محمد بن يزيد بن عبد الأكبر أبي العباس الثمالي الأزدي

المبرد محمد

تاريخ الولادة210 هـ
تاريخ الوفاة285 هـ
العمر75 سنة
مكان الولادةالبصرة - العراق
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • البصرة - العراق
  • بغداد - العراق
  • سامراء - العراق

نبذة

وأما أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي المعروف بالمبرد - والثمالي منسوب إلى ثمالة بن مسلم بن كعب بن الحارث بن كعب - فكان شيخ أهل النحو والعربية، وإليه انتهى علمها بعد طبقة أبي عمر الجرمي، وأبي عثمان المازني. وكان من أهل البصرة، وأخذ عن أبي عمر الجرمي، وأبي عثمان المازني، وأبي حاتم السجستاني، وغيرهم من أهل العربية.

الترجمة

محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي - المبرد
وكان يعول على المازني. ويقال: إنه بدأ بقراءة كتاب سيبويه على الجرمي، وختمه على المازني.
وكان إسماعيل القاضي - وهو أقدم مولداً منه - يقول: ما رأى محمد بن يزيد مثل نفسه.
وأخذ عنه الصولي ونفطويه النحوي، وأبو علي الطوماري، وجماعة كثيرة.
وكان حسن المحاضرة، مليح الأخبار، كثر النوادر، قال أبو سعيد السيرافي: سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: ما رأيت أحسن جواباً من المبرد في معاني القرآن فيما ليس فيه قول لمتقدم. وسمعته يقول: لقد فاتني منه علم كثير لقضاء زمام ثعلب.
وقال السيرافي: وسمعت نفطويه يقول: ما رأيت أحفظ لأخبار بغير أسانيد منه ومن أبي العباس بن الفرات.
وقال أبو سعيد: وقد نظر في كتاب سيبويه في عصره جماعة لم يكن لهم كنباهته، مثل أبي ذكوان القاسم بن إسماعيل، ومثل أبي علي بن ذكوان، ومثل أبي يعلى بن أبي زرعة من أصحاب المازني، ومثل أبي جعفر بن محمد الطبري، ومثل أبي عثمان الأشتانداني، وأبي بكر بن إسماعيل المعروف بمبرمان وغيرهم.
وقال أبو عبد الله المفجع: كان المبرد لعظم حفظه اللغة واتساعه يتهم، فتوافقنا على مسألة لا أصل لها نسأله عنها، لننظر كيف يجيب، وكنا قبل ذلك تمارينا في عروض بيت الشاعر:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك، بعض الشر أهون من بعض
فقال قوم: هو من البحر الفلاني، وقال آخرون: هو من البحر الفلاني، فقطعناه، وتردد على أفواهنا تقطيعه ومنه "ق بعضنا"، فقلت له: أيدك الله تعالى! ما القبعض عند العرب؟ فقال: القطن، يصدق ذلك قول الشاعر:
كأن سنامها حُشِيَ القبعضا
قال: فقلت لأصحابه: ترون الجواب والشاهد؛ إن كان صحيحاً فهو عجيب، وإن كان اختلق الجواب في الحال فهو أعجب.

وقال أبو بكر بن الأزهر: حدثني محمد بن يزيد المبرد، قال: قال لي المازني: بلغني أنك تنصرف من مجلسنا فتصير إلى مواضع المجانين والمعالجين، فما معنى ذلك؟ قال: فقلت: أعزك الله تعالى! إن لهم طرائف من الكلام، قال: فأخبرني بأعجب ما رأيته من المجانين، قال: فقلت: دخلت يوماً إليهم، فمررت على شيخ منهم وهو جالس على حصير قصب، فجاورته إلى غيره، فقال: سبحان الله تعالى! أين السلام! مَن المجنون؟ أنا أم أنت! فاستحييت منه، فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: لو كنت ابتدأت لأوجبت علينا حسن الرد؛ على أنا نصرف سوء أدبك على أحسن جهاته من العذر؛ لأنه كان يقال: إن للداخل على القوم دهشة؛ اجلس أعزك الله تعالى عندنا! وأومأ إلى موضع من الحصير، فقعدت ناحية استجلب مخاطبته، فقال لي: وقد رأى معي مجبرة: أرى معك آلة رجلين، أرجو أن تكون أحدهما، تجالس أصحاب الحديث الأخفاف، أو الأدباء أصحاب النحو والشعر؟ قلت: الأدباء، قال: أتعرف أبا عثمان المازني؟ قلت: نعم، قال: أتعرف الذي يقول فيه:
وفتى من مازن ... ساد أهل البصره
أمه معرفة ... وأبوه نكره
فقلت: لا أعرفه، فقال: أتعرف غلاماً له قد نبغ في هذا العصر، معه ذهن وله حفظ، وقد برز في النحو يعرف بالمبرد؟ فقلت: أنا والله عين الخبير به، قال: فهل أنشدك شيئاً من شعره؟ قلت: لا أحسبه يحسن قول الشعر، فقال: يا سبحان الله! أليس هو القائل:
حبذا ماء العناقي ... د بريق الغانيات
بهما ينبت لحمي ... ودمي أي نبات
أيها الطالب أشهى ... من لذيذ الشهوات
كل بماء المزن تفا ... ح خدود الفتيات
قلت: قد سمعته ينشد هذا في مجلس الأنس، فقال: يا سبحان الله! أولا يستحي أن ينشد مثل هذا حول الكعبة! ثم قال: وما تسمع ما يقولون في نسبه؟ قلت: يقولون: هو من الأزد أزد شنوءة، ثم من ثمالة، قال: قاتله الله! ما أبعد غوره! أتعرف قوله:
سألنا عن ثمالة كل حي ... فقال القائلون: ومن ثماله
فقلت: محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله
فقال لي المبرد: خل قومي ... فقومي معشر فيهم نذاله
فقلت: أعرف هذه الأبيات لعبد الصمد بن المعذل، يقولها فيه. فقال: كذب من ادعاها! هذا كلام رجل لا نسب له يريد أن يثبت له بهذا الشعر نسباً، فقلت له: أنت أعلم، فقال: يا هذا قد غلبت خفة روحك على قلبي، وقد أخرت ما كان يجب تقديمه؛ ما الكنية أعزك الله! قلت: أبو العباس، قال: فما الاسم؟ قلت: محمد، قال: فالأب؟ قلت: يزيد، قال: قبحك الله! أحوجتني إلى الاعتذار مما قدمت ذكره، ثم وثب باسطاً يده يصافحني، فرأيت القيد في رجله إلى خشبة، فأمنت غائلته، فقال: يا أبا العباس، صن نفسك عن الدخول إلى هذه المواضع، فليس يتهيأ من كل وقت أن نصادف مثلي على مثل هذه الحال؛ أنت المبرد، أنت المبرد! وجعل يصفق، وقد انقلبت عينه، وتغيرت حليته، فبادرت مسرعاً خوفاً أن تبدر لي منه بادرة، وقبلت والله منه، فلم أعاود الدخول إلى مخيس بعدها.
ويروى أن أبا العباس ثعلب تخلف أبا العباس المبرد بكلام قبيح، فبلغ ذلك المبرد، فأنشد:
رب من يعنيه حالي ... وهو لا يجزي ببالي
قلبه ملآن مني ... وفؤادي منه خالِ
فلما بلغ ثعلباً ذلك لم يسمع منه بعد ذلك في حقه كلمة قبيحة.
وحكى أبو بكر بن السراج عن محمد بن خلف، قال: كان بين أبي العباس المبرد وأبي العباس ثعلب من المنافرة ما لا خفاء به؛ ولكن أهل التحصيل يفضلون المبرد على ثعلب، وفي ذلك يقول أحمد بن عبد السلام:

رأيت محمد بن يزيد يسمو ... إلى الخيرات في جاه وقدر
جليس خلائف وغذى ملك ... وأعلم من رأيت بكل أمر
وكان الشعر قد أودى فأحيا ... أبو العباس دارس كل شعر
وقالوا ثعلب رجلٌ عليم ... وأين النجم من شمس وبدر!
وقالوا ثعلبٌ يفتي ويملي ... وأين الثعلبان من الهزبر!
ويحكى أن بعض أكابر أولاد طاهر سأل أبا العباس ثعلباً أن يكتب له مصحفاً على مذهب أهل التحقيق، فكتب "والضحى" بالياء، ومن مذهب الكوفيين أنه إذا كان أول الكلمة من هذا النحو ضمة أو كسرة كتبت بالياء؛ وإن كان من ذوات الواو، والبصريون يكتبون بالألف. فنظر المبرد في ذلك المصحف فقال: ينبغي أن يكتب "والضحى" بالألف لأنه من ذوات الواو، فجمع ابن طاهر بينهما، فقال المبرد لثعلب: لم كتبت "والضحي" بالياء؟ فقال: لضم أوله: فقال له: ولم تضم أوله وهو من ذوات الواو وتكتبه بالياء؟ فقال: لأن الضمة تشبه الواو، وما أوله واو يكون آخره ياء، فتوهموا أن أوله واو، فقال أبو العباس المبرد: أفلا يزول هذا التوهم إلى يوم القيامة! ولبعضهم في مدح المبرد:
وأنت الذي لا يبلغ الوصف مدحه ... وإن أطنب المداح في كل مطنبِ
رأيتك والفتح بن خاقان راكباً ... وأنت عديل الفتح في كل موكب
وكان أمير المؤمنين إذا رنا ... إليك يطيل الفكر بعد التعجب
وأوتيت علماً لا يحيط بكنهه ... علوم بني الدنيا ولا علم لتعجب
يروح إليك الناس حتى كأنهم ... ببابك في أعلى مني والمحصب.
وقال الزجاج: لما قدم المبرد بغداد، جئت لأناظره، وكنت أقرأ على أبي العباس ثعلب، فعزمت على إعناته. فلما فاتحته ألجمني بالحجة، وطالبني بالعلة، وألزمني إلزامات لم أهتد إليها، فتيقنت فضله، واسترجحت عقله، وأخذت في ملازمته.
ولبعضهم في مدحه:
وإذا يقال: من الفتى كل الفتي ... والشيخ والكهل الكريم العنصر
والمستضاء بعلمه وبرأيه ... وبعقله؟ قلتُ: ابن عبد الأكبر قال أبو العباس بن عمار: صحف محمد بن يزيد المبرد في كتاب "الروضة" في قوله: حبيب بن خدره، فقال جدرة وفي ربعي بن حراش، فقال: خراش.
وصنف كتباً كثيرة، ومن أكبرها كتاب المقتضب؛ وهو نفيس؛ إلا أنه قلما يشتغل به أو ينتفع به؛ قال أبو علي: نظرت في كتاب المقتضب فما انتفعت منه بشيء إلا بمسألة واحدة؛ وهي وقوع إذا جواباً للشرط في قوله تعالى:] وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون [.
قال المصنف: وكان السر في عدم الانتفاع به، أن أبا العباس لما صنف هذا الكتاب، أخذه عن ابن الراوندي المشهور بالزندقة وفساد الاعتقاد، وأخذه الناس من يد ابن الراوندي وكتبوه منه؛ فكأنه عاد عليه شؤمه فلا يكاد ينتفع به.
وقال أبو بكر بن السراج: كان مولد المبرد سنة عشر ومائتين، ومات سنة خمس وثمانين ومائتين.
وكذلك قال محمد بن العباس: قرئ على ابن المنادي وأنا أسمع: مات محمد بن يزيد المبرد في شوال سنة خمس وثمانين ومائتين، في خلافة المعتضد بالله تعالى.
ولثعلب في المبرد حين مات:
ذهب المبرد وانقضت أيامه ... وليذهبن مع المبرد ثعلبا.
بيتٌ من الآداب أضحى نصفه ... خرباً وباقي النصف منه سيخرب
فتزدوا من ثعلب فبكأس ما ... شرب المبرد عن قريب يثرب
أوصيكمو أن تكتبوا أنفاسه ... إن كانت الأنفاس مما يكتب

نزهة الألباء في طبقات الأدباء - لكمال الدين الأنباري.

 

 

محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان بن سليم بن سعد ابن عبد الله بن زيد بن مالك بن الحارث بن عامر بن عبد الله بن بلال بن عوف ابن أسلم- وهو ثماله- بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن النضر بن الأزد بن الغوث، أبو العباس الأزدي ثم الثمالي، المعروف بالمبرد:
شيخ أهل النحو، وحافظ علم العربية، كان من أهل البصرة فسكن بغداد، وروى بها عن أبي عثمان المازني، وأبي حاتم السجستاني، وغيرهما من الأدباء. وكان عالما فاضلا موثوقا به في الرواية، حسن المحاضرة، مليح الأخبار، كثير النوادر.
حدث عنه نفطويه النحوي، ومحمد بن أبي الأزهر، وإسماعيل بن محمد الصفار، وأبو بكر الصولي، وأبو عبد الله الحكيمي، وأبو سهل بن زياد، وأبو علي الطوماري، وجماعة يتسع ذكرهم.
حدّثنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل حدّثنا إسماعيل بن سعيد المعدّل حدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ قَالَ قَالَ لي أبو العباس المبرد: كنت أناظر بين يدي جعفر بن القاسم فكان يقول: أراك عالما، أراك عالما، فكان هذا يحفظني، فلما رأى ذلك مني قَالَ: إن قولي لك أراك عالما ليس أنك عندي قبل اليوم على غير هذه الحال ثم انتقلت إليها، ولكن على قول الله تعالى: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار 19] وإن كان الأمر اليوم ويومئذ لله.
أَخْبَرَنِي علي بن أبي علي البصري حدّثني أبي حَدَّثَنِي أبو علي الحسن بن سهل بن عبد الله الإيذجى حَدَّثَنِي أبو عبد الله المفجع قَالَ: كان المبرد لعظم حفظه اللغة واتساعه فيها، يتهم بالكذب، فتواضعنا على مسألة لا أصل لها نساله عنها لننظر كيف يجيب، وكنا قبل ذلك قد تمارينا في عروض بيت الشاعر:
أبا منذر افنيت فاستبق بعضنا
فقال بعضنا: هو من البحر الفلاني، وَقَالَ آخرون: هو من البحر الفلاني، فقطعناه وتردد على أفواهنا من تقطيعه ألق بعض، فقلت له: أنبئنا أيدك الله، ما القبعض عند العرب؟ فقال المبرد: القطن، يصدق ذلك قول أعرابي:
كأن سنامها حشى القبعضا

قَالَ فقلت لأصحابي: هو ذا ترون الجواب والشاهد، إن كان صحيحا فهو عجيب، وإن كان اختلق الجواب وعمل الشاهد في الحال فهو أعجب.
حدثنا محمد بن عبد الواحد بن علي البزاز وحدّثنا سَعِيد الْحَسَن بْن عَبْد الله السيرافي قَالَ سمعت أبا بكر بْن مجاهد يقول: ما رأيت أحسن جوابا من المبرد في معاني القرآن فيما ليس فيه قول لمتقدم. قَالَ أبو سعيد وسمعته يقول: لقد فاتني منه علم كثير لقضاء ذمام ثعلب.
حدّثنا محمّد بن على بن يعقوب المعدّل حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر التميمي بالكوفة.
قَالَ قَالَ أبو الحسن العروضي قَالَ لي أبو إسحاق الزجاج: لما قدم المبرد بغداد أتيته لأناظره، وكنت أقرأ على أبي العباس ثعلب، وأميل إلى قولهم- يعني الكوفيين- فعزمت على إعناته، فلما فاتحته ألجمني بالحجة وطالبني بالعلة، والزمني الزامات لم اهتد لها، فتبينت فضله، واسترجحت عقله، وجددت في ملازمته.
حدّثنا الحسن بن على الجوهري حدّثنا أحمد بن إبراهيم حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي الأزهر. قَالَ: كان المبرد ينسب إلى الأزد فقال فيه أحمد بن عبد السلام الشّاعر:
أيا ابن سراة الأزد- أزد شنوءة ... وأزد العتيك الصدر- رهط المهلب
أولئك أبناء المنايا إذا غدوا ... إلى الحرب عدوا واحدا ألف مقنب
حموا حرم الإسلام بالبيض والقنا ... وهم ضرموا نار الوغى بالتلهب
وهم سبط أنصار النبي محمد ... على أعجمي الخلق والمتعرب
وأنت الذي لا يبلغ الناس وصفه ... وإن أطنب المداح مع كل مطنب
رأيتك والفتح بن خاقان راكبا ... وأنت عديل الفتح في كل موكب
وكان أمير المؤمنين إذا دنا ... إليك يطيل الفكر بعد التعجب
وأوتيت علما لا يحيط بكنهه ... علوم بني الدنيا ولا علم ثعلب
يئوب إليك الناس حتى كأنهم ... ببابك في أعلى منى والمحصّب
حدّثنا أبو بكر البرقاني حدّثنا محمّد بن العبّاس الخرّاز قَالَ أنشدنا مُحَمَّد بن خلف بن المرزبان قَالَ أنشدني بعض أصدقائنا يمدح المبرد:
رأيت محمد بن يزيد يسمو ... إلى العلياء في جاه وقدر
جليس خلائق وغذى ملك ... واعلم من رأيت بكل أمر
وفتيانيه الظرفاء فيه ... وأبهة الكبير بغير كبر

وينثر إن أجال الفكر درا ... وينثر لؤلؤا من غير فكر
وقالوا ثعلب رجل عليم ... وأين النجم من شمس وبدر؟
وقالوا ثعلب يملي ويفتي ... وأين الثّعلبان من الهزبر؟
حدّثنا الجوهري قال حدثنا محمد بن العباس قَالَ أنشدنا محمد بن المرزبان لبعض أصحاب المبرد يمدحه:
بنفسي أنت يا ابن يزيد من ذا ... يساوى ثعلبا بك غير قين؟
إذا مازتكما العلماء يوما ... رأت شأويكما متفاوتين
تفسر كل مقفلة بحذق ... ويستر كل واضحة بغين
كأن الشمس ما تمليه شرحا ... وما يمليه همزة بين بين
أنبأنا الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن سلامة القضاعي المصري حدّثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي حدّثنا على بن أحمد المهلّبى حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الروذبارى حَدَّثَنَا محمد بن عبد الملك التاريخي قَالَ: قَالَ بعض الفتيان في أبيات له يمدح أبا العباس:
وإذا يقال من الفتى كل الفتى ... والشيخ والكهل الكريم العنصر؟
والمستضاء بعلمه وبرأيه ... وبعقله؟ قلت ابن عبد الأكبر
حدّثنا الأزهرى حدّثنا على بن عمر الحافظ حَدَّثَنَا أبو علي إسماعيل بن محمد النحوي قَالَ سمعت أبا العباس المبرد يقول: هجاني عبد الصّمد المعدّل فقال:
سألنا عن ثمالة كل حي ... فقال القائلون ومن ثماله؟
فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله
أنبأنا محمّد بن على بن مخلد الورّاق حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران حدّثنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار حدّثني محمّد بن يزيد النحوي.
أخبرنا عبيد بن أحمد بن عثمان الصيرفي حدّثنا أحمد بن إبراهيم البزّاز حدّثنا محمّد بن أبي الأزهر حَدَّثَنِي محمد بن يزيد قَالَ قَالَ لي المازني: يا أبا العباس بلغني أنك تنصرف من مجلسنا فتصير إلى المخيس، وإلى موضع المجانين والمعالجين فما معناك في ذلك؟ قَالَ فقلت: إن فيهم طرائف من ... من الأقسام فقال: خبرني ما لقيت من طرفهم فقلت: دخلت يوما إلى مستقرهم، فرأيت مراتبهم على مقدار بليتهم، وإذا قوم قيام قد شدت أيديهم إلى الحيطان بالسلاسل، ونقبت من البيوت التي هم بها إلى غيرها مما يجاورها، لأن علاج أمثالهم أن يقوموا الليل والنهار لا يقعدون ولا يضطجعون، ومنهم من يجلب على رأسه ويدهن أوراده، ومنهم من ينهل ويعل بالدواء حسبما يحتاجون إليه، فدخلت مع ابن أبي خميصة وكان المتقلد للنفقة عليهم، ولتفقد أحوالهم، فنظروا إليه وأنا معه فأمسكوا عما كانوا عليه، فمررت على شيخ منهم تلوح صلعته، وتبرق للدهن جبهته، وهو جالس على حصير نظيف ووجهه إلى القبلة كأنه يريد الصلاة، فجاوزته إلى غيره فناداني: سبحان الله- أين السلام، من المجنون؟ ترى أنا أو أنت؟ فاستحييت منه، وقلت: السلام عليكم.
فقال: لو كنت ابتدات لأوجبت علينا حسن الرد عليك، على أنا نصرف سوء أدبك إلى أحسن جهاته من العذر، لأنه كان يقال: إن للداخل على القوم دهشة، اجلس أعزك الله عندنا، وأومأ إلى موضع من حصير ينفضه كأنه يوسع لي، فعزمت على الدنو منه فناداني ابن أبي خميصة: إياك إياك، فأحجمت عن ذلك ووقفت ناحية أستجلب مخاطبته، وأرصد الفائدة منه: ثم قَالَ وقد رأى معي محبرة يا هذا أرى آلة رجلين، أرجو أن لا تكون أحدهما، أتجالس أصحاب الحديث الأغثاء، أم الأدباء أصحاب النحو والشعر؟ قلت: الأدباء، قَالَ: أتعرف أبا عثمان المازني؟ قلت نعم- معرفة ثابتة، قَالَ فتعرف الذي يقول فيه:
وفتى من مازن ... ساد أهل البصرة
أمه معرفة ... وأبوه نكرة
قلت: لا أعرفه. قَالَ فتعرف غلاما له قد نبغ في هذا العصر معه ذهن وله حفظ، قد برز في النحو، وجلس في مجلس صاحبه وشاركه فيه يعرف بالمبرد؟ قلت أنا والله عين الخبير به، قَالَ: فهل أنشدك شيئا من عبثات شعره؟ قلت: لا أحسبه يحسن قول الشعر، قَالَ: يا سبحان الله أليس هو الذي يقول:
حبذا ماء العناقي ... د بريق الغانيات
بهما ينبت لحمي ... ودمي أي نبات
أيها الطالب أشهى ... من لذيذ الشهوات
كل بماء المزن تفا ... ح الخدود النّاعمات

قلت قد سمعته ينشد هذا في مجالس الأنس، قَالَ يا سبحان الله. ويستحي أن ينشد مثل هذا حول الكعبة؟ ما تسمع الناس يقولون في نسبه؟ قلت: يقولون هو من الأزد أزد شنوءة ثم ثماله، قَالَ قاتله الله ما أبعد غوره، أتعرف قوله:
سألنا عن ثمالة كل حي ... فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهالة
فقال لي المبرد خل قومي ... فقومي معشر فيهم نذالة
قلت: اعرف هذه الأبيات لعبد الصمد بن المعدّل يقولها فيه. قَالَ: كذب والله كل من ادعى هذه غيره، هذه كلام رجل لا نسب له يريد أن يثبت له بهذا الشعر نسبا- قلت: أنت أعلم. قَالَ لي: يا هذا قد علمت بخفه روحك على قلبي وتمكنت بفصاحتك من استحساني، وقد أخرت ما كان يجب أن أقدمه: الكنية أصلحك الله؟
قلت: أبو العباس. قَالَ: فالاسم؟ قلت: محمد، قَالَ: فالأب؟ قلت: يزيد. قَالَ:
قبحك الله أحوجتني إلى الاعتذار إليك مما قدمت ذكره، ثم وثب باسطا إلى يده لمصافحتي، فرأيت القيد في رجله قد شد إلى خشبه في الأرض فأمنت عند ذلك غائلته. فقال لي: يا أبا العباس صن نفسك عن الدخول إلى هذه المواضع فليس يتهيأ لك في كل وقت أن تصادف مثلي في هذه الحال الجميلة، أنت المبرد، وجعل يصفق، وانقلبت عيناه، وتغيرت خلقته فبادرت مسرعا خوفا من أن تبدر منه بادره، وقبلت والله قوله، فلم أعاود الدخول إلى مخيس ولا غيره.
حدّثنا محمّد بن وشاح بن عبد الله حدّثنا عبد الصّمد بن أحمد بن حنش الخولاني حدّثنا أحمد بن محمّد بن زياد القطّان حَدَّثَنَا أَبُو العباس مُحَمَّد بْن يزيد المبرد قَالَ: سألت بشر بن سعد المرثدي حاجة، فتأخرت، فكتبت إليه:
وقاك الله من إخلاف وعد ... وهضم أخوة أو نقض عهد
فأنت المرتجى أدبا ورأيا ... وبيتك في الرواية من معد
وتجمعنا أواصر لازمات ... سداد الأسر من حسب وود
إذا لم تأت حاجاتي سراعا ... فقد ضمنتها بشر بن سعد
فأي الناس آمله لبر؟ ... وأرجوه لحلّ أو لعقد

أنبأنا البرقاني أنبأنا محمد بن العباس قَالَ أنشدنا عبيد الله بن أحمد بن طاهر قَالَ أنشدني أبي لنفسه في المبرد:
ويوم كحر الشوق في الصّدر والحشا ... على أنّه منه أحرّ وأومد
ظللت به عند المبرد ثاويا ... فما زلت في ألفاظه أتبرّد
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جعفر الأخرم حدّثنا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْن مُحَمَّد الطوماري قَالَ: سمعت أبا الفضل بن طومار يقول: كنت عند محمّد بن نصر ابن بسام، فدخل عليه حاجبه فأعطاه رقعه وثلاثة دفاتر كبارا، فقرأ الرقعة فإذا المبرد قد أهدى إليه كتاب الروضة، وكان ابنه على حاضرا قَالَ فرمى بالجزء الأول- يعني إليه- وَقَالَ له: انظر يا بني، هذه أهداها إلينا أبو العباس المبرد، فأخذ ينظر فيه وكان بين يديه دواة، فشغل أبو جعفر يحدثنا، فأخذ على الدواة ووقع على ظهر الجزء شيئا وتركه، فلما انصرف.
قَالَ أبو جعفر: أروني أي شيء قد وقع هذا المشئوم؟ فإذا هو:
لو برا الله المبرد ... من جحيم يتوقد
كان في الروضة حقا ... من جميع الناس أبرد
أنبأنا محمّد بن الحسن بن أحمد الأهوازى أنبأنا أَبُو سعيد الْحَسَن بْن عَبْد اللَّهِ بْن سعيد السكرى قَالَ: حكى لنا أبو العباس بن عمار أن محمد بن يزيد النحوي المبرد صحف في كتاب الروضة في قوله: حبيب بن خدرة: فقال، جدرة، وفي ربعي بن حراش فقال خراش، فقال بعض الشعراء يهجوه:
غير أن الفتى كما زعم النّا ... س دعي مصحف كذاب
أَخْبَرَنَا الحسن بن علي الجوهري حدّثنا محمّد بن عمران المرزباني حدّثنا عبد الله ابن محمد بن أبي سعيد قَالَ: أنشدنا أحمد بن أبي طاهر لنفسه:
كثرت في المبرد الآداب ... واستقلت في عقله الألباب
غير أن الفتى كما زعم النا ... س دعى مصحف كذاب
حدّثنا على بن أيّوب القمي حدّثنا محمّد بن عمران بن موسى أَخْبَرَنِي الصولي قَالَ: كُنَّا يومًا عِنْدَ أبي العباس المبرد، فجاءه رجل فسلم عليه واستحفى نفسه في لقائه، فأنشد أبو العباس:
إن الزمان وإن شطت مذاهبه ... مني ومنك فإن القلب مقترب
لن ينقص النأي ودي ما حييت لكم ... ولا يميل به جد ولا لعب

حدّثنا أحمد بن محمّد العتيقى حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عُمَر اليمني- بمصر- قَالَ: أنشدنا أحمد بن مروان المالكي قال أنشدنى بعض أصحابنا لثعلب في المبرد حين مات:
مات المبرد وانقضت أيامه ... وسينقضي بعد المبرد ثعلب
بيت من الآداب أصبح نصفه ... خربا وباقى نصفه فسيخرب
قرأت على الحسن بن أبي بكر عن أَحْمَد بْن كامل الْقَاضِي قَالَ: مات أَبُو العباس محمد بن يزيد الأزدي الثمالي المعروف بالمبرد- وكان في العلم بنحو البصريين فردا- في سنة خمس وثمانين ومائتين.
حدّثنا محمد بن عبد الواحد حَدَّثَنَا محمد بن العباس قال قرئ على ابن المنادي- وأنا أسمع قَالَ: ومات محمد بن يزيد بن عبد الأكبر- أبو العباس النحوي المعروف بالمبرد- في شوال سنة خمس وثمانين.
وَقَالَ ابن المنادي: سمعنا منه أحاديث في تضاعيف أول كتاب معاني القرآن.
قُلْتُ: وبلغني أن مولده كَانَ فِي سنة عشر ومائتين

ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

- أَبُو الْعَبَّاس المُبرِّد
مُحَمَّد بن يزِيد بن عبد الْأَكْبَر بن عُمَيْر بن حسان بن سُليم بن سعد بن عبد الله بن زيد بن مَالك بن الْحَارِث بن عَامر بن عبد الله ابْن عَامر بن مَالك بن عَوْف بن أسلم، وَهُوَ ثمالة من أَزْد.
وَإِنَّمَا نَسَبْتُه لطعن بعض النَّاس فِي نسبه.
مولده الْبَصْرَة.
وابتدأ بِقِرَاءَة " الْكتاب " على الْجرْمِي فَقَرَأَ بعضه، وكَمَّل بَاقِيه على الْمَازِني.
واشتهر أمره بِبَغْدَاد بعد خمول، وَذَاكَ أَن المتَوَكل استحضره إِلَى سر من رأى، لِأَنَّهُ قَرَأَ يَوْمًا وَالْفَتْح بن خاقَان بِحَضْرَتِهِ: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ إِنَّهَا) ، فَقَالَ الْفَتْح: يَا سَيِّدي (أَنَّهَا) ، فَقَالَ: مَا أعرفهَا إِلَّا بِالْكَسْرِ. فَأمر بإحضار المُبرِّد، فَحَضَرَ، وَورد إِلَى الْفَتْح بن خاقَان فسلَّم عَلَيْهِ، فَذكر لَهُ مَا استحضره لَهُ، فَوَافَقَ الْفَتْح، فَرفع مَجْلِسه، ثمَّ أُدخل بعد ذَلِك المتَوَكل، فصوَّب قِرَاءَته، وَذكر جَوَاز الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.
ثمَّ سَار إِلَى بَغْدَاد، وَتكلم فِي جَامع الْمَنْصُور، وَأخذ يُجيب عَن مسَائِل يُفهم أَنه قد سُئل عَنْهَا، فَقَامَ الزَّجَّاج من حَلقَة أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب إِلَيْهِ، وَألقى عَلَيْهِ عدَّة مسَائِل، فَأجَاب فِي جَمِيعهَا، فَلَزِمَهُ وَترك مجْلِس ثَعْلَب.
فَسمِعت شَيخنَا أَبَا الْقَاسِم الدقيقي، رَحمَه الله تَعَالَى، يَقُول: مَا زَالَ " الْكتاب " مُطَّرحاً بِبَغْدَاد، لَا يُنظر فِيهِ، وَلَا يعول عَلَيْهِ، حَتَّى ورد المُبرِّد إِلَيْهَا، فبيَّنه، على علو قدره وشرفه، ورغَّب النَّاس فِيهِ، فَكَانَ لَا يُمكِّن أحدا من قِرَاءَته عَلَيْهِ حَتَّى يقرأه على الزَّجَّاج، ويُصححه.

قَالَ الْمَعْرُوف باليوسفي: كنت يَوْمًا قَاعِدا عِنْد أبي حَاتِم السجسْتانِي، إِذْ أَتَاهُ شَاب من نيسابور، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا حَاتِم، إِنِّي قد قدمت إِلَى بلدكم، وَهُوَ مَحل الْعلم وَالْعُلَمَاء، وَأَنت شيخ هَذِه الْمَدِينَة، وَقد أَحْبَبْت أَن أَقرَأ عَلَيْك " كتاب سِيبَوَيْهٍ ". فَقَالَ سهل بن مُحَمَّد: الدَّين النَّصِيحَة، إِن أردْت أَن تنْتَفع بِالْقِرَاءَةِ فاقرأ على هَذَا الْغُلَام. يَعْنِي مُحَمَّد بن يزِيد، فعجبت من ذَلِك.
وَكَانَ الْمبرد يَقُول الشّعْر، وَمن شعره، مَا أنشدنيه أبي مُحَمَّد بن مسعر، رَحمَه الله، قَالَ: أَنْشدني أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَنْبَارِي، ويُعرف بالحميري، الْقَارئ بمعرة النُّعْمَان، قَالَ: أنشدنا دَاوُد بن الْهَيْثَم التنوخي، قَالَ: أنشدنا الْمبرد لنَفسِهِ:
شَرِبْتُ مِن فِضَّةٍ ومِن ذَهَبِ ... أسْرَعَ فِي فَضَّتِي وَفِي ذَهَبِي

فصِرْتُ عُطلاً لم تُبْقِ حِلْيَتَهُ ... عليَّ مِن حِلْيةٍ سِوَى الأدبِ
والأدبُ الحِلْيةُ النَّفِيسَةُ لَا ... زُخْرُفَةٌ مِن زَخارِفِ النَّسبِ
وحدَّث الْحسن بن إِسْمَاعِيل الْبَغْدَادِيّ، قَالَ: كنت يَوْمًا عِنْد الْمبرد إِذْ جَاءَ غُلَام حسن الْوَجْه، فَقَالَ لَهُ الْمبرد: أَيْن كنت هَذِه الْمدَّة؟
قَالَ: كنت عليلاً.
فَأَطْرَقَ أَبُو الْعَبَّاس سَاعَة، ثمَّ أنشأ يَقُول:
فلَوْ كَانَ المَريضُ يَزِيدُ حُسْناً ... كَمَا تَزْدادُ أنتَ علَى السَّقامِ
لَمَا عِيدَ الْمرِيضُ إِذا وعُدَّتْ ... لَنا الشَّكْوى مِن النِّعَمِ العظامِ
فَأَما مَا ذكرت من الطعْن فِي نسبه، فإنَّ أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي العوَّام الْمصْرِيّ، حدَّث سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة، قَالَ: حدَّثني يَمُوت بن المُزَرَّع الْبَصْرِيّ، قَالَ: صرت مَعَ أبي الْعَبَّاس إِلَى أبي شُرَاعة فَقَالَ: يَا أَبَا شراعة، أَنْشدني أبياتك فِي آل ريَاح.
فَقَالَ لَهُ أَبُو شراعة الْقَيْسِي: بِاللَّه يَا أَبَا الْعَبَّاس فِيمَن تنتمي الْيَوْم؟
فَقَالَ: فِي ثمالة.
قَالَ: بِاللَّه يَا أَبَا الْعَبَّاس هلاَّ اخْتَرْت لنَفسك نسبا هُوَ أرفع من هَذَا!
فَقَالَ لَهُ الْمبرد: دَعْنَا من هزلك، وأنشدنا أبياتك فِي آل ريَاح.
فأنشده وَنحن عِنْده:

بَنِي رِيَاحٍ أعادَ اللهُ نِعْمَتَكُمْ ... خَيْرَ المَعادِ وأسْقَى رَبْعَكُم دِيَمَا
فكَمْ بهَا مِن فَتىً حُلْوٍ شَمائِلُهُ ... يكادُ يَنْهَلُّ مِن أعْطافِهِ كَرَمَا
لم يَلْبَسُوا نِعْمَةَ للهِ مُذْ خُلِقُوا ... إلاَّ تَلَبَّسَها إخْوانُهم نِعَمَا
ويُروى أَن الْمبرد ولد لَيْلَة الْأَضْحَى، سنة عشرٍ وَمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ، وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة قبل أَن يصير إِلَى بَغْدَاد.
وأملى كتبا كَثِيرَة: " الْمدْخل إِلَى علم سِيبَوَيْهٍ " و " المُقتضب "، و " الْكَامِل "، و " الْجَامِع ".
وَله " كتاب صَغِير " يرد على سِيبَوَيْهٍ نَحْو أَرْبَعمِائَة مَسْأَلَة.
قَالَ الزّجاج: رَجَعَ عَن أَكْثَرهَا إِلَى قَول سِيبَوَيْهٍ.
قَالَ: وفيهَا مَا يلْزم سِيبَوَيْهٍ على مذْهبه نَحْو أَرْبَعِينَ مَسْأَلَة.
وَالَّذِي أعتقد فِي ذَلِك أَن سِيبَوَيْهٍ لَا يتَعَلَّق بِهِ شَيْء مِمَّا ذُكر عَنهُ، لِأَنَّهُ يروي عَن الْعَرَب قَول الشَّاعِر:
وَلم يَرْتَفِقْ والناسُ مُحْتَضِرُونَهُ جَمِيعًا...........

وَمثل:
أَبَا ابنُ التَّارِكِ البكْرِيِّ بِشْرٍ ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ وَقُوعا

وَهل يُسمى مثلُ رِوَايَة هَذَا على الْمجَاز " غلط من الرَّاوِي ".
وأكبر ظَنِّي أَن أَبَا عَليّ الْفَارِسِي إِنَّمَا عدل عَن إقراء كتبه، والتكثر بالرواية عَنهُ، بِهَذِهِ الْحَال.
ويُروى عَنهُ أَنه قَالَ: مَا أَدْرِي، لِمَ لقَّب ذَلِك الْكتاب بالكامل!
وَمن كتبه كتاب " الرَّوْضَة "، فِي من أشعار النحدثين، وَله " كتاب فِي القوافي "، و " كتاب فِي الخطِّ والهجاء "، و " كتاب فِي الْقُرْآن "، وَكتاب " اخْتِيَار الشّعْر "، وَكتاب لقبه " الْكَافِي " فِيهِ أخبارٌ، لَا أَدْرِي لِمَ اخْتَار لَهُ هَذَا اللقب، من أَي شَيْء يَكْفِي؟.
وَكَانَ البحتري صديقا لَهُ، وَكَانَ - فِيمَا ذكر - يَجْتَمِعَانِ على الشَّرَاب.
ويروي أَن البحتري كتب إِلَيْهِ بِهَذِهِ الأبيات:
يومُ سَبْتٍ وعنْدَنا مَا يَكْفِي الْحُرَّ ... طَعاماً والوِرْدُ مِنَّا قَرِيبُ
ولَنَا مَجْلِسُ على الشَّطِّ فَيَّا ... حٌ فسِيحٌ تَرْتاحُ فِيهِ القُلوبُ
فَأْتِنَا يَا محمدُ بن يَزِيد ... فِي اسْتِتَارِ كَيْلاَ يراكَ الرَّقِيبُ
اطْرُدِ الْهَمَّ باصْطِباحِ ثَلاثٍ ... مُتْرَعاتٍ تُنْفَي بِهِنَّ الكُروبُ
إنَّ فِي الرَّاحِ رَاحَةً مِن جَوَى الحُبِّ ... وقلبِي إِلَى الأديبِ طرُوبُ
لَا يَرُعْكَ الْمَشِيبُ مِنِّي فإنِّي ... مَا ثَنانِي عَن التَّصابِي الْمَشِيبُ

ويروى أَن البحتري صَار إِلَيْهِ يَوْمًا إِلَى مَجْلِسه، فَنَهَضَ إِلَيْهِ الْمبرد، فأقسم عَلَيْهِ البحتري، فَقَالَ:
لَئِنْ قُمْتُ مَا فِي ذَاك مِنِّي غَضاضَةٌ ... عليَّ وإنِّي لِلْكريمِ مُذَلَّلُ
على أنَّها مِنِّي لِغَيْرِكَ سُبَّةُ ... ولكنَّها بيْنِي وبَيْنَك تَجْمُلُ
وتُوفي لليلتين بَقِيَتَا من ذِي الْحجَّة، سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ. ودُفن فِي مَقْبرَة بَاب الْكُوفَة، وَصلى عَلَيْهِ يُوسُف بن يَعْقُوب القَاضِي، وَله سِتّ وَسَبْعُونَ سنة.
وَقَالَ أَحْمد بن عبد السَّلَام يرثيه:

ذهَب المُبَرِّدُ وانْقَضَتْ أيَّامُهْ ... ولَيَذْهَبَنَّ مَع المُبَرِّدِ ثَعْلَبُ
بَيْتُ من الآدابِ أصْبَح شَطْرُه ... خَرِباً وباقِي شَطْرِه فسيَخْربُ

فتدارَكُوا مِن عِلْمِه فَبِكأْسِ مَا ... شَرِبَ المُبَرِّدُ ثَعْلَبُ فسَيَشْربُ
وعَلْيكُمُ أَن تكْتُبوا أنْفَاسَهُ ... إنْ كانتِ الأنْفاسُ مِمَّا تُكْتبُ
وَكَانَ قَالَ فيهمَا:

أيا طالِبَ النَّحْوِ لَا تَجْهلنَّ ... وعُذْ بالمُبَرِّدِ أَو ثَعْلَبِ
تَجِدْ عِنْد هَذَيْنِ عِلْمَ الوَرَى ... فَلَا تَكُ كالجملِ الأجْرَبِ
عُلومُ الْخَلائِقِ مَقرُونَةٌ ... بهذَيْنِ فِي الشَّرْقِ والمَغْرِبِ

تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم-لأبو المحاسن المفضل التنوخي المعري.

 

المُبَرِّد:
إِمَامُ، النَّحْو، أبي العَبَّاسِ، مُحَمَّد بن يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الأَكْبَر الأَزْدِيّ، البَصري، النَّحْوِيّ الأَخْبَارِيّ، صَاحِب، "الكَامِل".
أَخَذَ عَنْ: أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ، وَأَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ.
وَعَنْهُ: أبي بَكْرٍ الخَرَائِطِيّ، وَنِفْطَوَيْه، وَأبي سَهْلٍ القَطَّانُ، وَإِسْمَاعِيْل الصَّفَّار، وَالصُّوْلِيّ، وَأَحْمَد بن مَرْوَانَ الدِّيْنَوَرِيّ، وَعِدَّةٌ.
وَكَانَ إِمَاماً، علامة، جميلًا، وسيمًا، فصيحًا، مفوهًا، موثقًا صَاحِب نَوَادِر وَطُرَفٍ.
قَالَ ابْنُ حَمَّاد النَّحْوِيّ: كَانَ ثَعْلَب أَعلمَ بِاللُّغَة، وَبنفس النَّحْو مِنَ المُبَرِّد، وَكَانَ المُبَرِّدُ أَكْثَر تَفَنُّناً فِي جَمِيْع الْعُلُوم مِنْ ثَعْلَب.
قُلْتُ: لَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَة، يُقَال: إِنَّ المَازِنِيّ أَعجبه جَوَابُه: فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَأَنْت المُبَرِّد، أَي: المُثْبِت للحقّ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ: بِفَتْح الرَّاء.
وَكَانَ آيَة فِي النَّحْوِ، كَانَ إِسْمَاعِيْل القَاضِي يَقُوْلُ: مَا رَأَى المُبَرَّد مِثْلَ نَفْسه.
مَاتَ المُبَرَّد: فِي أَوَّلِ سنة ست وثمانين ومائتين.

سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايمازالذهبي

محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمرو بن حسان أبي العباس المبرد، ولد سنة (210ه)، روى عن أبي عثمان المازني، و أبي حاتم السجستاني وغيرهما، وروى عنه الصولي ونفطويه وغيرهما، قال أبي بكر بن مجاهد: ما رأيت أحسن جوابا من المبرد في " معاني القرآن "، ولقد فاتني منه علم كثير لقضاء ذمام ثعلب، (ت: 285ه). ينظر: وفيات الاعيان لابن خلكان: 4/313، وتاريخ الاسلام للذهبي: 6/831، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني: 7/588.

 

 

أبي العباس محمد بن يزيد الأزدي
الثمالي المعروف بالمبرد انتهى علم النحو بعد طبقة الجرمي والمازني إلى أبي العباس محمد بن يزيد الأزدي وهو من ثمالة قبيلة من الأزد. وأنشدنا أبو بكر بن السراج عن أبي العباس لعبد الصمد بن المعذل يعاتبه.
سألنا عن ثمالة كل حي ... فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله
وقد حدثنا عنه أبو بكر بن أبي الأزهر بشيء ظريف في هذا المعنى. حدثنا ابن أبي الأزهر قال حدثني محمد بن يزيد قال قال لي المازني: يا أبا العباس بلغني أنك تتصرف من مجلسنا فتصير إلى المخيس وإلى مواضع المجانين والمعالجين فما معناك في ذاك؟ قال: فقلت: إن لهم أعزك الله طرائف من الكلام وعجائب من الأقسام. فقال: خبرني بأعجب ما رأيته من المجانين. قال فقلت: دخلت يوماً إلى مستقرهم فرأيت مراتبهم على مقدار بليتهم وإذا قوم قيام قد شدت أيديهم إلى الحيطان بالسلاسل ونقبت من البيوت التي هم بها إلى غيرها مما يجاورها لأن علاج أمثالهم أن يقوموا الليل والنهار لا يقعدون ولا يضطجعون ومنهم من يحلب على رأسه وتدهن أرداؤه ومنهم من ينهل ويعل بالدواء حسب ما يحتاجون، فدخلت يوماً مع ابن أبي خميصة وكان المتقلد للنفقة عليهم ولتفقد أحوالهم فنظروا وأنا معه فأمسكوا عما كانوا عليه لولاء موضعه فمررت على شيخ منهم تلوح صلعته وتبرق للدهن جبهته وهو جالس على حصير نظيف ووجهه إلى القبلة كأنه يريد الصلاة. فجاوزته إلى غيره فناداني: سبحان الله أين السلام من المجنون ترى أنا أم أنت. فاستحيت منه وقلت: السلام عليكم. فقال: لو كنت ابتدأت لأوجبت علينا حسن الرد عليك على أنا نصرف سوء أدبك إلى أحسن جهاته من العذر لأنه كان يقال: إن لله إخاء على القوم دهشة اجلس أعزك الله عندنا. وأومى إلى موضع من حصيره ينفضه كأنه يوسع لي. فعزمت على الدنو منه فناداني ابن أبي خميصة: إياك إياك! فأحجمت عن ذلك ووقفت ناحية أستحلب مخاطبته وأرصد الفائدة منه. ثم قال لي وقد رأى معي محبرة: يا هذا أرى معك آلة رجلين أرجو أن لا تكون أحدهما أتجالس أصحاب الحديث الأغثاث أم الأدباء من أصحاب النحو والشعر. قال: أتعرف أبا عثمان المازني. قلت: نعم معرفة ثاقبة. قال: أفتعرف الذي يقول فيه:
وفتى من مازنٍ ساد أهل البصره ... أمه معروفة وأبوه نكره

قلت: لا أعرفه، قال: أفتعرف غلاماً له قد نبغ في هذا العصر معه ذهن وله حفظ وقد برز في النحو وجلس في مجلس صاحبه وشاركه فيه يعرف بالمبرد، قلت: أنا والله عين الخبير به. قال: فهل أنشدك شيئاً من عبثات أشعاره؟ قلت: لا أحسبه يحسن قول الشعر. قال: سبحان الله أليس هو الذي يقول:
حبذا ماء العناقيـ ... ـد بريق الغانيات
بهما ينبت لحمي ... ودمي أي نبات
أيها الطالب أشهى ... من لذيذ الشهوات
كل بماء المزن تفـ ... ـاح خدود الناعمات
قلت: قد سمعته ينشد هذا في مجلس الأنس. قال: يا سبحان الله أويستحيا أن ينشد مثل هذا حول الكعبة ما تسمع الناس يقولون في نسبه. قلت: يقولون هو من الأزد أزد شنؤة ثم من ثمالة. قال: قاتله الله ما أبعد غوره أتعرف قوله:
سألنا عن ثمالة كل حيٍ ... فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله
فقال لي المبرد خل قومي ... فقومي معشر فيهم نذاله

قلت: أعرف هذه الأبيات لعبد الصمد بن المعذل يقوله لها فيه. قال: كذب من ادعاها غيره هذا كلام رجل لا نسب له يريد أن يثبت بهذا الشعر له نسباً. قلت أنتم أعلم. قال: يا هذا قد غلبت بخفة روحك على قلبي وتمكنت بفصاحتك من استحساني وقد أخرت ما كان يجب أن أقدمه. الكنية أصلحك الله؟ قلت: أبو العباس. قال: فالاسم. قلت: محمد. قال: فالأب. قلت: يزيد. قال: قبحك الله أحوجتني إلى الاعتذار إليك مما قدمت ذكره. ثم وثب باسطاً يده لمصافحتي. فرأيت القيد في رجله قد شد إلى خشبة في الأرض فأمنت عند ذلك غائلته. فقال لي: يا أبا العباس صن نفسك عن الدخول إلى هذه المواضع فليس يتهيأ لك في كل وقت أن تصادف مثلي في مثل هذه الحال الجميلة أنت المبرد. وجعل يصفق وقد انقلبت عينه وتغيرت حليته. فبادرت مسرعاً خوفاً أن تبدرني منه بادرة وقبلت قوله فلم أعاود الدخول إلى مخيس ولا غيره.
وأخذ أبو العباس النحو عن الجرمي والمازني وغيرهما وكان على المازني يعول ويقال أنه بدأ بقراءة كتاب سيبويه وختمه على المازني. وكان إسماعيل بن إسحاق القاضي وهو أقدم مولداً منه

ورأى الناس بالبصرة يقول: ما رأى محمد بن يزيد مثل نفسه. وسمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: ما رأيت أحسن جواباً من المبرد في معاني القرآن فيما ليس فيه قول لمتقدم. وسمعته يقول: لقد فاتني منه علم كثير لقضاء ذمام ثعلب. وسمعت نفطويه يقول: ما رأيت أحفظ للأخبار بغير أسانيد منه ومن أبي العباس بن فرات. وكذلك خبرنا أبو بكر بن السراج عن محمد بن خلف وكيع. وكان بينه وبين أبي العباس ثعلب من المنافرة ما لا خفاء به وأكثر أهل التحصيل يفضلونه.
أنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال أنشدني أحمد بن عبد السلام وكان أكبر من خالد الكاتب سناً يقول في محمد بن يزيد:
رأيت محمد بن يزيد يسمو ... إلى الخيرات في جاه وقدر
جليس خلائف وغذى ملكٍ ... وأعلم من رأيت بكل أمر
وفتيانية الظرفاء فيه ... وأبهة الكبير بغير كبر
وينثر إن أجال الفكر دراً ... وينثر لؤلؤاً من غير فكر
وكان الشعر قد أودى فأحيا ... أبو العباس دائر كل شعر

وقالوا ثعلب رجل عليمٌ ... وأين النجم من شمس وبدر
وقالوا ثعلب يفتي ويملي ... وأين الثعلبان من الهزبر
وهذا في مقالك مستحبلاً ... تشبه جدولاً وشلاً ببحر
قال وأنشدني فيه:
وأنت الذي لا يبلغ الوصف مدحه ... وإن أطنب المداح مع كل مطنب
رأيتك والفتح بن خاقان راكباً ... وأنت عديل الفتح في ل موكب
وكان أمير المؤمنين إذا رنا ... إليك يطيل الفكر بعد التعجب
وأوتيت علماً لا تحيط بكنهه ... علوم بني الدنيا ولا نحو ثعلب
يروح إليك الناس حتى كأنهم ... ببابك في أعلى منى والمحصب
وأنشدنا ابن أبي الأزهر لنفسه:
شكا ما به من هوىً منصب ... إلى إلفه الأوصب الأنصب
فبات يخدان حر الخدود ... بفيض دموعِهما السكب
ويعتنقان وقلباهما ... على مثل جمر الغضا الملهب
إلى أن بدا في الدجى ساطعٌ ... من الصبح يسطو على الغيهب

فيا حسنها ليلة لو تمد ... طوال الدهور فلم تذهب
وهل ترجعن بلذاتها ... على حال أمن من الرقب
أيا طالب العلم لا تجهلن ... وعذ بالمبرد أو ثعلب
تجد عند هاذين علم الورى ... ولا تك كالجمل الأجرب
علوم الخلائق مقرونة ... بهاذين بالشرق والمغرب
ومن شعر أبي العباس وكان مليح الطبع أخبر أبو بكر بن أبي الأزهر قال كتب طاهر بن الحارث كاتب محمد بن عبد الله بن طاهر إليه رقعة في درجها تسبيب له على مصر قد فرغ منه وأحكمه وكان الغلام الموصل للرقعة يسمى نصراً فأجابه عن رقعته وكتب في آخر الجواب.
بنفسي أخ برٌّ شددت به أزري ... فألفيته حراً على العسر واليسر
أغيب فلي منه ثناءٌ ومدحة ... وأحضر منه أحسن القول والبشر
وما طاهرٌ إلا جمالٌ لصحبه ... وناصر عافيه على كلب الدهر
تفردت يا خير الورى فكفيتني ... مطالبةٌ شنعاء ضاق لها صدري
فأحسن من وجه الحبيب ووصله ... كتابٌ أتاني مدرجاً بيدي نصر

سررت به لما أتى ورأيتني ... غنيت وإن كان الكتاب إلى مصر
وقلت رعاك الله من ذي مودة ... فقد فت إحساناً وقصر بي شكري
وكان مولده فيما خبرنا أبو بكر بن السراج وأبو علي الصفار في سنة عشر ومائتين ومات سنة خمس وثمانين ومائتين.
وقد كان من نظرائه في عصره ممن قرأ كتاب سيبويه على المازني جماعة لم يكن لهم كنباهته مثل أبي ذكوان ووقع إلى سيراف في أيام الزنج وكان التوزي زوج أمه وعسل بن ذكوان وخرج إلى الأهواز وأقام بعسكر مكرم من كور الأهواز. وأبو يعلى بن أبي زرعة بصري من أصحاب المازني مقدم وقد عمل كتاباً في النحو لم يتمه.
ومن أصحاب أبي العباس محمد بن يزيد أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج وأبو الحسن بن كيسان واليهما انتهت الرياسة في النحو بعد أبي العباس محمد بن يزيد غير أن أبا إسحاق كان أشد لزوماً لمذهب البصريين وكان ابن كيسان يخلط المذهبين.
وكان بعدهما أبو بكر محمد بن السري المعروف بابن السراج وأبو بكر محمد بن علي المعروف بمبرمان وعنهما أخذت أكثر النحو وعليهما قرأت كتاب سيبويه.
وفي طبقتهما ممن يخلط علم البصريين بعلم الكوفيين أبو بكر بن شقير وأبو بكر بن الخياط.

أخبار النحويين البصريين - الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي.

 

 

محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد:
إمام العربية ببغداد في زمنه، وأحد أئمة الأدب والأخبار. مولده بالبصرة ووفاته ببغداد.
من كتبه (الكامل - ط) و (المذكر والمؤنث - خ) و (المقتضب - ط) و (التعازي والمراثي - خ) اقتنيت منه تصوير نسخة نفيسة كتبت في الكرك سنة 757 ورأيت نسخة منه في أول المجموعة 534 في الاسكوريال، و (شرح لامية العرب - ط) مع شرح الزمخشريّ، و (إعراب القرآن) و (طبقات النحاة البصريين) و (نسب عدنان وقحطان - ط) رسالة. و (المقرب - خ) قال الزبيدي في شرح خطبة القاموس: المبرّد بفتح الراء المشددة عند الأكثر وبعضهم يكسر .

-الاعلام للزركلي-

توجد له ترجمة في كتاب : إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الحافظ أبي القاسم الطبراني- للمنصوري.