أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري

الإمام المازري

تاريخ الولادة443 هـ
تاريخ الوفاة536 هـ
العمر93 سنة
مكان الولادةالمهدية - تونس
مكان الوفاةالمهدية - تونس
أماكن الإقامة
  • المهدية - تونس

نبذة

الإِمَامُ المَازَرِيُّ، نَشْأَتُهُ وُتَعَلُّمُهُ: أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المشهور بالمازري، نسبة إلى مازرة بصقلية (مَازَرَةَ أَوْ مَازَرْ Mazzara مدينة على الساحل الجنوبي من جزيرة صقلية تقابل شمال البلاد التونسية، وكانت ولادة المازري بالجهة الساحلية هو مزاولته التعليم صغيرًا بها، ولم يرو التاريخ أنه أخذ عن شيوخ بلاد نسبته مع توفرهم حينئذٍ هنالك. وفي نظرنا أن المازري نشأ بإفريقية، وبها قرأ وترعرع، وتلقى الدراسة العليا عن سندي المغرب في وقتهما بلا مدافع، أعني أبا الحسن اللخمي وعبد الحميد الصائغ وغيرهما من جلة العلماء الأعلام. واستقر بالسكنى في مدينة المهدية

الترجمة

الإِمَامُ المَازَرِيُّ، نَشْأَتُهُ وُتَعَلُّمُهُ:
أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المشهور بالمازري، نسبة إلى مازرة بصقلية (مَازَرَةَ أَوْ مَازَرْ Mazzara مدينة على الساحل الجنوبي من جزيرة صقلية تقابل شمال البلاد التونسية، وهي أول بلدة امتلكها الجيش الأغلبي الفاتح على يد قائده القاضي أسد بن الفرات (ربيع الأول سنة 212 هـ) وكذلك كانت آخر معقل للإسلام بالجزيرة. وقد افتكها روجر ملك النرمان من يد عبد الله بن الحواس آخر ملوك الطوائف بصقلية (خلال سنة 464 هـ) وبذلك انقطعت السيادة الإسلامية من تلك الجزيرة، فهاجر من سكانها المسلمين من هاجر، وبقي منهم من بقي تحت ذمة الإفرنج إلى أوائل القرن السابع للهجرة، واللهُ غالب على أمره، وينتسب إلى مازرة هذه جماعة من العلماء الأعلام، والأدباء المجيدين) ولا نعلم شيئًا عن ولادة هذا العلم الفرد ولا عن نشأته الأولى، هل كانت بصقلية، أو بالقطر الأفريقي، ولم ينص على ذلك أحد من المؤرخين، ولا من مؤلفي التراجم وأصحاب الطبقات. وبعد البحث الطويل غلب على ظننا أنه ولد بإفريقية، سواء أكان ذلك بالمهدية، أو بالقيروان، أو بغيرهما من مدن الساحل التونسي في حدود سنة 443 هـ، والمظنون أن والده محمد بن علي هو المهاجر من صقلية عند اختلال الأحوال وقبيل استيلاء النرمان عليها، ولهذا السبب نفسه فارق كثير من مسلمي صقلية جزيرتهم، والتجأوا إلى الأصقاع الإسلامية، ولا سيما إلى إفريقية التونسية لقرب ما بين العدوتين.

ومما يؤيد ولادة المازري بالجهة الساحلية هو مزاولته التعليم صغيرًا بها، ولم يرو التاريخ أنه أخذ عن شيوخ بلاد نسبته مع توفرهم حينئذٍ هنالك. وفي نظرنا أن المازري نشأ بإفريقية، وبها قرأ وترعرع، وتلقى الدراسة العليا عن سندي المغرب في وقتهما بلا مدافع، أعني أبا الحسن اللخمي وعبد الحميد الصائغ وغيرهما من جلة العلماء الأعلام. واستقر بالسكنى في مدينة المهدية - وهي إذ ذاك شريكة القيروان في تخت الملك - وتصدر للتدريس بجامعها الكبير: جامع عبيد الله المهدي، وبه بث ما وسعه صدره من العلم الغزير والمادة الواسعة، فنشر العلوم الدينية والفنون على اختلاف أنواعها ومراميها، ومن ذلك الحين ذاع صيته في الآفاق، وطبقت شهرته المشرق والمغرب، فكانت حلقة دروسه تشمل المئين من التلامذة المجتهدين، سواء أكانوا إفريقيين أم وافدين من أقطار المغرب والأندلس، وصار كعبة أنظار الطلاب، يقصده الداني والقاصي. ناهيك بتلاميذ من ضمنهم أعلام: كابن الحداد المهدوي. ومنهم: أبي القاسم محمد بن خلف الله المعروف بابن مشكان الذي تولى قضاء مدينة قابس ومنهم: أبي عبد الله محمد بن زيادة الله القابسي وغيره وغيره وقد لا يكاد المؤرخ يقدر أن يحصر الآخذين عنه من بين أبناء إفريقية، أما غيرهم من مشاهير الوافدين، فمنهم رجل المغرب على الإطلاق عِلْمًا وَسِيَاسَةً: محمد بن تومرت، والإمام المتبحر الجليل أبي بكر بن العربي الإشبيلي، وعلى ابن صاعد وغيرهم من لا يعد كثرة. وهناك فريق كبير من علية علماء الآفاق الإسلامية المعاصرين للإمام المازري رغبوا في الأخذ عنه بطريق المراسلة - طريقة الإجازة - فكاتبوه يرجون ذلك منه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَعَنْهُ - أذكر من بينهم على سبيل التذكير: ابن رشد الحفيد فيلسوف الإسلام الكبير، والقاضي عياض السبتي وابن فرس، والمحدث ابن أبي جمرة، وأبا بكر بن أبي العيش، وابن الحاج، وسواهم كثير جِدًّا.
وهنا أورد حكاية تدلك دلالة صريحة على مكانة الإمام المازري من قلوب الآخذين عنه وتقديرهم لجلالة علمه وعلو كعبه: ذكر ابن القاضي والمقري:
«أَنَّ بَعْضَ طَلَبَةِ الأَنْدَلُسِ وَرَدَ عَلَى المَهْدِيَّةِ لِمُزَاوَلَةِ العُلُومِ عَلَى المَازَرِيِّ، فَحَضَرَ يَوْمًا مَجْلِسَهُ بِالجَامِعِ كَالعَادَةِ إِذْ دَخَلَ شُعَاعُ الشَّمْسِ مِنْ كُوَّةٍ وَوَقَعَ عَلَى رِجْلِ الشَّيْخِ فَقَالَ المَازَرِيُّ: " هَذَا مُنْعَكِسٌ ". فَلَمَّا سَمِعَ الطَّالِبُ ذَلِكَ وَرَأَى القَوْلَ مُتَّزِنًا، ذَيَّلَهُ بِقَوْلِهِ:
هَذَا شُعَاعٌ مُنْعَكِسٌ ... لِعِلَّةٍ لاَ تُلْبَسُ
لَمَّا رَآكَ عُنْصُرًا ... مِنْ كُلِّ عِلْمٍ يَنْبَجِسُ
أَتَى يَمُدُّ سَاعِدًا ... مِنْ نُورِ عِلْمٍ يُقْتَبَسُ!

وحكى الصفدي - في " الغيث المسجم " - أن بعض أدباء الأندلس كتب إلى أبي عبد [الله] المازري بالمهدية:
رُبَّمَا عَالَجَ القَوَافِي رِجَالٌ ... تَلْتَوِي تَارَةً لَهُمْ وَتَلِينُ
طَاوَعَتْهُمْ عَيْنٌ وَعَيْنٌ وَعَيْنُ ... وَعَصَتْهُمْ نُونٌ وَنُونٌ وَنُونُ
فَأَبِنْ لَنَا مَا طَاوَعَهُمْ وَمَا عَصَاهُمْ».
فكان من ضمن جواب الإمام عن هذا السؤال: «طاوعهم العجمة، والعي، والعجز، وعصاهم اللسان، والجنان، والبيان».
 

فأنت ترى أن شهرة المازري العلمية طبقت الآفاق، واخترقت تخوم إفريقية والمغرب، واجتازت إلى الأندلس من ناحية الشمال، إلى أقصى البلاد العربية من ناحية المشرق، فلا غرو حينئذٍ أن يشتهر عَلاَّمَتُنَا الفَذُّ بلقب «الإِمَامِ» حتى يصير ذلك لقبًا لا يفارق اسمه ولا يعرف إلا به.

على أن هناك رواية نقلها أصحاب التراجم في سبب هذه التسمية؛ قال ابن فرحون المدني: «وَيُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى فِي ذَلِكَ رُؤْيَا: رَأَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: " يَا رَسُولَ اللهِ أَحَقٌّ مَا يَدْعُونَنِي بِرَأْيِهِمْ، يَدْعُونَنِي بِالإِمَامِ؟ " فَقَالَ: " أَوْسَعَ اللهُ صَدْرَكَ لِلْفُتْيَا "». على أن هذه الرواية تثبت ما كان اشتهر به بين معاصريه من العلم الواسع ورسوخ القدم في الفتيا.

ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيْهِ:
اتفقت كلمة المؤرخين ورواة الأخبار على أن الإمام المازري كان خاتمة المحققين وآخر المشتغلين من شيوخ إفريقية بتحقيق العلوم الدينية، وممن بلغ بلا ريب درجة الاجتهاد المطلق. في تواضع خليق بالأعلام أمثاله مع من تقدمه من أصحاب المذاهب؛ ننقل إليك هنا عبارة ذكرها الونشريسي في " المعيار": «وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ المَازَرِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - بَعْدَ أَنْ شَهِدَ لَهُ [بَعْضُ] أَهْلُ زَمَانِهِ بِوُصُولِهِ إِلَى دَرَجَةِ الاِجْتِهَادِ أَوْ مَا قَرُبَ رُتْبَتَهُ: " وَمَا أَفْتَيْتُ قَطُّ بِغَيْرِ المَشْهُورِ وَلاَ أُفْتِي بِهِ"». وذلك ورعًا منه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَسَدًّا لِبَابِ الذَّرَائِعِ، وخوفًا من تجاسر الجهلة على الإفتاء بغير المشهور من أمور الدين.
ومما نقل عنه الونشريسي أيضًا في " المعيار " قوله في هذا المعنى: «وَلَسْتُ أَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى غَيْرِ المَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ العُلَمَاءِ، لأَنَّ الوَرَعَ قَلَّ بَلْ كَادَ يُعْدَمُ، وَالتَّحَفُّظُ عَلَى الدِّيَانَاتِ كَذَلِكَ، وَكَثُرَتْ الشَّهَوَاتُ وَكَثُرَ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ وَالتَّجَاسُرَ عَلَى الفَتْوَى، وَلَوْ فُتِحَ لِهَؤُلاَءِ بَابُ مُخَالَفَةَالمَشْهُورِ مِنَ المَذْهَبِ لاتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ، وَهَتَكُوا حِجَابَ هَيْبَةِ الدِّينِ، وَهَذَا مِنَ المُفْسِدَاتِ التِي لاَ خَفَاءَ فِيهَا».

آرَاءُ العُلَمَاءِ فِيهِ:
قال القاضي أبي الفضل عياض السبتي عند التعريف به وقد أجازه المازري بتآليفه من المهدية:
«هُوَ إِمَامُ بِلاَدِ إِفْرِيقِيَّةَ وَمَا وَرَاءَهَا مِنَ المَغْرِبِ، وآخِرُ المُشْتَغِلِينَ مِنْ شُيُوخِ إِفْرِيقِيَّةَ بِتَحْقِيقِ الفِقْهِ وَمِمَّنْ بَلَغَ فِيهِ رُتْبَةَ الاجْتِهَادِ وَدِقَّةِ النَّظَرِ، لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ أَفْقَهَ مِنْهُ وَلاَ أَقْوَى لِمَذْهَبِهِمْ، وَسَمِعَ الحَدِيثَ وَطَالَعَ مَعَانِيهِ، وَاطَّلَعَ عَلَى عُلُومٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الطِّبِّ وَالحِسَابِ وَالآدَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَانَ أَحَدَ رِجَالٍ الكَمَالِ فِي العِلْمِ فِي وَقْتِهِ، وَكَانَ حَسَنَ الخُلُقِ، مَلِيحَ المَجْلِسِ، أَنِيسُهُ، كَثِيرُ الحِكَايَةِ وَإِنْشَادِ قِطَعِ الشِّعْرِ، وَكَانَ قَلَمُهُ فِي العِلْمِ أَبْلَغَ مِنْ لِسَانِهِ. كَتَبَ إِلَيَّ مِنَ المَهْدِيَّةِ يُجِيزُنِي كِتَابَهُ المُسَمَّى بـ " المُعْلِمِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرُهُ مِنْ تَوَلِيفِهِ ... الخ».

وزاد ابن فرحون على كلام القاضي عياض بقوله:
«كَانَ أَحَدَ رِجَالِ الكَمَالِ فِي وَقْتِهِ فِي العِلْمِ، وَإِلَيْهِ كَانَ يُفْزَعُ فِي الفَتْوَى، وَكَانَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - حَسَنَ الخُلُقِ، مَلِيحَ المَجْلِسِ، أَنِيسَهُ، كَثِيرُ الحِكَايَاتِ وَإِنْشَادِ قِطَعِ الشِّعْرِ، وَكَانَ قَلَمُهُ فِي العِلْمِ أَبْلَغَ مِنْ لِسَانِهِ، لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ أَفْقَهَ مِنْهُ، وَلاَ أَقْوَمَ لِمَذْهَبِهِمْ».
وقال قاضي القضاة ابن خلكان: «هُوَ أَحَدُ الأَعْلاَمِ المُشَارِ إِلَيْهِمْ فِي حِفْظِ الحَدِيثِ وَالكَلاَمِ عَلَيْهِ ... وَكَانَ فَاضِلاً مُتَفَنِّنًا».
وقال أبي العباس المقري: «الإِمَامُ المُجْتَهِدُ أبي عَبْدِ اللهِ المَازَرِيُّ، عُمْدَةُ النُّظَّارِ، وَمِحْوَرُ الأَمْصَارِ، المَشْهُورِ فِي الآفَاقِ وَالأَقْطَارِ، حَتَّى عُدَّ فِي المَذْهَبِ إِمَامًا، إِذْ مَلَكَ فِي مَسَائِلِهِ زِمَامًا ... الخ».
وقال الورتلاني في " رحلته ": «الإِمَامُ النُّظَّارُ المُجْتَهِدُ، القَوِيُّ البَاعِ فِي تَحْقِيقِ النَّظَرِ أبي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ المَازَرِيُّ ... الخ».

وفي الحقيقة أننا لسنا في حاجة إلى إثبات مرتبة هذا الإمام الجهبذ وَالعَلَمِ الفَرْدِ بإيراد شهادات المؤرخين فيه، أو ثناء العلماء عليه، ما دامت مؤلفاته القيمة بين أيدينا، وهي - بلا مراء - الحجة القوية على علو مقامه العلمي، ونيله بحق الصيت العالمي الذي حاز به رياسة عصره بلا منازع.

آثَارُهُ العِلْمِيَّةُ:
وإليك أسماء بعض ما وصل إلينا من مصنفاته بعد بحثنا الطويل عنها والتنقيب على محتوياتها:
1 - " المُعْلِمِ بِفَوَائِدِ مُسْلِمٍ " وهو أول شرح وُضِعَ على " صحيح الإمام مسلم القشيري "،

قال في شأنه العلامة ابن خلدون في مقدمته الخالدة: «وَأَمَّا " صَحِيحُ مُسْلِمٍ " فَكَثُرَتْ عِنَايَةُ عُلَمَاءِ المَغْرِبِ بِهِ، وَأَكَبُّوا عَلَيْهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى تَفْضِيلِهِ .. وَأَمْلَى الإِمَامُ المَازَرِيُّ مِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ المَالِكِيَّةِ عَلَيْهِ شَرْحًا وَسَمَّاهُ " المُعْلِمَ بِفَوَائِدِ مُسْلِمٍ " اشْتَمَلَ عَلَى عُيُونٍ مِنْ عِلْمِ الحَدِيثِ وَفُنُونٍ مِنَ الفِقْهِ، ثُمَّ أَكْمَلَهُ القَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَهُ وَتَمَّمَهُ وَسَمَّاهُ " إِكْمَالَ المُعْلِمِ "».
وغفل ابن خلدون في تعريفه بشرح المازري عن أنه اشتمل أيضًا على مسائل كثيرة في أصول الكلام، وأبحاث قيمة في الأنظمة الإسلامية، ومسائل الخلاف، كمسألة الاجتهاد والإمامة وشروط البيعة والمفاضلة بين الصحابة وجواز الجوسسة في الحرب وغيره مما يطول تعداده.
ويظهر أن الإمام - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لم يقصد بادئ بدء وضع هذا الشرح بالذات، وإنما كان - على عادة كبار العلماء المتقدمين - يملي إملاءات خلال دروسه، فتجمع من تلك الأمالي ما كَوَّنَ شَرْحًا مُسْتَقِلاًّ. يؤيد هذا ما حكاه عبيد الله بن عيشون المعافري الأندلسي - وهو من كبار تلاميذ الإمام - قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ المَازَرِيَّ يَقُولُ - وَقَدْ جَرَى ذِكْرُ كِتَابِهِ " المُعْلِمَ ": " إِنِّي لَمْ أَقْصِدُ تَأْلِيفَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ أَنَّهُ قُرِئَ عَلَيَّ " صَحِيحُ مُسْلِمٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَتَكَلَّمْتُ عَلَى نُقَطٍ مِنْهُ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ القِرَاءَةِ عَرَضَ عَلَيَّ الأَصْحَابُ مَا أَمْلَيْتُهُ عَلَيْهِمْ فَنَظَرْتُ فِيهِ وَهَذَّبْتُهُ، فَهَذَا كَانَ سَبَبُ جَمْعِهِ "».
ومن هنا يتضح لك أن طريقة القدماء الأعلام هي عين الطريقة التي يسلكها اليوم كبار الطلبة المترشحين في كليات العلم الجامعة في البلاد الغربية المتمدنة، فإنهم يتلقون الدروس العالية إملاءً، وينقلون تلك الأمالي إلى تآليف مستقلة تصدر بأسماء أساتذتهم، ولا جديد تحت السماء.
وانظر- يا رعاك الله - إلى لطف الإمام وتواضعه العلمي، حيث يعبر عن تلاميذه والآخذين عنه بلفظ «الأَصْحَابِ».
ومهما يكن فإن كتاب " المعلم " موجود منه نسخ كاملة، أو متفرقة في كثير من المكتبات الخصوصية والعمومية، مثل جامع الزيتونة رقم 1099، والمكتبة المصرية، وجامع القرويين بفاس، ومكتبة الشعب بباريس، وفي تونس، وغير ذلك.

2 - " إيضاح المحصول من برهان الأصول "، وهو شرح ممتع في أجزاء عديدة على برهان إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك الجويني الشافعي، المتوفى سنة 438 هـ، في أصول الديانة، وهو من أهم ما صنف في علم الاصول، وأقدم ما شرح به هو تأليف المازري هذا، ومنه أجزاء متفرقة في مكتبات تونس وغيرها.

3 - " المعين على التلقين "، و" التلقين " تأليف أبي محمد عبد الوهاب بن علي الثعلبي المالكي قاضي بغداد، المتوفى سنة 422 هـ. قال ابن فرحون: «لَيْسَ لِلْمَالِكِيَّةِ كِتَابٌ مِثْلُهُ». وهذا الشرح يخرج في عدة أجزاء - قيل هي ثلاثون جزءًا - منه تسعة بمكتبة القرويين بفاس، ومنه بالزيتونة، وكذا بالمكتبة العاشورية وغيرها.

4 - " نظم الفرائد في علم العقائد "، وهو كتاب من أجل مصنفات الإمام، إذ أنه أفرغ فيه ما آتاه الله تعالى من العلم الغزير الواسع، والنظر الدقيق في المعتقدات وأصولها. ولم نقف على ذكر وجود نسخة منه في المكتبات التي نعرفها.

5 - " أمالي على الأحاديث " التي جمعها أبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي المتوفى سنة 388 هـ من مسند الإمام مسلم القشيري، وهي كالشرح لما كان مغمضًا منها.

6 - " تعليق على مدونة سحنون " ولا يخفى أن " المدونة الكبرى " هي أم الكتب المالكية، وأساس فقههم، وأول مَا دُوِّنَ في فروع مذهبهم، ولذا كانت عناية علماء إفريقية والأندلس بها كبيرة جدًا. ويوجد من هذا التعليق جزء مفرد بمكتبة جامع القرويين.

وأنت ترى مِمَّا مَرَّ بك من تآليف الإمام - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في أصول الدين والحديث والفقه اشتغاله المثمر واجتهاده بالعلم واتساع نظره فيه، على أن مأثرته لم تكن محصورة فيما تقدم، بل إنه اعتنى - وأي اعتناء - بالعلوم الفلسفية والفنون الأدبية والرياضية. ومما سنذكر لك من تصانيفه في شتى الفنون يتضح لك مكانته الجليلة، ورسوخ قدمه فيها فمن ذلك:
7 - " الكشف والإنباء على المترجم بالإحياء " وهو نقد وإصلاح لما ورد في كتاب " إحياء علوم الدين " للغزالي من الأحاديث الموضوعة، وكلنا يعلم أن حجة الإسلام الغزالي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بالرغم عن علو مقامه في العلوم الدينية وتفرده بالآراء الصائبة في فلسفة الإسلام والأخلاق، لم يكن متحريًا غاية التحري في الأحاديث التي أوردها في تأليفه المتقدم ومن هنا انتقد عليه المازري - وهو المحدث الثقة - تلك الأنقال فأثبت منها ما أثبت، وأسقط ما سواه.
ولا يظن ظان - رَجْمًا بِالغَيْبِ - أن المازري ممن يتحامل على الغزالي، أو يقصد التنقيص من جلالة قدره وعلو كعبه بالانتقاد عليه، وحاشى إمام عالم عادل كالمازري أن يزري بأحد أعلام المسلمين المشار إليهم بالبنان، في العلم والفضل والبيان، أو يمت الى الحط من عظمته، بدليل شهادة المازري نفسه في فضيلة الغزالي، وغزارة علمه، وقوة عارضته في أصول الشريعة السمحة، فقد قال في حقه: «وَأبي حَامِدٍ الغَزَّالِيُّ لاَ يَشُقُّ أَحَدٌ غُبَارَهُ فِي العِلْمِ وَأُصُولِ الدِّينِ»،. وإنما انتقاده الخالص من دنيئ الأغراض موجه إلى ماورد في " الإحياء " من الأحاديث الموضوعة المنسوبة كذبًا وافتراءً على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي من الضعف والوهن الثابت بمكان لا ينكره إلا معانت جاهل بالحديث الصحيح، ولا يتسنى لِمُحَدِّثٍ ثَبْتٍ قد نهضت به فضائله واجتمع فيه العقل الراجح والفهم الدقيق وممارسة العلوم طول عمره كالإمام المازري السكوت على مثل ذلك أو التغافل عنه لما يعلم من إقبال المتعلمين على " الإحياء "، وانكباب المعلمين على مطالعته. فكأنما نقده الصحيح المجرد من شوائب الطعن والحسد ينكر وجود مثل تلك الروايات الضعيفة المعزوة إلى صاحب الشريعة العظيم، ويرى أنها لا تليق أن تكون مثبتة في مأثرة جليلة ومفخرة من مفاخر التآليف الإسلامية كـ " الإحياء " حتى ينسب إليها الضعف والوهن وبذلك تنعدم فائدتها الأخلاقية العظيمة، وينقص أثرها الكبير في نفوس المطالعين من أبناء المسلمين. ومثل هذا الانتقاد هو مما يرغب فيه، ويشكر عليه لما فيه من تنبيه المؤلفين - لا سيما إذا كانوا من الأيمة الأعلام - إلى اتقاء تلك الهفوات واجتناب الموضوعات، والتحاشي عنها، والإعراض عنها وتعويضها بالروايات الصحيحة السالمة من الطعن، وفيها ما يغني الغناء الكبير عن الموضوعات.

8 - " أمالي على رسائل إخوان الصفا "، حررها في إيضاح بعض مشكلات وردت ضمن فصول تلك الرسائل الهامة في مسائل من العلوم الرياضية والآراء الفلسفية، وكان إملاؤها لها بطلب من أمير عصره الأمير العالم الأديب تميم بن المعز بن باديس الصنهاجي صاحب إفريقية وللأسف الكبير أن هذا التعليق أو الانتقاد على " رسائل إخوان الصفا " لم يبلغ إلينا فيما نعلم، ولم نقف منه إلا على ذكره من بين مؤلفات المازري.
 

9 - " النقط القطعية في الرد على الحشوية ". فرقة تقول بقدم الأصوات والحروف، لها ذكر طويل في كتب الملل والنحل، فليراجع مذهبها هنالك. وهذا تأليف أيضًا لم نقف له على أثر، ولا على السبب الأصلي في تحريره.

10 - " الواضح في قطع لسان النابح ": لا نعرف من هذا التأليف إلا ما أفادنا به المازري نفسه حيث قال: «هُوَ كِتَابٌ تَقَصَّيْنَا فِيهِ كَلاَمَ رَجُلٍ - وَأَظُنُّهُ مِنْ صِقِلِّيَّةَ - وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَأَخَذَ يُلَفِّقُ القَوَادِحَ فِي الإِسْلاَمِ، وَيَطْعَنُ فِي زَعْمِهِ عَلَى القُرْآنِ وَطُرُقِ جَمْعِهِ، تَقَصَّيْنَا قَوْلَهُ فِي هَذَا الكِتَابِ وَأَشْبَعْنَا القَوْلَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ». وقد أشار المازري في محل آخر من " المعلم " أنه نقض قول هذا الملحد بالأدلة التاريخية الصحيحة، وأقام البراهين والحجج المنطقية على دحض أقواله وتفنيدها.
ولا يخفى أن القرن السادس - الذي كان يعيش فيه الإمام - قد كثر فيه ظهور أهل الأهواء والمخارق والمذاهب الزائغة عن الشريعة الإسلامية، فكان من واجب العلماء المبرزين في ذلك العهد الذب عما أجمع عليه المسلمون آراءهم من لدن عصر الصحابة الكرام، وتأييد السنة المحمدية بدفع الأطعان المموهة، ودحض الشبهات الملفقة، تنبيهًا للأمة إلى مقاصد هؤلاء النازغين.

11 - " كشف الغطا عن لمس الخطا ": هي رسالة في مسألة فقهية دقيقة استفتي فيها فأجاب عنها بإيضاح وعلم وتحقيق، وقد وقفتُ عليها، ومنها نسخة بالزيتونة.

12 - " كتاب في الطب " - (كذا) والمشهور أن المازري وضع تأليفًا في علم الطب عقب حادثة حدثت له يذكرها أصحاب الطبقات في ترجمته فيحكي أن سبب طلبه لهذا العلم ونظره فيها أنه مرض مرة فكان يعالجه طبيب يهودي بالمهدية وفي أثناء المعالجة قال له الطبيب: «يَا سَيِّدِي! مِثْلِي يُطِبُّ مِثْلَكُمْ! وَأَيُّ قُرْبَةٍ أَجِدُهَا أَتَقَرَّبُ بِهَا مِنْ دِينِي وَأَهْلِهِ مِثْلَ أَنْ أَفْقِدَكُمْ لِلْمُسْلِمِينَ!». فلم يجبه الشيخ بشيء، ثم لما عوفي أفرغ جده في دراسة الطب حتى أتقنه وملك زمامه وألف فيه، حتى قيل إِنَّهُ كَانَ يُفْزَعُ إِلَيْهِ فِي الطِّبِّ، كَمَا يُفْزَعُ إِلَيْهِ فِي الفَتْوَى فِي الدِّينِ.

وإنا لنستبعد - كل استبعاد - حصول مثل هذه الحكاية، إذ يصعب علينا اعتقاد أن طبيبًا - مهما كان دينة وجنسه ودرجة علمه - يتفوه بمثل هذا الحديث الخارج عن أدب الصناعة وأدب المعاشرة، ومع ذلك فإنا لا ننكر أن الإمام - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - درس الطب وألف فيه، لا سيما وقد نقل مترجموه أنه كان «دَرَسَ فُنُونًا كَثِيرَةً مِنْ أَدَبٍ وَحِسَابٍ وَطِبٍّ وَغَيْرَ ذَلِكَ».
فلا يستغرب حينئذٍ من تدوينه في الطب وإن لم يصل إلينا تأليفه المشار إليه. يؤيد هذا الرأي ما نسوقه إليك بعد من كلا المازري في مسألة طبية أوردها عَرَضًا ضمن كتابه " المعلم " بمناسبة حديث التداوي بالعسل من " صحيح مسلم "، وقد أنكر بعض جهلة الأطباء المعاصرين ذلك قائلاً: «قَدْ أَجْمَعَ الأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ العَسَلَ مُسَهِّلٌ، فَكَيْفَ يُوصَفُ لِمَنْ بِهِ إِسْهَالٌ؟».

فأجاب المازري عن هذا الاعتراض البارد بقوله: «الأَشْيَاءُ التِي تَفْتَقِرُ فِيهَا إِلَى تَفْصِيلٍ قَلَّمَا يُوجَدُ فِيهَا مِثْلُ مَا يُوجَدُ فِي صِنَاعَةِ الطُّبِّ؛ فَإِنَّ المَرِيضَ المُعَيَّنَ يَجِدُ الشَّيْءَ دَوَاءً لَهُ فِي سَاعَةٍ، ثَمَّ يُصِيرُ دَاءً لَهُ فِي السَّاعَةِ التِي تَلِيهَا لِعَارَضٍ يَعْرِضُ لَهُ، فَيَنْتَقِلُ عِلاَجُهُ إِلَى شَيْءٍ آخر بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِمَّا لاَ يُحْصَى كَثْرَةً؛ وَقَدْ يُكُونُ الشَّيْءُ شِفَاءً فِي حالَةٍ وَفِي شَخْصٍ فَلاَ يُطْلَبُ الشِّفَاءُ بِهِ فِي سَائِرِ الأَحْوَالِ وَلاَ فِي كُلِّ الأَشْخَاصِ، وَأَهْلُ الرَّأْيِ مِنَ الأَطِبَّاءِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ العِلَّةَ المُعَيَّنَةَ يَخْتَلِفُ عِلاَجُهَا بِاِخْتِلاَفِ السِّنِّ وَالزَّمَانِ وَالعَادَةِ وَالهَوَاءِ وَتَدْبِيرِ المَأْلُوفِ؛ فَإِذَا عَلِمَتْ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الإِسْهَالَ يَعْرِضُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَلَوْ كَانَ كِتَابُنَا هَذَا كِتَابَ طِبٍّ لاسْتَوْفَيْنَا ذِكْرَهَا، فَمِنْهَا الإِسْهَالُ الحادِثُ عَنْ التُّخَمِ وَالهَيْضَاتِ، وَالأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ عِلاَجَهُ بتَرْكِ الطَّبِيعَةِ وَفِعْلِهَا، وَإِنْ اِحْتَاجَتْ إِلَى مُعِينٍ عَلَى الإِسْهَالِ أُعِينَتْ مَا دَامَتْ القُوَّةُ بَاقِيَةً، وَحَسْبُهُ ضَرَرَ وَاِسْتِعْجالَ مَرَضٍ؛ فَهَذَا الرَّجُلُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِسْهَالُهُ مِنْ اِمْتِلاءٍ وَهَيْضَةٍ، فَدَوَاؤُهُ تَرْكَهُ وَالإِسْهَالَ، أَوْ تَقْوِيَتَهُ. وَيَجِبُ حِينَئِذٍ الإِشَارَةُ عَلَيْهِ

بِشُرْبِ العَسَلِ، وَرُبَّمَا الزِّيَادَةَ مِنْهُ إِلَى أَنْ تَفْنَى المَادَّةُ فَيَقِفُ الإِسْهَالُ وَيَكُونُ الخَلْطُ الذِي بِالرَّجُلِ يُوَافِقُ فِيهِ شُرْبَ العَسَلِ ... الخ».
وأنت ترى في هذه الفقرة كلام متفنن في الصناعة الطبية عارف بقواعدها الكلية والجزئية، ومنها يتضح لك أن المازري كانت عنده أكثر من المشاركة في علم الطب، فلا يستغرب أَنْ أَلَّفَ فِيهِ تَأْلِيفًا خًاصًّا.

13 - " تثقيف مقالة أولي الفتوى وتعنيف أهل الجهالة والدعوى ": رسالة من تأليفه ذكرها له (البُرْزُلِيُّ) في باب القضاء والشهادات من " مجموعته الكبيرة للفتاوى الإفريقية "، ونقل عبارة الإمام عن سبب وضعه لهذا الجزء، حيث يقول: «وَقَدْ نَزَلَ بِالمَهْدِيَّةِ - وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الفَتْوَى - مَسْأَلَةٌ مِنَ الشُّفْعَةِ فِي بَعْضِ وُجُوهِهَا، وَأَنْفَذَ إِلَيَّ القَاضِي ابْنُ شَعْلاَنَ - رَحِمَهُ اللهُ - السُّؤَالَ، فَأَفْتَيْتُهُ أَنَّ الإِثْبَاتَ لَيْسَ كَحُكْمٍ نُفِّذَ، ثُمَّ اسْتُفْتِيَ مَنْ كَانَ يُفْتِي، فَأَفْتَوْا كَمَا أَفْتَيْتُ، وَهَذَا مُنْذُ خَمْسِينَ عَامًا، وَوَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ القَيْرَوَانِ جَوَابٌ مِمَّنْ كَانَ يَدَّعِي عِلْمَ الأُصُولِ، أَشَارَ فِيهِ إِلَى المُخَالَفَةِ، فَأَمْلَيْتُ فِيهِ إِمْلاَءً طَوِيلاً تَرْجَمْتُهُ بِـ " تَثْقِيفِ مَقَالَةِ أُولِي الفَتْوَى، وَتَعْنِيفِ أَهْلِ الجَهَالَةِ وَالدَّعْوَى " وَأَشَرْتُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى وُجُوهٍ خَالَفَ فِيهَا مَنْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ، وَأَوْضَحْتُ فَسَادَ مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الآنَ مَوْجُودٌ بِالمَهْدِيَّةِ ... ».

ولا مراء أن المازري عُرِفَ طيلة حياته بصراحة القول، والإصداع بالحق في كل المواطن، كما اشتهر بمجانبة حُكَّامِ الجَوْرِ، التعرض للولاة المستبدين في زمان كان السلطان فيه لحكم الإطلاق في سائر الممالك الإسلامية، وكان ذلك من أكبر الأسباب في تراجع سياسة المسلمين إلى الوراء حتى ساقها إلى التدهور والسقوط في الشرق والغرب.

وفي نظرنا أن الذي حمل المازري على مجاهرة الظالمين، وتجرده لأنصار الحق، وعدم مبالاته بالسلطة المطلقة هو ما جُبِلَتْ عَلَيْهِ طَبِيعَتُهُ من التقوى وتمسكه بالمبادئ الإسلامية العالية ومن ناحية أخرى إعراضه عن الوظائف الرسمية كولاية القضاء وغيرها، مما حمل جمهور الشعب على إجلاله والالتفاف حوله واتباع أقواله وآرائه، لذلك خافه ولاة الاستبداد واتقوا سلطانه الروحي وأمسكوا عن مسه بسوء.

وكأنه أحس بتأييد الشعب لسلوكه فلم يتأخر عن مقاومة المظالم والتشهير بها ولم يراع في ذلك غير تقواه، والخوف من الله تعالى، فزاده موقفه إكبارًا وتعظيمًا في أعين معاصريه، وَأَحَلَّهُ مَرْتَبَةً عَلِيَّةً في نفوس عارفيه.

يؤيد ما قدمنا آنفًا ما جاء في بعض وصاياه: « ... وَيَنْبَغِي لِلْمَلِكِ أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى أَخْبَارِ عُمَّالِهِ، وَيَسْتَكْشِفَ عَنْ بَوَاطِنِهِمْ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ، فَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِعَمَلِهِ.
وَلاَ يَزَالُ أَمْرُ ذِي السُّلْطَانِ رفيعًا مُعَظَّمًا مُهَابًا، مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي نَقْضِ عُرَى الشَّرِيعَةِ، وَرُبَّمَا تَجَرَّأَ بَعْضُ المُلُوكِ وَسَمَحُوا لِعُمَّالِهِمْ وَأَصْحَابِ أَشْغَالِهِمْ وَكُتَّابِهِمْ وَأَعْوَانِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ بِهَتْكِ الحُرُمِ، وَالاعْتِدَاءِ عَلِى الرَّعِيَّةِ، وَالتَّسَلُّطِ عَلَيْهِمْ بِأَخْذِ أَمْوَالَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْلِبُهُمْ الحَقُّ تَعَالَى العِزَّ وُيُجَرِّدُهُمْ مِنَ النِّعْمَةِ... الخ».

وانظر أيضًا إلى ما كتب في طالعة إحدى " فتاويه " مُعَرِّضًا بتساهل معاصريه على الإفتاء بغير علم ولا تقوى:
«الحَمْدُ للهِ الذِي لاَ يُحْمَدُ سِوَاهُ، وَلاَ يُسْتَخَارُ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ إِلاَّ إِيَّاهُ، وَنَسْتَعِيذُهُ أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ، فَجَعَلَ الجَهْلَ مُنْقَلَبَهُ وَمَثْوَاهُ، وَإِلَى اللهِ أَرْغَبُ أَنْ لاَ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ ظَنَّ أَنَّ العِلْمَ مَعْنَاهُ الدَّعْوَى، وَأَرَادَ أَنْ يُمَوِّهَ عَلَى العَامَّةِ بِالفَتْوَى، وَهَيْهَاتَ مَا العِلْمُ إِلاَّ مَا شَهِدَ بِهِ أَهْلَهُ، وَمَا الفَضْلُ إِلاَّ مَا عُرِفَ عَنْهُ فَضْلُهُ، وَلَيْسَ الفِقْهُ عِنْدَ مَنْ قَالَ: أَنَا وَقَنَعَ بِالمَدْحَةِ وَالثَّنَا ... ».
ومثل هذا كثير جِدًّا في تحريرات المازري، ولو تكلفنا استقصاء كل ما كتب في معنى معارضة المتفقهين الجاهلين أو الموالين لذوي السلطان الجائر لما أخرجنا عن حدود بحثنا وتحدينا قاصديه.

وزبدة القول: إن ما وضعه الإمام المازري من المؤلفات في مختلف العلوم والفنون من حديث وفقه وأصول وجدل وأدب وطب وغير ذلك، لدليل واضح على طول باعه في العلوم وتبحره في العرفان، حتى صار المشار إليه بالبنان في ذلك الزمان.
ثم إنا لا ندري هل كان له مصنفات أخر عَدَا ما ذكرنا لم تبلغنا أسماؤها الأمر الذي نشاهده في كثير من علمائنا الأعلام، وما ذلك إلا لإهمال وغفلة كثير من مؤرخينا عن إيراد تراجم مستوفاة لعظماء رجالنا، حتى يضطر الباحث الآن إلى مراجعة الكتب العديد بقصد التقاط نتف مبعثرة هنا وهناك لا تسمن ولا تشفي غليلاً.
 

وَفَاتُهُ:
عاش المازري حياة طويلة هنيئة مملوءة عِلْمًا وَعَمَلاً وتقوى ونصيحة للقريب والبعيد، وقد عمر حتى بلغ الثالثة والثمانين، وأدركته المنية في مدينة المهدية التي اتخذها مقرًا ومسكنًا من زمن دراسته إلى أن توفي بها يوم السبت الثامن من ربيع الأول سنة ست وثلاثين وخمسمائة (12 أكتوبر 1141 م) في مدة آخر الأمراء الصنهاجيين الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز، وكان لموت الإمام المازري رنة عظيمة في أنحاء البلاد الإفريقية، وتوجع لفقدانه سائر السكان من حاضر وباد.

ضَرِيحُهُ:
ونقل جثمانه من الغد فِي زَوْرَقٍ على طريق البحر من المهدية إلى المنستير، حيث مدفن الصالحين والعلماء والزهاد والمرابطين النساك، حول ذلك الرباط المبارك الشامخ الذي كان يفزع إليه سكان الساحل الإفريقي عند الشدائد، وهرع الناس زرافات ووحدانًا من سائر الساحل وقراه لحضور الجنازة، ودفن بعد الظهر في حفل رهيب قَلَّمَا تَأَتَّى لعالم في عصره، وأقيم بعد قليل على قبره ضريح بسيط مسامت للبحر، ودام هذا البناء إلى أواخر القرن الثاني عشر للهجرة.

وفي تلك الأثناء كانت أمواج البحر تغور باستمرار على الشاطئ إلى أن اقتربت جِدًّا من الضريح، وخشي [أولو] الفضل من العلماء على القبر من غمرات الموج فاتفقوا على نقله - مع غيره - إلى مكان ليس بالبعيد من الأول، فنقل رفاته - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ليلة الأحد الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة 1176 هـ (9 يونية 1763 م) إلى المقام المشهور به الآن في مقبرة المنستير تحت ظل المحرس الكبير.

وكان الآمر بهذه النقلة وببناء الضريح الحالي هو أمير عصره علي باي الثاني بن حسين بن علي مؤسس الأسرة الحسينية وقد نقشت العبارة التالية على حجر رخامي نصب في مدخل التربة فوق باب المقام: «يَرْفَعِ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ، أُسِّسَ هَذَا المَقَامُ عَلَى ضَرِيحَيْ الشَّيْخَيْنِ الإِمَامَيْنِ العَالِمَيْنِ أبييْ عَبْدِ اللهِ مُحَمًّدٍ المَازِرِيِّ، وَمُحَمَّدٍ المَوَّازِ ... ».
وظل هذا الضريح إلى يومنا المشهود من أبرك المزارات وأجمل المقامات، يزيده ريعان الموقع بهجة وجلالاً ولا غرو فإنه يواجه البحر من ناحية، وحصن الرباط الشامخ الذري من أخرى.
أمطر الله هذا القبر شبائب الرحمة والرضوان، وجازى ساكنه الرضي - عن تونس الإسلامية وأهلها - جزاء الفضل الإحسان.
آمين.

تحريرًا بالمهدية
ربيع الأنور 1348 هـ.

الكتاب: الإمام المازري - حَسن حُسني بن صالح الصُّمادحي التجيبي. -بتصرف-

 

 

- أبو عبد الله محمَّد بن علي بن عمر التميمي المازري: المعروف بالإمام خاتمة العلماء المحققين والأئمة الأعلام المجتهدين الحافظ النظار، كان واسع الباع في العلم والاطلاع مع ذهن ثاقب ورسوخ تام بلغ درجة الاجتهاد وبلغ من العمر نيفاً وثمانين سنة ولم يفتِ بغير مشهور مذهب مالك وكان رحمه الله كثير الحكايات عن الصالحين في مجالسه ويقول هي جند من جنود الله تعالى، أخذ عن أبي الحسن اللخمي وعبد الحميد الصائغ وغيرهما وعنه من لا يعد كثرة منهم أبو محمد عبد السلام البرجيني وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم يعرف بابن الفرس وأبو عبد الله بن تومرت وأبو عبد الله الشلبي وأبو الحسن صالح بن أبي القاسم بن عامر وأبو الحسن علي المعروف بابن المقرئ وأبو زكريا يحيى بن الحداد وأبو الحسن بن صاعد وأبو مروان بن عيشون وأبو الحسن المعروف بابن الأوجقي وأبو الطاهر بن مجكان وأبو الطاهر بن الدمنة التونسي، وبالإجازة أبو محمد المعروف بابن عبيد الله وأبو بكر بن أبي جمرة وأبو بكر بن خير وابن رشد المفيد والقاضي عياض وعبد المنعم بن الفرس ووالده وابن قرقول وأبو بكر بن أبي العيش وأبو القاسم ابن القاضي الشهيد المعروف بابن الحاج، له تآليف تدل على فضله وتبحره في العلوم منها شرح التلقين ليس للمالكية مثله وشرح البرهان لأبي المعالي سماه إيضاح المحصول من برهان الأصول وشرحه لهذين الكتابين يدل على أنه بلغ درجة الاجتهاد والمعلم في شرح صحيح مسلم. قال ابن خلدون: اشتمل على عيون من علم الحديث وفنون من الفقه وحكى ابن عيشون المذكور أنه سمع الإِمام يقول: كان السبب في تأليفه أنه قرئ على صحيح مسلم في رمضان فتكلمت على نقط منه فلما انتهت قراءته عرض على الأصحاب ما أمليته فنظرت فيه وهذبته انتهى باختصار، وكتابه الكبير وهو كتاب التعلقة على المدونة وكتاب الرد على الأحياء للغزالي المسمى بالكشف والأنباء على المترجم بالأحياء وتعليق على رد أحاديث الجوزقي وإملاء على رسائل إخوان الصفا والنكت القطعية في الرد على الحشوية والذين يقولون بقدم الأصوات والحروف والواضح في قطع لسان الكلب النابح وكشف الغطا عن لمس الخطا وغير ذلك وله الفتاوى والرسائل الكثيرة وكان إماماً في الطب وألف فيه في حكايته مشهورة وكان يفزع إليه في الطب كما يفزع إليه في الفتوى، مات في ربيع الأول سنة 536 هـ بالمهدية ودفن بالمنستير ولما خشي على قبره من البحر نقل لمقامه المشهور به إلى هذا الوقت والشائع عند أهل المنستير أنه لما نقل وجد جسده المكرم لم يتغير ومنقوش بحجر فوق باب مقامه المذكور محل الحافة منه {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} أسس هذا المقام على ضريحي الشيخين الإمامين العالمين أبوي عبد الله محمد المازري ومحمد بن المواز ومَن معهما من الفضلاء الأجلاء بعد نقلهم من ضريحهم ليلة الأحد الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة 1176هـ وأمر ببنائه المعظم الأرفع سيدنا علي باشا باي ابن المعظم حسين باي انتهى قلت قوله ابن المواز لعله تحريف من الناقل والصواب ابن الحداد المذكور في الطبقة قبل هاته حيث تقدم في الطبقة السادسة ترجمة ابن المواز الموثق القرطبي وترجمة ابن المواز الإسكندري العالم المشهور وأنه مات بدمشق أو بعض حصون الشام اختفى به حين هرب من فتنة ولم أقف على ثالث لهما يعرف بابن المواز ولعل الهروب والاختفاء المشار إليه كان لإفريقية بحصن المنستير وبه توفي تأمل وابحث لعلك تحصل المطلوب.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف

 

 

الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ البَحْرُ المُتَفَنِّنُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ المَازَرِيُّ المَالِكِيُّ.
مُصَنِّفُ كِتَابِ "المُعْلِم بِفَوَائِدِ شَرْحِ مُسْلِم" وَمُصَنِّفُ كِتَابِ "إِيضَاحِ المَحْصُوْلِ فِي الأُصُوْلِ"، وَلَهُ تَوَالِيفُ فِي الأَدبِ، وَكَانَ أَحَدَ الأَذكِيَاءِ، المَوْصُوْفِيْنَ وَالأَئِمَّةِ المُتبحِّرِيْنَ، وَلَهُ شَرْحُ كِتَابِ "التَّلْقِيْنِ" لِعَبْدِ الوَهَّابِ المَالِكِيِّ فِي عَشْرَةِ أَسفَارٍ، هُوَ مِنْ أَنْفَسِ الكُتُبِ.
وَكَانَ بَصِيْراً بِعِلْمِ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي عِيَاضٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ يَحْيَى القُرْطُبِيُّ الوَزْغِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِمَدِينَةِ المَهْدِيَّةِ مِنْ إِفْرِيْقِيَةَ، وَبِهَا مَاتَ, فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ, سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَمَازَرُ: بُلَيدَةٌ مِنْ جَزِيْرَةِ صَقَلِّيَّةَ بِفَتحِ الزَّايِ, وَقَدْ تُكسَرُ. قَيَّدَه ابْنُ خَلِّكَانَ.
قِيْلَ: إِنَّهُ مَرِضَ مَرضَةً، فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَالِجُه إلَّا يَهُوْدِيٌّ، فَلَمَّا عُوفِيَ عَلَى يَدِه، قَالَ: لَوْلاَ
الْتِزَامِي بِحِفظِ صنَاعَتِي, لأَعدمتُكَ المسلمين. فأثر هذا عِنْد المَازَرِيِّ، فَأَقْبَل عَلَى تَعلُّمِ الطِّبِّ, حَتَّى فَاق فِيْهِ، وَكَانَ مِمَّنْ يُفْتِي فِيْهِ, كَمَا يُفْتِي فِي الفِقْهِ.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاضٌ فِي "المَدَارِكِ": المَازَرِيُّ يُعرَفُ بِالإِمَامِ، نَزِيْلُ المَهْدِيَّةِ, قِيْلَ: إِنَّهُ رَأَى رُؤْيَا، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَحقٌّ مَا يَدعُوْنَنِي بِهِ? إِنَّهُم يَدعُوْنَنِي بِالإِمَامِ. فَقَالَ: وَسِّعْ صَدْرَكَ لِلْفُتْيَا.
ثُمَّ قَالَ: هُوَ آخِرُ المُتَكَلِّمِينَ مِنْ شُيُوْخِ إِفْرِيْقِيَةَ بِتَحْقِيْقِ الفِقْهِ، وَرُتبَةِ الاجْتِهَادِ، وَدِقَّةِ النَّظَرِ، أَخَذَ عَنِ: اللَّخْمِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الحَمِيْدِ السُّوْسِيِّ, وَغَيْرِهِمَا بِإِفْرِيْقِيَةَ، وَدرَّسَ أُصُوْلَ الفِقْهِ وَالدِّينِ، وَتَقدَّمَ فِي ذَلِكَ، فَجَاءَ سَابقاً، لَمْ يَكُنْ فِي عَصرِه لِلمَالِكيَّةِ فِي أَقطَارِ الأَرْضِ أَفْقَهُ مِنْهُ, وَلاَ أَقوَمُ بِمَذْهَبِهِم، سَمِعَ الحَدِيْثَ، وَطَالعَ مَعَانِيهِ، وَاطَّلعَ عَلَى عُلُوْمٍ كَثِيْرَةٍ مِنَ الطِّبِّ وَالحسَابِ وَالآدَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَانَ أَحَدَ رِجَالِ الكَمَالِ، وَإِلَيهِ كَانَ يُفزَعُ فِي الفُتْيَا فِي الفِقْهِ، وَكَانَ حَسَنَ الخُلُقِ، مَلِيحَ المُجَالَسَةِ، كَثِيْرَ الحِكَايَةِ وَالإِنشَادِ، وَكَانَ قَلَمُه أَبلَغُ مِنْ لِسَانِه، أَلَّفَ فِي الفِقْهِ وَالأُصُوْلِ، وَشَرَحَ كِتَابَ مُسْلِمٍ، وَكِتَابَ "التَّلْقِيْنِ"، وَشَرَحَ "البرهان" لأبي المعالي الجويني.
وَثَمَّ مَازَرِيٌّ آخَرُ مُتَأَخِّرٌ، سَكَنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَشَرَحَ "الإِرْشَادَ" المُسَمَّى بِـ "المِهَادِ".
وَلِصَاحِبِ التَّرْجَمَةِ تَأْلِيْفٌ فِي الرَّدِّ عَلَى "الإِحْيَاءِ" وَتَبيِينِ مَا فِيْهِ مِنَ الوَاهِي وَالتَّفَلْسُفِ، أَنْصَفَ فِيْهِ، رَحِمَهُ اللهُ.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

المازري: أبي عبد الله محمّد بن عليّ بن عمر بن محمّد التميمي الشيخ الإمام المجتهد المازري بفتح الزاي عند الأكثر وجوز كسرها جماعة نسبة إلى مازر بليدة بجزيرة صقلية، وكان إماما محدثا وهو أحد الأئمة الأعلام المشار إليهم في حفظ الحديث والكلام عليه عمدة النظار وتحفة الأمصار المشهور في الآفاق والأقطار حتى عد في المذهب إماما وملك من مسائله زماما..توفي ثامن عشر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وخمس مائة وقيل يوم الاثنين ثامن الشهر المذكور بالمهدية وعمره ثلاث وثمانون سنة رحمه الله ورضي عنه.ينظر شذرات الذهب 4/114،أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض1/291.  

 

 

محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري، أبو عبد الله:
محدث، من فقهاء المالكية. نسبته إلى (مازر) (Mazzara) بجزيرة صقلّيّة، ووفاته بالمهدية. له (المعلم بفوائد مسلم - خ) في الحديث، وهو ما علق به على صحيح مسلم، حين قراءته عليه سنة 499 وقيده تلاميذه. فمنه ما هو بحكاية لفظه وأكثره بمعناه. انظر مخطوطته في خزانة الرباط (94 أوقاف) وهي جيدة كتبت سنة 629 ومن كتبه (التلقين - خ) في الفروع، و (الكشف والإنباء) في الرد على الإحياء للغزالي، و (إيضاح المحصول في الأصول) وكتب في الأدب.
وصنف حسن حسني عبد الوهاب: (الإمام المازري - ط) في سيرته، وتسلسل السند العلمي بإفريقية، من لدن العهد العربيّ إلى القرن الثامن للهجرة .

-الاعلام للزركلي-
أبو عبد الله، محمدُ بنُ عليِّ بنِ عمرَ بنِ محمدٍ، التميميُّ، المازريُّ، الفقيهُ المالكيُّ، المحدِّثُ.
أحدُ الأعلام المشار إليهم في حفظ الحديث، والكلامِ عليه.
شرح "صحيح مسلم" شرحا جيدًا سماه: "كتاب المعلم بفوائد كتاب مسلم"، وعليه بنى القاضي عياض "كتاب الإكمال"، وهو تكملة لهذا الكتاب، وله في الأدب كتب متعددة، وله كتاب "إيضاح المحصول في برهان الأصول"، وكان فاضلًا متفننًا.
توفي في الثامن عشر ربيع الأول سنة 536، وعمره ثلاث وثمانون سنة.
والمازريُّ - بفتح الميم وبعدها ألف ثم زاي مفتوحة، وقد تكسر أيضًا ثم راء - هذه النسبة إلى مازر: وهي بُليدة بجزيرة صِقِلِّية.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.