أبو عبد الله محمد زيتونة: الشريف المنستيري المنشأ والدار التونسي القرار عالمها وشاعرها ومفتيها وغيث واديها ومصباح ناديها شيخ الإسلام قدوة الأنام مشيد علوم الأوائل ومحرر البراهين منها والدلائل حافظ المغرب على الإطلاق الحائز قصب السباق المفسر النظار خاتمة العلماء الكبار حفظ القرآن ببلده
وأتى على بصره في حال صغره ثم سافر للقيروان وأقام هناك نحو الثلاثة أعوام فتفقه على مشايخها كالشيخ محمد عظوم الآخذ على النور الأجهوري والشيخ سلطان ثم قدم تونس وأخذ عن أعلام كالشيخ محمد الغماد والشيخ الجمل وأحمد الشريف الحفيد والمحجوز والحجيج وأجازه ومحمد فتاتة وابنه حموده وسعيد الشريف وعبد القادر الجبالي ومحمد الغماري وغيرهم وحج حجة الإسلام سنة 1114 هـ ولما وصل الإسكندرية أواخر رجب من السنة وكانت ليلة المعراج طلب منه الطلبة على حين غفلة إحياء تلك الليلة فأجابهم لذلك وصلّى بهم العشاء بالإسراء والنجم ثم أخذ في تفسير قوله جلّ من قائل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} أتى على كل المعاني والفنون واستمر في تقرير ذلك إلى الساعة السابعة وحضر جلة من العلماء واعترفوا له بالفضل والعلم ثم توجه لمصر واستفاد وأفاد، وأخذ عن الشيخ محمد الزرقاني وأبي العباس أحمد ابن الشيخ منصور المنوفي ولما رجع لتونس وافق موت شيخه أبي عبد الله محمد الغماد وكان مدرسًا بالمدرسة المرادية فاختلفت الآراء فيمن يتصدر للتدريس بها عوضه ثم رأى الأمير جعل مناظرة بين طالبيها وجعلها بجامع الزيتونة ووقعت بين المتأهلين لها منهم الشيخ الخضراوي وصاحب الترجمة وحضر المناظرة الأمير فمن دونه وكانت اليد العليا لصاحب الترجمة وتولاها وتصدى للتدريس بها وبغيرها وأفاد وأجاد وتخرج به الكثير من الفحول منهم محمد سعادة وحمودة الريكلي والشيخ سويسي والشيخ محمد عزوز ثم حج ثانية سنة 1124 هـ وجاور واجتمع بالأفاضل بالإسكندرية ومصر والحرمين وأفاد واستفاد وأجيز وأجاز، أخذ بمكة عن الشيخ عبد الله البصري تلميذ الشيخ البابلي وبالمدينة عن الشيخ الزلفي وبمصر عن الشيخ سليمان الشبرخيتي تلميذ النور الأجهوري وغيرهم، وأجاز بالإسكندرية أبا العباس أحمد الصباغ إجازة عامة ثم رجع لتونس ولازم التدريس والإفادة وتولى الإمامة والخطابة بجامع باب بحر وظهرت عليه أنوار الصلاح، وكان أشار له بذلك شيخه العارف بالله الأستاذ علي عزوز صاحب زاوية زغوان وغيرها المتوفى سنة 1122 هـ[1710 م]، وعد ذلك من كراماته وانفتحت له كنوز الدقائق ونوّر الله قلبه بأنوار الحقائق وكان معظماً عد الخاصة والجمهور والأمير والمأمور وكان الأمير حسين باي باني البيت الحسيني يبعث إليه ويستشيره فكان إذا أتاه يخرج لتلقيه خارج البيت ويأخذ بيده ويجلسه حذوه ولا يحضر معهما ثالث في الغالب له تآليف منها حاشية على الوسطى في مجلدين وشرح منظومة البيقوني وكتب على أبواب متفرقة في صحيحي البخاري ومسلم جعلها أختاماً وكتابة على ألفية ابن مالك لم تكمل وشرح على خطبة مختصر السعد وحاشية على تفسير أبي السعود جاوز نصفه في ستة عشر جزءاً في القالب الكبير وله رسائل في مباحث متفرقة وبالجملة فإن ترجمته واسعة فوق ما يذكر. مولده سنة 1081 هـ وتوفي خامس شوال سنة 1138 هـ[1725 م]، وكانت جنازته من المحافل العظيمة حضرها الأمير المذكور ورفع نعشه ودفن بالجلاز يقال: خرج لها الناس من جميع أبواب تونس ورثوه بقصائد كثيرة تزيد على الخمسين وأرّخ بيا صاحب الحاشية.
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف
محمد زيتونة المنستيري، أبو عبد الله:
عالم تونس ومفتيها في عصره. ولد بالمنستير، وأصيب بفقد بصره في صغره، وتفقه بالقيروان وتونس. وحج، ومر بمصر. وعاد فاستقر بتونس، وتخرج به كثير من علمائها، وتوفي بها.
من كتبه (شرح منظومة البيقوني) في مصطلح الحديث، و (شرح السلم) في المنطق، و (حاشية على تفسير أبي السعود) جاوز بها نصفه في 16 جزءا، ورسائل في مباحث متفرقة .
-الاعلام للزركلي-
زيتونة (1081 - 1138 هـ) (1670 - 1726 م)
محمد بن عبد الله زيتونة الشريف المنستيري، المفسر، الفقيه، الناظم الكفيف، الذكي الذي كان يحفظ من سماع واحد، وله في ذلك حكايات عجيبة.
ولد بالمنستير، وبها استظهر القرآن الكريم، وحفظ المنون، ومبادئ العلوم، ثم ارتحل إلى القيروان، ومكث بها مدة تقرب من ثلاثة أعوام، وقرأ على مشايخها كالشيخ محمد عظّوم تلميذ الشيخين علي الأجهوري، وسلطان المزّاحي وطبقتهما، وعلى الشيخ علي الغرياني، وأحمد البرجيني، وغيرهم، ثم رحل إلى تونس، وقرأ على جماعة منهم سعيد الشريف، ومحمد الحجيج الأندلسي قال: أخذت عنه علم الفقه قراءة للمختصر مرة لجميعه، ومرة لبعضه، وحصلت عليه الكلام، وأخذت عنه جميع عقائد السنوسي إلا المقدمات، والجوهرة حضورا فيها، باشرت في غيرهما، وأخذت عنه علم الحديث فقرأت عليه صحيح البخاري بعضه رواية ودراية، والباقي بالاجازة، وأخذت عنه التفسير من آية الصوم إلى قوله «يسألونك عن الأهلة».وشمائل الترمذي، ومنظومة الأجهوري في الصوم، وغير ذلك، كما أخذ عن محمد فتاتة، ولازم هذين الأخيرين إلى وفاتهما، وعبد القادر الجبالي المطماطي، وأخذ النحو، والفقه عن محمد الغماري، ومحمد الغماد، ولازمه بالمدرسة المرادية، وإبراهيم الجمل الصفاقسي المقرئ، النحوي، الصوفي، ومحمد الشريف الحفيد، والمحدث سعيد المحجوز، وحمودة فتاتة وغيرهم.
فقد بصره وهو صغير، وذلك أنه خرج هاربا من تونس، فركب مركبا مشحونا بالملح في شدة الشتاء، فأثّر ذلك في بصره فكف، ولم تحل هذه الزمانة بينه وبين النبوغ والتفوق على معاصريه.
وتصدر للتدريس بجامع الزيتونة، عند طلوع الفجر، وبعد الظهر حسبة لله من غير وظيفة، وله درس آخر في مسجد الشيخ أبي جبرة بنهج المشرع قرب الصباغين، وكانت تلقى دروس بهذا المسجد، وكانت به مكتبة نادرة المثال نقلها الوزير خير الدين إلى المكتبة العبدلية الصادقية.
وكان للباي حسين بن علي فيه محبة واعتقاد، وإذا دهمه أمر يبعث إليه ويستشيره، فكان إذا أتاه يخرج لتلقيه خارج البيت، ويأخذ بيده ويقوده ويجلسه حذوه، ولا يحضر معهما ثالث في الغالب.
توجه إلى الحج وأدى الفريضة سنة 1114/ 1703 قال حسين خوجة:
«وكنت حاضرا حين دخوله الاسكندرية، وكان دخوله إليها يوم الخميس وكان الثالث والعشرين من شهر رجب، وفي عشية ليلة المعراج أتى اليه جماعة من أعيان البلد وطلبوا منه احياء تلك الليلة المباركة على حين غفلة، ولم يكن الشيخ متهيئا لهذه المهمة، فنظر قليلا عقيب النهار في بعض التفاسير، وامتلأ جامع ابن تربانة بازدحام الخلق من فوق ومن أسفل، وصلّى بهم صلاة العشاء ... ثم تصدى في المحراب، وتلا قوله تعالى:
{سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»}.
ولم ينفك عن تفسير تلك الآية، وأتى فيها من كل الفنون والمعاني، ومن جميع العلوم إلى السابعة من الليل، وحضرته اجلاء العلماء ومن جملة من حضره الشيخ إبراهيم مفتي المالكية بثغر الاسكندرية ممن شهد له بالفضل، وشهد للشيخ سيدي محمد زيتونة، وأثنى عليه، ثم توجه إلى القاهرة، ولقي علماء الأزهر، وقرأ عليهم كالشيخ محمد الزرقاني دروسه في صحيح مسلم، ومختصر خليل، وغيرهما، والشيخ أحمد بن الفقيه، والشيخ منصور المنوفي». وبعد حجه رجع إلى تونس، وولي مشيخة المدرسة المرادية بعد المناظرة مع علماء عصره المنازعين له، وقد شرط محبسها أن لا يتولى مشيختها إلا اعلم أهل عصره، فعقد له مع منازعيه مجلس علمي حضره جلة علماء جامع الزيتونة، فكان صاحب الترجمة الفائز في المناظرة، وذلك سنة 1115/ 1704 على اثر وفاة الشيخ محمد الغمّاد أول مدرس بها وفي سنة 1124/ 1712 حج حجته الثانية، واجتمع في مكة بتلميذه الشيخ حسين خوجة المؤرخ، وعرفه ببعض علمائها وصوفيتها، وذلك سنة 1125/ 1713، واجتمع في القاهرة بالشيخ سليمان الشبرخيتي تلميذ الشيخ علي الأجهوري وأخذ عنه، وبالشيخ علي الطولوني المحدث بجامع ميرزا ببولاق، وفي الاسكندرية أجاز أحمد بن مصطفى بن أحمد الزبيري المالكي الاسكندري الشهير بالصباغ، كما ذكره الجبرتي في تاريخه 1/ 248 (من طبعة بيروت)، وللشيخ الصباغ هذا ثبت رواه عنه المغاربة، ووقع التعرض له في ترجمة الشيخ ابراهيم الرياحي.
ولقي بمكة المحدث الرحالة الشيخ عبد الله بن سالم البصري الشافعي تلميذ المحدث محمد علاء الدين البابلي المصري، ولقي بالمدينة الشيخ عمر الزلفي، كما لقي غير هؤلاء، وفي هذه الحجة جاور بالمدينة المنورة، وأقرأ التفسير، وتكميل حاشيته على تفسير أبي السعود المسمى «بإرشاد العقل السليم الى مزايا كتاب الله الكريم».
وعند رجوعه من الحج مر بصفاقس فاجتمع به الشيخ أحمد ابن الشيخ علي النوري، وعلي الغراب الشاعر، والشيخ محمد الأومي، والشيخ إبراهيم المزغني، والشيخ إبراهيم بو عصيدة، وطلبوا منه الاجازة فأجازهم نظما بعد وصوله إلى تونس بما حواه «منتخب الأسانيد في وصل المصنفات والأجزاء والمسانيد» للشيخ عيسى الثعالبي الجزائري نزيل مكة الذي اقتصر في هذا الكتاب على رواياته عن شيخه محمد علاء الدين البابلي حين مجاورته بالحرم المكي.
وبعد رجوعه الى تونس صار ملازما للتدريس والمراجعة والتدوين ليلا ونهارا لا ينام من الليل إلا قليلا، وولي الخطابة بجامع باب البحر خارج باب تونس، وأحدث فيه كرسيا للوعظ، وأتى في وعظه بكل غريب، وهرعت إليه الناس.
توفي صبيحة الخميس في 5 شوال 1138/ 7 جوان 1726 وحضر جنازته الأمير حسين بن علي باي، وكانت جنازة حافلة حتى قالوا: إن هذه الجنازة ضاقت عنها شوارع تونس فاضطر المشيعون بسبب كثرتهم للخروج من أبواب الحاضرة للالتحاق بمقبرة الزلاج حيث واروه التراب ودفن قرب ضريح القاضي محمد بن عبد السلام.
مؤلفاته:
حاشية على تفسير أبي السعود العمادي مفتي استانبول تسمى مطالع السعود وفتح الودود على تفسير أبي السعود. وهذه الحاشية جاوز بها نصفه في 16 جزءا من القطع الكبير. قال الشيخ محمد النيفر في «عنوان الأريب»: «أتم الحاشية العظيمة على تفسير أبي السعود في أجزاء عدتها عشرون، وكان يمليها من حفظه على تلاميذه فيكتبون كل يوم ما يعجزهم نسخا فضلا عن التأليف».
وفي آخر الجزء الأول من هذه الحاشية ذكر المؤلف ما اعترضه من عوائق الزمان حتى أخذ بيده أمير تونس سنة 1127/ 1716 وحمله على بما نشط به، والأمير يومئذ هو حسين بن علي مؤسس الدولة الحسينية.
إتمامها
ابتدأ هذه الحاشية سنة 1110/ 1690، وتم تسويد الجزء الأول، وهو شرح الديباجة سنة 1125/ 1713 وهو مجاور بالمدينة المنورة، وبعد رجوعه إلى تونس تم تسويدها يوم الجمعة قبل الزوال أواسط ربيع الأول سنة 1132/ 1720، وهذه الحاشية توسع فيها، وأفاض الكلام على عبارات أبي السعود من جميع العلوم التي لها مساس بها.
فتكلم عليها من جهة النحو والصرف واللغة وعلوم البلاغة والتوحيد والأصول، والفروع، والاشارات إلى غير ذلك. حتى أسرار الحروف. وكثيرا ما يعتمد كلام الشهاب الخفاجي توجد منها نسختان في 12 جزءا بالمكتبة الوطنية بتونس رقم الأولى 7227 والثانية 8275.
حاشية على العقيدة الوسطى للسندسي، في مجلدين.
شرح خطبة الشرح المختصر لسعد الدين التفتازاني على التلخيص في البلاغة.
شرح خطبة المطول، في عدة كراريس، ويلوح أنه لم يتمه لأن النسخ الموجودة منه بها نقص في آخرها، توجد منه نسخة في المكتبة الوطنية (أصلها من العبدلية).
شرح السلم المنطقي.
شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث.
كتابة على أبواب متفرقة من صحيح مسلم، بمناسبة مجالس الاختام في رمضان.
كتابة على ألفية ابن مالك لم تكمل.
منظومة في المنطق سماها الجامعة.
وله نظم، وجد في الجزء العاشر من نسخة من إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني قصيدة له على روي القاف في مدح البخاري وصحيحه أولها.
هذا الكتاب بشرع أحمد ينطق … ولشمل أرباب الضلال يمزّق
وصرح بأنه يملك النسخة
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الثاني - صفحة 437 - للكاتب محمد محفوظ