إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم أبي إبراهيم المزني

المزني إسماعيل

تاريخ الولادة175 هـ
تاريخ الوفاة261 هـ
العمر86 سنة
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةالقرافة - مصر
أماكن الإقامة
  • القرافة - مصر

نبذة

الشيخ الإمام أبو إبراهيم إسمعيل بن يحيى بن عمرو بن إسحق المُزَني المصري، المتوفى بها في رمضان سنة أربع وستين ومائتين، وله تسع وثمانون سنة.حدّث عن الشافعي وغيره واختصّ بصحبته وقام بنصرة مذهبه.

الترجمة

 إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم أبي إبراهيم المزني، ولد سنة (175ه). حدث عن الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد، وغيرهما، وحدث عنه إمام الأئمة أبي بكر بن خزيمة، و أبي جعفر الطحاوي، وغيرهما، قال الشافعي: في وصفه لو ناظره الشيطان لغلبه، (ت: 261ه). ينظر: تاريخ الاسلام للذهبي: 6/299، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 2/93، وموسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية لأبي سهل المغراوي.

 

الشيخ الإمام أبو إبراهيم إسمعيل بن يحيى بن عمرو بن إسحق المُزَني المصري، المتوفى بها في رمضان سنة أربع وستين ومائتين، وله تسع وثمانون سنة.
حدّث عن الشافعي وغيره واختصّ بصحبته وقام بنصرة مذهبه. روى عنه الطَّحَاوي وابن خُزيمة. وكان زاهداً مجتهداً غواصاً على المعاني الدقيقة وصنَّف "الجامع الكبير" و"الصغير" و"مختصر المختصر" و"المنثور" و"المسائل" و"الترغيب في العلم" وكتاب "الوثائق والعقارب" وكتاب في مذهبه ومختصره أصل الكتب للفقهاء بالشافعية. وكان من الزهد على طرف عظيم. ذكره السبكي.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.

 

أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزني: مات بمصر سنة أربع وستين ومائتين، وكان زاهداً عالماً مجتهداً مناظراً محجاجاً غواصاً على المعاني الدقيقة. صنف كتباً كثيرة: الجامع الكبير، والجامع الصغير، ومختصر المختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق. قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي.

- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

 

 

إِسْمَاعِيل بْن يَحْيَى بْن إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو بْن إِسْحَاق الإِمَام الْجَلِيل أَبُو إِبْرَاهِيم الْمُزنِيّ
نَاصِر الْمَذْهَب وَبدر سمائه
ولد سنة خمس وَسبعين وَمِائَة
وَحدث عَن الشَّافِعِي ونعيم بْن حَمَّاد وَغَيرهمَا
رَوَى عَنهُ ابْن خُزَيْمَة والطَّحَاوِي وزَكَرِيا السَّاجِي وَابْن جوصا وَابْن أَبِي حَاتِم وَغَيرهم
وَكَانَ جبل علم مناظرا محجاجا
قَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَصفه لَو ناظره الشَّيْطَان لغلبه

وَكَانَ زاهد ورعا متقللا من الدُّنْيَا مجاب الدعْوَة وَكَانَ إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة فِي جمَاعَة صلاهَا خمْسا وَعشْرين مرّة وَيغسل الْمَوْتَى تعبدا واحتسابا وَيَقُول أَفعلهُ ليرق قلبِي
قَالَ أَبُو الفوارس السندي كَانَ الْمُزنِيّ وَالربيع رضيعين
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ كَانَ زاهد عَالما مُجْتَهدا مناظرا محجاجا غواصا عَلَى الْمعَانِي الدقيقة صنف كتبا كَثِيرَة الْجَامِع الْكَبِير وَالْجَامِع الصَّغِير والمختصر والمنثور والمسائل الْمُعْتَبرَة وَالتَّرْغِيب فِي الْعلم وَكتاب الوثائق وَكتاب العقارب وَكتاب نِهَايَة الِاخْتِصَار
قَالَ الشَّافِعِي الْمُزنِيّ نَاصِر مذهبي
وَقَالَ الرّبيع بْن سُلَيْمَان دَخَلنَا عَلَى الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْد وَفَاته أَنا والبويطي والمزني ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم قَالَ فَنظر إِلَيْنَا الشَّافِعِي سَاعَة فَأطَال ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا فَقَالَ أما أَنْت يَا أَبَا يَعْقُوب فستموت فِي حَدِيد لَك وَأما أَنْت يَا مزني فسيكون لَك بِمصْر هَنَات وهنات ولتدركن زَمَانا تكون أَقيس أهل ذَلِك الزَّمَان وَأما أَنْت يَا مُحَمَّد فسترجع إِلَى مَذْهَب أَبِيك وَأما أَنْت يَا ربيع فَأَنت أنفعهم لي فِي نشر الْكتب قُم يَا أَبَا يَعْقُوب فتسلم الْحلقَة
قَالَ الرّبيع فَكَانَ كَمَا قَالَ
قلت وَذكروا أَن الْمُزنِيّ كَانَ إِذا فرغ من مَسْأَلَة فِي الْمُخْتَصر صلى رَكْعَتَيْنِ
وَقَالَ عَمْرو بْن عُثْمَان الْمَكِّيّ مَا رَأَيْت أحدا من المتعبدين فِي كَثْرَة من لقِيت مِنْهُم أَشد اجْتِهَادًا من الْمُزنِيّ وَلَا أدوم عَلَى الْعِبَادَة مِنْهُ وَمَا رَأَيْت أحدا أَشد تَعْظِيمًا للْعلم وَأَهله مِنْهُ وَكَانَ من أَشد النَّاس تضييقا عَلَى نَفسه فِي الْوَرع وأوسعه فِي ذَلِك عَلَى النَّاس وَكَانَ يَقُول أَنا خلق من أَخْلَاق الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو عَاصِم لم يتَوَضَّأ الْمُزنِيّ من حباب ابْن طولون وَلم يشرب من كيزانه قَالَ لِأَنَّهُ جعل فِيهِ سرجين وَالنَّار لَا تطهر

وَقيل إِن بكار بْن قُتَيْبَة لما قدم مصر عَلَى قَضَائهَا وَهُوَ حَنَفِيّ فَاجْتمع بالمزني مرّة فَسَأَلَهُ رجل من أَصْحَاب بكار فَقَالَ قد جَاءَ فِي الْأَحَادِيث تَحْرِيم النَّبِيذ وتحليله فَلم قدمتم التَّحْرِيم على التَّحْلِيل فَقَالَ الْمُزنِيّ لم يذهب أحد إِلَى تَحْرِيم النَّبِيذ فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ تَحْلِيله لنا وَوَقع الِاتِّفَاق عَلَى أَنه كَانَ حَلَالا فَحرم فَهَذَا يعضد أَحَادِيث التَّحْرِيم فَاسْتحْسن بكار ذَلِك مِنْهُ
أَخذ عَن الْمُزنِيّ خلائق من عُلَمَاء خُرَاسَان وَالْعراق وَالشَّام
وَتُوفِّي لست بَقينَ من شهر رَمَضَان سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَمن الرِّوَايَة عَن أَبِي إِبْرَاهِيم رَحمَه اللَّه تَعَالَى
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَنْبَلِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحسن بن الْحُسَيْن بن الْبَز الأسدى سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ أَخْبَرَنَا جَدِّي الْحُسَيْنُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْفَرَّاءُ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَوَارِسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّابُونِيُّ سَنَةَ ثَمَان وَأَرْبَعين وثلاثمائة أَخْبَرَنَا الْمُزَنِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ فَقِيلَ إِنَّكَ تُوَاصِلُ فَقَالَ لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ
وَبِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى السّنة على النَّاس صَاع من تمر وَصَاع مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا
وَهِيَ مِنَ الأَسَانِيدِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُسَمَّى عِقْدَ الْجَوْهَرِ وَلَا حرج

وَقد وَقع لنا جُزْء أخرجه الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الإسفراينى فِيهِ مَا فى مُخْتَصر أَبى إِبْرَاهِيم المزنى من الْأَحَادِيث بِالْأَسَانِيدِ أخبرنَا بِهِ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج المزى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بدار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق قَالَ أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن يحيى الكرخى بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح
ح قَالَ شَيخنَا وَأخْبرنَا أَيْضا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن أَبى عصرون التميمى وست الْأُمَنَاء أمينة بنت أَبى نصر عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَسَاكِر وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاسِع بن عبد الكافى الأبهرى بقراءتى عَلَيْهِم قَالُوا أخبرنَا أَبُو بكر الْقَاسِم بن أَبى سعد عبد الله ابْن عمر بن أَحْمد الصفار قَالَ ابْن الصّلاح سَمَاعا عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَاقُونَ كِتَابَة أخبرنَا الإِمَام أَبُو مَنْصُور عبد الْخَالِق بن زَاهِر الشحامى أخبرنَا الرئيس أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن مُحَمَّد المحمى أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن الْحسن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الأزهرى الإسفراينى قِرَاءَة عَلَيْهِ فى رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وثلثمائة أخبرنَا خَال أمى أَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَافِظ سنة سِتّ عشرَة وثلثمائة حَدثنَا أَبُو إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن يحيى المزنى قَالَ قَالَ الشافعى أخبرنَا سُفْيَان عَن الزهرى عَن أَبى سَلمَة عَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فى الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدرى أَيْن باتت يَده)
هَذَا أول أَحَادِيث الْجُزْء وَكله سَمَاعا بِهَذَا السَّنَد وَأَكْثَره بِمثل هَذَا الْإِسْنَاد الْعَظِيم فَمن أَبى نعيم إِلَى أَبى هُرَيْرَة كلهم أَئِمَّة أجلاء ثَمَانِيَة من السادات علما ودينا وإتقانا

وَمن مستغرب رِوَايَات أَبى إِبْرَاهِيم عَن الشافعى ومستظرفها
قَالَ البيهقى فى كتاب أَحْكَام الْقُرْآن الذى جمعه من كَلَام الشافعى وَهُوَ كتاب نَفِيس من ظريف مصنفات البيهقى سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَبْدَانِ الكرمانى يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن أَبى إِسْمَاعِيل العلوى ببخارى يَقُول سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن حسان المصرى بِمَكَّة يَقُول سَمِعت المزنى يَقُول سُئِلَ الشافعى عَن قَول الله عز وَجل {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} قَالَ مَعْنَاهُ مَا تقدم من ذَنْب أَبِيك آدم عَلَيْهِ السَّلَام وهبته لَك وَمَا تَأَخّر من ذنُوب أمتك أدخلهم الْجنَّة بشفاعتك
قَالَ البيهقى وَهَذَا قَول مستظرف
قَالَ والذى وَضعه الشافعى يعْنى فى تَفْسِير هَذِه الْآيَة فى تصنيفه وَصَحَّ فى الرِّوَايَة وأشبه بِظَاهِر الْآيَة يعْنى مَا تقدم قبل الوحى وَمَا تَأَخّر أَن يعصمه فَلَا يُذنب فَعلم مَا يفعل بِهِ من رِضَاهُ عَنهُ وَأَنه أول شَافِع وَأول مُشَفع يَوْم الْقِيَامَة وَسيد الْخَلَائق كَذَا رَوَاهُ الرّبيع عَن الشافعى
قلت وَقد نقل عَن عَطاء الخراسانى مثل التَّفْسِير الذى رَوَاهُ المزنى عَن الشافعى وَهُوَ أَنه قَالَ مَا تقدم من ذَنْب أَبَوَيْك آدم وحواء ببركتك وَمَا تَأَخّر من ذَنْب أمتك بدعوتك
قَالَ الطحاوى حَدثنَا المزنى قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول دخل ابْن عَبَّاس على عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ أَصبَحت وَقد أفسدت من دنياى كثيرا وأصلحت من دينى قَلِيلا فَلَو كَانَ مَا أصلحت هُوَ مَا أفسدت لفزت وَلَو كَانَ ينفعنى أَن أطلب طلبت وَلَو كَانَ ينجينى أَن أهرب هربت فعظنى بموعظة أنتفع بهَا يَا ابْن أخى فَقَالَ هَيْهَات يَا أَبَا عبد الله فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن ابْن عَبَّاس يقنطنى من رحمتك فَخذ منى حَتَّى ترْضى

قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم المزنى رَحمَه الله كنت يَوْمًا عِنْد الشافعى أسائله عَن مسَائِل بِلِسَان أهل الْكَلَام قَالَ فَجعل يسمع منى وَينظر إِلَى ثمَّ يجيبنى عَنْهَا بأحضر جَوَاب فَلَمَّا اكتفيت قَالَ لى يَا بنى أدلك على مَا هُوَ خير لَك من هَذَا قلت نعم فَقَالَ يَا بنى هَذَا علم إِن أَنْت أصبت فِيهِ لم تؤجر وَإِن أَخْطَأت فِيهِ كفرت فَهَل لَك فى علم إِن أصبت فِيهِ أجرت وَإِن أَخْطَأت لم تأثم قلت وَمَا هُوَ قَالَ الْفِقْه فَلَزِمته فتعلمت مِنْهُ الْفِقْه ودرست عَلَيْهِ
قَالَ وَكنت يَوْمًا عِنْده إِذْ دخل عَلَيْهِ حَفْص الْفَرد فَسَأَلَهُ عَن سُؤَالَات كَثِيرَة فَبَيْنَمَا الْكَلَام يجرى بَينهمَا وَقد دق حَتَّى لَا أفهمهُ إِذْ الْتفت إِلَى الشافعى مسرعا فَقَالَ يَا مزنى قلت لبيْك قَالَ تدرى مَا قَالَ حَفْص قلت لَا قَالَ خير لَك أَن لَا تدرى
قلت قَوْله بأحضر جَوَاب هُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة بعْدهَا ضاد منقوطة أفعل تَفْضِيل من حضر يحضر كَذَا سَمِعت والدى رَحمَه الله يلفظ بِهِ وَقد حَدثنَا بِهَذِهِ الْحِكَايَة من لَفظه أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مخلوف بن جمَاعَة أخبرنَا ابْن رواج أخبرنَا السلفى أخبرنَا العلاف أخبرنَا الحمامى أخبرنَا الختلى حَدثنِي أَبُو الْيَسَار الْأَحول سَمِعت أَبَا إِبْرَاهِيم يَقُول فَذكره
قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم سَمِعت الشافعى يَقُول مَا رفعت أحدا فَوق مَنْزِلَته إِلَّا حط منى بِمِقْدَار مَا رفعت مِنْهُ
قَالَ الرافعى فى بَاب الْمُسَابقَة عَن المزنى أَنه قَالَ سَأَلنَا الشافعى أَن يصنف لنا كتاب الرمى والسبق فَذكر لنا أَن فِيهِ مسَائِل صعابا ثمَّ أملاه علينا وَلم يسْبق إِلَى تصنيف هَذَا الْكتاب انْتهى
قلت قَوْله وَلم يسْبق إِلَى تصنيف هَذَا الْكتاب هُوَ من كَلَام

قَالَ المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول من تعلم الْقُرْآن عظمت قِيمَته وَمن نظر فِي الْفِقْه نبل قدره وَمن كتب الحَدِيث قويت حجَّته وَمن نظر فى اللُّغَة رق طبعه وَمن نظر فى الْحساب جزل رَأْيه وَمن لم يصن نَفسه لم يَنْفَعهُ علمه
قَالَ ابْن خُزَيْمَة عَن المزنى سُئِلَ الشافعى عَن نعَامَة ابتلعت جَوْهَرَة لرجل فَقَالَ لست آمره بشئ وَلَكِن إِن كَانَ صَاحب الْجَوْهَرَة كيسا عدا على النعامة فذبحها واستخرج جوهرته ثمَّ ضمن لصَاحب النعامة مَا بَين قيمتهَا حَيَّة ومذبوحة
قَالَ المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول رَأَيْت بِالْمَدِينَةِ أَربع عجائب رَأَيْت جدة بنت وَاحِدَة وَعشْرين سنة وَرَأَيْت رجلا فلسه القاضى فى مَدين نوى وَرَأَيْت شَيخا قد أَتَى عَلَيْهِ تسعون سنة يَدُور نَهَاره أجمع حافيا رَاجِلا على الْقَيْنَات يعلمهُنَّ الْغناء فَإِذا أَتَى الصَّلَاة صلى قَاعِدا ونسيت الرَّابِعَة
قَالَ المزنى مَرَرْنَا مَعَ الشافعى إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن علية على دَار قوم وَجَارِيَة تغنيهم
(خليلى مَا بَال المطايا كأننا ... نرَاهَا على الأعقاب بالقوم تنكص)
فَقَالَ الشافعى ميلوا بِنَا نسْمع فَلَمَّا فرغت قَالَ الشافعى لإِبْرَاهِيم أيطربك هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَمَا بالك
قَالَ الأنماطى قَالَ المزنى أَنا أنظر فى كتاب الرسَالَة مُنْذُ خمسين سنة مَا أعلم أَنى نظرت فِيهِ مرّة إِلَّا وَأَنا أستفيد شَيْئا لم أكن عَرفته
قَالَ المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول الْقَدَرِيَّة الَّذين قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هم مجوس هَذِه الْأمة) الَّذين يَقُولُونَ إِن الله لَا يعلم بالمعاصى حَتَّى تكون

وَقَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول أَقمت أَرْبَعِينَ سنة أسأَل الَّذين تزوجوا فَمَا مِنْهُم أحد قَالَ إِنَّه رأى خيرا
قَالَ وسمعته يَقُول أظلم الظَّالِمين لنَفسِهِ من تواضع لمن لَا يُكرمهُ وَرغب فى مَوَدَّة من لَا يَنْفَعهُ
وَعَن المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول لَا يحل لأحد سمع حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى رفع الْيَدَيْنِ فى افْتِتَاح الصَّلَاة وَعند الرُّكُوع وَالرَّفْع من الرُّكُوع أَن يتْرك الِاقْتِدَاء بِفِعْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت هَذَا صَرِيح فى أَنه يُوجب ذَلِك
وروى الْحَافِظ أَبُو الْحسن على بن الْحسن بن حمكان فى كِتَابه فى مَنَاقِب الشافعى أَن المزنى قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول بعث إِلَى هَارُون الرشيد لَيْلًا الرّبيع فهجم على من غير إِذن فَقَالَ لى أجب
فَقلت لَهُ فى مثل هَذَا الْوَقْت وَبِغير إِذن
قَالَ بذلك أمرت
فَخرجت مَعَه فَلَمَّا صرت بِبَاب الدَّار قَالَ لى اجْلِسْ فَلَعَلَّهُ قد نَام أَو قد سكنت سُورَة غَضَبه فَدخل فَوجدَ الرشيد منتصبا فَقَالَ مَا فعل مُحَمَّد بن إِدْرِيس قلت قد أحضرته فَخرجت فأشخصته
قَالَ الشافعى فتأملنى ثمَّ قَالَ لى يَا مُحَمَّد أرعبناك فَانْصَرف راشدا يَا ربيع احْمِلْ مَعَه بدرة ودراهم قَالَ فَقلت لَا حَاجَة لى فِيهَا قَالَ أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا أَخَذتهَا فَحملت بَين يدى
فَلَمَّا خرجت قَالَ لى الرّبيع بالذى سخر لَك هَذَا الرجل مَا الذى قلت فإنى أحضرتك وَأَنا أرى مَوضِع السَّيْف من قفاك فَقلت سَمِعت مَالك بن أنس يَقُول

سَمِعت نَافِعًا يَقُول سَمِعت عبد الله بن عمر رضى الله عَنْهُمَا يَقُول دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَحْزَاب بِهَذَا الدُّعَاء فَكفى وَهُوَ (اللَّهُمَّ إنى أعوذ بِنور قدسك وبركة طهارتك وَعظم جلالك من كل طَارق إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير اللَّهُمَّ أَنْت غياثى فبك أغوث وَأَنت عياذى فبك أعوذ وَأَنت ملاذى فبك ألوذ يَا من ذلت لَهُ رِقَاب الْجَبَابِرَة وخضعت لَهُ مقاليد الفراعنة أجرنى من خزيك وعقوبتك فى ليلى ونهارى ونومى وقرارى لَا إِلَه إِلَّا أَنْت تَعْظِيمًا لوجهك وتكريما لسبحاتك فاصرف عَنى شَرّ عِبَادك واجعلنى فى حفظ عنايتك وسرادقات حفظك وعد على بِخَير مِنْك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ)
النّظر فى النُّجُوم وَمَا يُؤثر عَن الشافعى فى ذَلِك
عَن المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول ضَاعَ منى دَنَانِير فَجئْت بقائف فَنظر الْحِكَايَة
ونظيرها قَول عبد الله بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان الشافعى يَقُول كَانَ مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشافعى وَهُوَ حدث ينظر فى النُّجُوم الْحِكَايَة وفى آخرهَا وَقد صدق مَعَه بعض المنجمين فَجعل الشافعى على نَفسه أَن لَا ينظر فى النُّجُوم
وَاعْلَم أَنه قد يعْتَرض معترض على نظر هَذَا الإِمَام فى النُّجُوم فيجيب مُجيب أَن ذَلِك كَانَ فى حَدَاثَة سنه وَلَيْسَ هَذَا بِجَوَاب والخطب فى مَسْأَلَة النّظر فى النُّجُوم جليل عسير وجماع القَوْل أَن النّظر فِيهِ لمن يحب إحاطة بِمَا عَلَيْهِ أَهله غير مُنكر أما اعْتِقَاد تَأْثِيره وَمَا يَقُوله أَهله فَهَذَا هُوَ الْمُنكر وَلم يقل بحله لَا الشافعى وَلَا غَيره

وَرَأَيْت الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح ذكر فى كتاب الشَّهَادَات من تَعْلِيقه وَقد ذكر عَن الشافعى مَا ذَكرْنَاهُ إِن كَانَ المنجم يَقُول ويعتقد أَن لَا يُؤثر إِلَّا الله لَكِن أجْرى الله تَعَالَى الْعَادة بِأَنَّهُ يَقع كَذَا عِنْد كَذَا والمؤثر هُوَ الله فَهَذَا عندى لَا بَأْس بِهِ وَحَيْثُ جَاءَ الذَّم ينبغى أَن يحمل على من يعْتَقد تَأْثِير النُّجُوم وَغَيرهَا من الْمَخْلُوقَات انْتهى
وَكَانَت الْمَسْأَلَة قد وَقعت فى زَمَانه فَذكر هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ
وَأفْتى الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزملكانى بِالتَّحْرِيمِ مُطلقًا وَأطَال فِيهِ وَلَيْسَ مَا ذكره بالبين وَالظَّن أَنه لَو استحضر صَنِيع الشافعى لما أطلق لِسَانه هَذَا الْإِطْلَاق
وَأفْتى ابْن الصّلاح بِتَحْرِيم الضَّرْب فى الرمل وبالحصى وَنَحْو ذَلِك
وَلأَهل الْعلم على قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام {فَنظر نظرة فِي النُّجُوم فَقَالَ إِنِّي سقيم} مبَاحث
ذكر الْبَحْث عَن تخريجات المزنى رَحمَه الله وآرائه هَل تلتحق بِالْمذهبِ
قَالَ الرافعى فى بَاب الْوضُوء تفردات المزنى لَا تعد من الْمَذْهَب إِذا لم يُخرجهَا على أصل الشافعى
وَنقل أعنى الرافعى عَمَّا علق عَن الإِمَام فى مَسْأَلَة خلع الْوَكِيل أَن المزنى لَا يُخَالف أصُول الشافعى وَأَنه لَيْسَ كأبى يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُمَا يخالفان أصُول صَاحبهمَا

والذى رَأَيْته فى النِّهَايَة فى هَذِه الْمَسْأَلَة والذى أرَاهُ أَن يلْحق مذْهبه فى جَمِيع الْمسَائِل بِالْمذهبِ فَإِنَّهُ مَا انحاز عَن الشافعى فى أصل يتَعَلَّق الْكَلَام فِيهِ بقاطع وَإِذا لم يُفَارق الشافعى فى أُصُوله فتخريجاته خَارِجَة على قَاعِدَة إِمَامه وَإِن كَانَ لتخريج مخرج التحاق بِالْمذهبِ فأولاها تَخْرِيج المزنى لعلو منصبه وتلقيه أصُول الشافعى وَإِنَّمَا لم يلْحق الْأَصْحَاب مذْهبه فى هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَن من صِيغَة تَخْرِيجه أَن يَقُول قِيَاس مَذْهَب الشافعى كَذَا وَكَذَا فَإِذا انْفَرد بِمذهب اسْتعْمل لَفْظَة تشعر بانحيازه وَقد قَالَ فى هَذِه الْمَسْأَلَة لما حكى جَوَاب الشافعى لَيْسَ هَذَا عندى بشئ واندفع فى تَوْجِيه مذْهبه
وَالْمَسْأَلَة إِذا وكلته فى الْخلْع بمقدر فَزَاد عَلَيْهِ وأضاف فمنصوص الشافعى أَن الْبَيْنُونَة حَاصِلَة وَمذهب المزنى أَن الطَّلَاق لَا يَقع
قلت وَلَعَلَّ الشهرستانى صَاحب كتاب الْملَل والنحل تلقى هَذَا الْكَلَام من الإِمَام فَإِنَّهُ ذكر فى كِتَابه أَن المزنى وَغَيره من أَصْحَاب الشافعى لَا يزِيدُونَ على اجْتِهَاده اجْتِهَادًا وَلَكِن فى كَلَام الإِمَام مَا يقتضى أَنه أعنى المزنى رُبمَا اخْتَار لنَفسِهِ وانحاز عَن الْمَذْهَب وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر
وينبغى أَن يكون الفيصل فى المزنى أَن تخريجاته مَعْدُودَة من الْمَذْهَب لِأَنَّهَا على قَاعِدَة الإِمَام الْأَعْظَم وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ الإِمَام أَبُو المعالى بقوله إِن كَانَ لتخريج مخرج التحاق إِلَى آخِره وَأما اختياراته الْخَارِجَة عَن الْمَذْهَب فَلَا وَجه لعَدهَا أَلْبَتَّة
وَأما إِذا أطلق فَذَلِك مَوضِع النّظر وَالِاحْتِمَال وَأرى أَن مَا كَانَ من تِلْكَ المطلقات فى مُخْتَصره تلتحق بِالْمذهبِ لِأَنَّهُ على أصُول الْمَذْهَب بناه وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله فى خطبَته هَذَا مُخْتَصر اختصرته من علم الشافعى وَمن معنى قَوْله
وَأما مَا لَيْسَ فى الْمُخْتَصر بل هُوَ فى تصانيفه المستقلة فموضع التَّوَقُّف وَهُوَ فى مُخْتَصره الْمُسَمّى نِهَايَة الِاخْتِصَار يُصَرح بمخالفة الشافعى فى مَوَاضِع فَتلك لَا تعد من الْمَذْهَب قطعا

وَقَالَ النووى فى مُقَدّمَة شرح الْمُهَذّب الْأَوْجه لأَصْحَاب الشافعى رضى الله عَنهُ المنتسبين إِلَى مذْهبه يخرجونها على أُصُوله ويستنبطونها من قَوَاعِده ويجتهدون فى بَعْضهَا وَإِن لم يأخذوه من أَصله انْتهى
وَقَوله ويجتهدون فى بَعْضهَا وَإِن لم يأخذوه من أَصله يُوهم أَنه يعد من الْمَذْهَب مُطلقًا وَلَيْسَ كَذَلِك بل القَوْل الْفَصْل فِيمَا اجتهدوا فِيهِ وَلم يأخذوه من أَصله أَنه لَا يعد إِلَّا إِذا لم يناف قَوَاعِد الْمَذْهَب فَإِن نافاها لم يعد وَإِن ناسبها عد وَإِن لم يكن فِيهِ مُنَاسبَة وَلَا مُنَافَاة وَقد لَا يكون لذَلِك وجود لإحاطة الْمَذْهَب بالحوادث كلهَا ففى إِلْحَاقه بِالْمذهبِ تردد
وكل تَخْرِيج أطلقهُ الْمخْرج إطلاقا فَيظْهر أَن ذَلِك الْمخْرج إِن كَانَ مِمَّن يغلب عَلَيْهِ التمذهب والتقيد كالشيخ أَبى حَامِد والقفال عد من الْمَذْهَب وَإِن كَانَ مِمَّن كثر خُرُوجه كالمحمدين الْأَرْبَعَة فَلَا يعد
وَأما المزنى وَبعده ابْن سُرَيج فَبين الدرجتين لم يخرجُوا خُرُوج المحمدين وَلم يتقيدوا بِقَيْد الْعِرَاقِيّين والخراسانيين
وَمن الْمسَائِل عَن أَبى إِبْرَاهِيم
قَالَ أَبُو عَاصِم نَاظر أَبُو إِبْرَاهِيم فى مجْلِس ابْن طولون فى الْقَضَاء على الْغَائِب فألزم الْحَاضِر فى الْمجْلس فَقَالَ من يجوز الْقَضَاء على الْغَائِب يجوزه على الْحَاضِر
قَالَ وَنَقله الشاشى إِلَى كِتَابه
قَالَ وفى كتب الشافعى أَنه يجوز السماع وَلَا يحكم حَتَّى يَقُول لَهُ هَل لَك طعن
قلت وهى وُجُوه مسطورة فى الْمَذْهَب أَصَحهَا الْمَنْع وَثَالِثهَا يسمع وَلَا يحكم
قَالَ أَبُو عَاصِم وصنف المزنى كتاب العقارب وَقَالَ فِيهِ إِن الْقصاص فى النَّفس لَا يسْقط بعفوه عَن الْجراحَة

قلت هُوَ الْمَشْهُور عَن أَبى الطّيب بن سَلمَة ويحكى عَن تَخْرِيج ابْن سُرَيج وَقد رَأَيْته فى العقارب كَمَا نقل العبادى وَعبارَة المزنى أَنه الأقيس
قَالَ العبادى وَقَالَ فِيهِ إِن الْمُضْطَر يَأْكُل الآدمى الْمَيِّت
قلت قد رَأَيْته أَيْضا فى العقارب وَعبارَته وَقد سُئِلَ عَن مُضْطَر لَا يجد ميتَة وَوجد لحم إِنْسَان هَل يَأْكُلهُ إِن الْقيَاس أَن يَأْكُل فقد أَبَاحَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبّ الله تَعَالَى وَهُوَ أعظم وَأجل قَالَ (والساب لله كَافِر والمستخف بِحَق الله كَافِر غير أَن الساب لله أعظم جرما وَأطَال فِيهِ)
فَأَما قَوْله (الصَّحِيح أَنه يَأْكُل) فَهُوَ الصَّحِيح فى الْمَذْهَب قَالَ إِبْرَاهِيم المروروذى إِلَّا أَن يكون الْمَيِّت نَبيا
قلت كتاب العقارب مُخْتَصر فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَة وَلَدهَا المزنى وَرَوَاهَا عَنهُ الأنماطى وأظن ابْن الْحداد نسج فروعه على منوالها
وَمن غرائب العقارب
رَأَيْت المزنى قد نقل فِيهَا إِجْمَاع الْعلمَاء أَن من حلف ليقضين فلَانا حَقه غَدا واجتهد فعجز أَنه حانث وَاسْتشْهدَ بِهِ للرَّدّ على الشافعى وأبى حنيفَة وَمَالك فَإِنَّهُ نقل عَنْهُم فِيمَن قَالَ لامْرَأَته إِن لم أطأك اللَّيْلَة فَأَنت طَالِق فَوَجَدَهَا حَائِضًا أَو مُحرمَة أَو صَائِمَة أَو كَانَ قد ظَاهر مِنْهَا وَلم يكفر أَنه لَا حنث عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا سَبِيل لَهُ إِلَى وَطئهَا
ثمَّ قَالَ يدْخل عَلَيْهِم أَن يُقَال لَيْسَ التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم من الْأَيْمَان بشئ أَلا ترى أَن من حلف أَن يعْصى الله فَلم يفعل أَنه حانث وَإِن فعل بر وَقد أَجمعت الْعلمَاء أَنه من حلف ليقضين فلَانا حَقه غَدا واجتهد فعجز أَنه حانث عِنْدهم ففى هَذَا دَلِيل أَن عِلّة هَؤُلَاءِ من الْإِكْرَاه لَيْسَ بعلة انْتهى
وَمَا نَقله من الْإِجْمَاع لابد أَن يُنَازع فِيهِ وَأَقل أَحْوَاله أَن يكون فِيهِ قولا الْمُكْره

وَقد نقل الرافعى فى فروع الطَّلَاق عَن العقارب مَا نَقَلْنَاهُ وَقَالَ قد قيل إِن الْمَذْهَب مَا قَالَه المزنى وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال وَقيل هُوَ على الْخلاف فى فَوَات الْبر بِالْإِكْرَاهِ
قلت وَحَاصِل الْأَمر أَن هُنَا إِكْرَاها شَرْعِيًّا على عدم الْوَطْء وفى إِلْحَاقه بِالْإِكْرَاهِ الحسى نظر وَالْأَشْبَه أَنه لَا يلْتَحق بِهِ لِأَن فى الرافعى وَغَيره فِيمَن حلف لَا يُفَارق غَرِيمه حَتَّى يسْتَوْفى فأفلس ثمَّ فَارقه أَنه يَحْنَث وَإِن كَانَ الشَّرْع لَا يجوز لَهُ ملازمته بعد الإفلاس فَمَا ذكره المزنى هُوَ الْقيَاس الظَّاهِر
قَالَ المزنى فى كِتَابه نِهَايَة الِاخْتِصَار وَقد وقفت مِنْهَا على أصل قديم كتب سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة إِنَّه لَا حد لأَقل الْحيض وَهُوَ كَذَلِك فى تَرْتِيب الْأَقْسَام للمرعشى وَلَعَلَّه من هَذَا الْكتاب أَخذه
ثمَّ قَالَ المزنى فى النّفاس وَأَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا فى رأى الشافعى وفى رأيى أَرْبَعُونَ يَوْمًا انْتهى
وَكَثِيرًا مَا يذكر فى هَذَا الْمُخْتَصر آراء نَفسه وَهُوَ مُخْتَصر جدا لَعَلَّه نَحْو ربع التَّنْبِيه أَو دونه
وَذكر فِيهَا من بَاب الِاسْتِبْرَاء قَول الشافعى فِيهِ ثمَّ نَص على مذْهبه فى الِاسْتِبْرَاء المعزو إِلَيْهِ فى الرافعى وَغَيره فَقَالَ وقولى أَن لَيْسَ على أحد ملك أمة بأى وَجه ملكهَا اسْتِبْرَاء إِلَّا أَن تكون مَوْطُوءَة لم تستبرأ وَكَانَت حَامِلا انْتهى
وَعبارَة الرَّوْضَة فى نقل هَذَا عَنهُ وَعَن المزنى فها هُوَ وَقد صرح بِهِ

وَذكر فى بَاب الْكِتَابَة مَذْهَب الشافعى فى وجوب إتْيَان الْمكَاتب وَلم يُوَافقهُ وَهَذِه عبارَة نِهَايَة الِاخْتِصَار وعَلى سَيّده أَن يضع عَنهُ من كِتَابَته شَيْئا فى قَول الشافعى وَلم يحد فى ذَلِك حدا وَلَا تبين عندى أَن ذَلِك عَلَيْهِ انْتهى
وَذهب المزنى إِلَى أَن العَبْد الْمكَاتب فى الْمَرَض إِن لم يخرج كُله من الثُّلُث لم يعْتق مِنْهُ شَيْء وَإِن خرج بعضه وَهَذِه عِبَارَته وَلَو كَاتب عَبده فى مرض مَوته جَازَ إِن خرج العَبْد من ثلث مَاله فَإِن لم يخرج كُله جَازَ مِنْهُ مَا خرج من الثُّلُث فى قَول الشافعى وفى رأيى إِن لم يخرج كُله من الثُّلُث لم يجز مِنْهَا شَيْء انْتهى
وَمن دَقِيق مستدركات أَبى إِبْرَاهِيم
شكك رَحمَه الله على قتل تَارِك الصَّلَاة مُشِيرا إِلَى أَنه لَا يتَصَوَّر لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون على ترك صَلَاة مَضَت أَو لم تأت وَالْأول بَاطِل لِأَن المقضية لَا يقتل بِتَرْكِهَا والثانى كَذَلِك لِأَنَّهُ مَا لم يخرج الْوَقْت فَلهُ التَّأْخِير فعلام يقتل
قلت وَهَذَا تشكيك صَعب وأقصى مَا تحصلت فى دَفعه من كَلَام الْأَصْحَاب على ثَلَاثَة مسالك
المسلك الأول أَن هَذَا يلزمكم فى حَبسه وتعزيره فَإِن المزنى يَقُول يحبس تاركها وَيُعَزر وَهَذِه طَريقَة القاضى أَبى الطّيب وَذكرهَا الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَيْضا قَالَ فَمَا كَانَ جَوَابا للمزنى عَن الْحَبْس وَالتَّعْزِير فَهُوَ جَوَابنَا عَن الْقَتْل
قلت وهى طَريقَة جدلية لَا أرضاها
والمسلك الثانى وَعَلِيهِ الْأَكْثَر قَالُوا بقتْله على الْمَاضِيَة لِأَنَّهُ تَركهَا بِلَا عذر وَالْقَضَاء فى هَذِه الصُّورَة على الْفَوْر فَإِذا امْتنع مِنْهُ قتل
قلت وَلَا أرْضى هَذَا المسلك أَيْضا لِأَن لنا خلافًا شهيرا فى أَن الْقَضَاء هَل يجب على الْفَوْر جُمْهُور الْعِرَاقِيّين على عدم الْوُجُوب فعلى هَذِه الطَّرِيقَة يلْزم أَن يجىء خلاف فى قتل تَارِك الصَّلَاة وَذَلِكَ لَا يعرف

بل أَقُول وَقع فى كَلَام كثير من الْمُتَقَدِّمين التَّصْرِيح بِأَن الشافعى لَا يقتل بالمقضية مُطلقًا
وَوجدت فى تَعْلِيق الشَّيْخ أَبى حَامِد أَن أَبَا إِسْحَاق قَالَ لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه لَا يقتل بالامتناع من الْقَضَاء
والمسلك الثَّالِث وَهُوَ عندى خير المسالك أَنا نَقْتُلهُ للمؤداة فى آخر وَقتهَا وَذَلِكَ إِذا لم يبْق بَينه وَبَين آخر وَقتهَا إِلَّا قدر مَا يصلى فِيهِ فرض الْوَقْت وَهَذَا نَص عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فى التعليقة وَهُوَ جيد لَكِن يلْزم مِنْهُ أَن تكون الْمُبَادرَة إِلَى قتل تَارِك الصَّلَاة أَحَق مِنْهَا إِلَى الْمُرْتَد فَإِن الْمُرْتَد يُسْتَتَاب وَهَذَا لَا يُسْتَتَاب لِأَنَّهُ لَو أمْهل مُدَّة الاستتابة لخرج الْوَقْت وَلَو خرج لَصَارَتْ مقضية لَا مُؤَدَّاة
لَا يخفى على الفطن صعوبة تشكيك المزنى رَحمَه الله تَعَالَى
وَقد سلك ابْن الرّفْعَة فى فسخ الْمَرْأَة بإعسار زَوجهَا عَن نَفَقَتهَا حَيْثُ قَالَ قَالَ الْأَصْحَاب إِن الْفَسْخ يكون بِالْعَجزِ عَن نَفَقَة الْيَوْم الرَّابِع أَو بعد مضى يَوْم وَلَيْلَة وَنَازع الرافعى فى بحث لَهُ هُنَاكَ ذكره فى مَوَاضِع من بَاب نَفَقَة الزَّوْجَة فَلْينْظر
وعَلى مساقة نقرر نَحن طَريقَة المزنى هَكَذَا لَو قتل بِتَرْكِهَا فإمَّا أَن يكون وَقتهَا قد خرج فَيلْزم الْقَتْل على المقضية أَو لم يخرج بل هُوَ بَاقٍ موسع وَلَا قَائِل بِهِ أَو بَاقٍ وَقد يضيق فإمَّا أَن لَا يُمْهل للاستتابة فَيلْزم أَن يكون حَاله أَشد من الْمُرْتَد أَو يُمْهل فَيلْزم أَن تعود مقضية وَإِذا عَادَتْ فإمَّا أَن يكون تَارِكًا لصَلَاة تَجَدَّدَتْ بعْدهَا وَالْقَتْل للمتجددة لَعَلَّه أولى للْإِجْمَاع على أَنه لَا يجوز إخْرَاجهَا عَن وَقتهَا بِخِلَاف المقضية فَإِن لنا خلافًا فى وجوب فعلهَا على الْفَوْر وَإِذا انْتقل الْقَتْل إِلَيْهَا فهى ذَنْب غير الذَّنب بترك تِلْكَ فليجدد لَهَا مُدَّة تَوْبَة وَهَكَذَا وَإِمَّا أَن لَا يكون تَارِكًا لصَلَاة تَجَدَّدَتْ وَهَذَا قد يلْتَزم لَكِن لَا بُد أَن يطرقه الْخلاف فى وجوب الْقَضَاء على الْفَوْر

وَمن مستدركات الْأَصْحَاب على أَبى إِبْرَاهِيم
وَذَلِكَ كثير ثمَّ هُوَ عِنْد مُخَالفَته الشافعى ضَرْبَة لازب فلنقتصر على غَرِيب مِمَّا وَرَاءه فَمِنْهُ
قَالَ المزنى فى المناضلة لَو أخرج فَخرج مَالا وَقَالَ لرام ارْمِ عشرَة فَإِن كَانَت إصابتك أَكثر فلك المَال لم يجز لِأَنَّهُ ناضل نَفسه ذكره نقلا عَن الشافعى
وافترق الْأَصْحَاب فأكثرهم خطأه نقلا وتعليلا وَقَالُوا قد نَص الشافعى على الْجَوَاز ثمَّ هُوَ الْوَجْه لِأَن الْمَقْصُود من إِخْرَاج السَّبق التحريض على الرمى فَلَا فرق بَين صدوره من رام وَاحِد أَو جمَاعَة
قَالُوا وَقَوله ناضل نَفسه خطأ بِلَا شكّ انْتقل فِيهِ ذهنه من مَسْأَلَة أُخْرَى قَالَهَا الشافعى وهى ارْمِ عشرَة عَن نَفسك وَعشرَة عَنى فَإِن كَانَت القرعات فى عشرتك أَكثر فلك مَا أخرجت فَهُنَا يكون مناضلا نَفسه وَفِيه نَص الشافعى على الْمَنْع لِأَنَّهُ قد يقصر فى الْعشْرَة الْمَشْرُوطَة للسبق فَيكون مناضلا نَفسه
قَالُوا وَقد نقل الرّبيع الصُّورَتَيْنِ على الصَّوَاب وترقت رُتْبَة الرّبيع من أجل ذَلِك وَنَحْوه فى الْمَنْقُول لِأَنَّهُ يعْتَمد غَالِبا أَلْفَاظ الإِمَام الْأَعْظَم فَقل مَا تطرق إِلَيْهِ الْخَطَأ والمزنى رَحمَه الله رُبمَا أدلى بِعِلْمِهِ وجودة فطنته فَغير اللَّفْظ وَمن هُنَاكَ يُؤْتى حَتَّى انْتهى الرّبيع إِلَى أَن تترجح رواياته وَإِن كَانَ الْفِقْه وَرَاءَهَا كَمَا سيأتى إِن شَاءَ الله فى أَوَائِل تَرْجَمته
وأقصى مَا فعله المساعدون للمزنى أَن تأولوا كَلَامه وَلَيْسَ فيهم من أَخذ بِظَاهِرِهِ فَإِن مناضلته لنَفسِهِ لَا تعقل

طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي

 

إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني:
صاحب الإمام الشافعيّ. من أهل مصر.
كان زاهدا عالما مجتهدا قوي الحجة. وهو إمام الشافعيين. من كتبه (الجامع الكبير) و (الجامع الصغير) و (المختصر - خ) و (الترغيب في العلم) . نسبته إلى مزينة (من مضر) قال الشافعيّ: المزني ناصر مذهبي. وقال في قوة حجته: لو ناظر الشيطان لغلبه! .

-الاعلام للزركلي-

 

المزني صاحب الشافعي
أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزني صاحب الإمام الشافعي رضي الله عنه؛ هو من أهل مصر، وكان زاهداً عالماً مجتهداً محجاجاً غواصا على المعاني الدقيقة، وهو غمام الشافعيين واعرفهم بطرقه وفتاويه وما ينقله عنه، صنف كتباً كثيرة في مذهب الإمام الشافعي، منها الجامع الصغير ومختصر المختصر والمنثور والمسائل المعتبرة والترغيب في العلم وكتاب الوثائق وغير ذلك، وقال الشافعي رضي الله عنه في حقه: المزني ناصر مذهبي (2) . وكان إذا فرغ من مسألة وأودعها مختصره قام إلى المحراب وصلى ركعتين شكرا لله تعالى. وقال أبو العباس أحمد بن سريج: يخرج مختصر المزني من الدنيا عذراء لم تفض، وهو أصل الكتب المصنفة في مذهب الشافعي رضي الله عنه، وعلى مثاله رتبوا ولكلامه فسروا وشرحوا.
ولما ولي القاضي بكار بن قتيبة الآتي ذكره إن شاء الله تعالى القضاء بمصر وجاءها من بغداد، وكان حنفي المذهب، توقع الاجتماع بالمزني مدة، فلم يتفق له، فاجتمعا يوماً في صلاة جنازة فاقل القاضي بكار لأحد أصحابه: سل المزني شيئاً حتى أسمع كلامه، فقال له ذلك الشخص: يا أبا إبراهيم،، قد جاء في الأحاديث تحريم النبيذ وجاء تحليله أيضاً، فلم قد متم التحريم على التحليل فقال المزني: لم يذهب أحد من العلماء إلى ان النبيذ كان حراما في الجاهلية ثم حلل، ووقع الاتفاق على انه كان حلالاً، فهذا يعضد صحة الأحاديث بالتحريم، فاستحسن ذلك منه، وهذا من الدلة القاطعة. وكان في غاية الورع، وبلغ من احتياطه أنه كان يشرب في جميع فصول السنة من كوز نحاس، فقيل له في ذلك، فقال: بلغني أنهم يستعملون السرجين في الكيزان، والنار لا تطهرها.
وقيل إنه كان إذا فاتته الصلاة في جماعة صلى منفرداً خمساً وعشرين صلاة استراكا لفضيلة الجماعة، مستنداً في ذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة.
وكان من الزهد على طريقة صعبة شديدة، وكان مجاب الدعوة، ولم يكن أحد من أصحاب الشافعي يحدث نفسه في شيء من الأشياء بالتقديم عليه، وهوالذي تولى غسل الإمام الشافعي، وقيل: كان معه أيضاً حينئذ الربيع.
وذكره ابن يونس في اريخه وسماه، وجعل مكان اسم جده إسحاق مسلماً، ثم قال: صاحب الشافعي، وذكر وفاته كما تقدم ، وقال: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لايختلف فيه حاذق من أهل الفقه، وكان أحد الزهاد في الدنيا وكان من خير خلق الله عز وجل، ومناقبه كثيرة.
وتوفي لست بقين من شهر رمضان سنة أربع وستين ومائتين بمصر، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي، رضي الله عنه، بالقرافة الصغرى بسفح المقطم، رحمه الله تعالى، وزرت قبره هناك.
وذكر ابن زولاق في تاريخه الصغير أنه عاش تسعاً وثمانين سنة، وصلى عليه الربيع بن سليمان المؤذن المرادي.
والمزني - بضم الميم وفتح الزاي وبعدها نون - هذه النسبة إلى مزينة بنت كلب، وهي قبيلة كبيرة مشهورة.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

وسئل عن الموت فقال: هو فزع الأغنياء وشهوة الفقراء. وكان يقول: من التمس من الإخوان الرخصة عند المشورة، ومن الأطباء عند المرض، ومن الفقهاء عند الشبهة، فقد أخطأ الرأي وازداد مرضاً وحمل الوزر. ومناقبه كثيرة.
 

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

المُزَنِي :الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ فَقِيْهُ المِلَّةِ، عَلَمُ الزُّهَّادِ، أبي إِبْرَاهِيْمَ إِسْمَاعِيْلُ، بنُ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ مُسْلِمٍ المُزَنِيُّ المِصْرِيُّ تِلْمِيْذُ الشَّافِعِيِّ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ مَوْتِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ سنة خمس وسبعين ومائة.
حَدَّثَ عَنْ: الشَّافِعِيِّ، وَعَنْ عَلِيِّ بنِ مَعْبَدِ بنِ شَدَّادٍ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِم.
وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رَأْساً فِي الفِقْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِمَامُ الأَئِمَّةِ أبي بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأبي الحَسَنِ بنُ جَوْصَا وَأبي بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَأبيرِيُّ، وَأبي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأبي نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأبي الفَوَارِسِ بنُ الصَّأبينِيِّ وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ المشَارقَةِ، وَالمغَاربَةِ.
وامتلأَتِ البِلاَدُ بـ"مختصَرِهِ" فِي الفِقْهِ وَشرحَهُ عِدَّةٌ مِنَ الكِبَارِ بِحَيْثُ يُقَالُ: كَانَتِ البِكْرُ يَكُوْنُ فِي جهَازِهَا نُسْخَةٌ بـ"مُخْتَصرِ" المُزَنِيِّ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاسِ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا أبي الحَسَنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، حَدَّثَنَا الفَقِيْهُ أبي إِسْحَاقَ قَالَ: فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فَقَدْ انْتَقَلَ فِقْهُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ فمنهُم أبي إِبْرَاهِيْمَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ إِسْحَاقَ المُزَنِيُّ مَاتَ بِمِصْرَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ قَالَ: وَكَانَ زَاهَداً عَالِماً منَاظراً مِحْجَاجاً غَوَّاصاً عَلَى المَعَانِي الدَّقِيقَةِ صَنَّفَ كُتُباً كَثِيْرَةً: الجَامِعُ الكَبِيْرُ، وَالجَامِعُ الصَّغِيْرُ والمنثور والمسائل المعتبرة، والترغيب فِي العِلْمِ، وَكِتَابُ الوثَائِقِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: المُزَنِيُّ نَاصرُ مَذْهبِي.
قُلْتُ: بَلَغنَا أَنَّ المُزَنِيَّ كَانَ إذا فرغ من تبييض مسألة وأودعها "مُخْتَصرَهُ" صَلَّى للهِ رَكْعَتَيْنِ.
وَرُوِيَ أَنَّ القَاضِي بَكَّارَ بنَ قُتَيْبَةَ قَدِمَ عَلَى قَضَاءِ مِصْرَ، وَكَانَ حَنَفِيّاً فَاجْتَمَعَ بِالمُزَنِيِّ مَرَّةً فَسَأَلَهُ رَجُلٌ منْ أَصْحَابِ بَكَّارٍ فَقَالَ: قَدْ جَاءَ فِي الأَحَادِيْثِ تَحْرِيْمَ النَّبِيذِ، وَجَاءَ تحليلُهُ فلِمَ قَدَّمْتُمُ التَّحرِيمَ? فَقَالَ المُزَنِيُّ: لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إِلَى تَحْرِيْمِ النَّبِيذِ فِي الجَاهِليَّةِ ثُمَّ حُلِّلَ لَنَا، وَوقعَ الاَتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَلاَلاً فحُرِّمَ فَهَذَا يعضدُ أَحَادِيْثَ التَّحْرِيمِ فَاسْتحسنَ بَكَّارٌ ذَلِكَ مِنْهُ.
قُلْتُ: وَأَيْضاً فَأَحَادِيْثُ التَّحريمِ كَثِيْرَةٌ صِحَاحٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَحَادِيْثُ الإِباحَةِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ تَمِيْمٍ المَكِّيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ التِّرمذيَّ قَالَ: سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ: لاَ يصحُّ لأَحَدٍ توحيدٌ حَتَّى يعلمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلَى العَرْشِ بصِفَاتِهِ قُلْتُ لَهُ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ? قَالَ: سمِيعٌ بصيرٌ عَلِيْمٌ.
قَالَ أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ
عَلِيٍّ الكتَانِيَّ، وَسَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عُثْمَانَ المَكِّيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنَ المُتَعَبِّدينَ فِي كَثْرَةِ مَنْ لَقِيْتُ مِنْهُم أَشَدَّ اجْتِهَاداً مِنَ المُزَنِيِّ، وَلاَ أَدومَ عَلَى العِبَادَةِ مِنْهُ وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ تعَظِيْماً لِلْعلمِ، وَأَهلِهِ مِنْهُ وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَضْييقاً عَلَى نَفْسِهِ فِي الوَرَعِ، وَأَوْسَعِهُ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا خُلُقٌ مِنْ أَخْلاَقِ الشَّافِعِيِّ.
قُلْتُ: وَبَلَغَنَا أَنَّ المُزَنِيَّ رَحِمَهُ اللهُ كَانَ مجاب الدعوة ذا زهد، وَتَأَلُّهٍ أَخَذَ عَنْهُ خَلْقٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَبِهِ انتشَرَ مَذْهَبُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الآفَاقِ.
يُقَالُ: كَانَ إِذَا فَاتتْهُ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ، صَلَّى تِلْكَ الصَّلاَةَ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً.
وَكَانَ يُغَسِّلُ المَوْتَى تَعَبُّداً وَاحتسَاباً، وَهُوَ القَائِلُ: تعَانَيْتُ غَسْلَ المَوْتَى لِيَرِقَّ قَلْبِي فَصَارَ لِي عَادَةً، وَهُوَ الَّذِي غَسَّلَ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللهُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مِنَ المُزَنِيِّ، وَهُوَ صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أبي سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: ثِقَةٌ كَانَ يلزمُ الرِّبَاطَ.
تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، لِسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْهُ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ وَلَهُ تِسْعٌ، وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَمِنْ جِلَّةِ تَلاَمِذَتِهِ: العَلاَّمَةُ أبي القَاسِمِ عُثْمَانُ بنُ بَشَّارٍ الأَنْمَاطيُّ شَيْخُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَشَيْخُ البَصْرَةِ زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، وَلَمْ يلِ قَضَاءً وَكَانَ قَانعاً شَرِيْفَ النَّفْسِ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْبَلِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا أبي مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيُّ سنة ثلاث وَعِشْرِيْنَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي الحُسَيْنُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَّاءُ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا أبي الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّأبينِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا المُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرُ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الوِصَالِ فَقِيْلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ? فَقَالَ: "لَسْتُ مِثْلَكُم إِنِّيْ أُطْعَمُ وَأُسْقَى" 1.
وبَالإِسْنَادِ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: "لاَ تصومُوا حَتَّى تَرَوا الهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فإن غم عليكم فاقدروا له".
وَبِهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعاً مِنْ شعيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعبدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِيْنَ1 مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البُنِّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ نَظِيفٍ قَالَ: قَالَ لَنَا أبي الفَوَارِسِ السِّنْدِيُّ: وُلِدَتْ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ وَأَوَّلُ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وَلِي عشرُ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَمَاتَ المُزَنِيُّ سَنَةَ 264، وَتُوُفِّيَ الرَّبِيْعُ سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ قَالَ: وَكَانَا رَضِيعينِ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ يَعْنِي في المولد.
قَالَ: وَمَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ أَيْضاً أَحْمَدُ ابْنَ أَخِي ابْنِ، وَهْبٍ وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، ويزيد بن سنان.
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايمازالذهبي