أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي البيهقي

تاريخ الولادة384 هـ
تاريخ الوفاة458 هـ
العمر74 سنة
مكان الولادةبيهق - إيران
مكان الوفاةنيسابور - إيران
أماكن الإقامة
  • بيهق - إيران
  • خراسان - إيران
  • خسروجرد - إيران
  • طوس-خراسان - إيران
  • نيسابور - إيران
  • همذان - إيران
  • الحجاز - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • الكوفة - العراق
  • بغداد - العراق

نبذة

الإمام أبي بكر البيهقي (بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وبعدها الهاء وفي آخرها القاف، هذه النسبة إلى بيهق وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخا منها) اسمه ونسبه: الإِمام العلامة الحافظ الجليل شيخ الشافعية أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي ابن موسى البيهقي الخسروجردي (بضم الخاء المعجمة وسكون السين المهملة وفتح الراء وسكون الواو وكسر الجيم وسكون الراء وفي آخرها الدال المهملة، هذه النسبة إلى خسروجرد، وهي قرية من ناحية بيهق).

الترجمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ترجمة الإمام أبي بكر البيهقي (بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وبعدها الهاء وفي آخرها القاف، هذه النسبة إلى بيهق وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخا منها)
اسمه ونسبه:
الإِمام العلامة الحافظ الجليل شيخ الشافعية أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي ابن موسى البيهقي الخسروجردي (بضم الخاء المعجمة وسكون السين المهملة وفتح الراء وسكون الواو وكسر الجيم وسكون الراء وفي آخرها الدال المهملة، هذه النسبة إلى خسروجرد، وهي قرية من ناحية بيهق).

مولده ونشأته:
تكاد تجمع كتب التراجم على أنه ولد في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة (384 هـ)، إلا أن ابن الأثير انفرد بقوله: ومولده سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
ولم تسعفنا كتب التراجم المتوفرة بين أيدينا بشيء ذي بال عن أسرة الإِمام البيهقي، لكن الذي نعلمه أنه بدأ طلب العلم وسماع الحديث منذ نعومة أظفاره وهو في سنن صغيرة حيث كان عمره خمس عشرة سنة، أي في حدود سنة (399 هـ)، وهذا ينبئنا أن البيهقي قد نشأ في بيئة علمية، أو على الأقل نشأ بين أبوين محبين للعلم مما مكنه من سماع الحديث في هذه السنن الصغيرة، كذلك لا يعقل أن والد الإِمام البيهقي يذهب به لسماع الحديث قبل أن يكون قد حفظ القرآن الكريم وتعلم أصول العربية وأخذ شيئًا من بعض العلوم، كما هو متبع في ذلك الزمان.
ويحدثنا البيهقي نفسه عن نشأته فيقول في كتابه معرفة السنن والآثار: "إني منذ نشأت وابتدأت في طلب العلم أكتب أخبار سيدنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله أجمعين، وأجمع آثار الصحابة الذين كانوا أعلام الدين، وأسمعها ممّن حملها، وأتعرف أحوال رواتها من حفاظها، وأجتهد في تمييز صحيحها من سقيمها، ومرفوعها من موقوفها، وموصولها من مرسلها، ثم أنظر في كتب هؤلاء الأئمة الذين قاموا بعلم الشريعة وبنى كل واحد منهم مذهبه على مبلغ علمه من الكتاب والسنة، فأرى كل واحد منهم رضي الله عنهم جمعيهم قصد قصد الحق فيما تكلف واجتهد في أداء ما كلف، وقد وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث صحيح عنه لمن اجتهد فأصاب أجرين، ولمن اجتهد فأخطأ أجرا واحدا, ولا يكون الأجر على الخطأ وإنما يكون على ما تكلف من الاجتهاد، ويرفع عنه إثم الخطأ بأنه إنما كلف الاجتهاد في الحكم على الظاهر دون الباطن، ولا يعلم الغيب إلا الله عَزَّ وَجَلَّ، وقد نظر في القياس فأداه القياس إلى غير ما أدى إليه صاحبه كما يؤديه الاجتهاد في القبلة إلى غير ما يؤدي إليه صاحبه، فلا يكون المخطئ منهما عين المطلوب بالاجتهاد مأخوذا إن شاء الله بالخطأ، ويكون مأجورا إن شاء الله على ما تكلف من الاجتهاد. ونحن نرجو ألا يؤخذ على واحد منهم أنه خالف كتابا نصا ولا سنة قائمة ولا جماعة ولا قياسا صحيحا عنده، ولكن قد يجهل الرجل السنة فيكون له قول يخالفها لا أنه عمد خلافها، وقد يغفل المرء ويخطئ في التأويل، وهذا كله مأخوذ من قول الشافعي رحمه الله ومعناه".
وقال عبد الغافر الفارسي في المنتخب من السياق: "كتب الحديث وحفظه من صباه إلى أن نشأ، وتفقه وبرع فيه، وشرع في الأصول، ورحل إلى العراق والجبال والحجاز".
رحلته في طلب العلم: قام البيهقي رحمه الله برحلة طويلة في طلب العلم فسمع أولًا بمدن خراسان: نوقان، طوس، همدان، نيسابور، روذبار .... وغيرها من بلاد خراسان، ولما حوى ما في هذه البلاد من علم توجه إلى أداء الحج، فدخل مكة وسمع من علمائها، وتوجه إلى بغداد والكوفة وما حولها من بلدان كعادة جميع العلماء في الرحلة في طلب العلم، ولم تحدثنا الكتب التي ترجمت للبيهقي كثيرا عن رحلته، وبعد هذه الرحلات رجع إلى بيهق، قال الذهبي: وانقطع بقريته مقبلا على الجمع والتأليف.
مؤلفاته:
لقد كُتب كثيرا في ترجمة البيهقي وإحصاء مؤلفاته، واجتنابا للتكرار أذكر هنا الكتب المطبوعة للبيهقي فقط، والتي تم الاعتماد عليها في البحث:
1 - إثبات عذاب القبر.
2 - أحكام القرآن.
3 - الآداب.
4 - الأربعون الصغرى.
5 - الأسماء والصفات.
6 - البعث والنشور.
7 - بيان خطأ من أخطأ على الشافعي.
8 - الجامع في الخاتم.
9 - الجامع في شعب الإيمان.
10 - حياة الأنبياء في قبورهم.
11 - الخلافيات.
12 - الدعوات الكبير.
13 - دلائل النبوة ومعرفة صاحب أحوال الشريعة.
14 - رسالة البيهقي إلى أبي محمَّد الجويني.
15 - رد الانتقاد على ألفاظ الشافعي.
16 - رسالة في حديث الجويباري.
17 - رسالة البيهقي إلى عميد الملك (طبعت ضمن طبقات الشافعية للسبكي).
18 - الزهد الكبير.

19 - السنن الصغير.
20 - السنن الكبرى.
21 - فضائل الأوقات.
22 - القراءة خلف الإِمام.
23 - القضاء والقدر.
24 - الاعتقاد.
25 - المدخل إلى السنن الكبرى.
26 - معرفة السنن والآثار.
27 - مناقب الشافعي.
ثناء العلماء عليه: قال الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري: "كتب إلي الشيخ أبو الحسن الفارسي قال: أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى أبو بكر البيهقي الإِمام الحافظ الفقيه الأصولي، الدَّيِّن الوَرع، واحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله الحافظ والمكثرين عنه، ثم الزائد عليه في أنواع العلوم، كتب الحديث وحفظه من صباه إلى أن نشأ وتفقه، وبرع فيه، وشرع في الأصول".
قال السمعاني في الأنساب: "كان إمامًا فقيها حافظًا، جمع بين معرفة الحديث وفقهه، وكان تتبع نصوص الشافعي وجمع كتابا فيها سماه كتاب المبسوط، وكان أستاذه في الحديث الحاكم أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحافظ، وتفقه على أبي الفتح ناصر بن محمَّد العمري المروزي، وسمع الحديث الكثير وصنف فيه التصانيف التي لم يسبق إليها، وهي مشهورة موجودة في أيدي الناس".

قال الصفدي في الوافي: "أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الإِمام أبو بكر البيهقي الخسروجردي مصنف السنن الكبير، كان أوحد زمانه وفرد أقرانه، من كبار أصحاب أبي عبد الله الحاكم".
قال الحافظ الذهبي في السير: "الحافظ العلامة، المثبت، الفقيه، شيخ الإِسلام".
وقال أيضًا: "تصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قل من جود تواليفه مثل الإِمام أبي بكر، فينبغي للعالم أن يعتني بهؤلاء سيما سننه الكبير".
وقال في تاريخ الإِسلام: "كان واحد زمانه، وفرد أقرانه، وحافظ أوانه، ومن كبار أصحاب أبي عبد الله الحاكم".
وقال في تذكرة الحفاظ: "لم يكن عنده سنن النسائي ولا جامع الترمذيّ ولا سنن ابن ماجه، بل كان عنده الحاكم فأكثر عنه، وعنده عوال ومسانيد، وبورك له في علمه لحسن قصده وقوة فهمه وحفظه".
قال عبد الغافر في تاريخه: "الإِمام الحافظ الفقيه الأصولي الديِّن الوَرع، واحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله الحافظ والمكثرين عنه ثم الزائد عليه في أنواع العلوم".
وعن إمام الحرمين أبى المعالي قال: "ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي، فإن له المنة على الشافعي؛ لتصانيفه في نصرة مذهبه".

مذهب البيهقي:

كان البيهقي شافعي المذهب، واختار هذا المذهب بعد الدراسة والاقتناع، ويحدثنا البيهقي نفسه عن سبب اختياره للمذهب الشافعي على باقي المذاهب الأخرى: قال في معرفة السنن والآثار: "وقد قابلت بتوفيق الله تعالى أقوال كل واحد منهم بمبلغ علمي من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، ثم بما جمعت من السنن والآثار في الفرائض والنوافل والحلال والحرام والحدود والأحكام، فوجدت الشافعي رحمه الله أكثرهم اتباعا وأقواهم احتجاجا وأصحهم قياسا وأوضحهم إرشادا، وذلك فيما صنف من الكتب القديمة والجديدة في الأصول والفروع وبأبين بيان وأفصح لسان، وكيف لا يكون كذلك وقد تبحر أولًا في لسان من ختم الله النبوة به وأنزل به القرآن مع كونه عربي اللسان قرشي الدار والنسب، من خير قبائل العرب، من نسل هاشم والمطلب، ثم اجتهد في حفظ كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وآثار الصحابة وأقوالهم وأقوال من بعدهم في أحكام الله عَزَّ وَجَلَّ، حتى عرف الخاص من العام، والمفسر من المجمل، والفرض من الأدب، والحتم من الندب، واللازم من الإباحة، والناسخ من المنسوخ، والقوي من الأخبار من الضعيف، والشاذ منها من المعروف، والإجماع من الاختلاف، ثم شبه الفرع المختلف فيه بالأصل المتفق عليه من غير مناقضة منه للبناء الذي أسسه، ولا مخالفة منه للأصل الذي أصله، فخرجت -بحمد الله ونعمته- أقواله مستقيمة وفتاواه صحيحة، وكنت قد سمعت من كتبه الجديدة ما كان مسموعًا لبعض مشايخنا، وجمعت من كتبه القديمة ما وقع إلى ناحيتنا، فنظرت فيها، وخرجت بتوفيق الله تعالى مبسوط كلامه في كتبه بدلائله وحججه".

منة البيهقي على الشافعي والمذهب الشافعي: مر بنا في نقل أقوال العلماء في البيهقي قول إمام الحرمين أبي المعالي: "ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي، فإن له المنة على الشافعي؛ لتصانيفه في نصرة مذهبه".

قال الذهبي في السير بعد نقله كلام إمام الحرمين: "أصاب أبو المعالي، هكذا هو، ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه لكان قادرا على ذلك؛ لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل مما صح فيها الحديث".
وأورد الذهبي في السير: "قال شيخ القضاة أبو علي إسماعيل بن البيهقي: حدثنا أبي قال: حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب -يعني كتاب المعرفة في السنن والآثار- وفرغت من تهذيب أجزاء منه، سمعت الفقيه محمَّد بن أحمد -وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوة وأصدقهم لهجة- يقول: رأيت الشافعي -رحمه الله- في النوم وبيده أجزاء من هذا الكتاب، وهو يقول: قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد سبعة أجزاء، أو قال: قرأتها. ورآه يعتد بذلك. قال: وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني الشافعي قاعدا في الجامع على سرير وهو يقول: قد استفدت اليوم من كتاب الفقيه حديث كذا وكذا.
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان: "أول من جمع نصوص الإِمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في عشر مجلدات".
وقال أيضًا: "كان من أكثر الناس نصرًا لمذهب الشافعي، وطلب إلى نيسابور لنشر العلم فأجاب وانتقل إليها".

وفاته: وبعد هذه الحياة العامرة بالعلم من تصنيف وتحديث وتدريس رحل الإِمام البيهقي عن هذه الدنيا في عاشر شهر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة عن أربع وسبعين سنة.

قال الذهبي في السير: "غسل وكفن، وعمل له تابوت، فنقل ودفن ببيهق".
إِتْحَافُ المُرْتَقِي بِتَرَاجِمِ شُيُوخ البَيهَقِيّ - محمود بن عبد الفتاح النحال.

 

 

أبو بكر البيهقي
أبو بكر احمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي الخسروجردي الفقيه الشافعي الحافظ الكبير المشهور، وأحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله ابن البيع في الحديث، ثم الزائد عليه في أنواع العلوم؛ أخذ الفقه عن أبي الفتح ناصر بن محمد العمري المروزي، غلب عليه الحديث، واشتهربه، ورحل في طلبه إلى العراق والجبال والحجاز، وسمع بخراسان من علماء عصره وكذلك ببقية البلاد التي انتهى إليها، وشرع في التصنيف فصنف فيه كثيراً حتى قيل: تبلغ تصانيفه ألف جزء، وهو أول من جمع نصوص الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، في عشر مجلدات  ومن مشهور مصنفاته السنن الكبير السنن الصغير ودلائل النبوة، والسنن، والآثار وشعب الايمان، ومناقب الشافعي المطلبي ومناقب أحمد بن حنبل وغير ذلك. وكان قانعاً من الدنيا بالقليل، وقال إمام الحرمين في حقه: مامن شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة، إلا أحمد البيهقي فإن له على الشافعي منة، وكان من أكثر الناس نصراً لمذهب الشافعي، وطلب إلى نيسابور لنشر العلم فأجاب وانتقل إليها، وكان على سيرة السلف، وأخذ عنه الحديث جماعة من العيان، منهم زاهر الشحامي ومحمد الفراوي وعبد المنعم القشيري وغيرهم.
وكان مولده في شعبان سنة اربع وثمانين وثلثمائة، وتوفي في العاشر من جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، بنيسابور، ونقل إلى بيهق، رحمه الله تعالى.
ونسبته إلى بيهق - بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعد الهاء المفتوحة قاف - وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخا منها، وخسر وجرد من قراها، وهي بضم الخاء المعجمة.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

 

أحمد ابن الحسين بن علي بن موسى ، ؟أبي بكر ، البيهقي ، الحافظ العلامة الثبت الفقيه شيخ الإسلام ، وبيهق ناحية كبيرة وكورة واسعة كثيرة البلدان ، ولد سنة : 384 ه ، روى عن : سعد بن يزيد الفراء ، والحاكم أبي عبد الله ابن البيع ، وغيرهما ، وروى عنه : عبيد الله بن محمد البيهقي ، ومحمد الفراوي ، وغيرهما ، له من المصنفات : مناقب الإمام الشافعيّ ، والسنن الكبرى ، وغيرهما ، ، قال عنه إمام الحرمين : ما من شافعيّ إلا وللشافعي فضل عليه غير البيهقي . توفي سنة : 458هـ . ينظر : اللباب ، للمحاملي : 1/453 ، ووفيات الأعيان ، : 1/75 ، ومعجم البلدان : 1/537 ، وسير اعلام النبلاء : 1/547 ، وميزان الاعتدال : 3/15 ، وشذرات الذهب : 5/248 

 

 

أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عبد الله بن مُوسَى الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ النَّيْسَابُورِي الخسروجردي

وخسروجرد بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخرهَا الدَّال الْمُهْملَة قَرْيَة من نَاحيَة بيهق
كَانَ الإِمَام الْبَيْهَقِيّ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين وَهُدَاة الْمُؤمنِينَ والدعاة إِلَى حَبل الله المتين
فَقِيه جليل حَافظ كَبِير أصولي نحرير زاهد ورع قَانِت لله قَائِم بنصرة الْمَذْهَب أصولا وفروعا جبلا من جبال الْعلم
ولد فِي شعْبَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة
وَسمع الْكثير من أبي الْحسن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْعلوِي وَهُوَ أكبر شيخ لَهُ وَمن أبي طَاهِر الزيَادي وَأبي عبد الله الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أجل أَصْحَاب الْحَاكِم وَمن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأبي بكر بن فورك وَأبي عَليّ الرُّوذَبَارِي وَأبي زَكَرِيَّا الْمُزَكي وَخلق من أَصْحَاب الْأَصَم
وَحج فَسمع بِبَغْدَاد من هِلَال الحفار وَأبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَجَمَاعَة
وبمكة من أبي عبد الله بن نظيف وَغَيره بخراسان وَالْعراق والحجاز وَالْجِبَال

وشيوخه أَكثر من مائَة شيخ وَلم يَقع لَهُ التِّرْمِذِيّ وَلَا النَّسَائِيّ وَلَا ابْن مَاجَه
روى عَنهُ جمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم وَلَده إِسْمَاعِيل وحفيده أَبُو الْحسن عبيد الله بن مُحَمَّد ابْن أبي بكر وَأَبُو عبد الله الفراوي وزاهر بن طَاهِر وَعبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد الخواري وَآخَرُونَ
وَأخذ الْفِقْه عَن نَاصِر الْعمريّ
وَقَرَأَ علم الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ
ثمَّ اشْتغل بالتصنيف بعد أَن صَار أوحد زَمَانه وَفَارِس ميدانه وأحذق الْمُحدثين وأحدهم ذهنا وأسرعهم فهما وأجودهم قريحة وَبَلغت تصانيفه ألف جُزْء وَلم يتهيأ لأحد مثلهَا
أما السّنَن الْكَبِير فَمَا صنف فِي علم الحَدِيث مثله تهذيبا وترتيبا وجودة
وَأما الْمعرفَة معرفَة السّنَن والْآثَار فَلَا يسْتَغْنى عَنهُ فَقِيه شَافِعِيّ وَسمعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول مُرَاده معرفَة الشَّافِعِي بالسنن والْآثَار
وَأما الْمَبْسُوط فِي نُصُوص الشَّافِعِي فَمَا صنف فِي نَوعه مثله
وَأما كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات فَلَا أعرف لَهُ نظيرا
وَأما كتاب الِاعْتِقَاد وَكتاب دَلَائِل النُّبُوَّة وَكتاب شعب الْإِيمَان وَكتاب مَنَاقِب الشَّافِعِي وَكتاب الدَّعْوَات الْكَبِير فأقسم مَا لوَاحِد مِنْهَا نَظِير
وَأما كتاب الخلافيات فَلم يسْبق إِلَى نَوعه وَلم يصنف مثله وَهُوَ طَريقَة مُسْتَقلَّة حَدِيثِيَّةٌ لَا يقدر عَلَيْهَا إِلَّا مبرز فِي الْفِقْه والْحَدِيث قيم بالنصوص

وَله أَيْضا كتاب مَنَاقِب الإِمَام أَحْمد وَكتاب أَحْكَام الْقُرْآن للشَّافِعِيّ وَكتاب الدَّعْوَات الصَّغِير وَكتاب الْبَعْث والنشور وَكتاب الزّهْد الْكَبِير وَكتاب الِاعْتِقَاد وَكتاب الْآدَاب وَكتاب الأسرى وَكتاب السّنَن الصَّغِير وَكتاب الْأَرْبَعين وَكتاب فَضَائِل الْأَوْقَات وَغير ذَلِك
وَكلهَا مصنفات نظاف مليحة التَّرْتِيب والتهذيب كَثِيرَة الْفَائِدَة يشْهد من يَرَاهَا من العارفين بِأَنَّهَا لم تتهيأ لأحد من السَّابِقين
وَفِي كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَنه أول من جمع نُصُوص الشَّافِعِي وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ آخر من جمعهَا وَلذَلِك استوعب أَكثر مَا فِي كتب السَّابِقين وَلَا أعرف أحدا بعده جمع النُّصُوص لِأَنَّهُ سد الْبَاب على من بعده
وَكَانَت إِقَامَته ببيهق ثمَّ استدعي إِلَى نيسابور ليقْرَأ عَلَيْهِ كِتَابه الْمعرفَة فَحَضَرَ وقرئت عَلَيْهِ بِحَضْرَة عُلَمَاء نيسابور وثنائهم عَلَيْهَا
قَالَ عبد الغافر كَانَ على سيرة الْعلمَاء قانعا من الدُّنْيَا باليسير متجملا فِي زهده وورعه عَاد إِلَى النَّاحِيَة فِي آخر عمره وَكَانَت وَفَاته بهَا
وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَانَ الْبَيْهَقِيّ وَاحِد زَمَانه وفرد أقرانه وحافظ أَوَانه
قَالَ ودائرته فِي الحَدِيث لَيست كَبِيرَة بل بورك لَهُ فِي مروياته وَحسن تصرفه فِيهَا لحذقه وخبرته بالأبواب وَالرِّجَال
وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ مَا من شَافِعِيّ إِلَّا وَللشَّافِعِيّ فِي عُنُقه منَّة إِلَّا الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ لَهُ على الشَّافِعِي منَّة لتصانيفه فِي نصرته لمذهبه وأقاويله

وَقَالَ شيخ الْقُضَاة أَبُو عَليّ ولد الْبَيْهَقِيّ حَدثنِي وَالِدي قَالَ حِين ابتدأت بتصنيف هَذَا الْكتاب يَعْنِي معرفَة السّنَن والْآثَار وفرغت من تَهْذِيب أَجزَاء مِنْهُ سَمِعت الْفَقِيه أَبَا مُحَمَّد أَحْمد بن عَليّ يَقُول وَهُوَ من صالحي أَصْحَابِي وَأَكْثَرهم تِلَاوَة وأصدقهم لهجة يَقُول رَأَيْت الشَّافِعِي فِي الْمَنَام وَفِي يَده أَجزَاء من هَذَا الْكتاب وَهُوَ يَقُول قد كتبت الْيَوْم من كتاب الْفَقِيه أَحْمد سَبْعَة أَجزَاء أَو قَالَ قرأتها
قَالَ وَفِي صباح ذَلِك الْيَوْم رأى فَقِيه آخر من إخْوَانِي يعرف بعمر بن مُحَمَّد فِي مَنَامه الشَّافِعِي قَاعِدا على سَرِير فِي مَسْجِد الْجَامِع بخسروجرد وَهُوَ يَقُول اسْتَفَدْت الْيَوْم من كتاب الْفَقِيه أَحْمد كَذَا وَكَذَا
قَالَ شيخ الْقُضَاة وَحدثنَا وَالِدي قَالَ سَمِعت الْفَقِيه أَبَا مُحَمَّد الْحُسَيْن بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي الْحَافِظ يَقُول سَمِعت الْفَقِيه أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْمروزِي الجنوجردي يَقُول رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن تابوتا علا فِي السَّمَاء يعلوه نور فَقلت مَا هَذَا فَقيل تصانيف الْبَيْهَقِيّ
قيل وَكَانَ الْبَيْهَقِيّ يَصُوم الدَّهْر من قبل أَن يَمُوت بِثَلَاثِينَ سنة
توفّي الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله عَنهُ بنيسابور فِي الْعَاشِر من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة

وَحمل إِلَى خسروجرد وَهِي أكبر بِلَاد بيهق فَدفن هُنَاكَ
وَمن الْمسَائِل والفوائد عَن الْبَيْهَقِيّ مَسْأَلَة صَوْم رَجَب
ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي فَضَائِل الْأَوْقَات فِي الْكَلَام على صَوْم رَجَب بعد مَا ذكر حَدِيث إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن صَوْم رَجَب كُله وَضَعفه ثمَّ قَالَ إِن صَحَّ فَهُوَ مَحْمُول على التَّنْزِيه لِأَن الشَّافِعِي قَالَ فِي الْقَدِيم وأكره أَن يتَّخذ الرجل صَوْم شهر يكمله من بَين الشُّهُور كَمَا يكمل رَمَضَان قَالَ وَكَذَلِكَ يَوْمًا من بَين الْأَيَّام قَالَ وَإِنَّمَا كرهته أَلا يتأسى جَاهِل فيظن أَن ذَلِك وَاجِب وَإِن فعل فَحسن
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فَبين الشَّافِعِي جِهَة الْكَرَاهِيَة ثمَّ قَالَ وَإِن فعل فَحسن
وَذَلِكَ لِأَن من الْعلم الْعَام فِيمَا بَين الْمُسلمين أَلا يجب بِأَصْل الشَّرْع صَوْم غير صَوْم رَمَضَان فارتفع بذلك معنى الْكَرَاهِيَة
انْتهى كَلَام الْبَيْهَقِيّ
قلت وَهَذِه الزِّيَادَة وَهِي قَول الشَّافِعِي وَإِن فعل فَحسن لم أَجدهَا فِي نُصُوص الشَّافِعِي الْمُسَمّى ب جمع الْجَوَامِع لأبي سهل بن العفريس وَهُوَ كتاب حافل ذكر فِيهِ هَذَا النَّص عَن الْقَدِيم وَلَيْسَ فِيهِ هَذِه الزِّيَادَة وَلَو لم تكن ثَابِتَة عِنْد الْبَيْهَقِيّ لما ذكرهَا وَهُوَ من أعرف النَّاس بالنصوص وأصل النَّص على صَوْم رَجَب بِكَمَالِهِ غَرِيب وَالْمَنْقُول اسْتِحْبَاب صِيَام الْأَشْهر الْحرم وَأَن أفضلهَا الْمحرم

وَذكر النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة من زياداته أَن صَاحب الْبَحْر قَالَ أفضلهَا رَجَب
وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا قَالَ فِي الْبَحْر الْمحرم
وَبِالْجُمْلَةِ هَذَا النَّص الَّذِي حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي فِيهِ دلَالَة بَيِّنَة على أَن صَوْم رَجَب بِكَمَالِهِ حسن وَإِذا لم يكن النَّهْي عَن تَكْمِيل صَوْمه صَحِيحا بَقِي على أصل الِاسْتِحْبَاب وَفِي ذَلِك تأييد لشيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام حَيْثُ قَالَ من نهى عَن صَوْم رَجَب فَهُوَ جَاهِل بمأخذ أَحْكَام الشَّرْع وَأطَال فِي ذَلِك
قلت وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة الإِمَام أبي بكر بن السَّمْعَانِيّ وَالِد الْحَافِظ أبي سعد فِي ذَلِك شَيْء وَلَا يَنْبَغِي أَن يحْتَج على الْبَيْهَقِيّ بِمَا فِي سنَن ابْن ماجة من حَدِيث ابْن عَبَّاس نهى عَن صَوْم رَجَب
فَإِنَّهُ قد قضى بِعَدَمِ صِحَّته

لَا يقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب شَيْئا من الْقُرْآن
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمعرفَة قَالَ الشَّافِعِي وَأحب للْجنب أَلا يقْرَأ الْقُرْآن لحَدِيث لَا يُثبتهُ أهل الحَدِيث
وَقد سكت الْبَيْهَقِيّ على هَذَا النَّص المقتصر على الْمحبَّة وَلم يذكر غَيره وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد وَقَالَ بِهِ ابْن الْمُنْذر من أَصْحَابنَا
وَالْمَعْرُوف عندنَا الْجَزْم بِالتَّحْرِيمِ وَهَذَا النَّص غَرِيب
والْحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رُبمَا يَقع فِي الذِّهْن أَنه حَدِيث لَا يقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب شَيْئا من الْقُرْآن وَلَكِن لَيْسَ هُوَ إِيَّاه بل إِنَّمَا أَشَارَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى حَدِيث عَليّ كرم الله وَجهه كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَحْجُبهُ عَن قِرَاءَة الْقُرْآن شَيْء إِلَّا أَن يكون جنبا
فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ذكر هَذَا الحَدِيث وَقَالَ إِن يكن أهل الحَدِيث يثبتونه
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَإِنَّمَا توقف الشَّافِعِي فِي ثُبُوته لِأَن مَدَاره على عبد الله بن سَلمَة الْكُوفِي وَكَانَ قد كبر وَأنكر من حَدِيثه وعقله بعض النكرَة وَإِنَّمَا روى هَذَا الحَدِيث بعد أَن كبر قَالَه شُعْبَة
وَقد روى الحَدِيث أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم

وَلَفظ أبي دَاوُد إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج من الْخَلَاء فيقرينا الْقُرْآن وَيَأْكُل مَعنا اللَّحْم وَلم يكن يَحْجُبهُ أَو قَالَ يحجزه عَن الْقُرْآن شَيْء لَيْسَ الْجَنَابَة
وَلَفظ التِّرْمِذِيّ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقرئنا الْقُرْآن مَا لم يكن جنبا
وَاعْلَم أَن مُعْتَمد الْجُمْهُور على هَذَا الحَدِيث وَفِيه مقَال من جِهَة عبد الله بن سَلمَة فَإِنَّهُ لم يرو إِلَّا من حَدِيث عَمْرو بن مرّة عَنهُ عَن عَليّ وَقد قيل فِي حَدِيثه تعرف وتنكر لما ذَكرْنَاهُ
وعَلى حَدِيث لَا يقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب شَيْئا من الْقُرْآن
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَهُوَ // ضَعِيف //
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف
وَفِي الْبَاب أَحَادِيث أخر ضَعِيفَة وَقد يَنْتَهِي مجموعها إِلَى غلبات الظنون وَهِي كَافِيَة فِي الْمَسْأَلَة فالمختار مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور
وَقدمنَا فِي خطْبَة هَذَا الْكتاب حَدِيثا مُرْسلا عَن عبد الله بن رَوَاحَة وَقَضيته مَعَ زَوجته فِيهِ دلَالَة على التَّحْرِيم

مَسْأَلَة بيع الْمكَاتب إِذا رَضِي
ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه أَن الْمكَاتب يجوز بَيْعه إِذا رَضِي ثمَّ روى حَدِيث بَرِيرَة قَالَ قَالَ الشَّافِعِي وَإِذا رَضِي أَهلهَا بِالْبيعِ ورضيت الْمُكَاتبَة بِالْبيعِ فَإِن ذَلِك ترك للكتابة انْتهى
قلت وَهَذَا غَرِيب

طبقات الشافعية الكبرى للإمام تاج الدين السبكي

 

 

الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي الخسروجردي النيسابوري، الفقيه الشافعي، المتوفى بنيسابور في جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، عن أربع وسبعين سنة. تفقه وسمع بخراسان وأكثر عن أبي الحسن العلوي وهو أكبر شيوخه ورحل إلى الجبال والعراق والحجاز وسمع بها وبلغ مشايخه إلى نحو مائة فمهر وتفرَّد وغلب عليه الحديث واشتهر به، ثم رجع إلى بلده وأخذ عن الحاكم النيسابوري وصار أكبر أصحابه وفاق عليه في أنواع العلوم، فصنَّف "المبسوط في نصوص الشافعي" في عشر مجلدات و "السنن الكبير" و"السنن الصغير" و"كتاب معرفة السنن والآثار" وقد سمعوا عليه بنيسابور وهو الذي يضطر إليه فقهاء الشافعية وكتاب "الأسماء والصفات" و"دلائل النبوة" و"شعب الإيمان" و"مناقب الشافعي" و "مناقب أحمد بن حنبل" و "كتاب البعث" و "كتاب الاعتقاد" و"كتاب الدعوات" و"كتاب الزهد" و "كتاب المدخل" و"كتاب الآداب" و"كتاب الترغيب" و "كتاب الإسراء" و"كتاب الخلافيات" وغير ذلك.
أقام بنيسابور مدة وحدَّث بتصانيفه وأخذ عنه خلق، ثم عاد ومات بها وحُمل إلى قريته خسر وجرد ودفن بها. وكان زاهدًا صائم الدهر، قائمًا بنصرة مذهب الشافعي. ذكره ابن خلِّكان.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.

 

 

الْبَيْهَقِيّ الإِمَام الْحَافِظ الْعَلامَة شيخ خُرَاسَان أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن مُوسَى الخسروجردي
صَاحب التصانيف
ولد سنة أَربع وَثَمَانِينَ ثَلَاثمِائَة فِي شعْبَان وَلزِمَ الْحَاكِم وَتخرج بِهِ وَأكْثر عَنهُ جدا وَهُوَ من كبار أَصْحَابه بل زَاد عَلَيْهِ بأنواع من الْعُلُوم
كتب الحَدِيث وَحفظه من صباه وبرع وَأخذ فِي الْأُصُول وَانْفَرَدَ بالإتقان والضبط وَالْحِفْظ ورحل وَلم يكن عِنْده سنَن النَّسَائِيّ وَلَا جَامع التِّرْمِذِيّ وَلَا سنَن ابْن مَاجَه
وَعمل كتبا لم يسْبق إِلَيْهَا كالسنن الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَشعب الْإِيمَان والأسماء وَالصِّفَات وَدَلَائِل النُّبُوَّة والبعث والآداب والدعوات والمدخل والمعرفة وَالتَّرْغِيب والترهيب والخلافيات والزهد والمعتقد وَغير ذَلِك مِمَّا يُقَارب ألف جُزْء
وبورك لَهُ فِي علمه لحسن قَصده وَقُوَّة وفهمه وَحفظه وَكَانَ على سيرة الْعلمَاء قانعاً باليسير مَاتَ فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة بنيسابور وَنقل فِي تَابُوت إِلَى بيهق مسيرَة يَوْمَيْنِ
فَابْن عبد الْبر والخطيب وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مَاكُولَا هم الطَّبَقَة الْعَاشِرَة الْأَخِيرَة من طَبَقَات ابْن الْمفضل بَدَأَ الْأَرْبَعين بالزهري وَختم بِابْن مَاكُولَا

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

أَحْمد بن الْحُسَيْن [384 - 458] )
ابْن عَليّ بن عبد الله بن مُوسَى الْبَيْهَقِيّ، أَبُو بكر الخسروجردي.
من أهل خسروجرد: قَصَبَة بِنَاحِيَة بيهق.
تفقه على نَاصِر الْعمريّ، وَأخذ علم الحَدِيث من الْحَاكِم، وَكَانَ إِمَامًا قيمًا بنصرة مَذْهَب الشَّافِعِي وَتَقْرِيره، مصنفا كثير التصنيف، قوي التَّحْقِيق، جيد التَّأْلِيف، ظَاهر الْإِنْصَاف، بَعيدا من الاعتساف.

قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ مَا مَعْنَاهُ؛ أَنه كَانَ جَامعا بَين علمي الحَدِيث وَالْفِقْه، وَكَانَ من كبار أَصْحَاب الْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ، وَعَلِيهِ تخرج فِي الحَدِيث، عني بكتب الحَدِيث وَحفظه من صباه، إِلَى أَن نَشأ وتفقه وبرع فِي الْفِقْه، واشتغل بالأصول، ورحل إِلَى الْجبَال وَالْعراق والحجاز.
سمع بنيسابور: أستاذه الْحَاكِم أَبَا عبد الله، وَالسَّيِّد أَبَا الْحسن الْعلوِي، والامام ابا طَاهِر الزيَادي، وَعبد الله بن يُوسُف بن مامويه، وَأَبا زَكَرِيَّا يحيى بن إِبْرَاهِيم الْمُزَكي.
وببغداد: أَبَا الْفَتْح هِلَال بن مُحَمَّد الحفار، وأبوي الْحُسَيْن؛ مُحَمَّد بن الْفضل الْقطَّان، وَعلي بن مُحَمَّد بن بَشرَان، وَأَبا عَليّ بن شَاذان، وَغَيرهم.
وبالكوفة: أَبَا الْقَاسِم زيد بن أبي هَاشم الْعلوِي وَغَيره.
وبمكة: ابْن نظيف الْفراء الْمصْرِيّ وَغَيره، فِي جمع كثير سوى هَؤُلَاءِ.
ثمَّ عني بالتصنيف والتأليف، فألف كتبا، لَعَلَّهَا تقَارب ألف جُزْء، وَأكْثر تصانيفه بَدَائِع لم يسْبق بهَا، جمع فِيهَا بَين علم الْفِقْه الحَدِيث، ونفع الله بهَا الطالبين والمسترشدين.

سَأَلَهُ أَئِمَّة نيسابور الْمصير من ناحيته إِلَى نيسابور لروايته الْكتب وَنشر الْعلم، فَأجَاب، ووردها سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة، وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّة الأكابر وَقُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابه فِي " معرفَة السّنَن " وَغَيره من كتب الْحَاكِم.
وَكَانَ على سيرة الْعلمَاء، قانعا باليسير، متجملا فِي زهده وورعه.
وَبَقِي بنيسابور مُدَّة، ثمَّ عَاد إِلَى خسروجرد، ثمَّ قدم نيسابور ثَانِيًا، ثمَّ ثَالِثا، وَحدث بتصانيفه، وَكَثُرت الاستفادة مِنْهُ، وانتشرت الرِّوَايَة عَنهُ.
وَمن تصانيفه: " السّنَن الْكَبِير "، و " الصَّغِير "، و " الِاعْتِقَاد " و " مَنَاقِب الشَّافِعِي "، و " مَنَاقِب أَحْمد "، وَكتاب " الدَّعْوَات الْكَبِير "، وَكتاب " الدَّعْوَات الصَّغِير. و " الْآدَاب "، و " الْأَسْمَاء وَالصِّفَات "، وَغَيرهَا من المجموعات الصَّغِيرَة.

مولده - فِيمَا ذكره أَبُو عبد الله الكتبي الْهَرَوِيّ - سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، وَتُوفِّي بنيسابور، وَنقل تابوته إِلَى بيهق سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع مئة.
وَذكر مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الدقاق الْحَافِظ أَنه سَأَلَ وَلَده إِسْمَاعِيل بن أَحْمد عَن مولد أَبِيه فَقَالَ: سنة أَربع وَثَمَانِينَ، وَأول مَا سمع الحَدِيث فِي آخر سنة تسع وَتِسْعين وَثَلَاث مئة، وَقَالَ: صنف فِي سنة سِتّ وَأَرْبع مئة.
وَقَالَ الْجِرْجَانِيّ: سمعته يَقُول: ولدت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة فِي شعْبَان.
وَذكره الْحَافِظ عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ فِي كِتَابه: " طَبَقَات الشافعيين " فَقَالَ: كَانَ فَقِيها، حَافِظًا، إِمَامًا، زاهدا، كَانَ يَصُوم الدَّهْر مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة، جمع الْفِقْه والْحَدِيث، وصنف فِي كل نوع. أَخذ الْفِقْه عَن الامام نَاصِر الْمروزِي.
غرائب عَنهُ: قَرَأت عَنهُ بِخَط القَاضِي أبي مَنْصُور ابْن الصّباغ فِي كِتَابه فِي الِاخْتِلَاف " أَنه قَالَ: إِن التَّكْبِيرَة الأولى من صَلَاة الْجِنَازَة وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة من واجباتها، وَأما التَّكْبِيرَات الثَّلَاث وَالدُّعَاء للْمَيت، هَل هُوَ وَاجِب؟ قَالَ: يحْتَمل وَجْهَيْن.
قلت: هَذَا غَرِيب جدا، وَلم أَجِدهُ أَيْضا عَن الْبَيْهَقِيّ فِي " الْمعرفَة " وَغَيره من كتبه، وَلَعَلَّ أَبَا مَنْصُور نقل ذَلِك عَن شيخ الْقُضَاة إِسْمَاعِيل، عَن أَبِيه؛ فَإِنَّهُ سمع مِنْهُ عَن أَبِيه لما ورد بَغْدَاد حَاجا.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

 

البيهقي

هُوَ الحَافِظُ العَلاَّمَةُ الثَّبْتُ الفَقِيْهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أبو بكر؛ أحمد ابن الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الخُسْرَوْجِرديُّ الخُرَاسَانِيُّ. وَبَيْهَق: عِدَّة قُرَى مِنْ أَعْمَالِ نَيْسَابُوْر عَلَى يَوْمَيْن مِنْهَا.
وُلِدَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة فِي شَعْبَانَ.
وَسَمِعَ: وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ: أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ العَلَوِيّ؛ صَاحِبِ أَبِي حَامِدٍ بن الشَّرْقِيّ وَهُوَ أَقدمُ شَيْخٍ عِنْدَهُ وَفَاته السَّمَاعُ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ الإِسفرَايينِي؛ صَاحِبِ أَبِي عوَانَة وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَة فِي الْبيُوع وَسَمِعَ: مِنَ الحَاكِم أَبِي عَبْدِ اللهِ الحَافِظ فَأَكْثَر جِدّاً وَتَخَرَّج بِهِ وَمِنْ أَبِي طَاهِر بن مَحْمِش الفَقِيْه، وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الرُّوْذْبارِي، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ فُوْرَك المُتَكَلِّم، وَحَمْزَة بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ المُهَلَّبِيّ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَيَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَأَبِي سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السقَّا، وَظَفَرِ بن مُحَمَّدٍ العَلَوِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدَان، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ المَالِيْنِيّ الصُّوْفِيّ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ المُؤمّلِي، وَأَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بن الحُسَيْنِ البِسْطَامِي، وَمُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ الفَقِيْه بِالطابَرَان، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْر بنَوقَان. وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الشيرَازِي، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ أحمد بن رَجَاء الأَدِيْب، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الشَّاذْيَاخِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُزَاحِم الصَّفَّار، وَأَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الفَامِي، وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ الفَقِيْه، وَإِبْرَاهِيْم بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُعَاوِيَةَ العَطَّار، وَإِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ السُّوسِيُّ، وَالحَسَن بن مُحَمَّدِ بنِ حَبِيْب المفسر، وسعيد ابن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدَان، وَأَبِي الطَّيِّبِ الصُّعْلُوْكِي، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المِهْرَجَانِي، وَعبد الرَّحْمَن بن أَبِي حَامِدٍ المُقْرِئ، وَعبدِ الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّدِ بنِ بَالويه، وَعُبَيْدِ بن مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيّ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيّ الإسفراييني، وعلي بن محمد السبعي، وعلي بن حَسَن الطَّهْمَانِي وَمَنْصُوْرِ بنِ الحُسَيْنِ المُقْرِئ وَمَسْعُوْدِ بنِ مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيّ؛ وَهَؤُلاَءِ العِشْرُوْنَ مِنْ أَصْحَابِ الأَصَمّ. وَسَمِعَ: بِبَغْدَادَ مِنْ هِلاَلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الحَفَّار وَعَلِيِّ بنِ يَعْقُوْبَ الإِيَادِيّ وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان وَطَبَقَتهم. وَبِمَكَّةَ مِنَ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فِرَاس وَغَيْره. وَبَالكُوْفَةِ مِنْ جَنَاح بنِ نذِير القَاضِي وَطَائِفَة.
وَبُورِكَ لَهُ فِي عِلمه وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ النَّافعَةَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ سُنَن النَّسَائِيّ وَلاَ سُنَن ابْنِ مَاجَه وَلاَ جَامِعُ أَبِي عِيْسَى بَلَى عِنْدَهُ عَنِ، الحَاكِم وِقْرُ بعيرٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَالِياً وَتَفَقَّهَ عَلَى نَاصِر العُمَرِيّ وَغَيْرِهِ.
وَانقطع بقرِيته مُقْبِلاً عَلَى الجمع والتأليف فعمل السنن الكبير في عشر مُجَلَّدَات لَيْسَ لأَحدٍ مِثْلُهُ وَأَلَّفَ كِتَابَ السُّنَن وَالآثَار فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَات وَكِتَابَ الأَسْمَاء وَالصِّفَات فِي مُجَلَّدتين وَكِتَابَ المُعتقد مُجَلَّد وَكِتَابَ البَعْث مُجَلَّد وَكِتَابَ التَّرغِيب وَالتَّرهيب مُجَلَّد وَكِتَابَ الدَّعوَات مُجَلَّد وَكِتَابَ الزُّهْد مُجَلَّد وَكِتَابَ الخلاَفِيَات ثَلاَث مُجَلَّدَات وَكِتَابَ نُصُوص الشَّافِعِيّ مُجَلَّدَان وَكِتَابَ دلاَئِل النُّبُوَّة أَرْبَع مُجَلَّدَات وَكِتَابَ السُّنَن الصَّغِيْر مُجَلَّد ضَخْم وَكِتَابَ شُعَب الإِيْمَان مُجَلَّدَان وَكِتَابَ الْمدْخل إِلَى السُّنَن مُجَلَّد وَكِتَابَ الآدَاب مُجَلَّد وَكِتَابَ فَضَائِل الأَوقَات مُجيليد وَكِتَابَ الأَرْبَعِيْنَ الكُبْرَى مُجيليد وَكِتَابَ الأَرْبَعِيْنَ الصُّغْرَى وَكِتَابَ الرُّؤْيَة جُزْء وَكِتَابَ الإِسْرَاء وَكِتَابَ مَنَاقِب الشَّافِعِيّ مُجَلَّد وَكِتَابَ مناقب أحمد مجلد وكتاب فضائل الصَّحَابَة مُجلد وَأَشيَاءَ لاَ يَحضُرنِي ذكرهَا.
قَالَ الحَافِظُ عبد الغَافِر بن إِسْمَاعِيْلَ فِي تَارِيْخِهِ: كَانَ البَيْهَقِيّ عَلَى سيرَة العُلَمَاء قَانِعاً بِاليَسِيْر مُتَجَمِّلاً فِي زُهْده وَوَرَعه.
وَقَالَ أَيْضاً: هُوَ أَبُو بَكْرٍ الفَقِيْهُ الحَافِظُ الأُصُوْلِي الدَّيِّنُ الوَرِع وَاحِدُ زَمَانِهِ فِي الحِفْظِ وَفَردُ أَقرَانه فِي الإِتْقَان وَالضَّبط مِنْ كِبَارِ أَصْحَاب الحَاكِم وَيَزِيْدُ عَلَى الحَاكِم بِأَنْوَاع مِنَ العلُوْم كتبَ الحَدِيْثَ وَحَفِظه مِنْ صبَاهُ وَتَفَقَّهَ وَبَرَعَ وَأَخَذَ فَنَّ الأُصُوْل وَارْتَحَلَ إِلَى العِرَاقِ وَالجِبَال وَالحِجَاز ثُمَّ صَنَّف وَتوَالِيفُهُ تُقَارِبُ أَلفَ جُزْءٍ مِمَّا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ جمع بَيْنَ علم الحَدِيْث وَالفِقْه وَبيَانِ علل الحَدِيْث وَوجهِ الْجمع بَيْنَ الأَحَادِيْث طلبَ مِنْهُ الأَئِمَّةُ الاَنتقَالَ مَنْ بَيْهَقَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ لسَمَاع الكُتُب فَأَتَى فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَعَقدُوا لَهُ المَجْلِس لسَمَاع كِتَاب "المَعْرِفَة" وَحضره الأَئِمَّة.

قَالَ شَيْخُ القُضَاة أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ البَيْهَقِيّ: حَدَّثَنَا، أَبِي قَالَ: حِيْنَ ابْتدَأْتُ بتصنِيف هَذَا الكِتَاب يَعْنِي كِتَاب المَعْرِفَة فِي السُّنَن وَالآثَار وَفرغتُ مِنْ تَهْذِيْب أَجزَاء مِنْهُ سَمِعْتُ الفَقِيْه مُحَمَّد بن أَحْمَدَ وَهُوَ مِنْ صَالِحِي أَصْحَابِي وَأَكْثَرهم تِلاَوَة وَأَصدقهم لَهْجَة يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الشافعي رَحِمَهُ اللهُ فِي النَّوْمِ وَبِيَدِهِ أَجزَاءُ مِنْ هَذَا الكِتَاب وَهُوَ يَقُوْلُ: قَدْ كَتَبتُ اليَوْم مِنْ كِتَاب الفَقِيْه أَحْمَد سَبْعَة أَجزَاء أَوْ قَالَ: قرَأْتُهَا. وَرَآهُ يَعْتَدُّ بِذَلِكَ. قَالَ: وَفِي صبَاح ذَلِك اليَوْم رَأَى فَقِيْهٌ آخر منْ إِخْوَانِي الشَّافِعِيَّ قَاعِداً فِي الجَامِع عَلَى سرِير وَهُوَ يَقُوْلُ: قَدِ اسْتفدتُ اليَوْمَ مِنْ كِتَاب الفَقِيْهِ حَدِيْثَ كَذَا وَكَذَا.
وَأَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ الفَقِيْه أَبَا مُحَمَّدٍ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيّ الحَافِظ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الفَقِيْه مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ المَرْوَزِيّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأنَّ تَابوتاً علاَ فِي السَّمَاءِ يَعلُوْهُ نورٌ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذِهِ تَصنِيفَاتُ أَحْمَد البَيْهَقِيّ. ثُمَّ قَالَ شَيْخُ القُضَاة: سَمِعْتُ الحِكَايَاتِ الثَّلاَثَة مِنَ الثَّلاَثَة المَذْكُوْرِيْنَ.
قُلْتُ: هَذِهِ رُؤْيَا حق فَتصَانِيفُ البَيْهَقِيّ عَظِيْمَةُ الْقدر غزِيْرَةُ الفَوَائِد قلَّ مَنْ جَوَّد تَوَالِيفَهُ مِثْل الإِمَام أَبِي بَكْرٍ فَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَعتَنِي بِهَؤُلاَءِ سِيمَا سُننَه الكَبِيْر وَقَدْ قَدِمَ قَبْلَ مَوْته بِسَنَة أَوْ أَكْثَر إِلَى نَيْسَابُوْرَ وَتَكَاثر عَلَيْهِ الطلبَةُ وسمع: وا مِنْهُ كُتُبهُ وَجُلِبَتْ إِلَى العِرَاقِ وَالشَّام وَالنَّوَاحِي واعتنى بها الحافظ أبو القاسم الدمشقي وسمعها مِنْ أَصْحَابِ البَيْهَقِيّ وَنقلَهَا إِلَى دِمَشْقَ هُوَ وَأَبُو الحَسَنِ المُرَادِيّ.
وَبَلَغَنَا عَنْ، إِمَام الحَرَمَيْنِ أَبِي المَعَالِي الجُوَيْنِيّ قَالَ: مَا مِنْ فَقِيْهٍ شَافعِيٍّ إلَّا وَللشَافعِيّ عَلَيْهِ مِنَّةٌ إلَّا أَبَا بَكْرٍ البَيْهَقِيّ فَإِنَّ المِنَّةَ لَهُ عَلَى الشَّافِعِيّ لتصانيفه في نصرة مذهبه.
قُلْتُ: أَصَاب أَبُو المَعَالِي هَكَذَا هُوَ وَلَوْ شَاءَ البَيْهَقِيّ أَنْ يَعمل لِنَفْسِهِ مَذْهَباً يَجتهد فِيْهِ؛ لَكَانَ قَادِراً عَلَى ذَلِكَ لسعَة علُوْمه وَمَعْرِفَته بِالاخْتِلاَف وَلِهَذَا ترَاهُ يُلوِّح بِنَصْر مَسَائِل مما صح فيها الحديث. ولما سمع: وا مِنْهُ مَا أَحَبّوا فِي قَدَمته الأَخيرَة مرض وَحَضَرت المنِيَّة فَتُوُفِّيَ فِي عَاشر شَهْر جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة فَغُسِّلَ وَكُفِّنَ وَعُمِلَ لَهُ تَابوت فَنُقِلَ وَدُفِنَ بِبيهق؛ وَهِيَ نَاحِيَةٌ قصبتُهَا خُسْرَوْجِرد هِيَ مَحْتِدهُ وَهِيَ عَلَى يَوْمَيْن مِنْ نَيْسَابُوْر وَعَاشَ أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَمِنَ الرُّوَاة عَنْهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، بِالإِجَازَة وَوَلَده إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ وَحَفِيْده أَبُو الحَسَنِ عبيدُ الله بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ وَأَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَنْدَة الحافظ وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي، وَزَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيّ، وَأَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيّ، وَعبدُ الجَبَّار بن عَبْدِ الوَهَّابِ الدَّهَان، وَعبدُ الجَبَّار بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِي، وَأَخُوْهُ عبدُ الحمِيد بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِي، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَحيرِي النَّيْسَابُوْرِيّ؛ المُتوفَى سَنَة أَرْبَعِيْنَ، وَخَمْسِ مائَةٍ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم. وَمَاتَ مَعَهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ عُمَرَ بنِ شَمَّةَ الأَصْبَهَانِيّ صَاحِبُ ابْنِ المُقْرِئ، وَإِمَام اللُّغَة أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ سيدَة، وَشيخُ الحنابلة القاضي أبو يَعْلَى مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الفَرَّاء البَغْدَادِيّ.

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ سَمَاعاً، عَنْ زَيْنَبَ بِنْت عَبْدِ الرَّحْمَنِ،أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عبدَان، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ حِجَّة، حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ العَلاَءِ اليَشْكُرِيّ، عَنْ صَالِحِ بنِ سَرْج، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حِطَّانَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُؤْتَى بِالقَاضِي العَدْلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الحِسَابِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثنِيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ". غَرِيْبٌ جِدّاً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ أَخْبَرَنَا، زَيْنُ الأُمَنَاءِ الحسن بن محمد وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بن الشِّيْرَجِي وَابْنُ غَسَّان قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ المُسْتَمْلِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ المَدَائِنِيّ، حَدَّثَنَا فِطْرُ بنُ حَمَّاد بن وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي: سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ: يَقُوْلُوْنَ: مَالِكٌ زَاهِد! أَيُّ زُهْدٍ عِنْد مَالِك وَلَهُ جُبَّةٌ وَكِسَاء؟ إِنَّمَا الزَّاهِد عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ أَتَتْهُ الدُّنْيَا فاغرةً فاها فأعرض عنها.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

أَبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى، البيهقي، الخُسْرَوْجِردي.
الفقيه الشافعي، الحافظ الكبير المشهور، واحدُ زمانه، وفرد أقرانه في الفنون، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله بنِ البَيِّع في الحديث، ثم الزائد عليه في أنواع العلوم.
أخذ الفقه عن أبي الفتح ناصرِ بنِ محمد العمري المروزي، غلب عليه الحديث، واشتهر به، ورحل في طلبه إلى العراق والجبال والحجاز، وسمع بخراسان من علماء عصره، وكذلك ببقية البلاد التي انتهى إليها.
وشرع في التصنيف، فصنف فيه كثيرًا، حتى قيل: تبلغ تصانيفه ألف جزء، وهو أول من جمع نصوص الإمام الشافعي - رضي الله عنه - في عشر مجلدات، ومن مشهور مصنفاته "السنن الكبير" (1)، "والسنن الصغير"، و"دلائل النبوة"، و"السنن والآثار"، و"شعب الإيمان"، و"مناقب الشافعي المطلبي"، و"مناقب أحمد بن حنبل"، وغير ذلك.
وكان قانعًا من الدنيا بالقليل، وقال إمام الحرمين في حقه: ما من شافعي المذهب، إلا وللشافعيِّ عليه مِنَّة إلا أحمد البيهقي، فإن له على الشافعي منة، وكان من أكثر الناس نصرًا لمذهب الشافعي، وطلب إلى نيسابور لنشر العلم، فأجاب، وانتقل إليها.
وكان على سيرة السلف، وأخذ عنه الحديث جماعةٌ من الأعيان، منهم: زاهر الشحامي، ومحمد الفراوي، وعبد المنعم القشيري، وغيرهم.
وكان مولده في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاث مئة 384، وتوفي في العاشر من جمادى الأولى سنة 458 بنيسابور، ونقل إلى بيهق - رحمه الله تعالى -، ونسبته إلى بيهق - بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحته وبعد الهاء المفتوحة قاف -، وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخًا منها، وخُسْرَوْجِرد، من قراها، وهي - بضم الخاء المعجمة وسكون السين وفتح الراء المهملتين وسكون الواو، وكسر الجيم ثم راء ودال مهملتين -، هكذا في "تقويم البلدان" نقلًا عن "اللباب"

التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.