محمد بن جرير بن يزيد بن كثير أبي جعفر الطبري

أبي جعفر الطبري

تاريخ الولادة224 هـ
تاريخ الوفاة310 هـ
العمر86 سنة
مكان الولادةآمل - إيران
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • آمل - إيران
  • بغداد - العراق

نبذة

هو: محمد بن جرير بن يزيد أبي جعفر الطبري أحد الأعلام وصاحب التفسير والتاريخ والتصانيف. ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة السابعة من حفاظ القرآن. كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.

الترجمة

أبي جعفر الطّبري
هو: محمد بن جرير بن يزيد أبي جعفر الطبري أحد الأعلام وصاحب التفسير والتاريخ والتصانيف.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة السابعة من حفاظ القرآن.
كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.
ولد «أبي جعفر الطبري» «بآمد» عاصمة طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين من الهجرة.
لم يكد «أبي جعفر الطبري» يبلغ السنّ التي تؤهله للتعليم حتى عهد به والده إلى علماء «بآمد» وسرعان ما يتفتح عقله وتبدو عليه مخايل النبوغ وهو حدث.
وفي هذا يقول «الطبري» عن نفسه: حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين وكتبت الحديث وأنا في التاسعة من عمري.
هذا الخبر إن دل على شيء فإنما يدلّ على ذكائه ونبوغه، لأنه من النادر أن يستطيع صبيّ في السابعة من عمره أن يحفظ القرآن كله. ومن النادر أيضا أن يستطيع صبيّ في التاسعة من عمره أن يكتب الحديث على الطريقة التي كان يسير عليها القدماء من الرواية والسند. وإذا كان المسلمون ارتضوا أن يصلي بهم غلام في الثامنة من عمره فهذا دليل على ثقتهم فيه، وتقديرهم له، وإعجابهم به.
رحل «أبي جعفر الطبري» في سبيل طلب العلم إلى: العراق، والشام، والحجاز، ومصر، ولقد كانت مصر ثريّة بعلمائها الذين أخذ عنهم «الطبري».
فقد أخذ عن «يونس بن عبد الأعلى الصدفي» قراءة «حمزة، وورش».
كما أخذ «الطبري» القراءة عن خيرة العلماء وفي مقدمتهم: «سليمان بن عبد الرحمن بن حامد، والعباس بن الوليد بن مزيد، كما روى حروف القراءات سماعا عن: «أبي كريب محمد بن العلاء، وأحمد بن يوسف التغلبي» وغير هؤلاء كثير.
كما أخذ حديث النبي صلى الله عليه وسلّم عن خيرة العلماء منهم: «محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد بن منيع البغوي، ومحمد بن حميد الرازي، وأبي كريب محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبي سعيد الأشجّ» وغيرهم كثير.
وفي «مصر» أخذ فقه الشافعي على «الربيع بن سليمان المرادي، واسماعيل بن إبراهيم المزني، ومحمد بن عبد الله بن الحكم».
وقد تصدر «أبي جعفر الطبري» لتعليم القرآن فتتلمذ عليه الكثيرون منهم:
«محمد بن أحمد الداجوني، وعبد الواحد بن عمر، وعبد الله بن أحمد الفرغاني، ومحمد بن محمد بن فيروز الكرجي شيخ الأهوازي»، وغيرهم كثير.
ومن الذين تتلمذوا على «أبي جعفر الطبري» القاضي أبي بكر أحمد قاضي الكوفة، وقد اشتهر بعلمه في الفقه، والقراءات، والتفسير، والأدب، والتاريخ، وله عدّة مؤلفات منها: كتاب في السير، وكتاب في غريب القرآن، وكتاب في القراءات، وكتاب في التاريخ، وكتاب المختصر في الفقه، وغير ذلك. ومن تلاميذ «الطبري» «أبي الحسن أحمد بن يحيى بن علم الدين».
وهو صاحب كتاب «المدخل إلى مذهب الطبري»، وكتاب «الاجماع في الفقه على مذهب أبي جعفر الطبري». ومنهم «أبي الفرج المعافي بن زكريا النهرواني» القاضي المشهور. وله كتاب «التحرير» في أصول الفقه، وكتاب «الحدود والعقود» في أصول الفقه أيضا، وكتاب «القراءات»، وغير ذلك.
ومنهم: «علي بن عبد العزيز بن محمد الدولابي» مؤلف كتاب القراءات، وكتاب أصول الكلام، وكتاب إثبات الرسالة. ومنهم: «أبي بكر محمد بن أحمد ابن أبي الثلج الكاتب. وأبي القاسم بن المراد مؤلف كتاب الاستقصاء في الفقه وأبي الحسن الدقيقي الحلواني، صاحب كتاب الشروط، وكتاب الرد على المخالفين.
وغير هؤلاء ممن تتلمذوا على «أبي جعفر الطبري» فانتهجوا نهجه، واصطبغوا بصبغته، وصار الطابع المميز لكل منهم أنه تخرج من مدرسة الطبري.
أما عن معالم شخصية «الطبري» فقد كان طويل القامة، نحيف الجسم، أسمر اللون، واسع العينين، كبير اللحية، وهب حياته للعلم، ولم يتزوج قط.
كما أن كتب التاريخ تذكر «لأبي جعفر الطبري» عدة صفات أهمها ما
يلي: منها أنه كان «ورعا» كما كان والده أيضا ورعا تقيا. وليس معنى هذا أنه ورث هذه الصفة عن والده، بل معناه أنه تأثر بأبيه ومحاكاته له.
ومن مظاهر ورعه أنه كان مع اشتغاله بالتأليف والتدريس يحرص على قراءة قدر من القرآن الكريم، اعتاد أن يقرأه، وكانت قراءته للقرآن تجمع بين الترتيل الجيّد الممثل للمعاني، وبين الخشوع المصور للجلال، حتى لقد كان بعض سامعيه يقول إنه لم يكن يظن أن إنسانا يحسن أن يقرأ هذه القراءة. ووصفه «عبد العزيز بن محمد الطبري» بأنه كان مجوّدا في القراءة، موصوفا بذلك، يقصده القراء ليصلوا خلفه، ويسمعوا قراءته وتجويده .
قال «أبي علي الطوماري»: كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي «أبي بكر بن مجاهد» لصلاة التراويح، فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره، ومررنا على مسجده فاجتازه ولم يدخله، وسار حتى وقف على باب مسجد «الطبري» وكان «الطبري» يقرأ سورة «الرحمن» فاستمع لقراءته طويلا ثم انصرف. فقلت له: يا أستاذ تركت الناس ينتظرونك، وجئت تسمع قراءة «الطبري»؟ فقال: «يا أبا علي، دع عنك، ما ظننت أن الله خلق بشرا يحسن أن يقرأ هذه القراءة».
ومن الصفات التي اتصف بها: «إباؤه» وعزّة نفسه، فلم يستهن بكرامة نفسه مرة، وقد لزمته هذه الصفة طيلة حياته، حتى كان يرفض الهدايا والمنح، لأنه جرى على ألا يقبل هدية لا يستطيع أن يكافئ بمثلها، فإن كانت فوق طاقته ردّها، واعتذر إلى مهديها. وكثيرا ما رفض هدايا الوزراء، والكبراء على تشوقهم إلى أن يقبلها
ومن صفات «الطبري»: جرأته في الحق. ولا غرابة في أن يكون «الطبري» شجاع القلب، جريئا في إعلان ما يعتقده حقّا، لأنه قد استكمل الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع، وورع مشهور، واستهانة بالدنيا ومظاهرها. لهذا كان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم.
وقد عرض عليه القضاء فأبى أن يقبله، وربما كان «ورعه» هو السبب في رفضه ولاية المظالم مخافة أن يجور في حكم من أحكامه. ويذكر أن «الخاقاني» لما تقلد الوزارة أرسل الى «الطبري» مالا كثيرا، فأبى أن يقبله فعرض عليه القضاء فامتنع.
ومن صفات «الطبري» التواضع: يعرف في كثير من العلماء سماحة النفس، ودماثة الخلق، ورقة المعاملة، والتواضع الذي لا يمسّ كرامة المؤمن بل يعليها، من هؤلاء العلماء «أبي جعفر الطبري».
فقد كان رحمه الله ورعا زاهدا في الدنيا، راغبا عما بأيدي الناس، وكان عظيم الأنفة والإباء، فاستغنى بذلك عن الزهو والخيلاء. ومن مظاهر تواضع «الطبري» أنه كان يعطف على تلاميذه، ويتواضع في معاملتهم حبّا لهم، وثقتهم من حبّهم له.
ذكر «ابن كامل» أن بعض تلاميذ «الطبري» آلمه في مجلس الأستاذ، فانقطع «ابن كامل» عن المجلس مدّة، ثم قابله «الطبري» فجعل يعتذر له، ويترضاه، ويترفق به، كأنه هو الذي آذاه. فرضي «ابن كامل» وعاد إلى مجلس «الطبري» ومن صفات «أبي جعفر الطبري» مضاء عزيمته: أولع «الطبري» بحبه للعلم منذ حداثته إلى أن توفّاه الله تعالى. فقد وهب نفسه للعلم، وأعطى العلم أعظم نصيب من وقته ومن جهده. كانت عزيمته الماضية تتأبى على الفتور والكلال، فتسلح بالصبر، والنشاط. بهذه العزيمة طوّف في كثير من الأقطار، فسمع من كبار العلماء بطبرستان، والعراق، والشام، ومصر.
وبهذه العزيمة قرأ كثيرا، وحفظ كثيرا، وألف كثيرا، وكان يستهين بالجهد المضني، ويستسهل الصعب المجهد. وبهذه العزيمة كان يقرأ وهو شديد المرض، فقد ذكر تلميذه «ابن كامل» أنه زاره قبل المغرب وهو شديد العلة، فرأى تحت مصلّاه «فردوس الحكمة» لعلي بن زين الطبري .
وكانت عزيمته القويّة، تنشّطه إلى القراءة وهو في الخامسة والثمانين من عمره، ولم يكن يقنع بالقراءة في ذلك الوقت، بل كان يتدبّر ما يقرأ، ويتمعن فيه، ويخطّ بقلمه في كثير من المواضع .
وكانت ثمرات هذه العزيمة أنه خلّف ثروة عظيمة من المؤلفات في كثير من العلوم المختلفة، وهذا ما سيتضح جليا بإذن الله تعالى أثناء الحديث عن مؤلفاته.
ومن صفات «أبي جعفر الطبري» ظرفه: كان «أبي جعفر الطبري» مع كثرة اشتغاله بالعلم إلا أنه لم يصرفه ذلك عن الدعابة، ووجاهة السمت، وأناقة المظهر، والتنعم بما أحله الله تعالى، فقد كان ظريفا في ظاهره، نظيفا في باطنه، حسن العشرة لمجالسيه، مهذبا في جميع أحواله.
ومن صفات «الطبري» تعدد ثقافته: وحقا أن منهوم العلم لا يشبع، كما أن منهوم المال لا يقنع، وأنى لمنهوم العلم أن يشبع، وهو يجد في كل لون من
لوان المعرفة كشفا عن جديد كان يجهله، ولذّة مستحدثة لا تغني عنها لذّة سابقة؟
وقد عرفنا من حياة «الطبري» أنه وهب نفسه للعلم، وقصر عليه حياته، وناط به حاضره، ومستقبله.
ومن أهم ثقافة الطبري: العلوم الدينية من قراءات، وتفسير، وحديث، وفقه، وأصول. وهذه هي ثقافته الأصلية، ومعظم مؤلفاته تدور في فلكها.
كان «الطبري» شافعيا أولا، ثم اجتهد وانفرد بمذهب مستقل، وقد مكنه علمه الواسع بالمذاهب المختلفة أن يؤلف كتابا: في «اختلاف الفقهاء» فيعرض آراءهم، وأدلتهم، ويناقشها. وكان الحديث النبوي الواحد يحمله على طلبه في مظانه، وفي هذا يقول «الطبري» عن نفسه: جئت إلى «أبي حاتم السجستاني» وكان عنده حديث في القياس عن «الأصمعي» عن «أبي زائدة» عن «الشعبي» فسألته عنه، فحدثني به.
كان لأبي جعفر الطبري المكانة السامية، والمنزلة الرفيعة بين العلماء، وغيرهم من خاصة الناس، وعامتهم، مما استوجب الثناء عليه، وهذا قبس مما ذكره المؤرخون عنه. قال «أبي محمد عبد العزيز بن محمد الطبري» أحد تلاميذه: «كان أبي جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ لأنه جمع من علوم الاسلام ما لا نعلمه اجتمع لأحد، ولا ظهر من كتب المصنفين، وانتشر من كتب المؤلفين ما انتشر له، وكان راجحا في علوم القرآن، والقراءات، واختلاف الفقهاء مع الرواية كذلك». وقال «الخطيب البغدادي»: «كان «أبي جعفر الطبري» أحد أئمة العلماء يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء».
وقال «ابن خلكان»: «كان «أبي العباس بن سريج» يقول: «محمد ابن جرير الطبري» فقيه العالم».
وقال «الحسن بن علي الأهوازي المقرئ»: ألف «الطبري» في القراءات كتابا جليلا كبيرا رأيته في ثمانية عشرة مجلدا بخطوط كبار، ذكر فيه جميع القراءات من المشهور والشاذ، وعلل ذلك وشرحه، واختار منها قراءة لم يخرج بها عن المشهور».
عاش «الطبري» حياة كانت من بدايتها إلى نهايتها ستا وثمانين سنة قضاها منذ الصغر إلى نهاية العمر بحثا عن العلوم والمعرفة.
ومما لا شك فيه أن ثقافة «الطبري» كانت متنوعة، وكان علمه غزيرا، كل ذلك أهل «الطبري» ليترك ثروة علمية عظيمة من المؤلفات والمصنفات.في مقدمة مؤلفات «الطبري» كتابه: «جامع البيان في تفسير القرآن».
قال عنه «السيوطي»: إنه جمع فيه بين الرواية والدراية ولم يشاركه في ذلك أحد
قبله، ولا بعده . وقال «الخطيب البغدادي»: إن كتابه في التفسير لم يصنف أحد مثله اهـ.
التزم «الطبري» منهجا خاصا في تصنيف كتابه، ويتميز هذا المنهج بعدة سمات، أهمها ما يلي:
أولا: الاعتماد على المأثور:
ذلك أنه اعتمد على التفسير بالمأثور مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ومما روى عن الصحابة والتابعين، متتبعا طريق الاسناد الدقيقة في سلاسل الروايات، وبهذا اصطبغ تفسيره بأنه سجّل لما أثر من الروايات. لكنه كان في أكثر تفسيره يلخص الفكرة العامة التي يستنبطها من هذه الروايات، ويصوغها بقوله، ثم يعقب عليها بذكر الروايات التي قد تختلف في التفصيل والايجاز.
ثانيا: دقة الإسناد:
كان «الطبري» أمينا في ذكر السند، وفي تسجيل أسماء الرواة، لأنه اتصل بكثير من العلماء، وسمع منهم، فإذا كان قد سمع هو وغيره قال، حدثنا، وإذا كان قد سمع وحده، قال: حدثني.
ثالثا: الإكثار من الأحاديث النبوية.
رابعا: الإكثار من الاستشهاد بالقراءات القرآنية وتخريجها.
مثال ذلك قوله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِي
قال: اختلف القراء في قراءة قوله تعالى: «أفمن أسّس بنيانه» فقرأ بعض قرّاء أهل المدينة وهو «نافع» ومعه «ابن عامر» الشامي، بضم الهمزة، وكسر العين على البناء للمفعول، و «بنيانه» بالرفع نائب فاعل.
وقرأت عامة قراء الحجاز، والعراق بفتح الهمزة والسين فيهما على البناء للفاعل، والفاعل ضمير يعود على «من» و «بنيانه» بالنصب مفعول به. ثم قال: وهما قراءتان متفقتان في المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى.
قال: اختلف القراء في قراءة قوله تعالى: «ماذا ترى» فقرأته عامة قراء أهل المدينة، والبصرة، وبعض أهل الكوفة بفتح التاء، والراء، وألف بعدها، بمعنى أيّ شيء تأمر.
وقرأ عامة قراء الكوفة: «ماذا ترى» بضم التاء، وكسر الراء، وياء بعدها، بمعنى ماذا تشير وماذا ترى من صبرك.
ومن مؤلفات «الطبري» تاريخ الأمم والملوك، واختلاف الفقهاء، وتهذيب الآثار، وتفصيل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار، وكتاب آداب القضاة، وكتاب أدب النفوس الجيدة والأخلاق النفيسة وكتاب المسند المجرد، ورسالة البصير في معالم الدين، وكتاب مختصر مناسك الحج، وكتاب الفرائض، وكتاب الموجز في الأصول، وكتاب مسند «ابن عباس» رضي الله عنهما، واختيار من أقاويل الفقهاء، وكتاب المسترشد، وفضائل «عليّ بن أبي طالب وابن عباس» رضي الله عنهما. وكتاب فضائل «أبي بكر وعمر» رضي الله عنهما، وكتاب في تعبير الرؤيا إلى غير ذلك من المصنفات المفيدة والنافعة.
قال «أبي محمد الفرغاني» صاحب ابن جرير: إن قوما من تلامذة «محمد ابن جرير» حسبوا له منذ بلغ الحلم إلى أن مات ثم قسموا على تلك المدّة أوراق مصنفاته، فصار لكل يوم أربع عشرة ورقة.
توفي «ابن جرير الطبري» في شوال سنة عشر وثلاثمائة ببغداد، بعد حياة حافلة بتعليم القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام. رحم الله «ابن جرير الطبري» رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.
معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ

 

أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري: نزل بغداد ومات سنة عشر وثلاثمائة، وهو صاحب التاريخ والمصنفات الكثيرة؛ وكان القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا النهرواني - ويعرف بابن طرارا - على مذهبه.
وكان أبو الفرج هذا فقيهاً أديباً شاعراً عالماً وأنشدني قاضي بلدنا أبو علي الداودي رحمه الله قال: أنشدني أبو الفرج لنفسه:
أأقتبس الضياء من الضباب ... وألتمس الشراب من السراب
أريد من الزمان النذل بذلاً ... وأرياً من جنى سلع وصاب
أرجي أن ألاقي لاشتيقاقي ... خيار الناس في زمن الكلاب

- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -

 

 

مُحَمَّد بن جرير بْن يزِيد بن كثير بن غَالب، أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ.

نسبه الْخَطِيب كَذَلِك، وَقد مر بِي خِلَافه.
صَاحب " التَّارِيخ " الْمَشْهُور.
أَخذ فقه الشَّافِعِي عَن الرّبيع الْمرَادِي، وَالْحسن الزَّعْفَرَانِي.
وَذكره الْعَبَّادِيّ فِي " الشَّافِعِيَّة "، وَقَالَ: هُوَ من أَفْرَاد عُلَمَائِنَا، وَمَا رَأَيْنَاهُ من ذكره فِي هَذَا الْقسم مُتَعَيّن، فَإِن لَهُ مذهبا ينْفَرد بِهِ، مَعْرُوفا بِهِ.
قَالَ الْخَطِيب: استوطن الطَّبَرِيّ بَغْدَاد، وَأقَام بهَا إِلَى حِين وَفَاته، وَكَانَ أحد أَئِمَّة الْعلمَاء، يحكم بقوله، وَيرجع إِلَى رَأْيه، لمعرفته وفضله.
وَكَانَ قد جمع من الْعُلُوم مَا لم يُشَارِكهُ فِيهِ أحد من أهل عصره.

كَانَ حَافِظًا لكتاب الله، عَارِفًا بالقراءات، بَصيرًا بالمعاني، فَقِيها فِي أَحْكَام الْقُرْآن، عَالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عَارِفًا بأقوال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَمن بعدهمْ من الخالفين فِي الْأَحْكَام، ومسائل الْحَلَال وَالْحرَام، عَارِفًا بأيام النَّاس وأخبارهم، وَله الْكتاب الْمَشْهُور فِي " تَارِيخ الْأُمَم والملوك "، وَكتاب فِي " التَّفْسِير "، لم يصنف أحد مثله، وَكتاب سَمَّاهُ: " تَهْذِيب الْآثَار " لم أر سواهُ فِي مَعْنَاهُ، إِلَّا أَنه لم يتمه، وَله فِي أصُول الْفِقْه وفروعه كتب كَثِيرَة، وَاخْتِيَار من أقاويل الْفُقَهَاء، وَتفرد بمسائل حفظت عَنهُ.

قَالَ عَليّ بن عبيد الله بن عبد الْغفار اللّغَوِيّ الْمَعْرُوف ب؛ السمسماني: يحْكى أَن مُحَمَّد بن جرير مكث أَرْبَعِينَ سنة يكْتب فِي كل يَوْم مِنْهَا أَرْبَعِينَ ورقة.
قلت: وعَلى نفاذه فِي الْكِتَابَة، قد يحمل فقه الْعلم من قَول ابْن سُرَيج.
قَالَ الْخَطِيب: بَلغنِي عَن أبي حَامِد أَحْمد بن أبي طَاهِر الْفَقِيه الإِسْفِرَايِينِيّ أَنه قَالَ: لَو سَافر رجل إِلَى الصين حَتَّى يحصل لَهُ كتاب " تَفْسِير " مُحَمَّد بن جرير، لم يكن ذَلِك كثيرا، أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ.
وَقَالَ الْخَطِيب: سَمِعت أَبَا حَازِم العبدويي بنيسابور يَقُول: سَمِعت حسينك - واسْمه: الْحُسَيْن بن عَليّ التَّمِيمِي - يَقُول: لما رجعت من بَغْدَاد إِلَى نيسابور سَأَلَني مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، فَقَالَ لي: مِمَّن سَمِعت بِبَغْدَاد؟ فَذكرت لَهُ جمَاعَة مِمَّن سَمِعت مِنْهُم، فَقَالَ لي: هَل سَمِعت من مُحَمَّد بن جرير شَيْئا؟ فَقلت: لَا، إِنَّه بِبَغْدَاد، لَا يدْخل عَلَيْهِ لأجل الْحَنَابِلَة، وَكَانَت تمنع مِنْهُ، فَقَالَ: لَو سَمِعت مِنْهُ لَكَانَ خيرا لَك من جَمِيع من سَمِعت مِنْهُ سواهُ.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو عَمْرو عبيد الله بن أَحْمد السمسار، وَأَبُو الْقَاسِم ابْن عقيل الْوراق: إِن أَبَا جَعْفَر الطَّبَرِيّ قَالَ لأَصْحَابه: أتنشطون لتفسير الْقُرْآن؟ قَالُوا: كم يكون قدره؟ فَقَالَ: ثَلَاثُونَ ألف ورقة، فَقَالُوا: هَذَا مِمَّا تفنى الْأَعْمَار قبل تَمَامه، فَاخْتَصَرَهُ فِي نَحْو ثَلَاثَة آلَاف ورقة. ثمَّ قَالَ: هَل تنشطون لتاريخ الْعَالم من آدم إِلَى وقتنا هَذَا؟ قَالُوا: كم يكون قدره؟ فَذكر نَحْو مَا ذكره فِي التَّفْسِير، فَأَجَابُوهُ بِمثل ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّا لله، مَاتَت الهمم، فَاخْتَصَرَهُ فِي نَحْو مِمَّا اختصر " التَّفْسِير ".
قَالَ أَبُو الْحسن ابْن رزقويه، عَن أبي عَليّ الطوماري قَالَ: كنت أحمل الْقنْدِيل فِي شهر رَمَضَان بَين يَدي أبي بكر ابْن مُجَاهِد إِلَى الْمَسْجِد لصَلَاة التَّرَاوِيح، فَخرج لَيْلَة من ليَالِي الْعشْر الْأَوَاخِر من دَاره، واجتاز على مَسْجده فَلم يدْخلهُ وَأَنا مَعَه، وَسَار حَتَّى انْتهى إِلَى آخر سوق الْعَطش، فَوقف بِبَاب مَسْجِد مُحَمَّد بن جرير، وَمُحَمّد يقْرَأ سُورَة الرَّحْمَن، فاستمع قِرَاءَته طَويلا، ثمَّ انْصَرف، فَقلت لَهُ: يَا أستاذ {تركت النَّاس ينتظرونك، وَجئْت تسمع قِرَاءَة هَذَا؟} فَقَالَ: يَا أَبَا عَليّ! دع هَذَا عَنْك، مَا ظَنَنْت أَن الله تَعَالَى خلق بشرا يحسن يقْرَأ هَذِه الْقِرَاءَة، أَو كَمَا قَالَ.
مَاتَ ابْن جرير رَحمَه الله - فِيمَا حَكَاهُ ابْن كَامِل القَاضِي - فِي شَوَّال سنة عشر وَثَلَاث مئة، وَدفن فِي دَاره، وَلم يُغير شَيْبه
قَالَ: وَأَخْبرنِي أَن مولده فِي آخر سنة أَربع، أَو أول سنة خمس وَعشْرين مئتين.
قَالَ: وَلم يُؤذن بِهِ أحد، وَاجْتمعَ عَلَيْهِ من لَا يحصيهم عددا إِلَّا الله، وَصلي على قَبره عدَّة شهور لَيْلًا وَنَهَارًا، وثاره خلق كثير من أهل الدّين وَالْأَدب.
وأنبئت عَن القَاضِي أبي بكر الْأنْصَارِيّ، أَنبأَنَا عَليّ بن المحسن التنوخي، عَن أَبِيه قَالَ: حَدثنِي عُثْمَان بن مُحَمَّد السّلمِيّ قَالَ: حَدثنِي بلطون بن منجو أحد القواد قَالَ: حَدثنِي غُلَام لِابْنِ المزوق الْبَغْدَادِيّ قَالَ: كَانَ مولَايَ مكرما لي، فَاشْترى جَارِيَة وزوجنيها، فأحببتها حبا شَدِيدا، وأبغضتني بغضا عَظِيما، وَكَانَت تنافرني دَائِما، وأحتملها إِلَى أَن أضجرتني يَوْمًا، فَقلت لَهَا: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بتاتا، لَا خاطبتيني بِشَيْء إِلَّا خاطبتك بِمثلِهِ، فقد أفسدك احتمالي لَك، فَقَالَت لي فِي الْحَال: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بتاتا، قَالَ: فأبلست، وَلم أدر مَا أجيبها بِهِ خوفًا من أَن أَقُول لَهَا مثل مَا قَالَت، فَتَصِير بذلك طَالقا مني، فأرشدت إِلَى أبي جَعْفَر الطَّبَرِيّ، فَأَخْبَرته بِمَا جرى، فَقَالَ: أقِم مَعهَا بعد أَن تَقول لَهَا: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن أَنا طَلقتك، فَتكون قد خاطبتها بِهِ، فوفيت بيمينك وَلم تطلقها، وَلَا تعاود الْيَمين.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، أبو جعفر الطبري :
سمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد ابن منيع البغوي، ومحمد بن حميد الرازي، وأبا همام الوليد بن شجاع، وأبا كريب محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبا سعيد الأشج، وعمرو بن علي، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، وخلقا كثيرا نحوهم من أهل العراق، والشام ومصر. حدث عنه أحمد بن كامل الْقَاضِي، ومحمد بن عَبْد اللَّهِ الشافعي، ومخلد بن جعفر، في آخرين.
أَخْبَرَنِي أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّد بْنُ الْحُسَيْن بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ نا مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَد بْنُ أَبِي طالب الكاتب قالا: نبأنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ الطَّبَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الكريم أبو زرعة الرّازيّ قال نا ثابت بن محمّد قال نا سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ مَكْشُوفَةٍ فَخِذُهُ فَقَالَ لَهُ: «غَطِّ فَخِذَكَ، فَإِنَّ فَخِذَ الرَّجُلِ مِنَ الْعَوْرَةِ»
. قَالَ أبو طالب ذكر أبي أن حديث الثوري غريب، حدث به مخلد وأبو جعفر بن أبي طالب عن الطبري. هكذا قَالَ.
وقد حَدَّثَنَا أبو زرعة الرازي- يعني أحمد بن الحسين- عن ابن نومرد، عن أبي زرعة، عن ثابت، عن الثوري، عن حبيب، عن طاوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صلى في كسوف الشمس» . وإلى جنبه حديث أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عباس «مر النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم على رجل مكشوفة فخذه» . قَالَ أبي: فيشبه أن يكون أبو زرعة الرازي حدث به مرة من حفظه إن لم يكن الطبري أخطأ عليه فإن القول قول ابن نومرد.
وقد روى عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَاصِمِ بن ضمرة، عن علي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ على رجل مكشوفة فخذه. من وجه غير مرضى، فالله أعلم.

قال الشيخ أبو بكر: استوطن الطبري بغداد وأقام بِهَا إِلَى حين وفاته، وكَانَ أحد أئمة العلماء: يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في «تاريخ الأمم والملوك» ، وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله، وكتاب سماه «تهذيب الآثار» لم أر سواه في معناه إلا أنه لم يتمه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرد. بمسائل حفظت عنه.
وسمعت على بْن عبيد اللَّه بْن عَبْد الغفار اللغوي المعروف بالسمسماني يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.
وبلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الفقيه الإسفرائيني أنه قَالَ: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا. أو كلاما هذا معناه.
أَخْبَرَنَا القاضي أبو عبد الله محمّد قال ثنا عليّ بن أحمد بن الصناع... عبيد الله بن أحمد السّمسار وأبي  ... أن أبا جعفر الطبري قَالَ لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن. قالوا: كم يكونقدره؟ فقال ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قَالَ: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فذكر نحوا مما ذكره في التفسير فأجابوه بمثل ذلك. فقال: إنا لله، ماتت الهمم.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن يَعْقُوب قَالَ أَنْبَأَنَا محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ قال: سمعت أبا بكر بن بالويه يقول قَالَ لي أبو بكر محمد بن إسحاق- يعني ابن خزيمة- بلغني أنك كتبت التفسير عن محمد بن جرير؟ قلت: بلى كتبت التفسير عنه إملاء. قَالَ: كله؟ قلت: نعم. قَالَ: في أي سنة؟ قلت: من سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين. قَالَ فاستعاره مني أبو بكر فرده بعد سنين، ثم قَالَ: قد نظرت فيه من أوله إلى آخره ولم أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة.

سمعت أبا حازم عُمَر بْن أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ العبدوي بنيسابور يقول سمعت حسينك واسمه الحسين بن علي التميمي يقول لما رجعت من بغداد إلى نيسابور سألني محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقال لي: ممن سمعت ببغداد؟ فذكرت له جماعة ممن سمعت منهم، فقال هل سمعت من محمد بن جرير شيئا؟ فقلت له: لا إنه ببغداد لا يدخل عليه لأجل الحنابلة، وكانت تمنع منه، فقال: لو سمعت منه لكان خيرا لك من جميع من سمعت منه سواه.
حَدَّثَنِي أبو القاسم الأزهري قَالَ حكى لنا أبو الحسن بن رزقويه، عن أبي علي الطوماري قَالَ كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي أبي بكر بن مجاهد إلى المسجد لصلاة التراويح، فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره واجتاز على مسجده، فلم يدخله وأنا معه، وسار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش، فوقف بباب مسجد محمد بن جرير ومحمد يقرأ سورة الرحمن، فاستمع قراءته طويلا، ثم انصرف فقلت له: يا أستاذ، تركت الناس ينتظرونك وجئت تسمع قراءة هذا؟ فقال:
يا أبا علي دع هذا عنك، ما ظننت أن الله تعالى خلق بشرا يحسن يقرأ هذا القراءة.
أو كما قَالَ.
حَدَّثَنِي أبو الفرج محمد بن عبيد الله بن محمد الخرجوشي الشيرازي لفظا قَالَ سمعت أحمد بن منصور بن محمد الشيرازي يقول سمعت محمد بن أحمد الصحاف السجستاني يقول سمعت أبا العباس البكري من ولد أبي بكر الصديق يقول: جمعت الرحلة بين محمد بن جرير، وَمحمد بْن إسحاق بْن خزيمة، وَمحمد بْن نصر المروزيّ، ومحمّد بن هارون الروياني، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضر بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه: الطعام، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقال لأصحابه أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة، قَالَ فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع وخصي من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا الباب، فنزل عن دابته فقال أيكم محمد بن نصر؟
فقيل: هو هذا. فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قَالَ أيكم محمد بن جرير؟ فقالوا هو ذا. فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قَالَ أيكم محمد ابن هارون؟ فقالوا هو ذا. فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قَالَ أيكم محمد بن إسحاق بن خزيمة؟ فقالوا هو ذا يصلي. فلما فرغ دفع إليه الصرة وفيها خمسون دينارا. ثم قَالَ: إن الأمير كان قائلا بالأمس، فرأى في المنام خيالا قَالَ إن المحامد طووا كشحهم جياعا فأنفذ إليكم هذه الصرار، وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إلي أمدكم.
أنشدنا علي بْن عَبْد العزيز الطاهري، ومحمد بْن جعفر بن علان الشروطي قالا أنشدنا مخلد بن جعفر الدقاق قَالَ أنشدنا محمد بن جرير الطبري:
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي ... وأستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مطالبتي رفيقي
ولو أني سمحت ببذل وجهي ... لكنت إلى الغنى سهل الطريق
وأنشدنا الطاهري والشروطي قالا: أنشدنا مخلد بن جعفر قَالَ أنشدنا محمد بن جرير:
خلقان لا أرضى طريقهما ... بطر الغنى ومذلة الفقر
فإذا غنيت فلا تكن بطرا ... وإذا افتقرت فته على الدهر
أَخْبَرَنَا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي قال نبأنا سهل بن أحمد الديباجي قَالَ: قَالَ لنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري كتب إلي أحمد بن عيسى العلوي من البلد:
ألا إن إخوان الثقات قليل ... وهل لي إلى ذاك القليل سبيل
سل الناس تعرف غثهم من سمينهم ... فكل عليه شاهد ودليل
قَالَ أبو جعفر: فأجبته:
يسيء أميري الظن في جهد جاهد ... فهل لي بحسن الظن منه سبيل
تأمل أميري ما ظننت وقلته ... فإن جميل الظن منك جميل
أَخْبَرَنَا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه قَالَ: قَالَ لنا عيسى بن حامد بن بشر القاضي: مات محمد بن جرير الطبري يوم السبت بالعشي، ودفن يوم الأحد بالغداة في داره لأربع بقين من شوال سنة عشر وثلاثمائة.
قرأت على الحسن بن أبي بكر، عن أَحْمَد بن كامل الْقَاضِي قَالَ: توفي أَبُو جعفر محمد بن جرير الطبري في وقت المغرب من عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة.
ودفن وقد أضحى النهار من يوم الاثنين غد ذلك اليوم في داره برحبة يعقوب ولم يغير شيبه، وكان السواد في شعر رأسه ولحيته كثيرا.

وَأَخْبَرَنِي أن مولده في آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، مديد القامة، فصيح اللسان، ولم يؤذن به أحد، واجتمع عليه من لا يحصيهم عددا إلا الله، وصلى على قبره عدة شهور ليلا ونهارا، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب، فقال ابن الأعرابي في مرثية له طويلة:
حدث مفظع وخطب جليل ... دق عن مثله اصطبار الصبور
قام ناعي العلوم أجمع لما ... قام ناعي محمد بن جرير
فهوت أنجم لها زاهرات ... مؤذنات رسومها بالدثور
وتغشى ضياءها النير الإش ... راق ثوب الدجنة الديجور
وغدا روضها الأنيق هشيما ... ثم عادت سهولها كالوعور
يا أبا جعفر مضيت حميدا ... غير وإن في الجد والتشمير
بين أجر على اجتهادك موفو ... ر وسعي إلى التقى مشكور
مستحقا به الخلود لدى جن ... ة عدن في غبطة وسرور
قرأت على أبي الحسين هبة الله بن الحسن الأديب لأبي بكر مُحَمَّد بن الحسن بن دريد يرثي أبا جعفر الطبري:
لن تستطيع لأمر الله تعقيبا ... فاستنجد الصبر أو فاستشعر الحوبا
وافزع إلى كنف التسليم وارض بما ... قضى المهيمن مكروها ومحبوبا
إن العزاء إذا عزته جائحة ... ذلت عريكته فانقاد مجنوبا
فإن قرنت إليه العزم أيده ... حتى يعود لديه الحزن مغلوبا
فارم الأسى بالأسى يطفي مواقعها ... جمرا خلال ضلوع الصدر مشبوبا
الأسى: الحزن، والأسى جمع أسوة، كقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
من صاحب الدهر لم يعدم مجلجلة ... يظل منها طوال العيش منكوبا
إنّ البلية لا وفر تزعزعه ... أيدي الحوادث تشتيتا وتشذيبا
ولا تفرق آلاف يفوت بهم ... بين يغادر حبل الوصل مقضوبا
لكن فقدان من أضحى بمصرعه ... نور الهدى وبهاء العلم مسلوبا
أودي أبو جعفر والعلم فاصطحبا ... أعظم بذا صاحبا إذ ذاك مصحوبا
إن المنية لم تتلف به رجلا ... بل أتلفت علما للدين منصوبا

أهدى الردى للثرى إذ نال مهجته ... نجما على من يعادي الحق مصبوبا
كان الزمان به تصفو مشاربه ... فالآن أصبح بالتكدير مقطوبا
كلا وأيامه الغر التي جعلت ... للعلم نورا وللتقوى محاريبا
لا ينسري الدهر عن شبه له أبدا ... ما استوقف الحج بالأنصاب أركوبا
أوفى بعهد وأورى عند مظلمة ... زندا وآكد إبراما وتأديبا
منه وأرصن حلما عند مزعجة ... تغادر القلبي الذهن منخوبا
إذا انتضى الرأي في إيضاح مشكلة ... أعاد منهجها المطموس ملحوبا
لا يعزب الحلم في عتب وفي نزق ... ولا يجرع ذا الزلات تثريبا
لا يولج اللغو والعوراء مسمعه ... ولا يفارق ما يغشيه تأنيبا
إن قَالَ قاد زمام الصدق منطقه ... أو آثر الصمت أولى النفس تهييبا
لقلبه ناظرا تقوى سما بهما ... فأيقظ الفكر ترغيبا وترهيبا
تجلو مواعظه رين القلوب كما ... يجلو ضياء سنا الصبح الغياهيبا
سيان ظاهره البادي وباطنه ... فلا تراه على العلات مجدوبا
لا يأمن العجز والتقصير مادحه ... ولا يخاف على الإطناب تكذيبا
ودت بقاع بلاد الله لو جعلت ... قبرا له فحباها جسمه طيبا
كانت حياتك للدنيا وساكنها ... نورا فأصبح عنها النور محجوبا
لو تعلم الأرض ما وارت لقد خشعت ... أقطارها لك إجلالا وترحيبا
كنت المقوم من زيغ ومن ظلع ... وفاك نصحا وتسديدا وتأديبا
وكنت جامع أخلاق مطهرة ... مهذبا من قراف الجهل تهذيبا
فإن تنلك من الأقدار طالبة ... لم يثنها العجز عما عز مطلوبا
فإن للموت وردا ممقرا فظعا ... على كراهته لا بد مشروبا
إن يندبوك فقد ثلّث عروشهم ... وأصبح العلم مرثيا ومندوبا
ومن أعاجيب ما جاء الزمان به ... وقد يبين لنا الدهر الأعاجيبا
أن قد طوتك غموض الأرض في لحف ... وكنت تملأ منها السهل واللوبا

ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

 

مُحَمَّد بن جرير بن يزِيد بن كثير بن غَالب الإِمَام الْجَلِيل الْمُجْتَهد الْمُطلق أَبِي جَعْفَر الطبري
من أهل آمل طبرستان أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا علما ودينا
ومولده سنة أَربع أَو خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
طوف الأقاليم فى طلب الْعلم

وَسمع من مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَبى الشَّوَارِب وَإِسْحَاق بن أَبى إِسْرَائِيل وَإِسْمَاعِيل ابْن مُوسَى الفزارى وأبى كريب وهناد بن السرى والوليد بن شُجَاع وَأحمد بن منيع وَمُحَمّد بن حميد الرازى وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَخلق سواهُم
روى عَنهُ أَبُو شُعَيْب الحرانى وَهُوَ أكبر مِنْهُ سنا وسندا ومخلد الباقرحى والطبرانى وَعبد الْغفار الحضينى وَأَبُو عَمْرو بن حمدَان وَأحمد بن كَامِل وَطَائِفَة سواهُم
وَقَرَأَ الْقُرْآن على سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن الطلحى صَاحب خَلاد
وَمن تصانيفه كتاب التَّفْسِير وَكتاب التَّارِيخ وَكتاب الْقرَاءَات وَالْعدَد والتنزيل وَكتاب اخْتِلَاف الْعلمَاء وتاريخ الرِّجَال من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَكتاب أَحْكَام شرائع الْإِسْلَام أَلفه على مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَكتاب الْخَفِيف وَهُوَ مُخْتَصر فى الْفِقْه وَكتاب التبصير فى أصُول الدّين
وابتدأ تصنيف كتاب تَهْذِيب الْآثَار وَهُوَ من عجائب كتبه ابْتَدَأَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو بكر الصّديق رضى الله عَنهُ كَمَا صَحَّ عِنْده بِسَنَدِهِ وَتكلم على ل حَدِيث مِنْهُ بعلله وطرقه وَمَا فِيهِ من الْفِقْه وَالسّنَن وَاخْتِلَاف الْعلمَاء وحججهم وَمَا فِيهِ من الْمعَانى والغريب فتم مِنْهُ مُسْند الْعشْرَة وَأهل الْبَيْت وَالْموالى وَمن مُسْند ابْن عَبَّاس قِطْعَة كَثِيرَة وَمَات قبل تَمَامه وابتدأ بِكِتَاب الْبَسِيط فَخرج مِنْهُ كتاب الطَّهَارَة فى نَحْو ألف وَخَمْسمِائة ورقة وَخرج مِنْهُ أَكثر كتاب الصَّلَاة وَخرج مِنْهُ آدَاب الْحُكَّام وَكتاب المحاضر والسجلات وَغير ذَلِك
قَالَ الْخَطِيب كَانَ ابْن جرير أحد الْأَئِمَّة يحكم بقوله وَيرجع إِلَى رَأْيه لمعرفته وفضله جمع من الْعُلُوم مَا لم يُشَارِكهُ فِيهِ أحد من أهل عصره فَكَانَ حَافِظًا لكتاب الله بَصيرًا بالمعانى فَقِيها فى أَحْكَام الْقُرْآن عَالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها عَارِفًا بأقوال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْمُخَالفين فى الْأَحْكَام ومسائل الْحَلَال وَالْحرَام عَارِفًا بأيام النَّاس وأخبارهم وَله الْكتاب الْمَشْهُور فى تَارِيخ الْأُمَم والملوك وَكتاب فى التَّفْسِير لم يصنف أحد مثله وَكتاب سَمَّاهُ تَهْذِيب الْآثَار لم أر سواهُ فى مَعْنَاهُ إِلَّا أَنه لم يتمه وَله فى أصُول الْفِقْه وفروعه كتب كَثِيرَة
قَالَ وَسمعت على بن عبد الله عبد الْغفار اللغوى الْمَعْرُوف بالسمسمانى يحْكى أَن مُحَمَّد بن جرير مكث أَرْبَعِينَ سنة يكْتب فى كل يَوْم مِنْهَا أَرْبَعِينَ ورقة
قَالَ وبلغنى عَن الشَّيْخ أَبى حَامِد الإسفراينى أَنه قَالَ لَو سَافر رجل إِلَى الصين حَتَّى يحصل لَهُ كتاب تَفْسِير مُحَمَّد بن جرير لم يكن ذَلِك كثيرا أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ انْتهى
وَذكر أَبُو مُحَمَّد الفرغانى فى صلَة التَّارِيخ أَن قوما من تلامذة مُحَمَّد بن جرير حسبوا لأبى جَعْفَر مُنْذُ بلغ الْحلم إِلَى أَن مَاتَ ثمَّ قسموا على تِلْكَ الْمدَّة أوراق مصنفاته فَصَارَ لكل يَوْم أَربع عشرَة ورقة
قلت وَهَذَا لَا ينافى كَلَام السمسمانى لِأَنَّهُ مُنْذُ بلغ لابد أَن يكون مَضَت لَهُ سنُون فى الطّلب لَا يصنف فِيهَا
وَذكر أَن أَبَا الْعَبَّاس ابْن سُرَيج كَانَ يَقُول مُحَمَّد بن جرير الطبرى فَقِيه الْعَالم
وَذكر أَن مُحَمَّد بن جرير قَالَ أظهرت فقه الشافعى وأفتيت بِهِ بِبَغْدَاد عشر سِنِين وتلقنه منى ابْن بشار الْأَحول أستاذ أَبى الْعَبَّاس بن سُرَيج
وروى أَن أَبَا جَعْفَر قَالَ لأَصْحَابه أتنشطون لتفسير الْقُرْآن قَالُوا كم يكون قدره فَقَالَ ثَلَاثُونَ ألف ورقة فَقَالُوا هَذَا مِمَّا تفنى الْأَعْمَار قبل تَمَامه
فَاخْتَصَرَهُ فى نَحْو ثَلَاثَة آلَاف ورقة
ثمَّ قَالَ هَل تنشطون لتاريخ الْعَالم من آدم إِلَى وقتنا هَذَا قَالُوا كم قدره فَذكر نَحوا مِمَّا ذكره فى التَّفْسِير فأجوبوه بِمثل ذَلِك فَقَالَ إِنَّا لله مَاتَت الهمم فَاخْتَصَرَهُ فى نَحْو مَا اختصر التَّفْسِي

قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا بكر بن بَالَوَيْهِ يَقُول قَالَ لى ابْن خُزَيْمَة بلغنى أَنَّك كتبت التَّفْسِير عَن ابْن جرير قلت نعم إملاء قَالَ كُله قلت نعم قَالَ فى كم سنة قلت من سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ إِلَى سنة تسعين قَالَ فاستعاره منى ابْن خُزَيْمَة ثمَّ رده بعد سِنِين ثمَّ قَالَ نظرت فِيهِ من أَوله إِلَى آخِره وَمَا أعلم على أَدِيم الأَرْض أعلم من مُحَمَّد بن جرير وَلَقَد ظلمته الْحَنَابِلَة
وَقَالَ أَبُو على الطومارى كنت أحمل الْقنْدِيل فى شهر رَمَضَان بَين يدى أَبى بكر بن مُجَاهِد لصَلَاة التَّرَاوِيح فَخرج لَيْلَة من ليالى الْعشْر الْأَوَاخِر من دَاره واجتاز على مَسْجده فَلم يدْخلهُ وَأَنا مَعَه وَسَار حَتَّى انْتهى فَوقف على بَاب مَسْجِد مُحَمَّد بن جرير وَابْن جرير يقْرَأ سُورَة الرَّحْمَن فاستمع قِرَاءَته طَويلا ثمَّ انْصَرف فَقلت لَهُ يَا أستاذ تركت النَّاس ينتظرونك وَجئْت تستمع قِرَاءَة هَذَا فَقَالَ يَا أَبَا على دع هَذَا عَنْك مَا ظَنَنْت أَن الله خلق بشرا يحسن أَن يقْرَأ هَذِه الْقِرَاءَة
وَذكر أَن المكتفى الْخَلِيفَة قَالَ لِلْحسنِ بن الْعَبَّاس أُرِيد أَن أوقف وَقفا تَجْتَمِع أقاويل الْعلمَاء على صِحَّته وَيسلم من الْخلاف قَالَ فأحضر ابْن جرير فأملى عَلَيْهِم كتابا لذَلِك فأخرجت لَهُ جَائِزَة سنية فَأبى أَن يقبلهَا فَقيل لَهُ لابد من جَائِزَة أَو قَضَاء حَاجَة فَقَالَ نعم الْحَاجة أسأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يتَقَدَّم إِلَى الشَّرْط أَن يمنعوا السُّؤَال من دُخُول الْمَقْصُورَة يَوْم الْجُمُعَة فَتقدم بذلك وَعظم فى نُفُوسهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الفرغانى صَاحب ابْن جرير أرسل الْعَبَّاس بن الْحسن الْوَزير إِلَى ابْن جرير قد أَحْبَبْت أَن أنظر فى الْفِقْه وَسَأَلَهُ أَن يعْمل لَهُ مُخْتَصرا فَعمل لَهُ كتاب الْخَفِيف وأنفذه فَوجه إِلَيْهِ ألف دِينَار فَلم يقبلهَا فَقيل لَهُ تصدق بهَا فَلم يفعل
وَقَالَ حسينك بن على النيسابورى أول مَا سألنى ابْن خُزَيْمَة قَالَ كتبت عَن مُحَمَّد بن جرير قلت لَا قَالَ وَلم قلت لِأَنَّهُ كَانَ لَا يظْهر وَكَانَت الْحَنَابِلَة تمنع من الدُّخُول عَلَيْهِ فَقَالَ بئس مَا فعلت ليتك لم تكْتب عَن كل من كتبت عَنْهُم وَسمعت مِنْهُ
قلت لم يكن عدم ظُهُوره ناشئا من أَنه منع وَلَا كَانَت للحنابلة شَوْكَة تقتضى ذَلِك وَكَانَ مِقْدَار ابْن جرير أرفع من أَن يقدروا على مَنعه وَإِنَّمَا ابْن جرير نَفسه كَانَ قد جمع نَفسه عَن مثل الأراذل المتعرضين إِلَى عرضه فَلم يكن يَأْذَن فى الِاجْتِمَاع بِهِ إِلَّا لمن يختاره وَيعرف أَنه على السّنة وَكَانَ الْوَارِد من الْبِلَاد مثل حسينك وَغَيره لَا يدرى حَقِيقَة حَاله فَرُبمَا أصغى إِلَى كَلَام من يتَكَلَّم فِيهِ لجهله بأَمْره فَامْتنعَ عَن الِاجْتِمَاع بِهِ
وَمِمَّا يدلك على أَنه لم يمْنَع قَول ابْن خُزَيْمَة لحسينك ليتك سَمِعت مِنْهُ فَإِن فِيهِ دلَالَة أَن سَمَاعه مِنْهُ كَانَ مُمكنا وَلَو كَانَ مَمْنُوعًا لم يقل لَهُ ذَلِك وَهَذَا أوضح من أَن ننبه عَلَيْهِ وَأمر الْحَنَابِلَة فى ذَلِك الْعَصْر كَانَ أقل من ذَلِك
قَالَ الفرغانى كَانَ مُحَمَّد بن جرير مِمَّن لَا تَأْخُذهُ فى الله لومة لائم مَعَ عَظِيم مَا يلْحقهُ من الْأَذَى والشناعات من جَاهِل وحاسد وملحد فَأَما أهل الْعلم وَالدّين فَغير منكرين علمه وزهده فى الدُّنْيَا ورفضه لَهَا وقناعته بِمَا كَانَ يرد عَلَيْهِ من حِصَّة خلفهَا لَهُ أَبوهُ بطبرستان يسيرَة وَلما تقلد الخاقانى الوزارة وَجه إِلَيْهِ بِمَال كثير فَأبى أَن يقبله فَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فَامْتنعَ فَعَاتَبَهُ أَصْحَابه وَقَالُوا لَهُ لَك فى هَذَا ثَوَاب وتحيى سنة قد درست وطمعوا فى أَن يقبل ولَايَة الْمَظَالِم فانتهرهم وَقَالَ قد كنت أَظن أَنى لَو رغبت فى ذَلِك لنهيتمونى عَنهُ
وَقَالَ الفرغانى رَحل ابْن جرير من مَدِينَة آمل لما ترعرع وسمح لَهُ أَبوهُ بِالسَّفرِ وَكَانَ طول حَيَاته ينفذ إِلَيْهِ بالشئ بعد الشئ إِلَى الْبلدَانِ فَسَمعته يَقُول أَبْطَأت عَنى نَفَقَة والدى واضطررت إِلَى أَن فتقت كمى الْقَمِيص فبعتهما

وَقَالَ ابْن كَامِل توفى عَشِيَّة الْأَحَد ليومين بقيا من شَوَّال سنة عشر وثلاثمائة وَدفن فى دَاره برحبة يَعْقُوب وَلم يُغير شَيْبه وَكَانَ السوَاد فى رَأسه ولحيته كثيرا وَكَانَ أسمر إِلَى الأدمة أعين نحيف الْجِسْم مديد الْقَامَة فصيحا وَاجْتمعَ عَلَيْهِ من لَا يُحْصِيه إِلَى الله تَعَالَى وَصلى على قَبره عدَّة شهور لَيْلًا وَنَهَارًا ورثاه خلق كثير من أهل الدّين وَالْأَدب
من ذَلِك قَول أَبى سعيد بن الأعرابى
(حدث مفظع وخطب جليل ... دق عَن مثله اصطبار الصبور)
(قَامَ ناعى الْعُلُوم أجمع لما ... قَامَ ناعى مُحَمَّد بن جرير)
وَقَول ابْن دُرَيْد
(إِن الْمنية لم تتْلف بِهِ رجلا ... بل أتلفت علما للدّين مَنْصُوبًا)
(كَانَ الزَّمَان بِهِ تصفو مشاربه ... والآن أصبح بالتكدير مقطوبا)
(كلا وأيامه الغر الَّتِى جعلت ... للْعلم نورا وللتقوى محاريبا)
عَجِيبَة تَتَضَمَّن مَسْأَلَة
إِذا ادّعى المقضى عَلَيْهِ أَن القاضى حكم عَلَيْهِ بِشَهَادَة فاسقين قَالَ ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب فى بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة يجب على شَاهد الْفَرْع تَسْمِيَة شُهُود الأَصْل خلافًا لمُحَمد بن جرير الطبرى الذى أفهم كَلَام صَاحب الإشراف عِنْد الْكَلَام فى دَعْوَى المقضى عَلَيْهِ أَن القاضى قضى عَلَيْهِ بِشَهَادَة فاسقين أَنه من أَصْحَابنَا انْتهى
وَهَذَا كَلَام عَجِيب يُوهم أَن ابْن جرير هَذَا غير ابْن جرير الإِمَام الْمَشْهُور صَاحب التَّرْجَمَة فَإِن فى هَذَا اللَّفْظ تجهيلا عَظِيما للمسمى بِهَذَا الِاسْم وَابْن جرير إِمَام شهير لَا يخفى حَاله على ابْن الرّفْعَة وَلَا من دونه وَإِنَّمَا قصد ابْن الرّفْعَة بِهَذَا الْكَلَام الْإِشَارَة إِلَى أَنه وَإِن كَانَ مُجْتَهدا مُطلقًا مَعْدُود من أَصْحَابنَا بِشَهَادَة صَاحب الإشراف فليلتحق قَوْله بِهَذَا بِالْمذهبِ ويعد وَجها فِيهِ وَهَذَا أَيْضا غير لَائِق بعلو قدر ابْن الرّفْعَة فَابْن جرير مَعْدُود من أَصْحَابنَا لَا يمترى أحد فى ذَلِك وَلَو عد عَاد ذكر ابْن الرّفْعَة لَهُ ولأقواله من أَصْحَابنَا لأكْثر الْمَعْدُود فَلَا طائل تَحت كَلَامه هَذَا بل هُوَ كَلَام موهم كَانَ السُّكُوت عَنهُ أجمل بقائله وَمَا حمله عَلَيْهِ إِلَّا كَثْرَة استحضاره لما بعد وَمَا قرب وَحَيْثُ ذكره فى المظنة فَاسْتَحْضرهُ من غير المظنة وَلَو أَنه قَالَ الذى اقْتضى كَلَام صَاحب الإشراف مُوَافقَة غَيره من أَصْحَابنَا لَهُ على مقَالَته فى عدم سَماع الدَّعْوَى على القاضى بِأَنَّهُ حكم بِشَهَادَة فاسقين لَكَانَ أحسن فَإِن مُوَافقَة غير ابْن جرير من أَصْحَابنَا لَهُ تؤكد عد قَوْله من الْمَذْهَب بِخِلَاف مَا إِذا لم يُوجد لَهُ مُوَافق فَإِن النّظر إِذْ ذَاك قد يتَوَقَّف فِي إِلْحَاق أَقْوَاله بِالْمذهبِ لِأَن المحمدين الْأَرْبَعَة ابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر وَإِن كَانُوا من أَصْحَابنَا فَرُبمَا ذَهَبُوا باجتهادهم الْمُطلق إِلَى مَذَاهِب خَارِجَة عَن الْمَذْهَب فَلَا نعد تِلْكَ الْمذَاهب من مَذْهَبنَا بل سَبِيلهَا سَبِيل من خَالف إِمَامه فى شئ من الْمُتَأَخِّرين أَو الْمُتَقَدِّمين
وَإِنَّمَا قلت إِن صَاحب الإشراف ذكر مُوَافقَة غير ابْن جرير لَهُ على عدم الدَّعْوَى بِأَنَّهُ حكم بِشَهَادَة فاسقين لِأَن عبارَة الإشراف
فصل
إِذا ادّعى المقضى عَلَيْهِ أَن القاضى قضى عَلَيْهِ بِشَهَادَة فاسقين
قَالَ مُحَمَّد بن جرير وَغَيره من أَصْحَابنَا لَا ينبغى أَن يفوق سهم هَذِه الدَّعْوَى نَحْو القاضى لِأَن فِيهِ تشنيعا عَلَيْهِ وَهُوَ مستغن عَن هَذَا التشنيع عَلَيْهِ بِأَن يُقيم الْبَيِّنَة على فسق الشُّهُود وَيُفَارق إِذا ادّعى على القاضى أَنه أَخذ مِنْهُ الرِّشْوَة وفسرها وهى مَال مبذول ليصير الْحق بَاطِلا وَالْبَاطِل حَقًا لِأَنَّهُ أَمر خفى لَا يُمكنهُ إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ دون الادعاء على القاضى فَلَمَّا لم يكن مستغنيا عَن الادعاء عَلَيْهِ جَازَ لَهُ الادعاء ليصون القاضى مَاء وَجهه فَيرد المَال عَلَيْهِ
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا دَعْوَى الطعْن على الشُّهُود مسموعة على القَاضِي لِأَنَّهُ رُبمَا يتَعَذَّر عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة على فسق الشُّهُود انْتهى
وَحكى بعده الْوَجْهَيْنِ الْمَشْهُورين فى تَحْلِيفه إِذا أنكر
فَإِن قلت الْوَجْهَانِ فى الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِشَهَادَة فاسقين مشهوران
قلت كلا إِنَّمَا الْمَشْهُور الْوَجْهَانِ فى إِحْضَاره إِذا ادّعى عَلَيْهِ هَكَذَا أما أصل الدَّعْوَى فَقَالَ الرافعى إِنَّهُم متفقون على سماعهَا على الْجُمْلَة وَأنكر على الغزالى جعله الْوَجْهَيْنِ فى أصل الدَّعْوَى وَكَلَام ابْن جرير هَذَا صَرِيح فى أَن الدَّعْوَى لَا تسمع فَفِيهِ تأييد عَظِيم للغزالى لَا سِيمَا مَعَ اعتضاده بموافقة بعض الْأَصْحَاب بل غالبهم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ القاضى أَبُو سعد فَإِن فى قَوْله قَالَ ابْن جرير وَغَيره من أَصْحَابنَا مَعَ قَوْله فى مُقَابِله وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا مَا يعْطى أَن الجادة على قَول ابْن جرير على خلاف دَعْوَى الرافعى الِاتِّفَاق نعم مَحل ذَلِك فصل الدَّعْوَى على القاضى الْمَعْزُول من كتاب الْأَقْضِيَة لَا بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَقَول ابْن جرير لَا يشْتَرط تَسْمِيَة شُهُود الأَصْل هُوَ الْمُخْتَص بِبَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فَكَانَ طَرِيق ابْن الرّفْعَة إِن لم يجد لَهُ من خلص الْأَصْحَاب مُتَابعًا أَن يَقُول وَلَا متابع لَهُ لكنه من أَصْحَابنَا

طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي

 

 

مُحَمَّد بن جرير بن يزِيد بن كثير الإِمَام الْعلم الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ
أحد الْأَعْلَام وَصَاحب التصانيف الطّواف
قَالَ الْخَطِيب كَانَ أحد الْأَئِمَّة يحكم بقوله وَيرجع إِلَى رَأْيه لمعرفته وفضله جمع من الْعُلُوم مَا لم يُشَارِكهُ فِيهِ أحد من أهل عصره فَكَانَ حَافِظًا لكتاب الله بَصيرًا بالمعاني فَقِيها فِي أَحْكَام الْقُرْآن عَالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها ناسخها ومنسوخها عَارِفًا بأقوال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بَصيرًا بأيام النَّاس وأخباهم لَهُ تَارِيخ الْإِسْلَام وَالتَّفْسِير الَّذِي لم يصنف مثله
قَالَ أَبُو حَامِد الإسفرايني لَو رَحل رجل إِلَى الصين فِي تَحْصِيله لم يكن كثيرا وتهذيب الْآثَار لم أر فِي مَعْنَاهُ مثله وَله فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع كتب كَثِيرَة
ولد سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة مَا أعلم على أَدِيم الأَرْض أعلم مِنْهُ
وَقَالَ الفرغاني بَث مَذْهَب الشَّافِعِي بِبَغْدَاد ثمَّ اتَّسع علمه وأداة اجْتِهَاده إِلَى مَا اخْتَار فِي كتبه وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فَأبى
قَالَ الذَّهَبِيّ ابْن جرير وبن صاعد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن أبي حَاتِم رجال هَذِه الطَّبَقَة وهم الطَّبَقَة السَّادِسَة فِي الْأَرْبَعين لِابْنِ الْمفضل
توفّي ابْن جرير عَشِيَّة الْأَحَد ليومين بقيا من شَوَّال سنة عشر وثلاثمائة

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

محمد بن جريربن يزيد بن كثير، الإِمَامُ العَلَمُ المجتهدُ، عَالِمُ العَصر، أبي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ البَدِيْعَة، مِنْ أَهْلِ آمُل طَبَرِسْتَان.
مَوْلِدُه سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَطَلَبَ العِلْمَ بَعْد الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ وَأَكْثَرَ التَّرحَال، وَلقِي نُبَلاَء الرِّجَال، وَكَانَ مِنْ أَفرَاد الدَّهْر عِلْماً، وَذكَاءً، وَكَثْرَةَ تَصَانِيْف، قلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مثلَه.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ الهروي، أخبرنا زاهر المُسْتَمْلِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أبي عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الفَقِيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيْع، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِضُبَاعَة: "حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي" ، حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ مِنْ أَعْلَى مَا عِنْدِي عَنِ ابْنِ جَرِيْرٍ.
سَمِعَ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشّوَاربِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُوْسَى السُّدِّيّ، وَإِسْحَاقَ بنَ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي مَعْشَر -حَدَّثَهُ بِالمَغَازِي عَنْ أَبِيْهِ- وَمُحَمَّدَ بنَ حُمَيْد الرَّازِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ مَنِيْع، وأبا كريب محمد بن العلاء، وهناد بن السَّرِيّ، وَأَبَا هَمَّام السَّكُوْنِيّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، وَبُنْدَاراً، وَمُحَمَّدَ بنَ المُثَنَّى، وَسُفْيَانَ بنَ وَكِيْع، وَالفَضْلَ بنَ الصَّبَّاحِ، وَعَبْدَةَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّار، وَسَلْمَ بنَ جُنَادَةَ، وَيُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَيَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ المِقْدَامِ العِجْلِيّ، وَبِشْرَ بنَ مُعَاذٍ العَقَدِيّ، وَسَوَّار بنَ عَبْدِ اللهِ العَنْبَرِيّ، وَعَمْرو بنَ عَلِيٍّ الفَلاَّس، وَمُجَاهِدَ بنَ مُوْسَى، وَتَمِيْمَ بنَ المُنْتَصِر، والحسن بن عرفة، ومهنى ابن يَحْيَى، وَعَلِيَّ بنَ سَهْل الرَّمْلِيّ، وَهَارُوْنَ بنَ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيّ، وَالعَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ العُذْرِيّ، وَسَعِيْدَ بنَ عَمْرٍو السَّكُوْنِيّ، وَأَحْمَدَ ابْنَ أَخِي ابْنِ وهب، وَمُحَمَّدَ بنَ مَعْمَر القَيْسِيّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيّ، وَنَصْرَ بنَ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ بَزِيع، وَصَالِحَ بنَ مِسْمَار المَرْوَزِيّ، وَسَعِيْدَ بنَ يَحْيَى الأُمَوِيّ، وَنَصْرَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْدِيّ، وَعَبْدَ الحمِيدِ بنَ بيَان السُّكَّرِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي سُرَيْج الرَّازِيّ، وَالحَسَنَ بنَ الصَّبَّاحِ البَزَّار، وَأَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْث، وَأُمَماً سِوَاهُم.
وَاستقرَّ فِي أَوَاخِرِ أَمره بِبَغْدَادَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الاجْتِهَاد.
حَدَّثَ عَنْهُ: أبي شُعَيْبٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَرَّانِيُّ -وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ- وَأبي القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي، وَأبي بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَأبي أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَمخلدُ بنُ جَعْفَرٍ البَاقَرْحِي، وَالقَاضِي أبي مُحَمَّدٍ بنُ زَبْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ الخَشَّاب، وَأبي عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْدَانُ، وَأبي جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الكَاتِب، وَعَبْدُ الغَفَّار بنُ عَبيدِ اللهِ الحُضَيْنِي، وَأبي المُفَضَّل مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيّ، وَالمُعَلَّى بنُ سَعِيْدٍ وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أبي أبي سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ مِنْ أَهْلِ آمُل، كتبَ بِمِصْرَ، وَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ تَصَانِيْف حسنَةً تَدُلُّ عَلَى سَعَة عِلْمِهِ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ بنِ يَزِيْدَ بنِ كَثِيْرِ بنِ غَالِب: كَانَ أَحَدُ أَئِمَّةِ العُلَمَاء يُحكم بِقَوله، وَيُرجع إِلَى رأَيهِ لِمَعْرِفَتِهِ وَفَضْله، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ مِنَ الْعُلُوم مَا لَمْ يُشَارِكْهُ فِيْهِ أَحَد مِنْ أَهْلِ عَصْره، فَكَانَ حَافِظاً لكتَاب الله، عَارِفاً بِالقِرَاءات، بَصِيْراً بِالمَعَانِي، فَقِيْهاً فِي أَحْكَام القُرْآن، عَالِماً بِالسُّنَنِ وَطُرُقِهَا، صَحيحِهَا وَسَقيمِهَا، وَنَاسِخِهَا وَمَنْسوخِهَا، عَارِفاً بِأَقوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِيْنَ، عَارِفاً بِأَيَّام النَّاس وَأَخْبَارهم، وله الكتاب المشهور في "أَخْبَار الأُمَم وَتَارِيْخهِم" وَلَهُ كِتَاب "التَّفْسِيْر" لَمْ يصَنّف مثلُه، وَكِتَاب سَمَّاهُ "تَهْذِيْب الآثَار" لَمْ أَرَ سِوَاهُ فِي مَعْنَاهُ، لَكِن لَمْ يُتِمَّه، وَلَهُ فِي أُصُوْل الفِقْه وَفُرُوْعه كتبٌ كَثِيْرَةٌ مِنْ أَقَاويل الفُقَهَاء، وَتَفَرَّدَ بِمَسَائِلَ حُفِظَت عَنْهُ.
قُلْتُ: كَانَ ثِقَةً، صَادِقاً، حَافِظاً، رَأْساً فِي التَّفْسِيْر، إِمَاماً فِي الفِقْه، وَالإِجْمَاع وَالاخْتِلاَف، عَلاَّمَةٌ فِي التَّارِيْخ وَأَيَّام النَّاس، عَارِفاً بِالقِرَاءات وَبَاللُّغَة، وَغَيْر ذَلِكَ.
قَرَأَ القُرْآنَ بِبَيْرُوْت عَلَى العَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ.
ذَكَرَ أبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الفرغَانِيّ: أَنَّ مَوْلِدُهُ بآمل.

وَقِيْلَ: إِنَّ المُكْتَفِي أَرَادَ أَنْ يحبِّسَ وَقفاً تجتمعُ عَلَيْهِ أَقَاويلُ العُلَمَاء، فَأَحضر لَهُ ابْن جَرِيْرٍ، فَأَملَى عَلَيْهِم كِتَاباً لِذَلِكَ، فَأُخْرَجت لَهُ جَائِزَة، فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولهَا، فَقِيْلَ لَهُ: لاَ بُدَّ مِنْ قَضَاء حَاجَة، قَالَ: أسأَلُ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يمْنَع السُّؤال يَوْم الجُمُعَة، فَفَعَل ذَلِكَ.
وَكَذَا التمسَ مِنْهُ الوَزِيْرُ أَنْ يعملَ لَهُ كِتَاباً فِي الفِقْه، فَأَلَّف لَهُ كِتَاب "الخَفِيْف" فَوجَّه إِلَيْهِ بِأَلفِ دِيْنَار، فَرَدَّهَا.
الخَطِيْب: حَدَّثَنِي أبي الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عبيدِ اللهِ الشِّيرَازيُّ الخَرْجُوشِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْر الشِّيرَازِي، سمعت محمد ابن أَحْمَدَ الصحَّاف السِّجِسْتَانِيّ، سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ البَكْرِيَّ يَقُوْلُ: جَمعتِ الرِّحلَةُ بَيْنَ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَابْن خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الرُّويَانِي بِمِصْرَ، فَأَرملُوا وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُم مَا يقُوتُهُم، وَأَضَرَّ بِهِم الْجُوع، فَاجْتَمَعُوا لَيْلَةً فِي مَنْزِلٍ كَانُوا يَأْوونَ إِلَيْهِ، فَاتَّفَقَ رأَيُهُم عَلَى أَنْ يَسْتَهمُوا وَيضربُوا القُرْعَة، فَمَنْ خَرجتْ عَلَيْهِ القُرعَةُ سَأَلَ لأَصْحَابِهِ الطَّعَام، فَخَرَجت القرعَة عَلَى ابْنِ خُزَيْمَة، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَمْهِلونِي حَتَّى أُصَلِّي صَلاَة الخِيرَة، قَالَ: فَاندفعَ فِي الصَّلاَةِ، فَإِذَا هُم بِالشُّموع وَخَصِيٍّ مِنْ قَبْل وَالِي مِصْر يَدَقُّ البَاب، فَفَتَحُوا، فَقَالَ: أَيُّكُم مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ؟ فَقِيْلَ: هُوَ ذَا، فَأَخْرَجَ صرَّةً فِيْهَا خَمْسُوْنَ دِيْنَاراً، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَيُّكُم مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ؟ فَأَعطَاهُ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَكَذَلِكَ للرُّويَانِي، وَابْن خُزَيْمَةَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ كَانَ قَائِلاً بِالأَمس، فَرَأَى فِي المَنَامِ أَنَّ المَحَامِدَ جِيَاعٌ قَدْ طَوَوْا كَشْحَهُم، فَأَنفذَ إِلَيْكُم هَذِهِ الصُّرَرَ، وَأَقسَمَ عَلَيْكُم: إِذَا نفذت، فَابْعَثُوا إِلَيَّ أَحَدَكُم.
وَقَالَ أبي مُحَمَّدٍ الفرغَانِيُّ فِي "ذيل تَارِيْخه" عَلَى "تَارِيْخ الطَّبَرِي"، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي عَلِيٍّ هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَاد، وَكَانَتْ مَعَهُ بِضَاعَةٌ يتقوَّتُ مِنْهَا، فَسرقت فَأَفضَى بِهِ الحَالُ إِلَى بيعِ ثِيَابِهِ وَكُمَّي قَمِيصِهِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصدقَائِه: تنشَطُ لتَأَدِيْب بَعْضِ وَلد الوَزِيْر أَبِي الحَسَنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ خَاقَان؟ قَالَ: نَعَمْ، فَمَضَى الرَّجُل، فَأَحكَمَ لَهُ أَمره، وَعَاد فَأَوصَلَه إِلَى الوَزِيْرِ بَعْدَ أَنْ أَعَاره مَا يلبَسُهُ، فَقرَّبه الوَزِيْر وَرفعَ مَجْلِسه، وَأَجرَى عَلَيْهِ عَشْرَة دَنَانِيْر فِي الشَّهْرِ، فَاشترطَ عَلَيْهِ أَوقَاتَ طلبه لِلْعِلم وَالصَّلوَات وَالرَّاحَة، وَسأَل إِسلافَهُ رِزْقَ شَهْر، فَفَعَل، وَأدخل فِي حُجْرَة التَّأَدِيْب، وَخَرَجَ إِلَيْهِ الصَّبيّ -وَهُوَ أبي يَحْيَى- فَلَمَّا كتَّبه أَخَذَ الخَادِمُ اللَّوْحَ، وَدخلُوا مُسْتَبْشِرين، فَلَمْ تبقَ جَارِيَةٌ إلَّا أَهدتْ إِلَيْهِ صينيةٌ فِيْهَا درَاهُمُ وَدنَانير، فردَّ الجَمِيْع وَقَالَ: قَدْ شُورطتُ عَلَى شَيْءٍ، فَلاَ آخُذُ سِوَاهُ، فَدَرَى الوَزِيْر ذَلِكَ، فَأدخلته إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هَؤُلاَءِ عبيدٌ وَهُم لاَ يملكُون فعظُم ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ.
وَكَانَ رُبَّمَا أَهدَى إِلَيْهِ بَعْضُ أَصدقَائِه الشَّيْءَ فيَقْبله، وَيكَافِئُهُ أَضعَافاً لِعِظَمِ مُروءته.

قَالَ الفَرغَانِي: وَكَتَبَ إِلَيَّ المرَاغِي يَذْكُرُ أَنَّ المُكْتَفِي قَالَ لِلْوَزِيْرِ: أُرِيْدُ أَنْ أَقفَ وَقفاً، فَذَكَرَ القِصَّةَ وَزَاد: فردَّ الأَلفَ عَلَى الوَزِيْرِ وَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَقِيْلَ لَهُ: تصدَّق بِهَا، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَالَ: أَنْتُم أَوْلَى بِأَمْوَالكُم وَأَعرَفُ بِمَنْ تصدَّقُوْنَ عَلَيْهِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عبيدِ اللهِ اللُّغَوِيَّ يَحْكِي: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ جَرِيْر مكثَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَكْتُبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا أَرْبَعِيْنَ وَرقَة.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَبلغَنِي عَنْ أَبِي حَامِد أَحْمَدَ بنِ أَبِي طَاهِرٍ الإِسْفَرَايينِيُّ الفَقِيْه أَنَّهُ، قَالَ: لَوْ سَافرَ رَجُلٌ إِلَى الصِّينِ حَتَّى يحصِّلَ تَفْسِيْرَ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ لَمْ يَكُنْ كَثِيْراً.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ حُسَيْنَك بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: أَوَّل مَا سَأَلَنِي ابْنُ خُزَيْمَةَ فَقَالَ لِي: كتبتَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبرِيّ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّه كَانَ لاَ يَظهر، وَكَانَتِ الحَنَابِلَةُ تمنعُ مِنَ الدُّخول عَلَيْهِ، قَالَ: بِئس مَا فَعَلْتَ، ليتَكَ لمْ تَكْتُبْ عَنْ كُلِّ مَنْ كتبتَ عَنْهُم وَسَمِعْتَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ بَالُويه يَقُوْلُ: قَالَ لِي: أبي بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَة: بَلَغَنِي أَنَّك كتبتَ التَّفْسِيْرَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ؟ قُلْتُ: بَلَى، كتبتُه عَنْهُ إِمْلاَءً، قَالَ: كُلّه؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فِي أَي سَنَة؟ قُلْتُ: مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ إِلَى سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، قَالَ: فَاسْتعَارَهُ مِنِّي أبي بَكْرٍ، ثُمَّ رَدَّهُ بَعْد سِنِيْنَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ نظرتُ فِيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِره، وَمَا أَعْلَمُ عَلَى أَديمِ الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ، وَلَقَدْ ظَلَمَتْهُ الحَنَابِلَة.
قَالَ أبي مُحَمَّدٍ الفَرْغَانِي: تَمَّ مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ كِتَاب "التَّفْسِيْر" الَّذِي لَوِ ادَّعَى عَالِمٌ أَنْ يصَنِّف مِنْهُ عَشْرَة كُتُبْ، كُلُّ كِتَابٍ مِنْهَا يَحْتوِي عَلَى عِلْمٍ مفرَد مستقصَىً لفعل. وَتَمَّ مِنْ كُتُبِهِ كِتَاب "التَّارِيْخ" إِلَى عصره، وَتمَّ أَيْضاً كِتَاب "تَارِيْخ الرِّجَال" مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، وَإِلَى شُيُوْخه الَّذِيْنَ لَقِيَهُم، وَتمَّ لَهُ كِتَاب "لطيف القَوْل فِي أَحْكَام شرَائِع الإِسْلاَم" وَهُوَ مَذْهَبُهُ الَّذِي اختَاره، وَجَوَّدَهُ، وَاحتجَّ لَهُ، وَهُوَ ثَلاَثَةٌ وَثَمَانُوْنَ كِتَاباً، وَتمَّ لَهُ كِتَاب "القرَاءات وَالتنَزِيْل وَالعدد"، وَتمَّ لَهُ كِتَاب "اخْتِلاَف عُلَمَاء الأَمصَار"، وَتم لَهُ كِتَاب "الخَفِيْف فِي أَحْكَام شرَائِع الإِسْلاَم" وَهُوَ مُخْتَصَر لطيف، وَتمَّ لَهُ كِتَاب "التبصير" وَهُوَ رسَالَةٌ إِلَى أَهْل طَبَرِسْتَان، يشرحُ فِيْهَا مَا تقلَّده مِنْ أُصُوْل الدِّيْنِ، وَابتدأَ بِتَصْنِيف كِتَاب "تَهْذِيْب الآثَار" وَهُوَ مِنْ عجَائِب كتبه، ابْتِدَاء بِمَا أَسنده الصِّدِّيقُ مِمَّا صَحَّ عِنْدَهُ سَنَدُهُ، وَتكلَّم عَلَى كُلِّ حَدِيْثٍ مِنْهُ بِعِلَلِهِ وَطُرُقه، ثُمَّ فِقْهه، وَاخْتِلاَف العُلَمَاء وَحججهُم، وَمَا فِيْهِ مِنَ المَعَانِي وَالغَريب، وَالرَّدّ عَلَى المُلْحِدين، فَتَمَّ مِنْهُ مسندُ العشرَةِ وَأَهْل البَيْت وَالموَالِي، وَبَعْض "مُسْند ابْن عَبَّاسٍ"، فَمَاتَ قبل تمامه.

قُلْتُ: هَذَا لَوْ تمَّ لكَانَ يَجِيْءُ فِي مائَة مُجَلَّد.
قَالَ: وَابتدأَ بِكِتَابه "البَسيط" فَخَرَجَ مِنْهُ كِتَاب "الطهَارَة" فَجَاءَ فِي نَحْوٍ مِنْ أَلفٍ وَخَمْسِ مائَة وَرقَة، لأَنَّه ذكرَ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْهُ اخْتِلاَفَ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِيْنَ، وَحجَّة كُلِّ قَوْل، وَخَرَجَ مِنْهُ أَيْضاً أَكْثَر كِتَاب الصَّلاَة، وَخَرَجَ مِنْهُ آدَاب الْحُكَّام، وَكِتَاب "المحَاضِر وَالسجلاَت"، وَكِتَاب "تَرْتِيْب العُلَمَاء" وَهُوَ مِنْ كتبه النفيسَة، ابتدأَه بآدَاب النُّفُوْسِ وَأَقوَال الصُّوْفِيَّة، وَلَمْ يُتِمَّه، وَكِتَاب "المنَاسك"، وَكِتَاب "شَرْح السُّنَّة" وَهُوَ لطيف، بَيَّنَ فِيْهِ مذهَبَه وَاعْتِقَادَه، وَكِتَابه "المُسْنَد" المخرَّج، يَأْتِي فِيْهِ عَلَى جَمِيْعِ مَا رَوَاهُ الصَّحَابِيُّ مِنْ صَحِيْحٍ وَسقيمٍ، وَلَمْ يُتِمَّه، وَلَمَّا بلغه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي دَاوُدَ تَكَلَّمَ فِي حَدِيْث غَدِيْر خُمّ1، عَمل كِتَاب "الفَضَائِل" فَبدأَ بِفضل أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَر، وَتكلَّم عَلَى تَصْحِيْحِ حَدِيْث غَدِير خُمّ، وَاحتجَّ لِتَصْحِيْحِهِ، وَلَمْ يتمَّ الكِتَاب.
وَكَانَ مِمَّنْ لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لومَةُ لاَئِم مَعَ عَظِيْم مَا يلحَقُه مِنَ الأَذَى وَالشَّنَاعَات، مِنْ جَاهِل، وَحَاسد، وَمُلحد، فَأَمَّا أَهْلُ الدِّين وَالعِلْم، فغيرُ منكرينَ علمَه، وَزهدَه فِي الدُّنْيَا، وَرفضَهُ لَهَا، وَقنَاعته -رَحِمَهُ اللهُ- بِمَا كَانَ يردُ عَلَيْهِ مِنْ حصَّةٍ مِنْ ضَيعَةٍ خلَّفهَا لَهُ أبيهُ بطَبَرِسْتَان يَسِيْرَة.
وَحَدَّثَنِي هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: قَالَ أبي جَعْفَرٍ: اسْتخرتُ اللهَ وَسأَلتهُ العُوْنَ عَلَى مَا نويتُهُ مِنْ تصنيفِ التَّفْسِيْر قَبْلَ أَنْ أَعْمَلَهُ ثَلاَث سِنِيْنَ، فَأَعَاننِي.
القَاضِي أبي عَبْدِ اللهِ القُضَاعِي: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ بن الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا أبي عُمَرَ عبيدُ الله بن أحمد السمسار، وأبي القاسم ابن عَقِيْلٍ الوَرَّاق: أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّبرِيَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: هَلْ تَنْشَطُوْنَ لتَارِيْخِ العَالَمْ مِنْ آدم إِلَى وَقْتِنَا؟ قَالُوا: كم قدرُه؟ فَذكر نَحْو ثَلاَثِيْنَ أَلفِ وَرقَة فَقَالُوا: هَذَا مِمَّا تَفْنَى الأَعْمَارُ قَبْل تمَامِه! فَقَالَ: إِنَّا للهِ! مَاتَتِ الهِمَم، فَاختصرَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ ثَلاَثَةِ آلاَفِ وَرقَة، وَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يُمْلِي التَّفْسِيْرَ قَالَ لَهُم نَحْواً مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَملاَهُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ قدر "التَّارِيْخ".
قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: أَرْبَعَةٌ كُنْتُ أُحِبُّ بَقَاءهُم: أبي جَعْفَرٍ بنُ جَرِيْرٍ، وَالبَرْبَرِي، وَأبي عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَالمَعْمَرِيُّ، فَمَا رَأَيْتُ أفهم منهم ولا أحفظ.
قَالَ الفَرغَانِي: وَحَدَّثَنِي هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْز: قَالَ لِي أبي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيّ: أَظهرتُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيّ، وَاقتديتُ بِهِ بِبَغْدَادَ عشرَ سِنِيْنَ، وَتلقَّاهُ مني ابن بشار الأحول أستاذ بن سُرَيْج. قَالَ هَارُوْنُ: فَلَمَّا اتَّسَعَ علمُه أَدَّاهُ اجْتِهَادُه وَبحثُه إِلَى مَا اختَارَهُ فِي كُتُبِهِ.
قَالَ الفرغَانِي: وَكَتَبَ إِلَيَّ المرَاغِي، قَالَ: لَمَّا تقلَّد الخَاقَانِيُّ الوِزَارَةَ وَجَّهَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِي بِمَالٍ كَثِيْرٍ، فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُوله، فَعَرض عَلَيْهِ القَضَاء فَامْتَنَعَ، فَعَرض عَلَيْهِ المَظَالِم فَأَبَى، فَعَاتبه أَصْحَابه وَقَالُوا: لَكَ فِي هَذَا ثَوَاب، وَتُحْيِي سُنَّةً قَدْ دَرَسَتْ. وَطمعُوا فِي قَبُوله المَظَالِم، فَبَاكروهُ لِيَرْكَبَ مَعَهُم لقبُول ذَلِكَ، فَانتَهَرَهُم وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي لَوْ رغبتُ فِي ذَلِكَ لَنَهَيْتُمُونِي عَنْهُ. قَالَ: فَانْصَرَفْنَا خَجِلين.
أبي الفَتْح بنُ أَبِي الفَوَارِس: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَهْلِ ابْنِ الإِمَامِ -صَاحِبِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ جَرِيْر وَهُوَ يُكَلِّم ابْنَ صَالِحٍ الأَعْلَم، وَجرَى ذكر عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثُمَّ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: مَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعمر ليسَا بِإِمَامِي هدَىً، أَيش هُوَ؟ قَالَ: مبتَدع. فَقَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ إِنكَاراً عَلَيْهِ: مُبْتَدِعٌ مُبْتَدِعٌ! هَذَا يُقْتَل.
وَقَالَ مخلدُ البَاقَرحِي: أَنشدنَا مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ لِنَفْسِهِ:
إِذَا أَعْسَرْتُ لَمْ يعلم رفيقي ... أستغني فَيَسْتَغْنِي صَدِيْقِي
حَيَائِي حَافِظٌ لِي مَاءَ وَجْهِي ... وَرِفْقِي فِي مُطَالَبَتِي رَفِيْقِي
وَلَوْ أَنِّي سَمَحْتُ بماء وجهي ... لكنت إلى العلا سَهْلَ الطَّرِيْقِ
وَله:
خُلْقَانِ لاَ أَرْضَى فَعَالَهُمَا ... بَطَرُ الغِنَى وَمَذَلَّةُ الفَقْرِ
فَإِذَا غَنِيْتَ فَلاَ تَكُنْ بَطِراً ... وَإِذَا افْتَقَرْتَ فَتِهْ عَلَى الدَّهْرِ
قَالَ أبي مُحَمَّدٍ الفَرْغَانِي: حَدَّثَنِي أبي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ وَقتُ صَلاَة الظُّهر مَنْ يَوْم الاثْنَيْنِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيْهِ -فِي آخِره- ابْنُ جَرِيْرٍ طلبَ مَاءً لِيُجَدِّدَ وُضوءهُ، فَقِيْلَ لَهُ: تُؤخِّر الظُّهر تجمع بينهَا وَبَيْنَ العَصْر. فَأَبَى وَصَلَّى الظُّهر مفردَة، وَالعصرَ فِي وَقتهَا أَتمَّ صَلاَة وَأَحسَنَهَا.
وحضرَ وَقتَ مَوْتِه جَمَاعَةٌ مِنْهُم: أبي بَكْرٍ بنُ كَامِلٍ فَقِيْلَ لَهُ قَبْلَ خُرُوْج روحه: يَا أَبَا جَعْفَرٍ! أَنْتَ الحجَّة فِيْمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الله فِيْمَا نَدِينُ بِهِ، فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ توصينَا بِهِ مِنْ أَمر دِيْنِنَا، وَبيِّنَةٍ لَنَا نَرْجُو بِهَا السَّلاَمَة فِي مَعَادِنَا؟ فَقَالَ: الَّذِي أَدينُ اللهَ بِهِ وَأَوصِيْكُم هُوَ مَا ثَبَّتُّ فِي كُتُبِي، فَاعمَلُوا بِهِ وَعَلَيْهِ. وَكَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ، وَأَكْثَرَ مِنَ التشهّد وَذَكَرَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- وَمسحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَغَمَّضَ بصَرَهُ بِيَدِهِ، وَبَسَطَهَا وَقَدْ فَارقَتْ روحُهُ الدُّنْيَا.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَرَحَلَ مِنْ آمُل لمَّا تَرَعْرَعَ وَحفِظَ القُرْآن، وَسمحَ لَهُ أبيهُ فِي أَسفَاره، وَكَانَ طول حيَاتِهِ يمدُّه بِالشَّيْءِ بعد الشَّيْءِ إِلَى البلدَان، فيقتَات بِهِ، وَيَقُوْلُ فِيْمَا سَمِعْتُه: أَبطأَتْ عَنِّي نفقَةُ وَالدِي، وَاضطُرِرْتُ إِلَى أَنْ فتقتُ كُمَّيْ قَمِيصي فَبِعْتُهُمَا.
قُلْتُ: جمع طرق حَدِيْث: غَدِيْر خُمّ، فِي أَرْبَعَةِ أَجزَاء، رَأَيْتُ شَطْرَهُ، فَبهَرَنِي سَعَةُ رِوَايَاته، وَجزمتُ بِوُقُوع ذَلِكَ.
قيل لاِبْنِ جَرِيْرٍ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي دَاوُدَ يُمْلِي فِي مَنَاقِب عليّ. فَقَالَ: تكبيرَة مِنْ حَارس. وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَ ابْنِ جَرِيْرٍ وَبَيْنَ ابْن أَبِي دَاوُدَ. وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لاَ يُنْصِفُ الآخر. وَكَانَتِ الحَنَابِلَةُ حزبَ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ. فكَثُرُوا وَشَغَّبُوا عَلَى ابْنِ جَرِيْرٍ. وَنَاله أَذَىً، وَلَزِمَ بيتَه، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الهوَى.
وَكَانَ ابْنُ جَرِيْرٍ مِنْ رِجَال الكَمَال، وَشُنِّعَ عَلَيْهِ بِيَسِيْر تشيُّع، وَمَا رأَينَا إلَّا الخَيْر، وَبَعْضُهُم ينْقل عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُجِيز مسحَ الرِّجْلَيْن فِي الْوضُوء، وَلَمْ نَرَ ذَلِكَ فِي كُتُبِه.
وَلأَبِي جَعْفَرٍ فِي تآلِيفه عبارَةٌ وَبلاغَة، فَمِمَّا قَاله فِي كِتَاب "الآدَاب النفيسَة وَالأَخلاَق الحمِيدَة": القَوْلُ فِي البيَان عَنِ الحَال الَّذِي يَجِبُ عَلَى العَبْد مرَاعَاةُ حَاله فِيْمَا يَصْدُرُ مِنْ عَمَله للهِ عَنْ نَفْسِه، قَالَ: إِنَّهُ لاَ حَالَةَ مِنْ أَحْوَال المُؤْمِن يَغْفُلُ عدُوُّهُ المُوكلُ بِهِ عَنْ دُعَائِه إِلَى سَبِيلهُ، وَالقُعُود لَهُ رَصَداً بِطرق رَبِّهِ المُسْتقيمَة، صَادّاً لَهُ عَنْهَا، كَمَا قَالَ لربِّه -عزَّ ذِكْرُهُ- إِذْ جَعَلَهُ مِنَ المُنْظَرين: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِم} [الأَعرَاف: 16-17] طَمَعاً مِنْهُ فِي تَصْدِيْقِ ظَنَّهِ عَلَيْهِ إِذْ قَالَ: لربه: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإِسرَاء: 62] ، فَحَقٌ عَلَى كُلِّ ذِي حِجَىً أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي تَكْذِيب ظَنَّهِ، وَتَخْييْبِهِ مِنْهُ أَمَلَهُ وَسَعْيِهِ فِيْمَا أَرْغَمَهُ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ فِعل العَبْد أَبلغُ فِي مكروهِهِ مِنْ طَاعته رَبّهُ، وَعِصْيَانِهِ أَمرَه، وَلاَ شَيْءَ أَسَرُّ إِلَيْهِ مِنْ عِصْيَانِهِ رَبّهُ، وَاتِّبَاعِه أَمرَه.
فَكلامُ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ هَذَا النَّمط، وَهُوَ كَثِيْرٌ مُفِيْد.
وَقَدْ حَكَى أبي عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ فِي "النشوَار" لَهُ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ منجو القَائِد قَالَ: حَدَّثَنِي غُلاَمٌ لاِبْنِ المزوّق، قَالَ: اشْتَرَى مَوْلاَيَ جَارِيَة، فَزَوَّجَنِيْهَا فَأَحْبَبْتُهَا وَأَبْغَضَتْنِي حَتَّى ضَجِرْتُ، فَقُلْتُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقُ ثَلاَثاً، لاَ تُخَاطِبِيْنِي بِشَيْءٍ إلَّا قُلْتُ لَكِ مثلَه، فَكَم أَحتملُكِ؟ فَقَالَتْ فِي الحَال: أَنْتَ طَالِقٌ ثَلاَثاً فَأُبْلِسْتُ، فَدُلِلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ، فَقَالَ لِي: أَقِمْ مَعَهَا بَعْدَ أَنْ تَقُولُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثلاثًا إن طلقتك. فاستحسن هذا الجواب. وذكر شَيْخُ الحَنَابِلَة ابْنُ عَقِيْلٍ، وَقَالَ: وَلَهُ جَوَابٌ آخر: أن يقولها كَقَوْلِها سوَاء: أَنْتَ طَالِقٌ ثَلاَثاً -بِفَتْح التَّاء- فلا يحنث. وقال أبي الفرج بن الجَوْزِيِّ: وَمَا كَانَ يلزمُهُ أَنْ يَقُوْلَ لَهَا ذَاكَ عَلَى الْفَوْر، فَلَهُ التَّمَادِي إِلَى قَبْلِ المَوْت.
قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً، وَقَصَدَ الاسْتفهَام أَوْ عَنَى أَنَّهَا طَالِقٌ مِنْ وَثَاق، أَوْ عَنَى الطَّلْقَ لَمْ يَقَعْ طلاَقٌ فِي بَاطِن الأَمْر.
وَله جَوَابٌ آخر عَلَى قَاعدَة مُرَاعَاة سَبَب اليَمِين وَنيَّة الحَالف، فَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُوْلَ لَهَا مَا قَالَتْهُ، إِذْ مِنَ المَعْلُوْم بِقَرِيْنَةِ الحَال اسْتثنَاءُ ذَلِكَ قطعاً، لأَنَّه مَا قَصَدَ إلَّا أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ لَهُ مَا يُؤذيه أَنْ يُؤذيهَا بِمِثْلِهِ، وَلَوْ جَاوبهَا بِالطَّلاَقِ لَسُرَّتْ هِيَ، وَلتَأَذَّى هُوَ، كَمَا اسْتُثْنِي مِنْ عُموم قَوْله تَعَالَى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْء} [النَّمْل: 23] ، بقرينَة الحَال أَنَّهَا لم تؤت لحية ولا إِحليلاً. وَمِنَ المَعْلُوْم اسْتثنَاؤُهُ بِالضَّرورَة الَّتِي لَمْ يَقْصِدْهَا الحَالفُ قَطُّ لَوْ حلف: لاَ تقولِي لِي شَيْئاً إلَّا قُلْتُ لَكِ مثلَه، أَنَّهَا لَوْ كَفَرَتْ وَسَبَّتِ الأَنْبِيَاءَ فَلَمْ يُجَاوِبْهَا بِمثلِ ذَلِكَ لأَحسنَ.
ثمَّ يَقُوْلُ طَائِفَةٌ مِنَ الفُقَهَاء: إِنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُوْنَ -وَالعيَاذُ بِاللهِ- قَصَدَ دُخُوْلَ ذَلِكَ فِي يمِينِهِ.
وَأَمَّا عَلَى مَذْهَب دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، وَابْنِ حَزْمٍ، وَالشِّيْعَة، وَغَيْرهم، فَلاَ شَيْء عَلَيْهِ، وَرأَوا الحلفَ وَالأَيْمَان بِالطَّلاَق مِنْ أَيْمَان اللَّغْوِ، وَأَنَّ اليَمِين لاَ تنعقدُ إلَّا بِاللهِ.
وذهبَ إِمَامٌ فِي زَمَانِنَا إِلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى حضٍّ أَوْ مَنْعٍ بِالطَّلاَق، أَوِ العِتَاق، أَوِ الحَجِّ وَنحو ذَلِكَ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يمِين، وَلاَ طلاَقَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ فِي كِتَاب "التبصير فِي معَالِم الدِّيْنِ": القَوْل فِيْمَا أُدْرِكَ علمُهُ مِنَ الصِّفَات خَبراً، وَذَلِكَ نَحْو إِخبارِهِ تَعَالَى أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيْرٌ، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِقَوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المَائِدَة: 64] ، وَأَنَّ لَهُ وَجْهاً بِقَوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك} [الرَّحْمَن: 27] ، وَأَنَّهُ يَضْحَكُ بِقَوله فِي الحَدِيْثِ: "لَقِيَ اللهَ وَهُوَ يَضْحَكُ إِلَيْهِ"، وَ "أَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى سمَاء الدُّنْيَا" لخبر رسوله بذلك، وقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ: "مَا مِنْ قَلْبٍ إلَّا وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَن" 1 ... إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِنَّ هَذِهِ المَعَانِي الَّتِي وُصفت وَنظَائِرهَا مِمَّا وَصَفَ اللهُ نَفْسهُ وَرَسُوْلُه مَا لاَ يَثْبُتُ حَقِيْقَةُ عِلْمِهِ بِالفِكر وَالرَّويَّة، لاَ نُكَفِّرُ بِالجَهْل بِهَا أَحَداً إلَّا بَعْد انتهَائِهَا إِلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ: أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمنَاء الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أبي القَاسِمِ الأَسَدِيّ، أَخْبَرَنَا أبي القَاسِمِ بنُ أَبِي العَلاَءِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي سَعِيْدٍ الدِّيْنَوَرِيُّ مُسْتَمْلِي ابْنِ جَرِيْرٍ، أَخْبَرَنَا أبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ بِعَقِيدَتِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ: وَحَسْبُ امرِئٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رَبّهُ هُوَ الَّذِي عَلَى الْعَرْش اسْتوَى، فَمَنْ تجَاوَزَ ذَلِكَ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ. وَهَذَا "تَفْسِيْر" هَذَا الإِمَام مشحونٌ فِي آيَات الصِّفَاتِ بِأَقوَالِ السَّلَفِ عَلَى الإِثْبَات لَهَا، لاَ عَلَى النَّفِي وَالتَّأْوِيْل، وَأَنَّهَا لاَ تُشْبِهُ صِفَاتِ المَخْلُوْقينَ أَبَداً.
أَخْبَرَنَا أبي الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا المُسْلِمُ بنُ أَحْمَدَ المَازِنِيّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ بِبَعْلَبَكَّ سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَة، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي بَكْرٍ الحَافِظ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ هِبَةِ اللهِ بنِ الحَسَنِ الأَدِيْب لاِبْنِ دُرَيْد. قُلْتُ: يَرْثِي ابْنَ جَرِيْر:
لَنْ تَسْتَطِيْعَ لأَمْرِ اللهِ تَعْقِيْبَا ... فَاسْتَنْجِدِ الصَّبْرَ أَوْ فَاسْتَشْعِرِ الحُوْبَا
وَافْزَعْ إِلَى كَنَفِ التَّسْلِيم وَارْضَ بِمَا ... قَضَى المُهَيْمِنُ مَكْرُوْهَا وَمَحْبُوبَا
إِنَّ الرزية لا وفر تزعزعه ... أيدي الحوادث تشتيتًا وتشذيبا
وَلاَ تفرُّق أُلاَّفٍ يَفُوْتُ بِهِم ... بَيْنٌ يُغَادِرُ حَبْلَ الوَصْلِ مَقْضُوبَا
لَكِنَّ فِقْدَانَ مَنْ أَضحَى بِمَصْرَعِهِ ... نُوْرُ الهُدَى وَبهَاءُ العِلْمِ مَسْلُوْبَا
إِنَّ المنيَّةَ لَمْ تُتْلِفْ بِهِ رَجُلاً ... بَلْ أَتْلَفَتْ عَلَماً لِلدِّيْنِ مَنْصُوبَا
أَهْدَى الرَّدَى للثَّرَى إِذْ نَالَ مُهْجَتَهُ ... نَجْماً عَلَى مَنْ يُعَادِي الحَقَّ مَصْبُوبَا
كَانَ الزَّمَانُ بِهِ تَصْفُو مَشَارِبُهُ ... فَالآنَ أَصْبَحَ بِالتَّكْدِيْرِ مَقْطُوبَا
كَلاَّ وَأَيَّامُهُ الغُرُّ الَّتِي جَعَلَتْ ... لِلْعِلْمِ نُوْراً وَلِلتَّقْوَى مَحَارِيْبَا
لاَ يَنْسَرِي الدَّهْرُ عَنْ شِبْهٍ لَهُ أَبَداً ... مَا اسْتَوْقَفَ الحَجُّ بِالأَنصَابِ أُرْكُوبَا
إِذَا انتَضَى الرَّأْي فِي إِيضَاحِ مُشْكِلَةٍ ... أَعَادَ مَنْهَجَهَا المَطْمُوْسَ مَلْحُوبَا
لاَ يُوْلِجُ اللَّغْو وَالعَوْرَاء مَسْمَعَهُ ... وَلاَ يُقَارِفُ مَا يُغْشِيْهِ تَأْنِيْبَا
تَجْلُو مَوَاعِظُهُ رَيْنَ القُلُوبِ كَمَا ... يَجْلُو ضِيَاءَ سَنَا الصُّبْحِ الغَيَاهِيْبَا
لاَ يَأْمَنُ العَجْزَ وَالتَّقْصِيْرَ مَادِحُهُ ... وَلاَ يَخَافُ عَلَى الإِطنَابِ تكذيبا

وَدَّتْ بِقَاعُ بِلاَدِ اللهِ لَوْ جُعِلَتْ ... قَبْراً لَهُ لَحَبَاهَا جِسْمُهُ طِيْبَا
كَانَتْ حَيَاتُكَ لِلدُّنْيَا وَسَاكِنِهَا ... نُوْراً فَأَصْبَحَ عَنْهَا النُّوْرُ مَحْجُوْبَا
لَوْ تَعْلَمُ الأَرْضُ مَنْ وَارَتْ لَقَدْ خَشَعَتْ ... أَقْطَارُهَا لَكَ إِجلاَلاً وَتَرْحِيْبَا
إِنْ يَنْدِبُوْكَ فَقَدْ ثُلَّتْ عُرُوْشُهُمُ ... وَأَصْبَحَ العِلْمُ مَرْثِياً وَمَنْدُوبَا
وَمِنْ أَعَاجِيْبِ مَا جَاءَ الزَّمَانُ بِهِ ... وَقَدْ يُبِيْنُ لَنَا الدهر الأعاجيبا
أَنْ قَدْ طَوَتْكَ غُمُوْضُ الأَرْضِ فِي لِحفٍ ... وَكُنْتَ تَمْلأُ مِنْهَا السَّهْلَ وَاللُّوبَا
قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: تُوُفِّيَ ابْنُ جَرِيْرٍ عَشِيَّة الأَحَدِ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ شَوَّال سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي دَارهِ بِرَحْبَةِ يَعْقُوْب -يَعْنِي: بِبَغْدَادَ. قَالَ: وَلَمْ يُغَيِّر شَيْبَه، وَكَانَ السَّوَادُ فِيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ أَسمر إِلَى الأُدْمَةِ، أَعْيَنَ، نَحِيْفَ الجِسْمِ، طَوِيْلاً، فَصِيْحاً، وَشَيَّعَهُ مَنْ لاَ يُحْصِيْهُم إلَّا اللهُ تَعَالَى، وصلَّى عَلَى قَبْره عِدَّة شهورٍ ليلاً وَنهَاراً إِلَى أَنْ قَالَ: وَرثَاهُ خلقٌ مِنَ الأَدباء وَأَهْل الدِّين، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل أَبِي سَعِيْدٍ بن الأَعْرَابِيّ:
حَدَثٌ مُفْظِعٌ وَخَطْبٌ جَلِيْلٌ ... دَقَّ عَنْ مِثْلِهِ اصْطِبَارُ الصَّبُورِ
قَامَ نَاعِي العُلُومِ أَجْمَعِ لمَّا ... قَامَ نَاعِي مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ

سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايمازالذهبي

 

 

محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أبو جعفر:
المؤرخ المفسر الإمام. ولد في آمل طبرستان، واستوطن بغداد وتوفي بها. وعرض عليه القضاء فامتنع، والمظالم فأبى.
له (أخبار الرسل والملوك - ط) يعرف بتاريخ الطبري، في 11 جزءا، و (جامع البيان في تفسير القرآن - ط) يعرف بتفسير الطبري، في 30 جزءا، و (اختلاف الفقهاء - ط) و (المسترشد) في علوم الدين، و (جزء في الاعتقاد - ط) و (القراآت) وغير ذلك. وهو من ثقات المؤرخين، قال ابن الأثير: أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ، وفي تفسيره ما يدل على علم غزير وتحقيق. وكان مجتهدا في أحكام الدين لا يقلد أحدا، بل قلده بعض الناس وعملوا بأقواله وآرائه. وكان أسمر، أعين، نحيف الجسم، فصيحا .

-الاعلام للزركلي-

أبو جعفر، محمدُ بنُ جريرِ بنِ يزيدَ بنِ خالد (ذكر الخطيب اسمه: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر الطبري، ولم يذكر: "خالد" حسب ما ذكر المؤلف في الكتاب نقلًا من "تاريخ بغداد" (ج 2 ص 621) (ترجمة 589).) الطبري، صاحب التفسير الكبير، والتاريخ الشهير.
كان إمامًا في فنون كثيرة، منها: التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، وغير ذلك، وله مصنفات مليحة في فنون عديدة تدل على سعة علمه وغزارة فضله.
وكان من الأئمة المجتهدين، لم يقلد أحدًا.
وكان أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني، المعروف بابن طرار على مذهبه، وكان ثقة في نقله. وتاريخُه أصح التواريخ وأثبتها.
وذكره الشيخ أبو إسحق الشيرازي في "طبقات الفقهاء" في جملة المجتهدين، ذكره سليم الخوري في "الآثار"، قال: ومن تصانيفه كتابُ في اختلاف العلماء، لم يذكر فيه أحمد بن حنبل، وقال: لم يكن أحمد فقيهًا، وإنما كان محدثًا.
ولذلك رموه بعدَ موته بالرفض، وله التاريخ المشهور، قال ابن الجوزي: بسط فيه الكلام على الوقائع بسطًا، وجعله مجلدات، وإن المشهور المتداول مختصر من الأصل، وإنه هو العمدة في هذا الفن، وللطبري كتاب في التفسير ذكره السيوطي في "الإتقان"، فقال: إنه أجلُّ التفاسير وأعظمُها؛ فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب والاستنباط، فهو يفوق بذلك تفاسير الأقدمين، انتهى.
وقال النووي: أجمعت الأمة على أنه لم يُصنف مثل "تفسير الطبري". وقال أبو حامد الإسفراييني: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له تفسير ابن جرير، لم يكن ذلك كثيرًا، وذكره ابن السبكي في "طبقاته"، انتهى.

ولد سنة 224 بآمل طبرستان، وتوفي سنة 310 ببغداد.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 توجد له ترجمة في كتاب : إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الحافظ أبي القاسم الطبراني- للمنصوري.