محمد بن عبد الله بن محمد المعافري أبي بكر

القاضي أبي بكر بن العربي

تاريخ الولادة468 هـ
تاريخ الوفاة543 هـ
العمر75 سنة
مكان الولادةإشبيلية - الأندلس
مكان الوفاةفاس - المغرب
أماكن الإقامة
  • إشبيلية - الأندلس
  • قرطبة - الأندلس
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • بغداد - العراق
  • فاس - المغرب
  • دمشق - سوريا
  • بيت المقدس - فلسطين
  • مصر - مصر

نبذة

محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، أبو بكر ابن العربيّ: قاض، من حفاظ الحديث. ولد في إشبيلية، ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين. وصنف كتبا في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ. وولي قضاء إشبيلية، ومات بقرب فاس، ودفن بها. قال ابن بشكوال: ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها.

الترجمة

محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، أبو بكر ابن العربيّ:
قاض، من حفاظ الحديث. ولد في إشبيلية، ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين. وصنف كتبا في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ. وولي قضاء إشبيلية، ومات بقرب فاس، ودفن بها. قال ابن بشكوال: ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها.
من كتبه (العواصم من القواصم - ط) جزان، و (عارضة الأحوذي في شرح الترمذي - - ط) و (أحكام القرآن - ط) مجلدان، و (القبس في شرح موطأ ابن أنس - خ) في الرباط (25 جلاوي) و (الناسخ والمنسوخ - خ) في القرويين (الرقم 80 / 72) و (المسالك على موطأ مالك - خ) جزء منه في القرويين، و (الإنصاف في مسائل الخلاف) عشرون مجلدا، و (أعيان الأعيان) و (المحصول) في أصول الفقه، و (كتاب المتكلمين) و (قانون التأويل - خ) جزآن منه، في التفسير. وهو غير محيي الدين ابن عربي.

-الاعلام للزركلي-

 

 القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد: المعروف بابن العربي الإشبيلي الإِمام الحافظ المتبحر خاتمة علماء الأندلس وحفاظها الجليل القدر الشهير الذكر شهرته تغني عن التعريف به، سمع أباه وخاله أبا القاسم الحسن الهوزني وأبا عبد الله السرقسطي وأبا عبد الله القليعي ورحل للمشرق مع أبيه سنة 485 هـ ولقي بالمهدية أبا الحسن بن الحداد الخولاني وقرأ عليه تآليفه والإمام المازري ولقي بالإسكندرية وغيرها من بلاد المشرق أبا بكر الطرطوشي، وتفقه عنده ومهدياً الوراق وأبا الحسن بن داود وأبا الحسن الخلعي وأبا الحسن بن شرف وأبا الفضل المقدسي وأبا سعيد الزنجاني وأبا محمد الطبري وأخذ عنهم وعن غيرهم مما هو كثير، وصحب أبا حامد الغزالي وانتفع به. أخذ عنه من لا يحصى كثرة منهم القاضي عياض وابن بشكوال وأبو جعفر بن الباذش وأبو عبد الله بن عبد الرحيم وأبو عبد الله بن خليل وأبو الحسن بن النعمة وأبو بكر بن خير وأبو القاسم بن حبيش والإمام السهيلي وأبو العباس الصقر وأبو الحسن بن عتيق وأبو القاسم الحوفي وأبو محمد الخراط وعالم من نمط هؤلاء الأجلاء وآخر من حدث عنه بالسماع أبو بكر بن حسون وبالإجازة أبو الحسن علي الغافقي السقوري، وبقي يفتي أربعين سنة، له تآليف تدل على غزارة علمه وفضله منها عارضة الأحوذي في شرح الترمذي والقبس في شرح موطأ مالك بن أنس وترتيب المسالك في شرح موطأ مالك وأحكام القرآن ومراقي الزلف وكتاب الخلافيات وكتاب المريدين وكتاب مشكل الكتاب والسنة والناسخ والمنسوخ وقانون التأويل وكتاب النيرين في الصحيحين وسراج المهتدين والأمل الأقصى في أسماء الله الحسنى والعقل الأكبر للقلب الأصغر وتبيين الصحيح في تعيين الذبيح والتوسط في معرفة صحة الاعتقاد والرد على من خالف السنة من ذوي البدع والإلحاد والإنصاف في مسائل الخلاف وشرح حديث جابر رضي الله عنه في الشفاعة وحديث أم زرع وشرح غريب الرسالة والمحصول في علم الأصول وكتاب العواصم من القواصم وترتيب الرحلة وفيه من الفوائد ما لا يوصف منها قال علماء الحديث: ما من رجل يطلب الحديث إلا كان على وجهه نضرة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها" الحديث. قال: وهذا دعاء منه عليه الصلاة والسلام لحامل علمه ولا بد بفضل من نيل بركته. ومنها أنشد بعض الصوفية: امتحن الله بذا خلقه ... فالنار والجنة في قبضته
فهجره أعظم من ناره ... ووصله أطيب من جنته
كان هو رئيس وفد إشبيلية الوافد على الأمير عبد المؤمن بن علي فقبل طاعتهم وانصرفوا بالجوائز والإقطاعات لجميع الوفد سنة 543 هـ وفيها توفي منصرفه من مراكش وحمل إلى فاس ودفن بباب المحروق وقبره هناك معروف متبرك به. مولده سنة 468 هـ،

وفي حاشية الشيخ الرهوني عند قول خليل وإدامة شطرنج حكايه سفره في البحر من المهدية إلى الإسكندرية وإليك نصها لما فيها من الفوائد. قال ابن غازي في تكميله ما نصه: ولما ذكر ابن العربي في قانون التأويل ركوبه البحر في رحلته من إفريقية قال: وقد سبق في علم الله أن يعظم علينا البحر بزوله ويفرقنا في هوله فخرجنا من البحر خروج الميت من القبر وانتهينا بعد خطب طويل إلى بيوت بني كعب من سليم ونحن من السغب على عطب ومن العري في أقبح زي قد قذف البحر زقاق زيت مزقت الحجارة هيئتها ودمست الأدهان وبرها وجلدتها فاختزمناها ايزاراً واشتملناها لففاً تمجنا الأبصار وتخذلنا الأنصار فعطف أميرهم علينا وأوينا إليه فآوانا وأطعمنا الله على يديه وسقانا وأكرم مثوانا وكسانا بأمر صغير ضعيف وفن من العلم ظريف، وشرحه: إنا لما وقفنا على بابه ألفيناه يدير أعوان الشاه فعل السامد اللاء فدنوت منه في تلك الأطمار وسمح لي ببيادقته إذ كنت من الصغر في حد يسمح فيه للأغمار ووقفت بإزائهم أنظر إلى تصرفهم من ورائهم إذ كان علق بنفسي بعض ذلك من بعض القرابة في خلس البطالة مع غلبة الصبوة والجهالة فقلت للبيادقة الأمير أعلم من صاحبه فلمحوني شزراً وعظمت في أعينهم بعد أن كنت نزراً، وتقدم للأمير من نقل إليه الكلام فاستدناني فدنوت منه وسألني هل لي بما هم فيه بصر؟ فقلت لي فيه بعض نظر سيبدو إليك ويظهر حرك تلك القطعة، ففعل

وعارضه صاحبه فأمرته أن يحرك أخرى وما زالت الحركات بينهم تترى حتى هزمهم الأمير وانقطع التدبير فقالوا ما أنت بصغير. وكان في أثناء الحركات قد ترنم ابن عم الأمير منشداً:
وأحلى الهوى ما شك في الوصل ربه ... وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتقى
فقال: لعن الله أبا الطيب أو يشك الرب. فقلت له في الحال ليس كما ظن صاحبك أيها الأمير إنما أراد بالرب هنا الصاحب يقول ألذ الهوى ما كان المحب فيه من الوصال وبلوغ الغرض من الآمال على ريب فهو في وقته كله بين رجاء لما يؤمله وتقاة لما يقطع به كما قال:
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
وأخذنا نضيف إلى ذلك من الأغراض في طرفي الأبرام والانتقاض ما حرك منهم إلى جهتي داعي الانتهاض وأقبلوا يتعجبون مني ويسألونني عن سنى ويستكشفونني عني فبقرت لهم حديثي وذكرت لهم نجيتي وأعلمت الأمير بأن أبي معي فاستدعاه وقمنا الثلاثة إلى مثواه فخلع علينا خلعه وأسبل علينا دمعه وجاء كل خوان بأفنان الألوان، ثم قال بعد المبالغة في وصف ما نالهم من إكرامه فانظر إلى هذا العلم الذي هو إلى الجهل أقرب من تلك الصبابة اليسيرة من الأدب كيف انقض من العطف وهذا الذكر يرشدكم إن عقلتم إلى المطلب وسرنا حتى انتهينا إلى ديار مصر اهـ. مختصراً. والزول العجب ونجيت المخبر ما ظهر من حديثه. يقال بدا نجيت القوم إذا ظهر سرهم الذي كانوا يخفونه. قالهما الجوهري.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف

 

 

أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد المشهور بابن العربي الإشبيلي حافظ الأندلس ومؤلفه الكبير، مولده سنة 468 هـ، رحل مع أبيه في طلب العلم إلى المشرق، سنة 485 هـ، ولقي بالمهدية عالمها الإمام المازري، وأخذ عنه كثيرًا وأثنى عليه في رحلته الثناء العطر، ثم طاف بلاد المشرق وصحب الإمام الغزالي وانتفع به وعاد إلى الأندلس، وأقرأ وألف كثيرًا وأفاد، وتوفي عام 543 هـ.

الكتاب: الإمام المازري - حَسن حُسني بن صالح الصُّمادحي التجيبي.

 

 

ابْن الْعَرَبِيّ الْعَلامَة الْحَافِظ القَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد الإشبيلي
ولد سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
ورحل إِلَى الْمشرق وَسمع من طراد الزَّيْنَبِي وَنصر بن البطر وَنصر الْمَقْدِسِي وَأبي الحسني الخلعي
وَتخرج بِأبي حَامِد الْغَزالِيّ وَأبي بكر الشَّاشِي وَأبي زَكَرِيَّا التبريزي
وَجمع وصنف وبرع فِي الْأَدَب والبلاغة وَبعد صيته وَكَانَ متبحراً فِي الْعلم ثاقب الذِّهْن موطأ الأكناف كريم الشَّمَائِل

ولي قَضَاء إشبيلية فَكَانَ ذَا شدَّة وسطوة ثمَّ عزل فَأقبل على التَّأْلِيف وَنشر الْعلم وَبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد
صنف فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول وعلوم الْقُرْآن وَالْأَدب والنحو والتاريخ مَاتَ بفاس فِي ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ القَاضِي، أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، ابْنُ العَرَبِيِّ الأَنْدَلُسِيّ الإِشْبِيْلِيّ المَالِكِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
سَأَله ابْن بَشْكُوَال عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ من خاله الحسن بن عمر الهزني وَطَائِفَة بِالأَنْدَلُسِ.
وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ كِبَارِ أَصْحَاب أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَزْم الظَّاهِرِي بِخلاَف ابْنه القَاضِي أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ منَافر لابْنِ حَزْم، مُحِطٌّ عَلَيْهِ بنَفْس ثَائِرَة.
ارْتَحَلَ مَعَ أَبِيْهِ، وَسَمِعَا بِبَغْدَادَ مِنْ طِرَاد بن مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ النِّعَالِيّ، وَأَبِي الخَطَّابِ ابْن البَطِرِ، وَجَعْفَر السَّرَّاج، وَابْن الطُّيُوْرِيّ، وَخَلْق، وَبِدِمَشْقَ مِنَ الفَقِيْه نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ الفُرَاتِ، وَطَائِفَة، وَببَيْت المَقْدِسِ مِنْ مَكِّيّ بن عَبْدِ السَّلاَمِ الرُّمَيْلِيّ، وَبِالحرم الشَّرِيْف مِنَ الحُسَيْن بن عَلِيٍّ الفَقِيْه الطَّبَرِيّ، وَبِمِصْرَ مِنَ القَاضِي أَبِي الحَسَنِ الخِلَعِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ دَاوُدَ الفَارِسِيّ وَغَيْرِهِمَا.
وَتَفَقَّهَ بِالإِمَام أَبِي حَامِد الغَزَّالِيّ، وَالفَقِيْه أبي بكر الشاشي، والعلامة الأَدِيْب أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيّ، وَجَمَاعَة.
وَذَكَرَ أَبُو القاسم بن عَسَاكِرَ أَنَّهُ سَمِعَ بِدِمَشْقَ أَيْضاً مِنْ أَبِي البركات ابن طَاوُوْسٍ، وَالشَّرِيْف النَسِيْب، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ عَبْد الرَّحْمَنِ بن صَابر، وَأَخُوْهُ، وَأَحْمَد بن سَلاَمَةَ الأَبَّار، وَرجع إِلَى الأَنْدَلُسِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَجَعَ إِلَى الأَنْدَلُسِ بَعْدَ أَنْ دفن أَبَاهُ فِي رحلته أَظُنّ بِبَيْتِ المَقْدِس وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ، وَفِي فُنُوْن العِلْم بَرَعَ، وَكَانَ فَصِيْحاً بَلِيْغاً خَطِيْباً.
صَنّف كِتَاب "عَارِضَةِ الأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ جَامِع أَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيِّ"، وَفسر القُرْآن الْمجِيد، فَأَتَى بِكُلِّ بَدِيْع، وَلَهُ كِتَاب "كَوْكَب الحَدِيْث وَالمسلسلاَت"، وَكِتَاب "الأَصْنَاف" فِي الفِقْه، وَكِتَاب "أُمَّهَات المَسَائِل"، وَكِتَاب "نُزْهَة النَّاظر"، وَكِتَاب "ستر العورَة"، وَ"المَحْصُوْل" فِي الأُصُوْل، وَ"حسم الدَّاء، فِي الكَلاَمِ عَلَى حديث السوداء"، كتاب في الرَّسَائِل وَغوَامض النَحْويين، وَكِتَاب "تَرْتِيْب الرّحلَة، لِلتَّرغِيب فِي المِلَّة"، وَ"الفِقْه الأَصْغَر المُعَلَّب الأَصْغَر"، وأشياء سوى ذلك لم نشاهدها.
وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَكَانَ رَئِيْساً مُحْتَشِماً، وَافر الأَمْوَال بِحَيْثُ أَنشَأَ عَلَى إِشْبِيْلِيَة سُوراً مِنْ مَالِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَحْمَدَ اليُوْسُفِيّ الحَافِظ، وَأَحْمَد بن خَلَفٍ الإِشْبِيْلِيّ القَاضِي، وَالحَسَن بن عَلِيٍّ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الخَثْعَمِي السُّهَيْلِي، وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَخَّارِ، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ بنِ سَعَادَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الكُتَامِيّ، وَمُحَمَّد بن جَابِرٍ الثَّعْلَبِيّ، وَنَجَبَة بن يَحْيَى الرُّعَيْنِيّ، وعبد المنعم بن يحيى الخَلُوْف الغَرْنَاطِي، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ لبَّال الشَّرِيْشِيّ، وَعَدَد كَثِيْر، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ فِي الأَنْدَلُس عَنْهُ بِالإِجَازَةِ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الشَّقُوْرِيّ، وَأَحْمَد بن عُمَرَ الخَزْرَجِيّ التَّاجِر، أَدخل الأَنْدَلُس إِسْنَاداً عَالِياً، وَعلماً جَمّاً.
وَكَانَ ثَاقب الذّهن، عذب الْمنطق، كَرِيْم الشَّمَائِل، كَامِل السُّؤْدُد، وَلِيَ قَضَاءَ إِشْبِيْلِيَة، فَحُمدت سيَاسته، وَكَانَ ذَا شِدَّة وَسطوَة، فَعزل، وَأَقْبَلَ على نشر العلم وتدوينه.
وَصفه ابْن بَشْكُوَال بِأَكْثَر مِنْ هَذَا، وَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ ارْتَحَلَ إِلَى المَشْرِق فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ بقُرْطُبَة وَبإِشْبِيْلِيَة كَثِيْراً.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ أَبُوْهُ رَئِيْساً وَزِيْراً عَالِماً أَدِيْباً شَاعِراً مَاهراً، اتَّفَقَ مَوْته بِمِصْرَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، فَرَجَعَ ابْنه إِلَى الأَنْدَلُسِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَانَ: قَالَ لِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ العَرَبِي: صَحِبتُ ابْنَ حَزْمٍ سَبْعَةَ أَعْوَام، وَسَمِعْتُ مِنْهُ جمِيْع مُصَنّفَاته سِوَى المُجَلَّد الأَخِيْر مِنْ كِتَاب "الفِصَلِ"، وَقَرَأْنَا مِنْ كِتَاب "الإِيصَال" لَهُ أَرْبَعَ مُجَلَّدَاتٍ، وَلَمْ يَفُتْنِي شَيْء مِنْ تَوَالِيْفِهِ سِوَى هَذَا.
كَانَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِمَّنْ يُقَالَ: إِنَّهُ بلغَ رُتْبَة الاجْتِهَاد.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَ بِبَغْدَادَ بِيَسِيْرٍ، وَصَنَّفَ فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْه وَالأُصُوْل وَعُلُوْم القُرْآن وَالأَدب وَالنَّحْو وَالتَّوَارِيخ، وَاتَّسَع حَاله، وَكثر إِفضَاله، وَمدحته الشُّعَرَاء، وَعَلَى بَلَده سور أَنشَأَه مِنْ مَاله.
وَقَدْ ذَكَرَهُ الأَدِيْب أَبُو يَحْيَى اليَسع بن حَزْم، فَبَالغ فِي تَقرِيظه، وَقَالَ: وَلِيَ القَضَاءَ فمحن، وَجَرَى فِي أَعْرَاض الإِمَارَة فَلحن، وَأَصْبَح تَتحرك بآثَاره الأَلسِنَة، وَيَأْتِي بِمَا أَجرَاهُ عَلَيْهِ الْقدر النَّومُ وَالسِّنَةُ، وَمَا أَرَادَ إلَّا خَيراً، نصب السُّلْطَان عَلَيْهِ شبَاكه، وَسكَّنَ الإِدبار حرَاكه، فأبداه للناس صورةً تُذمُّ، وَسُوْرَة تَتلَى، لِكَوْنِهِ تَعلّق بِأَذْيَال المُلك، وَلَمْ يَجر مجرَى العُلَمَاء فِي مُجَاهِرَة السَّلاَطِيْن وَحِزْبِهِم، بَلْ دَاهن، ثُمَّ انْتقل إِلَى قُرْطُبَة مُعَظَّماً مُكرَّماً حَتَّى حُوِّلَ إِلَى العُدوَة، فَقَضَى نَحْبَه.
قَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ مَسدِي فِي مُعْجَمِهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُفرج النَّبَاتِيّ، سَمِعْتُ ابْنَ الجَدِّ الحَافِظَ وَغَيْرَه يَقُوْلُوْنَ: حضَر فُقَهَاء إِشْبِيْلِيَة: أَبُو بَكْرٍ بن المُرَجَّى وَفُلاَن وَفُلاَن، وَحضر مَعَهُم ابْن العَرَبِيِّ، فَتذَاكرُوا حَدِيْث الْمِغْفَر1، فَقَالَ ابْنُ المُرَجَّى: لاَ يُعرفُ إلَّا مِنْ حَدِيْثِ مَالِك عَنِ الزُّهْرِيِّ. فَقَالَ ابْنُ العَرَبِيّ: قَدْ رويته مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ طرِيقاً غَيْر طَرِيْق مَالِك. فَقَالُوا: أَفدنَا هَذَا. فَوَعَدهُم، وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُم شَيْئاً، وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ خَلَف بن خَيْر الأَدِيْب:
يَا أَهْل حِمْصَ وَمِنْ بِهَا أُوصيكم ... بِالبر وَالتَّقْوَى وَصيَة مُشْفِقِ
فَخذُوا عَنِ العربِي أَسمَار الدجَى ... وَخذُوا الرِّوَايَة عَنْ إمامٍ متقِ
إِنَّ الفَتَى حُلْو الكَلاَم مهذّبٌ ... إِنْ لَمْ يَجِدْ خَبَراً صَحِيْحاً يَخلقِ
قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَة سَاذجَة لاَ تَدُلُّ عَلَى تَعمد، وَلَعَلَّ القَاضِي -رَحِمَهُ اللهُ- وَهِم، وَسرَى ذِهْنه إِلَى حَدِيْث آخر، وَالشَّاعِر يَخلق الإِفك، وَلَمْ أَنقُمْ عَلَى القَاضِي -رَحِمَهُ اللهُ- إلَّا إِقذَاعَه فِي ذَمّ ابْن حَزْمٍ وَاسْتجهَالَه لَهُ، وابن حزم أوسع دَائِرَة مِنْ أَبِي بَكْرٍ فِي العُلُوْم، وَأَحْفَظ بِكَثِيْر، وَقَدْ أَصَاب فِي أَشيَاء وَأَجَاد، وَزلق فِي مضَايق كغَيْره مِنَ الأَئِمَّةِ، وَالإِنصَافُ عزِيز.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَال: تُوُفِّيَ ابْنُ العَرَبِيّ بفَاس فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَفِيْهَا وَرخه الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ المُفَضَّلِ وَابْن خَلِّكَانَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ المُسْنِدُ الكَبِيْر أَبُو الدُّرّ يَاقُوْت الرُّوْمِيّ السفار صاحب ابن هزارمرد، والمعمر أَبُو تَمَّام أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ بن المُؤَيَّدِ بِاللهِ الهَاشِمِيّ السَّفَّار صَاحِب ابْن المُسْلِمَةِ بِنَيْسَابُوْرَ، وَالفَقِيْهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نبهَان الغَنَوِيّ الرَّقِّيّ الَّذِي يَرْوِي الْخطب، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ ابْن الوَزِيْر الدِّمَشْقِيّ كَهْلاً بِمَرْوَ، وَقَاضِي القُضَاة أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ نور الهدَى الحُسَيْن بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ابْنُ الدَّايَة، وَمُسْنِد دِمَشْق أَبُو القَاسِمِ الخَضِرُ بن الحُسَيْنِ بنِ عَبْدَان، وَمُفِيْد بَغْدَاد أَبُو بَكْرٍ المُبَارَك بن كَامِلٍ الظَّفَرِيّ الخَفَّاف، وَالشَّهِيْد شَيْخ المَالِكِيَّة أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُف بن دُوْنَاسَ الفَنْدَلاَوِيّ بِدِمَشْقَ.
قُتل بِأَيدِي الفِرَنْج رَحِمَهُ اللهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ القَيْسِيّ المقرىء، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي بِتُوْنُسَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُبَيْش الحَافِظ، حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، حَدَّثَنَا طِرَادٌ الزَّيْنَبِيّ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ جَرَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِهِ مِنْ مَخِيْلَةٍ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ" 1.
وَأَخْبَرْنَاهُ عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ وَطَائِفَةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا طراد النقيب.. فذكره.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن العربي المعافري من أهل إشبيلية يكنى أبا بكر الإمام العلامة الحافظ المتبحر ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها وأبيه أبي محمد من فقهاء بلده إشبيلية ورؤسائها. سمع ببلده من أبي عبد الله بن منظور وأبي محمد بن خزرج وبقرطبة من أبي عبد الله: محمد بن عتاب وأبي مروان بن سراج وحصلت له عندالعبادية أصحاب إشبيلية رياسة ومكانة فلما انقضت دولتهم خرج إلى الحج مع ابنه القاضي أبي بكر يوم الأحد مستهل ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة وسن القاضي أبي بكر إذ ذاك نحو سبعة عشر عاماً وكان القاضي قد تأدب ببلده وقرأ القراءات فلقي بمصر أبا الحسن الخلعي وأبا الحسن بن مشرف ومهدياً الوراق وأبا الحسن بن داود الفارسي ولقي بالشام أبا نصر المقدسي وأبا سعيد الزنجاني وأبا حامد الغزالي وأبا سعيد الرهاوي وأبا القاسم بن أبي الحسن المقدسي والإمام أبا بكر الطرطوشي وأبا محمد: هبة الله بن أحمد الأكفاني وأبا الفضل بن الفرات الدمشقي ودخل بغداد وسمع بها من أبي الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي المعروف بابن الطيوري ومن أبي الحسن: علي بن أيوب البزازي بزايين معجمتين ومن أبي بكر بن طرخان ومن النقيب الشريف أبي الفوارس طراد بن محمد الزينبي وجعفر بن أحمد السراج وأبي الحسن بن عبد القادر وأبي زكريا التبريزي وأبي المعالي: ثابت بن بندار الحمامي - بتخفيف الميم في آخرين.
وحج في موسم سنة تسع وثمانين وسمع بمكة من أبي علي: الحسين بن علي الطبري وغيره ثم عاد إلى بغداد ثانية وصحب أبا بكر الشاشي وأبا حامد الطوسي وأبا بكر الطرطوشي وغيرهم من العلماء والأدباء فدرس عندهم الفقه والأصول وقيد الحديث واتسع في الرواية وأتقن مسائل الخلاف والأصول والكلام على أئمة هذا الشأن من هؤلاء وغيرهم ثم صدر عن بغداد إلى الأندلس فأقام بالإسكندرية عند أبي بكر الطرطوشي فمات أبيه بها أول سنة ثلاث وتسعين

ثم انصرف هو إلى الأندلس سنة خمس وتسعين وقدم بلده إشبيلية: بعلم كثير لم يأت به أحد قبله ممن كانت له رحلة إلى المشرق.
وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع له متقدماً في المعارف كلها متكلماً في أنواعها نافذاً في جميعها حريصاً على أدائها ونشرها ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة وكثرة الاحتمال وكرم النفس وحسن العهد وثبات الود: فسكن بلده وشوور فيه وسمع ودرس الفقه والأصول وجلس للوعظ والتفسير ورحل إليه للسماع وصنف في غير فن تصانيف مليحة كثيرة حسنة مفيدة منها: أحكام القرآن كتاب حسن وكتاب المسالك في شرح موطأ مالك وكتاب القبس على موطأ مالك بن أنس وعارضة الأحوذي على كتاب الترمذي والقواصم والعواصم والمحصول في أصول الفقه وسراج المريدين وسراج المهتدين وكتاب المتوسط وكتاب المتكلمين.
وله تأليف في حديث أم زرع وكتاب الناسخ والمنسوخ وتخليص التلخيص وكتاب القانون في تفسير القرآن العزيز وله غير ذلك من التآليف. وقال في كتاب القبس: إنه ألف كتابه المسمى: أنوار الفجر في تفسير القرآن في عشرين سنة ثمانين ألف ورقة وتفرقت بأيدي الناس.
قلت: وأخبرني الشيخ الصالح أبي الربيع: سليمان بن عبد الرحمن البورغواطي في سنة إحدى وستين وسبعمائة بالمدينة النبوية قال: أخبرني الشيخ الصالح يوسف الحزام المغربي بالإسكندرية في سنة ستين وسبعمائة قال: رأيت تأليف القاضي أبي بكر بن العربي في تفسير القرآن المسمى أنوار الفجر كاملاً في خزانة السلطان الملك العادل أمير المسلمين أبي عنان: فارس بن السلطان أمير المسلمين أبي الحسن: علي بن السلطان أمير المسلمين أبي سعيد: عثمان بن يوسف بن عبد الحق.
وكان السلطان أبي عنان إذ ذاك بمدينة مراكش وكانت له خزانة كتب يحملها معه في الأسفار وكنت أخدمه مع جماعة في حزم الكتب ورفعها فعددت أسفار هذا الكتاب فبلغت عدتها ثمانين مجلداً. ولم ينقص من الكتاب المذكور شيء.
قال أبي الربيع: وهذا المخبر يعني يوسف: ثقة صدوق رجل صالح كان يأكل من كده.
قلت: قال بن خلكان في كتاب الوفيات في معنى عارضة الأحوذي العارضة: القدرة على الكلام والأحوذي: الخفيف في الشيء لحذقه.
وقال الأصمعي: الأحوذي المشمر في الأمور القاهر لها لا يشذ عليه شيء منها.
والأحوذي بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الذال المعجمة وفي آخره ياء مشددة.
قال القاضي عياض: واستقضي ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه وكانت له في الظالمين سورة مرهوبة وتؤثر عنه حسنفي قضائه أحكام غريبة ثم صرف من القضاء وأقبل على نشر العلم وبثه. وذكر أنه ولي قضاء حلب.
وكان رحمه الله تعالى فصيحاً أديباً شاعراً كثير الخبر مليح المجلس وممن أخذ عنه في اجتيازه لسبتة القاضي أبي الفضل: عياض ولقيه أيضاً بإشبيلية وبقرطبة فناوله وكتب عنه واستفاد منه. وتوفي رحمه الله تعالى في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة منصرفه من مراكش وحمل ميتاً إلى مدينة فاس ودفن بها بباب الجيسة والصحيح خارج باب المحروقي من فاس. ومولده ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة

الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - ابن فرحون، برهان الدين اليعمري

 

أبو بكر بن المعافري (أبو بكر بن العربي، محمد بن عبد الله بن محمد المعافري، (468 - 543 هـ)، مات بفاس) الإمامُ، القاضي.
وهو فخر المغرب، إمام في الأصول والفروع، قال الشيخ العلامة أحمد بن محمد الشهير بالمَقَّري في كتابه "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب": ومن شعره - وقد ركب مع أحد أمراء الملثمين - وكان ذلك الأمير صغيرًا، فهز عليه رمحًا - كان في يده - مداعبًا له، فقال:
يَهُزَّ عَلَيَّ الرمحَ ظبيٌ مُهَفْهَفٌ ... لَعوبٌ بِأَلبابِ البريَّةِ عابثُ
فلو كانَ رمحًا واحدًا لاتَّقيته ... ولكنَّه رمحٌ وثانٍ وثالِثُ
وقد اختلف حذاق الأدباء فى قوله: ثان وثالث، ما هما؟ فقيل: القَدَّ واللَّحظ، وقيل غير ذلك، انتهى. ذكره الحجازي في "المسهب"، وابن الإمام في "سمط الجمان"، والشقندي في "الطرف". سمع - يعني: الحديث - بالأندلس ومصر والإسكندرية ودمشق من جماعة من الحفاظ، وكان ثاقب الذهن، ذكره ابن بشكوال في "الصلة"، وقال: الإمام الحافظُ، ختامُ علماء الأندلس، دخل الشام والعراق وبغداد، وسمع بها من كبار العلماء، ثم حج، ولما غرب، صنف "عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي"، وولي القضاء بإشبيلية، مولده سنة 468، وتوفي سنة 543، سمع ودرَّس الفقه والأصول، وجلس للوعظ والتفسير، وصنف في غير فن، والتزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى أوذي في ذلك بذهاب كتبه وماله، فأحسن الصبر على ذلك كله، روى عنه خلق كثير، منهم: القاضي عياض، ترجم له المَقَّري ترجمةً حافلة حسنة، وقال: كنت نقلت من "المطمح" في حقه ما صورته: علمُ الأعلام، الطاهرُ الأثواب، الباهرُ الأبواب، الذي أنسى ذكاءَ إياس، وترك التقليد للقياس، وأنتج الفرع من الأصل، وغدا في الإسلام أمضى من النصل، ومن تصانيفه: كتاب "القبس في شرح موطأ ومالك بن أنس"، وكتاب "ترتيب المسالك في شرح موطأ مالك"، وكتاب "أحكام القرآن"، وكتاب "مشكل الكتاب والسنة"، وكتاب "النيرين في الصحيحين"، وكتاب "الرد على من خالف السنة من ذوي البدع والإلحاد". ومن فوائده: قوله: قال علماء الحديث: ما من رجل يطلب الحديث إلا كان على وجهه نضرة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سمعَ مقالتي، فوعاها فأداها، كما سمعها" الحديث، قال: وهذا دعاء منه - صلى الله عليه وسلم - لحملة علمه، ولا بد - بفضل الله تعالى - من نيل بركته، انتهى. وإلى هذه النضرة أشار أبو العباس العزفي بقوله:
أهلُ الحديثِ عصابةُ الحق ... فازوا بدعوةِ سَيَّدِ الخَلْقِ
فوجوهُهم زُهْرٌ مُنَضَّرَةٌ ... لألاؤُها كتألُّقِ البرقِ
يا ليتني معهم! فيُدرِكَني ... ما أَدركوهُ بها من السَّبْقِ
ومن فوائده: قوله: تذاكرت بالمسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفهري حديثَ أبي ثعلبة (روى الترمذي وابن ماجه هذا الحديث بهذا اللفظ: عن أبي ثعلبة في قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، فقال: أما والله! لقد سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرًا لا بدَّ لك منه، فعليك نفسك، ودع أمر العوام، فإن وراءكم أيام الصبر، فمن صبر فيهن، قبض على الجمرة، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله، قالوا يا رسول الله! أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم".) المرفوع: "إن من ورائكم أيامًا للعامل فيها أجرُ خمسين منكم"، فقالوا: مِنْهم؟ فقال: "بل منكم؛ لأنكم تجدونَ على الخير أعوانًا، وهم لا يجدون عليه أعوانًا"، وتفاوضنا: كيف يكون أجرُ من يأتي من الأمة أضعافَ أجر الصحابة، مع أنهم قد أسسوا الإسلام، وعضدوا الدين، وأقاموا المنار، واقتحموا الأمصار، وحموا البيضة، ومهدوا المِلَّة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح (رواه البخاري، عن أبي سعيد الخدري بهذا اللفظ: قال، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا أصحابي! فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مدَّ أحدهم، ولا نصيفه".): "لو أنفقَ أحدُكم كلَّ يومٍ مثلَ أُحدٍ ذهبًا، ما بلغَ مُدَّ أحدِهم، ولا نَصيفَهُ"، فتراجعنا القول، وتحصل ما أوضحناه في "شرح الصحيح"، وخلاصته: أن الصحابة كانت لهم أعمال كثيرة لا يلحقُهم فيها أحد، ولا يدانيهم فيها بَشَر، وأعمالٌ سواها من فروع الدين يساويهم فيها في الأجر من أخلص إخلاصهم، وخلصها من شوائب البدع والرياء بعدهم، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر بابٌ عظيم هو ابتداء الدين، والإسلام هو أيضًا انتهاؤه، وقد كان قليلاً في ابتداء الإسلام، صعبَ المرام؛ لغلبة الكفار على الحق، وفي آخر الزمان أيضًا يعود كذلك، لوعد الصادق - صلى الله عليه وسلم - بفساد الزمان، وظهور الفتن، وغلبة الباطل، واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق، وركوب من يأتي سَنَن من مضى من أهل الكتاب؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لتركبنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ، لدخلتُموه"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعودُ غريبًا كما بدأ" [فطوبى للغرباء، رواه مسلم] فلا بد - والله تعالى أعلم بحكم هذا الوعد الصادق - أن يرجع الإسلام إلى واحد كما بدأ من واحد، ويضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى إذا قام به قائم، مع احتواشه بالمخاوف، وباع نفسه من الله تعالى في الدعاء إليه، كان له من الأجر أضعافُ ما كان لمن كان متمكنًا منه، معانًا عليه بكثرة الدعاة إلى الله تعالى، وذلك قولُه: "لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، وهم لا يجدون عليه أعوانًا" حتى ينقطع ذلك انقطاعًا تامًا؛ لضعف الدين، وقلة اليقين، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقومُ الساعةُ حتى لا يُقال في الأرض: الله، الله" [رواه مسلم]- يروى برفعِ الهاءِ ونصبها -، فالرفعُ على معنى: لا يبقى موحَّدٌ يذكر الله - عز وجل -، والنصب على معنى: لا يبقى آمرٌ بالمعروف، وناهٍ عن منكر يقول: أخاف الله، وحينئذ يتمنى العاقل الموت، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقومُ الساعةُ حتى يمرَّ الرجلُ بقبرِ الرجل، فيقول: يا ليتني كنتُ مكانَه"، انتهى. وأنشد - رحمه الله تعالى - لبعض الصوفية:
امتحنَ اللهُ بذا خَلْقَهُ ... فالنارُ والجنَّةُ في قَبْضَته
فهجرُهُ أعظمُ من نارِه ... ووصلُه أَطْيَبُ من جَنَّتِه
ومن فوائده: أنه قال: كنت بمجلس الوزير العادل أبي منصور بن جهير، فقرأ القارىء {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب: 44]، وكنت بظهر أبي الوفاء ابن عقيل إمام الحنبلية - بمدينة السلام -، وكان معتزلي الأصول، فلما سمعت الآية، قلت لصاحب لي كان يجلس على يساري: هذه الآية دليل على رؤية الله تعالى في الآخرة؛ فإن العرب لا تقول: لقيت فلانًا، إلا إذا رأته، فصرف أبو الوفاء وجهه مسرعًا إلينا، وقال: ينتصر لمذهب الاعتزال في أن الله لا يُرى في الآخرة، فقد قال الله تعالى {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة: 77]، وعندك أن المنافقين لا يرون الله تعالى في الآخرة، وقد شرحنا وجه الآية في "المشكلين"، وتقدير الآية: فأعقبهم هو نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه، فيحتمل ضمير - يلقونه - أن يعود إلى ضمير الفاعل في - أعقبهم - المقدر بقولنا: هو، ويحتمل أن يعود إلى النفاق مجازًا على تقدير الجزاء، انتهى. ومنها: قوله: إنه كان بمدينة السلام إمامٌ من الصوفية وأيُّ إمام، يعرف بابن عطاء، فتكلم يومًا على يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه، فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة، فقال: يا شيخ يا سيدنا! فإذَنْ يوسفُ هَمَّ وما تَمّ، فقال: نعم؛ لأن العناية من ثَمّ، فانظروا إلى حلاوة العالم والمتعلم، وفطنة العامي في سؤاله، والعالِم في اختصاره واستيفائه، ولذا قال علماؤنا الصوفية: إن فائدة قوله تعالى: {لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [يوسف: 22] أن الله أعطاه العلم والحكمة أيام غلبة الشهوة؛ لتكون سببًا للعصمة، انتهى. ومنها: قوله: كنت بمكة مقيمًا في سنة 489، وكنت أشرب من ماء زمزم كثيرًا، وكلما شربته، نويت العلم والإيمان، ففتح الله تعالى لي ببركته في المقدار الذي يسره لي في العلم، ونسيت أن أشربه للعمل، ويا ليتني شربته لهما حتى يفتح الله لي فيهما، ولم يقدر، فكان صفوي للعلم أكثر منه للعمل، وأسأل الله الحفظ والتوفيق برحمته، ومنها: قوله حكاية عن الجوهري: أنه كان يقول: إذا أمسكت علاقة الميزان بالإبهام والسبابة، وارتفعت سائر الأصابع، كان شكلها مقروءًا بقولك: "الله"، فكأنها إشارة منه سبحانه في تيسير الوزن إلى أن الله سبحانه مطلعٌ عليك، فاعدل في وزنك، انتهى. ومنها: قوله في تفسير قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت: 16] قيل: إنها كانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء، والناس يكرهون السفر يوم الأربعاء لأجل هذه الرواية، انتهى. قلت: وفي المغازي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا على الأحزاب من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء - بين الظهر والعصر -، فاستجيب له، وهي ساعة فاضلة، فالآثار الصحاح تدل على فضل هذا اليوم، فكيف يدعى فيه التحذير والنحس بأحاديث لا أصل لها؟! وقد صور قوم أيامًا من الأشهر الشمسية ادّعوا فيها الكراهية، لا يحل لمسلم أن ينظر إليها، فحبسهم الله، انتهى. ومنها: وكان يقرأ معنا برباط أبي سعد على الإمام دانشمند من بلاد المغرب - خنثى ليس له لحية، وله ثديان (ذكر الأستاذ المحقق محب الدين الخطيب في مقدمة الكتاب "العواصم من القواصم" الخنثى المذكور "الخنثى له لحية وله ثديان"، والله أعلم.

) - وعنده جارية - فربُّك أعلمُ به، ومع طول الصحبة، عَقَلَني الحياء عن سؤاله، وبودي اليوم لو كاشفته حاله، انتهى. ومن شعره:

ليتَ شعري هلْ دَرَوْا ... أَيَّ قلب مَلَكوا
وفؤادي لو دَرَى ... أَيَّ شِعْبٍ سَلَكوا
أَتُراهم سَلِموا ... أَمْ تُراهم هَلَكوا
حارَ أربابُ الهوى .... في الهوى وارتبكوا
انتهى من "نفح الطيب" ملخصًا، وذكر ترجمته أيضًا سليم الخوري في "آثار الأدهار"، وأثنى عليه، وذكر له مؤلفات كبارًا، وبعضَ الأشعار، وحفيدُه محمد بن عبد الله بن أحمد يعرف بابن العربي أيضًا، قال في "الآثار": حج، فسمع من السِّلفي، ثم رحل إلى الشام والعراق، وأخذ عن عبد الوهاب بن سكينة وطبقته، ورجع، فأخذوا عنه، ثم تصوف وتعبد، وتوفي بالإسكندرية سنة 617، قاله الذهبي في "تاريخه الكبير"، انتهى. وفيه شيء.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.