يوسف بن يحيى البويطي أبو يعقوب

البويطي

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاة231 هـ
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • بغداد - العراق
  • الصعيد - مصر
  • مصر - مصر

نبذة

أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي: مات ببغداد في السجن والقيد في رجله، وكان حمل من مصر في فتنة القرآن فأبى أن يقول بخلقه فسجن وقيد حتى مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين.

الترجمة

أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي: مات ببغداد في السجن والقيد في رجله، وكان حمل من مصر في فتنة القرآن فأبى أن يقول بخلقه فسجن وقيد حتى مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
قال الساجي في كتابه: كان أبو يعقوب إذا سمع المؤذن وهو في السجن يوم الجمعة اغتسل ولبس ثيابه ومشى حتى يبلغ باب الحبس فيقول له السجان: أين تريد؟ فيقول: حيث داعي الله فيقول: ارجع عافاك الله، فيقول أبو يعقوب: اللهم إنك تعلم أني قد أجبت داعيك فمنعوني.
وقال أبو الوليد ابن أبي الجارود: كان البويطي جاري فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا سمعته يقرأ ويصلي. وقال الربيع بن سليمان: كان البويطي أبداً يحرك شفتيه بذكر الله تعالى، وما رأيت أحداً أنزع بحجة من كتاب الله تعالى من أبي يعقوب البويطي. وقال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس أحد من أصحابي أعلم منه. وروي عنه أنه قال: أبو يعقوب لساني.

- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

 

 

يُوسُف بن يحيى الإِمَام الْجَلِيل أَبُو يَعْقُوب البويطى المصري
وبويط من صَعِيد مصر وَهُوَ أكبر أَصْحَاب الشافعى المصريين
كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا عابدا زاهدا فَقِيها عَظِيما مناظرا جبلا من جبال الْعلم وَالدّين غَالب أوقاته الذّكر والتشاغل بِالْعلمِ غَالب ليله التَّهَجُّد والتلاوة سريع الدمعة
تفقه على الشافعى واختص بِصُحْبَتِهِ
وَحدث عَنهُ وَعَن عبد الله بن وهب وَغَيرهمَا

روى عَنهُ الرّبيع المرادى وَهُوَ رَفِيقه وَإِبْرَاهِيم الحربى وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل الترمذى وَأَبُو حَاتِم وَقَالَ صَدُوق وَأحمد بن إِبْرَاهِيم بن فيل وَالقَاسِم بن هِشَام السمسار وَآخَرُونَ
وَله الْمُخْتَصر الْمَشْهُور والذى اخْتَصَرَهُ من كَلَام الشافعى رضى الله عَنهُ قَالَ أَبُو عَاصِم هُوَ فى غَايَة الْحسن على نظم أَبْوَاب الْمَبْسُوط
قلت وقفت عَلَيْهِ وَهُوَ مَشْهُور
قَالَ أَبُو عَاصِم كَانَ الشافعى رضى الله عَنهُ يعْتَمد البويطى فى الْفتيا ويحيل عَلَيْهِ إِذا جَاءَتْهُ مَسْأَلَة
قَالَ واستخلفه على أَصْحَابه بعد مَوته فتخرجت على يَدَيْهِ أَئِمَّة تفَرقُوا فى الْبِلَاد ونشروا علم الشافعى فى الْآفَاق
وَقَالَ الرّبيع كَانَ أَبُو يَعْقُوب من الشافعى بمَكَان مكين
وَقد قدمنَا فى تَرْجَمَة ابْن عبد الحكم مَا رَوَاهُ الْحَاكِم عَن إِمَام الْأَئِمَّة أَبى بكر بن خُزَيْمَة أَنه قَالَ كَانَ ابْن عبد الحكم أعلم من رَأَيْت بِمذهب مَالك فَوَقَعت بَينه وَبَين البويطى وَحْشَة عِنْد موت الشافعى فحدثنى أَبُو جَعْفَر السكرى قَالَ تنَازع ابْن عبد الحكم والبويطى مجْلِس الشافعى فَقَالَ البويطى أَنا أَحَق بِهِ مِنْك وَقَالَ الآخر كَذَلِك
فجَاء الحميدى وَكَانَ تِلْكَ الْأَيَّام بِمصْر فَقَالَ قَالَ الشافعى لَيْسَ أحد أَحَق بمجلسى من يُوسُف وَلَيْسَ أحد من أصحابى أعلم مِنْهُ
فَقَالَ لَهُ ابْن عبد الحكم كذبت
قَالَ لَهُ كذبت أَنْت وَأَبُوك وأمك
وَغَضب ابْن عبد الحكم وَجلسَ البويطى فى مجْلِس الشافعى وَجلسَ ابْن عبد الحكم فى الطاق الثَّالِث

وَعَن الرّبيع أَن البويطى وَابْن عبد الحكم تنَازعا الْحلقَة فى مرض الشافعى فَأخْبر بذلك فَقَالَ الْحلقَة البويطى
وَكَانَت الْفَتَاوَى ترد على البويطى من السُّلْطَان فَمن دونه وَهُوَ متنوع فى صنائع الْمَعْرُوف كثير التِّلَاوَة لَا يمر يَوْم وَلَيْلَة غَالِبا حَتَّى يخْتم فسعى بِهِ من يحسده وَكتب فِيهِ إِلَى ابْن أَبى دؤاد بالعراق فَكتب إِلَى والى مصر أَن يمتحنه فامتحنه فَلم يجب وَكَانَ الوالى حسن الرأى فِيهِ فَقَالَ لَهُ قل فِيمَا بينى وَبَيْنك قَالَ إِنَّه يقْتَدى بى مائَة ألف وَلَا يَدْرُونَ الْمَعْنى
قَالَ وَكَانَ أَمر أَن يحمل إِلَى بَغْدَاد فى أَرْبَعِينَ رَطْل حَدِيد
قيل وَكَانَ المزنى وحرملة وَابْن الشافعى مِمَّن سعى بالبويطى
قَالَ جَعْفَر الترمذى فحدثنى الثِّقَة عَن البويطى أَنه قَالَ برِئ النَّاس من دمى إِلَّا ثَلَاثَة حَرْمَلَة والمزنى وَآخر قلت إِن صحت هَذِه الْحِكَايَة فالذى عندنَا فى إِبْهَام الثَّالِث أَنه رَاعى فِيهِ حق وَالِده رضوَان الله عَلَيْهِ
قَالَ الرّبيع كَانَ البويطى أبدا يُحَرك شَفَتَيْه بِذكر الله وَمَا أَبْصرت أحدا أنزع بِحجَّة من كتاب الله من البويطى وَلَقَد رَأَيْته على بغل وفى عُنُقه غل وفى رجلَيْهِ قيد وَبَين الغل والقيد سلسلة حَدِيد وَهُوَ يَقُول إِنَّمَا خلق الله الْخلق بكن فَإِذا كَانَت مخلوقة فَكَأَن مخلوقا خلق بمخلوق وَلَئِن أدخلت عَلَيْهِ لأصدقنه يعْنى الواثق ولأموتن فى حديدى هَذَا حَتَّى يأتى قوم يعلمُونَ أَنه قد مَاتَ فى هَذَا الشَّأْن قوم فى حديدهم
وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب أَيْضا خلق الله الْخلق بكن أفتراه خلق مخلوقا بمخلوق وَالله يَقُول بعد فنَاء الْخلق {لمن الْملك الْيَوْم} وَلَا مُجيب وَلَا داعى فَيَقُول تَعَالَى {لله الْوَاحِد القهار} فَلَو كَانَ مخلوقا مجيبا لفنى حَتَّى لَا يُجيب وَكَانَ يَقُول من قَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر

قلت يرحم الله أَبَا يَعْقُوب لقد قَامَ مقَام الصديقين
قَالَ الساجى كَانَ البويطى وَهُوَ فى الْحَبْس يغْتَسل كل جُمُعَة ويتطيب وَيغسل ثِيَابه ثمَّ يخرج إِلَى بَاب السجْن إِذا سمع النداء فَيردهُ السجان وَيَقُول ارْجع رَحِمك الله فَيَقُول البويطى اللَّهُمَّ إنى أجبْت داعيك فمنعونى
وَقَالَ أَبُو عَمْرو المستملى حَضَرنَا مجْلِس مُحَمَّد بن يحيى الذهلى فَقَرَأَ علينا كتاب البويطى إِلَيْهِ وَإِذا فِيهِ والذى أَسأَلك أَن تعرض حالى على إِخْوَاننَا أهل الحَدِيث لَعَلَّ الله يخلصنى بدعائهم فإنى فى الْحَدِيد وَقد عجزت عَن أَدَاء الْفَرَائِض من الطَّهَارَة وَالصَّلَاة فَضَجَّ النَّاس بالبكاء وَالدُّعَاء لَهُ
قلت انْظُر إِلَى هَذَا الحبر رَحمَه الله لم يكن أسفه إِلَّا على أَدَاء الْفَرَائِض وَلم يتأثر بالقيد وَلَا بالسجن فرضى الله عَنهُ وجزاه عَن صبره خيرا
وَمَا كَانَ أَبُو يَعْقُوب ليَمُوت إِلَّا فى الْحَدِيد كَيفَ وَقد قَالَ الرّبيع كنت عِنْد الشافعى أَنا والمزنى وَأَبُو يَعْقُوب فَقَالَ لى أَنْت تَمُوت فى الحَدِيث وَقَالَ لأبى يَعْقُوب أَنْت تَمُوت فى الْحَدِيد وَقَالَ للمزنى هَذَا لَو ناظره الشَّيْطَان لقطعه
قَالَ الرّبيع فَدخلت على البويطى أَيَّام المحنة فرأيته مُقَيّدا إِلَى أَنْصَاف سَاقيه مغلولة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه
وَقَالَ الرّبيع أَيْضا كتب إِلَى البويطى أَن اصبر نَفسك للغرباء وَحسن خلقك لأهل حلقتك فإنى لم أزل أسمع الشافعى رَحمَه الله يكثر أَن يتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت
(أهين لَهُم نفسى لكى يكرمونها ... وَلنْ تكرم النَّفس الَّتِى لَا تهينها)
مَاتَ البويطى فى شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فى سجن بَغْدَاد فى الْقَيْد والغل

وَمن الْفَوَائِد عَن أَبى يَعْقُوب
قَالَ أَبُو جَعْفَر الترمذى سَمِعت البويطى يحْكى عَن الشافعى أَنه قَالَ لَيْسَ من الْمُرُوءَة أَن يخبر الرجل بسنه روى ذَلِك الْحَاكِم أَبُو عبد الله بن البيع فى مَنَاقِب الشافعى وَرَوَاهُ غَيره أَيْضا
قَالَ البويطى سُئِلَ الشافعى كم أصُول الْأَحْكَام قَالَ خَمْسمِائَة قيل لَهُ وَكم أصُول السّنة قَالَ خَمْسمِائَة قيل لَهُ كم مِنْهَا عِنْد مَالك قَالَ كلهَا إِلَّا خَمْسَة وَثَلَاثِينَ قيل لَهُ كم عِنْد ابْن عُيَيْنَة مِنْهَا قَالَ كلهَا إِلَّا خَمْسَة
وَهَذِه غرائب استخرجها النووى رَحمَه الله من مُخْتَصر البويطى
قَالَ الشافعى رضى الله عَنهُ فى بَاب النُّشُوز من البويطى إِذا تزوج الْحر أمة ثمَّ خالعه سَيِّدهَا على نفس الْأمة فَجَعلهَا عوض الْخلْع لم يَصح الْخلْع وهى امْرَأَته بِحَالِهَا لِأَن الْخلْع لَا يتم إِلَّا بِملكه وَإِذا ملكهَا انْفَسَخ النِّكَاح وَصَارَت ملكا لَهُ وَلَا يَقع الطَّلَاق على ملك
وفى بَاب الدَّعْوَى والبينات مِنْهُ لَو ادّعى رجل على رجل أَو امْرَأَة بالعبودية وهما معروفان بِالْحُرِّيَّةِ فأقرا بذلك لم يجز
وفى الْبَاب الْمَذْكُور مِنْهُ أَيْضا لَو قَالَ رجل من رمانى أَو من دخل الْمَسْجِد أَو الْبَيْت فَهُوَ ابْن الزَّانِيَة فَرَمَاهُ رجل أَو دخل رجل لم يجب عَلَيْهِ حد الْقَذْف وَكَذَا لَو قَالَ ذَلِك لإِنْسَان بِعَيْنِه لم يجب عَلَيْهِ الْحَد لِأَنَّهُ يعرف كذبه فَإِنَّهُ لَا يكون بِدُخُولِهِ أَو رميه زَانيا
وفى بَاب طَلَاق الْحر وَالْأمة الْحرَّة ثَلَاثًا إِذا كَانَت الْأمة تَحت عبد فَطلقهَا وَأَرَادَ سَيِّدهَا أَن يُسَافر بهَا سَافر

وفى الْبَاب الْمَذْكُور مِنْهُ أَيْضا وَلَو قَالَ لامْرَأَته كلما ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَولدت اثْنَيْنِ فى بطن طلقت بِالْأولِ وَانْقَضَت عدتهَا بِالْآخرِ وَإِن وضعت ثَلَاثَة طلقت ثِنْتَيْنِ وَانْقَضَت عدتهَا بالثالث وَإِن ولدت أَرْبعا طلقت بِالثلَاثِ وَانْقَضَت عدتهَا بالرابع
وَهَذِه غرائب استخرجها الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله من مُخْتَصر البويطى
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله نَص الإِمَام الشافعى فى البويطى على أَن الْأكل من رَأس الثَّرِيد وَالْقرَان بَين التمرتين والتعريس على قَارِعَة الطَّرِيق أَي النُّزُول لَيْلًا واشتمال الصماء حرَام
قلت وللشيخ الإِمَام تصنيف فى هَذِه الْمسَائِل ضم إِلَيْهَا أَن الشافعى نَص فى الْأُم أَيْضا على تَحْرِيم احتباء الرجل بِثَوْب وَاحِد مفضيا بِوَجْهِهِ إِلَى السَّمَاء وَتَحْرِيم أكله مِمَّا لَا يَلِيهِ
وفى الرسَالَة نَحْو ذَلِك وَقد ذكره أَبُو بكر الصيرفى شارحها مصوبا لَهُ
وَهَذِه غرائب استخرجتها أَنا فَأَقُول
قَالَ فى البويطى فى بَاب غسل الْجُمُعَة وَهُوَ بعد بَاب التَّيَمُّم كَيفَ هُوَ وَقبل كتاب الصَّلَاة وَإِذا ولغَ الْكَلْب فى الْإِنَاء غسل سبعا أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ لَا يطهره غير ذَلِك وَكَذَلِكَ روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخِنْزِير قِيَاسا عَلَيْهِ يغسل سبعا ويهراق مَا ولغَ فِيهِ الْخِنْزِير وَالْكَلب من مَاء أَو سمن أَو عسل أَو لبن أَو غير ذَلِك إِذا كَانَ ذائبا وَإِن كَانَ جَامِدا ألْقى مَا أكلا وَأكل مَا بقى انْتهى

 

وَهَذَا نَص وقفت عَلَيْهِ فى حَيَاة الْوَالِد رَحمَه الله وكتبته إِذْ ذَاك فى شرح منهاج البيضاوى ثمَّ كتبته فى شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَلم أزل أغتبط بِهِ
ثمَّ الْآن وقفت فى مُخْتَصر البويطى أَيْضا فى أواخره فى بَاب اخْتِلَاف مَالك والشافعى قَالَ مَالك فى الْكَلْب يلغ فى الْإِنَاء وَفِيه لبن بالبادية إِنَّه يشرب اللَّبن وَيغسل الْإِنَاء سبعا أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ انْتهى
وَلَو تجرد هَذَا عَمَّا نَص عَلَيْهِ فى بَاب غسل الْجُمُعَة لقيل إِنَّه إِنَّمَا قَالَه نقلا عَن مَالك لَكِن تبين لى أَن منقوله عَن مَالك الذى أَشَارَ إِلَى مُخَالفَة الشافعى لَهُ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ شرب اللَّبن أما تعين الأولى أَو الْأُخْرَى للْغسْل فالمذهبان متوافقان عَلَيْهِ
وَمن الْعجب أَن النووى فى المنثورات مَعَ تجرده لغرائب البويطى لم يذكر هَذَا النَّص وَذكر السُّؤَال الْمَشْهُور على الْأَصْحَاب فى اقتصارهم على السَّبْعَة فى إِحْدَاهُنَّ من غير تعْيين الأولى وَالْأُخْرَى فى الْمُطلق على الْمُقَيد وَأجَاب عَنهُ وَلم يشْتَغل بِذكر هَذَا النَّص فَمَا أَظُنهُ وقف عَلَيْهِ وَقد بَينا بعد الْكَشْف أَن هَذَا النَّص أَمر مفروغ مِنْهُ عِنْد الْمُتَقَدِّمين ثَابت فى كل الرِّوَايَات
وَقد نَقله صَاحب جمع الْجَوَامِع أَبُو سهل بن العفريس وَلَفظ النَّص عِنْده وكل مَا أصَاب فِيهِ آدمى مُسلم أَو كَافِر يَده أَو شرب مِنْهُ أَو شربت مِنْهُ دَابَّة فَلَيْسَتْ تنجسه إِلَّا دابتان الْكَلْب وَالْخِنْزِير فَإِن شرب مِنْهُ كلب أَو خِنْزِير لم يطهر إِلَّا بِأَن يغسل سبعا أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ لَا يطهر إِلَّا بذلك انْتهى
ذكره فى بَاب المَاء الراكد وهى عبارَة الشافعى رضى الله عَنهُ لِأَن أَبَا سهل لَا يُغير من الْعبارَة شَيْئا إِنَّمَا يحْكى النُّصُوص بألفاظها وَكَذَلِكَ سَائِر من يجمع النُّصُوص لَيْسَ لَهُم فى أَلْفَاظ الشافعى رضى الله عَنهُ تصرف لَكِن رَأَيْت فى أصل قديم بِكِتَاب ابْن العفريس أَو إِحْدَاهُنَّ فجوزت أَن يكون إِحْدَاهُنَّ بِالدَّال تصحفت بأخراهن بالراء كَمَا قيل مثله فى الحَدِيث

وَكَذَلِكَ وجدت فى كتاب الإشراف لِابْنِ الْمُنْذر مَا نَصه وَكَانَ الشافعى وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرأى يَقُولُونَ المَاء الذى ولغَ الْكلاب فِيهِ نجس يهراق وَيغسل الْإِنَاء أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ انْتهى
أَوْلَاد الموالى وموالى الموالى هَل يدْخلُونَ فى الْوَقْف على الموالى
هَذَا فرع حسن نَص البويطى على أَن أَوْلَاد الموالى يدْخلُونَ وموالى الموالى أى عتقاؤهم لَا يدْخلُونَ وَهَذِه عِبَارَته
قَالَ رَحمَه الله فى أَوَاخِر بَاب الأحباس قبل بَاب بُلُوغ الرشد وَهُوَ فى أَوَاخِر الْكتاب قَالَ أَبُو يَعْقُوب وَإِذا قَالَ دارى حبس على موالى وَله موَالٍ من فَوق وَمن أَسْفَل وَلم يبين فقد قيل هُوَ بَينهمَا وَقيل بوقفه حَتَّى يصطلحوا
وَإِن قَالَ موالى من أَسْفَل ولولده موَالٍ من أَسْفَل لم يدْخل فى ذَلِك إِلَّا موَالِيه خَاصَّة وَولد موَالِيه وَلم يدْخل فى ذَلِك موالى موَالِيه لِأَن الْوَلَاء لَهُم قبله وينسبون إِلَيْهِم وَأَوْلَادهمْ بِمَنْزِلَة آبَائِهِم لأَنهم موَالِيه انْتهى وَهُوَ من كَلَام أَبى يَعْقُوب لَا من كَلَام الشافعى رضى الله عَنهُ
وَقَوله وَقيل بوقفه حَتَّى يصطلحوا فى الْمَسْأَلَة الأولى هُوَ القَوْل الذى حَكَاهُ الرافعى فى بَاب الْوَصِيَّة عَن حِكَايَة البويطى وَلم يذكرهُ فى كتاب الْوَقْف وَحَكَاهُ النووى فى الْوَقْف وَجها من زِيَادَته عَن حِكَايَة الدارمى ثمَّ قَالَ إِنَّه لَيْسَ بشئ
وَاعْلَم أَن صَاحب الْبَحْر نقل مَسْأَلَة أَوْلَاد الموالى وموالى الموالى فَقَالَ الْأخْتَان يَجْتَمِعَانِ فى الْملك فيطأ الْمَالِك وَاحِدَة ثمَّ يطَأ الْأُخْرَى قبل أَن يحرم الأولى قَالَ أَصْحَابنَا قاطبة إِذا كَانَ لَهُ أمتان وهما أختَان فوطئ إِحْدَاهمَا حرمت الْأُخْرَى حَتَّى تحرم الأولى عَلَيْهِ بتزويج أَو كِتَابَة وَنَحْو ذَلِك فَإِن أقدم وَوَطئهَا قبل ذَلِك أَثم وَلم يجب

الْحَد للشُّبْهَة ثمَّ الثَّانِيَة مستمرة على التَّحْرِيم كَمَا كَانَت وَالْأولَى مستمرة على الْحل وَالْحرَام لَا يحرم الْحَلَال
وَعَن أَبى مَنْصُور بن مهْرَان أستاذ الأودنى إِنَّه إِذا أحبل الثَّانِيَة حلت وَحرمت الْمَوْطُوءَة وعَلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ اقْتصر الرافعى
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله فى شرح الْمِنْهَاج وفى البويطى إِذا كَانَ عِنْده أمتان أختَان فوطئهما قيل لَهُ لَا تقربهما حَتَّى تحرم فرج إِحْدَاهمَا
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا يقتضى إِثْبَات قَول آخر أَنه بِوَطْء الثَّانِيَة يحرمان جَمِيعًا
قلت وَقد وقفت على النَّص فى البويطى فى بَاب الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ وَهُوَ نَحْو نصف الْكتاب وَقد أَخطَأ بعض النَّاس ففهم من هَذَا النَّص أَن الْحَال بِوَطْء الثَّانِيَة يصيرهما كَمَا لَو اشتراهما ابْتِدَاء بِحَيْثُ يجوز لَهُ أَن يقدم بعده على وَطْء من شَاءَ مِنْهُمَا ثمَّ يحرم الْأُخْرَى وَهُوَ سوء فهم وفى قَوْله لَا يقربهما مَا يرد قَوْله

 

طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي

 

البُوَيْطِي ّ:
الإِمَامُ, العَلاَّمَةُ, سَيِّدُ الفُقَهَاءِ, يُوْسُفُ أبي يَعْقُوْبَ بن يحيى المِصْرِيُّ, البُوَيْطِيُّ, صَاحِبُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ لاَزَمَهُ مُدَّةً، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَفَاقَ الأَقْرَانَ.
وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ وَهْبٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغيْرِهِمَا.
رَوَى عَنْهُ: الرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَأبي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأبي حَاتِمٍ، وَقَالَ: هُوَ صَدُوْقٌ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فِيْلٍ، وَالقَاسِمُ بنُ هَاشِمٍ السِّمْسَارُ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ إِمَاماً فِي العِلْمِ, قُدْوَةً فِي العَمَلِ, زَاهِداً رَبَّانِيّاً مُتَهَجِّداً, دَائِمَ الذِّكْرِ وَالعُكُوْفِ عَلَى الفِقْهِ.
بَلَغَنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: لَيْسَ فِي أَصْحَابِي أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنَ البُوَيْطِيِّ.
وَقَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ البُوَيْطِيُّ أَبَداً يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِذِكْرِ اللهِ، وَمَا أَبْصَرْتُ أَحَداً أَنْزَعَ بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مِنَ البُوَيْطِيِّ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ عَلَى بَغْلٍ فِي عُنُقِهِ غُلٌّ, وَفِي رِجْلَيْهِ قَيْدٌ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الغُلِّ سِلْسِلَةٌ فِيْهَا لَبِنَةٌ، وَزْنُهَا أَرْبَعُوْنَ رِطْلاً، وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ بِـ"كُنْ"، فَإِذَا كَانَتْ مَخْلُوْقَةً، فَكَأَنَّ مَخْلُوْقاً خُلِقَ بِمَخْلُوْقٍ، وَلَئِنْ أُدْخِلْتُ عَلَيْهِ لأَصْدُقَنَّهُ -يَعْنِي: الوَاثِقَ- وَلأَمُوْتَنَّ فِي حَدِيْدِيَ هَذَا حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ يَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فِي هَذَا الشَّأْنِ قَوْمٌ في حديدهم.
قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ أَعْلَمَ مَنْ رَأَيْتُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ, فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البُوَيْطِيِّ عِنْدَ مَوْتِ الشَّافِعِيِّ، فَحَدَّثَنِي أبي جَعْفَرٍ السُّكَّرِيُّ, قَالَ: تَنَازَعَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ وَالبُوَيْطِيُّ مَجْلِسَ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ البُوَيْطِيُّ: أَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ، وَقَالَ الآخَرُ كَذَلِكَ، فَجَاءَ الحُمَيْدِيُّ، وَكَانَ بِمِصْرَ، فَقَالَ: قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يُوْسُفَ, لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَعْلَمَ مِنْهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: كَذَبْتَ. قَالَ: بَلْ كذبت أنت وأبيك وأمك, وغضب ابن عبد الحَكَمِ، فَجَلَسَ البُوَيْطِيُّ فِي مَكَانِ الشَّافِعِيِّ, وَجَلَسَ ابن عبد الحكم في الطاق الثالث.
القَاضِي زَكَرِيَّا بنُ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ: حَدَّثَنَا أبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ, قَالَ: كَانَ البُوَيْطِيُّ حِيْنَ مَرِضَ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ هُوَ وَابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ وَالمُزَنِيُّ، فَتَنَازَعُوا الحَلَقَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّ، فَقَالَ: الحَلَقَةُ لِلْبُوَيْطيِّ. فَلِهَذَا اعْتَزَلَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ، وَكَانَتْ أَعْظَمَ حَلَقَةٍ فِي المَسْجِدِ. فَكَانَ البُوَيْطِيُّ يَصُوْمُ، وَيَتْلُو غَالِباً فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَتْمَةً مَعَ صَنَائِعِ المَعْرُوْفِ إِلَى النَّاسِ.
وَبِهِ إِلَى الرَّبِيْعِ قَالَ: فَسُعِيَ بِالبُوَيْطِيِّ، وَكَانَ أبي بَكْرٍ الأَصَمُّ مِمَّنْ سَعَى بِهِ -وَمَا هُوَ بِابْنِ كَيْسَانَ الأَصَمِّ- وَكَانَ أَصْحَابُ ابْنِ أَبِي دؤاد، وَابْنُ الشَّافِعِيِّ مِمَّنْ سَعَى بِهِ, حَتَّى كَتَبَ فيه ابن أبي دؤاد إلى والي مصر، فَامْتَحَنَهُ فَلَمْ يُجِبْ، وَكَانَ الوَالِي حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ, فَقَالَ لَهُ: قُلْ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ. قَالَ: إِنَّهُ يَقْتَدِي بِي مائَةُ أَلْفٍ، وَلاَ يَدْرُوْنَ المَعْنَى. قَالَ: وَقَدْ كَانَ أُمِرَ أَنْ يُحْمَلَ إِلَى بَغْدَادَ فِي أَرْبَعِيْنَ رِطْلَ حَديدٍ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: وَكَانَ المُزَنِيُّ مِمَّنْ سَعَى بِهِ وَحَرْمَلَةُ.
قَالَ أبي جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: فَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ، عَنِ البُوَيْطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: بَرِئَ النَّاسُ مِنْ دَمِي إِلاَّ ثَلاَثَةً: حَرْمَلَةَ وَالمُزَنِيَّ وَآخَرَ.
قُلْتُ: اسْتَفِقْ، وَيْحَكَ! وَسَلْ رَبَّكَ العَافِيَةَ، فَكَلاَمُ الأَقْرَانِ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ أَمْرٌ عَجِيْبٌ، وَقَعَ فِيْهِ سَادَةٌ، فَرَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: كَتَبَ إِلَيَّ أبي يَعْقُوْبَ البُوَيْطِيُّ: أَنِ اصْبِرْ نَفْسَكَ لِلْغُرَبَاءِ، وَحَسِّنْ خُلُقَكَ لأَهْلِ حَلْقَتِكَ، فَإِنِّي لَمْ أَزَلْ أَسَمَعُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ كَثِيْراً وَيَتَمَثَّلُ:
أُهِيْنُ لَهُم نَفْسِي لِكَي يُكْرِمُونَهَا ... وَلَنْ تُكْرَمَ النَّفْسُ الَّتِي لاَ تُهِيْنُهَا
مَاتَ الإِمَامُ البُوَيْطِيُّ: فِي قَيْدِهِ, مَسْجُوْناً بِالعِرَاقِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
عِنْدِي حَدِيْثٌ فِي "مُسْندِ أَبِي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ": حَدَّثَنَا أبي يَعْقُوْبَ البُوَيْطِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، فذكره.

(9/460)

سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايمازالذهبي

 

 

يُوسُف بن يحيى [000 - 231]
أَبُو يَعْقُوب الْبُوَيْطِيّ.
وبويط من صَعِيد مصر الْأَدْنَى.
قَالَ أَبُو سعيد حفيد يُونُس فِي " كِتَابه ": كَانَ متقشفاً، حمل من مصر فِي أَيَّام الْفِتْنَة والمحنة بِالْقُرْآنِ إِلَى الْعرَاق مَعَ من حمل من مَشَايِخ أهل مصر، فأرادوه على الْفِتْنَة فَامْتنعَ، فسجن بِبَغْدَاد، وَقيد وَكَانَ مسجوناً إِلَى أَن توفّي فِي السجْن والقيد بِبَغْدَاد، وَقد كتب شَيْئا كثيرا.
قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم صَاحب أَحْمد: كُنَّا فِي مجْلِس الْبُوَيْطِيّ فَقَرَأَ علينا عَن الشَّافِعِي أَن التَّيَمُّم ضربتان، فَقلت لَهُ: قد ثَبت حَدِيث عمار بن ياسرٍ(رَضِي الله عَنهُ) ، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، أَن التَّيَمُّم ضَرْبَة وَاحِدَة، فحك من كِتَابه ضربتين، وصيره ضَرْبَة على حَدِيث عمار، وَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: إِذا رَأَيْتُمْ عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الثبت فاضربوا على قولي، وَارْجِعُوا إِلَى الحَدِيث، وخذوا بِهِ، فَإِنَّهُ قولي.
وَرُوِيَ هَذَا الْحَافِظ أَبُو بكر بَان مرْدَوَيْه، وَهُوَ القَوْل الَّذِي حُكيَ عَن الْقَدِيم، ثمَّ إِن التَّيَمُّم للْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَحسب، فَاعْلَم، وَالله أعلم.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: الْبُوَيْطِيّ أحد الْعلمَاء الَّذين صَبَرُوا على الْبلَاء فِي محنة الْقُرْآن على قلتهم، فَإِنَّمَا هم: هُوَ، وَأحمد ابْن حَنْبَل، وَأحمد بن نصر الْخُزَاعِيّ، وَمُحَمّد بن نوح، ونعيم بن حَمَّاد، والأذرمي. وَمِمَّنْ لم يجب، وَلَكِن لم يبتل كابتلاء الْأَوَّلين: أَبُو نعيم ابْن دُكَيْن، وَعَفَّان، وَيحيى الْحمانِي، وَإِسْمَاعِيل ابْن أبي أويس، وَأَبُو مُصعب، المدنيان، فِي شرذمة قليلين. وَأجَاب عَامَّة من الْعلمَاء مكرهين كَأبي نصر التمار، وَابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن معِين، وَأبي خَيْثَمَة، تجَاوز الله عَنَّا وعنهم.
قَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي فِي كِتَابه " شرح اخْتِلَاف الشَّافِعِي وَمَالك " رَضِي الله عَنْهُمَا: عَن الْبُوَيْطِيّ، قدم علينا الشَّافِعِي مصر، فَأكْثر الرَّد على مَالك،فاتهمته وَبقيت متحيراً، فَكنت أَكثر الصَّلَاة وَالدُّعَاء رَجَاء أَن يريني الله الْحق مَعَ أَيهمَا، فَرَأَيْت فِي مَنَامِي أَن الْحق مَعَ الشَّافِعِي، فَذهب مَا كنت أَجِدهُ.
قَالَ: فالبويطي مَشْهُور أَنه كَانَ يرى رَأْي مَالك قبل أَن يَقُول بقول الشَّافِعِي.
وَذكر فِيهِ أَيْضا أَن الْمُزنِيّ كَانَ يرى رَأْي أهل الْعرَاق.
وروى الصَّيْرَفِي، عَن أبي نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدي الإستراباذي، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، عَن كتبه، وَذكر أَن الْبُوَيْطِيّ هُوَ الْقَائِل فِي كتاب " اختلافه وَمَالك ": سَأَلت الشَّافِعِي، وَقلت للشَّافِعِيّ، وَأَن الرّبيع رَوَاهُ من نسخته فاستثقل أَن يُغير مِنْهُ: سَأَلت وَقلت، وَقد رُوِيَ عَنهُ أَيْضا: سُئِلَ الشَّافِعِي.
وَللشَّافِعِيّ كتاب " جماع الْعلم الْكَبِير " وَكتاب " جماع الْعلم الصَّغِير "، فِيمَا ذكره الَّذِي استنبطه الْإِسْمَاعِيلِيّ قد كَانَ فِي كِتَابه " الْمخْرج " على البُخَارِيّ فِي تَفْسِير قَوْله: " إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ ". وَقد ذكره الصَّيْرَفِي فِي كتاب " شرح اخْتِلَاف الحَدِيث "، فَلَا أَدْرِي وَقع الْحَافِر على الْحَافِر، أَو أَخذه عَنهُ، أَو أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ قد كَانَ بلغه ذَلِك قَدِيما عَن الصَّيْرَفِي أَو غَيره، ثمَّ أنسيته، ثمَّ خطر لَهُ ذَلِك، فَاعْتقد أَنه سبق باستنباطه، وَالله أعلم.

ذكر الصَّيْرَفِي عَن أَحْمد قَالَ: مَا أذكى الْبُوَيْطِيّ، دخل عَليّ فِي الْحَبْس وَلَكِن لَيْسَ لَهُ علم بِالْحَدِيثِ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ: الشَّافِعِي خطيب الْعلمَاء كَمَا أَن دَاوُد خطيب الْأَنْبِيَاء.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: و " مُخْتَصر " الْبُوَيْطِيّ رَوَاهُ الرّبيع عَن الشَّافِعِي، وأظن هَذَا أَو نَحوه هُوَ الَّذِي أوقع الْحَاكِم أَبَا عبد الله الْحَافِظ فِي أَن قَالَ: وَالَّذِي أرَاهُ الْحق مَا رَأَيْته عَن عَليّ بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي مطر القَاضِي الإسكندري قَالَ: صنف أَبُو يَعْقُوب الْبُوَيْطِيّ هَذَا الْكتاب، وقرأه على الشَّافِعِي - (رَضِي الله عَنهُ) - بِحَضْرَة الرّبيع بن سُلَيْمَان - رحمهمَا الله - فَحصل سَمَاعا للربيع، وَأخْبرنَا بِهِ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

أبو يعقوب، يوسفُ بنُ يحيى المصري البويطيُّ، صاحبُ الإمام الشافعي - رضي الله عنه -.
كان واسطة عقد جماعته، وأظهرَهم نجابةً، اختص به في حياته، وقام مقامه في الدرس والفتوى بعد وفاته، سمع الأحاديث النبوية من عبد الله بن وهب الفقيه المالكي، ومن الإمام الشافعي، وروى عنه: أبو إسماعيل الترمذي، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، والقاسم بن المغيرة الجوهري، وأحمد بن منصور الرمادي، وغيرهم.
وكان قد حمل في أيام الواثق بالله من مصر إلى بغداد في مدة المحنة، وأُريد على القول بخلق القرآن، فامتنع من الإجابة إلى ذلك، فحُبس ببغداد، ولم يزل في السجن والقيد حتى مات، وكان صالحًا متنسكًا عابدًا زاهدًا.
قال الربيع: دخلت على البويطي أيام المحنة، فرأيته مقيدًا إلى أنصاف ساقيه، مغلولةً يدُه إلى عنقه، وكتب إليَّ من السجن: إنه ليأتي عليّ أوقاتٌ لا أحس بالحديد على بدني حتى تمسه يدي، فإذا قرأتَ كتابي هذا، فأحسن خلقك مع أهل حلقتك، واستوصِ بالغرباء خاصة خيرًا، فكثيرًا ما كنت أسمع الشافعي - رضي الله عنه - يقول:
أُهينُ لهم نفسي لأكرمَهم بها ... ولن تُكرَم النفسُ التي لا تُهينها
وأخباره كثيرة.
توفي يوم الجمعة قبل الصلاة في رجب سنة 231 في القيد والسجن ببغداد.
والبويطي: نسبة إلى بُوَيْط، وهي قرية من أعمال الصعيد الأدنى من ديار مصر.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

البُوَيْطي
(000 - 231 هـ = 000 - 846 م)
يوسف بن يحيى القرشي، أبو يعقوب البويطي:
صاحب الإمام الشافعيّ، وواسطة عقد جماعته. قام مقامه في الدرس والإفتاء بعد وفاته. وهو من أهل مصر، نسبته إلى بويط (من أعمال الصعيد الأدنى) ولما كانت المحنة في قضية خلق القرآن، حمل إلى بغداد (في أيام الواثق) محمولا على بغل، مقيدا، وأريد منه القول بأن القرآن مخلوق، فامتنع، فسجن. ومات في سجنه بغداد.
قال الشافعيّ: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس أحد من أصح أبي أعلم منه.
له " المختصر " في الفقه، اقتبسه من كلام الشافعيّ .

-الاعلام للزركلي-