَمَاله
وَبَلغنِي أَن كَبِيرهمْ استفتى فِي شَافِعِيّ أيشهد عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ فَقَالَ أَلَسْت تعتقد أَن دَمه حَلَال قَالَ نعم قَالَ فَمَا دون ذَلِك دون دَمه فاشهد وادفع فَسَاده عَن الْمُسلمين فَهَذِهِ عقيدتهم ويرون أَنهم الْمُسلمُونَ وَأَنَّهُمْ أهل السّنة وَلَو عدوا عددا لما بلغ علماؤهم وَلَا عَالم فيهم عَلَى الْحَقِيقَة مبلغا يعْتَبر ويكفرون غَالب عُلَمَاء الْأمة ثمَّ يعتزون إِلَى الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ مِنْهُم برِئ وَلكنه كَمَا قَالَ بعض العارفين ورأيته بِخَط الشَّيْخ تقى الدّين ابْن الصّلاح إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما وهما بريان مِنْهُم أَحْمد ابْن حَنْبَل ابْتُلِيَ بالمُجَسِّمَة وجعفر الصَّادِق ابْتُلِيَ بالرافضة
ثمَّ هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ عَلَى طَريقَة النَّوَوِيّ رَحمَه اللَّه وَالَّذِي أرَاهُ أَن لَا تقبل شَهَادَتهم عَلَى سني
فَإِن قلت هَل هَذَا رأى الشَّيْخ أَبِي حَامِد وَمن تَابعه أَن أهل الْأَهْوَاء كلهم لَا تقبل لَهُم شَهَادَة
قلت لَا بل هَذَا قَول بِأَن شَهَادَتهم عَلَى مخالفيهم فِي العقيدة غير مَقْبُولَة وَلَو كَانَ مخالفهم فِي العقيدة مبتدعا وَهَذَا لَا أعتقد أَن النَّوَوِيّ وَلَا غَيره يُخَالف فِيهِ وَالَّذِي قَالَه النَّوَوِيّ قبُول شَهَادَة المبتدع إِذا لم نكفره عَلَى الْجُمْلَة أما أَن شَهَادَته تقبل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مخالفه فِي العقيدة مَعَ مَا هُنَاكَ من الرِّيبَة فَلم يقل النَّوَوِيّ وَلَا غَيره ذَلِك
فَإِن قلت غَايَة الْمُخَالفَة فِي العقيدة أَن توجب عَدَاوَة وَهِي دينية فَلَا توجب رد الشَّهَادَة
قلت إِنَّمَا لَا توجب رد الشَّهَادَة من المحق عَلَى الْمُبْطل كَمَا قَالَ الْأَصْحَاب تقبل شَهَادَة السّني عَلَى المبتدع وَكَذَا من أبْغض الْفَاسِق لفسقه ثمَّ سأعرفك مَا فِيهِ وَأما عَكسه وَهُوَ المبتدع عَلَى السّني فَلم يقلهُ أحد من أَصْحَابنَا
ثمَّ أَقُول فِي مَا ذكره الْأَصْحَاب من قبُول شَهَادَة السّني عَلَى المبتدع إِنَّمَا ذَلِك فِي سني لم يصل فِي حق المبتدع وبغضه لَهُ إِلَى أَن يصير عِنْده حَظّ نفس قد يحملهُ عَلَى التعصب عَلَيْهِ وَكَذَا الشَّاهِد عَلَى الْفَاسِق فَمن وصل من السّني وَالشَّاهِد عَلَى الْفَاسِق إِلَى هَذَا الْحَد لم أقبل شَهَادَته عَلَيْهِ لِأَن عِنْدهمَا زِيَادَة عَلَى مَا طلبه الشَّارِع مِنْهُمَا أوجبت عِنْدِي الرِّيبَة فِي أَمرهمَا فكم من شَاهد رَأَيْته يبغض إنْسَانا وَيشْهد عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ تدينا وَجَاءَنِي وَأدّى الشَّهَادَة عِنْدِي باكيا وَقت تأديته الشَّهَادَة عَلَى الدّين فرقا خَائفًا أَن يخسف بِالْمُسْلِمين لوُجُود الْمَشْهُود عَلَيْهِ بَين أظهرنَا
وَأَنا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أعتقد وأتيقن أَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ خير مِنْهُ وَلَا أَقُول إِنَّه كذب عَلَيْهِ عَامِدًا بل إِنَّه بنى عَلَى الظَّن وَصدق أقوالا ضَعِيفَة أبْغض الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا فمنذ أبغضه لحقه هوى النَّفس وَاسْتولى عَلَيْهِ الشَّيْطَان وَصَارَ الْحَامِل لَهُ فِي نفس الْأَمر حَظّ نَفسه وَفِيمَا يخْطر لَهُ الدّين
هَذَا مَا شاهدته وأبصرته ولي فِي الْقَضَاء سِنِين عديدة فليتق اللَّه امْرُؤ وقف عَلَى حُفْرَة من حفر النَّار فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قد جعلني اللَّه قَاضِيا ومحدثا وَقد قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد أَعْرَاض النَّاس حُفْرَة من حفر النَّار وقف عَلَيْهَا المحدثون والحكام
وَمِمَّا يُؤَيّد مَا قلته أَن أَصْحَابنَا قَالُوا من استباح دم غَيره من الْمُسلمين وَلم يقدر عَلَى قَتله فَشهد عَلَيْهِ بقتل لم يقتل ذكره الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فِي بَاب من تجوز شَهَادَته نقلا عَن بعض أَصْحَابنَا ساكتا عَلَيْهِ وَلَا يعرف فِي الْمَذْهَب خِلَافه فَإِن قلت قد قَالَ عقيبة وَمن شتم متأولا ثمَّ شهد عَلَيْهِ قبل أَو غير متأول فَلَا
قلت يَعْنِي بِالْقبُولِ بعد الشتم متأولا الشَّهَادَة بِأَمْر معِين وَنحن نعلم أَنه لَا يحملهُ عَلَيْهَا بغض فَلَيْسَ كمن وصفناه
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد عِنْد الْجرْح أَيْضًا حَال الْجَارِح فِي الْخِبْرَة بمدلولات الْأَلْفَاظ فكثيرا مَا رَأَيْت من يسمع لَفْظَة فيفهمها عَلَى غير وَجههَا
والخبرة بمدلولات الْأَلْفَاظ وَلَا سِيمَا الْأَلْفَاظ الْعُرْفِيَّة الَّتِي تخْتَلف باخْتلَاف عرف النَّاس وَتَكون فِي بعض الْأَزْمِنَة مدحا وَفِي بَعْضهَا ذما أَمر شَدِيد لَا يُدْرِكهُ إِلَّا قعيد بِالْعلمِ
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد أَيْضًا حَاله فِي الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة فَرب جَاهِل ظن الْحَلَال حَرَامًا فجرح بِهِ وَمن هُنَا أوجب الْفُقَهَاء التَّفْسِير ليتوضح الْحَال
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حضرت بِمصْر رجلا مزكيا يجرح رجلا فَسئلَ عَن سَببه وألح عَلَيْهِ فَقَالَ رَأَيْته يَبُول قَائِما
قِيلَ وَمَا فِي ذَلِك قَالَ يرد الرّيح من رشاشه عَلَى يَده وثيابه فَيصَلي فِيهِ
قِيلَ هَل رَأَيْته قد أَصَابَهُ الرشاش وَصلى قبل أَن يغسل مَا أَصَابَهُ قَالَ لَا وَلَكِن أرَاهُ سيفعل
قَالَ صَاحب الْبَحْر وَحكي أَن رجلا جرح رجلا وَقَالَ إِنَّه طين سطحه بطين استخرج من حَوْض السَّبِيل
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَيْضًا تفقده وَقد نبه عَلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام ابْن دَقِيق الْعِيد الْخلاف الْوَاقِع بَين كثير من الصُّوفِيَّة وَأَصْحَاب الحَدِيث فقد أوجب كَلَام بَعضهم فِي بعض كَمَا تكلم بَعضهم فِي حق الْحَارِث المحاسبي وَغَيره وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة دَاخل فِي قسم مُخَالفَة العقائد وَإِن عده ابْن دَقِيق الْعِيد غَيره
والطامة الْكُبْرَى إِنَّمَا هِيَ فِي العقائد المثيرة للتعصب والهوى نعم وَفِي المنافسات الدُّنْيَوِيَّة عَلَى حطام الدُّنْيَا وَهَذَا فِي الْمُتَأَخِّرين أَكثر مِنْهُ فِي الْمُتَقَدِّمين وَأمر العقائد سَوَاء فِي الْفَرِيقَيْنِ
وَقد وصل حَال بعض المجسمة فِي زَمَاننَا إِلَى أَن كتب شرح صَحِيح مُسلم للشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ وَحذف من كَلَام النَّوَوِيّ مَا تكلم بِهِ عَلَى أَحَادِيث الصِّفَات فَإِن النَّوَوِيّ أشعري العقيدة فَلم تحمل قوى هَذَا الْكَاتِب أَن يكْتب الْكتاب عَلَى الْوَضع الَّذِي صنفه مُصَنفه
وَهَذَا عِنْدِي من كَبَائِر الذُّنُوب فَإِنَّهُ تَحْرِيف للشريعة وَفتح بَاب لَا يُؤمن مَعَه بكتب النَّاس وَمَا فِي أَيْديهم من المصنفات فقبح اللَّه فَاعله وأخزاه وَقد كَانَ فِي غنية عَن كِتَابَة هَذَا الشَّرْح وَكَانَ الشَّرْح فِي غنية عَنهُ
ولنعد إِلَى الْكَلَام فِي الجارحين عَلَى النَّحْو الَّذِي عرفناك
فَإِن قلت فَهَذَا يعود بِالْجرْحِ عَلَى الْجَارِح حَيْثُ جرح لَا فِي مَوْضِعه
قلت أما من تكلم بالهوى وَنَحْوه فَلَا شكّ فِيهِ وَأما من تكلم بمبلغ ظَنّه فَهُنَا وَقْفَة محتومة عَلَى طَالب التحقيقات ومزلة تَأْخُذ بأقدام من لَا يبرأ عَن حوله وقوته ويكل أمره إِلَى عَالم الخفيات
فَنَقُول لَا شكّ أَن من تكلم فِي إِمَام اسْتَقر فِي الأذهان عَظمته وتناقلت الروَاة ممادحه فقد جر الملام إِلَى نَفسه وَلَكنَّا لَا نقضي أَيْضًا عَلَى من عرفت عَدَالَته إِذا جرح من لم يقبل مِنْهُ جرحه إِيَّاه بِالْفِسْقِ بل نجوز أمورا أَحدهَا أَن يكون واهما وَمن ذَا الَّذِي لَا يهم وَالثَّانِي أَن يكون مؤولا قد جرح بشئ ظَنّه جارحا وَلَا يرَاهُ الْمَجْرُوح كَذَلِك كاختلاف الْمُجْتَهدين
وَالثَّالِث أَن يكون نَقله إِلَيْهِ من يرَاهُ هُوَ صَادِقا ونراه نَحن كَاذِبًا وَهَذَا لاختلافنا فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَرب مَجْرُوح عِنْد عَالم معدل عِنْد غَيره فَيَقَع الِاخْتِلَاف فِي الِاحْتِجَاج حسب الِاخْتِلَاف فِي تزكيته فَلم يتَعَيَّن أَن يكون الْحَامِل للجارح عَلَى الْجرْح مُجَرّد التعصب والهوى حَتَّى يجرحه بِالْجرْحِ
ومعنا أصلان نستصحبهما إِلَى أَن نتيقن خلافهما أصل عَدَالَة الإِمَام الْمَجْرُوح الَّذِي قد اسْتَقَرَّتْ عَظمته وأصل عَدَالَة الْجَارِح الَّذِي يثبت فَلَا يلْتَفت إِلَى جرحه وَلَا نجرحه بجرحه
فاحفظ هَذَا الْمَكَان فَهُوَ من الْمُهِمَّات
فَإِن قلت فَهَل مَا قررتموه مُخَصص لقَوْل الْأَئِمَّة إِن الْجرْح مقدم لأنكم تستثنون جارحا لمن هَذَا شَأْنه قد ندر بَين المعدلين قلت لَا فَإِن قَوْلهم الْجرْح مقدم إِنَّمَا يعنون بِهِ حَالَة تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَإِذا تَعَارضا لأمر من جِهَة التَّرْجِيح قدمنَا الْجرْح لما فِيهِ من زِيَادَة الْعلم وتعارضهما هُوَ تَعَارضا لأمر من جِهَة التَّرْجِيح قدمنَا الْجرْح لما فِيهِ من زِيَادَة الْعلم وتعارضهما هُوَ اسْتِوَاء الظَّن عِنْدهمَا لِأَن هَذَا شَأْن المتعارضين أما إِذا لم يَقع اسْتِوَاء الظَّن عِنْدهمَا فَلَا تعَارض بل الْعَمَل بأقوى الظنين من جرح أَو تَعْدِيل
وَمَا نَحن فِيهِ لم يتعارضا لِأَن غَلَبَة الظَّن بِالْعَدَالَةِ قَائِمَة وَهَذَا كَمَا أَن عدد الْجَارِح إِذا كَانَ أَكثر قدم الْجرْح إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا تعَارض وَالْحَالة هَذِهِ وَلَا يَقُول منا أحد بِتَقْدِيم التَّعْدِيل لَا من قَالَ بتقديمه عِنْد التَّعَارُض وَلَا غَيره
وعبارتنا فِي كتَابنَا جمع الْجَوَامِع وَهُوَ مُخْتَصر جمعناه فِي الْأَصْلَيْنِ جمع فأوعى وَالْجرْح مقدم إِن كَانَ عدد الْجَارِح أَكثر من الْمعدل إِجْمَاعًا وَكَذَا إِن تَسَاويا أَو كَانَ الْجَارِح أقل وَقَالَ ابْن شعْبَان بِطَلَب التَّرْجِيح
انْتهى
وَفِيه زِيَادَة عَلَى مَا فِي مختصرات أصُول الْفِقْه فَإنَّا نبهنا فِيهِ عَلَى مَكَان الْإِجْمَاع وَلم ينبهوا عَلَيْهِ وحكينا فِيهِ مقَالَة ابْن شعْبَان من الْمَالِكِيَّة وَهِي غَرِيبَة لم يشيروا إِلَيْهَا وأشرنا بقولنَا يطْلب التَّرْجِيح إِلَى أَن النزاع إِنَّمَا هُوَ فِي حَالَة التَّعَارُض لِأَن طلب التَّرْجِيح إِنَّمَا هُوَ فِي تِلْكَ الْحَالة
وَهَذَا شَأْن كتَابنَا جمع الْجَوَامِع نفع اللَّه بِهِ غَالِبا ظننا أَن فِي كل مَسْأَلَة فِيهِ زيادات لَا تُوجد مَجْمُوعَة فِي غَيره مَعَ البلاغة فِي الِاخْتِصَار
إِذا عرفت هَذَا علمت أَنه لَيْسَ كل جرح مقدما
وَقد عقد شَيخنَا الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه تَعَالَى فصلا فِي جمَاعَة لَا يعبأ بالْكلَام فيهم بل هم ثِقَات عَلَى رغم أنف من تفوه فيهم بِمَا هم عَنهُ بُرَآء وَنحن نورد فِي تَرْجَمته محَاسِن ذَلِك الْفَصْل إِنْ شَاءَ اللَّهُ
ولنختم هَذِهِ الْقَاعِدَة بفائدتين عظيمتين لَا يراهما النَّاظر أَيْضًا فِي غير كتَابنَا هَذَا
إِحْدَاهمَا أَن قَوْلهم لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا إِنَّمَا هُوَ أَيْضًا فِي جرح من ثبتَتْ عَدَالَته واستقرت فَإِذا أَرَادَ رَافع رَفعهَا بِالْجرْحِ قِيلَ لَهُ ائْتِ ببرهان عَلَى هَذَا أَو فِيمَن لم يعرف حَاله وَلَكِن ابتدره جارحان ومزكيان فَيُقَال إِذْ ذَاك للجارحين فسرا مَا رميتماه بِهِ
أما من ثَبت أَنه مَجْرُوح فَيقبل قَول من أطلق جرحه لجريانه عَلَى الأَصْل الْمُقَرّر عندنَا وَلَا نطالبه بالتفسير إِذْ لَا حَاجَة إِلَى طلبه
والفائدة الثَّانِيَة أَنا لَا نطلب التَّفْسِير من كل أحد بل إِنَّمَا نطلبه حَيْثُ يحْتَمل الْحَال شكا إِمَّا لاخْتِلَاف فِي الِاجْتِهَاد أَو لتهمة يسيرَة فِي الْجَارِح أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُوجب سُقُوط قَول الْجَارِح وَلَا يَنْتَهِي إِلَى الِاعْتِبَار بِهِ عَلَى الْإِطْلَاق بل يكون بَين بَين أما إِذا انْتَفَت الظنون واندفعت التهم وَكَانَ الْجَارِح خَبرا من أَحْبَار الْأمة مبرأ عَن مظان التُّهْمَة أَو كَانَ الْمَجْرُوح مَشْهُورا بالضعف متروكا بَين النقاد فَلَا نتلعثم عِنْد جرحه وَلَا نحوج الْجَارِح إِلَى تَفْسِير بل طلب التَّفْسِير مِنْهُ وَالْحَالة هَذِهِ طلب لغيبة لَا حَاجَة إِلَيْهَا فَنحْن نقبل قَول ابْن معِين فِي إِبْرَاهِيم بن شُعَيْب المدنى شيخ روى عَنهُ ابْن وهب إِنَّه لَيْسَ بشئ وَفِي إِبْرَاهِيم بْن يزِيد الْمدنِي إِنَّه ضَعِيف وَفِي الْحُسَيْن بْن الْفرج الْخياط إِنَّه كَذَّاب يسرق الحَدِيث وعَلى هَذَا وَإِن لم يبين الْجرْح لِأَنَّهُ إِمَام مقدم فِي هَذِهِ الصِّنَاعَة جرح طَائِفَة غير ثابتي الْعَدَالَة والثبت وَلَا نقبل قَوْله فِي الشَّافِعِي وَلَو فسر وأتى بِأَلف إِيضَاح لقِيَام الْقَاطِع عَلَى أَنه غير محق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ
فَاعْتبر مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي ابْن معِين وَغَيره واحتفظ بِمَا ذَكرْنَاهُ تنْتَفع بِهِ
وَيقرب من هَذِهِ الْقَاعِدَة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل
قَاعِدَة فِي المؤرخين
نافعة جدا فَإِن أهل التَّارِيخ رُبمَا وضعُوا من أنَاس وَرفعُوا أُنَاسًا إِمَّا لتعصب أَو لجهل أَو لمُجَرّد اعْتِمَاد عَلَى نقل من لَا يوثق بِهِ أَو غير ذَلِك من الْأَسْبَاب
وَالْجهل فِي المؤرخين أَكثر مِنْهُ فِي أهل الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَكَذَلِكَ التعصب قل أَن رَأَيْت تَارِيخا خَالِيا من ذَلِك
وَأما تَارِيخ شَيخنَا الذَّهَبِيّ غفر اللَّه لَهُ فَإِنَّهُ عَلَى حسنه وَجمعه مشحون بالتعصب المفرط لَا واخذه اللَّه فَلَقَد أَكثر الوقيعة فِي أهل الدّين أَعنِي الْفُقَرَاء الَّذين هم صفوة الْخلق واستطال بِلِسَانِهِ عَلَى كثير من أَئِمَّة الشافعيين والحنفيين وَمَال فأفرط عَلَى الأشاعرة ومدح فَزَاد فِي المجسمة هَذَا وَهُوَ الْحَافِظ المدره وَالْإِمَام المبجل فَمَا ظَنك بعوام المؤرخين فَالرَّأْي عندنَا أَلا يقبل مدح وَلَا ذمّ من المؤرخين إِلَّا بِمَا اشْتَرَطَهُ إِمَام الْأَئِمَّة وَحبر الْأمة وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه اللَّه حَيْثُ قَالَ ونقلته من خطه فِي مجاميعه يشْتَرط فِي المؤرخ الصدْق وَإِذا نقل يعْتَمد اللَّفْظ دون الْمَعْنى وَألا يكون ذَلِك الَّذِي نَقله أَخذه فِي المذاكرة وَكتبه بعد ذَلِك وَأَن يُسمى الْمَنْقُول عَنهُ فَهَذِهِ شُرُوط أَرْبَعَة فِيمَا يَنْقُلهُ
وَيشْتَرط فِيهِ أَيْضًا لما يترجمه من عِنْد نَفسه وَلما عساه يطول فِي التراجم من الْمَنْقُول وَيقصر أَن يكون عَارِفًا بِحَال صَاحب التَّرْجَمَة علما ودينا وَغَيرهمَا من الصِّفَات وَهَذَا عَزِيز جدا وَأَن يكون حسن الْعبارَة عَارِفًا بمدلولات الْأَلْفَاظ وَأَن يكون حسن التَّصَوُّر حَتَّى يتَصَوَّر حَال تَرْجَمته جَمِيع حَال ذَلِك الشَّخْص ويعبر عَنهُ بِعِبَارَة لَا تزيد عَلَيْهِ وَلَا تنقص عَنهُ وَأَن لَا يغلبه الْهوى فيخيل إِلَيْهِ هَوَاهُ الإطناب فِي مدح من يُحِبهُ وَالتَّقْصِير فِي غَيره بل إِمَّا أَن يكون مُجَردا عَن الْهوى وَهُوَ عَزِيز وَإِمَّا أَن يكون عِنْده من الْعدْل مَا يقهر بِهِ هَوَاهُ ويسلك طَرِيق الْإِنْصَاف
فَهَذِهِ أَرْبَعَة شُرُوط أُخْرَى وَلَك أَن تجعلها خَمْسَة لِأَن حسن تصَوره وَعلمه قد لَا يحصل مَعَهُمَا الاستحضار حِين التصنيف فَيجْعَل حُضُور التَّصَوُّر زَائِدا عَلَى حسن التَّصَوُّر وَالْعلم فَهِيَ تِسْعَة شُرُوط فِي المؤرخ وأصعبها الِاطِّلَاع عَلَى حَال الشَّخْص فِي الْعلم فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى الْمُشَاركَة فِي علمه والقرب مِنْهُ حَتَّى يعرف مرتبته انْتهى
وَذكر أَن كِتَابَته لهَذِهِ الشُّرُوط كَانَت بعد أَن وقف عَلَى كَلَام ابْن معِين فى الشافعى وَقَول أَحْمَد بْن حَنْبَل إِنَّه لَا يعرف الشَّافِعِي وَلَا يعرف مَا يَقُول
قلت وَمَا أحسن قَوْله وَلما عساه يطول فِي التراجم من الْمَنْقُول وَيقصر فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى فَائِدَة جليلة يغْفل عَنْهَا كَثِيرُونَ ويحترز مِنْهَا الموفقون وَهِي تَطْوِيل التراجم وتقصيرها فَرب محتاط لنَفسِهِ لَا يذكر إِلَّا مَا وجده مَنْقُولًا ثمَّ يَأْتِي إِلَى من يبغضه فينقل جَمِيع مَا ذكر من مذامه ويحذف كثيرا مِمَّا نقل من ممادحه ويجئ إِلَى من يُحِبهُ فيعكس الْحَال فِيهِ ويظن الْمِسْكِين أَنه لم يَأْتِ بذنب لِأَنَّهُ لَيْسَ يجب عَلَيْهِ تَطْوِيل تَرْجَمَة أحد وَلَا اسْتِيفَاء مَا ذكر من ممادحه وَلَا يظنّ المغتر أَن تَقْصِيره لترجمته بِهَذِهِ النِّيَّة استزراء بِهِ وخيانة لله وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِلْمُؤْمنِينَ فِي تأدية مَا قيل فِي حَقه من حمد وذم فَهُوَ كمن يذكر بَين يَدَيْهِ بعض النَّاس فَيَقُول دَعونَا مِنْهُ وَإنَّهُ عَجِيب أَو اللَّه يصلحه فيظن أَنه لم يغتبه بشئ من ذَلِك وَمَا يظنّ أَن ذَلِك من أقبح الْغَيْبَة.
وَلَقَد وقفت فِي تَارِيخ الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه عَلَى تَرْجَمَة الشَّيْخ الْمُوفق بْن قدامَة الْحَنْبَلِيّ وَالشَّيْخ فَخر الدّين بْن عَسَاكِر وَقد أَطَالَ تِلْكَ وَقصر هَذِهِ وأتى بِمَا لَا يشك لَبِيب أَنه لم يحملهُ عَلَى ذَلِك إِلَّا أَن هَذَا أشعري وَذَاكَ حنبلي وسيقفون بَين يَدي رب الْعَالمين
وَكَذَلِكَ مَا أحسن قَول الشَّيْخ الإِمَام وَأَن لَا يغلبه الْهوى فَإِن الْهوى غلاب إِلَّا لمن عصمه اللَّه
وَقَوله فإمَّا أَن يتجرد عَن الْهوى أَو يكون عِنْده من الْعدْل مَا يقهر بِهِ هَوَاهُ عندنَا فِيهِ زِيَادَة فَنَقُول
قد لَا يتجرد عَن الْهوى وَلَكِن لَا يَظُنّهُ هوى بل يَظُنّهُ لجهله أَو بدعته حَقًا وَذَلِكَ لَا يتطلب مَا يقهر هَوَاهُ لِأَن المستقر فِي ذهنه أَنه محق وَهَذَا كَمَا يفعل كثير من المتخالفين فِي العقائد بَعضهم فِي بعض فَلَا يَنْبَغِي أَن يقبل قَول مُخَالف فِي العقيدة عَلَى الْإِطْلَاق إِلَّا أَن يكون ثِقَة وَقد رَوَى شَيْئا مضبوطا عاينه أَو حَقَّقَهُ
وَقَوْلنَا مضبوطا احترزنا بِهِ عَن رِوَايَة مَا لَا يَنْضَبِط من الترهات الَّتِي لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا عِنْد التَّأَمُّل والتحقق شئ
وَقَوْلنَا عاينه أَو حَقَّقَهُ ليخرج مَا يرويهِ عَمَّن غلا أَو رخص ترويجا لعقيدته
وَمَا أحسن اشْتِرَاطه الْعلم وَمَعْرِفَة مدلولات الْأَلْفَاظ فَلَقَد وَقع كَثِيرُونَ لجهلهم بِهَذَا وَفِي كتب الْمُتَقَدِّمين جرح جمَاعَة بالفلسفة ظنا مِنْهُم أَن علم الْكَلَام فلسفة إِلَى أَمْثَال ذَلِك مِمَّا يطول عده.
فقد قِيلَ فِي أَحْمَد بْن صَالح الَّذِي نَحن فِي تَرْجَمته إِنَّه يتفلسف وَالَّذِي قَالَ هَذَا لَا يعرف الفلسفة
وَكَذَلِكَ قِيلَ فى أَبى حَاتِم الرازى وَإِنَّمَا كَانَ رجلا متكلما
وَقَرِيب من هَذَا قَول الذَّهَبِيّ فِي الْمزي كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الْمزي فِي الطَّبَقَة السَّابِعَة أَنه يعرف مضايق الْمَعْقُول وَلم يكن الْمزي وَلَا الذَّهَبِيّ يدريان شَيْئا من الْمَعْقُول
وَالَّذِي أُفْتِي بِهِ أَنه لَا يجوز الِاعْتِمَاد عَلَى كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي ذمّ أشعري وَلَا شكر حنبلي وَالله الْمُسْتَعَان
توفّي أَحْمَد بْن صَالح سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ.
طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي
أبو جعفر أحمد بن صالح: يعرف بابن الطَّبري الثقة الثبت الأمين الحافظ النظار. سمع ابن وهب وغيره ورشاً وقالوناً وأخذ عنهما القراءات. خرج عنه البخاري وأبو داود، ولد بمصر سنة 170 هـ وتوفي سنة 248 هـ[862 م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية_ لمحمد مخلوف
أحمد بن صالح أبي جعفر المصري:
أصله من طبرستان، الحافظ. المعروف بابن الطبري.
سمع ابن وهب، وعنبسة بن خالد.
كتب عنه البخاري، وأحمد بن حنبل، وأبي داود السّجستاني، وغيرهم.
قال ابن أبي دليم: كان فقيها، صاحب مناظرة، وألف في الصحابة.
وقال الكندي: كان فقيها نظارا. وقال يحيى وأحمد بن حنبل: هو ثبت ثقة.
زاد أحمد: صاحب سنة. وقال البخاري: ثقة مأمون، ما رأيت أحدا تكلم فيه بحجة. وقال أبي حاتم: ثقة. وقال ابن نمير: حدثنا أحمد بن صالح، وإذا جاوزت الفرات فليس أحد مثله. وقال مسلمة بن القاسم: الناس مجمعون على ثقته وخيره وفضله.
ولد بمصر سنة اثنتين وسبعين ومئة، ويقال سنة سبعين.
وتوفي في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومئتين.
جمهرة تراجم الفقهاء المالكية
أحمد بن صالح
هو: أحمد بن صالح أبي جعفر المصري، الحافظ المقرئ. الامام الحجة القارئ المحدث الحافظ أحد الأعلام.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة السادسة من حفاظ القرآن.كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.
ولد «أحمد بن صالح» سنة سبعين ومائة من الهجرة بمصر، وكان «والده» من أجناد «طبرستان» كما قال «ابن يونس» في تاريخه.
وقد أخذ «أحمد بن صالح» القراءة عن مشاهير العلماء، منهم: «ورش، وقالون» وله عن كل منهما رواية. كما قرأ على «إسماعيل بن أويس، وأخيه أبي بكر» عن نافع، وروى حروف «عاصم بن أبي النجود» عن «حرمي بن عمارة».
وقد جلس «أحمد بن صالح» لتعليم القرآن الكريم، وقد أخذ عنه الكثيرون، منهم «أحمد بن محمد بن حجاج، والحسن بن أبي مهران، والحسن بن علي بن مالك الأشناني والحسن بن القاسم بن عبد الله»، وآخرون.
وقد أخذ «أحمد بن صالح» حديث النبي صلى الله عليه وسلّم عن خيرة العلماء، منهم «سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وابن أبي فديك، وعبد الرزاق»، وخلق سواهم».
قال «الذهبي» وقد حدث عن «أحمد بن صالح»: «البخاري، وأبي داود، ومحمد بن يحيى، وصالح بن محمد بن جزرة، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وأبي بكر بن أبي داود وخلق كثير». ثم يقول «الذهبي»:
وقد رحل «أحمد بن صالح» في الكهولة الى «بغداد» وذاكر «أحمد بن حنبل» وسمع من «عفان بن مسلم» وغيره.
وقال «أحمد بن صالح» عن نفسه: كتبت عن «ابن وهب» خمسين الف حديث. وقال «صالح بن محمد الحافظ»: «لم يكن بمصر» أحد يحسن الحديث غير «أحمد بن صالح» كان رجلا جامعا، يعرف الفقه، والحديث، والنحو، ويتكلم في حديث الثوري، وشعبة، وغيرهما- يعني يذاكر به- ثم قال: وكان يحفظ حديث «الزهري». ونظرا لأن «أحمد بن صالح» كان من علماء القرآن، والحديث، ولشهرته بالضبط وصحة الرواية، فقد احتل مكانة مرموقة بين العلماء وأثنى عليه الكثيرون، وهذا قبس من أقوال العلماء عنه:
قال «أبي عمرو الداني»، قال: «مسلمة بن القاسم الأندلسي»: الناس مجمعون على ثقة «أحمد بن صالح» لعلمه، وخيره، وفضله، وأن «أحمد بن حنبل» وغيره كتبوا عنه ووثقوه».
وقال «البخاري»: «أحمد بن صالح»: ثقة، مأمون، ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة، كان «أحمد وابن المديني، وابن نمير» يثنون عليه.
وقال «ابن نمير»: إذا جاوزت الفرات فليس أحدا مثل «أحمد بن صالح».وقال «يعقوب النسوي» الحافظ: كتبت عن أكثر من ألف شيخ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان،: «أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح». وقال «ابن وارة» هؤلاء أركان الدين، «أحمد بن حنبل، وابن نمير، والنّفيلي وأحمد ابن صالح».وقال «أحمد بن عبد الله العجلي» ثقة صاحب سنة.
توفي «أحمد بن صالح» في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين من الهجرة بعد حياة حافلة بتعليم القرآن الكريم، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام. رحم الله «أحمد بن صالح» رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.
معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ
أحمد بن صالح، أبو جعفر المصري:
طبرى الأصل. سمع عَبْد اللَّه بْن وهب، وعنبسة بْن خَالِد، وَعَبْد اللَّهِ بْن نافع، وإسماعيل بْن أَبِي أويس. وَكَانَ أحد حفاظ الأثر، عالما بعلل الحديث، بصيرا باختلافه. وورد بغداد قديما وجالس بها الحفاظ، وجرى بينه وبين أَبِي عَبْد الله أحمد ابن حنبل مذاكرات، وَكَانَ أَبُو عَبْد اللَّه يذكره ويثني عَلَيْهِ، وقيل إن كل واحد منهما كتب عَنْ صاحبه فِي المذاكرة حديثا، ثم رجع أَحْمَد إِلَى مصر فأقام بها. وانتشر عند أهلها علمه، وَحَدَّثَ عَنْهُ الأئمة، منهم مُحَمَّد بْن يَحْيَى الذهلي، ومُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخاري، ويعقوب بْن سُفْيَان الفسوي، وَأَبُو زرعة الدِّمَشْقِيّ، وَأَبُو إِسْمَاعِيل الترمذي، وَأَبُو دَاوُد السجستاني، وابنه أَبُو بَكْر، وصالح جزرة. ومن الشيوخ المتقدمين مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نمير، ومحمّد بْن غيلان، وغيرهما.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد شاده المؤدّب- بأصبهان- وأخته أُمُّ سَلَمَةَ أَسْمَاءُ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن جعفر بن حبّان- إملاء- حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلْمٍ الرازي حدّثنا محمّد بن غيلان حدّثنا أحمد ابن صالح المقرئ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: لَمَّا زَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوَّجْتَنِي مِنْ رَجُلٍ فَقِيرٍ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَبُوكِ، وَالآخَرُ زَوْجُكِ». هَذَا حديث غريب من رواية عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وغريب من حديث معمر بْن راشد عَنِ ابن أَبِي نجيح، تفرد بروايته عَنْهُ عَبْد الرزاق وقد رواه عَنْ عَبْد الرزاق غير واحد.
أَخْبَرَنَا محمّد بن الحسين الأزرق حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن زياد القطّان حدّثنا الحسن بن العبّاس الرازي حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ صَالِحٍ- أَبُو الصَّلْتِ- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابن عباس. أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوَّجْتَنِي مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ! قَالَ: «أَمَا تَرْضِينَ أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ أهل الأرض رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَبُوكِ، وَالآخَرُ بَعْلُكِ»
. وأَخْبَرَنِيهِ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَاحِدِ أخبرنا على بن عمر الحافظ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْكَاتِبُ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن زَيْد الهشيمى حدّثنا عبد الرّزّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: لَمَّا زَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَاطِمَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوَّجْتَنِي مِنْ عَائِلٍ لا مَالَ لَهُ: فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مَا تَرْضَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ اطَّلَعَ على أَهْلِ الأَرْضِ فَاخْتَارَ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ، فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا أَبَاكِ، وَالآخَرَ بَعْلَكِ».
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أَبِي جعفر القطيعي أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عدي بْن زحر البصري- في كتابه إلينا- حدثنا أبو عبيد محمد بن علي الآجري.
قَالَ سَمِعْتُ أَبَا دَاوُد يَقُولُ: كتب أَحْمَد بْن صالح عَنْ سَلامَة بْن روح- وَكَانَ لا يحدث عنه- وكتب عن أبي زبالة خمسين ألف حديث- وَكَانَ لا يحدث عَنْهُ- وَحَدَّثَ أَحْمَد بْن صالح ولم يبلغ الأربعين، وكتب عباس العنبري عَنْ رجل عَنْهُ.
كتب إِلَيَّ عَبْد الرَّحْمَنِ بن عُثْمَان الدمشقي يذكر أن أبا الميمون البجلي أخبرهم، ثم أخبرنا أبو بكر البرقاني- قراءة- أخبرنا محمّد بن عثمان القاضي حَدَّثَنَا أَبُو الميمون عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الله البجلي- بدمشق- حَدَّثَنَا أَبُو زرعة عَبْد الرَّحْمَن بْن عمرو البصريّ. قَالَ: سألني أَحْمَد بْن حنبل- قديما- من بمصر؟ قلت: بها أَحْمَد بْن صالح، فسر بذكره ودعا لَهُ.
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ أخبرنا أحمد بن محمّد بن الخليل أخبرنا أبو أحمد بْن عدي قَالَ: سمعتُ عَبْد الله بْن محمد بن عَبْد الْعَزِيزِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا بَكْر بْن زنجويه يقول: قدمت مصر وأتيت أَحْمَد بْن صالح، فسألني من أين أنت؟ قلت: من بغداد. قال: منزلك من منزل أَحْمَد بْن حنبل؟ قلت. أنا من أصحابه. قَالَ: تكتب لي موضع منزلك فإنى أريد أن أوافي العراق حتى تجمع بيني وبين أَحْمَد بْن حنبل: فكتبت لَهُ فوافى أَحْمَد بْن صالح سنة اثنتي عشرة إِلَى عفان فسأل عني، فلقيني. فَقَالَ: الموعد الَّذِي بيني وبينك؟ فذهبت بِهِ إِلَى أَحْمَد بْن حنبل واستأذنت لَهُ فقلت: أَحْمَد بْن صالح بالباب، فأذن لَهُ، فقام إليه ورحب بِهِ وقربه وَقَالَ لَهُ: بلغني إنك جمعت حديث الزهري، فتعال نذاكر ما روى الزهري عَنْ أصحاب رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعلا يتذاكران ولا يغرب أحدهما عن الآخر حتى فرغا، قَالَ: وما رأيت أحسن من مذاكرتهما.
ثم قَالَ أَحْمَد بْن حنبل لأحمد بن صالح: تعالى حتى نذاكر ما روى الزهري عَنْ أولاد أصحاب رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعلا يتذاكران أحدهما على الآخر إِلَى أن
قَالَ أَحْمَد ابن حنبل لأحمد بْن صالح. عند الزُّهْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْفٍ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يسرني أن لي حمر النعم وأن لي حلف المطيبين». فَقَالَ أَحْمَد بْن صالح لأحمد بن حنبل: أنت الأستاذ وتذكر مثل هَذَا؟ فجعل أَحْمَد بْن حنبل يبتسم ويَقُولُ: رواه عَنِ الزهري رجل مقبول، أو صالح- عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق- فَقَالَ: من رواه عَنْ عَبْد الرَّحْمَن؟ فقال: حدّثناه رجلان تقيان- إسماعيل بن علية، وبشر بن الفضل- فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل:
سألتك بالله إلا أمليته عَلِيّ، فَقَالَ أَحْمَد من الكتاب، فقام ودخل وأخرج الكتاب وأملى عَلَيْهِ، فَقَالَ أَحْمَد بْن صالح لأحمد بْن حنبل: لو لم أستفد بالعراق إلا هَذَا الحديث كَانَ كثيرا. ثم ودعه وخرج.
كتب إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بن عُثْمَان الدمشقي يذكر أن أَبَا الميمون البجلي أخبرهم.
ثم حدّثني البرقاني أخبرنا محمّد بن عثمان القاضي حدّثنا أبو الميمون حدّثنا أبو زرعة حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن صالح. قَالَ: حدثت أَحْمَد بْن حنبل بحديث زَيْد بْن ثابت فِي بيع الثمار فأعجبه واستزادنى مثله: ومن أين مثله؟! قُلْتُ: وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي أنبأناه الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عبد الواحد الهاشمي بالبصرة حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عمرو اللؤلؤي حدّثنا أبو داود سليمان بن الأشعث حدّثنا أحمد بن صالح حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الزِّنَادِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قبل أن يبدو صلاحه وما ذكر فَقَالَ:
كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبِيرِ يُحَدِّثُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُهَا، فَإِذَا جَذَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهُمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ قَدْ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ وَأَصَابَهُ قُشَامٌ، وَأَصَابَهُ مِرَاضٌ: عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا.
فَلَمَّا كَثُرَتْ خُصُومَتُهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا: «فَإمَّا لا فَلا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُو صَلاحُهُ» لكثرة خصومتهم.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ محمّد بن إبراهيم الشناني بنيسابور أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو على الحسن بن عبد الله المعتز بأصبهان- واللفظ له- حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحمن بن سهل بن مخلد العزال- إملاء- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ. قَالا: حدّثنا أحمد بن صالح حدّثنا ابن وهب أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ ميمون أن وداعة الحميدي حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ بِجَنْبِ مَالِكِ بْنِ عُبَادَةَ أبي موسى الغافقي وعقبة بن عامر فقص فقال: إن صاحبكم عاقل، أَوْ هَالِكَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرْجِعُونَ إِلَى قَوْمٍ يَشْتَهُونَ الْحَدِيثَ عَنِّي فَمَنْ عَقِلَ عَنِّي شَيْئًا فَلْيُحَدِّثْ بِهِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا، أَوْ مَقْعَدَهُ مِنْ جَهَنَّمَ» لا نَدْرِي أَيَّتُهُمَا قَالَ؟.
قال أبو عبد الله العزال: وَمَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ رَوَى عَنْهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي الكنود، ووداعة الحميدي كَانَ قَاضِيًا لأَهْلِ مِصُرَ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ أَبُو جَعْفَرٍ طَبَرِيُّ الأَصْلِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، كَانَ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ، وَاعِيًا رَاسًّا فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُ بِالآثَارِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ المعبر حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحمن العزال حدّثنا عبد العزيز بن أحمد بن شاكر الشافعي الغافقي حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن المغيرة علان المصري، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا نعيم الْفَضْل بْن دكين يَقُولُ: ما قدم عَلَيْنَا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هَذَا الفتى- يَعْنِي أَحْمَد بْن صالح.
وَقَالَ عَلِيّ بْن الجنيد: سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نُمير يقول: حدّثنا أحمد بن صالح- وإذا جاوزت الفرات فليس أحد مثله.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الغزال: حدث بمصر وبدمشق، وبأنطاكية. وبلغني أن أَحْمَد بْن حنبل سمع منه حديث وداعة الحميدي فقال له: يا أبا جعفر حديث آخر مثل هذا.
أَخْبَرَنَا علي بن أبي علي قَالَ قرأنا على الحسين بن هارون عن ابن سعيد قَالَ حَدَّثَنِي عبد اللَّه بْنُ إِبْرَاهِيم بْن قتيبة قَالَ سَمِعْتُ ابْن نمير- وذكر أَحْمَد بْن صالح- فَقَالَ: هو واحد الناس في علم الحجاز، والمعرب فيهم، وجعل يعظمه.
وَحَدَّثَنَا عَنْهُ بغير شيء. أَنْبَأَنَا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب أخبرنا الحسين بن أحمد القروي حَدَّثَنَا أَبُو الفضل يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن محمود الْفَقِيه قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَد بْن سلمة النَّيْسَابُورِيّ يحكى عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن وارة. قال: أحمد ابن صالح بمصر، وأحمد بْن حنبل بِبَغْدَادَ، وابن نمير بالكوفة، والنفيلي بحران، هؤلاء أركان الدين.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُور مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَزَّارُ بهمذان- حدّثنا صالح ابن أَحْمَدَ بْن مُحَمَّد الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن عَبْد اللَّه بْن إِسْحَاق النهاوندي يَقُولُ سَمِعْتُ يَعْقُوب بْن سُفْيَان يَقُولُ: كتبت عن ألف شيخ، حجتي فيما بيتي وبين اللَّه رجلان. قلت لَهُ: يا أَبَا يوسف من حجتك؟ وقد كتبت عَنِ الأَنْصَارِيِّ، وحبان بْن هلال. والاجلة؟ قَالَ: حجتي أَحْمَد بن حنبل، وأحمد بن صالح المصري.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن مَنْصُورٍ الطَّبَرِيُّ أخبرنا محمّد بن نعيم أخبرني أبو صالح خلف محمّد بن إسماعيل قَالَ سَمِعْتُ صالح بْن مُحَمَّد بْن حَبِيب يَقُولُ: قَالَ أَحْمَد بْن صالح المصري: كَانَ عند ابن وهب مائة ألف حديث. كتبت عَنْهُ خمسين ألف حديث، ولم يكن بمصر أحد يحسن الحديث ولا يحفظ غير أَحْمَد بْن صالح.
كَانَ يعقل الحديث ويحسن أن يأخذ. وَكَانَ رجلا جامعا يعرف الفقه والحديث والنحو. ويتكلم فِي حديث الثوري وشعبة وأهل العراق. وَكَانَ قدم وكتب عَنْ عفان وهؤلاء. وَكَانَ يذاكر بحديث الزُّهْرِيّ ويحفظه.
وَقَالَ أَحْمَد: كتبت عَنِ ابن زبالة مائة ألف حديث. ثم تبين لي أنه كَانَ يضع الحديث فتركت حديثه. قلت: احتج سائر الأئمة بحديث أَحْمَد بْن صالح. سوى أَبِي عَبْد الرَّحْمَن النسائي. فإنه ترك الرواية عنه وكان يطلق لسانه فيه.
وأخبرنا أبو بكر البرقاني أخبرنا أحمد بن سعيد بن سعد حدثنا عبد الكريم بن أحمد بن شعيب النسائي. ويقال كَانَ آفة أَحْمَد بْن صالح الكبر وشراسة الخلق.
ونال النسائي منه جفاء فِي مجلسه. فذلك السبب الَّذِي أفسد الحال بينهما.
أَخْبَرَنَا أَبُو سعد الماليني- إن لم يكن قراءة فإجازة لأني شككت فِي سماعي هذه الحكاية منه- أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ قال سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن هارون بْن حسان البرقي يقول: هذا الخراساني- يَعْنِي النسائي- يتكلم فِي أَحْمَد بْن صالح.
وحضرت مجلس أَحْمَد بْن صالح وطرده من مجلسه. فحمله ذلك على أن تكلم فيه.
أخبرنا البرقاني أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سيار قَالَ سَمِعْتُ بندارا يَقُولُ: كتبت إِلَى أَحْمَد بْن صالح خمسين ألف حديث- أي إجازة- وسألته أن يجيز لي أو يكتب إلي بحديث مخرمة بْن بكير فلم يكن عنده من المروءة ما يكتب بذاك إلي. قلت: وأرى هَذَا الحديث الذي قاله بندار فِي أَحْمَد بن صالح في تركه مكاتبته مع مسألته إياه ذلك، إنما حمله عَلَيْهِ سوء الخلق، ولقد بلغني إنه كَانَ لا يحدث إلا ذا لحية، ولا يترك أمرد يحضر مجلسه، فلما حمل أَبُو دَاوُد السجستاني ابنه إليه ليسمع منه- وَكَانَ إذ ذاك أمرد- أنكر أَحْمَد بْن صالح عَلِيّ أَبِي دَاوُد إحضاره ابنه المجلس. فَقَالَ له أبو داود: وهو فإن كان أمرد أحفظ من أصحاب اللحى، فامتحنه بما أردت، فسأله عَنْ أشياء أجابة ابْن أَبِي دَاوُد عَنْ جميعها، فحدثه حينئذ ولم يحدث أمرد غيره.
أَخْبَرَنَا حمزة بْن مُحَمَّد بْن طَاهِر الدَّقَّاق وأَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد البزّار- قَالَ حمزة حَدَّثَنَا، وَقَالَ مُحَمَّد أَخْبَرَنَا- الوليد بن بكير الأندلسى حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجليّ حَدَّثَنِي أَبِي. قَالَ: أَحْمَد بْن صالح يكنى أَبَا جعفر، مصري ثقة، صاحب سنة.
هَذَا لفظ مُحَمَّد، وأما حمزة. فَقَالَ: أَحْمَد بْن صالح مصري ثقة. ولم يزد على ذلك.
أَخْبَرَنَا ابْن الْفَضْل القطان أخبرنا على بن إبراهيم المستملي حدّثنا محمّد بن سليمان بن فارس حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل البخاري. قَالَ: أَحْمَد بْن صالح أَبُو جعفر المصري ثقة صدوق، ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة، كَانَ أَحْمَد بْن حنبل وعلي وابن نمير وغيرهم يثبتون أَحْمَد بْن صالح، كَانَ يَحْيَى يَقُولُ: سلوا أحمد فإنه أثبت.
أخبرني الطناجيري حَدَّثَنَا عُمَر بْن أَحْمَدَ الْوَاعِظ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن صاعد يَقُولُ.
وَأَخْبَرَنَا البرقاني قَالَ قرأت على إِسْمَاعِيل بْن هشام الصرصري حدثكم مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الخالق العتكي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن رِشْدِينَ. قَالَ: مات أَحْمَد بْن صالح سنة ثمان وأربعين ومائتين. زاد ابن رشدين لثلاث بقين من ذي القعدة.
حَدَّثَنِي أحمد بن محمّد العتيقى حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَدَ بْن يونس ابن عبد الأعلى المصري حَدَّثَنَا أَبِي. قَالَ: كَانَ أَحْمَد بْن صالح يكنى أَبَا جعفر، كَانَ صالح جنديا من أهل طبرستان من العجم، وولد أَحْمَد بْن صالح بمصر فِي سنة سبعين ومائة، وتوفي بمصر يوم الإثنين لثلاث خلون من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين، وَكَانَ حافظا للحديث.
ذكر أَبُو عَبْد الرَّحْمَن النسائي: أَحْمَد بْن صالح، فرماه وأساء الثناء عَلَيْهِ. وقَالَ:
حَدَّثَنَا معاوية بن صالح قَالَ سمعت يَحْيَى بْن معين يَقُولُ: أَحْمَد بْن صالح كذاب يتفلسف. قَالَ أَبِي: ولم يكن عندنا بحمد اللَّه كَمَا قَالَ، ولم يكن لَهُ آفة غير الكبر
ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.
أَحْمد بن صَالح أبي جَعْفَر المصرى هُوَ طبرى الأَصْل
سمع عبد الله بن وهب وَإِسْمَاعِيل بن أَبى أويس وَغَيرهمَا كَانَ أحد حفاظ الْأَثر عَالما بعلل الحَدِيث بَصيرًا باختلافه ورد بَغْدَاد وجالس بهَا الْحفاظ وَكتب عَن إمامنا حَدِيثا ثمَّ رَجَعَ إِلَى مصر فَأَقَامَ بهَا وانتشر علمه
وَحدث عَن جمَاعَة مِنْهُم الْحَافِظ البخارى
وَقَالَ أبي بكر ابْن زَنْجوَيْه قدمت مصر فَأتيت أَحْمد بن صَالح فسألنى من أَيْن أَنْت قلت من بَغْدَاد قَالَ أَيْن مَنْزِلك من منزل أَحْمد بن حَنْبَل قلت أَنا من أَصْحَابه فَقَالَ تكْتب لى مَوضِع مَنْزِلك فإنى أُرِيد أَن أجتمع بِأَحْمَد
فَكتبت لَهُ فَوَافى أَحْمد بن صَالح سنة اثنى عشرَة إِلَى بَغْدَاد فلقينى فَقَالَ الْموعد فَذَهَبت بِهِ إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل فاستأذنت لَهُ فَأذن لَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ ورحب بِهِ وقربه وَقَالَ بلغنى أَنَّك جمعت حَدِيث الزهرى فتعال حَتَّى نتذاكر مَا روى الزهرى عَن أَصْحَاب النَّبِي فَجعلَا يتذاكران لَا يغرب أَحدهمَا عَن الآخر حَتَّى فرغا قَالَ وَمَا رَأَيْت أحسن من مذكراتهما ثمَّ قَالَ أَحْمد ابْن حَنْبَل لِأَحْمَد بن صَالح تَعَالَى حَتَّى نذْكر مَا روى الزهرى عَن أَوْلَاد أَصْحَاب رَسُول الله فَجعلَا يتذاكران لَا يغرب أَحدهمَا عَن الآخر إِلَى أَن قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لِأَحْمَد بن صَالح عِنْد الزهرى عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ قَالَ النَّبِي (أيسرنى أَن لى حمر النعم وَأَن لى حلف المطيعين)
فَقَالَ أَحْمد بن صَالح لِأَحْمَد أَنْت الْأُسْتَاذ وتذكر مثل هَذَا فَجعل أَحْمد يبتسم وَيَقُول رَوَاهُ عَن الزهرى رجل مَقْبُول أَو صَالح عبد الرَّحْمَن ابْن إِسْحَاق فَقَالَ من رَوَاهُ عَن عبد الرَّحْمَن
فَقَالَ حَدثنَا رجلَانِ ثقتان إِسْمَاعِيل بن علية وَبشر بن الْفضل فَقَالَ أَحْمد بن صَالح لِأَحْمَد ابْن حَنْبَل سَأَلتك بِاللَّه إِلَّا أمليته على فَقَالَ أَحْمد من الْكتاب فَقَامَ فَدخل وَأخرج الْكتاب وأملى عَلَيْهِ
فَقَالَ أَحْمد بن صَالح لِأَحْمَد لَو لم أستفد بالعراق إِلَّا هَذَا الحَدِيث كَانَ كثيرا ثمَّ ودعه وَخرج
مَاتَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلتين بَقِيَتَا من ذى الْقعدَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ بِمصْر
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.
أحمد بن صالح يعرف بابن الطبري يكنى بأبي جعفر من الطبقة الأولى ممن لم ير مالكاً رحمه الله. سمع من بن وهب وغيره قال أبي عمر المقري كان حافظاً للحديث وأخذ القراءة عن ورش وقالون. كتب له أحمد بن حنبل والذهلي وخرج عنه البخاري في الصحيح وأبي داود السجستاني وغيرهم. وهو ثقة ثبت مأمون صاحب سنة إمام مجمع على ثقته فقيه نظار أحد الأئمة الحفاظ المتقين
قال القاضي عياض: وكان يرى في الجنب أنه إذا لم يقدر على الطهر بالماء من برد وخوف على نفسه أنه يتوضأ ويصلي ويجزئه على ما جاء في بعض الروايات في حديث عمرو بن العاص فتوضأ وصلى بهم.
ولم يقل بهذا الرأي أحد من فقهاء الأمصار سوى طائفة ممن ينتحل الحديث. لهذا الحديث ولأن الوضوء عندهم فوق التيمم. توفي في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين. مولده بمصر سنة سبعين ومائة قاله أبي عمرو المقري.
ومن أهل أفريقية من الطبقة الثانية.
الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - ابن فرحون، برهان الدين اليعمري
يوجد له ترجمة في كتاب: (بغية الطلب في تاريخ حلب - لكمال الدين ابن العديم)