عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري
أبي نصر
تاريخ الوفاة | 514 هـ |
مكان الوفاة | نيسابور - إيران |
أماكن الإقامة |
|
- زين الإسلام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري
- محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد النيسابوري الكنجروذي "أبي سعد محمد"
- أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله أبي الحسين البزاز "ابن النقور أحمد"
- سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين الزنجاني أبي القاسم
- عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الماوردي النيسابوري "أبي حفص"
- إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن عامر "أبي عثمان الصابوني"
- أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي البيهقي
- عبد الغافر بن محمد الفارسي "أبي الحسين"
- الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأنصاري الأندلسي البطليوسي أبي علي "ابن الفراء"
- أبي الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني "الأفضل محمد"
- محمد بن المأمون المطوعي اللاهوري "أبي عبد الله"
- عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل النيسابوري الفراوي "أبي المعالي"
- عبد الرحمن بن محمد بن محمد أبي الفتوح السلمويي اللباد
- عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن منصور الخطيبي "أبي نصر الخرجردى"
- موسى بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد القحطاني المغربي الأغماتي "أبي هارون"
- عبد الرحمن بن عبد الصمد بن أحمد الأكافي "أبي القاسم"
- عبد الواحد بن الحسن بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الباقرحي "أبي الفتح"
- عبد الله بن عمر بن أحمد بن منصور بن الإمام محمد بن القاسم بن حبيب "أبي سعد بن الصفار النيسابوري"
- مسعود بن محمد بن مسعود الطريثيثي النيسابوري أبي المعالي قطب الدين
- محمد بن الحسين ابن أبي الفتح الهمذاني "أبي الفتح"
نبذة
الترجمة
عبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم [000 - 514]
ابْن هوَازن بن عبد الْملك بن طَلْحَة الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي، أَبُو نصر، أَعلَى أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي فِي الْعلم محلا، وَإِن لم يكن أكبرهم وَأَعْلَاهُمْ سنا، وَهُوَ الرَّابِع من أَوْلَاده، وَأول أَوْلَاده من بعد أَوْلَاده الثَّلَاثَة من الْخيرَة والسيدة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، وأشبههم بِهِ خلقا، حَتَّى كَأَنَّمَا شقّ مِنْهُ شقا.
كَانَ متصرفا فِي عُلُوم، مُتَقَدما فِي فنون، وَهُوَ أحد الجلة الْمُتَقَدِّمين من أَصْحَاب الإِمَام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ.
رباه وَالِده وَعلمه فِي صباه اللِّسَان الْعَرَبِيّ، حَتَّى تخرج وبرع، وزاول النثر وَالنّظم، فَحل مِنْهُمَا بِالْمحل المرموق وتلقى من وَالِده علمي التَّفْسِير وَالْأُصُول، فَبلغ مِنْهُمَا الْمبلغ الَّذِي يونق ويروق، وَكَانَ إِلَيْهِ استملاء الحَدِيث على وَالِده، وَقِرَاءَة الْكتب عَلَيْهِ، لتقدمه فِي فَضله، ورزق السرعة فِي الْكِتَابَة، حَتَّى كَانَ يكْتب الْكثير من غير أَن يلْحقهُ كَبِير مشقة، ثمَّ لما اسْتَأْثر الله الْكَرِيم بوالده بَادر بعد إِقَامَة رسم العزاء وتوابعه إِلَى مجْلِس إِمَام الْحَرَمَيْنِ، ولازم درسه، وَلَزِمَه لَيْلًا وَنَهَارًا، وعشيا وإبكارا، حَتَّى حصل طَرِيقه فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف، وعاود الْأُصُول فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي يعْتد بِهِ ويستفرغ مَعَه أَكثر أَيَّامه، مستفيدا مِنْهُ شَيْئا من حسابيات الْمسَائِل والوصايا والفرائض.
ثمَّ حِين فرغ من تَحْصِيل الْفِقْه تأهب لِلْحَجِّ، واستصحب جمَاعَة، وَلما دخل بَغْدَاد جلس للوعظ، فَبَدَا لَهُ من الْقبُول حِين رَأَوْا كَمَاله مَا لم يعْهَد لأحد فِي تِلْكَ الْأَزْمِنَة مثله، وَحَضَرت الْخَاصَّة مَجْلِسه، وَالْأَئِمَّة: الامام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَغَيره.
وَحج وَعَاد، وَالْقَبُول مقبل غض، وشمر لتربيته الشَّيْخ أَبُو سعد الصُّوفِي دوست دادا شيخ الشُّيُوخ، الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ رِبَاط شيخ الشُّيُوخ بِبَغْدَاد، وَخرج الْأَمر إِلَى التعصب حَتَّى بَدَت مخايل الْفِتْنَة وأوائلها، وَكَانَ قَلما يَخْلُو مجْلِس من مجالسه عَن إِسْلَام ذمِّي
ثمَّ حج ثَانِيًا من قَابل فِي ترفه وأهبة لمراعاة أَمِير الْحَاج لَهُ، وَرجع إِلَى بَغْدَاد، وَالْقَبُول بِحَالهِ، ونار الْفِتْنَة تكَاد تضطرم، فأنهي ذَلِك إِلَى نظام الْملك وَهُوَ بأصبهان، وَسُئِلَ استحضاره إِيَّاه من بَغْدَاد تطفئة للنائرة، فَبعث إِلَيْهِ يستدعيه، فَتوجه إِلَى المعسكر، فَتَلقاهُ بأكيد الْإِكْرَام، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْعودِ إِلَى وَطنه، فَفعل وَأقَام ملازما للطريقة القويمة، ثمَّ سُئِلَ أَن يدرس ويعظ، فَأجَاب إِلَى ذَلِك إِلَى أَن قرب انْتِهَاء أمره.
مرض فِي آخر عمره مَرضا اعتقل مِنْهُ لِسَانه إِلَّا عَن الذّكر، فَكَانَ لَا يتَكَلَّم إِلَّا بآيَات الْقُرْآن إِلَى أَن توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع عشرَة وَخمْس مئة بنيسابور.
وَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة الحفل.
سمع الحَدِيث الْكثير، وَرَوَاهُ فَأكْثر، وَقَرَأَ تصانيف وَالِده عَلَيْهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: وَكَانَ كثير الْميل إِلَى الرِّوَايَة، قَلما يمْضِي عَلَيْهِ يَوْم إِلَّا وَيقْرَأ عَلَيْهِ مجْلِس من الحَدِيث.
قَالَ: وَكَانَ يحفظ حكايات وأشعارا كَثِيرَة، وَحكي أَنه كَانَ يحفظ خمسين ألف نصف بَيت، وَأَنه كَانَ يحب الْعُزْلَة والانزواء، فَلَمَّا انقرضت الجوينية وَصَارَ مقدما احْتَاجَ إِلَى الْخُرُوج، وَحُضُور المحافل للتهاني والتعازي، فَخرج يَوْمًا إِلَى تَعْزِيَة بعض النَّاس، وَكَانَ يَوْمًا كثير الوحل، فَأصَاب ثِيَابه، وتلوث، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى منزله أنْشد:
(لهفي على مَا كنت فِيهِ ... من الفراغة والدعه)
(قد كَانَ قلبِي ساليا ... فقلى السلو وودعه)
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: الفراغة، بِالْهَاءِ تستعملها الْعَجم،
وَلَا أصل لَهَا فِي اللُّغَة نعلمهُ، فَالله أعلم.
وَأنْشد:
(دَعْنِي فَإِن غَرِيم الشيب لازمني ... هَذَا زَمَانك فامرح فِيهِ لَا زمني)
وَقَالَ: سَمِعت وَالِدي يَقُول: ليكن لَك فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة سَاعَة تحضر فِيهَا بقلبك، وتخلو بِرَبِّك، وترفع إِلَيْهِ فقرك، وَتقول: تدارك قلبِي بشظية من إقبالك، بذرة من إفضالك؛
(هَا إِن مددت يَدي إِلَيْك فَردهَا ... بِالْفَضْلِ لَا بشماتة الْأَعْدَاء
-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-
الشَّيْخُ الإِمَامُ، المُفَسِّرُ العَلاَّمَة، أَبُو نَصْرٍ عَبْد الرحيم بن الإِمَامِ شَيْخِ الصُّوْفِيَّةِ أَبِي القَاسِمِ عَبدِ الكَرِيْمِ بن هوزان القُشَيْرِيّ, النَّيْسَابُوْرِيّ، النَّحْوِيّ, المُتَكَلِّم، وَهُوَ الوَلَدُ الرَّابع مِنْ أَوْلاَد الشَّيْخ.
اعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَأَسْمَعَهُ، وَأَقرَأَه حَتَّى بَرَعَ فِي العَرَبِيَّة وَالنَّظم وَالنَّثر وَالتَّأْوِيْل، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ بِأَسرعِ خطّ، وَكَانَ أَحَدَ الأذكياء، لازم إمام الحَرَمَيْنِ، وَحصل طرِيقَة المَذْهَب وَالخلاَف، وَسَاد، وَعَظُمَ قَدْرُهُ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ.
وَحَجَّ، فَوَعَظ بِبَغْدَادَ، وَبَالَغَ فِي التَّعَصُّبِ لِلأَشَاعِرَة، وَالغضِّ مِنَ الحنَابلَةِ، فَقَامَتِ الفِتْنَةُ عَلَى ساقٍ، وَاشتَدَّ الخطبُ، وَشَمَّرَ لِذَلِكَ أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصُّوْفِيّ عَنْ سَاق الجدّ، وَبَلغَ الأَمْرُ إِلَى السَّيْفِ، وَاختَبَطَتْ بَغْدَادُ، وَظَهَرَ مُبَادرُ البَلاَء، ثُمَّ حَجَّ ثَانِياً، وَجَلَسَ، وَالفِتْنَةُ تَغلِي مَرَاجِلُهَا، وَكَتَبَ وُلاَةُ الأَمْرِ إِلَى نِظَامِ المُلك لِيَطلُبَ أَبَا نَصْرٍ بنَ القُشَيْرِيِّ إِلَى الحضرَةِ إِطفَاءً لِلنَّائِرَةِ، فَلَمَّا وَفَدَ عَلَيْهِ، أَكرمه وَعَظَّمه، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالرُّجُوْعِ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَرَجَعَ، وَلَزِمَ الطَّرِيْقَ المُسْتَقِيمَ، ثُمَّ نُدِبَ إِلَى الوَعظِ وَالتَّدرِيسِ، فَأَجَابَ، ثُمَّ فَتَرَ أَمرُه، وَضَعُفَ بَدَنُه، وَأَصَابَهُ فَالِج، فَاعْتُقِلَ لِسَانُه إِلاَّ عَنِ الذِّكر نَحْواً مِنْ شهر، وَمَاتَ.
سَمِعَ: أَبَا حَفْصٍ بنَ مَسْرُوْر، وَأَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَعبدَ الغَافِر الفَارِسِيّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ، وَسَعْدَ بن عَلِيٍّ الزَّنجَانِي، وَأَبَا القَاسِمِ المهروَانِي، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: سِبْطُهُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الصَّفَّار، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيّ، وَخطيبُ المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ، وَعبدُ الصَّمد بن عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَعِدَّة، وَبِالإِجَازَة: أَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
ذكره عَبْد الغَافِرِ فِي "سيَاقه"، فَقَالَ: هُوَ زَينُ الإِسْلاَم أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، إِمَامُ الأَئِمَّة، وَحَبْرُ الأُمَّة، وَبحرُ العُلُوْم، وَصَدْرُ القُروم، أَشْبَههُم بِأَبِيْهِ خلقاً، حَتَّى كَأَنَّهُ شُقَّ مِنْهُ شَقاً، كَمُلَ فِي النَّظم وَالنَّثر، وَحَاز فِيْهِمَا قَصَبَ السَّبق، ثُمَّ لَزِمَ إِمَام الحَرَمَيْنِ، فَأَحكم المَذْهَبَ وَالأُصُوْل وَالخلاَفَ، وَلاَزمه يَقْتَدِي بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَاجّاً، وَرَأَى أَهْلُ بَغْدَادَ فَضلَه وَكمَالَه، وَوجد مِنَ الْقبُول مَا لَمْ يُعْهَدْ لأَحدٍ، وَحضر مَجْلِسَه الخَوَاصُّ، وَأَطبقُوا عَلَى أَنَّهُم مَا رَأَوْا مِثْلَه فِي تَبحره ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَبلغ الأَمْرُ فِي التَّعصُّب لَهُ مَبْلَغاً كَادَ أَنْ يُؤَدِّي إِلَى الفِتْنَة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَح: قَالَ شيخنَا أَبُو بَكْرٍ القَاسِم بن الصَّفَّار: وُلِدَ أَبِي أَبُو سَعْدٍ سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَة، وَسَمِعَ مِنْ جَدِّه وَهُوَ ابْنُ أَرْبَع سِنِيْنَ أَوْ أَزْيَد، وَالعجبُ أَنَّهُ كتب بِخَطِّهِ الطَّبَقَة، وَحَيِي إِلَى سَنَةِ سِتّ مائَة.
مَاتَ أَبُو نَصْرٍ فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ, سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائة في عشر الثمانين.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.
عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري، أبو نصر:
واعظ، من علماء نيسابور، من بني قشير. علت له شهرة كأبيه. زار بغداد في طريقه إلى الحج، ووعظ بها، فوقعت بسببه فتنة بين الحنابلة والشافعية، فاستدعاه نظام الملك إلى أصبهان (إطفاء للفتنة ببغداد) فذهب إليه ولقي منه إكراما. وعاد إلى نيسابور، فلازم الوعظ والتدريس إلى أن فلج. وتوفي بها. كان ذكيا حاضر الخاطر، فصيحا، جريئا، يحفظ كثيرا من الشعر والحكايات. له (المقامات والآداب - خ) تصوف ووعظ .
-الاعلام للزركلي-
عبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم بن هوزان الْأُسْتَاذ أَبي نصر بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي
الإِمَام الْعلم بَحر مغدق زخار وَحبر هُوَ فِي زَمَانه رَأس الْأَحْبَار إِذا قيل كَعْب لأحبار وَهَمَّام مقدم وَإِمَام تقتدي بِهِ الهداة وتأتم نما من تِلْكَ الْأُصُول الطاهرة غصنه المورق عَليّ الأنجم الزاهرة بدره الْمشرق ورع يأنف أَن يعد غير دَار السَّلَام دَارا ويستقل الجوزاء إِذا هُوَ جاوزها أَن يتَّخذ فِيهَا قرارا مجل مَا ادلهم ليل المشكلات وأمسي ومصل يسمع النَّاس لكَلَامه فَلَا تسمع لَهُم إِلَّا همسا تلْتَقط الدُّرَر من كلمة ويتناثر الْجَوْهَر من حكمه ويؤوب المذنب عِنْد وعظه وَيَتُوب العَاصِي بِمُجَرَّد سَماع لَفظه ينطبع فِي الْقلب من كَلِمَاته صُورَة وَيحدث للأنفس الزكية مِنْهُ عظات إِذا مدها لم تكن على أهل الطَّاعَة مَقْصُورَة كم من فَاسق تَابَ فِي مَجْلِسه وَدخل فِي الطَّاعَة وَكم من كَافِر آب إِلَى الْحق سَاعَة وعظه وآمن فِي السَّاعَة بِمن بعث بَين يَدي السَّاعَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو اسْتمع لَهُ الصخر لانفلق وَلَو فهم كَلَامه الْوَحْش لاستحسنه وَقَالَ صدق يصدع الْقلب القاسي خطابه ويكاد يجمع عِظَام ذَوي الْغَفْلَة النخرة عتابه ويشتت شَمل الشَّيَاطِين مَا يَقُول ويفتت الأكباد مَا يجمعه من الْحق المقبول هُوَ الرَّابِع من أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم وَأَكْثَرهم علما وأشهرهم اسْما وَالْكل من السيدة الجليلة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق
تحرج بوالده ثمَّ على إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وَسمع أَبَاهُ وَأَبا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا الْحُسَيْن الْفَارِسِي وَأَبا حَفْص بن مسرور وَأَبا سعد الكنجروذي وَأَبا بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبا الْحُسَيْن بن النقور وَأَبا الْقَاسِم الزنجاني وَغَيرهم بخراسان وَالْعراق والحجاز وَحدث بالكثير
روى عَنهُ سبطه أَبُو سعد عبد الله بن عمر الصفار وَأَبُو الْفتُوح الطَّائِي وخطيب الْموصل أَبُو الْفضل الطوسي وَغَيرهم وَأَبُو سعد الصفار آخر من حدث عَنهُ
وَمن الْغَرِيب أَنه سمع مِنْهُ وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين وَكتب الطَّبَقَة بِخَطِّهِ وَبَقِي إِلَى سنة سِتّمائَة
ذكر صَاحب السِّيَاق وأفصح المؤرخين على الْإِطْلَاق عبد الغافر الْفَارِسِي الْأُسْتَاذ أَبَا نصر فَقَالَ إِمَام الْأَئِمَّة وَحبر الْأمة وبحر الْعُلُوم وَصدر القروم قَالَ وَهُوَ أشبه أَوْلَاد أَبِيه بِهِ خلقا حَتَّى كَأَنَّهُ شقّ مِنْهُ شقا رباه وَالِده أحسن تربية وزقه الْعَرَبيَّة فِي صباه زقا حَتَّى برع فِيهَا وكمل فِي النّظم والنثر فحاز فيهمَا قصب السَّبق
وَكَانَ ينفث بِالسحرِ أقلامه على الرّقّ استوفى الْحَظ الأوفى من علم الْأُصُول وَالتَّفْسِير تلقنا من وَالِده ورزق السرعة فِي الْكِتَابَة بِحَيْثُ كَانَ يكْتب كل يَوْم طاقات على الاعتياد لَا يلْحقهُ فِيهِ كَبِير مشقة وَحصل أنواعا من الْعُلُوم الدقيقة والحساب
وَلما توفّي أَبوهُ انْتقل إِلَى مجْلِس إِمَام الْحَرَمَيْنِ وواظب على درسه وصحبته لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَزِمَه عشيا وإبكارا حَتَّى حصل طَرِيقَته فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وجدد عَلَيْهِ الْأُصُول وَكَانَ الإِمَام يعْتد بِهِ ويستفرغ أَكثر أَيَّامه مَعَه مستفيدا مِنْهُ بعض مسَائِل الْحساب فِي الْفَرَائِض والدور والوصاية
فَلَمَّا فرغ من تَحْصِيل الْفِقْه تأهب لِلْخُرُوجِ لِلْحَجِّ وَحين وصل إِلَى بَغْدَاد وَعقد لَهُ الْمجْلس وَرَأى أهل بَغْدَاد فَضله وكماله وعانيوا خصاله بداله من الْقبُول عِنْدهم مَا لم يعْهَد مثله لأحد قبله وَحضر مَجْلِسه الْخَواص وَلزِمَ الْأَئِمَّة مثل أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الَّذِي هُوَ فَقِيه الْعرَاق فِي وقته عتبَة منبره
وأطبقوا على أَنهم لم يرَوا مثله فِي تبحره وَخرج إِلَى الْحَج وَلما عَاد كَانَ الْقبُول عَظِيما وزائدا على مَا كَانَ من قبل وَبلغ الْأَمر فِي التعصب لَهُ مبلغا يُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَة وقلما كَانَ يَخْلُو مَجْلِسه عَن إِسْلَام جمَاعَة من أهل الذِّمَّة
وَخرج بعد من قَابل رَاجعا إِلَى الْحَج فِي أكمل حرمه وترفه فِي خدمَة من أَمِير الْحَاج وَأَصْحَابه وَعَاد إِلَى بَغْدَاد وَأمر الْقبُول بِحَالهِ والفتنة مشرئبة تكَاد تضطرم فَبعث إِلَيْهِ نظام الْملك يستحضره من بَغْدَاد إِلَى أَصْبَهَان فَأكْرم مورده وَبَقِي أهل بَغْدَاد عطاشا إِلَيْهِ وَإِلَى كَلَامه مِنْهُم من لم يفْطر عَن الصَّوْم سِنِين بعده وَمِنْهُم من لم يحضر من بعده مجْلِس تذكير قطّ وَأَشَارَ الصاحب عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى خُرَاسَان وَوَصله بصلات سنية وَدخل قزوين وَلَقي بهَا قبولا تَاما وَلما عَاد استقبله الْأَئِمَّة والصدور وَكَانَ يواظب بعد مَا لَقِي من الْقبُول على درس إِمَام الْحَرَمَيْنِ ويشتغل بِزِيَادَة التَّحْصِيل وَكَانَ أَكثر صغوة فِي أَوَاخِر أَيَّامه إِلَى الرِّوَايَة قَلما يَخْلُو يَوْم من أَيَّامه عَن مجْلِس للْحَدِيث أَو مجلسين وَتُوفِّي عديم النظير فريد الْوَقْت بَقِيَّة أكَابِر الدُّنْيَا انْتهى
قلت وَأعظم مَا عظم بِهِ أَبُو نصر أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ نقل عَنهُ فِي كتاب الْوَصِيَّة من النِّهَايَة وَهَذِه مرتبَة رفيعة
والفتنة الْمشَار إِلَيْهَا فِي كَلَام عبد الغافر فتْنَة الْحَنَابِلَة فَإِن الْأُسْتَاذ أَبَا نصر قَامَ فِي نصْرَة مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وباح بأشد النكير على مخالفيه وغبر فِي وُجُوه المجسمة فِي كائنه لَا يَخْلُو هَذَا الْكتاب عَن شرحها
وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو نصر قد اعتقل لِسَانه فِي آخر عمره إِلَّا عَن الذّكر فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بآي الْقُرْآن وَكَانَ يحفظ من الْأَشْعَار والحكايات مَالا يُحْصى كَثْرَة وَقيل إِنَّه كَانَ يحفظ خمسين ألف نصف بَيت قيل وَكَانَ يحب الْعُزْلَة والانزواء فَلَمَّا انقرضت الجوينية وَصَارَ مقدما احْتَاجَ إِلَى الْخُرُوج وَحُضُور المحافل إِذْ كَانَ قد بَقِي عين أهل مَدِينَة نيسابور والمشار إِلَيْهِ فِي صُدُور محافل العزاء والهناء بَعْدَمَا انقرض بَيت الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَولده إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ رجلا معظماحتى عِنْد مشايخه فَلَقَد أطنب شَيْخه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ شَيْخه إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وَدخل الْأُسْتَاذ أَبُو نصر مرّة على الإِمَام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ فَأَنْشَأَ الإِمَام ارتجالا
(يميس كغصن إِذا مَا بدا ... ويبدو كشمس ويرنو كريم)
(مَعَاني النجابة مَجْمُوعَة ... لعبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم)
وَمن شعر الْأُسْتَاذ أبي نصر
(ليَالِي وصال قد مضين كَأَنَّهَا ... لآلي عُقُود فِي نحور الكواعب)
(وَأَيَّام هجر أعقبتها كَأَنَّهَا ... بَيَاض مشيب فِي سَواد الذوائب)
وَقَالَ
(تَقْبِيل خدك أشتهى ... أمل إِلَيْهِ أنْتَهى)
(لَو نلْت ذَلِك لم أبل ... بِالروحِ منى أَن تهي)
(دنياي لَذَّة سَاعَة ... وعَلى الْحَقِيقَة أَنْت هِيَ)
وَقَالَ أَيْضا
(شَيْئَانِ من يعذلني فيهمَا ... فَهُوَ على التَّحْقِيق مني بَرى)
(حب أبي بكر إِمَام التقى ... ثمَّ اعتقادي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ)
وَقَالَ فِي وَلَده فضل الله
(كم حسرة لي فِي الحشا ... من وَلَدي وَقد نشا)
(كُنَّا نشَاء رشده ... فَمَا نشا كَمَا نشا)
وَقَالَ
(رَمَضَان أرمضني بصادات على ... عدد الطبائع والفصول الْأَرْبَعَة)
(صَوْم وَصوب مَا يغيب سَحَابَة ... وصبابة وصدود من قلبِي مَعَه)
وَوَقعت إِلَيْهِ رقْعَة استفتاء فِيهَا
(مَا على عاشق رأى الْحبّ مختا ... لَا كغصن الْأَرَاك يحمل بَدْرًا)
(فَدَنَا نَحوه يقبل خديه ... غراما بِهِ ويلثم ثغرا)
(وَعَلِيهِ من العفاف رَقِيب ... لَا يداني فِي سنة الْحبّ غدرا)
(أعليه جِنَايَة توجب الْحَد م ... أجبنا لقِيت رشدا وَبرا)
فَأجَاب من أَبْيَات
(مَا على من يقبل الْحبّ حد ... غير أَنِّي أرَاهُ حاول نكرا)
(لَا تشوق للثم خد وثغر ... لَو تعففت كَانَ ذَلِك أَحْرَى)
(فاخش مِنْهُ إِذا تسامحت فِيهِ ... غائلات تجر إِثْمًا ووزرا)
توفّي الْأُسْتَاذ أَبُو نصر يَوْم الْجُمُعَة الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة بنيسابور
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
قَالَ أبونصر سَمِعت وَالِدي يَقُول ليكن لَك فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة سَاعَة تحضر فِيهَا بقلبك وتخلو بِرَبِّك وَتقول تدارك قلبِي بشظية من إقبالك بذره من أفضالك
من نذر أَن لَا يكلم الْآدَمِيّين أَو الصمت فِي صَوْمه قَالَ الرَّافِعِيّ فِي آخرباب النّذر فِي تَفْسِير أبي نصر الْقشيرِي أَن الْقفال قَالَ من الْتزم بِالنذرِ أَن لَا يكلم الْآدَمِيّين يحْتَمل أَن يُقَال يلْزمه لِأَنَّهُ مِمَّا يتَقرَّب بِهِ وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا لما فِيهِ من التَّضْيِيق وَالتَّشْدِيد وَلَيْسَ ذَلِك من شرعنا كَمَا لَو نذر الْوُقُوف فِي الشَّمْس
قلت وَقد رَأَيْت ذَلِك فِي تَفْسِير أبي نصر الْمَذْكُور قَالَ وعَلى هَذَا يكون نذر الصمت يَعْنِي فِي قَوْله {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} فِي تِلْكَ الشَّرِيعَة لَا فِي شريعتنا
ذكره فِي تَفْسِير سُورَة مَرْيَم وَمرَاده بالقفال فِيمَا أَحسب الْقفال الْكَبِير صَاحب التَّفْسِير لَا الْقفال الْمروزِي فَليعلم ذَلِك
وَرَأَيْت صَاحب الْبَحْر قد ذكر فِي كتاب الصَّوْم مَا نَصه فرع جرد عَادَة النَّاس بترك الْكَلَام فِي رَمَضَان وَلَيْسَ لَهُ أصل فِي الشَّرْع وَالرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة لم يفعلوه إِلَّا أَن لَهُ أصلا فِي شرع من قبلنَا قَالَ تَعَالَى لزكريا عَلَيْهِ السَّلَام {أَلا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال سويا} وَقَالَت مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام {إِنِّي نذرت للرحمن صوما فَلَنْ أكلم الْيَوْم إنسيا} وَقد قَالَ بعض أَصْحَابنَا شرع من قبلنَا يلْزمنَا فَيكون هَذَا قربَة تسْتَحب وَمن قَالَ لَا يلْزمنَا شرع من قبلنَا قَالَ لَا يسْتَحبّ انْتهى
قلت وعَلى هَذَا تتخرج الْمَسْأَلَة السَّابِقَة فَإِن قُلْنَا قربَة صَحَّ الْتِزَامه بِالنذرِ وَإِلَّا فَلَا
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي